الكتاب: طرح التثريب في شرح التقريب (المقصود بالتقريب: تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) أكمله ابنه: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري، أبو زرعة ولي الدين، ابن العراقي (المتوفى: 826هـ) الناشر: الطبعة المصرية القديمة - وصورتها دور عدة منها (دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي) عدد المجلدات: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد» لزين الدين العراقي، بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - شرحه «طرح التثريب» للمؤلف نفسه، وأكمله ولده ولي الدين العراقي ---------- طرح التثريب في شرح التقريب العراقي، زين الدين الكتاب: طرح التثريب في شرح التقريب (المقصود بالتقريب: تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ) أكمله ابنه: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي الرازياني ثم المصري، أبو زرعة ولي الدين، ابن العراقي (المتوفى: 826هـ) الناشر: الطبعة المصرية القديمة - وصورتها دور عدة منها (دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، ودار الفكر العربي) عدد المجلدات: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد» لزين الدين العراقي، بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - شرحه «طرح التثريب» للمؤلف نفسه، وأكمله ولده ولي الدين العراقي [مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَنَفَعَنَا بِعِلْمِهِ وَتَأْلِيفِهِ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ   Qبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَيَّنَ أَحْكَامَ الْمِلَّةِ السُّنِّيَّةِ، وَزَيَّنَ أَعْلَامَ الْجُلَّةِ السُّنِّيَّةِ، وَبَصَّرَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْآثَارِ النَّبَوِيَّةِ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ الْأَشْرَارِ الْحَشْوِيَّةِ، أَشْكُرُهُ عَلَى أَيَادٍ حَارِيَةٍ وَحَفِيَّةٍ، وَأَسْتَغْفِرُهُ لِمَسَاوِئَ بَادِيَةٍ وَخَفِيَّةٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُتَوَحِّدُ بِالْبَقَاءِ فِي الْأَزَلِيَّةِ، الْمُنْفَرِدُ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَبْرِيَّةِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي دَعَانَا إلَى الْمِلَّةِ الزَّهْرَاءِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَتَرَكَنَا عَلَى مَحَجَّةٍ بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْمَقَادِرِ الْعَلِيَّةِ، وَالْمَآثِرِ الْجَلِيَّةِ. (وَبَعْدُ) فَلَمَّا أَكْمَلْت كِتَابِي الْمُسَمَّى بِتَقْرِيبِ الْأَسَانِيدِ وَتَرْتِيبِ الْمَسَانِيدِ وَحَفِظَهُ ابْنِي أَبُو زُرْعَةَ الْمُؤَلَّفُ لَهُ وَطَلَبَ حَمْلَهُ عَنِّي جَمَاعَةٌ مِنْ الطَّلَبَةِ الْحَمَلَةِ، سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابَةِ شَرْحٍ لَهُ يُسَهِّلُ مَا عَسَاهُ يَصْعُبُ عَلَى مَوْضُوعِ الْكِتَابِ، وَيَكُونُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْإِيجَازِ وَالْإِسْهَابِ، فَتَعَلَّلْتُ بِقُصُورٍ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ عَنْ ذَلِكَ، وَبِقِلَّةِ الْكُتُبِ الْمُعِينَةِ عَلَى مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ رَأَيْت أَنَّ الْمُسَارَعَةَ إلَى الْخَيْرِ أَوْلَى وَأَجَلُّ، وَتَلَوْت {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: 265] ، وَلِمَا ذَكَرْته مِنْ قِصَرِ الزَّمَانِ وَقِلَّةِ الْأَعْوَانِ، سَمَّيْته طَرْحَ التَّثْرِيبِ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ، فَلْيَبْسُطْ النَّاظِرُ فِيهِ عُذْرًا وَلِيَقْتَنِصْ عَرُوسَ فَوَائِدِهِ عُذْرًا، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي إكْمَالِهِ وَإِتْمَامِهِ وَحُصُولِ النَّفْعِ بِهِ وَدَوَامِهِ، إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَحْكَامَ لِإِمْضَاءِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ، وَأَجْزَلَ الْإِنْعَامَ لِشَاكِرِ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالدَّيْنِ الْقَوِيمِ، الْمَنْعُوتُ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ   Qوَرَأَيْت أَنْ أُقَدِّمَ قَبْلَ شَرْحِ مَقْصُودِ الْكِتَابِ مُقَدِّمَةً فِي تَرَاجِمِ رِجَالِ إسْنَادِهِ، وَرَأَيْت أَنْ أَضُمَّ إلَيْهِمْ مَنْ ذُكِرَ اسْمُهُ فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابِ لِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ كَلَامٍ عَلَيْهِ، أَوْ لِذِكْرِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِعُمُومِ الْفَائِدَةِ بِذَلِكَ، وَهَذَا حِينَ أَشْرَعُ فِي الْكَلَامِ عَلَى خُطْبَةِ الْأَحْكَامِ (وَقَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَحْكَامَ لِإِمْضَاءِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ) الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، إذْ السُّنَّةُ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ هِيَ الْمَقْصُودَةُ وَوَصْفُ السُّنَّةِ بِالْإِنْزَالِ صَحِيحٌ، فَقَدْ كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ بِهَا كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي أَحْرَمَ لِعُمْرَةٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِخَلُوقٍ فَنَزَلَ الْوَحْيُ فِي ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ، وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ» الْحَدِيثَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: السُّنَّةُ وَحْيٌ يُتْلَى. (وَاللَّامُ) فِي قَوْلِهِ لِإِمْضَاءٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَاقِبَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَوْ لَمْ تَنْزِلْ لَمَا عُذِّبَ الْكَافِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] فَكَانَ نُزُولُ الْأَحْكَامِ سَبَبًا لِبَيَانِ الطَّائِعِ وَالْعَاصِي، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا تُعَلَّلُ أَفْعَالُهُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تُعَلَّلُ بِالْغَرَضِ لِغِنَاهُ عَنْ جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ. وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِمَعْنَى إبْدَاءِ الْحِكْمَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَقَدْ عَلَّلَ هُوَ سُبْحَانَهُ أَفْعَالَهُ لِقَوْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 (وَبَعْدُ) : فَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَ لِابْنِي أَبِي زُرْعَةَ مُخْتَصَرًا فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ، يَكُونُ مُتَّصِلَ الْأَسَانِيدِ بِالْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ فَإِنَّهُ يَقْبُحُ بِطَالِبِ الْحَدِيثِ بَلْ بِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَحْفَظَ   Q {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: 2] وَقَوْلُهُ {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] الْآيَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. 1 - (قَوْلُهُ: وَبَعْدُ فَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَ لِابْنِي أَبِي زُرْعَةَ مُخْتَصَرًا) إلَى آخِرِهِ تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنِّي أُتَرْجِمُ كُلَّ مَنْ ذُكِرَ فِيهِ فَلَمْ أَرَ أَنْ أُخِلَّ بِذِكْرِ مَنْ أُلِّفَ لَهُ الْكِتَابُ، وَلَمْ أَرَ إدْخَالَهُ فِي رِجَالِ الْكِتَابِ لِصِغَرِ سِنِّهِ عَنْ الشُّيُوخِ فَرَأَيْت أَنْ أَذْكُرَهُ هُنَا، وَأُبَيِّنَ وُقُوعَ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ لَهُ عَالِيَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُهُ فَيُحَدِّثَ بِهِ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَبُو زُرْعَةَ مَوْلِدُهُ بِظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ فِي ثَالِثِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ حَضَرَ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى الْقَاضِي نَاصِرُ الدِّينِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الرَّبَعِيِّ التُّونُسِيُّ وَفَتْحِ الدِّينِ أَبِي الْحَرَمِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَرَمِ الْقَلَانِسِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْعَطَّارِ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي آخَرِينَ، وَحَضَرَ بِدِمَشْقَ عَلَى يَعْقُوبَ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَرِيرِيِّ وَالْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ السَّيْرَجِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤَذِّنِ وَعُمَرَ بْنِ أَمِيلَةَ فِي آخَرِينَ، وَحَضَرَ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ النَّجْمِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالِ بْنِ الْهُبَلِ وَصَلَاحِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الشَّحْطَبِيِّ فِي آخَرِينَ ثُمَّ سَمِعَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ خَلَائِقَ وَمِنْ مَسْمُوعَاتِهِ الْكُتُبُ السِّتَّةُ وَالْمُوَطَّأُ وَمُسْنَدُ الشَّافِعِيِّ وَمُسْنَدُ الدَّارِمِيِّ وَمُسْنَدُ الطَّيَالِسِيِّ وَمُسْنَدُ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَكِتَابُ الْأَدَبُ لِلْبُخَارِيِّ وَكِتَابُ الْأَدَبُ لِلْبَيْهَقِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 بِإِسْنَادِهِ عِدَّةً مِنْ الْأَخْبَارِ، وَيَسْتَغْنِيَ بِهَا عَنْ حَمْلِ الْأَسْفَارِ فِي الْأَسْفَارِ، وَعَنْ مُرَاجَعَةِ الْأُصُولِ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ وَالِاسْتِحْضَارِ، وَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الْحَرَجِ بِنَقْلِ مَا لَيْسَتْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الدِّرَايَةِ، وَلَمَّا رَأَيْت صُعُوبَةَ حِفْظِ الْأَسَانِيدِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِطُولِهَا، وَكَانَ قَصْرُ أَسَانِيدِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَسِيلَةً لِتَسْهِيلِهَا، رَأَيْت أَنْ أَجْمَعَ أَحَادِيثَ عَدِيدَةً فِي تَرَاجِمَ   Qوَصَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ وَالْمُعْجَمُ الصَّغِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَتْ لَهُ أَحَادِيثُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَالِيَةً فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُوَطَّإِ فَخَصُّوهُ بِقِرَاءَتِي عَلَى أَبِي الْحَرَمِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيِّ بِإِسْنَادِهِ فِيهِ وَأَجَازَ لَهُ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِهِ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ الْعَرَضِيُّ قَالَ أَخْبَرْتنَا بِجَمِيعِ الْمُسْنَدِ زَيْنَبُ بِنْتُ مَكِّيِّ بْنِ كَامِلٍ قَالَتْ أَنْبَأَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِسَنَدِهِ فِيهِ جَعَلَهُ اللَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ. (قَوْلُهُ وَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ الْحَرَجِ فِي الْجَزْمِ بِنَقْلِ مَا لَيْسَتْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الدِّرَايَةِ) اهـ. حَكَى هَذَا الْإِجْمَاعَ الَّذِي ذَكَرْته الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَيْرِ بْنِ عُمَرَ الْأُمَوِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْإِشْبِيلِيُّ وَهُوَ خَالُ أَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ فَقَالَ فِي بَرْنَامَجِهِ الْمَشْهُورِ حِينَ ذَكَرَ مِنْ فَائِدَةِ كَثْرَةِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّخْصَ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ فِي نَقْلِ مَا لَيْسَتْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ مَرْوِيًّا، وَلَوْ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِ الرِّوَايَاتِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ» مُطْلَقًا دُونَ تَقْيِيدٍ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنُ خَيْرٍ. 1 - قَوْلُهُ (رَأَيْت أَنْ أَجْمَعَ أَحَادِيثَ عَدِيدَةً فِي تَرَاجِمَ مَحْصُورَةٍ، وَتَكُونُ تِلْكَ التَّرَاجِمُ فِيمَا عُدَّ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ مَذْكُورَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 مَحْصُورَةٍ. وَتَكُونَ تِلْكَ التَّرَاجِمُ فِيمَا عُدَّ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ مَذْكُورَةً، إمَّا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مَنْ عَمَّمَهُ، أَوْ مُقَيَّدًا بِصَحَابِيِّ تِلْكَ التَّرْجَمَةِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ هُوَ لِمَنْ ذُكِرَ الْإِسْنَادُ إلَيْهِ مِنْ الْمُوَطَّإِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمْ أَعْزُهُ لِأَحَدٍ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ كَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا اقْتَصَرْت عَلَى عَزْوِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ عَزَوْته إلَى مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ عَزَوْت الْحَدِيثَ إلَيْهِ زِيَادَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُكْمٍ ذَكَرْتهَا، وَكَذَلِكَ أَذْكُرُ زِيَادَاتٍ أُخَرَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ حَدِيثِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ لَمْ أَذْكُرْهُ، بَلْ أَقُولُ: وَلِأَبِي دَاوُد أَوْ غَيْرِهِ كَذَا. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ قُلْت: وَلِفُلَانٍ مِنْ حَدِيثِ فُلَانٍ كَذَا، وَإِذَا اجْتَمَعَ   Qإمَّا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مَنْ عَمَّمَهُ أَوْ مُقَيَّدًا بِصَحَابِيٍّ تِلْكَ التَّرْجَمَةُ) اهـ. التَّرَاجِمُ الَّتِي جَمَعَهَا فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ سِتَّةَ عَشَرَ تَرْجَمَةً بَعْضُهَا قِيلَ فِيهَا: إنَّهَا أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مُطْلَقًا، وَبَعْضُهَا قُيِّدَتْ إمَّا بِالصَّحَابِيِّ الَّذِي رَوَاهَا، أَوْ بِأَهْلِ بَلَدٍ مَثَلًا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ هُنَا فِي حِكَايَةِ كَلَامِ مَنْ رَآهَا أَصَحَّ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ عَلَى تَرَاجِمَ أَنَّهَا أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ الْحُكْمُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 حَدِيثَانِ فَأَكْثَرُ فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمْ أَذْكُرْهَا فِي الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ، بَلْ أَكْتَفِي بِقَوْلِي: وَعَنْهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ اشْتِبَاهٌ، وَحَيْثُ عَزَوْت الْحَدِيثَ لِمَنْ خَرَّجَهُ، فَإِنَّمَا أُرِيدُ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا ذَلِكَ اللَّفْظَ، عَلَى قَاعِدَةِ الْمُسْتَخْرَجَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ إلَّا فِي الْكِتَابِ الَّذِي رَوَيْته مِنْهُ عَزَوْته إلَيْهِ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ فِيهِ، لِئَلَّا يَلْبَسَ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: فَأَخْبَرَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْفَارِقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَشْهَدِيُّ وَسِيدَةُ بِنْتُ مُوسَى الْمَارَانِيَّةُ. قَالَ يُوسُفُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ (ح) وَقَالَتْ سِيدَةُ أَنْبَأَنَا الْمُؤَيَّدُ قَالَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَالَ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ   Qأَصَحِّ الْأَسَانِيدِ لِصَحَابِيٍّ وَاحِدٍ فَيَقُولُ: إنَّ أَصَحَّ أَسَانِيدِ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَذَكَرَ كَلَامَهُ إلَى آخِرِهِ وَسَتَقِفُ عَلَى بَعْضِهِ فِي بَعْضِ التَّرَاجِمِ الَّتِي نَذْكُرُهَا. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِهِ أَنَّ دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ تَتَفَاوَتُ قَالَ وَلِهَذَا نَرَى الْإِمْسَاكَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَمَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ التَّرَاجِمِ الْأَرْبَعَةِ فَأَخْبَرَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ فِي الرِّحْلَةِ الْأُولَى قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ مَكِّيٍّ قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، فَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرْنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   Qالْحُكْمِ لِإِسْنَادٍ أَوْ حَدِيثٍ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَئِمَّةِ خَاضُوا غَمْرَةَ ذَلِكَ فَاضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي أَصَحِّ التَّرَاجِمِ، وَهَذِهِ التَّرَاجِمُ السِّتَّةَ عَشَرَ مَرْتَبَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْت فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى قَالَ الْبُخَارِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ جَابِرٍ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ   Qأَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا أَطْلَقَ الْبُخَارِيُّ، وَقَيَّدَهُ الْحَاكِمُ فَقَالَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: أَصَحُّ أَسَانِيدِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: أَصَحُّ أَسَانِيدِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: أَصَحُّ أَسَانِيدِ أَنَسٍ مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ. (الرَّابِعَةُ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ أَسَانِيدِ عُمَرَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. (السَّادِسَةُ) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا. (السَّابِعَةُ) قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ. (الثَّامِنَةُ) قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَجْوَدُ الْأَسَانِيدِ الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِهِ: أَصَحُّ أَسَانِيدِ الْيَمَانِيَيْنِ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا أَصَحُّ أَسَانِيدِ أَبِي هُرَيْرَةَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) قَالَ الْحَاكِمُ أَصَحُّ أَسَانِيدِ الْمَكِّيِّينَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) قَالَ الْحَاكِمُ أَثْبَتُ أَسَانِيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ أُرَتِّبْهُ عَلَى التَّرَاجِمِ بَلْ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ لِقُرْبِ تَنَاوُلِهِ، وَأَتَيْت فِي آخِرِهِ بِجُمْلَةٍ مِنْ الْأَدَبِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَسَمَّيْتُهُ (تَقْرِيبَ الْأَسَانِيدِ وَتَرْتِيبَ الْمَسَانِيدِ) وَاَللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ حَفِظَهُ   Qالْخُرَاسَانِيِّينَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. (الرَّابِعَةَ عَشَرَ) قَالَ الْحَاكِمُ أَثْبَتُ أَسَانِيدِ الْمِصْرِيِّينَ اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (السَّادِسَةَ عَشَرَ) قَالَ الْحَاكِمُ أَصَحُّ أَسَانِيدِ عَائِشَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذِهِ تَرْجَمَةٌ مُشَبَّكَةٌ بِالذَّهَبِ. (قَوْلُهُ وَسَمَّيْته تَقْرِيبَ الْأَسَانِيدِ وَتَرْتِيبَ الْمَسَانِيدِ) الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَبَيْنَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ أَنَّ الْأَسَانِيدَ الطِّوَالَ قَرُبَتْ بِكَوْنِهَا جُمِعَتْ فِي تَرَاجِمَ مَحْصُورَةٍ فَصَارَتْ قَرِيبَةَ التَّنَاوُلِ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى التَّرَاجِمِ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ تُوضَعَ عَلَى الْحُرُوفِ فِي تَرَاجِمِ الرِّجَالِ فَرَتَّبْت هَذِهِ عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ مَعَ كَوْنِهَا عَلَى التَّرَاجِمِ. وَالْمَسَانِيدُ جَمْعُ مُسْنَدٍ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ إثْبَاتَ الْيَاءِ، وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ فِيهِ مَسَانِدُ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ مُفْعَلٍ مُفَاعِلُ، وَأَجَابَ بَعْضُ النُّحَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 أَوْ سَمِعَهُ أَوْ نَظَرَ فِيهِ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا مِنْ مَزِيدِ فَضْلِهِ مَا نُؤَمِّلُهُ وَنَرْتَجِيهِ. إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ وَرَأَيْت الِابْتِدَاءَ بِحَدِيثِ النِّيَّةِ مُسْنَدًا بِسَنَدٍ آخَرَ، لِكَوْنِهِ لَا يَشْتَرِكُ مَعَ تَرْجَمَةِ أَحَادِيثِ عُمَرَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِحَدِيثِ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ..   Qبِأَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُ الْيَاءِ وَخَذْفُهَا فِي نَظَائِرِهِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْعُبَابِ بِأَنَّهُ يُجْمَعُ عَلَى مَسَانِيدَ. وَالْجَوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ جَوَازِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ الْأَسَانِيدِ فَهُوَ سَائِغٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. 1 - (قَوْلُهُ رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِحَدِيثِ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) أَخْبَرَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدُومِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ. قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيِّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْمُطَهِّرِ سَعِيدُ بْنُ رَوْحِ بْنِ أَرْوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْفَرَاوِيِّ قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ الْحَافِظَ يَقُولُ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ يَقُولُ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: ذَلِكَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: لَوْ صَنَّفْت الْأَبْوَابَ لَجَعَلْت حَدِيثَ عُمَرَ فِي أَوَّلِ كُلِّ بَابٍ وَهُنَا حِينَ الشُّرُوعِ فِي تَرَاجِمِ الْكِتَابِ. [تَرَاجِم الْكتاب] أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَيُدْعَى شَيْبَةَ الْحَمْدِ بْنَ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيٍّ وَاسْمُهُ زَيْدٌ وَيُدْعَى مُجَمِّعَ بْنَ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرَكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ إلَى هُنَا أَجْمَعَ النَّسَّابُونَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ عَدْنَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا كَمْ بَيْنَهُمَا مِنْ الْآبَاءِ فَقِيلَ سَبْعَةٌ، وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَفِهْرٌ هُوَ جِمَاعُ قُرَيْشٍ كُلِّهَا قَالَهُ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَكُنْيَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو الْقَاسِمِ كُنِيَ بِابْنِهِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ. وُلِدَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَأُمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَزَهْرَةُ أَخُو قُصَيٍّ وَغَلِطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ زُهْرَةَ امْرَأَةٌ. فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَفَ الْعَرَبِ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ» الْحَدِيثَ وَلَمْ يَتَسَمَّ بِأَحْمَدَ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ وَلَا فِي زَمَنِهِ وَلَا فِي زَمَنِ أَصْحَابِهِ حِمَايَةً لِهَذَا الِاسْم الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ. وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ أَحْمَدَ فِي الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَالِدُ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَرُوضِيِّ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ، وَأَمَّا مَنْ تَسَمَّى بِمُحَمَّدٍ فَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ مَنْ تَسَمَّى بِهِ قَبْلَهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ طَمِعَ آبَاؤُهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِهِ وَبِقُرْبِ زَمَانِهِ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا لَهُمْ فَذَكَرَهُمْ وَبَلَّغَ بِهِمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَدَّ سِتَّةً لَا سَابِعَ لَهُمْ، وَعَدَّ فِيهِمْ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةً وَلَهُ صُحْبَةٌ وُلِدَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكُلُّ مَنْ تَسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، وَلَمْ يَدَّعِهَا لَهُ أَحَدٌ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] . وَوُلِدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفِيلِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ يَوْمَ الثَّانِي عَشَرَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَقِيلَ ثَانِيهِ، وَقِيلَ أَوَّلُ اثْنَيْنِ فِيهِ وَشَذَّ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ فَقَالَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْفِيلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً. حَكَاهُ الْمَزِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حَمْلٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ حَلِيمَةَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَقِيلَ مَاتَ وَلَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ أَنَّهُ وُلِدَ مَخْتُونًا مَسْرُورًا، وَقِيلَ خَتَنَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ خَتَنَهُ جِبْرِيلُ حَكَاهُمَا ابْنُ الْعَدِيمِ فِي الْمُلْحَةِ وَأَرْضَعَتْهُ ثُوَيْبَةُ ثُمَّ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ، وَأَقَامَ عِنْدَهَا فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ أَرْبَعَ سِنِينَ وَقِيلَ خَمْسٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقِيلَ أَرْضَعَتْهُ أَيْضًا خَوْلَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْأَمِينُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ أَرْضَعَهُ أَيْضًا أُمُّ أَيْمَنَ وَهِيَ حَاضِنَتُهُ. وَفِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشُقَّ صَدْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُقْتَضَى حَدِيثِ حَلِيمَةَ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّهُ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَقِيلَ كَانَ ابْنَ خَمْسٍ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ زِيَادَاتِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قِصَّةِ شَقِّ الصَّدْرِ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ وَأَشْهُرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ شَقُّ صَدْرِهِ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَأَنْكَرَ صِحَّتَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَادَّعَيَا أَنَّهُ مِنْ تَخْلِيطِ شَرِيكٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ شَرِيكٍ وَرَجَّحَ السُّهَيْلِيُّ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّ شَقَّ صَدْرِهِ كَانَ مَرَّتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ، وَقِيلَ أَرْبَعٌ، وَمَاتَ جَدُّهُ وَلَهُ ثَمَانِ سِنِينَ وَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَابْتَعَثَهُ اللَّهُ بِالرِّسَالَةِ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ فَأَقَامَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَ عَشَرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ السُّهَيْلِيُّ قَوْلَهُمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشْرَةَ لِعَدَمِ إمْكَانِ كَوْنِ الثَّانِي عَشَرَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كَانَتْ الْوَقْفَةُ فِيهَا بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ فُرِضَتْ الشُّهُورُ نَوَاقِصَ أَوْ كَوَامِلَ أَوْ مُخْتَلِفَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ هُوَ الصَّوَابُ وَتَكُونُ وَفَاتُهُ فِي لَيْلَةِ الثَّالِثَ عَشَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «فَأَلْقَى السَّجَفَ» وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَ اللَّيْلِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيَّ هَذَا أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ السِّيَرِ يَقْتَضِي نُقْصَانَ الشُّهُورِ لَا كَمَالَهَا، وَأَيْضًا فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي ارْتِفَاعِ الضُّحَى وَانْتِصَافِ النَّهَارِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْ حَيْثُ التَّارِيخِ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلَ، وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَكَانَ عُمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ وَجَرِيرٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ سِتُّونَ، وَقِيلَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ وَقِيلَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْلِيمًا كَثِيرًا. [تَرْجَمَة أَحْمَد بْن إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ الجرجاني] (أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْجُرْجَانِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَعْلَامِ) رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَاضِي وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ زُهَيْرٍ الْحَلْوَانِيِّ وَخَلَائِقَ يَجْمَعُهُمْ مُعْجَمُهُ الْمَشْهُورُ. رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَرْقَانِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاسَاتِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْجَوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَكَانَ أَوَّلُ سَمَاعِهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ كَانَ وَاحِدَ عَصْرِهِ وَشَيْخَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَجَلَّهُمْ فِي الرِّيَاسَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالسَّخَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الطَّبَقَاتِ جَمَعَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَرِيَاسَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَصَنَّفَ الصَّحِيحَ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: كَانَ ثِقَةً حُجَّةً كَثِيرَ الْعِلْمِ قَالَ حَمْزَةُ السَّهْمِيُّ فِي تَارِيخِ جُرْجَانَ: تُوُفِّيَ فِي غُرَّةِ رَجَبٍ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ الْحَارِثِ] أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاسِمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَاجِشُونِ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ وَخَلَائِقُ. قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ: مَاتَ وَهُوَ فَقِيهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَيْرَ مُدَافَعٍ، وَلَّاهُ الْقَضَاءَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَى شُرْطَتِهِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى يَحْيَى بْنِ بُكَيْر، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّ رِوَايَتَهُ لِلْمُوَطَّأِ وَرِوَايَةَ أَبِي حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ آخِرُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَفِيهِمَا نَحْوُ مِائَةِ حَدِيثٍ زَائِدَةً عَلَى سَائِرِ الْمُوَطَّآتِ. قَالَ السَّرَّاجُ: مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ زَادَ غَيْرُهُ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَتِسْعُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ] (أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْقَطِيعِيُّ) كَانَ يَسْكُنُ قَطِيعَةَ الدَّقِيقِ بِبَغْدَادَ فَنُسِبَ إلَيْهَا رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَسَنِ الْجَوْنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْكُدَيْمِيِّ وَبِشْرِ بْنِ مُوسَى الْأَسَدِيِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَجِّيِّ وَإِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْمُقْرِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَيْعِ الْحَاكِمُ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبُو الْعَلَاءِ صَاعِدُ بْنُ الْحَسَنِ اللُّغَوِيُّ وَمَكِّيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْبَصْرَوِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ. وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْعَلَّافِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَاكَوَيْهِ الشِّيرَازِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَاهِينَ وَأَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّوَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِي الْوَاعِظُ رَاوِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ وَأَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى الْبَاقِلَّانِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ قَالَ الْحَاكِمُ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ. وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ غَرِقَتْ قِطْعَةٌ مِنْ كُتُبِهِ فَنَسَخَهَا مِنْ كِتَابٍ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ فِيهِ فَغَمَزُوهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ ثِقَةٌ، قَالَ وَكُنْت شَدِيدَ التَّنْفِيرِ عَنْهُ حَتَّى تَبَيَّنَ عِنْدِي أَنَّهُ صَدُوقٌ وَلَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ، قَالَ: وَسَمِعْت أَنَّهُ مُجَابُ الدَّعْوَةِ. وَقَالَ الْخَطِيبُ لَمْ نَرَ أَحَدًا تَرَكَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفُرَاتِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ اخْتَلَّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَخَرِفَ حَتَّى كَانَ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا قُرِئَ عَلَيْهِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ فَهَذَا غُلُوٌّ وَإِسْرَافٌ. وَتُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ الْخُسْرَوْ جِرْدِيُّ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ سَمِعَ بِنَيْسَابُورَ وَخُرَاسَانَ وَبَغْدَادَ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ وَرَوَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُد الْعَلَوِيِّ وَابْنِ عَلِيٍّ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرُّوذَبَارِيّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ بْنِ الْبَيْعِ وَأَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُزَكِّي بْنِ مَنْدَهْ وَأَبِي سَعِيدٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ وَأَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرَانَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ. فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ حَفِيدُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مَنْدَهْ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْقَرَاوِيُّ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الدَّهَّانُ وَغَيْرُهُمْ. وَصَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْهَا السُّنَنُ الْكُبْرَى لَهُ وَكِتَابُ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَكِتَابُ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَكِتَابُ الْمَدْخَلِ وَكِتَابُ الْأَدَبِ وَكِتَابُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَكِتَابُ الْأَدْعِيَةِ الْكَبِيرِ وَكِتَابُ الْأَدْعِيَةِ الصَّغِيرِ وَكِتَابُ الِاعْتِقَادِ الْكَبِيرِ وَكِتَابُ الِاعْتِقَادِ الصَّغِيرِ وَفَصَائِلِ الْأَوْقَاتِ وَكِتَابُ الْمَبْسُوطِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَكِتَابُ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَكِتَابُ الزُّهْدِ الْكَبِيرِ وَكِتَابُ الزُّهْدِ الصَّغِيرِ وَمَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الذَّهَبِيُّ وَبَلَغَتْ تَصَانِيفُهُ أَلْفَ جُزْءٍ وَنَفَعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا شَرْقًا وَغَرْبًا لِإِمَامَةِ الرَّجُلِ وَدِينِهِ وَفَضْلِهِ وَإِتْقَانِهِ فَاَللَّهُ يَرْحَمُهُ انْتَهَى. تَفَقَّهَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ نَاصِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيِّ وَاعْتَنَى بِكُتُبِ الشَّافِعِيِّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهَا وَجَمْعِ نُصُوصِهِ وَانْتِزَاعَاتِهِ حَتَّى قِيلَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إلَّا وَلِلشَّافِعِيِّ فِي عُنُقِهِ مِنَّةٌ إلَّا الْبَيْهَقِيَّ فَإِنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِنَّةً، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي عَاشِرِ جُمَادَى الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِنَيْسَابُورَ وَحُمِلَ تَابُوتُهُ إلَى بَيْهَقَ فَدُفِنَ بِهَا رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَسَدِ بْنِ حَيَّانَ أَبُو جَعْفَرٍ] أَحْمَدُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَسَدِ بْنِ حَيَّانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْوَاسِطِيُّ الْقَطَّانُ الْحَافِظُ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَطَبَقَتِهِمْ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ جَعْفَرٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَخَلْقٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: إمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَسَاكِرَ كَلَامَهُ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَبِهِ جَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ سِنَانِ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ] أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَحْرِ بْنِ سِنَانِ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ الْحَافِظُ مُصَنِّفُ السُّنَنِ وَأَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُبَرَّزِينَ رَوَى عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَعِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زَغَبَةَ فِي خَلْقٍ كَثِيرِينَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبُو عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ السُّنِّيِّ وَخَلَائِقُ آخِرُهُمْ أَبْيَضُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِهْرِيُّ حَدَّثَ عَنْهُ بَحْرٌ سَمِعْنَاهُ مُتَّصِلًا عَالِيًا. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: النَّسَائِيّ إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ بِلَا مُدَافَعَةٍ، وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُذْكَرُ بِهَذَا الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إذَا حَدَّثَ النَّسَائِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ أَيُّمَا يُقَدَّمُ؟ فَقَالَ: النَّسَائِيُّ: فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ وَلَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَعِ مِثْلَهُ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: سَمِعْت الدَّارَقُطْنِيّ يَقُولُ: كَانَ النَّسَائِيّ أَفْقَهَ مَشَايِخِ مِصْرَ فِي عَصْرِهِ وَأَعْرَفَهُمْ بِالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ وَأَعْلَمَهُمْ، بِالرِّجَالِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: كَانَ إمَامًا فِي الْحَدِيثِ ثِقَةً ثَبْتًا حَافِظًا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ مِصْرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ بِفِلَسْطِينَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَلَاثِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ. وَكَذَا قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: مَاتَ فِي صَفَرٍ بِفِلَسْطِينَ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَامِرٍ الْعَبْدَرِيُّ: إنَّهُ تُوُفِّيَ بِالرَّمْلَةِ مَدِينَةِ فِلَسْطِينَ وَحُمِلَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَدُفِنَ بِهِ وَحَكَى ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ مَشَايِخِهِ بِمِصْرَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِصْرَ إلَى دِمَشْقَ فَوَقَعَتْ لَهُ بِهَا كَائِنَةٌ، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ مَدْفُونٌ بِهَا وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ فَتُوُفِّيَ بِهَا فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ أَبُو نُعَيْمٍ] أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ سِبْطُ الزَّاهِدِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ الْبَنَّاءِ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ وَصَاحِبُ التَّصَانِيفِ كَالْحِلْيَةِ وَتَارِيخِ أَصْبَهَانَ وَعَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَفَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. رَوَى عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ السِّمْسَارِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ وَأَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّوَّافِ وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ وَالْقَاضِي أَبِي أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْعَسَّالِ وَأَبِي الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبِي الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِسْحَاقَ الْجَابِرِيِّ فِي آخَرِينَ كَثِيرِينَ. وَأَجَازَ لَهُ خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأطرابلسي وَأَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَلَّهْ وَآخَرُونَ رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْعَطَّارُ وَهُوَ كَانَ الْمُسْتَمْلِي عَنْهُ وَأَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَدَّادُ وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُطَرِّزِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ غَانِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبُرْجِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَدَّادِ وَأَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّشْتَجُ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُكْثِرِينَ، وَوَثَّقَهُ الْخَطِيبُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت لَهُ أَشْيَاءَ يَتَسَاهَلُ فِيهَا: مِنْهَا أَنَّهُ يُطْلِقُ فِي الْإِجَازَةِ. أَخْبَرَنَا وَلَا يُبَيِّنُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: صَدُوقٌ تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ وَتُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَلَهُ يَوْمئِذٍ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ أَبُو بَكْرٍ] أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْحُفَّاظِ وَمُصَنِّفُ الْمُسْنَدِ رَوَى عَنْ هَدِيَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَخْزَمَ الطَّائِيِّ وَالْفَلَّاسِ وَبُنْدَارٍ وَخَلْقٍ رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبُّوبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الصَّمُوتِ وَأَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ تَكَلَّمَ فِيهِ النَّسَائِيّ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ يُخْطِئُ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ وَيَتَّكِلُ عَلَيْهِ فَيَغْلَطُ، تُوُفِّيَ بِالرَّمْلَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إمَامُ الْحَنَفِيَّةِ رَوَى عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَهَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ وَالرَّبِيعِ الْجِيزِيِّ وَالرَّبِيعِ الْمُرَادِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ وَخَلَائِقَ رَوَى عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِي وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ، وَقَالَ كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا لَمْ يُخْلَفْ مِثْلُهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ انْتَهَتْ إلَيْهِ رِئَاسَةُ الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ وَأَبِي حَازِمٍ الْقَاضِي وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَثَلَاثِمِائَةِ وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَسَدِ بْنِ إدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ مَازِنِ بْنِ شَيْبَانُ بْنِ ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ الْإِمَامُ الْعَلَمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذُّهْلِيُّ ثُمَّ الشَّيْبَانِيُّ الْمَرْوَزِيِّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ خَرَجَ بِهِ مِنْ مَرْوَ وَهُوَ حَمْلٌ فَوُلِدَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَتُوُفِّيَ أَبُوهُ شَابًّا وَطَلَبَ أَحْمَدُ الْعِلْمَ سَنَةَ وَفَاةِ مَالِكٍ وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ فَسَمِعَ مِنْ هُشَيْمِ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَخَلَائِقَ بِمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ. رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَخَلَائِقُ وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوخِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، وَمِنْ أَقْرَانِهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ مَا رَأَيْت خَيْرًا مِنْهُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ وَكِيعٌ مَا قَدِمَ الْكُوفَةَ مِثْلُهُ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: مَا قَدِمَ عَلَيَّ مِثْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ خَرَجْت مِنْ بَغْدَادَ وَمَا خَلَّفْت بِهَا أَفْقَهَ وَلَا أَزْهَدَ وَلَا أَوْرَعَ مِنْهُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ: أَحْمَدُ إمَامُ الدُّنْيَا وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَقَالَ أَيْضًا مَا قَامَ أَحَدٌ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَامَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَسْت أَعْلَمُ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: انْتَهَى عِلْمُ الْحَدِيثِ إلَى أَرْبَعَةٍ فَكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَهَهُمْ فِيهِ. وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ أَفْضَلَ مِنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ مَا رَأَيْت أَسْوَدَ الرَّأْسِ أَحْفَظَ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَعْلَمَ بِفِقْهِهِ وَمَعَانِيهِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ كَانَ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: إنَّ ابْنَ حَنْبَلٍ أَدْخَلَ الْكِيرَ فَخَرَجَ ذَهَبًا أَحْمَرَ وَقَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ أَحْمَدُ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانَ أَبِي يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَثَمِائَةِ رَكْعَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَلَمَّا مَرِضَ مِنْ تِلْكَ الْأَسْوَاطِ يَعْنِي الَّتِي ضَرَبَهَا فِي الْمِحْنَةِ ضَعُفَ فَكَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ رَكْعَةً، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ وَكَانَ يَخْتِمُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً بِاللَّيْلِ وَمَرَّةً بِالنَّهَارِ وَكَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ، وَيَنَامُ نَوْمَةً خَفِيفَةً ثُمَّ يَقُومُ إلَى الصَّبَاحِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مَرِضَ أَحْمَدُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ. وَقَالَ حَنْبَلٌ: مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ مَاتَ فِي ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ. [تَرْجَمَة أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ الْبَغْدَادِيُّ الْحَنْبَلِيُّ صَاحِبُ (كِتَابِ الْعِلَلِ) رَوَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْمَرْوَزِيِّ وَأَنْفَقَ عُمْرَهُ فِي جَمْعِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَتَصْنِيفِهِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَنْبَلِيُّ وَآخَرُونَ وَكَانَ ثِقَةً صَالِحًا تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلَ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ. [تَرْجَمَة إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ] إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَبُو إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ أَحَدُ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَخَلْقٌ كَثِيرُونَ. قَالَ أَبُو دَاوُد وَلِيَ بَيْتَ الْمَالِ بِبَغْدَادَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ فِي الْأَحْكَامِ سِوَى الْمَغَازِي وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَجَمَاعَةٌ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ] إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْعَلَوِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْأَمِيرُ، رَوَى عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرٍ الزُّهْرِيِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ وَعُبَيْدِ بْنِ أَسْبَاطَ وَأَبِي الْوَلِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيِّ فِي آخَرِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكَتَّانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ السَّامِرِيُّ الرَّفَّاءُ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْرُوفٍ الْبَزَّازُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السَّرْمَدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ وَآخَرُونَ، آخِرُهُمْ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمُجْبِرُ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقُ بِلَا حُجَّةٍ فَقَالَ دَخَلْت إلَيْهِ إلَى سَامِرَا لِأَسْمَعَ مِنْهُ الْمُوَطَّأَ فَلَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا صَحِيحًا فَتَرَكْته وَخَرَجْت وَقَدْ قَالَ ابْنُ أُمِّ شَيْبَانُ الْقَاضِي رَأَيْت سَمَاعَهُ بِالْمُوَطَّأِ سَمَاعًا قَدِيمًا صَحِيحًا وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَمْرِو] إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ يَأْتِي فِي الْكُنَى إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ النَّخَعِيّ الْكُوفِيُّ يُكَنَّى أَبَا عِمْرَانَ كَانَ أَحَدَ الْفُقَهَاءِ الْأَعْلَامِ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ وَرَوَى عَنْهَا فَقِيلَ إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا وَرَوَى عَنْ خَالِهِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ وَمَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ وَزُبَيْدٌ الْيَامِيُّ وَخَلَائِقُ. قَالَ الْأَعْمَشُ كَانَ إبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْعِجْلِيّ: كَانَ مُفْتِيَ الْكُوفَةِ هُوَ وَالشَّعْبِيُّ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَاخْتُلِفَ فِي مَبْلَغِ سِنِّهِ فَقِيلَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَخَمْسُونَ. [تَرْجَمَة إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ] إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ نَزَلَ شُعَبَ الْخُوزِ بِمَكَّةَ رَوَى عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمَا رَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكَلْبِيُّ] أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكَلْبِيُّ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْلَاهُ وَابْنُ مَوْلَاهُ وَابْنُ مَوْلَاتِهِ أُمِّ أَيْمَنَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِيهِ وَبِلَالٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ. رَوَى عَنْهُ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو وَائِلٍ وَغَيْرُهُمْ «. أَمَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَقَالَ فِيهِ: وَأَيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ.» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «قَالَ لَهُ وَلِلْحَسَنِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» ، وَزَوَّجَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَكَانَ يَوْمئِذٍ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوُلِدَ لَهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَفَضَّلَهُ عُمَرُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْفَرْضِ، وَقَالَ هُوَ أَحَبُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْك، وَسَكَنَ أُسَامَةُ الْمِزَّةَ مُدَّةً، ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمَاتَ بِوَادِي الْقُرَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ فِي وَفَاتِهِ غَيْرُ ذَلِكَ. [تَرْجَمَة إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي] إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي الْأُمَوِيُّ الْمَكِّيُّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَنَافِعٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ مَعْمَرٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَآخَرُونَ وَكَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْعُلَمَاءِ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ. [تَرْجَمَة إسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقِ بْنِ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْمُرَادِيُّ] إسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقِ بْنِ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْمُرَادِيُّ الْكَعْبِيُّ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَنْعَمَ بْنِ مُرَادٍ الْمِصْرِيُّ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ وَنَافِعِ بْنِ يَزِيدَ. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الطَّحْطَاوِيُّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِكَوْنِهِ. رَوَى فِي حَدِيثِ «السِّرَايَةِ فِي الْعِتْقِ» وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لَيْسَ مِمَّنْ يُقْطَعُ بِرِوَايَتِهِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ. نَعَمْ أَفْحَشَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ: إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا لَا ثِقَةً وَلَا ضَعِيفًا، وَهَذِهِ مُجَازَفَةٌ مِنْهُ فَقَدْ رَوَاهَا ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَلَا يُظَنُّ بِإِسْمَاعِيلَ هَذَا وَضَعَهَا، فَإِنَّهَا مَعْرُوفَةٌ قَبْلَ إسْمَاعِيلَ فَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ عَاشَ إسْمَاعِيلُ هَذَا بَعْدَ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِمِصْرَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيّ الْكُوفِيُّ] الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيّ الْكُوفِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَابْنُ أَخِيهِ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَآخَرُونَ قَرَأَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ صَوَّامًا قَوَّامًا حَجَّاجًا. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ، وَوَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَبْعَمِائَةِ رَكْعَةٍ، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة أُسَيْدِ بْنُ الْحُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكٍ الْأَنْصَارِيُّ] أُسَيْدِ بْنُ الْحُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَتِيكٍ وَبِهِ كَنَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ أَبُو يَحْيَى وَقِيلَ أَبُو حُضَيْرٍ، وَقِيلَ أَبُو عِيسَى، وَقِيلَ أَبُو عَتِيقٍ، وَقِيلَ أَبُو عُمَرَ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدِ بْنُ حُضَيْرٍ» . وَقَالَ لَهُ: تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ تَنَزَّلَتْ لِقِرَاءَتِك، وَلَوْ مَضَيْت لَرَأَيْت الْعَجَائِبَ، وَهُوَ الَّذِي أَضَاءَتْ عَصَاهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ هُوَ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ النَّاسِ رَوَى عَنْهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ قَالَهُ ابْنُ نُمَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ مَذْكُورٌ فِي التَّيَمُّمِ وَالْحُدُودِ. [تَرْجَمَة أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ] أَنَسُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ يُكَنَّى أَبَا حَمْزَةَ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ مُوسَى وَالنَّضْرُ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفِيدَاهُ ثُمَامَةُ وَحَفْصُ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ وَعَاصِمٌ الْأَحْوَلُ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ، خَدَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ سِنِينَ أَوْ عَشْرَ سِنِينَ، وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، وَقَالَ ثُمَامَةُ كَانَ يُصَلِّي فَيُطِيلُ الْقِيَامَ حَتَّى تَقْطُرُ قَدَمَاهُ دَمًا، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ قَالَهُ حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ رَجُلٍ وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى قَالَهُ قَتَادَةُ وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعِينَ قَالَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَشُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ. [تَرْجَمَة أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ وَاسْمُ أَبِي تَمِيمَةَ كَيْسَانُ السِّخْتِيَانِيُّ] أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ وَاسْمُ أَبِي تَمِيمَةَ كَيْسَانُ السِّخْتِيَانِيُّ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ رَأَى أَنَسًا وَرَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَخَلْقٍ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ، وَخَلَائِقُ وَرَوَى عَنْهُ مِنْ شُيُوخِهِ ابْنُ سِيرِينَ قَالَ الْحَسَنُ: أَيُّوبُ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ شُعْبَةُ كَانَ سَيِّدَ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا لَقِيت مِثْلَهُ فِي التَّابِعِينَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَيُّوبُ أَثْبَتُ مِنْ ابْنِ عَوْنٍ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ كَانَ أَيُّوبُ ثِقَةً حُجَّةً ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ جَامِعًا كَثِيرَ الْعِلْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ أَشْعَثُ كَانَ جَهْبَذَ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: لَمْ أَرَ فِي الْبَصْرَةِ مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَوْسِيُّ الْحَارِثِيُّ] الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَوْسِيُّ الْحَارِثِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عُمَارَةَ وَقِيلَ أَبُو عَمْرٍو، وَقِيلَ أَبُو الطُّفَيْلِ نَزَلَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَبِلَالٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَآخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ شَهِدَ أُحُدًا وَالْحُدَيْبِيَةَ وَمَا بَعْدَهُمَا قَالَ الْبَرَاءُ غَزَوْت مَعَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَمَا قَدِمَ عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ حَتَّى حَفِظْت سُوَرًا مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَكَانَ فِي سِنِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. [تَرْجَمَة بُرَيْدَةَ بْنُ الْحُصَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيُّ] بُرَيْدَةَ بْنُ الْحُصَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيُّ أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَكَانَ فَارِسًا شُجَاعًا نَزَلَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ مَرَّ وَبِهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي الْعِبَرِ فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. [تَرْجَمَة بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ] بَشِيرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ يَأْتِي فِي الْكُنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الْكَرِيمِ وَقِيلَ أَبُو عَمْرٍو وَهُوَ أَحَدُ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ الَّذِينَ عُذِّبُوا فِي اللَّهِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَلَمْ يُؤَذِّنْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ إلَّا أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ حِينَ فَتَحَهَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَتَذَكَّرَ النَّاسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ فَلَمْ أَرَ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِئِذٍ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَك أَمَامِي» ، وَقَالَ عُمَرُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا وَقَالَ أَنَسٌ: بِلَالٌ سَابِقُ الْحَبَشَةِ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَسَكَنَ بِلَالٌ (دَارَيَّا) مِنْ عَمَلِ دِمَشْقَ وَبِهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَدُفِنَ بِبَابِ كَيْسَانَ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ بِبَابِ الصَّغِيرِ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ دُفِنَ بِحَلَبٍ. [تَرْجَمَة جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ] (جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ الْمَدَنِيُّ) وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَآخَرِينَ رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ مُحَمَّدٌ وَعَقِيلٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَخَلَائِقُ. غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَلَا أُحُدًا مَنَعَهُ أَبُوهُ «. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مِنْهُمْ أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» وَاسْتَغْفَرَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْبَعِيرِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْت لَهُ حَلْقَةً فِي الْمَسْجِدِ تَأْخُذُ عَنْهُ، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ مَاتَ بِمَكَّةَ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد وَقِيلَ بِقُبَاءَ وَالْمَشْهُورُ فِي وَفَاتِهِ أَنَّهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ قَالَهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ: أَرْبَعٌ وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَقِيلَ: اثْنَتَيْنِ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فَقَدْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ بِهَا السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُ. [تَرْجَمَة جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَبُو النَّصْرِ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ] جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَبُو النَّضْرِ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ فَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَدْ شَهِدَ جِنَازَتَهُ وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ وَخَلْقٍ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرٍو وَأَنْتَ أَفْصَحُ مِنْ مَعَدٍّ. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ: تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، قُلْت: وَلَمْ يُحَدِّثْ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ. مَنَعَهُ أَوْلَادُهُ وَحَجَبُوهُ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ خَيْرًا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ الْكِنْدِيُّ] جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ يُكَنَّى أَبَا شُرَحْبِيلَ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ الصَّحَابِيَّ، وَرَوَى عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِمَا، رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ وَآخَرُونَ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. [تَرْجَمَة جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَفَافٍ التَّيْمِيُّ] جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَفَافٍ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْأَسْوَدِ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ. رَوَى عَنْهُ الْأَعْمَشُ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مِنْ عَتْقِ الشِّيعَةِ صَالِحُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: هُوَ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة جَهْجَاهِ بْنِ مَسْعُودٍ] (جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ) يَأْتِي فِي الْكُنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (جَهْجَاهُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَيُقَالُ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ غِفَارٍ الْغِفَارِيُّ الْمَدَنِيُّ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا يَسِيرًا رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُقَالُ إنَّهُ شَهِدَ بَيْعَةَ الشَّجَرَةِ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سِنَانِ بْنِ وَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ فِيهَا شَرٌّ فَنَادَى يَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَنَادَى سِنَانٌ يَا لِلْأَنْصَارِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، مَاتَ جَهْجَاهٌ بَعْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [تَرْجَمَة الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو السَّهْمِيُّ الْبَاهِلِيُّ] (الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو السَّهْمِيُّ الْبَاهِلِيُّ) يُكْنَى أَبَا سَفِينَةَ لَهُ صُحْبَةٌ نَزَلَ الْبَصْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا فِي الْمَوَاقِيتِ وَالْعَتِيرَةِ، رَوَى عَنْهُ حَفِيدُهُ زُرَارَةُ بْنُ كَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ. [تَرْجَمَة حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] (الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَبُو قَتَادَةَ) يَأْتِي فِي الْكُنَى (حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) نَزَلَ طَرَسُوسَ رَوَى عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي النَّضْرِ وَجَمَاعَةٍ. رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَآخَرُونَ، وَسَأَلَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْهُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَبَقِيَ حَامِدٌ إلَى أَنْ يُحْتَاجَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمْ أَهْلِ زَمَانِهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي مُجَالَسَتِهِ قَالَ مُطَيِّنٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ الْمِصِّيصِيّ] (حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ الْمِصِّيصِيِّ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ أَصْلُهُ مِنْ تِرْمِذَ وَسَكَنَ بَغْدَادَ ثُمَّ الْمِصِّيصَةَ رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَشُعْبَةَ وَطَائِفَةٍ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْحَسَنُ الزَّعْفَرَانِيُّ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ أَحْمَدُ مَا كَانَ أَضْبَطَهُ وَأَصَحَّ حَدِيثَهُ وَأَشَدَّ تَعَاهُدَهُ لِلْحُرُوفِ، وَرَفَعَ مِنْ أَمْرِهِ جِدًّا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة حَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ] (حَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ) شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو الْوَلِيدِ وَقِيلَ أَبُو الْحُسَامِ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَآخَرُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» فَيُقَالُ: أَعَانَهُ جِبْرِيلُ بِسَبْعِينَ بَيْتًا وَعَاشَ حَسَّانُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ وَكَذَا عَاشَ أَبُوهُ ثَابِتٌ وَجَدُّهُ الْمُنْذِرُ وَجَدُّ أَبِيهِ حَرَامٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ] (الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ) سِبْطُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانَتُهُ رَوَى عَنْ جَدِّهِ وَأَبِيهِ وَخَالِهِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ وَأَبُو وَائِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَطَائِفَةٌ وُلِدَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ أَنَسٌ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو جُحَيْفَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» . وَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» وَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا» وَقَدْ بُويِعَ الْحَسَنُ بِالْخِلَافَةِ قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ فَوَلِيَهَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ خَوْفًا مِنْ الْقِتَالِ عَلَى الْمُلْكِ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَحُجُّ مَاشِيًا وَنَجَائِبُهُ تُقَادُ إلَى جَنْبِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ التَّزَوُّجِ حَتَّى أَنَّهُ أَحْصَنَ سَبْعِينَ امْرَأَةً فِيمَا قَالَهُ الْمَدَائِنِيُّ، وَقَدْ أُصِيبَ مِنْ قِبَلِهِنَّ فَقُتِلَ شَهِيدًا مَسْمُومًا سَمَّتْهُ جَعْدَةُ بِنْتُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَاشْتَكَى مِنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ، فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ قَالَهُ الْمَدَائِنِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ: سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ غَلِطَ قَائِلُهَا فَقِيلَ: سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ وَهْبِ] الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ وَهْبِ بْنِ شُبَيْلِ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ وَاقِدٍ التَّمِيمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْوَاعِظُ يُعْرَفُ بِابْنِ الْمَذْهَبِ رَوَى عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْوَضَّاحِ الْحُرْفِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ لُؤْلُؤٍ الْوَرَّاقِ فِي آخَرِينَ. رَوَى عَنْهُ الْحَافِظَانِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَطِيبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَاكُولَا وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُبَخِّرُ وَأَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيُوسُفِيُّ وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَآخَرُونَ قَالَ الْخَطِيبُ: كَانَ سَمَاعُهُ لِلْمُسْنَدِ مِنْ الْقَطِيعِيِّ صَحِيحًا إلَّا فِي أَجْزَاءَ، فَإِنَّهُ أَلْحَقَ اسْمَهُ فِيهَا قَالَ وَلَيْسَ لِمَحِلِّ الْحُجَّةِ. قَالَ ابْنِ نُقْطَةَ: لَوْ بَيَّنَ الْخَطِيبُ فِي أَيِّ مُسْنَدٍ هِيَ؟ لَأَتَى بِالْفَائِدَةِ. قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُسْنَدَيْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ لَمْ يَكُونَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ لَمْ تُوجَدْ فِي نُسْخَتِهِ فَرَوَاهَا عَنْ الْحُرْفِيِّ عَنْ الْقَطِيعِيِّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ يُلْحِقُ اسْمَهُ كَمَا زَعَمَ الْخَطِيبُ لَأَلْحَقَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا. وَقَالَ شُجَاعٌ الذُّهْلِيُّ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَتُوُفِّيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو] (الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ الْبَكْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ) يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ وَيُلَقَّبُ بِصَدْرِ الدِّينِ سَمِعَ بِمَكَّةَ مِنْ عُمَرَ الْمَيَانَجِيِّ وَبِدِمَشْقَ مِنْ ابْنِ طَبَرْزَدَ وَطَبَقَتِهِ وَبِأَصْبَهَانَ مِنْ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْجُنَيْدِ وَبِنَيْسَابُورَ مِنْ الْمُؤَيَّدِ الطُّوسِيِّ وَطَبَقَتِهِ وَبِخُرَاسَانَ مِنْ ابْنِ رَوْحٍ وَطَبَقَتِهِ. رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَالشَّرِيفُ عَطُوفٌ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْحُسَيْنِيُّ وَأَخُوهُ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحُ بْنُ تَامِرٍ الْجَعْبَرِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَشْهَدِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَيْحَانَ التَّقَوِّي وَآخَرُونَ آخِرُهُمْ مَوْتًا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَيْمِيِّ وَكَانَ أَحَدَ مَنْ عُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ وَرَحَلَ وَقَرَأَ وَأَفَادَ وَصَنَّفَ وَجَمَعَ، تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الزَّكِيُّ الْبِرْزَالِيُّ: كَانَ كَثِيرَ التَّخْلِيطِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْحَاجِبِ: كَانَ إمَامًا عَالِمًا فَصِيحًا إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ الْبَهْت كَثِيرُ الدَّعَاوَى وَوَلِيَ بِدِمَشْقَ مَشْيَخَةَ الشُّيُوخِ وَالْحِسْبَةِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَمَاتَ بِهَا فِي حَادِي عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ] (الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ) وَلِيَ قَضَاءَ حِمْصَ وَقَضَاءَ طَبَرِسْتَانَ وَقَضَاءَ الْمَوْصِلِ رَوَى عَنْ شُعْبَةَ وَالْحَمَّادَيْنِ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ وَآخَرُونَ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَابْنُ خِرَاشٍ وَغَيْرُهُمْ تُوُفِّيَ بِالرَّيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ] الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ سِبْطُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانَتُهُ رَوَى عَنْ جَدِّهِ وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَاطِمَةَ وَخَالِهِ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَسُكَيْنَةُ وَفَاطِمَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالْفَرَزْدَقُ وَجَمَاعَةٌ قَالَ قَتَادَةُ وُلِدَ بَعْدَ الْحَسَنِ بِعَامٍ وَعَشَرَةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ وُلِدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقَالَ أَنَسٌ «كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: «الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ الصَّدْرِ وَالرَّأْسِ وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُرَّةَ «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا وَحُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ» وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ. قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَأَى الْحُسَيْنَ هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ الْأَرْضِ إلَى أَهْلِ السَّمَاءِ الْيَوْمَ وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَقَدْ: دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا فَقَالَ لِي إنَّ ابْنَك هَذَا حُسَيْنًا مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْت أَرَيْتُك مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا قَالَ فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ» وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَجَعَلَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ مَلَكَ الْقُطْرِ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ أَمْسِكِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ عَلَيْنَا أَحَدٌ، قَالَ: وَجَاءَ الْحُسَيْنُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَدْخُلَ فَمَنَعَتْهُ فَوَثَبَ فَدَخَلَ فَجَعَلَ يَقْعُدُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى مَنْكِبِهِ وَعَلَى عَاتِقِهِ، قَالَ فَقَالَ الْمَلَكُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُحِبُّهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ وَإِنْ شِئْت أَرَيْتُك الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَجَاءَ بِطِينَةٍ حَمْرَاءَ فَأَخَذَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهَا فِي خِمَارِهَا» . قَالَ ثَابِتٌ بَلَغَنَا أَنَّهَا كَرْبَلَاءُ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُسْنَدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَ هَذَا إلَّا أَنَّ فِيهِ «أَنَّ الْمَلَكَ جِبْرِيلُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَشَمَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ رِيحُ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ وَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إذَا تَحَوَّلَتْ هَذِهِ التُّرْبَةُ دَمًا فَاعْلَمِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ ابْنِي قَدْ قُتِلَ فَجَعَلْتهَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ وَتَقُولُ إنَّ يَوْمًا تُحَوَّلِينَ دَمًا لَيَوْمٌ عَظِيمٌ» . وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ أَوْ تَتَبَّعَ فِيهَا شَيْئًا فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ عَمَّارٌ فَحَفِظْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ قُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ» . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قَاتِلِهِ فَقِيلَ رَمَاهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الطُّهْوِيُّ بِسَهْمٍ فِي جَنْبِهِ، وَقِيلَ طَعَنَهُ سِنَانٌ النَّخَعِيّ فَصَرَعَهُ، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الْأَصْبَحِيُّ وَقِيلَ إنَّ الَّذِي احْتَزَّ رَأْسَهُ الشَّمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ لَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْأَرْبَعَةِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي يَوْمِ وَفَاتِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ سَنَةِ إحْدَى وَسِتِّينَ قَالَهُ قَتَادَةُ وَاللَّيْثُ وَالْوَاقِدِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ وَقِيلَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَقِيلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَقِيلَ كَانَ قَبْلَهُ فِي آخِرِ سَنَةٍ سِتِّينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ] (الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي خَلِيفَةَ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ الْجُمَحِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ وَآخَرُونَ قَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ وَاحِدُ عَصْرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَالْوَرَعِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَالتَّصْنِيفِ، وَكَانَ آيَةً فِي الْحِفْظِ كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ يَخْضَعُ لِحِفْظِهِ تُوُفِّيَ بِنَيْسَابُورَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيِّ] (الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيِّ) قَاضِي مَرْوَ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَكِنْ اسْتَشْهَدَ بِهِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَخَلْقٍ وَرَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَلِيٌّ وَالْعَلَاءُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَقِيقٍ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَنْ مِثْلُ الْحُسَيْنِ؟ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ قَبْلُ، وَيُقَالُ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَى كَلَامُهُ فِي مُخْتَصَرِ التَّهْذِيبِ تَرْجِيحَهُ. [تَرْجَمَة حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ أَبُو مُعَيْدٍ] (حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ أَبُو مُعَيْدٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ الْهَمْدَانِيُّ، وَقِيلَ الرُّعَيْنِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَوَى عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَجَمَاعَةٍ رَوَى عَنْهُ الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُمَا وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَدُحَيْمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد قَدَرِيٌّ لَيْسَ بِذَاكَ، وَقَالَ ابْنُهُ: أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد ضَعِيفٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. [تَرْجَمَة حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى] (حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ أَبُو خَالِدٍ الْأَسَدِيُّ) الْمَكِّيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ حِزَامٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَجَمَاعَةٌ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ وَوُجُوهِهَا وُلِدَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ لِلْفَتْحِ لَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَرَوَى عُرْوَةُ مُرْسَلًا «مَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ» . وَكَانَ حَكِيمٌ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، فَكَانَ تَأْتِيهِ الْعِيرُ تَحْمِلُ الْحِنْطَةَ وَبَنُو هَاشِمٍ مَحْصُورُونَ فِي الشِّعْبِ فَيُقْبِلُ بِهَا الشِّعْبَ، ثُمَّ يَضْرِبُ أَعْجَازَهَا فَتَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُونَ مَا عَلَيْهَا وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِي يَدِ حَكِيمٍ الرِّفَادَةُ وَالنَّدْوَةُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ حَكِيمًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت أَشْيَاءَ كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصِلَةٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَك مِنْ خَيْرٍ فَقُلْت لَا أَدْعُ شَيْئًا صَنَعْته لِلَّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا صَنَعْت فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهُ وَكَانَ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهَا، وَسَاقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَسَاقَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَهَا» وَلَمْ يَقْبَلْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَحَدٍ عَطَاءً وَلَا سَأَلَ أَحَدًا شَيْئًا وَكَانَ تَاجِرًا وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ يَشْتَرِي لَهُ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ وَبَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَاشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِتِّينَ سَنَةً وَفِي الْإِسْلَامِ سِتِّينَ سَنَةَ قَالَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَمَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ قَالَهُ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَجَمَاعَةٌ. وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ كَبُرَ حَكِيمٌ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهُ، ثُمَّ اشْتَدَّ وَجَعُهُ فَقُلْت: وَاَللَّهِ لَأَحْضُرَنَّهُ فَلَأَنْظُرَنَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا هُوَ يُهَمْهِمُ فَأَصْغَيْت إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَدْ كُنْت أَخْشَاك فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْجُوكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النُّمَيْرِيُّ] حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النُّمَيْرِيُّ، وَقِيلَ اسْمُهُ مِخْمَرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثُ «لَا شُؤْمَ» رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَكِيمٍ وَلَا أَعْرِفُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُهُ. [تَرْجَمَة أَحْمَدَ بْن مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَطَّابٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ] أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَطَّابٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ الْبُسْتِيُّ قِيلَ إنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ خَطَّابٍ، وَقِيلَ إلَى خَطَّابٍ أَبِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَإِنَّهُ قِيلَ إنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصَمِّ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيّ وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ وَآخَرُونَ وَتَفَقَّهَ عَلَى الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ الْمُفِيدَةَ مَعَالِمَ السُّنَنِ وَغَرِيبَ الْحَدِيثِ وَشَرْحَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالْغُنْيَةَ عَنْ الْكَلَامِ وَكِتَابَ الْعُزْلَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ رَأْسًا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالْأَدَبِ وَالْغَرِيبِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ فَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ وَمَا غُرْبَةُ الْإِنْسَانِ فِي شُقَّةِ النَّوَى ... وَلَكِنَّهَا وَاَللَّهِ فِي عَدَمِ الشَّكْلِ وَإِنِّي غَرِيبٌ بَيْنَ بُسْتَ وَأَهْلِهَا ... وَإِنْ كَانَ فِيهَا أُسْرَتِي وَبِهَا أَهْلِي وَسَكَنَ نَيْسَابُورَ مُدَّةً، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بُسْتَ فَتُوُفِّيَ بِهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ سَعَادَةَ أَبُو عَلِيٍّ الْمُكَبِّرُ] (حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ بْنِ سَعَادَةَ أَبُو عَلِيٍّ الْمُكَبِّرُ الْبَغْدَادِيُّ الرُّصَافِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى رَصَافَةِ بَغْدَادَ) رَوَى عَنْ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ جَمِيعَ الْمُسْنَدِ، سَمِعَهُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ الْخَشَّابِ النَّحْوِيِّ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ مَجْلِسًا. رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْمُنْذِرِيُّ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالضِّيَاءُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيَّ وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَبُو الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ مَكِّيِّ بْنِ عَلَّانَ وَأَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانُ بْنِ ثَعْلَبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ وَغَازِي بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخَلَاوِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ أُحْضِرَ مِنْ بَغْدَادَ إلَى دِمَشْقَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ مُسْنَدُ أَحْمَدَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَغْدَادَ فَتُوُفِّيَ بِهَا فِي رَابِعِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّمِائَةٍ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مِائَةٍ. [تَرْجَمَة خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهَجِير الْبَصْرِيُّ] (خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهَجِيرُ الْبَصْرِيُّ يُكَنَّى أَبَا عُثْمَانَ) رَوَى عَنْ أَبِي عَوْنٍ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ، رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ قَالَ أَحْمَدُ: إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ بِالْبَصْرَةِ وَقَالَ النَّسَائِيّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ. قَالَ الْفَلَّاسُ: وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ لَهُ ذِكْرٌ فِي نُزُولِ الْمُحَصَّبِ. [تَرْجَمَة خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ] (خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ) يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ أَسْلَمَ قَدِيمًا قَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ كَانَ إسْلَامُهُ مَعَ إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ كَانَ ثَالِثَ مَنْ أَسْلَمَ وَقِيلَ رَابِعًا وَقِيلَ خَامِسًا، أَسْلَمَ قَبْلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَهَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَوُلِدَ لَهُ بِهَا سَعِيدٌ وَأُمُّ خَالِدٍ وَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ، وَشَهِدَ مَعَهُ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةَ وَالْفَتْحَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَدَقَاتِ مَذْحِجٍ وَعَلَى صَنْعَاءِ الْيَمَنِ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِهَا فَتَرَكَ الْعَمَلَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَهَبَ إلَى الشَّامِ فَقُتِلَ بِأَجْنَادِينَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ قُتِلَ فِي مَرْجِ الصُّفَّرِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي إمَارَةِ عُمَرَ قَالَتْ ابْنَتُهُ أُمُّ خَالِدٍ: أَبِي أَوَّلُ مَنْ كُتِبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَهُ ذِكْرٌ فِي الطَّلَاقِ فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ. [تَرْجَمَة خنيس بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ الْقُرَشِيُّ] (الْخِرْبَاقُ هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ) نَأْتِي بَعْدَهُ بِتَرْجَمَتِهِ (خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ) . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عُدَيُّ بْنُ سَعِيدٍ بِالتَّصْغِيرِ وَوَهَمَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ هَاجَرَ الْهِجْرَةَ الْأُولَى إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَحَصَلَتْ لَهُ بِهَا جِرَاحَةٌ مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ قَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَضَعَّفَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ وَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. [تَرْجَمَة ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ] (ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ) وَكَانَ يَنْزِلُ بِذِي خَشَبٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ رَوَى عَنْهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانُ وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ وَأَبُو الزَّاهِرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ الْخُزَاعِيُّ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّهُ بَقِيَ إلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِذِي خَشَبٍ. [تَرْجَمَة رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ] (رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ) وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهِ أَيْضًا رِفَاعَةُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: 51] الْآيَةَ فِي عَشَرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَهُ ذِكْرٌ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. [تَرْجَمَة زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ] (زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ) رَوَى عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيِّ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَبَّاسِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَغْفِرِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْقَرَّابُ وَأَبُو عُثْمَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُحَيْرِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ زُهَيْرُ بْنُ الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ وَكَرِيمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيَّةُ وَبِالْإِجَازَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ فَقَالَ الْمُقْرِئُ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ شَيْخُ عَصْرِهِ بِخُرَاسَانَ: أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَخَذَ الْقِرَاءَاتِ عَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَأَخَذَ الْأَدَبَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَخَذَ الْكَلَامَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ تُوُفِّيَ فِي سَلْخِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ سَنَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ الْمَدَنِيُّ] (زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ الْمَدَنِيُّ الْفَقِيهُ أَحَدُ الْأَعْلَامِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) يُكْنَى أَبَا أُسَامَةَ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ أُسَامَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلَائِقُ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ، قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالتَّفْسِيرِ لَهُ فِيهِ كِتَابٌ تُوُفِّيَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأَدَبِ مَقْرُونٌ بِنَافِعٍ. [تَرْجَمَة زَيْدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ لوذان بْنِ عَمْرِو] (زَيْدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْمَدَنِيُّ) يُكْنَى أَبَا سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبَا خَارِجَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ سُلَيْمَانُ وَخَارِجَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ كَاتِبَ الْوَحْيِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَعُمَرُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ أَبُوهُ ثَابِتٌ قُتِلَ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَرَأَ زَيْدٌ سَبْعَ عَشْرَةَ سُورَةً قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَأَعْجَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ الْيَهُودِ قَالَ فَمَا مَضَى لِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ وَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْعِبْرَانِيَّةِ أَوْ السُّرْيَانِيَّةِ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَصَحَّحَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَشَهِدَ زَيْدٌ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَنَدَبَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِجَمْعِ الْقُرْآنِ. وَكَانَ عُمَرُ إذَا حَجَّ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِ زَيْدٍ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَعَدَّهُ مَسْرُوقٌ فِي السِّتَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ الْفَتْوَى مِنْ الصَّحَابَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَلَمَّا مَاتَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَاتَ حَبْرُ الْأُمَّةِ. [تَرْجَمَة زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَبُو الْحُسَيْنِ العكبلي] (زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعُكْلِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْجَوَّالِينَ) رَوَى عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَالْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَخَلَائِقَ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْمَدِينِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ كَانَ صَدُوقًا يَضْبِطُ الْأَلْفَاظَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَلَكِنْ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَقَالَ أَيْضًا كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ كَيِّسًا رَحَلَ إلَى مِصْرَ وَإِلَى خُرَاسَانَ فِي الْحَدِيثِ، وَمَا كَانَ أَصْبَرَهُ عَلَى الْفَقْرِ، وَقَدْ ضَرَبَ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْأَنْدَلُسِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ قَالَهُ أَبُو هَاشِمٍ الرِّفَاعِيُّ وَغَيْرُهُ. [تَرْجَمَة زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيُّ] (زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبَا طَلْحَةَ وَقِيلَ أَبَا زُرْعَةَ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُثْمَانَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِمَا، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ خَالِدٌ وَأَبُو حَرْبٍ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ جُهَيْنَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، اُخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ بِمِصْرَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَقِيلَ إنَّهُ مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ. [تَرْجَمَة زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخُو عُمَرَ] (زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخُو عُمَرَ) كَانَ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ لَهُ حَدِيثٌ فِي الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، قَالَ لَهُ عُمَرُ يَوْمَ أُحُدٍ: خُذْ دِرْعِي قَالَ إنِّي أُرِيدُ مِنْ الشَّهَادَةِ مَا تُرِيدُ فَتَرَكَاهَا جَمِيعًا، وَكَانَتْ مَعَ زَيْدٍ رَايَةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَقَدَّمُ بِهَا، ثُمَّ قَاتَلَ بِسَيْفِهِ حَتَّى اُسْتُشْهِدَ فَحَزِنَ عَلَيْهِ عُمَرُ حُزْنًا شَدِيدًا. [تَرْجَمَة زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو] (زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ) شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ وَهُوَ أَحَدُ الرُّمَاةِ الْمُجِيدِينَ قَتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ، وَأَبْلَى يَوْمَ أُحُدٍ بَلَاءً شَدِيدًا وَوَقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ يَوْمَئِذٍ فَشُلَّتْ وَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ، وَأَعْطَاهُ شَعْرَ شِقِّ رَأْسِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ مَالًا «فَتَصَدَّقَ بِبَيْرُحَاء فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَخٍ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ» وَغَزَا الْبَحْرَ فَمَاتَ فِيهِ فَلَمْ يَجِدُوا جَزِيرَةً إلَّا بَعْدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ] سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيِّ يُكَنَّى أَبَا عُمَرَ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَشْبَهَ وَلَدِ عُمَرَ بِهِ، وَكَانَ سَالِمٌ أَشْبَهَ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ بِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي زَمَانِ سَالِمٍ أَشْبَهَ بِمَنْ مَضَى مِنْ الصَّالِحِينَ فِي الزُّهْدِ وَالْفَضْلِ وَالْعَيْشِ مِنْهُ، كَانَ يَلْبَسُ الثَّوْبَ بِدِرْهَمَيْنِ وَيَشْتَرِي السِّمَاكَ فَيَحْمِلَهَا وَعَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُلَامُ فِي حُبِّ سَالِمٍ فَكَانَ يَقُولُ: يَلُومُونَنِي فِي سَالِمٍ وَأَلُومُهُمْ ... وَجِلْدَةٌ بَيْنَ الْأَنْفِ وَالْعَيْنِ سَالِمٌ وَذَكَرَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَإِذَا هُوَ بِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: سَلْنِي حَاجَةً قَالَ إنَّنِي أَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَسْأَلَ فِي بَيْتِهِ غَيْرَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ لَهُ سَلْنِي الْآنَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا سَأَلْت الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكَهَا فَكَيْفَ أَسْأَلُ مَنْ لَا يَمْلِكُهَا؟ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ فَقِيلَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَقِيلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ. [تَرْجَمَة سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ] (سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مِنْ إصْطَخْرِي وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ عَجَمِ الْفُرْسِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ يُعَدُّ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقِيلَ: إنَّهُ هَاجَرَ مَعَ عُمَرَ فِي نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي السَّفَرِ لِكَوْنِهِ أَقْرَأَهُمْ وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّاهُ فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَكَانَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ بِقُبَاءَ فِيهِمْ عُمَرُ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَاسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ» وَيُقَالُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاذِ بْنِ مَاعِصٍ فَكَانَ عُمَرُ يُفْرِطُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ طُعِنَ لَوْ كَانَ سَالِمٌ حَيًّا مَا جَعَلْتهَا شُورَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصْدُرُ فِيهَا عَنْ رَأْيِهِ. قُتِلَ سَالِمٌ هُوَ وَمَوْلَاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ فِي الْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَوُجِدَ رَأْسُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ رِجْلَيْ الْآخَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ الْمُدْلِجِيُّ] (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ الْمُدْلِجِيُّ) يُكَنَّى أَبَا سُفْيَانَ كَانَ يَنْزِلُ قَدِيدًا وَهُوَ الَّذِي سَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ فِي الْأَرْضِ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ الْمَشْهُورَةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَآخَرُونَ وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ إنَّهُ مَاتَ بَعْدَ عُثْمَانَ. [تَرْجَمَة سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ] (سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَجَمَاعَةٍ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَخَلْقٌ آخِرُهُمْ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَبَقِيَ إلَى حُدُودِ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ] (سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي خُزَيْمَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ ظَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ) يُكَنَّى أَبَا ثَابِتٍ وَقِيلَ أَبَا قَيْسٍ كَانَ مِنْ نُقَبَاءِ الْعَقَبَةِ وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ قَيْسٌ وَسَعِيدٍ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ نَقِيبٌ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ فَنَهَسَ فَأَقَامَ، وَكَانَ يُسَمَّى الْكَامِلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَالْعَوْمَ وَالرَّمْيَ، وَكَانَ مِنْ الْأَجْوَادِ، وَكَانَتْ جَفْنَتُهُ تَدُورُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ أَزْوَاجِهِ، وَكَانَ يَذْهَبُ كُلَّ لَيْلَةٍ بِثَمَانِينَ مِنْ أَهْلِ الصِّفَةِ يُعَشِّيهِمْ وَكَانَ مُنَادِيهِ يُنَادِي عَلَى أُطُمَةَ مَنْ كَانَ يُرِيدُ شَحْمًا أَوْ لَحْمًا فَلِيَأْتِ سَعْدًا وَكَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَبْ لِي حَمْدًا وَهَبَ لِي مَجْدًا لَا مَجْدَ إلَّا بِفِعَالٍ وَلَا فِعَالَ إلَّا بِمَالٍ اللَّهُمَّ إنَّهُ لَا يُصْلِحُنِي الْقَلِيلُ وَلَا أَصْلُحُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ كَانَ عُبَادَةَ يُنَادِي عَلَى أُطُمَةٍ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ كَانَ يُنَادِي عَلَى أُطُمِ دُلَيْمٍ بِذَلِكَ ثُمَّ كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ يُنَادِي عَلَى أُطُمَةٍ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَرْبَعَةٌ مُطْعِمُونَ يَتَوَالَوْنَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إلَّا قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ قَالَ وَلَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ أَيْضًا إلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: وَفِي سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جَاءَ الْخَبَرُ الْمَأْثُورُ أَنَّ قُرَيْشًا سَمِعُوا صَائِحًا يَصِيحُ لَيْلًا عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَإِنْ يُسْلِمْ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ قَالَ فَظَنَّتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُمَا سَعْدُ بْنُ زَيْدِ مَنَاةَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ أَيَا سَعْدَ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدَ سَعْدَ الْخَزْرَجِيِّينَ الْغَطَارِفِ أَجِيبَا إلَى دَاعِي الْهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللَّهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ فَإِنَّ ثَوَابَ اللَّهِ لِلطَّالِبِ الْهُدَى ... جِنَانٌ مِنْ الْفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ وَوُجِدَ سَعْدٌ مَيِّتًا فِي مُغْتَسَلِهِ وَقَدْ أُحْضِرَ جَسَدُهُ، وَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَوْتِهِ حَتَّى سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ وَلَا يَرَوْنَهُ: قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ... وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهُ فَيُقَالُ إنَّ الْجِنَّ قَتَلَتْهُ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ بَالَ قَائِمًا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنِّي لَأَجِدُ دَبِيبًا فَمَاتَ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ: مَاتَ بِحُورَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ إحْدَى عَشْرَةَ وَقِيلَ: إنَّهُ مَاتَ بِبُصْرَى وَهِيَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ فُتِحَتْ بِالشَّامِ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْحُدُودِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ. [تَرْجَمَة سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ] (سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَهُوَ خَدْرَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَغَزَا غَزَوَاتٍ وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمُكْثِرِيهِمْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ، وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطِيَّةُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَابْنُ يَزِيدَ وَابْنُ يَسَارٍ وَخَلَائِقُ رَوَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالُوا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ أَفْقَهَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَتُوُفِّيَ أَبُو سَعِيدٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. [تَرْجَمَة سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ] (سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ سَيِّدُ الْأَوْسِ) يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو وَأَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الْعَقَبَتَيْنِ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ فَرُمِيَ فِيهِ بِسَهْمٍ عَاشَ شَهْرًا، ثُمَّ انْتَقَضَ جُرْحُهُ فَمَاتَ رَمَاهُ حِبَّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ فَقَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرَقَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي النَّارِ، وَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَعُودُهُ كُلَّ يَوْمٍ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ «رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ أَوْ أَبْجَلَهُ فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّارِ فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَحَسَمَهُ أُخْرَى فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ يَسْتَعِينُ بِهِنَّ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَصَبْت حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ، وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَتْلِهِمْ انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «قَالَ سَمِعْت رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ وَجِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا» . وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: (ثَلَاثٌ أَنَا فِيهِنَّ رَجُلٌ، يَعْنِي كَمَا يَنْبَغِي وَمَا سِوَى ذَاكَ فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ مَا سَمِعَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا قَطُّ إلَّا عَلِمْت أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ اللَّهِ، وَلَا كُنْت فِي صَلَاةٍ قَطُّ فَشَغَلْت نَفْسِي بِغَيْرِهَا حَتَّى أَقْضِيَهَا، وَلَا كُنْت فِي جِنَازَةٍ قَطُّ فَحَدَّثْت نَفْسِي بِغَيْرِ مَا تَقُولُ، وَمَا يُقَالُ لَهَا حَتَّى أَنْصَرِفَ عَنْهَا) قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: هَذِهِ الْخِصَالُ مَا كُنْت أَحْسِبُهَا إلَّا فِي نَبِيٍّ. [تَرْجَمَة سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ] (سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ الزُّهْرِيُّ يُكَنَّى أَبَا إِسْحَاقَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَارِسُ الْإِسْلَامِ وَحَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، وَسَابِعُ سَبْعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَهْلِ الشُّورَى، وَأَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَأَحَدُ مَنْ فَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَحَدُ مُجَابِي الدَّعْوَةِ وَأَحَدُ الرُّمَاةِ الَّذِينَ لَا يُخْطِئُونَ، دَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَتَهُ وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ» وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى قِتَالَ فَارِسَ وَكَوَّفَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ إبْرَاهِيمُ وَعُمَرُ وَمُحَمَّدٌ وَعَامِرٌ وَمُصْعَبٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَكَانَ سَعْدٌ مِمَّنْ قَعَدَ فِي الْفِتْنَةِ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ لَا يُخْبِرُوهُ مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى إمَامٍ وَتُوُفِّيَ سَعْدٌ فِي قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَحُمِلَ عَلَى الرِّقَابِ إلَى الْبَقِيعِ فَدُفِنَ بِهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَبْلَغِ سِنِّهِ فَقَالَ أَحْمَدُ: ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ، وَقَالَ الْفَلَّاسُ: أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ وَالْوَاقِدِيُّ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ. [تَرْجَمَة سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ] (سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ أَبُو سَعِيدٍ الْمَدَنِيُّ الْمَقْبُرِيُّ) كَانَ جَارًا لِلْمَقْبُرَةِ فَنُسِبَ إلَيْهَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ خِرَاشٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، وَلَمْ يُتَابَعْ الْوَاقِدِيُّ عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ. قَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بَعْدَ مَا كَبُرَ وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ حَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَوَهِمَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَقَالَ إنَّ الْمَعْرُوفَ فِي وَفَاتِهِ سَنَةَ مِائَةٍ أَوْ قَبْلَهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ اُشْتُبِهَتْ عَلَيْهِ وَفَاتُهُ بِوَفَاةِ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ. [تَرْجَمَة سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ] (سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ الْمَكِّيُّ) رَوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ الْعَلَوِيِّ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ صَاعِدٍ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُحَيْرِيُّ] (سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُحَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ) يُكَنَّى أَبَا عُثْمَانَ رَوَى عَنْ جَدِّهِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ حَمْدَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ الْمُظَفَّرُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عُمَرَ السِّيدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَكَانَ مُحَدِّثَ خُرَاسَانَ وَمُسْنِدَهَا رَحَلَ إلَى مَرْوَ وَإِسْفَرَايِينَ وَجُرْجَانَ وَبَغْدَادَ كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَثَلَاثِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ] (سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَمْرو بْنِ مَخْزُومٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ) سَيِّدُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُمَرَ وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ، وَعَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي مُوسَى فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ. قَالَ قَتَادَةُ: مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَكْحُولٌ مَا لَقِيتُ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: إنَّهُ أَفْقَهُ التَّابِعِينَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّهُ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ، وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّ التَّابِعِينَ وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: لَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَنْبَلُ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ سَيِّدُ التَّابِعِينَ، قُلْت وَأَظُنُّ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى بَقِيَّةِ التَّابِعِينَ إنَّمَا أَرَادُوا فِي الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ (إنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ) الْحَدِيثَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مَرَاسِيلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ صِحَاحٌ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَوْلِدِهِ فَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ. [تَرْجَمَة سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهِلَالِيُّ] (سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهَالِيُّ الْمَكِّيُّ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُزَاحِمَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ) رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ فِي خَلَائِقَ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ رَوَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ الْقَرِينَانِ لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَا رَأَيْت مَنْ فِيهِ مِنْ آلَةِ الْعِلْمِ مَا فِي سُفْيَانَ وَمَا رَأَيْت أَحَدًا أَكَفَّ عَنْ الْفُتْيَا مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ مَا فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَتْقَنُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْت ثَمَانِينَ مَوْقِفًا، وَقَالَ ابْنُ أَخِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ: إنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ قَالَ لِي سُفْيَانُ بِجَمْعٍ: قَدْ أَتَيْت هَذَا الْمَوْضِعَ سَبْعِينَ مَرَّةً أَقُولُ فِي كُلِّ سَنَةٍ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَإِنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْت مِنْ كَثْرَةِ مَا أَسْأَلُهُ ذَلِكَ فَرَجَعَ فَتُوُفِّيَ فِي السَّنَةِ الدَّاخِلَةِ وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمِائَةٍ بِمَكَّةَ قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ. وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ غَلَطٌ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سُفْيَانَ اخْتَلَطَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَاسْتَبْعَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ مَاتَ قَبْلَهُ فِي أَوَائِلِ السَّنَةِ. [تَرْجَمَة سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ] (سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قِيلَ إنَّهُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَقِيلَ مِنْ رَامَهُرْمُزَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إنَّ اسْمَ أَبِيهِ حَسَّانُ وَكَانَ إذَا قِيلَ لَهُ ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ يَقُولُ أَنَا سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ أَوَّلُ مُشَاهَدِهِ الْخَنْدَقُ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَآخَرُونَ، وَقِصَّةُ مَجِيئِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَإِسْلَامِهِ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَقِيَ بَعْضَ أَوْصِيَاءِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَقِيلَ لَقِيَ عِيسَى نَفْسَهُ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ: عَاشَ سَلْمَانُ ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فَأَمَّا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فَلَا يَشُكُّونَ فِيهَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِّهِمْ لَنَا، قَالَ عَلِيٌّ مِنْهُمْ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إلَى ثَلَاثَةٍ عَلِيٌّ وَعَمَّارٌ وَسَلْمَانُ» قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذَاكَ امْرُؤٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَدْرَكَ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَالْعِلْمَ الْآخِرَ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» فَرُوِيَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ «أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ احْتَجُّوا فِيهِ عِنْدَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَكَانَ رَجُلًا قَوِيًّا، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: سَلْمَانُ مِنَّا، وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: سَلْمَانُ مِنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» ، وَكَانَ سَلْمَانُ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ يَعْمَلُ الْخُوصَ فَكَانَ إذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ، وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافٍ أَمْضَاهُ وَيَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «اشْتَكَى سَلْمَانُ فَعَادَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَرَآهُ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا يُبْكِيك يَا أَخِي؟ أَلَيْسَ قَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَيْسَ أَلَيْسَ؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: مَا أَبْكِي وَاحِدَةً مِنْ اثْنَتَيْنِ مَا أَبْكِي صَبَابَةً لِلدُّنْيَا وَلَا كَرَاهِيَةً لِلْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِدَ إلَيَّ عَهْدًا مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ تَعَدَّيْت، قَالَ وَمَا عَهِدَ إلَيْك؟ قَالَ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ يَكْفِي أَحَدَكُمْ مِثْلُ زَادِ الرَّاكِبِ، وَلَا أَرَانِي إلَّا قَدْ تَعَدَّيْت» . قَالَ ثَابِتٌ فَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ إلَّا بِضْعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا نَفِيقَةً كَانَتْ عِنْدَهُ، وَمَاتَ سَلْمَانُ بِالْمَدَائِنِ سَنَة سِتٍّ وَثَلَاثِينَ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَخَلِيفَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ خَلِيفَةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُ، وَصَحَّحَهُ قِيلَ: إنَّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الزَّكَاةِ فِي إهْدَائِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [تَرْجَمَة سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ] (سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ) وَالْأَكْوَعُ جَدُّهُ وَاسْمُهُ سِنَانٌ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُمَرُ وَقِيلَ وَهْبٌ وَسِنَانٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَفْضِي وَكُنْيَةُ سَلَمَةَ أَبُو مُسْلِمٍ وَقِيلَ أَبُو أُنَاسٍ وَقِيلَ أَبُو عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ الْمَدَنِيُّ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَغَزَا عِدَّةَ غَزَوَاتٍ وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ إيَاسٌ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ سَلَمَةَ كَلَّمَهُ الذِّئْبُ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ فَقَالَ سَلَمَةُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ الذِّئْبُ: أَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُصُولِ النَّخْلِ يَدْعُوكُمْ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، فَلَحِقَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الَّذِي كَلَّمَهُ الذِّئْبُ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ سَلَمَةَ قَالَ غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْت فِيمَا يَبْعَثُ مِنْ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَكَانَ سَلَمَةُ يَسْبِقُ الْفَرَسَ شَدًّا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ شُجَاعًا رَامِيًا مُحْسِنًا خَيِّرًا فَاضِلًا سَكَنَ بِالرَّبَذَةِ وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَة أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةٍ. [تَرْجَمَة سَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْزُومٍ] (سَلَمَةُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ) كَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ، وَمِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَاحْتُبِسَ بِمَكَّةَ وَعُذِّبَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لَهُ فِي قُنُوتِهِ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِذَلِكَ وَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى الشَّامِ لِجِهَادِ الرُّومِ، فَقُتِلَ شَهِيدًا بِمَرْجِ الصُّفَّرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَقِيلَ: إنَّهُ قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ. [تَرْجَمَة سُلَيْكُ بْنُ هُدْبَة الْغَطَفَانِيُّ] (سُلَيْكُ بْنُ هُدْبَةَ الْغَطَفَانِيُّ) مَذْكُورٌ فِي الْجُمُعَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي «جُلُوسِ سُلَيْكٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ السُّلَيْكِ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَمْ يُسَمِّ الدَّاخِلَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ (سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مُطَيْرٍ اللَّخْمِيُّ الطَّبَرَانِيُّ) أَبُو الْقَاسِمِ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ صَاحِبُ الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَمُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَكِتَابِ الدُّعَاءِ وَكِتَابِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ رَوَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ وَبِشْرِ بْنِ مُوسَى الْأَسَدِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَرِّيِّ وَأَبِي زُرْعَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيِّ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْعَلَّافِ الْمِصْرِيِّ وَأَبِي يَزِيدَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ كَامِلٍ الْقَرَاطِيسِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمَّارِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ أَبِي الدُّمَيْكِ وَخَلَائِقَ رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيرَازِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبِسْطَامِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ مَرْدُوَيْهِ وَالْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَارُودِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَاذِشَاهَ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيدَةَ وَآخَرُونَ رَحَلَ إلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَأَصْبَهَانَ وَفَارِسَ وَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا. وَأَوَّلُ مَا رَحَلَ إلَى الْقُدْسِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ إلَى قَيْسَارِيَّةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا وَاسِعَ الْحِفْظِ بَصِيرًا بِالْعِلَلِ وَالرِّجَالِ وَالْأَمْوَاتِ كَثِيرَ التَّصَانِيفِ. وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ بِطَبَرِيَّةَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ لِكَوْنِهِ حَدَّثَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَرْقِيِّ بِالْمَغَازِي، وَإِنَّمَا سَمِعَهَا عَلَى أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّبَرَانِيُّ عَبْدَ الرَّحِيمَ أَخَاهُ فَتَوَهَّمَ أَنَّ اسْمَ شَيْخِهِ أَحْمَدَ وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ الْحَافِظُ الثَّبْتُ. تُوُفِّيَ بِأَصْبَهَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ وَعَشْرَةُ أَشْهُرٍ. [تَرْجَمَة سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرِ] (سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمْرَانَ) وَقِيلَ فِي نَسَبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ أَبُو دَاوُد الْأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ السُّنَنِ رَوَى عَنْ الْقَعْنَبِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَخَلَائِقَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ فِي مِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْجَزِيرَةِ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَبُو دَاوُد أَحَدُ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِقْهًا وَعِلْمًا وَحِفْظًا وَنُسُكًا وَوَرَعًا وَإِتْقَانًا جَمَعَ وَصَنَّفَ وَذَبَّ عَنْ السُّنَنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالِ: هُوَ الْإِمَامُ الْمُقَدَّمُ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِتَخْرِيجِ الْعُلُومِ وَبَصَرِهِ بِمَوَاضِعِهِ فِي زَمَانِهِ رَجُلٌ وَرِعٌ مُقَدَّمٌ سَمِعَ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ: كَانَ أَبُو دَاوُد يَفِي بِمُذَاكَرَةِ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَقَالَ ابْنُ دَاسَةَ: سَمِعْت أَبَا دَاوُد يَقُولُ كَتَبْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ انْتَخَبْت مِنْهَا مَا ضَمَّنْته هَذَا الْكِتَابَ يَعْنِي السُّنَنَ جَمَعْت فِيهِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَثَمَانِ مِائَةِ حَدِيثٍ ذَكَرْت الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ. وَيَكْفِي الْإِنْسَانَ مِنْ ذَلِكَ لِدِينِهِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . «وَمِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . «وَلَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَرْضَى لِأَخِيهِ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ» . «وَالْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْآجُرِّيُّ سَمِعْت أَبَا دَاوُد يَقُولُ: وُلِدْت سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْآجُرِّيُّ وَمَاتَ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ. [تَرْجَمَة سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ أَبُو مُحَمَّدٍ] (سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَسَدِيُّ الْكَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ) رَأَى أَنَسًا وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي وَائِلٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَخَلَائِقُ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَبَقَ الْأَعْمَشُ أَصْحَابَهُ بِأَرْبَعٍ كَانَ أَقْرَأَهُمْ لِلْقُرْآنِ وَأَحْفَظَهُمْ لِلْحَدِيثِ وَأَعْلَمَهُمْ بِالْفَرَائِضِ، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى. وَقَالَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ لَمْ نَرَ نَحْنُ وَلَا الْقَرْنُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَنَا مِثْلَ الْأَعْمَشِ وَقَالَ وَكِيعٌ: أَقَامَ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْهُ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى. وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: كَانَ مِنْ النُّسَّاكِ وَكَانَ عَلَّامَةَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكُنَّا نُسَمِّيهِ سَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا مُحَدِّثَ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ. وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَتْ لَهُ نَوَادِرُ أُفْرِدَتْ بِالتَّصْنِيفِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مَاتَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. [تَرْجَمَة سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَشْدَقُ الْقُرَشِيُّ مَوْلَى آلِ أَبِي سُفْيَانَ] (سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأَشْدَقُ الْقُرَشِيُّ مَوْلَى آلِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ) يُكْنَى أَبَا أَيُّوبَ، وَقِيلَ أَبَا الرَّبِيعِ، وَقِيلَ أَبَا هِشَامٍ كَانَ فَقِيهَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَانِهِ رَوَى عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ الشَّامِ بَعْدَ مَكْحُولٍ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الشَّامِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ مَا لَقِيت مِثْلَهُ قِيلَ: وَلَا الْأَعْرَجُ؟ قَالَ: وَلَا الْأَعْرَجُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَدُحَيْمٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُخَلَّدُ الصِّدْقِ وَفِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الِاضْطِرَابِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَكْحُولٍ أَفْقَهَ وَلَا أَثْبَتَ مِنْهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ هُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ صَدُوقٌ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقَالَ دُحَيْمٌ: سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ وَآخَرُونَ: سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْعِتْقِ. [تَرْجَمَة سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَدِيجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ حَزْنِ] (سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَدِيجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ حَزْنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَابِرِ بْنِ ذِي الرَّأْسَيْنِ وَاسْمُهُ حُشَيْرٍ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ عَاصِمِ بْنِ شَمْخِ بْنِ فَزَارَةَ الْفَزَارِيّ) كَذَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، وَوَقَعَ فِي الِاسْتِيعَابِ ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى بُلُوغِ نَسَبِهِ إلَيْهِ وَكُنْيَةُ سَمُرَةَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَقِيلَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ يَنْزِلُ الْبَصْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ سَعِيدٌ وَسُلَيْمَانُ وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَآخَرُونَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ كَانَ سَمُرَةُ فِيمَا عَلِمْت عَظِيمَ الْأَمَانَةِ صَدُوقَ الْحَدِيثِ يُحِبُّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَمَان وَخَمْسِينَ سَقَطَ فِي قِدْرٍ مَمْلُوءَةٍ مَاءً حَارًّا فَمَاتَ، فَكَانَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ وَثَالِثٍ مَعَهُمَا: آخِرُكُمْ مَوْتًا فِي النَّارِ» ، انْتَهَى. وَقِيلَ مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ تِسْعِ وَخَمْسِينَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتِّينَ. [تَرْجَمَة سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ وَاسْمُ أَبِي حَثْمَةَ عَبْدُ اللَّهِ] ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ وَاسْمُ أَبِي حَثْمَةَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ عَامِرُ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَاعِدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ النَّبِيتُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبَا يَحْيَى وَقِيلَ أَبَا مُحَمَّدٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رَوَى عَنْهُ صَالِحُ بْنُ خَوَّاتُ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ وَآخَرُونَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ وَلَدِهِ يَقُولُ: إنَّهُ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانَ دَلِيلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ أُحُدٍ وَشَهِدَ الْمُشَاهَدَ كُلَّهَا إلَّا بَدْرًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ أَظْهَرُ قَالَ الذَّهَبِيُّ: أَظُنُّهُ تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ. [تَرْجَمَة سَهْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ] (سَهْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَج السَّاعِدِيُّ الْمَدَنِيُّ) يُكَنَّى أَبَا الْعَبَّاسِ وَقِيلَ أَبَا يَحْيَى، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، رَوَى سَهْلٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَغَيْرِهِمَا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ الْعَبَّاسُ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ وَآخَرُونَ وَعَمَّرَ حَتَّى بَلَغَ مِائَةً فِيمَا قِيلَ وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ: سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَابْنُ نُمَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَالْوَاقِدِيُّ وَالْمَدَائِنِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ قَالَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَحَلِّ وَفَاتِهِ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْوَاقِدِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ قَانِعٍ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ: مَاتَ بِمِصْرَ قَالَهُ قَتَادَةُ وَقِيلَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد. [تَرْجَمَة شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَاسْمُ أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ أَبُو بِشْرٍ] (شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَاسْمُ أَبِي حَمْزَةَ دِينَارٌ أَبُو بِشْرٍ الْأُمَوِيُّ) مَوْلَاهُمْ الْحِمْصِيُّ رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالزُّهْرِيِّ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ بِشْرٌ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو الْيَمَانِ وَآخَرُونَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ قَالَهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَالَهُ يَحْيَى الْوُحَاظِيُّ. [تَرْجَمَة شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ] (شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ) رَوَى عَنْ جَدِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَمْرٌو وَعُمَرُ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ: إنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ] (شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ) مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ مُؤَدِّبُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ وَإِخْوَانِهِ سَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ بَغْدَادَ رَوَى عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَجَمَاعَةٍ، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيُّ الشَّامِيُّ] (شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيُّ الشَّامِيُّ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ فِي آخَرِينَ. رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَيَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِدُونِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَا يُرَى يُحْتَجُّ بِهِ، وَكَانَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ يُحَدِّثُ عَنْهُ قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْهُ وَقَالَ: أَنَا لَا أَدَعُ حَدِيثَ الرَّجُلِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى تَرْكِهِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ تَرَكُوهُ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَيْ طَعَنُوا فِيهِ، وَقَالَ شُعْبَةُ: لَقِيته فَلَمْ أَعْتَدَّ بِهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ ضَعِيفٌ. وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ مِائَةٍ قَالَهُ الْهَيْثَمُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَخَلِيفَةُ وَالْبُخَارِيُّ وَالْمَدَائِنِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ إحْدَى عَشْرَةَ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَقِيلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَابْنُ سَعْدٍ. [تَرْجَمَة صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خُزَاعِيّ بْنِ مُحَارِبِ] (صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خُزَاعِيِّ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَهْتَةَ بْنِ سُلَيْمٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو) ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقِيلَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ خَيِّرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَاضِلًا شُجَاعًا بَطَلًا، قَالَ: وَكَانَ يَكُونُ عَلَى سَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا «، وَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَاَللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ» ، وَثَبَتَ فِيهِ أَنَّهُ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا. وَاخْتَلَفُوا فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ غَزَا الرُّومَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فَانْدَقَّتْ سَاقَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يُطَاعِنُ حَتَّى مَاتَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قُتِلَ فِي غُزَاةِ أَرْمِينِيَةَ وَكَانَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَيُقَالُ مَاتَ بِالْجَزِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ] (الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ الْأَسَدِيُّ الْحِزَامِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عُثْمَانَ) رَوَى عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَنَافِعٍ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَآخَرُونَ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ وَقِيلَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جَوْسٍ الهفاني الْيَمَانِيُّ] (ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ وَقِيلَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جَوْسٍ الْهِفَّانِيُّ الْيَمَانِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ رَوَى عَنْهُ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ. [تَرْجَمَة عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ] (عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ) شَهِدَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَبَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ الْوَلِيدُ وَحَفِيدُهُ عُبَادَةَ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ وَمَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَأَبُو إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ مِنْهُمْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَأَرْسَلَهُ عُمَرُ إلَى حِمْصَ يُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُمْ فَأَقَامَ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِ مُعَاذٍ إلَى فِلَسْطِينَ فَمَاتَ بِهَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ: مَاتَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو الْفَضْلِ] الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ) عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَسَنَّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَسْلَمَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَهَا، وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَحَضَرَ بَدْرًا مُكْرَهًا فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَكَثِيرٌ وَمَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ «، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» . «، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ، مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً بَاطِنَةً لَا تُغَادِرُ ذَنْبًا اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ» . وَقَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» . «، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قُحِطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْك بِهِ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا قَالَ فَسُقُوا وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْجَنَائِزِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَصْلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَصْلِيُّ) كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبِي مَيْسَرَةَ وَأَبِي الطَّاهِرِ بْنِ الذُّهْلِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيِّ وَأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ الصَّوَّافِ فِي آخَرِينَ. رَوَى عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُهَلَّبِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ وَسِرَاجُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْحَذَّاءُ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَجُوزِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبِ بْنِ تَمَّامٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَائِدٍ الْمَعَافِرِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَغَيْرُهُمْ، وَرَحَلَ إلَى بَغْدَادَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ نَظِيرَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي الْقَيْرَوَانِ وَكَانَ عَلَى الشُّورَى بِقُرْطُبَةَ وَكَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ رَأْسًا فِي الْفِقْهِ. تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَسَلُولُ أُمُّهُ) رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ وَأَظْهَرَ إسْلَامَهُ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَمَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ مَذْكُورٌ فِي الْجَنَائِزِ وَالْحُدُودِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْته؛ لِأَنِّي ذَكَرْت مَنْ سُمِّيَ فِيهَا. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبَانِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَشَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ وَخَلَائِقَ رَوَى عَنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّسَائِيّ وَابْنُ صَاعِدٍ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ وَخَلْقٌ. قَالَ فِيهِ أَبُوهُ: إنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ وَعَى عِلْمًا كَثِيرًا. وَقَالَ أَيْضًا: ابْنِي عَبْدُ اللَّهِ مَحْظُوظٌ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: نَبُلَ بَابَيْهِ وَلَهُ فِي نَفْسِهِ مَحَلٌّ فِي الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي: مَا زِلْنَا نَرَى أَكَابِرَ شُيُوخِنَا يَشْهَدُونَ لَهُ بِمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ وَعِلَلِ الْحَدِيثِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ، وَيَذْكُرُونَ عَنْ أَسْلَافِهِمْ الْإِقْرَارَ لَهُ بِذَلِكَ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ أَسْرَفَ فِي تَقْرِيظِهِ إيَّاهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَزِيَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى أَبِيهِ. وَقَالَ الْخَطِيبُ كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا فَهِمًا، تُوُفِّيَ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدٍ الْأَسْلَمِيُّ) يُكَنَّى أَبَا إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ أَبَا مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبَا مُعَاوِيَةَ، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَشَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّةَ أَحَادِيثَ رَوَى عَنْهُ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ وَخَلْقٌ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِمَّنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْكُوفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَ قَتَادَةُ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ زَبْرٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: آخِرُهُمْ مَوْتًا بِهَا أَبُو جُحَيْفَةَ وَقِيلَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، وَتُوُفِّيَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْخَصِيب أَبُو سَهْلٍ الْأَسْلَمِيُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْخَصِيبِ أَبُو سَهْلٍ الْأَسْلَمِيُّ قَاضِي مَرْوَ وَعَالِمُهَا) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ سَهْلٌ وَصَخْرٌ وَقَتَادَةُ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: وُلِدَ سَنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَمَاتَ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ بِمَرْوَ وَهُوَ عَلَى الْقَضَاءِ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ وَوَلِيَ هُوَ بَعْدَهُ الْقَضَاءَ بِمَرْوَ إلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ قَالَ وَكِيعٌ كَانُوا لِسُلَيْمَانَ أَحْمَدَ مِنْهُمْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَنَسٍ وَعُرْوَةَ وَعَمْرَةَ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ أَقْرَانِهِ وَشُيُوخِهِ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالسُّفْيَانَانِ وَآخَرُونَ. قَالَ مَالِكٌ: كَانَ رَجُلٌ صِدْقٌ وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ عَنْ أَبِيهِ شِفَاءٌ وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِمًا، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةٍ، لَهُ ذِكْرٌ فِي النِّكَاحِ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ إلَى الْبَنَاتِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ بْنُ الْحَافِظِ) رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ وَأَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَشَجِّ وَعِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغْبَةُ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَأَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ النَّيْسَابُورِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ الطَّائِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ الْمِصْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ سِيَارٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ. وَخَلَائِقُ رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَاهِينَ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ شَمْعُونَ وَأَبُو الْقَسَمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حُبَابَةَ وَأَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاس الْمُخْلِصُ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خَلَفِ بْنِ زُنْبُورٍ وَأَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْكَاتِبُ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ بِسِجِسْتَانَ وَنَشَأَ بِنَيْسَابُورَ وَسَمِعَ بِخُرَاسَانَ وَالشَّامِ وَالْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَأَصْبَهَانَ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ عِنْدَهُ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ ثَلَاثُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَحَدَّثَ فِي أَصْبَهَانَ مِنْ حِفْظِهِ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ فَتَكَلَّمَ فِيهِمَا وَتَكَلَّمَا فِيهِ عَلَى عَادَةِ الْأَقْرَانِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ الْخَطَأِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ جَزَرَةَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد إمَامُ الْعِرَاقِ كَانَ فِي وَقْتِهِ بِبَغْدَادَ مَشَايِخُ أَسْنَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَبْلُغُوا فِي الْآلَةِ وَالْإِتْقَانِ مَا بَلَغَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا كَلَامُ أَبِيهِ فِيهِ فَمَا أَدْرِي أَيْشٍ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ، ثُمَّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ سَمِعْت أَبَا دَاوُد يَقُولُ ابْنِي عَبْدُ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَذَّابٌ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَعَامَّةُ مَا كَتَبَ مَعَ أَبِيهِ، وَقَالَ عَبْدَانُ: سَمِعْت أَبَا دَاوُد يَقُولُ: وَمِنْ الْبَلَاءِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يُطْلَبُ لِلْقَضَاءِ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَحْفَظَ مِنْ أَبِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرُ كَانَ زَاهِدًا نَاسِكًا، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ وَأَخْرَجُوهُ فِي الصَّحِيحِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى كَلَامِ أَبِيهِ فِيهِ، تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَثُمِائَةِ أَلْفِ إنْسَانٍ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْجَنَائِزِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ) رَوَى عَنْهُ وَعَنْ أَنَسٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَنَافِعٍ وَجَمَاعَةٍ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَذُكِرَ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ مَقْرُونًا بِنَافِعٍ وَكَذَلِكَ فِي الْأَدَبِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيُّ أَبُو الزِّنَادِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيُّ أَبُو الزِّنَادِ) وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ فَأَكْثَرَ عَنْهُ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ، كَانَ أَبُو الزِّنَادِ فَقِيهَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ رَبِيعَةَ قَالَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ رَأَيْته دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مِنْ الْأَتْبَاعِ مِثْلُ مَا مَعَ السُّلْطَانِ فَمِنْ سَائِلٍ عَنْ الْحِسَابِ وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ فَرِيضَةٍ وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ الشِّعْرِ وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ الْحَدِيثِ وَمِنْ سَائِلٍ عَنْ مُعْضِلَةٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: رَأَيْته وَخَلْفَهُ ثَلَاثِمِائَةِ طَالِبٍ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَقِيَ وَحْدَهُ وَأَقْبَلُوا عَلَى رَبِيعَةَ فَكَانَ رَبِيعَةُ يَقُولُ: شِبْرٌ مِنْ حُظْوَةٍ خَيْرٌ مِنْ بَاعٍ مِنْ عِلْمٍ. وَقَالَ مُصْعَبٌ كَانَ فَقِيهَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ وَحِسَابٍ، وَكَانَ مُعَادِيًا لِرَبِيعَةَ وَكَانَا فَقِيهَيْ الْمَدِينَةِ فِي زَمَانِهِمَا وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَتَكَلَّمَ فِيهِ رَبِيعَةُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ فَجْأَةً فِي مُغْتَسَلِهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ وَقِيلَ رَوْحُ بْنُ هَارُونَ وَيُعْرَفُ بِعَبْدُوسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ) رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَشَبَّابَةَ بْنِ سَوَّارٍ وَغَيْرِهِمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ وَحَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الدِّهْقَانُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو عَمْرِو بْنِ السِّمَاكِ وَآخَرُونَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ وَابْنُ الْمُنَادِي تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ زَادَ ابْنُ الْمُنَادِي سَلْخَ جُمَادَى الْآخِرَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي: مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْخَطِيبُ هَذَا خَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: كَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْمَدَائِنِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْأَسَدِيُّ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو خُبَيْبِ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ قُرَيْشٍ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَحَفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ وَعَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ) رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ عَبَّادٌ وَعَامِرٌ وَثَابِتٌ وَأُمُّ عَمْرٍو وَحَفِيدَاهُ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَخُوهُ عُرْوَةُ وَابْنُ أَخِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ، وَرَآهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَحَفِظَ عَنْهُ وَخَلْقٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَبَايَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَغِيرٌ، وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ مَعَ أَبِيهِ وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ يَزِيدَ وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ الْخِلَافَةَ بَلْ غَلَبَ عَلَى الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَبَعْضِ الشَّامِ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ تِسْعَ سِنِينَ وَكَانَ رَأْسًا فِي الْعِبَادَةِ رَأْسًا فِي الشَّجَاعَةِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ شَرِبَ دَمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ وَيْلٌ لَكَ مِنْ النَّاسِ، وَوَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنْك» وَحَاصَرَهُ الْحَجَّاجُ بِمَكَّةَ مُدَّةً إلَى أَنْ أُخِذَ فَقُتِلَ وَصُلِبَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ نَائِلِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ نَائِلٍ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدٍ أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ) رَوَى عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَنَسٍ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ مَوْلَاهُ أَبُو رَجَاءٍ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَآخَرُونَ. قَالَ أَيُّوبُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا أَهْلَ الشَّامِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مِثْلُ هَذَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ دِيوَانُهُ بِالشَّامِ مَاتَ بِالشَّامِ فَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حُصَيْنٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حُصَيْنٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ) رَوَى عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ وَعُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُشَيْمٍ وَطَبَقَتِهِمْ رَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْهُ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ وَأَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَخَلَائِقُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَدُوقٌ إمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِلَالٍ الشَّطَوِيُّ: مَا رَأَيْت أَحْفَظَ مِنْهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي آخِرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذُكِرَ بِكُنْيَتِهِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ الْإِسْرَائِيلِيُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ الْإِسْرَائِيلِيُّ مِنْ ذُرِّيَّةِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي عَوْفٍ، كَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ يُوسُفُ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَأَبُو سَلَمَةَ وَآخَرُونَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «مَا سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: «الْتَمِسُوا الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّهُ عَاشِرُ عَشْرَةٍ فِي الْجَنَّةِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَسَنُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] وَنَزَلَتْ فِي {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43] وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، وَاسْتَبْعَدَهُ لِكَوْنِ السُّورَتَيْنِ مَكِّيَّتَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ السُّورَةُ مَكِّيَّةً وَفِيهَا آيَاتٌ مَدِينَةٌ كَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا، وَتُوُفِّيَ ابْنُ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ بْنُ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُهُ وَحَبْرُ الْأُمَّةِ وَالْبَحْرُ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبَوَيْهِ وَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَخَلْقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رَوَى عَنْهُ أَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي خَلَائِقَ مِنْ التَّابِعِينَ، تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ أَحْمَدُ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ «وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» . زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ الْمُهَاجِرُونَ لِعُمَرَ: أَلَا تَدْعُو أَبْنَاءَنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ ذَاكُمْ فَتَى الْكُهُولِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإنَّ لَهُ لِسَانًا سَئُولًا وَقَلْبًا عُقُولًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا عَشَرَهُ مِنَّا أَحَدٌ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَعْلَمَ بِمَا سَبَقَهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِقَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمَ بِشَعْرٍ مِنْهُ، وَلَا أَفْقَهَ وَلَا أَعْلَمَ بِعَرَبِيَّةٍ وَلَا بِتَفْسِيرٍ وَلَا بِحِسَابٍ وَلَا بِفَرِيضَةٍ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمَ بِمَا مَضَى وَلَا أَثْبَتَ رَأْيًا مِنْهُ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَصْرَةِ وَمِمَّا رُوِيَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِيهِ: إذَا مَا ابْنُ عَبَّاسٍ بَدَا لَك وَجْهُهُ ... رَأَيْت لَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ فَضْلًا إذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ مَقَالًا لِقَائِلٍ ... بِمُنْتَظِمَاتٍ لَا تَرَى بَيْنَهَا فَصْلًا كَفَى وَشَفَى مَا فِي النُّفُوسِ فَلَمْ يَدَعْ ... لِذِي أَرَبٍ فِي الْقَوْلِ جِدًّا وَلَا هَزْلًا سَمَوْت إلَى الْعُلْيَا بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ ... فَنِلْت ذُرَاهَا لَا دَنِيًّا وَلَا وَعْلًا خُلِقْت حَلِيفًا لِلْمُرُوءَةِ وَالنَّدَى ... بَلِيجًا وَلَمْ تُخْلَقْ كَهَامًا وَلَا جَبْلَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر مَاتَ سَنَة ثَمَانٍ وَسِتِّينَ زَادَ ابْنُ بُكَيْر وَصَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ الْيَوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ مَالِكِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ) كَانَ اسْمُهُ الْحُبَابُ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَفُضَلَائِهِمْ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمُشَاهَدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ «وَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ، وَقَالَ إنْ أَذِنْت لِي قَتَلْته فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، وَلَكِنْ بِرَّ أَبَاك وَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُثْنِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ التَّمِيمِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَحِبَّانَ بْنِ هِلَالٍ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحِيحِ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ وَخَلْقٌ، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: السَّيِّدُ الْإِمَامُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَالَ بُنْدَارٌ: حُفَّاظُ الدُّنْيَا أَبُو زُرْعَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ وَأَهْلِ الْوَرَعِ وَالدِّينِ مِمَّنْ حَفِظَ وَجَمَعَ وَتَفَقَّهَ وَصَنَّفَ وَحَدَّثَ وَأَظْهَرَ السُّنَّةَ فِي بَلَدِهِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: كَانَ يُضْرَبُ بِهِ الْمِثْلُ، أَلَحَّ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَاسْتَقْضَاهُ عَلَى سَمَرْقَنْدَ فَقَضَى قَضِيَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَعْفَى فَأُعْفِيَ. وُلِدَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ) وَقِيلَ اسْمُهُ عَتِيقٌ كَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ مِنْ الرِّجَالِ، وَقَدْ نَظَمَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إذَا تَذَكَّرْت شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذْكُرْ أَخَاك أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا ... بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا وَالثَّانِيَ التَّالِيَ الْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلَ النَّاسِ قِدَمًا صَدَّقَ الرُّسُلَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ «إذْ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَعَك عَلَى هَذَا؟ قَالَ حُرٌّ وَعَبْدٌ قَالَ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ» رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَكْثُرْ حَدِيثُهُ عَنْهُ لِقُرْبِ وَفَاتِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَكُنْ فَشَا الْحَدِيثُ عَنْهُ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَائِشَةُ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَآخَرُونَ هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ نَزَلَتْ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا ظَنُّك بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟» . «وَقَالَ: إنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْت مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاِتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» ، «وَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْك، قَالَ عَائِشَةُ قِيلَ مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ أَبُوهَا» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ» وَهَذِهِ كُلُّهَا مُخَرَّجَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَصْغَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَبُويِعَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخِلَافَةِ، وَأَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ مِنْهَا «قَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» وَمِنْهَا قَوْلُهُ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ» وَمِنْهَا قَوْلُهُ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَمِنْهَا «رُؤْيَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَلِيبٍ يَنْزِعُ فَأَخَذَهُ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَقَامَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخِلَافَةِ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ السِّيَرِ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ زَبْرٍ وَابْنُ قَانِعٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ وَذَهَبَ الْوَاقِدِيُّ وَالْفَلَّاسُ إلَى أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَالْمُزَنِيِّ فِي التَّهْذِيبِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَبْلَغِ سِنِّهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ قَانِعٍ وَالْمِزِّيُّ وَالذَّهَبِيُّ وَقِيلَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ وَحَرَّرَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْخُلَفَاءِ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَطَّانِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَطَّانِ أَبُو أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ الْحَافِظُ مُصَنِّفُ الْكَامِلِ فِي الْجَرْحِ) رَوَى عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ الْجُمَحِيِّ وَبُهْلُولِ بْنِ إِسْحَاقَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّوَّاسِ وَخَلَائِقَ، رَوَى عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ الْعَالِي وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَاكَوَيْهِ الشِّيرَازِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَلَايِنِيُّ وَأَبُو عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبِسْطَامِيُّ. وَقَالَ حَمْزَةُ: كَانَ حَافِظًا مُتْقِنًا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ: كَانَ ثِقَةً عَلَى مِحَنٍ فِيهِ تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ) رَوَى عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَنَافِعٍ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيعٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَخَلْقٌ قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ مِثْلَ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ صُوَيْلِحٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ صَدُوقٌ ثِقَةٌ فِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ صَدُوقٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَدَوِيِّ) هَاجَرَ بِهِ أَبُوهُ وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ وَبَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَالْمَشَاهِدَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ وَعَنْ أَبِيهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ وَآخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ سَالِمٌ وَحَمْزَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَبِلَالٌ وَزَيْدٌ وَعَمْرٌو وَأَحْفَادُهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَنَافِعٌ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَكَانَ إمَامًا وَاسِعَ الْعِلْمِ مَتِينَ الدِّينِ وَافِرَ الصَّلَاحِ. قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ مِنْ أَمْلَكِ شَبَابِ قُرَيْشٍ لِنَفْسِهِ عَنْ الدُّنْيَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ جَابِرٌ مَا مِنَّا أَحَدٌ إلَّا مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا، وَمَال بِهَا إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مَاتَ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْهُ، وَذُكِرَ يَوْمَ التَّحْكِيمِ لِلْخِلَافَةِ، فَقَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُجْرَى فِيهَا مِحْجَمَةُ دَمٍ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ خَلِيفَةُ وَالْوَاقِدِيُّ وَآخَرُونَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ أَبُو نُصَيْرٍ السَّهْمِيُّ) أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ قَبْلَ أَبِيهِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِي السِّنِّ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فِيمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اثْنَتَا عَشْرَةَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِيهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى عَنْهُ حَفِيدُهُ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ وَخَلَائِقُ. رَوَى عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ» ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ فَاضِلًا حَافِظًا عَالِمًا قَرَأَ الْكُتُبَ وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يَكْتُبَ حَدِيثَهُ فَأَذِنَ لَهُ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ. وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَمَعْت الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ حَتَّى أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّخْفِيفِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقَالَ أَحْمَدُ: تُوُفِّيَ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ، وَكَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، وَقِيلَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَحَلِّ وَفَاتِهِ فَقِيلَ مَاتَ بِمِصْرَ، وَقِيلَ مَاتَ بِفِلَسْطِينَ، وَقِيلَ بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ بِالطَّائِفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أرطبان أَبُو عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ أَبُو عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ وَقِيلَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُرَّةَ) رَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَنَافِعٍ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَخَلْقٌ. قَالَ شُعْبَةُ: مَا رَأَيْت مِثْلَ أَيُّوبَ وَيُونُسَ وَابْنِ عَوْنٍ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَ ابْنِ عَوْنٍ. وَكَذَا قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا كَانَ أَحَدٌ بِالْعِرَاقِ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ، وَقَالَ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ مَا رَأَيْت أَعْبَدَ مِنْهُ، وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ جَالَسْته ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَمَا أَظُنُّ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ كَتَبَا عَلَيْهِ سُوءًا تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ خَمْسِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْوَصِيَّةِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حِضَارِ بْنِ حَرْبِ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حِضَارِ بْنِ حَرْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِتْرِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُذْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ نَاجِيَةَ بْنِ الْجُمَاهِرِ بْنِ الْأَشْعَرِ الْأَشْعَرِيُّ أَبُو مُوسَى) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ بَنُوهُ أَبُو بُرْدَةَ وَأَبُو بَكْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَخَلْقٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَنْ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ قَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ بِخَيْبَرَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَعَ قَوْمِهِ الْأَشْعَرِيِّينَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفِينَةٍ فَأَلْقَتْهُمْ إلَى الْحَبَشَةِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَدِمُوا إلَى جَعْفَرٍ فَلِهَذَا قِيلَ هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. وَكَانَ أَبُو مُوسَى حَسَنَ الصَّوْتِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد» ، وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ مَحَلِّ أَبِي مُوسَى مِنْ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ صُبِغَ فِي الْعِلْمِ صِبْغَةً. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ الْعِلْمُ يُؤْخَذُ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا مُوسَى وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ نَحْوُهُ. وَعَمِلَ أَبُو مُوسَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى زُبَيْدٍ وَعَدَنَ وَوَلَّاهُ عُمَرُ الْبَصْرَةَ ثُمَّ الْكُوفَةَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا عُثْمَانُ، وَعَزَلَهُ عَلِيٌّ عَنْهَا، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَحَلِّ وَفَاتِهِ فَقِيلَ: بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالْكُوفَةِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الْحَنْظَلِيُّ التَّمِيمِيُّ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ وَاضِحٍ الْحَنْظَلِيُّ التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيِّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَخَلْقٍ، ثُمَّ عَنْ شُعْبَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ فَأَكْثَرَ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا، رَوَى عَنْهُ مَعْمَرٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَخَلَائِقُ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَمَلْت عَنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ شَيْخٍ فَرَوَيْت عَنْ أَلْفٍ، وَقِيلَ لَهُ: إلَى مَتَى تَكْتُبُ الْعِلْمَ؟ قَالَ: لَعَلَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي أَنْتَفِعُ بِهَا مَا كَتَبْتهَا بَعْدُ. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ أَطْلَبُ لِلْعِلْمِ مِنْهُ، رَحَلَ إلَى الْيَمَنِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ كَتَبَ عَنْ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَجَمَعَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقَلَّ سَقَطًا مِنْهُ، كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ حَافِظًا. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ مُسْتَثْبِتٌ كَانَ عَالِمًا صَحِيحَ الْحَدِيثِ، وَكَانَ كُتُبُهُ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا عِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ وَاحِدًا وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ نَسِيجَ وَحْدِهِ، وَكَانَ يُفَضِّلُهُ عَلَى الثَّوْرِيِّ وَقَالَ: مَا رَأَيْت أَنْصَحَ لِلْأُمَّةِ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا رَأَيْت لِلصَّحَابَةِ عَلَيْهِ فَضْلًا إلَّا بِصُحْبَتِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَزْوِهِمْ مَعَهُ، وَقَالَ كَانَ فَقِيهًا عَالِمًا عَابِدًا زَاهِدًا سَخِيًّا شُجَاعًا شَاعِرًا وَقَالَ الْفُضَيْلُ مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالُوا: تَعَالَوْا حَتَّى نَعُدَّ خِصَالَ ابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ فَقَالُوا: جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ وَالْأَدَبَ وَالنَّحْوَ وَاللُّغَةَ وَالشِّعْرَ وَالْفَصَاحَةَ وَالزُّهْدَ وَالْوَرَعَ وَالْإِنْصَافَ وَقِيَامَ اللَّيْلِ وَالْعِبَادَةَ وَالْحَجَّ وَالْغَزْوَ وَالشُّجَاعَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالشِّدَّةَ فِي بَدَنِهِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَقِلَّةَ الْخِلَافِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَمَثَّلُ: وَإِذَا صَاحَبْت فَاصْحَبْ صَاحِبًا ... ذَا حَيَاءٍ وَعَفَافٍ وَكَرَمْ قَوْلُهُ لِلشَّيْءِ لَا إنْ قُلْت لَا ... وَإِذَا قُلْت نَعَمْ قَالَ نَعَمْ وَلَهُ شِعْرٌ رَائِقٌ فِي الزُّهْدِ وَالْمَوَاعِظِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا إمَامًا حُجَّةً، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ مُنْصَرِفًا مِنْ الْغَزْوِ بِهيْت سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ زَادَ غَيْرُهُ فِي رَمَضَانَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شمخ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرَكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهُذَلِيُّ أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ، وَعَنْ عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ فَقِيلَ: لَمْ يَسْمَعَا مِنْهُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَأَبُو وَائِلٍ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ نَفْسًا وَكَانَ صَاحِبَ السَّوَادِ وَالْوِسَادِ وَالسِّوَاكِ وَالنَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ، كَانَ يَلِي ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «وَاسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» ، فَبَدَأَ بِهِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ» . وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «لَوْ كُنْت مُؤَمِّرًا أَحَدًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ لَأَمَّرْت عَلَيْهِمْ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، وَفِيهِ أَيْضًا مَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ» ، وَقَالَ عُمَرُ: كَنِيفٌ مُلِئَ عِلْمًا وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا تَرَكَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ مَاتَ بِالْكُوفَةِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلِ بْنِ عَبْدِ نَهْمٍ وَقِيلَ ابْنُ عَبْدِ غَنْمٍ] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلِ بْنِ عَبْدِ نَهْمٍ وَقِيلَ ابْنُ عَبْدِ غَنْمٍ وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُ ابْنُ عَفِيفِ بْنِ أُسَيْحِمِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دُوَيْدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَدَاءِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَدْبَنَ طَابِخَةَ الْمُزَنِيّ) وَوَلَدُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ هُمْ مُزَيْنَةُ نُسِبُوا إلَى أُمِّهِمْ مُزَيْنَةُ بِنْتِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ وَقِيلَ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبَا زِيَادٍ، كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ نَزَلَ الْبَصْرَةَ بَعَثَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَيْهَا عُمَرُ مَعَ عَشَرَةٍ يُفَقِّهُونَ النَّاسَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ، رَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ، وَمَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ سِتِّينَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ مُسَدَّدٌ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الوقاياتي] (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوِقَايَاتِيِّ الْعُمَرِيُّ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي غَالِبٍ الْبَغْدَادِيِّ) رَوَى عَنْ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَجَازَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِعُ، رَوَى عَنْهُ أَبُو الْمَجْدِ إسْمَاعِيلُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ بَاطِيشٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ وَعَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ، وَوَلِيَ نِيَابَةَ الْحُكْمِ بِبَغْدَادَ، سُئِلَ عَنْ مَوْلِدِهِ فَقَالَ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا فِي ثَانِي عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ الصِّدِّيقِ] (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ الصِّدِّيقِ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبَا مُحَمَّدٍ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَاجَرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِيمَا قِيلَ، وَقَالَ أَهْلُ السِّيَرِ أَسْلَمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِيهِ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَحَفْصَةُ وَابْنُ أَخِيهِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَآخَرُونَ وَكَانَ مِنْ أَشْجَعِ قُرَيْشٍ وَأَرْمَاهُمْ بِسَهْمٍ، قَتَلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعَةً قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ: كَانَ امْرَأً صَالِحًا فِيهِ دُعَابَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: لَمْ تُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذْبَةٌ قَطُّ، تُوُفِّيَ فَجْأَةً فِي مَقِيلٍ قَالَهُ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَقِيلَ إنَّهُ مَاتَ بِالْحَبَشَى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ فَدُفِنَ بِهَا فَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِهِ رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُ اللَّهُ بِهِ. لَهُ ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعَمِّرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ] (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ ابْنِ بَاطَيَا الْقُرَظِيّ الْمَدَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَهُوَ الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيِّ حِينَ طَلَّقَهَا، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي الْمُوَطَّإِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَبَقِيَّةُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ جَعَلُوهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلًا، وَاخْتُلِفَ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ هُوَ كَأَبِيهِ بِالْفَتْحِ أَوْ بِالضَّمِّ؟ كَالْجَادَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خُلْد بْنِ جُنَادَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جُنَادَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعُتَقِيُّ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ) صَاحِبُ مَالِكٍ وَأَحَدُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْعُمْدَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، رَوَى عَنْ مَالِكٍ وَنَافِعٍ الْقَارِئِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٍ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ السَّرْحِ وَآخَرُونَ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ رَجُلٌ صَالِحٌ عِنْدَهُ ثَلَثُمِائَةِ جِلْدٍ أَوْ نَحْوِهِ عَنْ مَالِكٍ مَسَائِلُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ، وَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت إلَى مَالِكٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَرْجَةً أَنْفَقْت فِي كُلِّ خَرْجَةٍ أَلْفَ دِينَارِ قَالَ فِيهِ مَالِكٌ: مَثَلُهُ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَمْلُوءٍ مِسْكًا. وَقَالَ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَتَيْنِ مَاتَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي مَوْلِدِهِ فَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التيمي] (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيُّ الْفَقِيهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ الْإِمَامُ ابْنُ الْإِمَامِ وُلِدَ فِي حَيَاةِ عَائِشَةَ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَسْلَمَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَمَاعَةٍ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَخْلُفْ أَحَدٌ أَبَاهُ فِي مَجْلِسِهِ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً وَرِعًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ، تُوُفِّيَ بِالشَّامِ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مهدى بْنِ حَسَّانَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ] (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ حَسَّانَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ اللُّؤْلُؤِيُّ يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ الْحُفَّاظِ) رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَشُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَمَالِكٍ وَالْحَمَّادَيْنِ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْفَلَّاسُ وَخَلَائِقُ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَطَلَبَ الْحَدِيثَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ وَقَالَ أَيْضًا: لَمْ أَرَ قَطُّ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، وَقَالَ: كَانَ أَعْلَمَ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بَعْدَ مَالِكٍ وَقَالَ: وَكَانَ يَخْتِمُ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا حَدَّثَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ رَجُلٍ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إمَامٌ ثِقَةٌ أَثْبَتُ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيعٍ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ أَبُو دَاوُد الْمَدَنِيُّ الْقَارِئُ] (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ أَبُو دَاوُد الْمَدَنِيُّ الْقَارِئُ) رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبِي سَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ الرَّأْيِ وَأَبُو الزِّنَادِ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَخَلْقٌ، كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ وَكَانَ أَحَدُ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ تُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ الصنعاني] (عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ يُكْنَى أَبَا بَكْرٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَخَلَائِقَ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَخَلَائِقُ، آخِرُهُمْ مَوْتًا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، قِيلَ لِأَحْمَدَ: رَأَيْتَ أَحْسَنَ حَدِيثًا مِنْهُ؟ قَالَ لَا وَقَالَ: مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ فَهُوَ ضَعِيفُ السَّمَاعِ، كَانَ يُلَقَّنُ بَعْدَمَا عَمِيَ. قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَحَلَ إلَيْهِ ثِقَاتُ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتُهُمْ وَلَمْ يَرَوْا لِحَدِيثِهِ بَأْسًا إلَّا أَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إلَى التَّشَيُّعِ، وَقَدْ رَوَى فِي الْفَضَائِلِ أَحَادِيثَ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهَا، وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ أَكَانَ يُفْرِطُ فِي التَّشَيُّعِ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَكِنْ كَانَ رَجُلًا تُعْجِبُهُ أَخْبَارُ النَّاسِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا انْشَرَحَ صَدْرِي قَطُّ أَنْ أُفَضِّلَ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَالَ: أُفَضِّلُهُمَا بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ إيَّاهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ لَمْ يُفَضِّلْهُمَا لَمْ أُفَضِّلْهُمَا، كَفَى بِي إزْرَاءً أَنْ أُحِبَّ عَلِيًّا ثُمَّ أُخَالِفَ قَوْلَهُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَتُوُفِّيَ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورِ] (عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الصَّيْقَلِ الْحَرَّانِيِّ الْحَنْبَلِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْفَرَحِ) وُلِدَ بِحَرَّانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَرَحَلَ بِهِ أَبُوهُ إلَى بَغْدَادَ فَأَسْمَعَهُ مِنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَلَّاحِ الشَّطِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ بْنِ الطَّوِيلَةِ وَالْحَافِظِ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْجَوْزِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمَجْدِ الْحَرْبِيِّ وَهِبَةُ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ السِّبْطِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَزْرُوعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوِقَايَاتِيِّ فِي آخَرِينَ وَسَمِعَ بِحَرَّانَ مِنْ حَمَّادِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الْحَرَّانِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَجَازَ لَهُ ذَاكِرُ بْنُ كَامِلٍ الْخَفَّافُ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الطَّرَسُوسِيُّ وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ الْجَمَّالُ وَآخَرُونَ، رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَبُو عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو عُمَرَ وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ النَّوْرَزِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عُمَرَ الْمَنْبِجِيُّ وَالْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ شِبْلٍ الصَّنْهَاجِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَوْهَرِيِّ وَأَخُوهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْأَسْعَرْدِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ الْمَشْتُولِيُّ وَأَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدُومِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ وَوَلِيَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ، وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِالْقَاهِرَةِ. [تَرْجَمَة عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُكَيْنَةَ أَبُو أَحْمَدَ] (عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُكَيْنَةَ أَبُو أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ الشَّافِعِيُّ وَسُكَيْنَةُ جَدَّتُهُ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَزَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ الثَّحَامِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَنْصَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَيْرُونَ وَأَحْمَدَ بْنِ طَاهِرِ بْنِ سَعِيدٍ الْمِيهَنِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ مُحَمَّدِ بْنِ نَاصِرٍ فِي آخَرِينَ. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ شَيْخُ الشُّيُوخِ صَدْرُ الدِّينِ عَبْدُ السَّلَامِ وَالْحُفَّاظُ الضِّيَاءُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيَّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ نُقْطَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّجَّارِ وَالْمَجْدُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَيْمِيَّةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ بَاطِيشٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ اللَّمْطِ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ وَعَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيِّ وَأَخُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالسَّمَاعِ وَالْكَمَالُ بْنُ الْفُوَيْرَةَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ وَكَانَ مُسْنَدُ الْعِرَاقِ وَشَيْخُ الشُّيُوخِ بِهَا قَرَأَ الْمُذْهَبَ وَالْخِلَافَ عَلَى أَبِي مَنْصُورٍ وَابْنِ الرَّزَّازِ وَقَرَأَ الْقِرَاءَاتِ عَلَى سِبْطٍ الْخَيَّاطِ وَمَهَرَ فِيهَا وَقَرَأَ النَّحْوَ عَلَى ابْنِ الْخَشَّابِ وَأَخَذَ عِلْمَ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ نَاصِرٍ وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ. قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ فِي الذَّيْلِ: هُوَ شَيْخُ الْعِرَاقِ فِي الْحَدِيثِ وَالزُّهْدِ وَالسَّمْتِ وَمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ، كَانَتْ أَوْقَاتُهُ مَحْفُوظَةً لَا تَمْضِي لَهُ سَاعَةٌ إلَّا فِي تِلَاوَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ تَهَجُّدٍ أَوْ تَسْمِيعٍ، وَكَانَ يُدِيمُ الصِّيَامَ غَالِبًا، وَيَسْتَعْمِلُ السُّنَّةَ فِي أُمُورِهِ إلَى أَنْ قَالَ: وَمَا رَأَيْت أَكْمَلَ مِنْهُ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَكْثَرَ عِبَادَةً وَلَا أَحْسَنَ سَمْتًا صَحِبْته وَقَرَأْت عَلَيْهِ الْقِرَاءَاتِ، وَكَانَ ثِقَةً نَبِيلًا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ تُوُفِّيَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّمِائَةٍ بِبَغْدَادَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ رَابِعِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ] (عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ) أَخُو سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، كَانَ شَرِيفًا سَيِّدًا مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ لَهُ ذِكْرٌ فِي النِّكَاحِ فِي بَابِ لَحَاقِ النَّسَبِ فِي اخْتِصَامِهِ هُوَ وَسَعْدٌ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَاسْمُ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَمْعَةَ. [تَرْجَمَة عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهُذَلِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَخَلْقٌ قَالَ مَالِكٌ: كَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ وَقَالَ الْعِجْلِيّ كَانَ جَامِعًا لِلْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ إمَامٌ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ. [تَرْجَمَة عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ] (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبُو عُثْمَانَ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَنَافِعٍ وَالزُّهْرِيِّ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَاللَّيْثُ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ فَضَّلَهُ أَحْمَدُ عَلَى مَالِكٍ وَأَيُّوبَ عَلَى نَافِعٍ فَقَالَ: هُوَ أَثْبَتُهُمْ وَأَحْفَظُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ رِوَايَةً. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَالَ ابْنُ مَنْجَوَيْهِ: كَانَ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَضْلًا وَعِلْمًا وَعِبَادَةً وَحِفْظًا وَإِتْقَانًا، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ. [تَرْجَمَة عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ سَعْدٍ أَبُو عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ] (عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ سَعْدٍ أَبُو عَاصِمٍ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ الْمَكِّيُّ قَاضِي أَهْلِ مَكَّةَ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَرَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَآخَرُونَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ قِيلَ: إنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَاتَ قَبْلَ ابْنِ عُمَرَ. [تَرْجَمَة عُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ بْنُ قَيْسِ بْنِ غَنْمٍ الْمُرَادِيُّ] (عُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ بْنُ قَيْسِ بْنِ غَنْمٍ الْمُرَادِيُّ السَّلْمَانِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى سَلْمَانَ ابْنِ نَاجِيَةَ بْنِ مُرَادٍ أَبُو مُسْلِمٍ وَقِيلَ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ أَسْلَمَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَتَيْنِ) وَرَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا رَوَى عَنْهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ يُوَازِي شُرَيْحًا فِي الْعِلْمِ وَالْقَضَاءِ وَقَالَ الْعِجْلِيّ: كَانَ أَحَدَ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِينَ يُفْتُونَ وَيُقْرِئُونَ، وَكَانَ شُرَيْحٌ إذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يُرْسِلُهُمْ إلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. [تَرْجَمَة عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ] (عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَاتَ عَلَى شِرْكِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، وَاسْمُ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَاخْتَصَمَ سَعْدٌ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي الْغُلَامِ فَقَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَهُوَ زَمْعَةُ وَأَبْطَلَ الِاسْتِلْحَاقَ بِالزِّنَا، وَعُتْبَةُ هَذَا هُوَ الَّذِي كَسَرَ ثَنِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ فَقَالَ فِيهِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: إذَا اللَّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ... وَنَصَرَهُمْ الرَّحْمَنُ رَبُّ الْمَشَارِقِ فَأَخْزَاك رَبِّي يَا عُتَيْبُ بْنُ مَالِكٍ ... وَلَقَّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصَّوَاعِقِ بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنَّبِيِّ تَعَمُّدًا ... فَأَدْمَيْتَ فَاهُ قُطِّعْت بِالْبَوَارِقِ فَهَلَّا ذَكَرْتَ اللَّهَ وَالْمَوْقِفَ الَّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَسْلَمَ وَاَللَّه أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ عُتْبَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ لَحَاقِ النَّسَبِ. [تَرْجَمَة عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ] (عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ الْعَبْدَرِيُّ الْحَجَبِيُّ حَاجِبُ الْكَعْبَةِ لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ) رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَمِّهِ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُسْلِمًا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ. [تَرْجَمَة عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ] (عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْأُمَوِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرُقَيَّةَ ثُمَّ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ فَلِذَلِكَ كَانَ يُلَقَّبُ بِذِي النُّورَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ أَرْخَى سِتْرًا عَلَى ابْنَتَيْ نَبِيٍّ غَيْرُهُ) . رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ أَبَانُ وَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَخَلْقٌ، وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِسِتَّةِ أَعْوَامٍ، وَهَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ رُقَيَّةَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَاشْتَغَلَ بِتَمْرِيضِهِ لَهَا عَنْ شُهُودِ بَدْرٍ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَلَمْ يَشْهَدْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ لِكَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ إلَى مَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحَدُ مَنْ أَحْيَا اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ، قَرَأَ فِيهَا الْقُرْآنَ كُلَّهُ، وَأَحَدُ مَنْ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ، وَجَهَّزَ الْعُسْرَةَ بِأَلْفِ بَعِيرٍ وَسَبْعِينَ فَرَسًا، وَاشْتَرَى بِئْرَ رُومَةَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَسَبَّلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أَسْتَحْيِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» ؟ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِيهِ فَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ» ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ قَالَ عَلِيٌّ: كَانَ أَوْصَلَنَا لِلرَّحِمِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ بَايَعْنَا خَيْرَنَا وَلَمْ نَأْلُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ قَتَلُوهُ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَوْصَلِهِمْ لِلرَّحِمِ وَأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ بُويِعَ عُثْمَانُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ قَتْلِ عُمَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَأَقَامَ فِيهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثُمَّ سَنَةً قُتِلَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، قَتَلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا قَتْلُهُ قَالَ: تَبًّا لَكُمْ آخِرَ الدَّهْرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: أَحَدُ الْعَشَرَةِ لَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا فَعَلُوهُ بِعُثْمَانَ لَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يَنْقَضَّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى قَتْلِهِ لَرُمُوا بِالْحِجَارَةِ كَمَا رُمِيَ قَوْمُ لُوطٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: لَقَدْ فَتَحَ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِقَتْلِهِ بَابَ فِتْنَةٍ لَا يُغْلَقُ عَنْهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ مَنْ سَرَّهُ الْمَوْتُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ ... فَلْيَأْتِ مَأْدُبَةً فِي دَارِ عُثْمَانَا ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنًا صَبْرًا فِدًا لَكُمْ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ ... قَدْ يَنْفَعُ الصَّبْرُ فِي الْمَكْرُوهِ أَحْيَانًا لَتَسْمَعُنَّ وَشِيكًا فِي دِيَارِهِمْ ... اللَّهُ أَكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ أَيْضًا فِيمَا نَسَبَهُ مُصْعَبٌ لِحَسَّانَ وَقَالَ ابْنُ شَيْبَةَ: إنَّهَا لِلْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَقِيلَ هِيَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ ... وَأَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ وَقَالَ لِأَهْلِ الدَّارِ لَا تَقْتُلُوهُمْ ... عَفَا اللَّهُ عَنْ ذَنْبِ امْرِئٍ لَمْ يُقَاتِلْ فَكَيْفَ رَأَيْت اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِمْ ال ... عَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ وَكَيْفَ رَأَيْت الْخَيْرَ أَدْبَرَ بَعْدَهُ ... عَنْ النَّاسِ إدْبَارَ السَّحَابِ الْجَوافِلِ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْجُمُعَةِ. [تَرْجَمَة عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيّ الْمَدَنِيُّ] (عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ الْمَدَنِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَهِشَامٌ وَيَحْيَى وَمُحَمَّدٌ وَحَفِيدُهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَخَلَائِقُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَجَدْته بَحْرًا لَا يُنْزَفُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةٌ فَذَكَرَ مِنْهُمْ عُرْوَةَ وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: كَانَ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعَ الْقُرْآنِ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ، وَيَقُومُ بِهِ فِي اللَّيْلِ فَمَا تَرَكَهُ إلَّا لَيْلَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، وَكَانَ وَقَعَ فِي رِجْلِهِ الْأَكَلَةُ فَنَشَرَهَا، وَكَانَ يُقَلِّمُ حَائِطَهُ أَيَّامَ الرُّطَبِ فَيَأْكُلُ النَّاسُ وَيَحْمِلُونَ. وَقَالَ هِشَامٌ: إنَّ أَبَاهُ كَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ إلَّا يَوْمَيْ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَمَاتَ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ الْعِجْلِيّ: كَانَ ثِقَةً رَجُلًا صَالِحًا لَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفِتَنِ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ فَقِيهًا عَالِمًا ثَبْتًا مَأْمُونًا، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ خَمْسٍ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَوْلِدِهِ فَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ. [تَرْجَمَة عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَدْسٍ التَّمِيمِيُّ] (عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَدْسٍ التَّمِيمِيُّ) وَهُوَ الَّذِي أَهْدَى الْحُلَّةَ الْحَرِيرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي طَائِفَةٍ مِنْ وُجُوهِ قَوْمِهِ فِيهِمْ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ وَالْحُتَاتُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ فَأَسْلَمُوا ذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَكَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ، وَزَعِيمَهُمْ، وَقِيلَ: بَلْ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسِ بْنِ عَمْرٍو الْجُهَنِيِّ] عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْسِ بْنِ عَمْرٍو الْجُهَنِيِّ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ، رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجُبَيْرُ بْنُ نُقَيْرٍ وَأَبُو إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَكَانَ عُقْبَةُ عَالِمًا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْفَرَائِضِ فَصِيحًا شَاعِرًا مُفَوَّهًا وَلِيَ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ صَرَفَهُ بِمَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ، وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، وَذَكَرَ خَلِيفَةُ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ شَهِيدًا سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ فَقَدْ ذَكَرَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ: كَانَ كَاتِبًا قَارِئًا لَهُ هِجْرَةٌ وَسَابِقَةٌ. [تَرْجَمَة عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَلْقَمَةَ] (عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ كُهَيْلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ النَّخْعِ أَبُو شِبْلٍ النَّخَعِيّ الْكُوفِيُّ) أَحَدُ الْأَعْلَامِ، وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَابْنُ أُخْتِهِ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْد النَّخَعِيُّونَ وَأَبُو وَائِلٍ وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَقْرَأُ شَيْئًا وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَلْقَمَةَ يَقْرَؤُهُ وَيَعْلَمُهُ، كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِابْنِ مَسْعُودٍ سَمْتًا وَهَدْيًا، قَالَهُ أَبُو مَعْمَرٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ مُرَّةُ الْهَمَذَانِيُّ: كَانَ مِنْ الرَّبَّانِيِّينَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي خَمْسٍ وَقَالَ أَبُو ظَبْيَانِ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ يَسْأَلُونَ عَلْقَمَةَ وَيَسْتَفْتُونَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: سَنَةَ إحْدَى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَاشَ تِسْعِينَ سَنَةً فِيمَا قِيلَ. [تَرْجَمَة عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمِ بْنِ غَالِبِ بْنِ صَالِحٍ الْأُمَوِيُّ] (عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمِ بْنِ غَالِبِ بْنِ صَالِحٍ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ) الْفَارِسِيُّ الْأَصْلِ الْأَنْدَلُسِيُّ الْقُرْطُبِيُّ الظَّاهِرِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ الْمُحَلَّى وَالْإِعْرَابِ وَالْمِلَلِ وَالنِّحَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُهُ الْفَضْلُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ بِخَطِّ أَبِيهِ مِنْ تَأْلِيفِهِ أَرْبَعُمِائَةِ مُجَلَّدٍ، ذَكَرَ صَاعِدٌ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، رَوَى عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَسُورِ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ وَجْهِ الْحَيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ حَامِ بْنِ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيِّ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْحُمَيْدِيُّ وَآخَرُونَ آخِرُهُمْ شُرَيْحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْحٍ الْإِشْبِيلِيُّ، رَوَى عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ وَكَانَ أَوَّلُ سَمَاعِهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ: وَجَدْت فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ كِتَابًا لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَدُلُّ عَلَى عِظَمِ حِفْظِهِ وَسَيَلَانِ ذِهْنِهِ. وَقَالَ صَاعِدٌ فِي تَارِيخِهِ كَانَ ابْنُ حَزْمٍ أَجْمَعَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ قَاطِبَةً لِعُلُومِ الْإِسْلَامِ وَأَوْسَعَهُمْ مَعْرِفَةً مَعَ تَوَسُّعِهِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ وَالْبَلَاغَةِ وَالشِّعْرِ وَالسِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ: كَانَ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الذَّكَاءِ وَحِدَّةِ الذِّهْنِ وَسَعَةِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَذَاهِبِ وَالْمِلَلِ وَالنِّحَلِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْآدَابِ وَالْمَنْطِقِ وَالشِّعْرِ مَعَ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ وَالْحِشْمَةِ وَالسُّؤْدُدِ وَالرِّيَاسَةِ وَالثَّرْوَةِ وَكَثْرَةِ الْكُتُبِ، مَاتَ مُشَرَّدًا عَنْ بَلَدِهِ مِنْ قِبَلِ الدَّوْلَةِ بِبَادِيَةٍ لَيْلَةً بِقَرْيَةٍ لَهُ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ عَنْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً، لَهُ ذِكْرٌ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْعِتْقِ. [تَرْجَمَة عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ] (عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ) أَبُو الْحَسَنِ وَأَبُو تُرَابٍ الْهَاشِمِيُّ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَعُمَرُ وَفَاطِمَةُ وَابْنُ أَخِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأُمَمٌ لَا يُحْصَوْنَ، وَكَانَ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ أَرْبَعُونَ إلَّا وَلَدًا، وَكَانَ عَلِيٌّ أَصْغَرَ وَلَدِ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ وَجَعْفَرٌ أَصْغَرُ مِنْ عَقِيلٍ بِعَشْرِ سِنِينَ وَعَقِيلٌ أَصْغَرُ مِنْ طَالِبٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَقِيلَ إنَّ عَلِيًّا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَنَسٌ وَسَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَنْشَدَ لَهُ الْمَرْزُبَانِيُ فِي ذَلِكَ: أَلَيْسَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِهِمْ ... وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِالْفُرْقَانِ وَالسُّنَنِ وَادَّعَى الْحَاكِمُ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهِ فَقَالَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِ التَّوَارِيخِ أَنَّ عَلِيًّا أَوَّلُهُمْ إسْلَامًا قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي بُلُوغِهِ، ثُمَّ نَاقَضَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ حِينَ أَسْلَمَ فَقِيلَ: سِنُّهُ ثَمَانٍ، وَقِيلَ سِنُّهُ عَشْرٌ وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ: كَانَ يَوْمَئِذٍ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَشَاهِدِ إلَّا تَبُوكَ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَّفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعَلَى عِيَالِهِ وَقَالَ لَهُ يَوْمَئِذٍ: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. «وَقَالَ فِي خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: «وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إلَيَّ: إنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إلَّا مُنَافِقٌ» ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ: أَقْضَانَا عَلِيٌّ وَكَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ مُعْضِلَةٍ لَيْسَ لَهَا أَبُو حَسَنٍ، بُويِعَ عَلِيٌّ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَتَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ مُعَاوِيَةُ وَأَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ مَا كَانَ بِصِفِّينَ ثُمَّ انْتَدَبَ لَهُ قَوْمٌ مِنْ الْخَوَارِجِ فَقَاتَلَهُمْ فَظَفِرَ بِهِمْ، ثُمَّ انْتَدَبَ لَهُ مِنْ بَقَايَاهُمْ أَشْقَى الْآخَرِينَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ، وَكَانَ فَاتِكًا مَلْعُونًا فَطَعَنَهُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَقُبِضَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ وَفِي مَبْلَغِ سِنِّهِ فَقِيلَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ قَالَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَخَمْسُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ، وَقِيلَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ وَقِيلَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حِبَّانَ. [تَرْجَمَة عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ] (عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيّ وَيَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ وَالْحُسَيْنِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَيْرُوزِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُد رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ شُجَاعٍ الْمَعْقِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشْرَانَ وَأَبُو عُثْمَانَ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرْقَانِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْعُشَارِيُّ وَأَبُو الْغَنَائِمِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمَأْمُونِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُهْتَدِي بِاَللَّهِ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَكَانَ أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ صَنَّفَ السُّنَنَ وَالْعِلَلَ وَالْمُؤْتَلِفَ وَالْمُخْتَلِفَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الْحَاكِمُ كَانَ أَوْحَدَ عَصْرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ وَالْوَرَعِ، وَإِمَامًا فِي الْقُرَّاءِ وَالنُّحَاةِ صَادَفْتُهُ فَوْقَ مَا وُصِفَ لِي، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ قُلْت لِلْحَاكِمِ هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ الدَّارَقُطْنِيِّ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ هُوَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ أَنَا وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُمْلِي عَلَيَّ الْعِلَلَ مِنْ حِفْظِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: الدَّارَقُطْنِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ كَانَ فَرِيدَ عَصْرِهِ وَقَرِيعَ دَهْرِهِ وَنَسِيجَ وَحْدِهِ وَإِمَامَ وَقْتِهِ، انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُ الْأَثَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْعِلَلِ وَأَسْمَاءِ الرِّجَالِ مَعَ الصِّدْقِ وَصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَالِاعْتِقَادِ وَالِاطِّلَاعِ مِنْ عُلُومٍ سِوَى الْحَدِيثِ، مِنْهَا الْقِرَاءَاتُ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهَا مُصَنَّفَهُ، وَمِنْهَا الْمَعْرِفَةُ بِمَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ. وَبَلَغَنِي أَنَّهُ دَرَسَ فِقْهَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَمِنْهَا الْمَعْرِفَةُ بِالْأَدَبِ وَالشِّعْرِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً. [تَرْجَمَة عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَحْيَى بْنِ إبْرَاهِيمَ] (عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَحْيَى بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى الْقُرْطُبِيُّ الْأَصْلِ الْفَارِسِيُّ بْنُ الْقَطَّانِ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ صَاحِبُ كِتَابِ بَيَانِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ وَكِتَابِ أَحْكَامِ النَّظَرِ وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْأَبَّارِ وَآخَرُونَ وَلِيَ قَضَاءَ سِجِلْمَاسَا مِنْ الْمَغْرِبِ، وَتُوُفِّيَ بِهَا فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، لَهُ ذِكْرٌ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ. [تَرْجَمَة عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ] (عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ الْأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا) رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السُّرِّيِّ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وَقَالَ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ أَرْمِينِيَةَ وَمَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي الطَّهَارَةِ. [تَرْجَمَة عَمَّارِ بْنِ يَاسِرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ حُصَيْنٍ الْعَنْسِيِّ] (عَمَّارُ بْنُ يَاسِرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ حُصَيْنٍ) الْعَنْسِيُّ ثُمَّ الْمُذْحِجِيُّ وَقِيلَ إنَّهُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُكَنَّى أَبَا الْيَقْظَانِ أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَكَانُوا مِنْ السَّابِقِينَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ «مَرَّ بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يُعَذَّبُونَ فَقَالَ صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمْ الْجَنَّةُ» ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَوَّلَ شَهِيدٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَاجَرَ عَمَّارٌ الْهِجْرَتَيْنِ، وَشَهِدَ بَدْرًا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو وَائِلٍ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَآخَرُونَ «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِهِ «إنَّ عَمَّارًا مُلِئَ إيمَانًا إلَى مُشَاشِهِ» . وَلِلنَّسَائِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «مَنْ أَبْغَضَ عَمَّارًا أَبْغَضَهُ اللَّهُ، وَمَنْ عَادَى عَمَّارًا عَادَاهُ اللَّهُ» وَقَالَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» فَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ قَتَلَهُ أَبُو غَادِيَةَ الْجُهَنِيِّ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ. [تَرْجَمَة عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى] (عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو حَفْصٍ الْعَدَوِيِّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وُلِدَ بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَحَفْصَةُ وَعَاصِمٌ وَمَوْلَاهُ أَسْلَمُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَخَلْقٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ إسْلَامُهُ عِزًّا ظَهَرَ بِهِ الْإِسْلَامُ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلَيْك بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إلَيْهِ عُمَرُ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَازِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَك الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّك» ، وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَقَدْ «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ رِجَالٌ مُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» . «وَرَأَى لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ» وَرَأَى «أَنَّهُ سَقَاهُ فَضْلَهُ قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ الْعِلْمُ» وَرَأَى «عَلَيْهِ قَمِيصًا يَجُرُّهُ قَالُوا فَمَا أَوَّلْته؟ قَالَ الدِّينُ» وَرَأَى «أَنَّهُ يَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ، ثُمَّ نَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، ثُمَّ نَزَعَ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ» فَكَانَ ذَلِكَ إشَارَةً لِلْخِلَافَةِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» ، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ وَأَوْصَى إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ فَأَقَامَ فِيهَا عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ أَوْ ثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْجُمْهُورُ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَأَنَسٍ وَقِيلَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ. وَقِيلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسِتٌّ وَسِتُّونَ، وَقِيلَ وَاحِدٌ وَسِتُّونَ وَقِيلَ سِتُّونَ، وَقِيلَ تِسْعٌ وَخَمْسُونَ وَقِيلَ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ وَقِيلَ سِتٌّ وَخَمْسُونَ وَقِيلَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ، وَاَلَّذِي طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ فَيْرُوزُ غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَمَوْتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّك كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ وَدُفِنَ فِي الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَكَانَ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: «وَأَيْمُ اللَّهِ إنْ كُنْت لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَك اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْك إنِّي كُنْت كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ذَهَبْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْت أَحَدًا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْك» . [تَرْجَمَة عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ] (عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، رَوَى عَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَمَالِكٌ والدراوردي وَآخَرُونَ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَوْثَقُ وَلَدِ نَافِعٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ الْوَاقِدِيُّ مَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ. [تَرْجَمَة عُمَرُ بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ] (عُمَرُ بْنُ دِينَارٍ الْمَكِّيُّ) مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ وَقِيلَ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَثْرَمُ أَحَدُ أَعْلَامِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَخَلْقٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ أَيُّوبُ وَشُعْبَةُ وَالْحَمَّادَانِ وَالسُّفْيَانَانِ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ يَعْنِي فِي الثَّبَتِ، وَقَالَ مِسْعَرٌ مَا رَأَيْت أَثْبَتَ مِنْهُ وَمِنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: مَا كَانَ عِنْدَنَا أَحَدٌ أَعْلَمَ وَلَا أَفْقَهَ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ كَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ مَكَّةَ، كَانَ قَدْ جَزَّأَ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثُلُثًا يَنَامُ وَثُلُثًا يَدْرُسُ حَدِيثَهُ وَثُلُثًا يُصَلِّي، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ أَوَّلَ سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَقِيلَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. [تَرْجَمَة عَمْرُو بْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] (عَمْرُو بْنُ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيُّ الْمَدَنِيُّ) يُكَنَّى أَبَا إبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ نَزَلَ الطَّائِفَ وَمَكَّةَ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ فَأَكْثَرَ وَعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَطَاوُسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَآخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَطَاءٌ وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدَ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَا رَأَيْت قُرَشِيًّا أَفْضَلَ أَوْ قَالَ أَكْمَلَ مِنْهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ وَأَبَا عُبَيْدٍ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَمَنْ النَّاسُ بَعْدَهُمْ، وَوَثَّقَهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَكَذَا عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةُ النَّاسِ إلَّا أَنَّ أَحَادِيثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَعَ احْتِمَالِهِمْ إيَّاهُ لَمْ يُدْخِلُوهَا فِي صِحَاحِ مَا خَرَّجُوا، وَقَالُوا هِيَ صَحِيفَةٌ، وَمَاتَ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى] (عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى) وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ فَقِيلَ زَائِدَةُ وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ، وَقِيلَ زِيَادَةُ وَاسْمُ الَّتِي اُشْتُهِرَ بِهَا عَاتِكَةُ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهُ أَنَسٌ وَأَبُو رَزِينٍ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَآخَرُونَ، وَكَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقِيلَ: اُسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ وَقِيلَ: رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ بِهَا وَكَانَ أَحَدَ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأَذَانِ. [تَرْجَمَة عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ نَهْمٍ] (عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ نَهْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَاضِرَةَ بْنِ حُبَيْشَةَ ابْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ الْكَعْبِيُّ) يُكَنَّى أَبَا نُجَيْدٍ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ نُجَيْدٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَآخَرُونَ. قَالَ عِمْرَانُ: مَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْت بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ عُمَرُ بَعَثَهُ إلَى أَهْل الْبَصْرَةِ لِيُفَقِّهَهُمْ، ثُمَّ اسْتَقْضَاهُ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فَقَضَى أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَعْفَى، وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكْتَوِيَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَسَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة عُمَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ] (عُمَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، كَذَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالصَّوَابُ عُمَيْرُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَامِرٍ اللَّيْثِيُّ. [تَرْجَمَة عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ] (عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ صَاحِبُ قِصَّةِ اللِّعَانِ) اُخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: عُوَيْمِرُ بْنُ الْجَدِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَهُوَ الَّذِي رَمَى زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ وَكَانَ قَدْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَوَجَدَهَا حُبْلَى، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عُوَيْمِرُ بْنُ أَشْقَرَ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ ذِكْرٌ فِي اللِّعَانِ. [تَرْجَمَة عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَاسْمُ أَبِي رَبِيعَةَ عَمْرُو بْنُ الْمُغِيرَةِ] (عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ) وَاسْمُ أَبِي رَبِيعَةَ عَمْرُو بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ لِأُمِّهِ، أُمُّهُمَا أُمُّ الْجُلَاسِ أَسْمَاءُ بِنْتُ مَخْرَمَةَ أَسْلَمَ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَ الْأَرْقَمِ، وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ أَنَّهُ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ حِينَ هَاجَرَ عُمَرُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ أَخُوهُ لِأُمِّهِ أَبُو جَهْلٍ وَالْحَارِثُ ابْنَا هِشَامٍ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أُمَّهُ حَلَفَتْ أَنْ لَا يَدْخُلَ رَأْسَهَا دُهْنٌ وَلَا تَسْتَظِلَّ حَتَّى تَرَاهُ، فَرَجَعَ مَعَهُمَا فَأَوْثَقَاهُ رِبَاطًا وَحَبَسَاهُ بِمَكَّةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لَهُ فِي الْقُنُوتِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَيَّاشًا هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ امْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ فَجَمَعَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا أَبُو مَعْشَرٍ فِي مُهَاجِرِي الْحَبَشَةِ رَوَى عَيَّاشٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأَمَةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ فَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَمَاتَ عَيَّاشٌ بِمَكَّةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّهُ قُتِلَ بِالْيَرْمُوكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْقُنُوتِ. [تَرْجَمَة الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ الْهَاشِمِيِّ] (الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ الْهَاشِمِيِّ بْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَسَنُّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ رَوَى عَنْهُ أَبُوهُ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَمِّهِ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ وَسِيمًا جَمِيلًا أَرْدَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَغَزَا مَعَهُ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا، وَثَبَتَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ فِيمَنْ غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَلِيَ دَفْنَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا فَمَاتَ بِالْأُرْدُنِّ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَكَذَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: قُتِلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد قُتِلَ بِدِمَشْقَ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الصِّيَامِ وَالْحَجِّ. [تَرْجَمَة الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَبُو مُحَمَّدٍ] (الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ) رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي آخَرِينَ كَثِيرِينَ، رَوَى عَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَخَلْقٌ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا أَدْرَكْنَا بِالْمَدِينَةِ أَحَدًا نُفَضِّلُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقَاسِمُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً رَفِيعًا عَالِمًا فَقِيهًا إمَامًا وَرِعًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، كَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَفَاتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَقِيلَ سِتٍّ. [تَرْجَمَة قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ عَزِيزِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ] (قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ عَزِيزِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَدُوسٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ) يُكَنَّى أَبَا الْخَطَّابِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَكَانَ أَكْمَهَ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِينَ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ أَيُّوبُ وَحُمَيْدَ وَشُعْبَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَعْمَرٌ وَأُمَمٌ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: مَا أَتَانِي عِرَاقِيٌّ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ قَتَادَةُ أَحْفَظُ النَّاسِ وَقَالَ بَكْرٌ الْمُزَنِيّ: مَا رَأَيْت أَحْفَظَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَذَكَرَ قَتَادَةَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: عَالِمٌ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَبِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَوَصَفَهُ بِالْحِفْظِ وَالْفِقْهِ فَقَالَ: قَلَّ مَا تَجِدُ مَنْ تُقَدِّمُهُ أَمَّا الْمِثْلُ فَلَعَلَّ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ: كَانَ أَحْفَظَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قَتَادَةُ يُدَلِّسُ وَيُومِئُ أَيْضًا بِالْقَدْرِ، وُلِدَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْعِتْقِ. [تَرْجَمَة قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ] (قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَتَقَدَّمَ نَسَبُهُ فِي تَرْجَمَةِ أَبِيهِ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَقِيلَ أَبَا الْفَضْلِ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ صَاحِبَ شُرْطَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ قَيْسٌ: صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ النَّاسِ، وَكَانَ بَعْدُ مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» لَكُنْت مِنْ أَمْكَرِ هَذِهِ الْأَمَةِ، وَكَانَ قَيْسٌ مِنْ الْأَجْوَادِ وَهُوَ الَّذِي نَحَرَ لِجَيْشِ الْحَبَطِ تِسْعَ جَزَائِرَ حَتَّى نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ «لَمَّا ذَكَرَ فِعْلَ قَيْسٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ الْجُودَ مِنْ شِيمَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ» ، وَبَاعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ مَالًا بِتِسْعِينَ أَلْفًا فَأَجَازَ بِشَطْرِهَا وَأَقْرَضَ شَطْرَهَا بِصِكَاكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ الصِّكَاكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِمَنْ هِيَ عَلَيْهِ فِي مِرْضَةٍ مَرِضَهَا، وَكَانَ قَيْسٌ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ مِنْ الْأَجْوَادِ الْمُطْعِمِينَ، تُوُفِّيَ قَيْسٌ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سِتِّينَ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَكَرَ أَبُو الشَّيْخِ فِي تَارِيخِهِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِفِلَسْطِينَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَهُوَ قَوْلُ الْهَيْثَمِ وَخَلِيفَةَ وَالْوَاقِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأَطْعِمَةِ. [تَرْجَمَة كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ الْمَدَنِيُّ] (كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ) رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُمْ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. [تَرْجَمَة اللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفهمي] (اللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَهْمِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمِصْرِيُّ الْإِمَامُ) عَالِمُ أَهْلِ مِصْرَ، يُكَنَّى أَبَا الْحَارِثِ، رَوَى عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَنَافِعٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَخَلَائِقَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ شُعَيْبٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَقُتَيْبَةُ وَأُمَمٌ لَا يُحْصَوْنَ، وُلِدَ بِقَلْقَشَنْدَةَ مِنْ قُرَى مِصْرَ، قَالَ أَحْمَدُ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ أَصَحُّ النَّاسِ حَدِيثًا، عَنْ الْمَقْبُرِيِّ مَا فِي الْمِصْرِيِّينَ أَثْبَتُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ ثَبْتٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر: مَا رَأَيْت أَكْمَلَ مِنْهُ كَانَ فَقِيهَ الْبَدَنِ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَالنَّحْوَ، وَيَحْفَظُ الشِّعْرَ وَالْحَدِيثَ حَسَنَ الْمُذَاكَرَةِ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ لَكِنْ الْحُظْوَةُ لِمَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَوْلَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَهَلَكْت، وَقَالَ ابْنُهُ شُعَيْبٌ حَجَجْت مَعَ أَبِي فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إلَيْهِ مَالِكٌ بِطَبَقِ رُطَبٍ، فَجَعَلَ عَلَى الطَّبَقِ أَلْفَ دِينَارٍ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَكَانَ أَبِي يَشْتَغِلُ فِي السَّنَةِ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ تَأْتِي عَلَيْهِ السَّنَةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ: كَانَ دَخْلُهُ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ مَا وَجَبْت زَكَاةٌ، وَسَأَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنْ يَلِيَ لَهُ مِصْرَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أَضْعَفُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنِّي مِنْ الْمَوَالِي قَالَ: مَا بِك ضَعْفٌ مَعِي وَلَكِنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُك عَنْ ذَلِكَ قَالَ: فَدُلَّنِي عَلَى مَنْ أُقَلِّدُهُ مِصْرَ قُلْت عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيُّ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَهُ عَشِيرَةٌ، قَالَ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ اللَّيْثَ قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر وُلِدَ اللَّيْثُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، وَتُوُفِّيَ نِصْفَ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ] مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ جَثِيلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ذِي أَصْبَحَ الْأَصْبَحِيُّ الْحِمْيَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ) حَلِيفُ عُثْمَانَ أَخِي طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَأَحَدُ أَعْلَامِ الْإِسْلَامِ، رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَسَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَخَلْقٍ كَثِيرٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالسُّفْيَانَانِ وَشُعْبَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَخَلَائِقُ آخِرُهُمْ مَوْتًا أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، وَقِيلَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ زَكَرِيَّا بْنُ دُوَيْدٍ، وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُقَدِّمُ عَلَى مَالِكٍ أَحَدًا. وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: مَا فِي الْقَوْمِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ مَالِكٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فَهُوَ ثِقَةٌ إلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ أَبَا أُمَيَّةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا جَاءَ الْأَثَرُ فَمَالِكٌ النَّجْمُ، وَقَالَ أَيْضًا: مَالِكٌ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَقَالَ أَيْضًا: لَوْلَا مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَالِكٌ أَثْبَتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَهُوَ مَالِكٌ، وُلِدَ مَالِكٌ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَحَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، قَالَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقِيلَ فِي رَابِعَ عَشَرَهُ وَقِيلَ ثَالِثَ عَشَرَهُ وَقِيلَ حَادِيَ عَشَرَهُ وَقِيلَ عَاشِرَهُ، وَقَالَ مُصْعَبٌ مَاتَ فِي صَفَرٍ. [تَرْجَمَة مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَشْيَمَ اللَّيْثِيُّ] (مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ بْنِ أَشْيَمَ اللَّيْثِيُّ) قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ بْنِ حُشَيْشٍ وَبِهِ صَدَّرَ الْمِزِّيُّ كَلَامَهُ، يُكَنَّى أَبَا سُلَيْمَانَ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الِاسْتِيعَابِ وَتِسْعِينَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ أَنَسًا مَاتَ قَبْلَ هَذَا، وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ. [تَرْجَمَة الْمُبَارَكُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمَعْطُوشِ] (الْمُبَارَكُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمَعْطُوشِ أَبُو طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَرِيمِيُّ الْعَطَّارُ) رَوَى عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي بِاَللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبِي الْغَنَائِمِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُهْتَدِي بِاَللَّهِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُمَا وَعَنْ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْمُبَارَكِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْمَاطِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ فِي آخَرِينَ. رَوَى عَنْهُ الضِّيَاءُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيَّ وَالشَّرِيفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ النَّجَّارِ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ وَعَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيِّ وَآخَرُونَ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ] (مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) رَوَى عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَأَبِي سَلَمَةَ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُوسَى وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ فَقِيهًا مُحَدِّثًا، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي حَدِيثِهِ شَيْءٌ، يَرْوِي أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ] (مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ) الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُطَّلِبِيُّ الشَّافِعِيُّ رَوَى عَنْ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ وَأَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ قِيلَ بِغَزَّةَ وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ وَقِيلَ بِالْيَمَنِ وَقِيلَ بِمِنًى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَحُمِلَ إلَى مَكَّةَ وَلَهُ سَنَتَانِ وَقِيلَ: عَشْرُ سِنِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَطَلَبَ الْعِلْمَ بِالْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقِ. وَرَوَيْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: حَفِظْت الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَحَفِظْت الْمُوَطَّأَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَفْتَى وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَتَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إلَى الشَّافِعِيِّ أَنْ يَضَعَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعَ فُنُونَ الْقُرْآنِ فِيهِ وَحُجَّةَ الْإِجْمَاعِ وَبَيَانَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَعَمِلَ لَهُ كِتَابَ الرِّسَالَةِ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَا أُصَلِّي صَلَاةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَّا وَأَنَا أَدْعُو فِيهَا لِلشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا بِتُّ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً إلَّا وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ، وَقَالَ ابْنُهُ صَالِحٌ: مَشَى أَبِي مَعَ بَغْلَةِ الشَّافِعِيِّ فَبَعَثَ إلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا رَضِيت إلَّا أَنْ تَمْشِيَ مَعَ بَغْلَةِ الشَّافِعِيِّ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا لَوْ مَشَيْت مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ كَانَ أَنْفَعَ لَك، وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سَيِّدُ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَ الشَّافِعِيِّ فِي عِلْمِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَثَبَاتِهِ وَتَمَكُّنِهِ فَقَدْ كَذَبَ، كَانَ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ فِي حَيَاتِهِ، وَرَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» . وَرَوَيْنَا فِي تَارِيخِ الْخَطِيبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَبُو نُعَيْمٍ الإستراباذي: فِي هَذِهِ عَلَامَةٌ لِلْمِيزَانِ، الْمُرَادُ بِذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأَمَةِ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ظَهَرَ عِلْمُهُ وَانْتَشَرَ فِي الْبِلَادِ قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةٌ لَا نَعْلَمُهَا قَدْ أَحَاطَتْ إلَّا بِالشَّافِعِيِّ. وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» . وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ إذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا أَعْرِفُ فِيهَا خَبَرًا قُلْت فِيهَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَالَمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» قَالَ: وَذُكِرَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقَيِّضُ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ رَجُلًا يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ» ، وَرَوَى أَحْمَدُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: فَكَانَ فِي الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَاتَ الشَّافِعِيُّ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَبُو بَكْرٍ السُّلَمِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَبُو بَكْرٍ السُّلَمِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ الْحَافِظُ الْمُلَقَّبُ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ مُصَنَّفُ الصَّحِيحِ) رَوَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٌ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى الزَّمِنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ سِيَارٍ الْمَرْوَزِيِّ وَخَلَائِقَ، رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَاسَرْجِسِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ الشَّاشِيُّ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ، وَالزَّاهِدُ أَبُو الْقَاسِمِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ النَّصْرَآبَاذِيُّ وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ وَأَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصُّعْلُوكِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَعْفَرٌ الْبُحَيْرِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبُ حُسَيْنُكَ وَأَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْغِطْرِيفِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَاسِينَ الْبَاهِلِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْكَرَابِيسِيُّ، وَالْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَاكِمُ وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَرْوَانَ الضَّبِّيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الصُّنْدُوقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِهْرَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْمُقْرِئُ وَحَفِيدُهُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ مِنْ آخِرِ مَنْ عَلِمْته حَدَّثَ عَنْهُ وَتَفَقَّهَ عَلَى الرَّبِيعِ وَالْمُزَنِيِّ وَصَارَ إمَامَ أَهْلِ زَمَانِهِ بِخُرَاسَانَ. قَالَ الرَّبِيعُ: اسْتَفَدْنَا مِنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَفَادَ مِنَّا، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ أَيْضًا كَانَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يَحْفَظُ الْفِقْهِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِهِ كَمَا يَحْفَظُ الْقَارِئُ السُّورَةَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ لَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي حِفْظِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ إمَامًا مَعْدُومَ النَّظِيرِ وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ: سَمِعْت ابْنَ خُزَيْمَةَ يَقُولُ لَيْسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ إذَا صَحَّ الْخَبَرُ عَنْهُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ فِي ثَانِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ الْعَبْدِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ الْعَبْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ) أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ رَوَى عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصَمِّ وَالْهَيْثَمِ بْنِ كُلَيْبٍ الشَّاشِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَابٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانِ وَخَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ وَعُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ التُّونِيُّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيّ وَخَلَائِقَ. وَعِدَّةُ شُيُوخِهِ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةِ شَيْخٍ رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَبُو مُظَفَّرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ خَطِيبُ أَصْبَهَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بُنْدَارٍ الْعِجْلِىُّ وَالْمُطَهَّرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِيزَانِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَاطِرْقَانِيُّ وَعَائِشَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ الْوَرْكَانِيَّةُ وَآخَرُونَ طَوَّفَ ابْنُ مَنْدَهْ الدُّنْيَا وَبَقِيَ فِي الرِّحْلَةِ بِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَجَمَعَ وَكَتَبَ مَا لَا يَنْحَصِرُ، وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ بِبَلَدِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ الْحَافِظُ: مَا رَأَيْت مِثْلَهُ. وَقَالَ الْبَاطِرْقَانِيُّ: ابْنُ مَنْدَهْ إمَامُ الْأَئِمَّةِ فِي الْحَدِيثِ، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي نُعَيْمٍ وَحْشَةٌ، فَتَكَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى كَلَامِهِمَا لِمَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَقْرَانِ، وَلَمَّا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي التَّارِيخِ قَالَ: هُوَ حَافِظٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمُحَدِّثِينَ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فَحَدَّثَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ مِنْهُ أَنَّ لَهُ عَنْهُمْ إجَازَةً، وَتَخَبَّطَ فِي أَمَالِيِّهِ وَنَسَبَ إلَى جَمَاعَةٍ أَقْوَالًا فِي الْمُعْتَقَدَاتِ لَمْ يُعْرَفُوا بِهَا. قَالَ الذَّهَبِيُّ الْبَلَاءُ الَّذِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ هُوَ الِاعْتِقَادُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ ابْنُ مَنْدَهْ سَيِّدُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ مَنْدَهْ: كَتَبْت عَنْ أَبِي عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَلْفَ جُزْءٍ وَعَنْ خَيْثَمَةَ أَلْفَ جُزْءٍ، وَعَنْ الْأَصَمِّ أَلْفَ جُزْءٍ وَعَنْ الْهَيْثَمِ الشَّاشِيِّ أَلْفَ جُزْءٍ، وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ عَشْرٍ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ صَاحِبُ السِّيرَةِ وَصَاحِبُ الْمَغَازِي، وَقَدْ رَأَى أَنَسًا وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَسَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَنَافِعٍ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالْحَمَّادَانِ وَالسُّفْيَانَانِ وَزِيَادٌ الْبُكَائِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَخَلَائِقُ، سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَغَازِيهِ فَقَالَ هَذَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا، وَأَشَارَ إلَى ابْنِ إِسْحَاقَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ مَدَارُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سِتَّةٍ، ثُمَّ صَارَ عِلْمُ السِّتَّةِ عِنْدَ اثْنَيْ عَشَرَ أَحَدُهُمْ ابْنُ إِسْحَاقَ وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ فَقَالَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ دَجَّالٌ مِنْ الدَّجَاجِلَةِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: ذَاكَرْت دُحَيْمًا مَوْلَى مَالِكٍ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْحَدِيثِ، إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ اتَّهَمَهُ بِالْقَدَرِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ سَأَلْت ابْنَ الْمَدِينِيِّ عَنْ كَلَامِ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَمْ يُجَالِسْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَأَيُّ شَيْءٍ حَدَّثَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالْمَدِينَةِ، قُلْت لَهُ كَيْفَ حَدِيثُهُ عِنْدَك قَالَ صَحِيحٌ. وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْت ابْنَ الْمَدِينِيِّ يَحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ جَالَسْته مُنْذُ بِضْعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَمَا يَتَّهِمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَقُولُ فِيهِ شَيْئًا. وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُحَدِّثِينَ لِحِفْظِهِ، وَوَثَّقَهُ أَيْضًا الْعِجْلِيّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ لِتَدْلِيسِهِ، وَلِكَوْنِهِ اُتُّهِمَ بِالْقَدَرِ قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ كَانَ يُرْمَى بِالْقَدَرِ، وَكَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَإِذَا حَدَّثَ عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ فَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ صَدُوقٌ، وَإِنَّمَا أُتِيَ مِنْ أَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ الْمَجْهُولِينَ أَحَادِيثَ بَاطِلَةً. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الِاعْتِكَافِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَالِمِ بْنِ رِكَابٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ] (مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَالِمِ بْنِ رِكَابٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفِدَاءِ بْنِ الْخَبَّازِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْعَبَّادِيُّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) رَوَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ بْنِ نِعْمَةَ حُضُورًا وَعَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْخَضِرِ بْنِ شِبْلٍ الْحَارِثِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ التَّنُوخِيِّ وَيَحْيَى بْنِ النَّاصِحِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَجْمٍ الْحَنْبَلِيِّ وَالْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الطَّائِيِّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُمْ بِالسَّمَاعِ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَمُؤَمَّلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَالِسِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْخَيْرِ الْحَدَّادِ وَأَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ الصَّيْرَفِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْقَاسِمِ الْإِرْبِلِيِّ وَالْكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيَّ وَالْحَافِظِ أَبِي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الصَّابُونِيِّ وَالْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ مَكِّيٍّ الْقَيْسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْمِزِّيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الدَّرَجِيِّ وَالْمِقْدَادِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الْقَيْسِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَقْدِسِيَّ وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْقَوَّاسِ وَالرَّشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَامِرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْأَنْمَاطِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ شَيْبَانُ بْنِ تَغْلِبَ الشَّيْبَانِيِّ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْكَمَالِ وَالْفَخْرِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ النَّجَّارِيِّ فِي خَلَائِقَ تَجْمَعُهُمْ مَشْيَخَتُهُ الَّتِي، أَخْرَجَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ الْبِرْزَالِيُّ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَالْحُفَّاظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ خَلِيلُ بْنُ كيكلدي الْعَلَائِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ السَّلَامِيُّ وَالشَّرِيفُ أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ. وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ سَهْلًا فِي التَّسْمِيعِ رَاغِبًا فِي الْخَيْرِ قَرَأْت عَلَيْهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ فِي سِتَّةِ مَجَالِسَ مُتَوَالِيَةٍ، وَقَرَأْت عَلَيْهِ مُسْنَدَ أَحْمَدَ مُتَوَالِيًا فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ عَنْ تِسْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ قَدْ انْفَرَدَ بِكَثِيرٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَالْأَجْزَاءِ وَانْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ كُتُبٌ وَأَجْزَاءُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بردزبه] (مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بردزبه وَقِيلَ بذدذبه وَقِيلَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَحْنَفِ الْجُعْفِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ) الْحَافِظُ الْعَلَمُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ مُؤَلِّفُ الصَّحِيحِ وَالتَّارِيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَتَبَ بِخُرَاسَانَ وَالْجِبَالِ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ فَرَوَى عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ النَّبِيلِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ وَخَلَائِقَ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى كَتَبَ عَنْ أَقْرَانِهِ وَعَنْ أَصْغَرَ مِنْهُ حَتَّى زَادَ عَدَدُ شُيُوخِهِ عَلَى الْأَلْفِ. وَرَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ خَارِجَ الصَّحِيحِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ صَاعِدٍ وَأَبُو حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ وَمَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ رَوَى الصَّحِيحَ عَنْهُ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ وَآخِرُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَارِسٍ الْبَلْخِيّ، وُلِدَ الْبُخَارِيُّ فِي ثَالِثَ عَشَرَ شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَأُلْهِمَ حِفْظَ الْحَدِيثِ فِي الْكُتَّابِ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَحَضَرَ عِنْدَ الدَّاخِلِيِّ وَهُوَ ابْنُ إحْدَى عَشْرَةَ فَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ الْبُخَارِيُّ إنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ هُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ فَأَخَذَ الْقَلَمَ، وَأَصْلَحَ كِتَابَهُ وَحَفِظَ كُتُبَ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَخَرَجَ مَعَ أُمِّهِ وَأَخِيهِ أَحْمَدَ إلَى مَكَّةَ وَتَخَلَّفَ بِهَا يَطْلُبُ، وَصَنَّفَ وَهُوَ ابْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثَمَانِيَ عَشَرَةَ سَنَةً التَّارِيخَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: لَوْ كَتَبَ الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا مَا اسْتَغْنَى عَنْ تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ وَشَرَعَ فِي جَمْعِ الصَّحِيحِ فِي أَيَّامِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ أَخْرَجْته مِنْ زُهَاءِ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَمَا أَدْخَلْت فِيهِ إلَّا مَا صَحَّ وَتَرَكْت مِنْ الصِّحَاحِ لِحَالِ الطُّولِ، وَرَوَى الْفَرَبْرِيُّ عَنْهُ مَا وَضَعْت فِي الصَّحِيحِ حَدِيثًا إلَّا اغْتَسَلْت قَبْلَ ذَلِكَ وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ مِنْ تَرَاجِمِ التَّارِيخِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَا رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ: هُوَ فَقِيهُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمَّا دَخَلَ الْبُخَارِيُّ الْبَصْرَةَ قَالَ بُنْدَارٌ دَخَلَ الْيَوْمَ سَيِّدُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: لَوْ أَدْرَكْت مَالِكًا وَنَظَرْت إلَيْهِ وَإِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ لَقُلْت كِلَاهُمَا وَاحِدٌ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ الْعِرَاقَ وَقِصَّتُهُ مَعَ أَهْلِ بَغْدَادَ مَشْهُورَةٌ فِي أَنَّهُمْ قَلَبُوا عَلَيْهِ مِائَةَ حَدِيثٍ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِمْ فَرَدَّ كُلَّ إسْنَادٍ إلَى مَتْنِهِ ذَكَرَهَا ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ لَهُ بِبَغْدَادَ ثَلَاثَةُ مُسْتَمْلِينَ وَاجْتَمَعَ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَحَدَثَتْ لَهُ مِحْنَةٌ مَعَ خَالِدِ بْنِ أَحْمَدَ الذُّهْلِيِّ وَالِي بُخَارَى فَنَفَاهُ مِنْ الْبَلَدِ، فَجَاءَ إلَى خرتنك قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ فَنَزَلَ عَلَى أَقَارِبَ لَهُ بِهَا فَقَالَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: سَمِعْته لَيْلَةً وَقَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ يَدْعُو يَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَاقْبِضْنِي إلَيْك فَمَا تَمَّ الشَّهْرُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ. . [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ دَاوُد بْنِ كَيْسَانَ الْعَبْدِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ دَاوُد بْنِ كَيْسَانَ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ بُنْدَارٌ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَطَبَقَتِهِمْ فَأَكْثَرَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ صَاعِدٍ وَخَلْقٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد كَتَبْت عَنْهُ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيَارٍ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ يَقْرَأُ مِنْ كُلِّ كِتَابٍ قَالَ الْخَطِيبُ وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كُلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكِتَابٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ حَدِيثَهُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ الذَّهَبِيُّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ مَاتَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حِبَّانَ بْنِ مُعَاذٍ أَبُو حَاتِمٍ التَّمِيمِيُّ الْبُسْتِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حِبَّانَ بْنِ مُعَاذٍ أَبُو حَاتِمٍ التَّمِيمِيُّ الْبُسْتِيُّ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيِّ وَأَبِي يَعْلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي خَلِيفَةَ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ الْجُمَحِيِّ وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ وَجَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ وَخَلَائِقَ. رَوَى عَنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ هَارُونَ الزَّوْزَنِيُّ رَاوِي صَحِيحِهِ عَنْهُ وَآخَرُونَ وَصَنَّفَ كُتُبًا حَسَنَةً (مِنْهَا) صَحِيحُهُ الْمُسَمَّى بِالتَّقَاسِيمِ وَالْأَنْوَاعِ وَتَارِيخِ الثِّقَاتِ وَتَارِيخِ الضُّعَفَاءِ وَكِتَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ بِالسُّنَّةِ، فَهَذَا مَا وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ تَصَانِيفِهِ، وَقَدْ عَقَدَ الْخَطِيبُ فَصْلًا فِي كِتَابِ الْجَامِعِ سَمَّى فِيهِ تَصَانِيفَهُ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ نَفِيسَةٌ وَسَمِعَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ وَخُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا، خَرَّجْت لَهُ مِنْ صَحِيحِهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا بُلْدَانِيَّةً وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ سَمَرْقَنْدَ مُدَّةً، وَأَقَامَ بِنَيْسَابُورَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ، وَحَدَّثَ بِمُصَنَّفَاتِهِ وَكَانَ رَأْسًا فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ وَالطِّبِّ وَالنُّجُومِ. وَقَدْ اُمْتُحِنَ بِسَبَبِ الْكَلَامِ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ وَأُمِرَ بِقَتْلِهِ، ثُمَّ أُخْرِجَ إلَى سَمَرْقَنْدَ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ غَلِطَ الْغَلَطَ الْفَاحِشَ فِي تَصَرُّفِهِ، وَرَأَيْت لِلضِّيَاءِ الْمَقْدِسِيَّ جُزْءًا ذَكَرَ فِيهِ أَوْهَامَهُ فِي التَّقَاسِيمِ وَالْأَنْوَاعِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ: إنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَتُوُفِّيَ بِبُسْتَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَهُوَ فِي عَشْرِ الثَّمَانِينَ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ التَّمِيمِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ) أَحَدُ الْأَعْلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ أَبُو دَاوُد عَمِيَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقِيلَ ابْنُ ثَمَانٍ رَوَى عَنْ الْأَعْمَشِ وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ مَعِينٍ وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَثْبَتُهُمْ فِي الْأَعْمَشِ بَعْدَ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَقَالَ أَحْمَدُ: وَكَانَ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ مُضْطَرِبًا لَا يَحْفَظُهَا جَيِّدًا. وَقَالَ الْعِجْلِيّ: ثِقَةٌ يَرَى الْأَرْجَاءَ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ وَرُبَّمَا دَلَّسَ وَكَانَ يَرَى الْأَرْجَاءَ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ رِبْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ] (مُحَمَّدُ بْنُ رِبْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ) رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَيَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ ثَابِتٍ الصَّيْدَلَانِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ وَدَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ: مَاتَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] (مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ أَبُوهُ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ) رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمَوْلَاهُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ أَدْرَكَ ابْنُ سِيرِينَ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا. رَوَى عَنْهُ ثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَخَلَائِقُ قَالَ هِشَامٌ: هُوَ أَصْدَقُ مَنْ رَأَيْت مِنْ الْبَشَرِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا عَالِيًا رَفِيعًا فَقِيهًا إمَامًا كَثِيرَ الْعِلْمِ وَرِعًا، وَقَالَ مُوَرَّقٌ الْعِجْلِيّ: مَا رَأَيْت رَجُلًا أَفْقَهَ فِي وَرِعِهِ وَلَا أَوْرَعَ فِي فِقْهِهِ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: لَمْ أَرَ فِي الدُّنْيَا مِثْلَهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمُزَنِيّ: مَا رَأَيْنَا مَنْ هُوَ أَوْرَعُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: رَأَيْته فِي السُّوقِ فَمَا رَآهُ أَحَدٌ فِي السُّوقِ إلَّا ذَكَرَ اللَّهَ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَكَانَ آيَةً فِي التَّعْبِيرِ. وَرَأَى ابْنُ سِيرِينَ كَأَنَّ الْجَوْزَاءَ تَقَدَّمَتْ الثُّرَيَّا فَأَخَذَ فِي وَصِيَّتِهِ، وَقَالَ يَمُوتُ الْحَسَنُ وَأَمُوتُ بَعْدَهُ هُوَ أَشْرَفُ مِنِّي فَكَانَ كَذَلِكَ مَاتَا فِي سَنَةِ عَشْرَةٍ وَمِائَةٍ، مَاتَ الْحَسَنُ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ وَمَاتَ ابْنُ سِيرِينَ فِي تَاسِعِ شَوَّالٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ الشَّافِعِيُّ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ الْمَشْهُورَةِ) رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَرْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً الْوَاسِطِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيِّ وَإِبْرَاهِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَعْنَبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ رِبْح الْبَزَّارِ وَبِشْرِ بْنِ مُوسَى الْأَسَدِيِّ وَمُوسَى بْنِ سَهْلٍ الْوَشَّاءِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ الصَّائِغِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدَوَيْهِ الْحَرَّازُ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّرْسُ وَمُحَمَّدِ بْنِ شَدَّادٍ الْمِسْمَعِيِّ وَالْحَارِثِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ وَخَلْقٍ. رَوَى عَنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ وَأَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّحَّانُ قَالَ الْخَطِيبُ: كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا حَسَنَ التَّصْنِيفِ جَمَعَ أَبْوَابًا وَشُيُوخًا قَالَ: وَلَمَّا مَنَعَتْ الدَّيْلَمُ النَّاسَ مِنْ ذِكْرِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَكَتَبُوا السَّبَّ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ كَانَ يَتَعَمَّدُ إمْلَاءَ أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ فِي الْجَامِعِ، تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَهُ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حمدويه بْنِ الْبَيْعِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ بْنِ الْبَيْعِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ النَّيْسَابُورِيُّ) صَاحِبُ الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَتَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَكِتَابِ الْإِكْلِيلِ وَعُلُومِ الْحَدِيثِ وَالْمَدْخَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصَمِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْأَخْرَمِ وَأَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ وَأَبِي الْوَلِيدِ حَسَّانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ النَّيْسَابُورِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الضُّبَعِيِّ الْفَقِيهِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْفَقِيهِ النَّيْسَابُورِيِّ وَخَلَائِقَ. رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُثْمَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْجِيرِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمُزَكَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الصَّوَّامُ وَعُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَحْمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَسِيُّ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرُهُمْ وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ أَحْسَنُ تَصْنِيفًا مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ نُسِبَ إلَى التَّشَيُّعِ وَإِلَى التَّسَاهُلِ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: بَرَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَفُنُونِهِ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ الْكَثِيرَةَ، وَانْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ الْفَنِّ بِخُرَاسَانَ لَا، بَلْ بِالدُّنْيَا وَكَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ وَحَطَّ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ سَأَلْت أَبَا إسْمَاعِيلَ عَبْدَ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ: إمَامٌ فِي الْحَدِيثِ، رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: اللَّهُ يُحِبُّ الْإِنْصَافَ مَا هُوَ بِرَافِضِيٍّ بَلْ شِيعِيٍّ فَقَطْ، تُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً بِنَيْسَابُورَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ) وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرٍ، رَوَى عَنْ عَائِشَةَ، رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، لَهُ ذِكْرٌ فِي النِّكَاحِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ] (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَاسْمُ أَبِي ذِئْبٍ، هِشَامُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدُودٍ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْحَارِثِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ خَالِهِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ وَنَافِعٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي آخَرِينَ كَثِيرِينَ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ أَشْبَهَ بِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قِيلَ لَهُ: خَلَّفَ مِثْلَهُ بِبِلَادِهِ؟ قَالَ لَا وَلَا بِغَيْرِهَا، كَانَ ثِقَةً صَدُوقًا أَفْضَلَ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ مَالِكًا أَشَدُّ تَنْقِيَةً لِلرِّجَالِ مِنْهُ، وَسُئِلَ أَيْضًا مَنْ أَعْلَمُ، مَالِكٌ أَوْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَكْبَرُ مِنْ مَالِكٍ وَأَصْلَحُ وَأَوْرَعُ وَأَقْوَمُ بِالْحَقِّ مِنْ مَالِكٍ عِنْدَ السَّلَاطِينِ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ لَهُ: الظُّلْمُ فَاشٍ بِبَابِكَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: شُيُوخُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَّا أَبُو جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ، وَلَمَّا حَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ دَعَا ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ بِدَارِ النَّدْوَةِ فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ إنَّكَ لَجَائِرٌ، وَلَمَّا حَجَّ الْمَهْدِيُّ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ النَّاسُ إلَّا ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ فَقَالَ لَهُ الْمُسَيِّبُ بْنُ زُهَيْرٍ: قُمْ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: إنَّمَا يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: دَعْهُ فَلَقَدْ قَامَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِي، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمِائَةٍ وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَمَانِينَ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبَا الْحَسَنِ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ مَوْلَى الْحُرْقَةِ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَخَلْقٌ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، قِيلَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ الضَّحَّاكِ] (مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ الضَّحَّاكِ) ، وَقِيلَ فِي نَسَبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ أَبُو عِيسَى السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ الْحَافِظُ الضَّرِيرُ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ، وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ أَكْمَهَ طَافَ الْبِلَادَ فَسَمِعَ مِنْ قُتَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٌ وَأَبِي كُرَيْبٌ وَخَلَائِقَ، وَأَخَذَ عِلْمَ الرِّجَالِ وَالْعِلَلِ عَنْ الْبُخَارِيِّ، رَوَى عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَسْنَوَيْهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْقَرَّابُ وَالْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ، وَقَدْ سَمِعَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ وَحَفِظَ وَذَاكَرَ قَالَ الْمُسْتَغْفِرِيُّ: مَاتَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَوْلُ الْخَلِيلِيِّ فِي الْإِرْشَادِ: مَاتَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، قَالَهُ الْمُسْتَغْفِرِيُّ وَغُنْجَارُ وَابْنُ مَاكُولَا وَغَيْرُهُمْ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُظَفَّرٍ الْفَارِقِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُظَفَّرٍ الْفَارِقِيُّ) آخِرُ مَنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ وَعَنَى بِهِ، رَوَى لَنَا عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ وَالنَّجْمِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ شَبِيبٍ الْحَرَّانِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غُلَامِ اللَّهِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الشَّمْعَةِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّسْعَنِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ الصَّيْرَفِيِّ اللَّخْمِيِّ وَسَيِّدَةُ بِنْتُ مُوسَى الْمَارَانِيَّةُ فِي آخَرِينَ، وَرَحَلَ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَسَمِعَ بِهَا مِنْ الشَّرِيفِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الْعِرَاقِيِّ وَطَبَقَتِهِ. رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ جَمَاعَةَ وَأَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ وَآخَرُونَ، وَكَانَ قَدْ اعْتَنَى بِطَلَبِ الْحَدِيثِ فَقَرَأَ بِنَفْسِهِ وَكَتَبَ وَرَحَلَ وَأَفَادَ، وَكَانَ أَحَدَ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ بِالْقَاهِرَةِ إلَّا أَنِّي سَمِعْت مَنْ يَتَكَلَّمُ فِيهِ فِي الشَّهَادَةِ، فَلِذَلِكَ قَرَنْته فِي الرِّوَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِأَبِي الْحَرَمِ الْقَلَانِسِيِّ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ أَبُو طَالِبٍ] (مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ أَبُو طَالِبٍ الْبَزَّارُ الْهَمَذَانِيُّ الْبَغْدَادِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيِّ وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَطِيبُ وَأَبُو نَصْرٍ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ مَاكُولَا وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَرَدَانِيُّ وَأَبُو غَالِبٍ شُجَاعُ بْنُ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ وَمُقْرِئُ الْعِرَاقِ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَوَّارٍ وَأَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيمِيُّ وَنُورُ الْهُدَى أَبُو طَالِبٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَطِيبُ وَأَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الطُّيُورِيِّ وَأَبُو الْبَرَكَاتِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْمُبْخِرُ وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْخَطِيبُ: كَانَ صَدُوقًا صَالِحًا دَيِّنًا وَمَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقَدْ اسْتَكْمَلَ أَرْبَعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ أَبُو الْفَتْحِ الْبَكْرِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ أَبُو الْفَتْحِ الْبَكْرِيُّ الْمَيْدُومِيُّ مُسْنَدِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ اللَّطِيفِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَرَّانِيِّ وَأَبِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِلَاقٍ، وَتَفَرَّدَ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْأَنْمَاطِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ فَارِسٍ التَّمِيمِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْقَسْطَلَّانِيِّ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةْ وَشَامِيَّةَ بِنْتِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيِّ فِي آخَرِينَ. وَأَجَازَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ وَمَجْدُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ وَهْبِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُنِيرٍ الْحَلَبِيُّ وَأَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ جَمَاعَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ خَلِيلُ بْنُ كيكلدي الْعَلَائِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ لُؤْلُؤِ بْنِ النَّقِيبِ وَأَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْبَنَّاءِ وَآخَرُونَ، وَكَانَ رَجُلًا جَيِّدًا ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي الْعُشْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ التِّسْعِينَ وَلَمْ يُحْضِرْهُ وَالِدُهُ مَجَالِسَ السَّمَاعِ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْخَامِسَةِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ حُضُورٌ أَصْلًا، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وَلِيَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَرَامِ] (مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَرَامِ أَبُو الْحَرَمِ الْقَلَانِسِيِّ الْحَنْبَلِيُّ) شَيْخٌ مُكْثِرٌ ثِقَةٌ صَحِيحُ السَّمَاعِ، رَوَى عَنْ الشِّهَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ الْخَيْمِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ حَضَرَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْحُصَرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ غُلَامِ اللَّهِ بْنِ السُّمْعَةِ وَغَازِي بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْحَلَاوِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ تَرْجَمَ وَالنَّجْمِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ شَبِيبٍ الْحَرَّانِيِّ الْحَنْبَلِيِّ وَالتَّاجِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ قُرَيْشٍ وَيُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الْحَمْزِيّ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ غَازِي بْنِ الْأَغْلَاقِيِّ وَالضِّيَاءِ عِيسَى بْنِ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ السَّبْتِيِّ وَالرَّضِيِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ القسطنطيني النَّحْوِيِّ وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الظَّاهِرِيِّ وَيَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضَائِلَ الْحَلَبِيِّ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ خَلَفٍ الدَّمِيرِيِّ وَسَيِّدَةَ بِنْتِ مُوسَى الْمَارَانِيَّةِ وَمُؤْنِسَةَ ابْنَةِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ فِي آخَرِينَ كَثِيرِينَ، رَوَى عَنْهُ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ وَآخَرُونَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تدرس الْأَسَدِيُّ مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ] (مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ الْأَسَدِيُّ مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ) رَوَى عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلَائِقُ قِيلَ لِشُعْبَةَ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَهُ؟ قَالَ: رَأَيْته يَزِنُ وَيَسْتَرْجِحُ فِي الْمِيزَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَبُو الزُّبَيْرِ يَحْتَاجُ إلَى دِعَامَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الثِّقَاتِ تَخَلَّفَ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلَمْ يَحْتَجَّ ابْنُ حَزْمٍ بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ إلَّا إذَا قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرٌ أَوْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا مَا سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ] مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ) أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَخَلَائِقُ. وَقَدْ أَفْرَدَ النَّسَائِيّ بِالتَّصْنِيفِ مَنْ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَرَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: مَا اسْتَوْدَعْت قَلْبِي شَيْئًا قَطُّ فَنَسِيتُهُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَقَصَّ لِلْحَدِيثِ مِنْهُ، وَمَا رَأَيْت أَحَدًا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَأَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْرِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ مِنْهُ، وَقَالَ أَيُّوبُ مَا رَأَيْت أَعْلَمَ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ مَا رَأَيْت عَالِمًا قَطُّ أَجْمَعَ وَلَا أَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْت أَكْرَمَ مِنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: بَقِيَ وَمَا لَهُ فِي النَّاسِ نَظِيرٌ، تُوُفِّيَ بِآدَامَ آخِرَ حَدِّ الْحِجَازِ وَأَوَّلَ عَمَلِ فِلَسْطِينَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَوْلِدِهِ فَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى، وَقِيلَ سِتٍّ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى] (مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَ مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ يَجْتَمِعُ إلَيْهِ الصَّالِحُونَ، وَقَالَ مَالِكٌ كَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ إلَّا كَانَ يَبْكِي، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ حَافِظٌ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ لَهُ ذِكْرٌ فِي النِّكَاحِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ] (مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَازِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ الْهَمَذَانِيُّ الشَّافِعِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ. رَوَى عَنْ أَبِي الْوَقْتِ عَبْدِ الْأَوَّلِ بْنِ عِيسَى السِّجْزِيِّ حُضُورًا، وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ وَمُعَمِّرِ بْنِ الْفَاخِرِ وَغَيْرِهِمْ وَرَحَلَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ إلَى الْعِرَاقِ وَأَصْبَهَانَ وَالْجَزِيرَةِ وَالنَّوَاحِي، ثُمَّ اسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ وَتَفَقَّهَ بِهَا عَلَى ابْنِ فَضْلَانِ وَغَيْرِهِ وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ الْمُفِيدَةَ كَالْأَنْسَابِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ قَالَ الذَّهَبِيُّ كَانَ إمَامًا ذَكِيًّا ثَاقِبَ الذِّهْنِ فَقِيهًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَارِعًا وَمُحَدِّثًا بَارِعًا بَصِيرًا بِالرِّجَالِ وَالْعِلَلِ مُتَبَحِّرًا فِي عِلْمِ السُّنَنِ ذَا زُهْدٍ وَتَعَبُّدٍ وَتَأَلُّهٍ وَانْقِبَاضٍ عَنْ النَّاسِ، تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ شَابًّا عَنْ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسِ بْنِ ذُؤَيْبٍ] (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسِ بْنِ ذُؤَيْبٍ الذُّهْلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الْحُفَّاظِ) رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ وَخَلَائِقَ، وَلَهُ رِحْلَةٌ وَاسِعَةٌ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ وَخَلَائِقُ قَالَ أَحْمَدُ: مَا رَأَيْت خُرَاسَانِيًّا أَعْلَمَ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنْهُ وَلَا أَصَحَّ كِتَابًا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ ثِقَةٌ، وَقَالَ النَّسَائِيّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد: هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إمَامُ أَهْلِ عَصْرِهِ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَهُ ذِكْرٌ فِي النِّكَاحِ. [تَرْجَمَة مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّبَعِيُّ] (مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّبَعِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ) وَمَاجَهْ لَقَبٌ لِأَبِيهِ يَزِيدَ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ السِّتَّةِ صَاحِبِ السُّنَنِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّارِيخِ، سَمِعَ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ وَمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَدَاوُد بْنِ رَشِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ وَخَلَائِقَ. رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَبْهَرِيُّ وَالصَّفَّارُ وَآخَرُونَ. قَالَ أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلِيُّ: ثِقَةٌ كَبِيرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مُحْتَجٌّ بِهِ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَحِفْظٌ وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي السُّنَنِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّارِيخِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَذَا أَرَّخَهُ جَعْفَرُ بْنُ إدْرِيسَ وَزَادَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. [تَرْجَمَة مخنف بْنُ سُلَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ ذُهْلٍ] (مِخْمَرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) كَذَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَاءِ (مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الدُّؤْلِ بْنِ سَعْدِ مَنَاةَ بْنِ غَامِدٍ الْأَزْدِيُّ الْغَامِدِيُّ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ صُحْبَةٌ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي أَيُّوبَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ حَبِيبٌ وَعَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ وَغَيْرُهُمَا، نَزَلَ الْكُوفَةَ وَعَدَّهُ بَعْضُهُمْ فِي الْبَصْرِيِّينَ، وَوَلِيَ أَصْبَهَانَ لِعَلِيٍّ وَشَهِدَ مَعَهُ صِفِّينَ وَكَانَ عَلَى رَايَةِ الْأَزْدِ يَوْمَئِذٍ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ. [تَرْجَمَة مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْخَيْرِ اليزني] (مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْخَيْرِ الْيَزَنِيُّ) وَيَزَنْ مِنْ حِمْيَرَ الْمِصْرِيُّ. رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَكَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَآخَرُونَ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ كَانَ مُفْتِي أَهْلِ مِصْرَ فِي زَمَانِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعِينَ. [تَرْجَمَة مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو عَائِشَةَ] (مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو عَائِشَةَ) نَزَلَ الْكُوفَةَ أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَأَحَدُ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ انْتَهَى إلَيْهِمْ الزُّهْدُ مِنْ التَّابِعِينَ، صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَرَوَى عَنْهُ وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو وَائِلٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَخَلْقٌ. قَالَ مُرَّةُ مَا وَلَدَتْ هَمْدَانِيَّةٌ مِثْلَهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا كَانَ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ مَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ، وَقَالَتْ امْرَأَتُهُ قُمَيْرُ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ. [تَرْجَمَة مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ] (مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ) وَقِيلَ إنَّ مِسْطَحًا لَقَبٌ، وَاسْمُهُ عَوْفٌ يُكَنَّى أَبَا عَبَّادٍ وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ شَهِدَ بَدْرًا، ثُمَّ خَاضَ فِي الْإِفْكِ فَجَلَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ جَلَدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ إنَّهُ شَهِدَ صِفِّينَ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْحُدُودِ وَفِي قِصَّةِ الْإِفْكِ. [تَرْجَمَة مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَرْدِ بْنِ كوشاد أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُشَيْرِيُّ] (مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَرْدِ بْنِ كوشاد أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ وَمُصَنِّفُ الصَّحِيحِ وَالْمُسْنَدِ الْكَبِيرِ عَلَى أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأَبْوَابِ وَكِتَابِ الْعِلَلِ وَكِتَابِ أَوْهَامِ الْمُحَدِّثِينَ وَكِتَابِ التَّمْيِيزِ وَكِتَابِ الطَّبَقَاتِ وَكِتَابِ الْوَاحِدَانِ وَكِتَابِ الْمُخَضْرَمِينَ، رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةً الْقَعْنَبِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَخَلَائِقَ، رَوَى عَنْهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ وَأَبُو عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَسْلَمَةً النَّيْسَابُورِيُّ رَأَيْت أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يُقَدِّمَانِ مُسْلِمًا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ عَلَى مَشَايِخِ عَصْرِهِمَا، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِنَيْسَابُورَ، وَقِيلَ إنَّهُ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، وَبِهِ جَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ وَقِيلَ بَلَغَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَكِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَارِيخِ مَوْلِدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة الْمُسْلِمُ بْنُ مَكِّيٍّ] (الْمُسْلِمُ بْنُ مَكِّيٍّ وَيُعْرَفُ أَيْضًا بِالْمُسْلِمِ بْنِ عَلَّانَ) فَيُنْسَبُ إلَى أَجْدَادِهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ بْنِ مَكِّيِّ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَلَّانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقَيْسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْكَاتِبُ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَرَوَى عَنْ حَنْبَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيِّ وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ وَعَبْدِ الْجَلِيلِ بْنِ أَبِي غَالِبِ بْنِ مَنْدَوَيْهِ وَأَبِي الْيُمْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ الْكِنْدِيِّ فِي آخَرِينَ، وَعَنْ أَبِي طَاهِرٍ بَرَكَاتِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْخُشُوعِيِّ بِالْإِجَازَةِ. رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُد بْنِ الْعَطَّارِ وَأَخُوهُ دَاوُد بْنُ إبْرَاهِيمَ وَقَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ جَمَاعَةَ وَالْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِزِّيُّ وَأَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ الْأَزْدِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْإِسْكَنْدَرِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْكَحَّالِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْخَبَّازِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ وَآخَرُونَ، وَكَانَ ثِقَةً صَحِيحَ السَّمَاعِ مِنْ بَيْتِ حَدِيثٍ وَرِيَاسَةٍ، تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ] (مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ أَبُو زُرَارَةَ الْمَدَنِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَخَلْقٌ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ] مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ) رَوَى عَنْ عَمَّةِ أَبِيهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ وَأَخِيهَا مُسَافِعٍ وَطَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ وَجَمَاعَةٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ زُرَارَةُ وَحَفِيدُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زُرَارَةَ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ رَوَى مَنَاكِيرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ النَّسَائِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الطَّهَارَةِ فِي السِّوَاكِ. [تَرْجَمَة مُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ] (مُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ بْنِ عَائِدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَدَّى بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَشْمِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ ثُمَّ الْجُشَمِيُّ، وَقَدْ نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ فِي سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا ادَّعَتْهُ بَنُو سَلَمَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَخَا سَهْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ لِأُمِّهِ، كُنْيَةُ مُعَاذٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحَدُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ) . رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ رَوَى عَنْهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ أَحَدَ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَذَكَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ» وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «، جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةً فَذَكَرَ مِنْهُمْ مُعَاذًا» . «وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِأَسْنَادٍ صَحِيحٍ: وَاَللَّهِ يَا مُعَاذُ إنِّي لَأُحِبُّك» . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّا كُنَّا لَنُشَبِّهُ مُعَاذًا بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ تُوُفِّيَ بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ سِنِّهِ فَقِيلَ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ، وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ وَقِيلَ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ رَجُلٌ. [تَرْجَمَة مُعَاذُ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدستوائي] (مُعَاذُ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ الْبَصْرِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَابْنِ عَوْنٍ وَشُعْبَةَ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْفَلَّاسُ وَخَلْقٌ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ صَدُوقٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقِيلَ لِأَبِي دَاوُد هُوَ عِنْدَك حُجَّةٌ؟ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ شَيْئًا كَانَ يَحْيَى لَا يَرْضَاهُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ رُبَّمَا يَغْلَطُ، وَأَرْجُو أَنَّهُ صَدُوقٌ، مَاتَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ. [تَرْجَمَة مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجِ بْنِ جَفْنَةَ بْنِ قنبر بْنِ حَارِثَةَ] (مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجِ بْنِ جَفْنَةَ بْنِ قَنْبَرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ شَبِيبِ بْنِ السُّكُونِ السَّكُونِيُّ وَقِيلَ الْكِنْدِيُّ وَقِيلَ التُّجِيبِيُّ، وَقِيلَ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ السَّكُونِيُّ؛ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبَا نُعَيْمٍ يُعَدُّ فِي أَهْلِ مِصْرَ) . رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عَمْرٍو وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِمَاسَةَ وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ فِي آخَرِينَ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بَشِيرًا بِفَتْحِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَوَلِيَ غَزْوَ إفْرِيقِيَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ذَهَبَتْ عَيْنُهُ فِي إحْدَاهَا وَقِيلَ: بَلْ ذَهَبَتْ يَوْمَ دُنْقُلَةَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ] (مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْأُمَوِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ وَأَبُوهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَقِيلَ أَسْلَمَ هُوَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَكَتَمَ إسْلَامَهُ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. رَوَى عَنْهُ أَبُو ذَرٍّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي آخَرِينَ كَثِيرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلِيَ لِعُمَرَ الشَّامَ وَأَقَرَّهُ عُثْمَانُ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَ أَمِيرًا عِشْرِينَ سَنَةً وَخَلِيفَةً عِشْرِينَ سَنَةً. رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِه الْعَذَابَ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إلَّا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ زِيَادٍ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ» ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: «لَا تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إلَّا بِخَيْرٍ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهُ فَقِيهٌ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا رَأَيْت أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ فَقِيلَ لَهُ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ فَقَالَ كَانُوا وَاَللَّهِ خَيْرًا مِنْهُ وَأَفْضَلَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُمْ» قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ دِيوَانَ الْخَاتَمِ، وَأَمَرَ بِهَدَايَا النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، وَاِتَّخَذَ الْمَعَاصِرَ فِي الْجَوَامِعِ؛ وَأَوَّلُ مَنْ أَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ حَرَسًا، وَأَوَّلُ مَنْ قُيِّدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ الْجَنَائِبُ، وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْخُصْيَانِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ بَلَّغَ دَرَجَاتِ الْمِنْبَرِ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» ، تُوُفِّيَ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ عَنْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ عَاشَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. [تَرْجَمَة الْمُعَلَّى بْنُ إسْمَاعِيلَ] (الْمُعَلَّى بْنُ إسْمَاعِيلَ) رَوَى عَنْ نَافِعٍ رَوَى عَنْهُ أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَيْسَ بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ، صَالِحُ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ أَرْطَاةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. [تَرْجَمَة مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ أَبُو عُرْوَةَ الْأَزْدِيُّ] (مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ أَبُو عُرْوَةَ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ سَكَنَ الْيَمَنَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَالزُّهْرِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ شُعْبَةُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَالسُّفْيَانَانِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَخَلْقٌ آخِرُهُمْ مَوْتًا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَمِعْت مِنْهُ عَشْرَةَ آلَافٍ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَضُمُّ أَحَدًا إلَى مَعْمَرٍ إلَّا وَجَدْته يَتَقَدَّمُهُ، وَكَانَ مِنْ أَطْلَبْ أَهْلِ زَمَانِهِ لِلْعِلْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَحَلَ إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ أَعْلَمُ مِنْهُ. وَقَالَ الْعِجْلِيّ: ثِقَةٌ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمَّا دَخَلَ صَنْعَاءَ كَرِهُوا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ رَجُلٌ قَيِّدُوهُ، فَزَوَّجُوهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: فُقِدَ فَلَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ. [تَرْجَمَة مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ] (مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ الْأَسَدِيُّ الْحِزَامِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَقُتَيْبَةُ وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو دَاوُد: رَجُلٌ صَالِحٌ نَزَلَ عَسْقَلَانَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْخَطِيبُ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَّامَةَ النَّسَبِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَمَوْتُهُ قَرِيبٌ مِنْ مَوْتِ مَالِكٍ لَهُ ذِكْرٌ فِي النَّجَاسَةِ. [تَرْجَمَة مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيط الرَّبَذِيُّ] (مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ الرَّبَذِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْعَزِيزِ) رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَنَافِعٍ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَخَلْقٌ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عِنْدِي عَنْهُ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ جِدًّا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: رَجُلٌ مُتَعَبِّدٌ حَسَنُ الْعِبَادَةِ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَأَحْسِبُ إنَّمَا قَصُرَ بِهِ عَنْ الْحَدِيثِ فَضْلُ الْعِبَادَةِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ] (مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ وَقِيلَ مَوْلَى أُمِّ خَالِدٍ زَوْجِ الزُّبَيْرِ أَحَدِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ) رَوَى عَنْ أُمِّ خَالِدٍ وَلَهَا صُحْبَةٌ وَعَنْ عُرْوَةَ وَسَالِمٍ وَأَبِي سَلَمَةَ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالسُّفْيَانَانِ وَخَلْقٌ. قَالَ مَالِكٌ عَلَيْكُمْ بِمَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنَّهَا أَصَحُّ الْمَغَازِي، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كِتَابُ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ أَصَحِّ هَذِهِ الْكُتُبِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ نَافِعٍ فِيهَا شَيْءٌ وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة مُوسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطُ أَبُو هَارُونَ] (مُوسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطُ أَبُو هَارُونَ الْمَدَنِيُّ وَاسْمُ أَبِي عِيسَى مَيْسَرَةُ وَهُوَ أَخُو عِيسَى الْحَنَّاطِ) رَوَى عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَنَافِعٍ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمَا وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْجَنَائِزِ فِي بَابِ الْكَفَنِ. [تَرْجَمَة الْمُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَسَنٍ أَبُو الْحَسَنِ] (الْمُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَسَنٍ أَبُو الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ الْمُقْرِي مُسْنَدُ خُرَاسَانَ) رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَرَوِيِّ وَهِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عُمَرَ السِّيدِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْخُوَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيِّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُمْ وَأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَصَّارِيِّ الطُّوسِيِّ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ وَالْحُفَّاظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَزْهَرِ الصَّيْرَفِينِيُّ وَأَبُو عُمَرَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلَاحِ وَالضِّيَاءُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْمَجْدُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالشَّمْسُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عِيسَى الْخُسْرُ وَشَاهِي الْمُتَكَلِّمُ وَالنَّظَّامُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيّ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الصَّدْرِيُّ وَالسَّرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُرْسِيُّ وَالصَّدْرُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ وَالزَّكِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْبَيْلَقَانِيُّ الْمُتَكَلِّمُ وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْقَاسِمِ الْإِرْبِلِيُّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ وَرَوَى عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الْفُتُوحِ بْنِ الْحُصَرِيُّ وَالْفَخْرُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَمَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالشَّرِيفُ أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ وَسَيِّدَةُ بِنْتُ مُوسَى الْمَارَانِيَّةُ وَزَيْنَبُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ كِنْدِيّ وَهِيَ آخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ الْخَاصَّةِ، وَرَوَى عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ الْعَامَّةِ الْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ، وَكَانَ ثِقَةً مُكْثِرًا صَحِيحَ السَّمَاعِ، وَكَانَ الرِّحْلَةُ إلَيْهِ مِنْ الْأَقْطَارِ، مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ. [تَرْجَمَة نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيُّ] (نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيُّ) قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ هُرْمُزُ أَحَدُ الْأَعْلَامِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ مِنْ نَيْسَابُورَ وَقِيلَ مِنْ سَبْيِ كَابُلَ، رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي لُبَابَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ فِي آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْأَئِمَّةُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَخَلَائِقُ. قَالَ مَالِكٌ كُنْت إذَا سَمِعْت مِنْهُ لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِنَافِعٍ قَالَ: وَبَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى مِصْرَ يُعَلِّمُهُمْ السُّنَنَ وَأَعْطَى فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا فَأَبَى وَأَعْتَقَهُ قَالَ النَّسَائِيُّ: اخْتَلَفَ نَافِعٌ وَسَالِمٌ فِي ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ، وَقَوْلُ نَافِعٍ فِيهَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَلَمْ يُفَضِّلْ بَيْنَهُمَا أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ إذَا اخْتَلَفَا، تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة نُبَيْشَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتَّابِ] (نُبَيْشَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتَّابِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حُصَيْنِ بْنِ دَابِغَةَ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ الْهُذَلِيُّ وَقِيلَ فِي نَسَبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَيُقَالُ لَهُ: نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ) رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ أَبُو الْمَلِيحِ الْهُذَلِيُّ وَأُمُّ عَاصِمٍ جَدَّةُ الْمُعَلَّى بْنِ رَاشِدٍ أُمُّ وَلَدٍ لِسِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الذَّبَائِحِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ] نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ) وَيُقَالُ لَهُ النَّحَّامُ «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلْت الْجَنَّةَ فَسَمِعْت نَحْمَةَ نُعَيْمٍ فِيهَا» ، وَالنَّحْمَةُ السَّعْلَةُ، وَقِيلَ النَّحْنَحَةُ الْمَمْدُودُ آخِرُهَا أَسْلَمَ قَدِيمًا قَبْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَيُقَالُ بَعْدَ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ، وَمَنَعَهُ قَوْمُهُ مِنْ الْهِجْرَةِ لِشَرَفِهِ فِيهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَدِيٍّ وَأَيْتَامِهِمْ وَيَمُونَهُمْ، وَهَاجَرَ عَامَ خَيْبَرَ وَقُتِلَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَقِيلَ بَلْ أَقَامَ فِي مَكَّةَ حَتَّى كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ رَوَى عَنْهُ نَافِعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَا أَظُنُّهُمَا سَمِعَا مِنْهُ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرَ فَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ إنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقَالَ غَيْرُهُ: قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ شَهِيدًا بِأَجْنَادِينَ سَنَة ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْعِتْقِ. [تَرْجَمَة نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِلَاج الثَّقَفِيُّ أَبُو بَكْرَةَ] (نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِلَاجٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو بَكْرَةَ؛ قِيلَ كَانَ ابْنُ عُبَيْدِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ فَاسْتَلْحَقَهُ، وَقِيلَ نُفَيْعُ بْنُ مَسْرُوحٍ وَقِيلَ: اسْمُ أَبِي بَكْرَةَ مَسْرُوحٌ) وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنَّاهُ أَبَا بَكْرَةَ؛ لِأَنَّهُ تَدَلَّى إلَيْهِ مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ بِبَكْرَةٍ فَأَسْلَمَ وَأَعْتَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ الْبَصْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ وَدَاوُد وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَكَيِّسَةُ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْحَسَنُ لَمْ يَنْزِلْ الْبَصْرَةَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي بَكْرَةَ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَرِعًا آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَرْزَةَ، كَانَ مِمَّنْ اعْتَزَلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَ أَحَدٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَمْرٍو أَبُو مُحَمَّدٍ السَّيِّدُ البسطامي] (هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَمْرٍو أَبُو مُحَمَّدٍ السَّيِّدُ الْبِسْطَامِيُّ ثُمَّ النَّيْسَابُورِيُّ) رَوَى عَنْ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَسْرُورٍ الزَّاهِدِ وَأَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْبُحَيْرِيِّ وَأَبِي يَعْلَى إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَسَاكِرَ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو الْمَعَالِي مَسْعُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ الطُّرَيْثِيثِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الشِّعْرِيُّ وَمَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْفَرَاوِيُّ وَالْمُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَآخَرُونَ قَالَ الذَّهَبِيُّ: فَقِيهٌ صَالِحٌ مُتَعَبِّدٌ عَالِي الْإِسْنَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَنْ تِسْعِينَ سَنَةً كَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ] (هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الْكَاتِبُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَزْرَقِ) رَوَى عَنْ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ غَيْلَانَ وَأَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَذْهَبِ وَالْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ الْمُقْتَدِرِ وَأَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحْسِنِ بْنِ عَلِيٍّ التَّنُوخِيِّ، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيِّ. رَوَى عَنْهُ أَبُو أَحْمَدَ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْفَاخِرِ وَأَبُو مَسْعُودٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ أَبِي الْوَفَا الْحَاجِيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَشَّابِ وَالْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ سَعْدُونٍ الْقُرْطُبِيُّ نَزِيلُ الْمَوْصِلِ وَعَبْدُ الْمُغِيثِ بْنُ زُهَيْرٍ الْحَرْبِيُّ وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الدَّامَغَانِيُّ وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَبُو طَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْكَرْخِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبَّةَ الْبَغْدَادِيُّ وَعَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْبُنْدَارِ وَأَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَوَّازِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الطَّوِيلَةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَلَّاحِ الشَّطِّ وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَرْبِيُّ الْوَاعِظُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمَجْدِ الْحَرْبِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الثَّلَّاجِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوِقَايَاتِيُّ الْعُمَرِيِّ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَعِيشَ سِبْطُ بْنُ الدَّامَغَانِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ السِّبْطِ وَالْحَسَنُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ أُشْنَانَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ عَلْيَانَ وَعَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكَاتِبُ وَالْمُبَارَكُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْمَعْطُوسِ وَأَبُو الْعُمْرِ بَقَاءُ بْنُ عُمَرَ الْأَزَجِيُّ وَأَبُو الْمَعَالِي بْنُ مَعَالِي بْنِ شِدْقِينِيِّ وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَزَجِيُّ وَالْمُبَارَكُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُخْتَارٍ الْأَزَجِيُّ وَلَاحِقُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَيُّوبَ الْحَرْبِيُّ وَحَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيُّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْحَرِيمِيُّ وَأَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُخْتِيَارَ الْمنْدَائِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ ابْنِ سُكَيْنَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ طَبَرْزَدَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِالسَّمَاعِ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَكَانَ دَيِّنًا صَحِيحَ السَّمَاعِ، تُوُفِّيَ فِي رَابِعَ عَشَرَ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةٍ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. [تَرْجَمَة هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ الْفِرْدَوْسِيّ الْأَزْدِيُّ] (هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ الْفِرْدَوْسِيُّ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ فِي آخَرِينَ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَخَلَائِقُ آخِرُهُمْ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمُؤَذِّنُ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: حَدِيثُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ صِحَاحٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ الْحَسَنِ عَامَّتُهَا تَدُورُ عَلَى حَوْشَبٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ صَالِحٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُعِينِ: لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ الْعِجْلِيّ: ثِقَةٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ حَدِيثَهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ يَحْيَى هُوَ فِي مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ، وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، قَالَهُ مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ. [تَرْجَمَة هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ كَامِلِ بْنِ سيج الْأَنْبَارِيُّ] (هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ كَامِلِ بْنِ سِيَجٍ الْأَنْبَارِيُّ الْيَمَانِيُّ الصَّنْعَانِيُّ يُكَنَّى أَبَا عُقْبَةَ وَهُوَ أَخُو وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ) رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيفَةً صَحِيحَةً وَعَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَوَى عَنْهُ أَخُوهُ وَهْبٌ وَابْنُ أَخِيهِ عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَنَسٍ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بْنِ دِينَارٍ العوذي المحملي] (هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بْنِ دِينَارٍ الْعَوْذِيُّ الْمَحْمِلِيُّ مِنْ الْأَزْدِ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبَا بَكْرٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ) رَوَى عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَخَلْقٌ قَالَ أَحْمَدُ: ثَبْتٌ فِي كُلِّ الْمَشَايِخِ وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ أَنَّ يَحْيَى الْقَطَّانَ كَانَ لَا يَعْبَأُ بِهِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ يَعْمُرَ الْحَضْرَمِيّ] (وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ يَعْمُرَ الْحَضْرَمِيُّ يُكَنَّى أَبَا هُنَيْدَةَ وَقِيلَ أَبَا هُنَيْدٍ) كَانَ قِيلًا مِنْ أَقْيَالِ حَضْرَمَوْتَ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ مُلُوكِهِمْ «فَوَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْرَمَهُ وَرَحَّبَ بِهِ وَبَسَطَ لَهُ رِدَاءَهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ أَطْلَعَهُ مَعَهُ الْمِنْبَرَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ هَذَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٌ بَقِيَّةُ الْأَقْيَالِ» وَقِيلَ إنَّهُ بَشَّرَهُمْ بِقُدُومِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي وَائِلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَقْيَالِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَكَتَبَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ كُتُبٍ وَأَقْطَعَهُ أَرْضًا وَأَرْسَلَ مَعَهُ مُعَاوِيَةَ وَقِصَّتُهُ مَعَهُ مَعْرُوفَةٌ، وَنَزَلَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَعَلْقَمَةُ وَكُلَيْبُ بْنُ شِهَابٍ وَآخَرُونَ وَبَقِيَ إلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَقَدِمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ جَائِزَتَهُ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأَدَبِ. [تَرْجَمَة وَرْقَاء بْنُ عُمَرَ بْنِ كُلَيْبٍ الْيَشْكُرِيّ الْكُوفِيُّ] (وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كُلَيْبٍ الْيَشْكُرِيُّ الْكُوفِيُّ) يُكَنَّى أَبَا بِشْرٍ نَزَلَ الْمَدَائِنَ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَبِي الزِّنَادِ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَشُعْبَةُ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَآخَرُونَ، قَالَ شُعْبَةُ لِأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ عَلَيْك بِهِ فَإِنَّك لَا تَلْقَى بَعْدَهُ مِثْلَهُ حَتَّى تَرْجِعَ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد صَاحِبُ سُنَّةٍ زَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ إرْجَاءٌ. [تَرْجَمَة وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ] (وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ) أَدْرَكَ ابْتِدَاءَ الْوَحْيِ وَاسْتَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَرَقَةُ قَبْلَ اشْتِهَارِ النُّبُوَّةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ اخْتَلَفُوا فِي إسْلَامِ وَرَقَةَ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: هُوَ أَحَدُ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَمَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ وَرَقَةَ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنِّي رَأَيْت لِوَرَقَةِ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ؟» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ وَرَقَةَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: كَانَ صَدَّقَك وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رَأَيْت وَرَقَةَ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرُ ذَلِكَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثٌ غَرِيبٌ وَعُثْمَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. (قُلْت) وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ هَكَذَا. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ بِإِسْنَادِهِ إلَى الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَرَقَةَ فَقَالَ أَبْصَرْته فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ السُّنْدُسُ» ، فَهَذَا مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَعَ مُرْسَلِ عُرْوَةَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى إسْلَامِ وَرَقَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [تَرْجَمَة الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ] (الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَخْزُومِيُّ) أَخُو خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَسَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا فَقَدِمَ أَخَوَاهُ خَالِدٌ وَهِشَامٌ فَافْتَكَّاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ افْتَكَّاهُ بِدِرْعٍ لِأَبِيهِمَا أُقِيمَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمَّا فُدِيَ أَسْلَمَ فَقِيلَ لَهُ هَلَّا أَسْلَمْت وَأَنْتَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ كَرِهْت أَنْ تَظُنُّوا بِي أَنِّي جَزِعْت مِنْ الْإِسَارِ فَأَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ بِمَكَّةَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لَهُ فِي قُنُوتِهِ مَعَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، ثُمَّ أَفْلَتَ وَلَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدَ مَعَهُ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَكَتَبَ إلَى أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَكَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي هِجْرَةِ أَخِيهِ خَالِدٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَمَّا أَفْلَتَ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَطَلَبُوهُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ شَدًّا، وَنُكِبَتْ أُصْبُعُهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: هَلْ أَنْتِ إلَّا أُصْبُعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيت فَمَاتَ بِبِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ مُصْعَبٌ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَهِدَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَكَتَبَ إلَى أَخِيهِ خَالِدٍ فَكَانَ سَبَبَ هِجْرَتِهِ، وَرَثَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا عَيْنُ فَابْكِي لِلْوَلِيدِ ... بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَهْ قَدْ كَانَ عَيْنًا فِي السِّنِّ ... ينَ وَرَحْمَةً فِينَا وَمِيرَهْ ضَخْمَ الدَّسِيعَةِ مَاجِدٌ ... يَسْمُو إلَى طَلَبِ الْوَثِيرَهْ مِثْلَ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ ... أَبِي الْوَلِيدِ كَفَى الْعَشِيرَهْ. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرُّوخَ أَبُو سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ] (يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرُّوخَ أَبُو سَعِيدٍ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ الْقَطَّانُ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَخَلْقٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَالْأَئِمَّةُ شُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ مَعِينٍ وَخَلْقٌ آخِرُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ شَدَّادٍ الْمِسْمَعِيُّ قَالَ أَحْمَدُ مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ هُوَ أَثْبَتُ مِنْ وَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَأَبِي نُعَيْمٍ. وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا كَانَ أَضْبَطَهُ وَأَشَدَّ تَفَقُّدَهُ وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَقَلَّ خَطَأً مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَعْلَمَ بِالرِّجَالِ مِنْهُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَثْبَتَ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: لَا تَرَى بِعَيْنِك مِثْلَهُ أَبَدًا وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الشَّهِيدِيُّ كُنْت أَرَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ مَنَارَةِ الْمَسْجِدِ فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَابْنُ مَعِينٍ وَالْفَلَّاسُ وَالشَّاذَكُونِيُّ وَغَيْرُهُمْ يَسَالُونَهُ عَنْ الْحَدِيثِ وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى أَرْجُلِهِمْ إلَى قُرْبِ الْمَغْرِبِ لَا يَقُولُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ اجْلِسْ وَلَا يَجْلِسُونَ هَيْبَةً لَهُ وَإِعْظَامًا. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَقَامَ عِشْرِينَ سَنَةً يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَلَمْ يَفُتْهُ الزَّوَالُ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَقَالَ الْعِجْلِيّ: كَانَ لَا يُحَدِّثُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَقَالَ بُنْدَارٌ يَحْيَى: إمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ اخْتَلَفْتُ إلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا أَظُنُّ أَنَّهُ عَصَى اللَّهَ قَطُّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِهِ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وُلِدَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو] (قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ وَلِيُّ الدِّينِ أَبْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى) " فَاتَ الشَّيْخَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ فَكَتَبْتُهَا مِنْ عِنْدِي مُخْتَصَرَةً " (يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ ابْنُ فَهْدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ) وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ أَقْدَمَهُ الْمَنْصُورُ الْعِرَاقَ وَوَلَّاهُ الْقَضَاءَ بِالْهَاشِمِيَّةِ، وَبِهَا مَاتَ وَقِيلَ إنَّهُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِبَغْدَادَ قَالَ الْخَطِيبُ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ رَوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَآخَرِينَ كَثِيرِينَ. رَوَى عَنْهُ الْحَمَّادَانِ وَالسُّفْيَانَانِ وَشُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ: لَمْ أَرَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنْبَلَ عِنْدِي مِنْهُ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ مَا تَرَكْت بِالْمَدِينَةِ أَحَدًا أَفْقَهَ مِنْهُ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَانَ أَجَلَّ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا خَرَجَ مِنَّا أَحَدٌ إلَى الْعِرَاقِ إلَّا تَغَيَّرَ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَاتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ سِيرِينَ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] (يَحْيَى بْنُ سِيرِينَ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَخِيهِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ وَعُبَيْدَةَ، رَوَى عَنْهُ أَخُوهُ مُحَمَّدٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ثُمَّ قَالَ قِيلَ إنَّهُ كَانَ يَفْضُلُ عَلَى أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ شَرَفِ بْنِ مَرِيِّ بْنِ حَسَنِ بْنِ حِزَامٍ الْحِزَامِيُّ] (يَحْيَى بْنُ شَرَفِ بْنِ مَرِيِّ بْنِ حَسَنِ بْنِ حِزَامٍ الْحِزَامِيُّ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ وُلِدَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِنَوًى مِنْ عَمَلِ دِمَشْقَ، وَقَدِمَ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَحَفِظَ التَّنْبِيهَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ فِي أَرْبَعَةٍ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ، وَحَفِظَ رُبْعَ الْمُهَذَّبِ وَلَزِمَ الِاشْتِغَالَ لَيْلًا وَنَهَارًا نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ حَتَّى فَاقَ الْأَقْرَانَ، ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّصْنِيفِ مِنْ حُدُودِ السِّتِّينَ إلَى أَنْ مَاتَ، وَسَمِعَ مِنْ شَيْخِ الشُّيُوخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُضَرَ وَالزَّيْنِ خَالِدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظِ وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ وَالْكَمَالِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَبْدٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْيُسْرِ فِي آخَرِينَ كَثِيرِينَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الْكَمَالِ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَعَرِّيُّ وَالْكَمَالُ سلار بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْإِرْبِلِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَخَذَ النَّحْوَ عَنْ الْعَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ وَأَخَذَ عِلْمَ الْحَدِيثِ عَنْ الزَّبْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ، قَرَأَ عَلَيْهِ الْكَمَالُ لِعَبْدِ الْغَنِيِّ وَحَدَّثَ. رَوَى عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُد بْنِ الْعَطَّارِ وَالْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ الْمِزِّيُّ وَالشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّقِيبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي وَآخَرُونَ وَبِالْإِجَازَةِ دَاوُد بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُد بْنِ الْعَطَّارِ وَأَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدُومِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْمِصْرِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَنَا عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ وَصَنَّفَ تَصَانِيفَ مُفِيدَةً مِنْهَا شَرْحُ مُسْلِمٍ وَالْأَذْكَارُ وَرِيَاضُ الصَّالِحِينَ وَالْبُسْتَانُ وَالرَّوْضَةُ وَالْمِنْهَاجُ وَدَقَائِقُهُ وَلُغَاتُ التَّنْبِيهِ وَتَصْحِيحُهُ وَنُكَتٌ عَلَيْهِ وَرُءُوسُ الْمَسَائِلِ وَكِتَابٌ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَمُخْتَصَرُ التَّذْنِيبِ وَالْمَنَاسِكُ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَالتِّبْيَانُ وَتَصْنِيفٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَتَصْنِيفٌ آخَرُ فِي جَوَازِ الْقِيَامِ وَالْأَرْبَعُونَ وَتَهْذِيبُ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَطَبَقَاتُ الْفُقَهَاءِ وَمَاتَ عَنْ هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُمَا مُسَوَّدَتَانِ فَبَيَّضَهُمَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ وَالْفَتَاوَى الَّتِي سَمَّاهَا الْمَسَائِلَ الْمَنْثُورَةَ فَرَتَّبَهَا ابْنُ الْعَطَّارِ فَهَذَا مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ أَكْمَلَهُ. وَأَمَّا مَا لَمْ يُكْمِلْ تَصْنِيفَهُ فَشَرْحُ الْبُخَارِيُّ وَالْخُلَاصَةُ فِي الْأَحْكَامِ وَشَرْحُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقُ وَشَرْحُ التَّنْبِيهِ وَشَرْحُ الْوَسِيطِ الْمُسَمَّى بِالتَّنْقِيحِ وَنُكَتٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَمُهِمَّاتُ الْأَحْكَامِ وَالْإِشَارَاتُ عَلَى الرَّوْضَةِ وَالْأُصُولُ وَالضَّوَابِطُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: كَانَ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الْعِلْمِ وَسَعَةِ مَعْرِفَتِهِ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ سَارَتْ بِهِ الرُّكْبَانُ رَأْسًا فِي الزُّهْدِ قُدْوَةً فِي الْوَرَعِ. عَدِيمَ الْمِثْلِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، قَانِعًا بِالْيَسِيرِ، رَاضِيًا عَنْ اللَّهِ، وَاَللَّهُ عَنْهُ رَاضٍ. مُقْتَصِدًا إلَى الْغَايَةِ فِي مَلْبَسِهِ وَمَطْعَمِهِ وَأَثَاثِهِ تَعْلُوهُ سَكِينَةٌ وَهَيْبَةٌ فَاَللَّهُ يَرْحَمُهُ وَيُسْكِنُهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ، وَلِيَ مَشْيَخَةَ دَارِ الْحَدِيثِ بَعْدَ الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ بْنِ أَبِي شَامَةَ وَكَانَ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ مَعْلُومِهَا شَيْئًا بَلْ يَتَقَنَّعُ بِالْقَلِيلِ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِ أَبُوهُ، تُوُفِّيَ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِقَرْيَةِ نَوًى عِنْدَ أَهْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الطَّائِيُّ اليمامي] (يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الطَّائِيُّ الْيَمَامِيُّ) وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ فَقِيلَ: صَالِحٌ وَقِيلَ يَسَارٌ وَقِيلَ دِينَارٌ، وَكُنْيَةُ يَحْيَى أَبُو نَصْرٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ أَرْسَلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَأَبِي سَلَمَةَ وَخَلْقٍ رَوَى عَنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَعْمَرٌ وَشَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ وَخَلْقٌ آخِرُهُمْ مَوْتًا أَبُو إسْمَاعِيلَ الْقَنَّادُ قَالَ أَيُّوبُ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِثْلُهُ وَقَالَ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا بَعْدَ الزُّهْرِيِّ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُ. وَقَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا خَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ إمَامٌ لَا يُحَدِّثُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ مِنْ الْعُبَّادِ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً لَمْ يَتَعَشَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ يُكَلِّمُهُ، وَكَانَ يُدَلِّسُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ مَعِينِ بْنِ عَوْنٍ] (يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بْنِ عَوْنٍ وَقِيلَ غِيَاثُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو زَكَرِيَّا الْغَطَفَانِيُّ الْبَغْدَادِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَافِظُ الْعَلَمُ) رَوَى عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَخَلَائِقَ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَأَحْمَدُ بْنِ الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ وَخَلْقٌ كَثِيرُونَ قَالَ الْعِجْلِيّ: هُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَنْبَارِ وَكَانَ أَبُوهُ كَاتِبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الطَّبَرِيُّ سَمِعْت ابْنَ مَعِينٍ يَقُولُ كَتَبْت بِيَدِي أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ. وَقَالَ عَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ الْحَدِيثَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَجْهًا مَا عَقَلْنَاهُ، قَالَ ابْنُ سَعِيدٍ: كَثَّرَ مِنْ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَكَانَ لَا يَكَادُ يُحَدِّثُ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَتَبَ عَلَى كُتُبٍ وَقَالَ انْتَهَى الْعِلْمُ إلَى يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَبَعْدَهُ إلَى ابْنِ مَعِينٍ. وَقَالَ أَيْضًا انْتَهَى الْعِلْمُ إلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ وَبَعْدَهُ إلَى ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ أَيْضًا: دَارَ حَدِيثُ الثِّقَاتِ إلَى جَمَاعَةٍ إلَى أَنْ قَالَ وَصَارَ حَدِيثُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ إلَى يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي النَّاسِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَعْلَمُهُمْ بِصَحِيحِ الْحَدِيثِ وَسَقِيمِهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ أَعْلَمُنَا بِالرِّجَالِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَيْضًا كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ يَحْيَى فَلَيْسَ بِحَدِيثٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ أَحْمَدَ وَيَحْيَى وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَرْدَعِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ كَانَ أَحْمَدُ لَا يَرَى الْكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ وَلَا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَلَا عَمَّنْ اُمْتُحِنَ فَأَجَابَ، وُلِدَ يَحْيَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ بِمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَمَاتَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأُخْرِجَتْ لَهُ الْأَعْوَادُ الَّتِي غُسِّلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغُسِّلَ عَلَيْهَا، وَقَالَ عَبَّاسُ حُمِلَ عَلَى أَعْوَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُودِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ هَذَا الَّذِي كَانَ يَنْفِي الْكَذِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [تَرْجَمَة يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرِ بْنِ وسلاس بْنِ شِمْلَالِ] (يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرِ بْنِ وسلاس بْنِ شِمْلَالِ بْنِ منعايا اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَرْبَرِيُّ الْمَصْمُودِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْقُرْطُبِيُّ) يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ أَحَدُ الْأَعْلَامِ وَعَالِمُ الْأَنْدَلُسِ سَكَنَ جَدُّهُ كَثِيرٌ الْأَنْدَلُسَ، وَرَحَلَ يَحْيَى وَحَجَّ فَسَمِعَ الْمُوَطَّأَ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَ أَبْوَابٍ مِنْ الِاعْتِكَافِ شَكَّ فِي سَمَاعِهَا فَرَوَاهَا عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ، وَسَمِعَ أَيْضًا مِنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَآخَرِينَ. رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَبَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَآخَرُونَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَادَتْ فُتْيَا الْأَنْدَلُسِ بَعْدَ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى السُّلْطَانُ وَالْعَامَّةُ إلَى رَأْيِهِ وَكَانَ فَقِيهًا حَسَنَ الرَّأْيِ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ إمَامَ أَهْلِ بَلَدِهِ وَالْمُقْتَدَى بِهِ مِنْهُمْ وَالْمَنْظُورَ إلَيْهِ وَالْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ ثِقَةً عَاقِلًا حَسَنَ الْهَدْيِ وَالسَّمْتِ يُشَبَّهُ بِمَالِكٍ فِي سَمْتِهِ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَصَرٌ بِالْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الْفَرْضِيِّ كَانَ إمَامَ وَقْتِهِ وَوَاحِدَ بَلَدِهِ وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ: كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ مَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. [تَرْجَمَة يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَبُو عَوْفٍ الْعَامِرِيُّ] (يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَبُو عَوْفٍ الْعَامِرِيُّ الْبُكَائِيُّ) وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْأَصَمِّ وَقِيلَ الْأَصَمُّ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَيَزِيدُ هَذَا كُوفِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ مَيْمُونَةَ رَوَى عَنْهَا وَعَنْ ابْنِ خَالَتِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ رَوَى عَنْهُ ابْنَا أَخِيهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصَمِّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَآخَرُونَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ. [تَرْجَمَة يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَأَبُو حَبِيبٍ اسْمُهُ سُوَيْد أَبُو رَجَاءٍ الْأَزْدِيُّ] (يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ) وَأَبُو حَبِيبٍ اسْمُهُ سُوَيْد أَبُو رَجَاءٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمِصْرِيُّ عَالِمُ أَهْلِ مِصْرَ، رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَخَلْقٍ كَثِيرٍ حَتَّى كَتَبَ عَنْ أَصْحَابِهِ، رَوَى عَنْهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَاللَّيْثُ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ سَمِعْته يَقُولُ كَانَ أَبِي مِنْ دُنْقُلَةَ وَنَشَأْتُ بِمِصْرَ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ كَانَ مُفْتِي أَهْلِ مِصْرَ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ الْعِلْمَ بِمِصْرَ وَالْكَلَامَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ زاذى] (يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ زَاذَى وَيُقَالُ زَاذَانَ أَبُو خَالِدٍ السُّلَمِيُّ الْوَاسِطِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ) رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَحُمَيْدَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ فِي خَلَائِقَ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالذُّهْلِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَآخَرُونَ وَمِنْ آخِرِ مَنْ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْوَحَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رِبْح. قَالَ أَحْمَدُ كَانَ حَافِظًا مُتْقِنًا وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مَا رَأَيْت أَحْفَظَ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: مَا رَأَيْت أَتْقَنَ حِفْظًا مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإمَامٌ صَدُوقٌ لَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْعِجْلِيّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ مُتَعَبِّدًا حَسَنَ الصَّلَاةِ جِدًّا وَكَانَ قَدْ عَمَّرَ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ: مَا رَأَيْت عَالِمًا قَطُّ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْهُ يَقُومُ كَأَنَّهُ أُسْطُوَانَةٌ يُصَلِّي بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَمْ يَكُنْ يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ كَانَ إذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ لَا يَزَالُ قَائِمًا حَتَّى يُصَلِّيَ الْغَدَاةَ بِذَلِكَ الْوُضُوء نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ كَانَ مِنْ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ عَنْهُ أَحْفَظُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ إسْنَادٍ، وَأَنَا سَيِّدُ مَنْ رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَلَا فَخْرَ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ السِّمْسَارِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَحْفَظُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ بِالْإِسْنَادِ وَلَا فَخْرَ وَأَحْفَظُ لِلشَّامِيِّينَ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ لَا أُسْأَلُ عَنْهَا مَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ. [تَرْجَمَة يَعْقُوبُ الْقِبْطِيُّ] (يَعْقُوبُ الْقِبْطِيُّ) الَّذِي دَبَّرَهُ أَبُو مَدْكُورٍ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ ذِكْرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَتُوُفِّيَ يَعْقُوبُ هَذَا فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ذُكِرَ فِي الْعِتْقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. [تَرْجَمَة يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ] (يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ عَاصِمِ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ الْقُرْطُبِيُّ) أَحَدُ الْأَعْلَامِ صَاحِبُ التَّمْهِيدِ وَالِاسْتِذْكَارِ وَالِاسْتِيعَابِ وَالتَّقَصِّي وَالْكُنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ، رَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ نَصْرٍ وَأَبِي الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْقَامِرِيِّ وَعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسَدٍ وَخَلَفِ بْنِ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَيِّدِ بْنِ أَبِي الْفَرَاهِيدِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكَمٍ الْقُرْطُبِيِّ فِي خَلَائِقَ. رَوَى عَنْهُ الْحُفَّاظُ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ مُفَوِّزٍ الشَّاطِبِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْحُمَيْدِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ وَالْمُقْرِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّوْشَنِ الشَّاطِبِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شَفِيعٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَأَبُو بَحْرٍ سُفْيَانُ بْنُ الْعَاصِ الْأَسَدِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ وَالْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُرْسِيُّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ. وَرَوَى عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْجُذَامِيُّ قَالَ الذَّهَبِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَيْسَ لِأَهْلِ الْمَغْرِبِ أَحْفَظُ مِنْهُ مَعَ الثِّقَةِ وَالدِّينِ وَالنَّزَاهَةِ وَالتَّبَحُّرِ فِي الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ طَاهِرُ بْنُ مُفَوِّزٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي سَلْخِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ بِشَاطِبَةَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ. [تَرْجَمَة يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ] (يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الزَّهْرَاءِ أَبُو الْحَجَّاجِ الْقُضَاعِيُّ الْكَلْبِيُّ الْمِزِّيُّ) أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ مَوْلِدُهُ بِظَاهِرِ حَلَبَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَنَشَأَ بِالْمِزَّةِ وَحَفِظَ الْقُرْآنَ فِي صِغَرِهِ، وَقَرَأَ شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ دَخَلَ دِمَشْقَ وَشَرَعَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً فَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْخَيْرِ الْحَدَّادِ وَأَبِي الرَّجَاءِ مُؤَمَّلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَالِسِيِّ وَأَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ الْحَرَّانِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْقَاسِمِ الْإِرْبِلِيِّ وَالْكَمَالِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيَّ وَالْحَافِظِ أَبِي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الصَّابُونِيِّ وَأَبِي الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْلِمِ الْقَيْسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْحَنَفِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الدَّرَجِيِّ وَالْمِقْدَادِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الْقَيْسِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ وَالرَّشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَامِرِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ شَيْبَانُ بْنِ ثَعْلَبٍ الشَّيْبَانِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَمَوِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْكَمَالِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّيْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَقْدِسِيَّ وَالْفَخْرِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْبُخَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الصُّورِيِّ وَيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمُجَاوِرِ وَخَلَائِقَ لَا يُحْصَوْنَ، ثُمَّ رَحَلَ إلَى الْقَاهِرَةِ فِي سَنَةَ ثَمَانِينَ فَسَمِعَ بِهَا مِنْ الْعِزِّ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَرَّانِيِّ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَطِيبِ الْمِزَّةِ وَغَازِي بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْحَلَاوِيِّ وَالنَّجِيبِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُؤَيَّدِ الْهَمْدَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ تَرْجَمَ وَالنَّجْمِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ وَخَلَائِقَ، وَسَمِعَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ طَرْخَانَ وَعَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّطِيفِ الْحَرَّانِيِّ وَالشَّرِيفِ تَاجِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ الْغَرَّافِيِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي آخَرِينَ، وَسَمِعَ بِحَلَبِ مِنْ الْكَمَالِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ بْنِ النَّصِيبِيِّ وَسُنْقُرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزَّيْنِيِّ فِي آخَرِينَ، وَسَمِعَ بِحَمَاةِ مِنْ التَّقِيِّ إدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَزِيزٍ وَالشَّرِيفِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُغَيْزِلِ فِي آخَرِينَ، وَسَمِعَ بَشِيرٌ مِنْ شَامِيَّةَ بِنْتِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيِّ وَسَمِعَ بِنَابُلُسَ مِنْ عَبْدِ الْحَافِظِ بْنِ بَدْرَانَ وَغَيْرِهِ وَبِبَعْلَبَكَّ مِنْ التَّاجِ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَيْنَبَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ كِنْدِيّ فِي آخَرِينَ، وَسَمِعَ أَيْضًا بِالْحَرَمَيْنِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحِمْصَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، رَوَى عَنْهُ الْحُفَّاظُ وَالْأَئِمَّةُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عُثْمَانُ الذَّهَبِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي بْنِ عَلِيٍّ السُّبْكِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ خَلِيلُ بْنُ كيكلدي الْعَلَائِيُّ وَالْعِمَادُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ وَأَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ اللَّهِ بْنِ جَمَاعَةَ وَأَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَالصَّلَاحُ خَلِيلُ بْنُ أَيْبَكَ الصَّفَدِيُّ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ وَخَلَائِقُ وَصَنَّفَ تَهْذِيبَ الْكَمَالِ وَالْأَطْرَافَ وَدَرَّسَ بِدَارِ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةِ، وَانْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَحْفَظُ مِنْهُ. قَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ الْعَالِمُ الْحُجَّةُ الْحَافِظُ الْمَأْمُونُ شَرَفُ الْمُحَدِّثِينَ عُمْدَةُ النُّقَّادِ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ مُعْضِلَاتِنَا إلَى أَنْ قَالَ: بَرَعَ فِي فُنُونِ الْحَدِيثِ مَعَانِيهِ وَلُغَاتِهِ وَفِقْهِهِ وَعِلَلِهِ وَصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ وَرِجَالِهِ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا رَأَى هُوَ مِثْلَ نَفْسِهِ مَعَ الْإِتْقَانِ وَالصِّدْقِ وَحُسْنِ الْخَطِّ وَالدِّيَانَةِ وَحُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَالسَّمْتِ الْحَسَنِ وَالْهَدْيِ الصَّالِحِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْخَيْرِ وَالِاقْتِصَادِ فِي الْمَعِيشَةِ وَاللِّبَاسِ وَالْمُلَازَمَةِ لِلِاشْتِعَالِ وَالسَّمَاعِ مَعَ الْعَقْلِ التَّامِّ وَالرَّزَانَةِ وَالْفَهْمِ وَصِحَّةِ الْإِدْرَاكِ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَتُوُفِّيَ الْمِزِّيُّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَانِي عَشْرَ صَفَرٍ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. لَهُ ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ. [تَرْجَمَة يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمَشْهَدِيُّ] (يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمَشْهَدِيُّ) رَوَى عَنْ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيِّ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْفَارِقِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَآخَرُونَ، كَانَ أَحَدَ الْعُدُولِ بِالْقَاهِرَةِ، تُوُفِّيَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِمِائَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [تَرْجَمَة يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي النَّجَّادِ الْأَيْلِيُّ] (يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي النَّجَّادِ الْأَيْلِيُّ أَبُو يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ) رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَنَافِعٍ وَالزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ وَهْبٍ وَآخَرُونَ، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ: كِتَابُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَذَكَرَ جَمَاعَةً، وَاخْتَلَفَ كَلَامُ أَحْمَدَ فَقَالَ مُرَّةُ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْمَرٍ إلَّا مَا كَانَ مِنْ يُونُسَ فَإِنَّهُ كَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ هُنَاكَ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْهُ أَنَّهُ ضَعَّفَ أَمْرَ يُونُسَ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَعَقِيلٌ أَقَلُّ خَطَأً مِنْهُ وَنَحْوُهُ مَا رَوَاهُ الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ رَوَى أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً وَكَذَا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَرُبَّمَا جَاءَ بِالشَّيْءِ الْمُنْكَرِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَحْنُ لَا نُقَدِّمُ فِي الزُّهْرِيِّ عَلَى يُونُسَ أَحَدًا وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَةٍ. [بَابُ الْكُنَى] [تَرْجَمَة أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ] (بَابُ الْكُنَى) (أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ) وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هَانِئُ بْنُ نِيَارِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ غَانِمِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هَانِئِ بْنِ بَلِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُلْوَانَ بْنِ إلْحَاقَ بْنِ قُضَاعَةَ الْبَلَوِيُّ الْحَارِثِيُّ حَلِيفٌ لِبَنِي حَارِثَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقِيلَ هَانِئُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نِيَارٍ، وَقِيلَ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو قَالَهُ ابْنُ أُخْتِهِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَقِيلَ اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ قَالَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ أُخْتِهِ الْبَرَاءُ وَابْنُ أُخْتِهِ سَعِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَبَشِيرُ بْنُ بَشَّارٍ وَآخَرُونَ، وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ السَّبْعِينَ فِي قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَابْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ وَأَبِي مَعْشَرٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ، وَحَمَلَ رَايَةَ بَنِي حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَسٌ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، وَتُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قِيلَ سَنَةَ إحْدَى، وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ. [تَرْجَمَة أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ] (أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ) تَقَدَّمَ فِي الْأَسْمَاءِ (أَبُو بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ) اسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ، تَقَدَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عويج بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيِّ) وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي جَهْمٍ، فَقِيلَ عَامِرٌ وَقِيلَ عُبَيْدٌ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ وَصَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ مُقَدَّمًا مُعَظَّمًا فِي قُرَيْشٍ، قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ عَالِمًا بِالنَّسَبِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَأْخُذُ عَنْهُمْ عِلْمَ النَّسَبِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ دَفَنُوا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُوَ الَّذِي أَهْدَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهَا إلَيْهِ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّدَقَةِ، وَانْفَرَدَ عَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُ شَهِدَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ حِينَ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ، وَمَرَّةً فِي الْإِسْلَامِ حِينَ بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ هَكَذَا ذَكَرَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَقِيلَ إنَّهُ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الدِّيَاتِ أَيْضًا. [تَرْجَمَة أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ] (أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ) وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ مُهَشِّمٌ وَقِيلَ هُشَيْمِ وَقِيلَ هَاشِمٍ أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَ الْأَرْقَمِ، وَهَاجَرَ مَعَ امْرَأَتِهِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ إلَى الْحَبَشَةِ فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ مُحَمَّدًا، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَصَلَّى إلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ، وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، لَهُ ذِكْرٌ فِي الرَّضَاعِ. [تَرْجَمَة أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ الْأَنْصَارِيُّ] (أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ الْأَنْصَارِيُّ) وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْن الْمُنْذِرِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ وَقِيلَ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ يَعُدْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، رَوَى عَنْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ حَفِيدُهُ سَعْدُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ وَآخَرُونَ، وَتُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ أَوْ أَوَّلِ خِلَافَةِ يَزِيدَ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. [تَرْجَمَة أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ] (أَبُو الْخَيْرِ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ) تَقَدَّمَ (أَبُو دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ) تَقَدَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ قِيلَ ثَابِتٌ، وَقِيلَ هُرْمُزُ كَانَ لِلْعَبَّاسِ فَوَهَبَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا بَشَّرَهُ بِإِسْلَامِ الْعَبَّاسِ أَعْتَقَهُ، وَقِيلَ كَانَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَشَهِدَ أَبُو رَافِعٍ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ حَسَنٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَرَافِعٌ وَأَحْفَادُهُ صَالِحٌ وَالْفَضْلُ ابْنَا عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ وَآخَرُونَ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَقِيلَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. [تَرْجَمَة أَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ اسْمُهُ نُفَيْعٌ] (أَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ) اسْمُهُ نُفَيْعٌ وَهُوَ مَوْلَى ابْنَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقِيلَ مَوْلَى لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَعَدَّهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُخَضْرَمِينَ، أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَرَوَى عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو وَثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ وَقَتَادَةُ وَآخَرُونَ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ تَحَوَّلَ قَدِيمًا، وَكَانَ ثِقَةً وَقَالَ الْعِجْلِيّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. لَهُ ذِكْرٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. [تَرْجَمَة أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ] (أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ) تَقَدَّمَ فِي الْأَسْمَاءِ (أَبُو الزِّنَادِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ) تَقَدَّمَ، وَأَبُو الزِّنَادِ لَقَبٌ لَهُ (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ، (أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ) تَقَدَّمَ (أَبُو سُفْيَانَ الْأُمَوِيُّ اسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ) أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَأُعْطِيَ مِنْ غَنَائِمِهَا مِائَةَ بَعِيرٍ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَشَهِدَ الطَّائِفَ وَفُقِئَتْ عَيْنُهُ يَوْمَئِذٍ. فَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ وَهِيَ فِي يَدِهِ أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ أَوْ أَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْك؟ قَالَ: بَلْ عَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ، وَرَمَى بِهَا» وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ فَقِيلَ فُقِئَتْ عَيْنُهُ الْأُخْرَى يَوْمَئِذٍ. رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالْمُسَيِّبُ بْنُ حَزْنٍ، وَقَالَ خَمَدَتْ الْأَصْوَاتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ إلَّا صَوْتَ رَجُلٍ يَقُولُ: يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ فَرَفَعْت رَأْسِي فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنِهِ يَزِيدَ، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ. [تَرْجَمَة أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ] (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ) اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ، وَقِيلَ إسْمَاعِيلُ وَقَالَ مَالِكٌ: اسْمُهُ كُنْيَتُهُ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ فَقِيلَ مُرْسَلًا وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عُمَرُ وَابْنُ أَخِيهِ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَالْأَعْرَجُ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَخَلَائِقُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَجَدْتُهُمْ بُحُورًا فَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا سَلَمَةَ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَشَرَةٌ فَذَكَرَ مِنْهُمْ أَبَا سَلَمَةَ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ إمَامٌ، وَقَالَ خَلِيفَةُ اسْتَقْضَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْمَدِينَةِ قِيلَ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ عَنْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَهَذَا أَثْبَتُ. [تَرْجَمَة أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ] (أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ) تَقَدَّمَ (أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ وُهَيْبٍ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، شَهِدَ بَدْرًا وَقَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ وَجَابِرٌ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ «قُلْت لِعَائِشَةَ أَيُّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ؟ قَالَتْ أَبُو بَكْرٍ قُلْت فَمَنْ بَعْدَهُ؟ قَالَتْ عُمَرُ قُلْت فَمَنْ بَعْدَهُ؟ قَالَتْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ السَّقِيفَةِ دَعَا إلَى الْبَيْعَةِ إلَى عُمَرَ أَوْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَوَلَّاهُ عُمَرُ الشَّامَ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ الْيَرْمُوكَ وَالْجَنِيَّةَ وَسَرْغَ وَالرَّمَادَةَ، وَتُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. . [تَرْجَمَة أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ] (أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ اسْمُهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ) تَقَدَّمَ (أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ) اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ الْحَارِثُ رِبْعِيٍّ بْنُ بَلْدَمَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبْنِ خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ وَقِيلَ النُّعْمَانُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ بَلْدَمَةَ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ رِبْعِيٍّ بْنِ بَلْدَمَةَ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَالَ فِيهِ «يَوْمَ ذِي قَرَدٍ: خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ» وَشَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا. وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَدْرِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا ابْنُ إِسْحَاقَ فِي أَصْحَابِ بَدْرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ عُمَرَ وَمُعَاذٍ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَخَلْقٌ، فَقِيلَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَلَهُ سَبْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [تَرْجَمَة أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ] (أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) تَقَدَّمَ (أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ) ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ بَشِيرٌ قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَلِيفَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ اسْمُهُ رِفَاعَةُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زُبَيْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ أَحَدُ النُّقَبَاءِ بِالْعَقَبَةِ شَهِدَ بَدْرًا أَوْ قِيلَ رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّرَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، وَشَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَكَانَتْ مَعَهُ رَايَةُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ السَّائِبُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ سَالِمٌ وَآخَرُونَ، وَهُوَ الَّذِي رَبَطَ نَفْسَهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ إنَّهُ لَمَّا أَرَادَتْ قُرَيْظَةُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ أَنَّهُ «تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ فَرَبَطَ نَفْسَهُ، وَحَلَفَ لَا يَحِلُّ نَفْسَهُ وَلَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحِلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ يُحِلُّنِي فَجَاءَ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ بَقِيَ إلَى بَعْدِ الْخَمْسِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة أَبُو مَذْكُورٍ] (أَبُو مَذْكُورٍ) رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ كَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَنْصَارِ لَهُ صُحْبَةٌ، «دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ، فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ» ، وَتُوُفِّيَ أَبُو مَذْكُورٍ هَذَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا يُعْرَفُ أَبُو مَذْكُورٍ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ [تَرْجَمَة أَبُو مُسْلِمٍ الكشي] (أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ) اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ مُؤَلِّفُ كِتَابِ السُّنَنِ، رَوَى عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةً الْقَعْنَبِيّ وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْفَرَاهِيدِيُّ وَحَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، رَوَى عَنْهُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفَضْلِ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ مِقْسَمٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَزَّازُ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ النَّجْمِ الْمَيَانَجِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ النَّجِيرَمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ الْقَطِيعِيُّ وَالْفَارُوقُ بْنُ عَبْدِ الْكَبِيرِ الْخَطَّابِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ مَاسِي وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمٍ الْحَنْبَلِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو إسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ السُّلَمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّهِ الذُّهْلِيُّ وَآخَرُونَ. وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ حَتَّى حُزِرَ مَجْلِسُهُ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ إنْسَانٍ وَزِيَادَةٍ، وَكَانَ فِي الْمَجْلِسِ سَبْعَةُ مُسْتَمْلِينَ كُلُّ وَاحِدٍ يُبَلِّغُ الْآخَرَ قَالَ الذَّهَبِيُّ كَانَ مُحَدِّثًا حَافِظًا مُحْتَشِمًا كَبِيرَ الشَّأْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ [تَرْجَمَة أَبُو هُرَيْرَةَ الدوسي] (أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ تَقَدَّمَ (أَبُو مُعَيْدٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ اسْمُهُ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ تَقَدَّمَ. (أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ تَقَدَّمَ (أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) تَقَدَّمَ (أَبُو هَارُونَ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ) تَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ) صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاخْتِلَافًا كَثِيرًا عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِينَ قَوْلًا، أَصَحُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَرَجَّحَهُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَتْ طَائِفَةٌ أَلَّفَتْ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَصَحَّحَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ، وَبِهِ صَدَّرَ الْمِزِّيُّ كَلَامَهُ، وَقِيلَ اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرٍ. وَهُوَ قَوْلُ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ، وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ قَالَ خَلِيفَةُ: هُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ ذِي الشِّرَاءِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَبِي صَعْبِ بْنِ هُنَيَّةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَلَمِ بْنِ بَهْمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دَوْسِ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ شَمْسٍ قَالَهُ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ عَمْرِو بْنُ عَبْدِ غَنْمٍ قَالَهُ ابْنُهُ الْمُحَرَّرُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَصَحَّحَهُ الْفَلَّاسُ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ نَهْمِ بْنُ عَامِرٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَقِيلَ سَكِينُ بْنُ دَرْمَةَ وَقِيلَ سَكِينُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ بَرِيرَةُ بْنُ عَسْرَقَةَ وَقِيلَ بَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو. وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ غَنْمٍ وَقِيلَ اسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ كُرْدُوسٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ فِي الْإِسْلَامِ عَبْدَ شَمْسٍ أَوْ عَبْدَ عَمْرٍو أَوْ عَبْدَ غَنْمٍ قَالَ: وَهَذَا إنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْهُ إنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ كَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ شَمْسٍ وَفِي الْإِسْلَامِ عَبْدُ اللَّهِ، وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْر عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ شَمْسٍ فَسُمِّيت فِي الْإِسْلَامِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَإِنَّمَا كُنِّيت بِأَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنِّي وَجَدْت هِرَّةً فَحَمَلْتهَا فِي كُمِّي فَقِيلَ لِي مَا هَذَا؟ فَقُلْت هِرَّةٌ قِيلَ لِي فَأَنْتَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي كَنَّاهُ بِذَلِكَ؛ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي، أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ وَشَهِدَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَزِمَهُ وَوَاظَبَهُ حَتَّى كَانَ أَحْفَظَ أَصْحَابِهِ. وَرَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ ذَكَرَ بَقِيٍّ بْنُ مَخْلَدٍ أَنَّهُ رَوَى خَمْسَةَ آلَافِ حَدِيثٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَثَلَثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ حَدِيثًا، وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَآخَرِينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ وَوَاثِلَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ وَخَلَائِقُ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ بَيْنِ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «إنَّ إخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ» . . وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِهِ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْمَعُ مِنْك حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ قَالَ اُبْسُطْ رِدَاءَك فَبَسَطْته فَغَرَفَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْته فَمَا نَسِيت شَيْئًا بَعْدُ» . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ: " حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْته وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْته قُطِعَ مِنِّي هَذَا الْبُلْعُومُ " قَالَ عِكْرِمَةُ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ كَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَتَعَاقَبُونَ اللَّيْلَ أَثْلَاثًا بِالصَّلَاةِ وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ عَزَلَهُ، ثُمَّ أَرَادَهُ عَلَى الْعَمَلِ فَأَبَى، وَاسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ عَزَلَهُ بِمَرْوَانَ وَلَمْ يَزَلْ يَسْكُنُ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ بِهَا فَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ مَاتَ بِالْعَقِيقِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيدَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ لَا تُدْرِكُنِي سَنَةَ سِتِّينَ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا. [فَصْلٌ تَرْجَمَة ابْنُ خَطَلٍ] (ابْنُ حِبَّانَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ) تَقَدَّمَ (ابْنُ حَزْمٍ اسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ) تَقَدَّمَ (ابْنُ خُزَيْمَةَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) تَقَدَّمَ (ابْنُ خَطَلٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ) كَمَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ، وَقِيلَ اسْمُهُ هِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، كَانَ أَسْلَمَ وَكَتَبَ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ارْتَدَّ فَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ اُقْتُلُوهُ» ، فَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ خَاتِمَةِ السُّوءِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ بِهَذَا. (ابْنُ أَبِي دَاوُد اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ) تَقَدَّمَ (ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) تَقَدَّمَ (ابْنُ سِنَانٍ اسْمُهُ أَحْمَدُ) تَقَدَّمَ (ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ يُوسُفُ) تَقَدَّمَ (ابْنُ عَدِيٍّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ) تَقَدَّمَ (ابْنُ الْقَطَّانِ اسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ) تَقَدَّمَ (ابْنُ مَاجَهْ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ) تَقَدَّمَ (ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ اسْمُهُ عَمْرٌو) تَقَدَّمَ (ابْنُ مَنْدَهْ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) تَقَدَّمَ (ابْنُ الْمُنْذِرِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ) تَقَدَّمَ (ابْنُ نُمَيْرٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ) تَقَدَّمَ (فَصْلٌ فِيمَنْ اُشْتُهِرَ بِنِسْبَةٍ) (الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ) تَقَدَّمَ (الْأَصِيلِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ) تَقَدَّمَ (الْبُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ) تَقَدَّمَ (الْبَزَّارُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ) تَقَدَّمَ (الْبَيْهَقِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ) تَقَدَّمَ (التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى) تَقَدَّمَ (الْحَازِمِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى) تَقَدَّمَ (الْحَاكِمُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) تَقَدَّمَ (الْخَطَّابِيُّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) تَقَدَّمَ (الْخَلَّالُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ) تَقَدَّمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (الدَّارَقُطْنِيُّ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ) تَقَدَّمَ (الدَّارِمِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) تَقَدَّمَ (الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ) تَقَدَّمَ (الطَّحَاوِيُّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ) تَقَدَّمَ (الْكَشِّيُّ أَبُو مُسْلِمٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) تَقَدَّمَ فِي الْكُنَى (الْمِزِّيُّ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) تَقَدَّمَ (النَّسَائِيّ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ) تَقَدَّمَ [بَابٌ فِي النِّسَاءِ] [تَرْجَمَة أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ] (بَابٌ فِي النِّسَاءِ) (أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهَا ابْنَاهَا عَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ وَأَحْفَادُهَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبَّادُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ وَآخَرُونَ، وَكَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ فِي سَبَبِهِ غَيْرُ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ إنْسَانًا، قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهَاجَرَتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَتْ عَارِفَةً بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا حَتَّى قِيلَ أَخَذَ ابْنُ سِيرِينَ التَّعْبِيرَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَخَذَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَسْمَاءَ وَأَخَذَتْهُ أَسْمَاءُ عَنْ أَبِيهَا. وَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ كَانَتْ جَدَّتِي أَسْمَاءُ تَمْرَضُ الْمَرْضَةَ فَتُعْتِقُ كُلَّ مَمْلُوكٍ لَهَا، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مَا رَأَيْت امْرَأَتَيْنِ قَطُّ أَجْوَدَ مِنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَجُودُهُمَا مُخْتَلِفٌ أَمَّا عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَجْمَعُ الشَّيْءَ إلَى الشَّيْءِ حَتَّى إذَا اجْتَمَعَ عِنْدَهَا وَضَعَتْهُ مَوَاضِعَهُ. وَأَمَّا أَسْمَاءُ فَكَانَتْ لَا تَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ وَهِيَ آخِرُ الْمُهَاجِرَاتِ وَفَاةً، تُوُفِّيَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ ابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِأَيَّامٍ، قِيلَ لَمْ تَمْكُثْ بَعْدَهُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا جَاءَ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِإِنْزَالِ ابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الصَّلْبِ فَقِيلَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ عِشْرُونَ وَقِيلَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ، وَبَلَغَتْ مِائَةَ سَنَةٍ لَمْ تَسْقُطْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يُنْكَرْ لَهَا عَقْلٌ، لَهَا ذِكْرٌ فِي آخِرِ الْجِهَادِ فِي الْهِجْرَةِ [تَرْجَمَة أَنِيسَة بِنْتُ خُبَيْبِ] (أُنَيْسَةُ بِنْتُ خُبَيْبِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا ابْنِ يَسَافَ وَقِيلَ إسَافَ الْأَنْصَارِيَّةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا فِي أَذَانِ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رَوَاهُ عَنْهَا ابْنُ أَخِيهَا خُبَيْبِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهَا، لَهَا ذِكْرٌ فِي الْأَذَانِ [تَرْجَمَة بَرِيرَةُ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ] (بَرِيرَةُ مَوْلَاةُ عَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ) رُوِيَ لَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَانِ وَلَيْسَا بِمَحْفُوظَيْنِ، رَوَى عَنْهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمَا. لَهَا ذِكْرٌ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فِي الْحُدُودِ. [تَرْجَمَة حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ] (حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ الْعَدَوِيَّةُ شَقِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَظْعُونٍ، مَوْلِدُهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ، وَكَانَتْ تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفُوا مَتَى تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَكْثَرُونَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَاسْتَشْكَلَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّهْذِيبِ فَقَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَيْفَ يَصِحُّ أَنَّ خُنَيْسًا اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ بِهَا عَامَ أُحُدٍ أَوْ قَبْلَ أُحُدٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ خُنَيْسٌ طَلَّقَهَا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الذَّهَبِيَّ جَزَمَ أَوَّلًا مِنْ زَوَائِدِهِ أَنَّ خُنَيْسًا اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي تَرْجَمَةِ خُنَيْسٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْإِشْكَالُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ وَقْعَةَ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ إمَّا فِي سَابِعِهِ أَوْ فِي حَادِي عَشَرَهُ أَوْ نِصْفِهِ أَقْوَالٌ، وَلَكِنْ قَدْ وَهَّمَ الْحُفَّاظُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ، وَإِنَّمَا تُوُفِّيَ قَبْلَهَا بِالْمَدِينَةِ. وَاَلَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ وَتَأَيَّمَتْ مِنْهُ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ: إنَّهُ دَخَلَ بِهَا فِي رَمَضَانَ وَقَدْ قِيلَ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أُحُدٍ، وَمِمَّا وَهَمَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا قَوْلُهُ «إنَّ عُمَرَ عَرَضَهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ حِينَ مَاتَتْ رُقَيَّةُ فَقَالَ مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ الْيَوْمَ فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَكَا إلَيْهِ عُثْمَانَ» إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَقَدْ تَبِعَ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ذَلِكَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي عُيُونِ الْأَثَرِ وَالذَّهَبِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي مُخْتَصَرِ التَّهْذِيبِ، وَاَلَّذِي ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ إلَى عُمَرَ أَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، رَوَتْ حَفْصَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَوَى عَنْهَا أَخُوهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ حَمْزَةُ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ وَآخَرُونَ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا» وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ فِي كِتَابِ مَنْ دَخَلَ مِصْرَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، وَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِعُمَرَ وَابْنَتِهِ بَعْدَ هَذَا، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ مِنْ الْغَدِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ رَحْمَةً لِعُمَرَ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ ارْتَجَعَهَا وَذَلِكَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهُ رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ» . وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهَا فَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ عَامَ اُفْتُتِحَتْ إفْرِيقِيَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَعَ لَهَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَرَاجِمِ الْكِتَابِ. [تَرْجَمَة حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رَبَابِ] (حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رَبَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبِرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْأَسَدِيَّةِ) كُنْيَتُهَا أُمُّ حَبِيبَةَ فِيمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فَتَزَوَّجَهَا طَلْحَةُ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَهَا فِي ذَلِكَ، رَوَى عَنْهَا ابْنُهَا عِمْرَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَعَمْرَةُ فِيمَا قِيلَ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ أُخْتُهَا أُمُّ حَبِيبٍ حَبِيبَةُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، لَهَا ذِكْرٌ فِي الْحُدُودِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَكَذَلِكَ أُخْتُهَا [تَرْجَمَة خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى] (خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيَّةُ الْأَسَدِيَّةِ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَانَ مَوْلِدُهَا قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتَزَوَّجَتْ أَوَّلًا بِعَائِدٍ وَقِيلَ عَتِيقُ بْنُ عَائِدٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِأَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنِ زُرَارَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ ابْنُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ ابْنُ ثَلَاثِينَ فَأَقَامَتْ مَعَهُ خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَدَتْ لَهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ الْقَاسِمَ ثُمَّ زَيْنَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثُمَّ رُقَيَّةَ ثُمَّ فَاطِمَةَ ثُمَّ أُمَّ كُلْثُومٍ وَوَلَدَتْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ عَبْدَ اللَّهِ وَسُمِّيَ الطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ. وَقِيلَ إنَّ الطَّيِّبَ وَالطَّاهِرَ اثْنَانِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ فِي تَرْتِيبِ مَوَالِيدِهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّ فَاطِمَةَ أَصْغَرُ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ ادَّعَى الثَّعْلَبِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» ، وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إنَاءٌ فِيهِ طَعَامٌ وَشَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْك فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» . وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعْرِفُ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ وَارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ قَالَتْ فَغِرْت فَقُلْت: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا» . وَزَادَ أَحْمَدُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «قَالَ: مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا لَقَدْ آمَنَتْ بِي حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَشْرَكَتْنِي فِي مَالِهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا وَحَرَمَنِي وَلَدَ غَيْرِهَا فَقُلْت: وَاَللَّهِ لَا أُعَاتِبُك فِيهَا بَعْدَ الْيَوْمِ» وَفِي إسْنَادِهِ مُجَالِدٌ، وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ قَالَهُ عُرْوَةُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَاتَتْ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِسَبْعَةِ أَعْوَامٍ، وَبَلَغَتْ مِنْ الْعُمْرِ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ لَهَا ذِكْرٌ فِي الِاعْتِكَافِ. [تَرْجَمَة زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ] (زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ) أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَيْمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ كَانَتْ تَحْتَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا طَلَّقَهَا تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَاخْتَلَفُوا مَتَى تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَكَذَا قَالَ خَلِيفَةُ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْوَاقِدِيُّ: سَنَةَ خَمْسٍ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَرَجَّحَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَيْدٍ اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي فَقُلْت: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُك قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أَوَامِرَ رَبِّي فَقَامَتْ إلَى مَسْجِدِهَا وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنٍ» الْحَدِيثَ رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَى عَنْهَا ابْنُ أَخِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَعْظَمَ صَدَقَةً وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَةٍ كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْنَةُ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا قَالَتْ فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَّدَّقُ» انْتَهَى. فَكَانَ كَمَا قَالَ، كَانَتْ أَوَّلَ نِسَائِهِ بَعْدَهُ مَوْتًا فَقِيلَ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَقِيلَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِعَطَائِهَا فَفَرَّقَتْهُ، وَكَانَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكُنِي عَطَاءُ عُمَرَ بَعْدَ عَامِي هَذَا، فَمَاتَتْ وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ جُعِلَ عَلَى سَرِيرِهَا نَعْشٌ وَغُشِّيَ بِثَوْبٍ بَعْدَ فَاطِمَةَ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ أَمْرُ فَاطِمَةَ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهَا دُفِنَتْ لَيْلًا، وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ ضُرِبَ عَلَى قَبْرِهَا فُسْطَاطٌ فِي الْإِسْلَامِ ضَرَبَهُ عُمَرُ؛ لِأَنَّهُ رَآهُمْ يَحْفِرُونَ لَهَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. [تَرْجَمَة زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ] (زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَتَّابِ بْنِ الْأَسْعَدِ بْنِ غَاضِرَةَ بْنِ حَطِيط بْنِ قَسِيِّ وَهُوَ ثَقِيفٌ الثَّقَفِيَّةُ) كَمَا نَسَبَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَالَ الْمِزِّيُّ زَيْنَبُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ أَوْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَهَا صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَوَى عَنْهَا ابْنُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ إنَّمَا حَدَّثَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ أَخِيهَا عَنْهَا [تَرْجَمَة سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو] (سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدُودِ بْنِ نَضْرَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ وَهِيَ امْرَأَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ وَخَلَّفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ، رَوَى عَنْهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ [تَرْجَمَة سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ] (سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدُودٍ الْمَذْكُورُ فِي تَرْجَمَةِ " سَهْلَةَ) وَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُكْنَى أُمُّ الْأَسْوَدِ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ قَبْلَ عَائِشَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيلَ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ قَبْلَهَا فَقِيلَ تَزَوَّجَ سَوْدَةَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَقِيلَ فِي الثَّامِنَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السَّكْرَانِ بْنِ عَمْرٍو أَخِي سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ، وَهَاجَرَ بِهَا الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ رَجَعَ بِهَا إلَى مَكَّةَ فَمَاتَ عَنْهَا، رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. " وَرَوَى عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَتْ ضَخْمَةً سَمِينَةً وَكَبِرَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اخْتَلَفُوا هَلْ طَلَّقَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ارْتَجَعَهَا أَمْ هَمَّ بِطَلَاقِهَا فَقَطْ؟ فَرَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى سَوْدَةَ بِطَلَاقِهَا فَجَلَسَتْ عَلَى طَرِيقِهِ فَقَالَتْ: أَنْشُدُك اللَّهَ لِمَ طَلَّقْتَنِي أَلِمَوْجِدَةٍ؟ قَالَ لَا، قَالَتْ فَأَنْشُدُك اللَّهَ لَمَا رَاجَعْتنِي، وَقَدْ كَبِرْت وَلَا حَاجَةَ لِي فِي الرِّجَالِ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُبْعَث فِي نِسَائِك فَرَاجَعَهَا قَالَتْ: وَإِنِّي قَدْ جَعَلْت يَوْمِي لِعَائِشَةَ» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: «أَسَنَّتْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَمَّ بِطَلَاقِهَا فَقَالَتْ لَا تُطَلِّقْنِي، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي فَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُحْشَرَ فِي أَزْوَاجِك، وَإِنِّي قَدْ وَهَبْت يَوْمِي لِعَائِشَةَ، وَإِنِّي لَا أُرِيدُ مَا تُرِيدُ النِّسَاءُ فَأَمْسَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْهَا» وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ. رَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى عَائِشَةَ قَالَتْ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِلَاخِهِ مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إلَّا أَنَّ بِهَا حِدَةً، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ فِي آخَرِ خِلَافَةِ عُمَرَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ. [تَرْجَمَة سَيِّدَةُ بِنْتُ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ دِرْبَاسٍ الْمَازِنِيُّ] (سَيِّدَةُ بِنْتُ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ دِرْبَاسٍ الْمَازِنِيُّ) تُكْنَى أُمُّ مُحَمَّدٍ سَمِعَتْ بِالْمَوْصِلِ مِنْ مِسْمَارِ بْنِ الْعُوَيْسِ وَتَفَرَّدَتْ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَأَجَازَ لَهَا الْمُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَآخَرُونَ. رَوَى عَنْهَا الْحُفَّاظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ النُّورِ بْنِ مُنِيرٍ الْحَلَبِيُّ وَأَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ الْحَلَبِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْفَارِقِيُّ وَأَبُو الْحَرَمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَرَمِ الْقَلَانِسِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهَا بِالسَّمَاعِ وَآخَرُونَ، وَكَانَ سَمَاعُهَا وَإِجَازَتُهَا صَحِيحَيْنِ، وَتُوُفِّيَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ بِالْقَاهِرَةِ [تَرْجَمَة صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بْنِ سَعْنَةَ] (صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بْنِ سَعْنَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ أَبِي حَبِيبِ بْنِ النَّضِيرِ بْنِ النَّحَّامِ بْنِ ينحوم مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ هَارُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَانَتْ عِنْدَ سَلَامِ بْنِ مُشْكِمٍ الشَّاعِرِ الْيَهُودِيِّ، ثُمَّ خَلَّفَ عَلَيْهَا كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحَقِيقِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَصَارَتْ لِدِحْيَةَ ثُمَّ أَخَذَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صَهْبٍ عَنْ أَنَسٍ «فِي غُزَاةِ خَيْبَرَ وَجَمَعَ السَّبْيَ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ، فَقَالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْت دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ؟ مَا تَصْلُحُ إلَّا لَك، قَالَ اُدْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا قَالَ وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ «وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا، قَالَ فَبَعَثَ إلَى دِحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ» ، الْحَدِيثَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَحَجَبَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ وَقَسَمَ لَهَا وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَيُقَالُ كَانَ عُمْرُهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتُوُفِّيَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ [تَرْجَمَة ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيَّةُ] (ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيَّةُ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ) كَانَتْ عِنْدَ الْمِقْدَادِ وَخَلَّفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ، عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَرَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ زَوْجِهَا الْمِقْدَادِ، رَوَتْ عَنْهَا ابْنَتُهَا كَرِيمَةُ بِنْتُ الْمِقْدَادِ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْأَعْرَجُ وَغَيْرُهُمْ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ [تَرْجَمَة عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ] (عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ) الصِّدِّيقَةُ الْمُبَرَّأَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَقِيهَةُ الرَّبَّانِيَّةُ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ كَنَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنِ أُخْتِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَقِيلَ إنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْهُ سِقْطًا سُمِّيَ عَبْدَ اللَّهِ فَكُنِّيَتْ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَلَمْ يَصِحَّ، رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَتْ، رَوَى عَنْهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَالْأَسْوَدُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَأَبُو سَلَمَةَ وَعُمَرُ وَوُلِدَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ النُّبُوَّةِ وَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِهَا «تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ» . وَلَهُ أَيْضًا «تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ» ، وَلَهُ «تَزَوَّجَنِي فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي شَوَّالٍ، وَمَنَاقِبُهَا جَمَّةٌ مِنْهَا نُزُولُ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَتِهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى أَيْضًا «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُك السَّلَامَ» وَلَهُمَا عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُرِيتُك فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ جَاءَنِي بِك الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُك فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِك فَإِذَا أَنْتِ هِيَ» الْحَدِيثَ. . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «إنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ فَقَالَ هَذِهِ زَوْجَتُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِلْبُخَارِيِّ. مِنْ حَدِيثِهَا «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ قَالَ لَهَا إنِّي لَأَعْلَمُ إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى» الْحَدِيثَ. . وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْك قَالَ عَائِشَةُ قُلْت مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَلَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى «قَالَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ قَطُّ فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إلَّا وَجَدْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا» قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَلَهُ «أَنَّ رَجُلًا نَالَ مِنْ عَائِشَةَ عِنْدَ عَمَّارٍ فَقَالَ اُغْرُبْ مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا أَتُؤْذِي حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَهُ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَاَللَّهِ مَا سَمِعْت خَطِيبًا لَيْسَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْلَغَ مِنْ عَائِشَةَ وَقَالَ مَسْرُوقٌ رَأَيْت مَشْيَخَةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهَا عَنْ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ كَانَتْ أَفْقَهَ النَّاسِ وَأَحْسَنَ النَّاسِ رَأْيًا فِي الْعَامَّةِ. وَقَالَ عُرْوَةُ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَعْلَمَ بِفِقْهٍ وَلَا بِخُطَبٍ وَلَا بِشِعْرٍ مِنْهَا، وَبَعَثَ إلَيْهَا مُعَاوِيَةُ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَمَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا. وَقِيلَ إنَّهُ قَضَى عَنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ وَرَآهَا عُرْوَةُ تَصَدَّقَتْ بِسَبْعِينَ أَلْفًا، وَإِنَّهَا لَتَرْفَعُ جَانِبَ دِرْعِهَا. وَبَعَثَ إلَيْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَمَا أَمْسَتْ حَتَّى قَسَمَتْهُ، وَفِيهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُهَا وَيَعْتَذِرُ إلَيْهَا حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تَزِنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ عَقِيلَةُ أَصْلٍ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامُ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ مُهَذَّبَةٌ قَدْ طَيَّبَ اللَّهُ خَيْمَهَا ... وَطَهَّرَهَا مِنْ كُلِّ بَغْيٍ وَبَاطِلٍ فَإِنْ كَانَ مَا قَدْ قِيلَ عَنِّي قُلْته ... فَلَا رُفِعَتْ سَوْطِي إلَى أَنَامِلِي وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... بِهَا الدَّهْرَ بَلْ قَوْلُ امْرِئٍ بِي مَاحِلٍ وَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيت وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ زَيْنِ الْمَحَافِلِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهَا أَبْيَاتًا أُخَرَ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَهِيَ تَمُوتُ فَأَثْنَى عَلَيْهَا فَقَالَتْ: دَعْنِي مِنْك فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي كُنْت نَسْيًا مَنْسِيًّا، وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهَا فَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَخَلِيفَةُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ سَنَةَ ثَمَانٍ زَادَ الْوَاقِدِيُّ فِي لَيْلَةِ سَابِعَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْبَقِيعِ، وَدُفِنَتْ بِهِ مَعَ صَوَاحِبِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - أَجْمَعِينَ [تَرْجَمَة عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّة] عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ الْفَقِيهَةُ كَانَتْ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ فَحَفِظَتْ عَنْهَا الْكَثِيرَ، وَرَوَتْ عَنْهَا وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَغَيْرِهِنَّ، رَوَى عَنْهَا ابْنُهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ وَابْنَاهُ حَارِثَةُ وَمَالِكٌ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَخَلْقٌ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هِيَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْعُلَمَاءِ بِعَائِشَةَ الْأَثْبَاتِ فِيهَا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ قِيلَ تُوُفِّيَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ، لَهَا ذِكْرٌ فِي الطِّبِّ [تَرْجَمَة فَاطِمَةِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ] (فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) كَنَّاهَا بَعْضُهُمْ أُمَّ أَبِيهَا حَكَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَتْ أَصْغَرَ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَوْلِدِهَا فَقِيلَ: وُلِدَتْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ: وُلِدَتْ لَهُ وَعُمْرُهُ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: وُلِدَتْ عَامَ بَنَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقِيلَ دَخَلَ بِهَا عَلِيٌّ وَعُمْرُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، رَوَتْ فَاطِمَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى عَنْهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ وَابْنُهَا الْحُسَيْنُ وَأَنَسٌ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ وَلَمْ تُدْرِكْهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ أَبِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْحَبًا بِابْنَتِي، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ حَتَّى إذَا قُبِضَ سَأَلْتهَا فَقَالَتْ: إنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ - كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أُرَانِي إلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّك أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَالَك، فَبَكَيْت لِذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَضَحِكْت لِذَلِكَ» . وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» ، وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ صَدُوقٌ تُكُلِّمَ فِي حِفْظِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا «أَمَا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَائِهَا فَقُلْت: يَا أَبَتِ فَأَيْنَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ. قَالَ تِلْكَ نِسَاءُ عَالَمِهَا وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِك» وَكَثِيرٌ النَّوَّاءُ شِيعِيٌّ جَلْدٌ ضَعِيفٌ. وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَرْيَمُ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ خَدِيجَةُ ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَكَذَا رَوَاهُ الزُّبَيْرُ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ فَاطِمَةُ وَخَدِيجَةُ وَآسِيَةُ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ قُلْت لَمْ يُخْرِجْهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ فَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلِلنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمَ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . . وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «حَسْبُك مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَلَا هَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ «فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَمَنْ أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي» . وَرَوَى السَّرَّاجُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْت أَحَدًا كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ فَاطِمَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَلَدَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنَاقِبُهَا جَمَّةٌ تَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ، وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا قِيلَ بِنْتَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ فَوَلَدَتْ خَمْسَةَ أَوْلَادٍ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَمُحْسِنًا وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَبَ وَمَاتَ مُحْسِنٌ صَغِيرًا، وَتُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِسَبْعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا وَقِيلَ بِمِائَةِ يَوْمٍ، وَقِيلَ بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْوَاقِدِيُّ وَحَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَسَّلَهَا عَلِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَدَفَنَهَا لَيْلًا بِوَصِيَّتِهَا لَهُ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ صَلَّى عَلَيْهَا الْعَبَّاسُ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَى امْرَأَةِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ فَاطِمَةَ اغْتَسَلَتْ بِنَفْسِهَا وَلَبِسَتْ ثِيَابًا جُدُدًا. وَقَالَتْ إنِّي مَقْبُوضَةٌ السَّاعَةَ قَدْ اغْتَسَلْت فَلَا يَكْشِفْنَ أَحَدٌ لِي كَنَفًا فَمَاتَتْ وَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا نَكْشِفُ لَهَا كَنَفًا فَاحْتَمَلَهَا وَدَفَنَهَا بِغُسْلِهَا ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَهَا وَرَوَى السَّرَّاجُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ غَسَّلَهَا عَلِيٌّ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعَهُمَا سَلْمَى امْرَأَةَ أَبِي رَافِعٍ وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ عُمْرِهَا فَقِيلَ عَاشَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبِهِ جَزَمَ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ وَقِيلَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَائِنِيِّ. وَقِيلَ ثَلَاثِينَ، وَمِمَّا يُسْتَحْسَنُ مَا ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ دَخَلَ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعِنْدَهُ الْكَلْبِيُّ فَقَالَ هِشَامٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ كَمْ بَلَغَتْ فَاطِمَةُ مِنْ السِّنِّ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ ثَلَاثِينَ، فَقَالَ هِشَامٌ لِلْكَلْبِيِّ كَمْ بَلَغَتْ؟ قَالَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَقَالَ هِشَامٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ اسْمَعْ الْكَلْبِيُّ يَقُولُ مَا تَسْمَعُ، وَقَدْ عُنِيَ بِهَذَا الشَّأْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَلْنِي عَنْ أُمِّي، وَسَلْ الْكَلْبِيَّ عَنْ أُمِّهِ [تَرْجَمَة مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بجير] (مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ الْهَزْمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصْفَةَ الْهِلَالِيَّةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ) رَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَ اسْمُهَا بُرَّةَ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى» . وَقِيلَ بَلْ عِنْدَ أَبِي سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمٍ حَكَاهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَقِيلَ كَانَتْ تَحْتَ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَقِيلَ كَانَتْ عِنْدَ فَرْوَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَتَادَةَ وَهُوَ خَطَأٌ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي رُهْمٍ تَحْتَ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ فَفَارَقَهَا فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ مِنْ أَبِي رُهْمٍ بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، وَبَنَى بِهَا بِسَرَفٍ. وَقِيلَ: بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ قِيلَ وَأَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ وَالْخِلَافُ مَعْرُوفٌ هَلْ كَانَ مُحْرِمًا حِينَ تَزَوَّجَهَا فَيَكُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ، أَوْ كَانَ حَلَالًا؟ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي شَوَّالٍ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ بَنَى بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَزَوَّجَهُ إيَّاهَا الْعَبَّاسُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ بِسَرَفٍ بِالْمَكَانِ الَّذِي بَنَى بِهَا فِيهِ، وَصَلَّى عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَقَالَ إنَّهَا آخِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَفَاةً، وَأَنَّهَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَقِيلَ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ. [تَرْجَمَة هِنْدُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ] هِنْدُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ وَاسْمُ أَبِي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةُ وَقِيلَ اسْمُهُ سُهَيْلُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيَّةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَقِيلَ اسْمُهَا رَمْلَةُ وَغَلِطَ قَائِلُ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُوهَا أَبُو أُمَيَّةَ أَحَدَ الْأَجْوَادِ يُلَقَّبُ بِزَادِ الرَّاكِبِ، وَهَاجَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إلَى الْمَدِينَةِ وَحْدَهَا كَانَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. قِيلَ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَكَانَ يُرَحِّلُ لَهَا بَعِيرَهَا وَيَنْتَحِي عَنْهَا فَلَمَّا رَأَى نَخْلَ الْمَدِينَةِ قَالَ لَهَا هَذَا الَّذِي تُرِيدِينَ، وَانْصَرَفَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالُ إنَّهَا أَوَّلُ ظَعِينَةٍ دَخَلَتْ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقِيلَ بَلْ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي خَثْمَةَ وَشَهِدَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهَاجَرَتْ مَعَهُ الْهِجْرَةَ الْأُولَى إلَى الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ خَلَّفَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ لِلَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ، فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ غَلَطٌ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ ذَكَرَ فِي وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا جُمَادَى الْآخِرَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ، فَكَيْفَ يَتَّفِقُ تَزَوُّجُهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمًا كَثِيرًا، رَوَى عَنْهَا وَلَدُهَا عُمَرُ وَزَيْنَبُ ابْنَا أَبِي سَلَمَةَ وَمَوْلَاهَا سَفِينَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَعَطَاءٌ وَخَلْقٌ وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهَا فَقَالَ الْوَاقِدِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ. وَإِنَّمَا وَلِيَ يَزِيدُ فِي سَنَةِ سِتِّينَ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتِّينَ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ وَضَعُفَ أَيْضًا لِمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارٍ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ سَمِعْت الْجِنُّ تَبْكِي عَلَى حُسَيْنٍ وَتَنُوحُ عَلَيْهِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَى قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي، وَقَالَتْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ فَقُلْت: مَالَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: شَهِدْت قَتْلَ الْحُسَيْنِ آنِفًا. وَرَوَيْنَا عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ بَاقِيَةً، وَسَمِعَتْ نَوْحَ الْجِنِّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُتِلَ الْحُسَيْنُ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَقِيلَ: إنَّهَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَرَجَّحَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْعِبَرِ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ صَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَسَبَبُ الْوَهْمِ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّهَا أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيصَائِهَا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ ذَلِكَ بَلْ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ، وَكَانَ قَدْ مَاتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَرْجَمَة هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ] (هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيَّةُ زَوْجَةُ أَبِي سُفْيَانَ وَأُمُّ مُعَاوِيَةَ) أَسْلَمَتْ عَامِ الْفَتْحِ بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَأَقَرَّهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى نِكَاحِهِمَا، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ لَهَا نَفْسٌ وَأَنَفَةٌ «فَلِمَا بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ وَأَخَذَ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ قَالَتْ هِنْدُ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ أَوْ تَسْرِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» وَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو قُحَافَةَ وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. [تَرْجَمَة أُمُّ الْحُصَيْنِ بِنْتُ إِسْحَاقَ الأحمسية] (أُمُّ الْحُصَيْنِ) بِنْتُ إِسْحَاقَ الْأَحْمَسِيَّةُ شَهِدَتْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَرَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَيْنِ رَوَى عَنْهَا حَفِيدُهَا يَحْيَى بْنُ الْحُصَيْنِ والعيزار بْنُ حُرَيْثٍ. لَهَا ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ. [تَرْجَمَة أُمُّ شَرِيكٍ الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ] (أُمُّ شَرِيكٍ) الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا فَقِيلَ غَزِيَّةُ بِنْتُ دُودَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حُجْرٌ وَقِيلَ حُجَيْرُ بْنُ عَبْدِ بْنِ مَعِيصٍ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ قِيلَ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ جَابِرِ بْنِ ضَبَابِ بْنِ حُجْرٌ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَقِيلَ اسْمُهَا غُزَيْلَةُ وَقِيلَ إنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَنْصَارِيَّةٌ رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهَا جَابِرٌ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَيُقَالُ: إنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ، وَقِيلَ إنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ، لَهَا ذِكْرٌ فِي الْحَجِّ. [تَرْجَمَة أُمُّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةُ الخزاعية] (أُمُّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةُ الْخُزَاعِيَّةُ) مَكِّيَّةٌ لَهَا صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، رَوَى عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَسِبَاعُ بْنُ ثَابِتٍ وَعُرْوَةُ وَآخَرُونَ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْعَقِيقَةِ. [تَرْجَمَة أُمُّ مِسْطَحِ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ] (أُمُّ مِسْطَحِ) بِنْتُ أَبِي دِرْهَمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيَّةُ الْمُطَّلِبِيَّةُ وَأُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقِيلَ إنَّ أُمَّ مِسْطَحٍ اسْمُهَا سَلْمَى بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُ فِي نَسَبِهَا، وَقَالَ هِيَ ابْنَةُ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ تَحْتَ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَوَلَدَتْ لَهُ مِسْطَحًا، لَهَا ذِكْرٌ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فِي الْحُدُودِ، فَهَذَا آخِرُ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِأَسْمَائِهِمْ أَوْ كُنَاهُمْ دُونَ مَنْ أُبْهِمَ مِنْهُ فَلَمْ أَذْكُرْهُ هُنَا بَلْ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ ذَكَرْته فِي مَوْضِعِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدُومِيُّ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْعُمَرِيُّ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ الْمَعْطُوشِ قَالُوا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رِبْح الْبَزَّازُ قَالَا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ   Q [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [حَدِيث إنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ] ِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدُومِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْعُمَرِيُّ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ الْمَعْطُوشِ قَالُوا أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رِبْح الْبَزَّازُ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ يَقُولُ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» .   Qهِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَوَقَعَ بَدَلًا لَهُمَا عَالِيًا بِدَرَجَتَيْنِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي خَلَدٍ الْأَحْمَرِ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي خَلَدٍ الْأَحْمَرِ. وَابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَشَرَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَالْإِيمَانِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْهِجْرَةِ وَتَرْكِ الْحِيَلِ، وَالْعِتْقِ، وَالنُّذُورِ، وَمُسْلِمٌ فِي الْجِهَادِ. وَأَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْجِهَادِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْإِيمَانِ. وَابْنُ مَاجَهْ فِي الزُّهْدِ. (الثَّانِيَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ الصَّحِيحِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَلَا عَنْ عُمَرَ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ وَلَا عَنْ عَلْقَمَةَ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَلَا عَنْ التَّيْمِيِّ إلَّا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: لَا نَعْلَمُ يُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مُسْنَدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ: لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرُ عُمَرَ وَلَا عَنْ عُمَرَ غَيْرُ عَلْقَمَةَ وَلَا عَنْ عَلْقَمَةَ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَلَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَتَّابٍ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عُمَرَ وَلَا عَنْ عُمَرَ غَيْرُ عَلْقَمَةَ إلَى آخِرِهِ. (الثَّالِثَةُ) مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مِنْ كَوْنِ حَدِيثِ عُمَرَ فَرْدًا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطُرُقٍ أُخْرَى رَأَيْت ذِكْرَهَا لِلْفَائِدَةِ فَوَقَفْت عَلَيْهِ مُسْنَدًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ وَعَلِيٍّ. فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد. وَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الْغَلَطَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ مِنْ قَائِلِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ نُوحٌ عَنْهُ بَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ أَبِي دَاوُد كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ (وَحَدِيثُ) أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ فِي بَعْضِ تَخَارِيجِهِ، وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا. (وَحَدِيثُ) أَنَسٍ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَالْمَحْفُوظُ حَدِيثُ عُمَرَ انْتَهَى. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ أَنَّهُ «لَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ» الْحَدِيثَ. (وَحَدِيثُ) عَلِيٍّ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَاسِرٍ الْجَيَّانِيُّ فِي نُسْخَةٍ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ إسْنَادُهَا ضَعِيفٌ. وَأَمَّا مَنْ تَابَعَ عَلْقَمَةَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ أَنَّ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ وَعَلْقَمَةَ. وَأَمَّا مَنْ تَابَعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ: إنَّهُ غَلِطَ فِيهِ قَالَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَا عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ رَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَأَنَّهُ رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ صُقَيْرٍ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَوَهِمَ سَهْلٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ أَحَادِيثِ النَّاسِ لِلْفَائِدَةِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَنْدَهْ أَنَّهُ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ عُمَرَ، وَأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ غَيْرُ عَلْقَمَةَ وَعَنْ عَلْقَمَةَ غَيْرُ التَّيْمِيِّ وَعَنْ التَّمِيمِيِّ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ سُئِلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ كَلَامِ ابْنِ مَنْدَهْ هَذَا فَاسْتَبْعَدَهُ، وَقَدْ تَتَبَّعْت كَلَامَ ابْنِ مَنْدَهْ فَوَجَدْت أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ حَدِيثَهُمْ فِي الْبَابِ إنَّمَا لَهُمْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ لَا هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ. كَحَدِيثِ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ مِنْ غُزَاتِهِ إلَّا مَا نَوَى وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَكَذَا يَفْعَلُ التِّرْمِذِيُّ حَيْثُ يَقُولُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَكَثِيرًا مَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَحَادِيثَ غَيْرَ الْحَدِيثِ الَّذِي يُسْنِدُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهَا تَصْلُحُ أَنْ تُورَدَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَهُوَ عَمَلٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إنَّمَا يَفْهَمُونَ إرَادَةَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُعَيَّنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ اسْمَ التَّوَاتُرِ وَبَعْضُهُمْ اسْمَ الشُّهْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْدٌ وَمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الِاشْتِهَارَ أَوْ التَّوَاتُرَ فِي آخِرِ السَّنَدِ مِنْ عِنْدِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِهِ غَرِيبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِهِ قَالَ: وَلَيْسَ مُتَوَاتِرًا لِفَقْدِ شَرْطِ التَّوَاتُرِ فِي أَوَّلِهِ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتِي إنْسَانٍ أَكْثَرُهُمْ أَئِمَّةٌ قُلْت رَوَيْنَا عَنْ الْحَافِظِ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ. (الْخَامِسَةُ) فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ لَطِيفَةٌ حَدِيثِيَّةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلْقَمَةُ، وَالتَّيْمِيُّ وَيَحْيَى، وَهُوَ كَثِيرٌ وَأَكْثَرُ مَا اجْتَمَعَ التَّابِعُونَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَنْفُسٍ أَفْرَدَهُ الْخَطِيبُ بِالتَّصْنِيفِ فِي جُزْءٍ لَهُ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فِي فَضْلِ قِرَاءَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. (السَّادِسَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ حَتَّى قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ ثُلُثُ الْعِلْمِ وَقِيلَ رُبْعُهُ وَقِيلَ خُمْسُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إنَّهُ ثُلُثُ الْعِلْمِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ الْأَقْسَامِ، وَهِيَ أَرْجَحُهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِبَادَةً بِانْفِرَادِهَا وَلِذَلِكَ كَانَتْ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرًا مِنْ عَمَلِهِ وَهَكَذَا أَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ مَعْنًى آخَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: أُصُولُ الْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثُ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» . وَقَالَ أَبُو دَاوُد اجْتَهَدْت فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُسْنَدِ، فَإِذَا هُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ، ثُمَّ نَظَرْت، فَإِذَا مَدَارُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا» ، وَحَدِيثُهُ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» . هَكَذَا رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ دَاسَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ إلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ حَدِيثَ إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ بِحَدِيثِ «لَا يَكُونُ الْمَرْءُ مُؤْمِنًا حَتَّى لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ» . وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مَكَانَ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي تَرَدَّدَ كَلَامُ أَبِي دَاوُد فِيهِ حَدِيثَ «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبّكَ النَّاسُ» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَيْضًا الْفِقْهُ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. [فَائِدَة مَدْلُول كَلِمَة إنَّمَا فِي حَدِيث إنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ] 1 (السَّابِعَةُ) كَلِمَةُ " إنَّمَا " لِلْحَصْرِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَمَعْنَى الْحَصْرِ فِيهَا إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] وَلَكِنْ دَلَالَتُهَا عَلَى النَّفْيِ فِيمَا عَدَاهُ هَلْ هُوَ بِمُقْتَضَى مَوْضُوعِ اللَّفْظِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ؟ فِيهِ كَلَامٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى وِفَاقِهِمْ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَاعْتَرَضَهُ الْمُخَالِفُونَ لَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ وَلَمْ يُعَارِضُوهُ فِيمَا فَهِمَهُ مِنْ الْحَصْرِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ. وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَلَى إثْبَاتِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ دُونَ لَفْظِ إنَّمَا، وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَيْضًا، وَإِسْنَادُهَا جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ أَبَا مُوسَى الْمَدِينِيَّ قَالَ: لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ يَعْنِي بِدُونِ إنَّمَا. (الثَّامِنَةُ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ فَتَارَةً تَقْتَضِي الْحَصْرَ الْمُطْلَقَ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً تَقْتَضِي حَصْرًا مَخْصُوصًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: 36] فَالْمُرَادُ حَصْرُهُ فِي النِّذَارَةِ لِمَنْ لَا يُؤْمِنُ وَنَفْيُ قُدْرَتِهِ عَلَى مَا طَلَبُوا مِنْ الْآيَاتِ وَأَرَادَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْحَصْرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ آثَرَهَا أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْغَالِبِ عَلَى النَّادِرِ. وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى بَوَاطِنِ الْخُصُومِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ، وَالسِّيَاقِ. [فَائِدَة الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ فِي حَدِيث إنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ] 1 (التَّاسِعَةُ) الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ هُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَعْمَالُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا حَتَّى تَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَقْوَالُ، فَإِنَّهَا عَمَلُ اللِّسَانِ، وَهُوَ مِنْ الْجَوَارِحِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَرَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِلَافِ خَصَّصَ الْأَعْمَالَ بِمَا لَا يَكُونُ قَوْلًا وَأَخْرَجَ الْأَقْوَالَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَفِي هَذَا عِنْدِي بُعْدٌ وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) النِّيَّاتُ جَمْعُ نِيَّةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ تَشْدِيدُ الْيَاءِ فِي الْجَمْعِ وَحَكَى فِيهِ النَّوَوِيُّ التَّخْفِيفَ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ أَيْضًا فِي النِّيَّةِ وَفِي الْعَمَلِ أَيْضًا وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ النِّيَّةِ فَقِيلَ هِيَ الطَّلَبُ وَقِيلَ الْجِدُّ فِي الطَّلَبِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزُهُ أَيْ مَنْ يَجِدُّ فِي طَلَبِهَا وَقِيلَ الْقَصْدُ لِلشَّيْءِ بِالْقَلْبِ وَقِيلَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ النَّوَى بِمَعْنَى الْبُعْدِ فَكَأَنَّ النَّاوِيَ لِلشَّيْءِ يَطْلُبُ بِقَصْدِهِ وَعَزْمِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِجَوَارِحِهِ وَحَرَكَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ فَجُعِلَتْ النِّيَّةُ وَسِيلَةً إلَى بُلُوغِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِهِ فَاَلَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ قَدَّرُوا صِحَّةَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَالَ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ، وَقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْكَمَالِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى، قَالَ: وَقَدْ يُقَدِّرُونَهُ إنَّمَا اعْتِبَارُ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ السُّرُوجِيُّ أَنَّ التَّقْدِيرَ ثَوَابُهَا لَا صِحَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْمَالِ يُوجَدُ وَيُعْتَبَرُ شَرْعًا بِدُونِهَا، وَلِأَنَّ إضْمَارَ الثَّوَابِ مُنْفَقٌ عَلَى إرَادَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ انْتِفَاءُ الثَّوَابِ دُونَ الْعَكْسِ فَكَانَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ أَقَلَّ إضْمَارًا فَهُوَ أَوْلَى وَلِأَنَّ إضْمَارَ الْجَوَازِ، وَالصِّحَّةِ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّ الْعَامِلَ فِي قَوْلِهِ بِالنِّيَّةِ مُقَدَّرٌ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ فَيَبْقَى بِلَا خَبَرٍ فَلَا يَجُوزُ فَالْمُقَدَّرُ إمَّا مُجْزِئَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ أَوْ مُثِيبَةٌ (فَمُثِيبَةٌ) أَوْلَى بِالتَّقْدِيرِ لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الْعَمَلِ وَعَلَى إضْمَارِ الصِّحَّةِ، وَالْإِجْزَاءِ يَبْطُلُ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ. (الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ، وَالْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَيْهِ انْتَهَى. وَفِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إضْمَارِ مَحْذُوفٍ مِنْ الصِّحَّةِ أَوْ الْكَمَالِ أَوْ الثَّوَابِ إذْ الْإِضْمَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى إضْمَارٍ وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ فَلَا حَاجَةَ لِإِضْمَارِ مُضَافٍ؛ لِأَنَّ تَقْلِيلَ الْإِضْمَارِ أَوْلَى فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ وُجُودُهَا بِالنِّيَّةِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ. (وَالثَّانِي) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ تَقْدِيرَ الثَّوَابِ أَقَلُّ إضْمَارًا لِكَوْنِهِ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ انْتِفَاءُ الثَّوَابِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْلِيلَ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ تَقْدِيرُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى نَفْيِهَا مِنْ نَفْيِ الثَّوَابِ وَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا نَحْتَاجُ إلَى أَنْ نُقَدِّرَ إنَّمَا صِحَّةُ الْأَعْمَالِ، وَالثَّوَابِ وَسُقُوطِ الْقَضَاءِ مَثَلًا بِالنِّيَّةِ بَلْ الْمُقَدَّرُ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْوَاحِدِ شَيْءٌ آخَرُ فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُهُ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ يُؤَدِّي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكِتَابَ دَالٌّ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِكَوْنِ النِّيَّةِ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ فَهَذَا لَيْسَ بِنَسْخٍ وَأَيْضًا فَالثَّوَابُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ عَلَى الْعَمَلِ وَلَمْ تُذْكَرْ النِّيَّةُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ ذُكِرَتْ فِيهِ نِيَّةُ الْعَمَلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَهَذَا هُوَ الْقَصْدُ، وَالنِّيَّةُ، وَلَوْ سَلِمَ لَهُ أَنَّ فِيهِ نَسْخَ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأُصُولِ. (وَالرَّابِعُ) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ تَقْدِيرَ الصِّحَّةِ يُبْطِلُ الْعَمَلَ وَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ إذَا تَيَقَّنَّا شَغْلَ الذِّمَّةِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ لَمْ نُسْقِطْهُ بِالشَّكِّ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا بِيَقِينٍ فَحَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى لِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِهِ. (وَالْخَامِسُ) أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الَّذِي لَهُ إنَّمَا هُوَ الثَّوَابُ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ فِي التَّقْدِيرِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ حَذْفُ مُضَافٍ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَكِنْ يُقَدَّرُ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ وُجُودُهَا بِالنِّيَّةِ، وَنَفْيُ الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْعَمَلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ وَجَدَ صُورَةَ الْفِعْلِ فِي الظَّاهِرِ فَلَيْسَ بِشَرْعِيٍّ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ الشَّيْءَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ انْتَهَى. وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي النِّيَّةِ مُفْسِدٌ لَهَا، وَقَدْ وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ مَا يُؤَكِّدُهُ فَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: رَأَيْت رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ، وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا شَيْءَ لَهُ» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتَغَى بِهِ وَجْهَهُ. وَيَدُلُّ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَنْوِ إلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَاهُ» . فَإِتْيَانُهُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا نَوَى مَعَ الْعِقَالِ شَيْئًا آخَرَ كَانَ لَهُ مَا نَوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِي مَوَاضِعَ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ مَنْ نَوَى مَعَ الْفَرْضِ مَا هُوَ حَاصِلٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ. (فَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْإِمَامُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَإِعْلَامَ الْقَوْمِ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. (وَمِنْهَا) إذَا قَصَدَ الْمَسْبُوقُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ التَّحَرُّمَ، وَالْهَوَى لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا يَحْصُلُ بِهَا تَكْبِيرَةُ الْهَوَى. (وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ، وَالتَّبَرُّدَ لَمْ يَضُرَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحُصُولِ التَّبَرُّدِ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَهَذَا إذَا نَوَاهُمَا مَعًا، فَإِنْ طَرَأَتْ نِيَّةُ التَّبَرُّدِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ النِّيَّةِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لَهَا لَمْ يَصِحَّ مَا بَعْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْجُنُبُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَالْجُمُعَةِ مَعًا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى حُصُولِهِمَا، وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَخَالَفَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَقَالَ يَحْصُلُ الْمَنْوِيُّ فَقَطْ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا فِي سَائِرِ كُتُبِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ إذَا نَوَاهُمَا وَقُلْنَا: إنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَنَابَةِ لَمْ تَحْصُلْ الْجُمُعَةُ فَقَضَيْته أَنْ لَا يَصِحَّ الْغُسْلُ أَصْلًا وَرُدَّ كَلَامُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ. وَمِنْهَا لَوْ نَوَى بِفَرْضِهِ الْفَرْضَ، وَالرَّاتِبَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ دُخُولِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرْضِ لَوْ لَمْ يَنْوِ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى الْفَرْضَ، وَالتَّحِيَّةَ حَصَلَا لِحُصُولِ التَّحِيَّةِ بِدُونِهَا. (وَمِنْهَا) لَوْ نَوَى بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ، وَالْكُسُوفَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. (وَمِنْهَا) مَا إذَا نَوَى بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ حُصُولُ الْفَائِتَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ. (وَمِنْهَا) أَنْ يَنْوِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَوْمَ عَاشُورَاءَ مَعَ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَأَفْتَى شَرَفُ الدِّينِ الْبَارِزِيُّ بِحُصُولِهِ عَنْهُمَا، وَهُوَ مُشْكِلٌ أَمَّا إذَا نَوَى فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ الصِّيَامَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ وَأَطْلَقَ فَالْقِيَاسُ حُصُولُ الْفَرْضِ فَقَطْ وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِحُصُولِهِمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا بَلْ الصَّوَابُ حُصُولُ الْفَرْضِ فَقَطْ. (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) إنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى بَعْدَ قَوْلِهِ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ هَلْ أَتَى بِهِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِلتَّأْسِيسِ؟ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ انْتَهَى فَجَعَلَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيدِ، وَذُكِرَ فِي فَائِدَةِ ذَلِكَ وُجُوهٌ: (أَحَدُهَا) مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ: إنَّ فَائِدَتَهُ اشْتِرَاطُ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ صَلَاةٌ مَقْضِيَّةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَوْلَا اللَّفْظُ الثَّانِي لَاقْتَضَى الْأَوَّلُ صِحَّةَ النِّيَّةِ بِلَا تَعْيِينٍ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ أَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْعِبَادَةِ قَدْ تُقَيِّدُ الثَّوَابَ إذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ إذَا نَوَى بِهِمَا الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالنَّوْمِ إذَا قَصَدَ بِهِ تَرْوِيحَ الْبَدَنِ لِلْعِبَادَةِ، وَالْوَطْءِ إذَا أَرَادَ بِهِ التَّعَفُّفَ عَنْ الْفَاحِشَةِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» الْحَدِيثَ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْقُرْبَةُ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُ فِعْلِهَا لِلْعِبَادَةِ إذَا فَعَلَهَا الْمُكَلَّفُ عَادَةً لَمْ يَتَرَتَّبْ الثَّوَابُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ صَحِيحًا حَتَّى يَقْصِدَ بِهِ الْعِبَادَةَ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الِاقْتِرَاحِ أَنَّ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُقْصَدُ بِسَمَاعِ الْحَدِيثِ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ فَجَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً أَنَّ فَائِدَتَهَا فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهَا الْقُرْبَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ] (الرَّابِعَةَ عَشَرَ) الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ كَسْرُ الرَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ لِامْرِئٍ وَعَلَى هَذَا فَإِعْرَابُهُ فِي حَرْفَيْنِ مِنْ آخِرِهِ الرَّاءُ، وَالْهَمْزَةُ تَقُولُ هُوَ امْرُؤٌ جَيِّدٌ بِرَفْعِ الرَّاءِ وَرَأَيْت امْرَأً بِنَصْبِهَا، وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى، وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ فَتْحُ الرَّاءِ مُطْلَقًا حَكَاهَا الْفَرَّاءُ وَضَمُّهَا مُطْلَقًا وَتَكُونُ حَرَكَاتُ الْإِعْرَابِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْهَمْزَةِ فَقَطْ، وَهُوَ مُفْرَدٌ لَا جَمْعَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ لِعَيْنِهَا الَّتِي لَيْسَتْ وَسِيلَةً إلَى غَيْرِهَا، وَحَكَى أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ وَحَكَى الِاخْتِلَافَ فِي الْوُضُوءِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهُ وَسِيلَةٌ أَوْ مَقْصِدٌ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ السَّفَاقِسِيُّ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَحْضَةَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ، وَالْعِبَادَةَ الْمَفْهُومَةَ الْمَعْنَى غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إلَى النِّيَّةِ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْأَعْمَالَ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّتِهِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ فِيهِ كَالْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ وَكَالْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ، وَالتَّيَمُّمِ وَطَوَافِ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَالْوُقُوفِ مِمَّا اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَضَرْبٌ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّتِهِ لَكِنْ تُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ وَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّهِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى وَبِنَاءِ الْمَدَارِسِ، وَالرَّبْطِ، وَالْأَوْقَافِ، وَالْهِبَاتِ، وَالْوَصَايَا، وَالصَّدَقَاتِ وَرَدِّ الْأَمَانَاتِ وَنَحْوِهَا. [فَائِدَة النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشَرَ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ النَّظَافَةُ فَأَشْبَهَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوهَا فِي التَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ مَقْصُودًا وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ تَقْوِيَةً لَهُ وَبِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ النِّيَّةَ فِي التَّيَمُّمِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ اقْصِدُوا، وَهُوَ النِّيَّةُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ وَاحْتَجَّ أَيْضًا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ بِتَعْلِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ لِلْأَعْرَابِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ النِّيَّةَ مَعَ جَهْلِ الْأَعْرَابِيِّ بِأَحْكَامِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَنَقَضَ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ الصَّلَاةَ لِلْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ النِّيَّةَ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِوُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ فَمَا الْفَرْقُ؟ وَإِنَّمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ عَلَّمَهُ الْأَفْعَالَ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَقِفُ النَّاظِرُ عَلَى تَرْكِهَا لَوْ تَرَكُوهَا فَأَمَّا الْقَصْدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِلْعِبَادَةِ فَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فِي ذَهَابِهِ إلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا تَجِبُ لَهُ النِّيَّةُ أَيْضًا كَبَقِيَّةِ الطُّهَارَاتِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا وَسَائِلُ وَلَيْسَتْ بِمَقَاصِدَ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ غَافِلًا عَنْ كَوْنِهِ جُنُبًا أَنَّهُ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ قَطْعًا فَلَوْلَا وُجُوبُ النِّيَّةِ لَمَا تَوَقَّفَ صِحَّةُ غُسْلِهِ عَلَيْهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ. (الثَّامِنَةَ عَشَرَ) احْتَجَّ بِهِ لِمَنْ أَوْجَبَ النِّيَّةَ فِي غُسْلِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ وَاجِبٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهَا تَجِبُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى الْبَدَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ رُدَّ ذَلِكَ بِحِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ فَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عِنْدِي لَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُمَا أَيْ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالصُّعْلُوكِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطُوا النِّيَّةَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ فَصَارَ كَتَرْكِ الْمَعَاصِي، وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الصَّوْمَ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ أَيْضًا؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِالْعَزْمِ عَلَى قَطْعِهِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِيهِ. [فَائِدَة الْكَافِر إذَا أَجْنَبَ أَوْ أَحْدَثَ فَاغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَسْلَمَ] 1 (التَّاسِعَةَ عَشَرَ) اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَهَابِهِ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَجْنَبَ أَوْ أَحْدَثَ فَاغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ، وَالْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَخَالَفَ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: تَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ، وَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَبَعْضُهُمْ يُعَلِّلُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ. [فَائِدَة نِيَّةُ الزَّوْجِ إذَا غَسَّلَ زَوْجَتَهُ الْمَجْنُونَةَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ] (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ النِّيَّةُ إذَا غَسَّلَ زَوْجَتَهُ الْمَجْنُونَةَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ الذِّمِّيَّةَ إذَا امْتَنَعَتْ فَغَسَّلَهَا الزَّوْجُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْنُونَةِ. وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ الْمُمْتَنِعَةُ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَجْنُونَةِ بَلْ قَدْ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ أَنَّ الْمُسْلِمَ هُوَ الَّذِي يَنْوِي وَلَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ فِي الذِّمِّيَّةِ غَيْرِ الْمُمْتَنِعَةِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ عَلَيْهَا نَفْسِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ الْمُرْتَدِّ وَغُسْلِهِ وَتَيَمُّمِهِ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْمُرْتَدِّ وَلَا غُسْلُهُ وَلَا تَيَمُّمُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ، وَالنِّيَّةِ، وَقَدْ ادَّعَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَجْهًا فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حِكَايَةُ وَجْهٍ عَنْ النِّهَايَةِ فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ أَيْضًا وَفِي الْجَوَاهِرِ لِلْقَمُولِيِّ حِكَايَةُ وَجْهٍ فِي صِحَّتِهِمَا وَصِحَّةِ تَيَمُّمِهِ أَيْضًا. [فَائِدَة اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يُوجِبْ النِّيَّةَ فِيهِ. [فَائِدَة النِّيَّة عَلَى غَاسِلِ الْمَيِّتِ] (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ عَلَى الْغَاسِلِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَغُسْلٌ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ الْغَرِيقِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي إصَابَةُ الْمَاءِ لَهُ وَلَكِنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ عَلَى الْغَاسِلِ وَنَسَبَ فِي الشَّرْحِ تَصْحِيحَهُ لِلْقَاضِي الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُغْتَسِلِ، وَالْمَيِّتِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ النَّظَافَةُ وَيُشْكِلُ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِهِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ إلَّا بِغُسْلِنَا. [فَائِدَة الْمُتَوَضِّئَ إذَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ إلَّا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إذَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ إلَّا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ، وَالتَّسْمِيَةِ، وَالسِّوَاكِ لِخُلُوِّ ذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى حُصُولِ ثَوَابِ السُّنَنِ لِانْعِطَافِ النِّيَّةِ عَلَى بَقِيَّةِ الْعِبَادَةِ كَصِيَامِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَاسْتَثْنَى الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ مِمَّا يَحْصُلُ ثَوَابُهُ مِنْ السُّنَنِ التَّسْمِيَةَ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنْ أَرَادَ حُصُولَ ثَوَابِ الذِّكْرِ لَا بِقَيْدِ ثَوَابِهِ عَلَى فَعَلِهَا فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى حُصُولَ ثَوَابِ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى السِّوَاكُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ السِّوَاكِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنْ أَرَادَ الْقَمُولِيُّ حُصُولَ ثَوَابِ التَّسْمِيَةِ بِقَيْدِ كَوْنِهَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ فَمَمْنُوعٌ لِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَهُوَ لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ قَبْلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ السُّنَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ مَا ينافى الْفَرْضِيَّة فَهَلْ تَصِحّ نفلا] 1 (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَوَى صَلَاةَ فَرْضٍ، ثُمَّ بَطَلَ فَرْضُهُ لِإِتْيَانِهِ بِمَا يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ دُونَ النَّفْلِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِصَلَاتِهِ النَّافِلَةَ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ انْقِلَابَهَا نَفْلًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ لِغَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَأَنْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ مُنْفَرِدًا فَجَاءَ الْإِمَامُ وَتَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ فَنَوَى قَلْبَهَا نَفْلًا وَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَحَّتْ الْأُولَى نَفْلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَوَقْتُ النِّيَّةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لَا فِي أَثْنَائِهَا. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَلَكِنْ اُغْتُفِرَ لِخُرُوجِهِ لِعُذْرٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ النَّفَلَ بَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ مَحْبُوبٍ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِنْ قَلَبَهَا نَفْلًا لِغَيْرِ سَبَبٍ فَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الْبُطْلَانُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا لِتَلَاعُبِهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ لَظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ بِالِاجْتِهَادِ فَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ نَفْلًا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَبَّرَ الْمَسْبُوقُ لِلْإِحْرَامِ فِي حَالَةِ هَوِيِّهِ إلَى الرُّكُوعِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِامْتِنَاعِ إيقَاعِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ حَدِّ الْقِيَامِ فَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الْبُطْلَانُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهَا نَفْلًا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَجَدَ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ خِفَّةً فَلَمْ يَقُمْ وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الْبُطْلَانُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ. وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأَظْهَرُ الْبُطْلَانُ أَيْضًا لِتَلَاعُبِهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ النَّفْلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِيهِ الْمَعْذُورُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَنِيَّتُهُ الْحَادِثَةُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَاقِعَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِ النِّيَّةِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا لِلْمُتَطَوِّعِ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ الزِّيَادَةَ، وَالنُّقْصَانَ بِالنِّيَّةِ عَلَى مَا نَوَاهُ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خَرَجَ وَقْت الْجُمُعَةَ فَهَلْ تُكْمِل ظهرا أَوَّلًا] (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا نَوَى الْجَمَاعَةُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَخَرَجَ وَقْتُهَا أَنَّهُمْ لَا يُكْمِلُونَهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْوُوا الظُّهْرَ، وَإِنَّمَا نَوَوْا الْجُمُعَةَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءُ الظُّهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَنَوْهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا أَوْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورٌ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ اقْتَضَاهُمَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا صَلَاةٌ بِحِيَالِهَا وَالْمَذْهَبُ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ جَوَازُ إتْمَامِهَا ظُهْرًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَضِيَّةِ بِنَائِهِمْ لَهُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَمُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْضًا لَكِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُسَافِرِ يَنْوِي الْقَصْرَ فَيَفُوتُ شَرْطُهُ فَيُتِمُّ وَلَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَالْقَصْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ نَوَاهَا وَنِيَّةُ الْقَصْرِ أَوْ الْإِتْمَامِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا مَثَلًا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يُصَحِّحْ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ شَيْئًا. وَأَشْكَلُ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُهُمْ انْقِلَابَهَا بِنَفْسِهَا ظُهْرًا مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ نِيَّةِ الظُّهْرِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمَسْبُوقَ فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ] 1 (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ فِي الْجُمُعَةِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ لَا الْجُمُعَةَ لِفَوَاتِهَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَوَى. وَلَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يَنْوِي مَا لَا يَفْعَلُهُ لَا جَرْمَ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى وَكَتَبَ النَّوَوِيُّ عَلَى حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ هُنَا " إنَّمَا يَنْوِي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ فَوَاتَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَيَتَذَكَّرُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَيَقُومُ إلَيْهَا " انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زِيَادَاتِهِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا بَقِيَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ فَلَا تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا يَنْوِي الْجُمُعَةَ كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فَهَلْ يَصْرِفُ نِيَّتَهُ إلَى الظُّهْرِ عِنْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَمْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَتَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا ظُهْرًا؟ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ الْأَوَّلُ وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا مِنْ انْقِلَابِهَا بِنَفْسِهَا ظُهْرًا فِي مَسْأَلَةِ فَوَاتِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهُ هُنَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّمَا يُدْرِكُ الْمَأْمُومُ الْجُمُعَةَ بِرَكْعَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُدْرِكُ بِإِدْرَاكِهِ قَبْلَ السَّلَامِ بَلْ لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. [فَائِدَة الْمُقِيمَ إذَا نَوَى فِي رَمَضَانَ صَوْمَ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ] 1 (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا نَوَى فِي رَمَضَانَ صَوْمَ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَوَاهُ وَلَمْ يَنْوِ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَتَعْيِينُهُ شَرْعًا لَا يُغْنِي عَنْ نِيَّةِ الْمُكَلَّفِ لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ رَمَضَانَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِخِلَافِ الْحَجِّ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَذَهَبَ زُفَرُ إلَى أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ لِتَصْحِيحِ الْمُقِيمِ لِتَعَيُّنِ الزَّمَانِ لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ] التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُتَطَوِّعَ بِالصِّيَامِ إذَا نَوَى فِي أَثْنَاء ِ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَقُلْنَا بِصِحَّتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْسَبُ لَهُ الصِّيَامُ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ لِخُلُوِّ أَوَّلِ النَّهَارِ عَنْ النِّيَّةِ، وَالنِّيَّةُ لَا تَنْعَطِفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ لَا يَتَبَعَّضُ وَشَبَّهُوهُ بِالْمَسْبُوقِ يُدْرِكُ ثَوَابَ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ. [فَائِدَة هَلْ تَكْفِي نِيَّة وَاحِدَة فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ] 1 (الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اكْتِفَائِهٍ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عَمَلٌ بِنَفْسِهِ وَعِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ مَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الْأَيَّامِ فِي لَيَالِيِهَا مِمَّا يُنَافِي الصَّوْمَ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ إذْ هُوَ عَمَلٌ وَلَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ. [فَائِدَة أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) احْتَجَّ بِهِ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْعُمْرَةَ، وَإِنَّمَا لَهُ مَا نَوَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ قَالُوا: يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ عِنْدَهُمْ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْحَجِّ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ هَلْ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْمُتَقَدِّمُ نَقْلُهُ عَنْهُ أَوْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ تَسْقُطُ عَنْهُ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَشَبَّهُوا الْقَوْلَيْنِ بِالْقَوْلَيْنِ فِي التَّحَرُّمِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا هَلْ تَنْعَقِدُ نَافِلَةً؟ وَهَا هُنَا الْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ عُمْرَةً بِكُلِّ حَالٍ لِقُوَّةِ الْإِحْرَامِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ مَعَ السَّبَبِ الْمُفْسِدِ لَهُ بِأَنْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا (قُلْت) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ عُمْرَةً، وَإِنْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ قَدْ جَزَمُوا بِعَدَمِ انْعِقَادِهَا نَفْلًا فِيمَا إذَا عُرِفَ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ لِتَلَاعُبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ فَلَيْسَ يُشْبِهُ ذَلِكَ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُشْبِهُهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَأَحْرَمَ بِالْحَاضِرَةِ بِالِاجْتِهَادِ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْفَائِتَةِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْحَاضِرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِكَوْنِهَا ظُهْرًا مَثَلًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ الْفَائِتَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ أَيْضًا عُمْرَةً وَلَكِنَّ الْحَجَّ خَرَجَ عَنْ قِيَاسِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْ شُبْرُمَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهَا. [فَائِدَة الصرورة إذَا نَوَى الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ] (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) احْتَجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ أَنَّ الصَّرُورَةَ يَصِحُّ حَجُّهُ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ مَا نَوَاهُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقَعُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ أَحَجَجْت قَطُّ؟ قَالَ لَا قَالَ فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ حَجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «حُجَّ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» وَلَك أَنْ تَقُولَ لَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحُ الْإِحْرَامِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَلَوْ لَمْ يَقَعْ الْإِحْرَامُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ فَرْضِ نَفْسِهِ لَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ بِإِخْرَاجِ دَمٍ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَحِيحٍ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُجَاوَزَتِهِ لِلْمِيقَاتِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَدْ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْمُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ، اُحْجُجْ عَنْ نَفْسِك» ، وَهَذَا ضَعِيفٌ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُقَالُ إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ كَانَ يَرْوِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى الصَّوَابِ، وَقَدْ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ إذَا نَوَى الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَهُ مَا نَوَاهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِمْرَار النِّيَّة حُكْمًا إلَى آخِرِ الْعِبَادَةِ] 1 (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ النِّيَّةِ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ يُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُهَا حُكْمًا إلَى آخِرِ الْعِبَادَةِ حَتَّى لَوْ رَفَضَ النِّيَّةَ وَنَوَى قَطْعَ الْعِبَادَةِ بَطَلَتْ الْعِبَادَةُ، وَقَدْ فَرَّقَ فِيهِ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْعِبَادَاتِ فَجَزَمُوا فِيمَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْبُطْلَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَدَّدَ هَلْ يَخْرُجُ أَوْ يَسْتَمِرُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهَا؟ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْخُرُوجَ إذَا دَخَلَتْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ مَثَلًا بَطَلَتْ فِي الْحَالِ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ رَفَضَ هَذَا الْعَزْمَ قَبْلَ دُخُولِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ صَحَّتْ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بِدُخُولِ شَخْصٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ دَخَلَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّعْلِيقِ بَطَلَتْ، وَكَذَا إنْ كَانَ ذَاهِلًا عَنْهُ عَلَى مَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَلَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ فَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ وَإِمْسَاكٌ، وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ شَخْصٍ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعْظَمُ وَأَشْعَرَ كَلَامُهُمْ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَطَرَدَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ كَالصَّوْمِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ: وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِبُطْلَانِهِ كَالصَّلَاةِ وَجَزَمُوا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّهُ لَا تُفْسِدُهُمَا نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ ذِكْرِهِ وَهَكَذَا الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ لَا يُفْسِدُهُمَا نِيَّةُ قَطْعِهِ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالصَّلَاةِ فَلَمْ يَرَ قَطْعَ النِّيَّةِ مُفْسِدًا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. [فَائِدَة النِّيَّة فِي جَمْعِ أَرْكَانِ الْحَجِّ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ مِنْ الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْوُقُوفِ، وَالْحَلْقِ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الطَّوَافِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ لِكَوْنِهِ صَلَاةً، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْجُمْهُورُ النِّيَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مُجِيبِينَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ شَامِلَةٌ لِهَذِهِ الْأَرْكَانِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَعْرِضَ فِي الطَّوَافِ نِيَّةٌ أُخْرَى صَارِفَةٌ كَطَلَبِ غَرِيمٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَنِيَّةِ التَّبْرِيدِ الْعَارِضَةِ بَعْدَ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْوُقُوفِ عَدَمَ النِّيَّةِ الصَّارِفَةِ كَطَلَبِ الْغَرِيمِ مَثَلًا بَلْ جَزَمُوا فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ إلَّا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ بَلْ قَالُوا: لَوْ مَرَّتْ بِهِ الدَّابَّةُ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ نَائِمٌ وَلَمْ يَشْعُرْ صَحَّ وُقُوفُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة النِّيَّة فِي تَعَاطِي مَا هُوَ مُبَاحٌ] (الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) كَمَا اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ فِي الْعِبَادَةِ اشْتَرَطُوا فِي تَعَاطِي مَا هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ نِيَّةٌ تَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ كَمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ شَرِبَ شَرَابًا مُبَاحًا، وَهُوَ ظَانٌّ أَنَّهُ خَمْرٌ أَوْ أَقْدَمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ مِلْكِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qظَانًّا أَنَّهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعَاطِي ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا ضَمَانًا لِعَدَمِ التَّعَدِّي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ تَعَاطَى شُرْبَ الْمَاءِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَكِنْ عَلَى صُورَةِ اسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ كَشُرْبِهِ فِي آنِيَةِ الْخَمْرِ فِي صُورَةِ مَجْلِسِ الشَّرَابِ صَارَ حَرَامًا لِتَشَبُّهِهِ بِالشَّرْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا عَلَى الْحَرَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِحِلِّهِ وَنَحْوِهِ لَوْ جَامَعَ أَهْلَهُ، وَهُوَ فِي ذِهْنِهِ مُجَامَعَةُ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَصُوِّرَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّهُ يُجَامِعُ تِلْكَ الصُّورَةَ الْمُحَرَّمَةَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ لِتَشَبُّهِهِ بِصُورَةِ الْحَرَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [فَائِدَة تَخْصِيص الْأَلْفَاظِ بِالنِّيَّةِ] 1 (السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِالنِّيَّةِ فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ مَثَلًا وَأَرَادَ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةَ كَذَا أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا مَثَلًا وَأَرَادَ كَلَامَهُ بِالْقَاهِرَةِ مَثَلًا دُونَ غَيْرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهُ مَا نَوَاهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَوْ خَالَفَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مَعَ مُوَافَقَةِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اشْتِرَاط النِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ] 1 (السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ، وَالْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى إذْ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة طَلَّقَ بِصَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَوَى عَدَدًا مِنْ أَعْدَاد الطَّلَاق] (الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ إذَا طَلَّقَ بِصَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَوَى عَدَدًا مِنْ أَعْدَادِ الطَّلَاقِ كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى ثَلَاثًا كَانَ مَا نَوَاهُ مِنْ الْعَدَدِ وَاقِعًا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. [فَائِدَة النِّيَّةُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ] 1 (التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ فِي قَوْلِهِمْ فِي الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ أَنَّهُ إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِكَوْنِهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ أَيْضًا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَدِيثِ وَأَوْلَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة النِّيَةُ فِي الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ مُجْمَلٍ] 1 (الْفَائِدَةُ الْأَرْبَعُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ مُجْمَلٍ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَى شَيْءٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُ تَفْسِيرَهُ بِأَقَلَّ مَا يَتَمَوَّلُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ، وَكَذَا لَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ كَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا حَقُّ الشُّفْعَةِ وَحْدُ الْقَذْفِ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ، وَالْعِيَادَةِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ دُونَ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَنَحْوِهِ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ تَفْسِيرُهُ بِالْمُسْتَوْلَدَةِ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ مَا نَوَاهُ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْإِيمَانُ لَيْسَ إقْرَار بِاللِّسَانِ فَقَطْ] (الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ: الْإِيمَانُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ دُونَ الِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ الْإِيمَانِ مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُرْجِئَةُ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. [فَائِدَة النَّاسِي وَالْمُخْطِئُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ النَّاسِي، وَالْمُخْطِئُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا نِيَّةَ لِنَاسٍ وَلَا مُخْطِئٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَة مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ] 1 (الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَدِينُونَ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ «الرَّجُلِ الَّذِي ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا فَقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّك قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» . وَاَلَّذِي جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحُكَّامِ الْحُذَّاقِ مِنْهُمْ اعْتِبَارُ حَالِ الْوَاقِعِ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَعُرِفَ مِنْهُ وُقُوعُهُ فِي الْمُخَالَفَاتِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاتِ بِأَمْرِ الدِّينِ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى دَعْوَاهُ وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلْتَةً وَعُرِفَ بِالصِّيَانَةِ، وَالتَّحَفُّظِ قَبِلُوا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ تَوَسُّطٌ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِعْمَال الْحِيَلِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ الشُّفْعَةِ] (الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي إسْقَاطِ الْحِيَلِ كَمَنْ مَلَّكَ وَلَدَهُ أَوْ غَيْرَهُ مَالًا لَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ بَادَلَ بِهِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ بَاعَ بِالْعَيِّنَةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ مَلَّكَ الدَّارَ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَوْ أَوْقَعَ عَقْدَ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الشُّفْعَةُ بِثَمَنٍ فِيهِ مَا تُجْهَلُ قِيمَتُهُ كَفَصٍّ وَنَحْوِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَوْ زَادَ فِي ثَمَنِهَا وَعَوَّضَهُ عَنْ عَشَرَةِ آلَافٍ دِينَارًا مَثَلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحُقُوقِ أَوْ الْمُوقِعَةِ فِي الْمَنَاهِي. وَإِنَّمَا يُخَادِعُ بِالنِّيَّاتِ مَنْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» . وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ كَرَاهَةُ إزَالَةِ مِلْكِهِ لِلْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي قَوْلِهِ إثْمٌ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ الْبَيْعُ بِالْعَيِّنَةِ، وَالِاسْتِحْلَالِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعَقْدِ، وَالتَّحَيُّلُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الْأَلْغَازِ أَنَّ الْحِيَلَ لَيْسَ فِيهَا مُنَافَاةٌ لِلشَّرِيعَةِ بَلْ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَعَاطِي الْحِيَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] فَمَا كَانَ مِنْ الْحِيَلِ هَكَذَا لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ حَقٍّ لِمُسْتَحِقٍّ لَهُ فَهُوَ حَسَنٌ مَشْرُوعٌ، وَمَا أَدَّى مِنْ الْحِيَلِ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ فَهُوَ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. [فَائِدَة الْعِبَادَةُ مِنْ الْمَجْنُونِ] 1 (الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِنْ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا وَلَا عُقُودُهُ كَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ، وَاللِّعَانُ، وَالْإِيلَاءُ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَا الْحُدُودُ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَعَمْ إنْ كَانَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِمُحَرَّمٍ كَالسَّكْرَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَالْحَدُّ وَوَقَعَ خِلَافُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ. [فَائِدَة الْقَوَدُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ] 1 (السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ قَتْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الدِّيَةِ فَجَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَثْلَاثًا وَجَعَلَهَا الْبَاقُونَ أَرْبَاعًا وَجَعَلَهَا أَبُو ثَوْرٍ أَخْمَاسًا، وَأَنْكَرَ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ وَقَالَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْخَطَأُ، وَالْعَمْدُ. وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَلَا نَعْرِفُهُ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «أَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ، وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» الْحَدِيثَ. [فَائِدَة الْهِجْرَةُ تَقَعُ عَلَى أُمُورٍ] (السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهُ (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى آخِرِهِ) الْهِجْرَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ فِعْلُهُ مِنْ الْهَجْرِ، وَهُوَ ضِدُّ الْوَصْلِ، ثُمَّ غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ وَتَرْكِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْهِجْرَةُ تَقَعُ عَلَى أُمُورٍ: (الْهِجْرَةُ الْأُولَى) إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ (الثَّانِيَةُ) مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ. (الثَّالِثَةُ) هِجْرَةُ الْقَبَائِلِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الرَّابِعَةُ) هِجْرَةُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. (الْخَامِسَةُ) هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَحُكْمُهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمِّ قَيْسٍ فَسُمِّيَ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ. (قُلْت) : بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَقْسَامِ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَهِيَ (الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ) إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ وَلَا يُقَالُ: كِلَاهُمَا هِجْرَةٌ إلَى الْحَبَشَةِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْهِجْرَةِ إلَيْهَا مَرَّةً، فَإِنَّهُ قَدْ عَدَّدَ الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي الْأَقْسَامِ لِتَعَدُّدِهَا. (وَالْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ) هِجْرَةُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِبِلَادِ الْكُفْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. (وَالْهِجْرَةُ الثَّالِثَةُ) الْهِجْرَةُ إلَى الشَّامِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا» الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يُرِيدُ بِهِ الشَّامَ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْعِرَاقِ مَضَى إلَى الشَّامِ وَأَقَامَ بِهِ انْتَهَى وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ» فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ لِلْهِجْرَةِ. (الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْهِجْرَةِ هَلْ انْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّةَ أَمْ هِيَ بَاقِيَةٌ؟ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرِوَايَةٍ لَهُ «لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ الْهِجْرَةِ؟ فَقَالَتْ: " لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، وَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «انْطَلَقْت بِأَبِي مَعْبَدٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَقَالَ: مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا، أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدٍ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَيْضًا «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى انْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . ، وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ السَّعْدِيِّ مَرْفُوعًا «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتِلُ» . وَرَوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ مَرْفُوعًا أَنَّ الْهِجْرَةَ لَا تَنْقَطِعُ مَا كَانَ الْجِهَادُ وَجَمَعَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَرْضًا، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ مَنْدُوبًا إلَيْهَا غَيْرَ مَفْرُوضَةٍ قَالَ فَالْمُنْقَطِعَةُ مِنْهُمَا هِيَ الْفَرْضُ، وَالْبَاقِيَةُ مِنْهُمَا هِيَ النَّدْبُ قَالَ: فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا، حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْهِجْرَةَ هِجْرَتَانِ: إحْدَاهُمَا الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِالْجَنَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدَعُ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ لَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ انْقَطَعَتْ هَذِهِ الْهِجْرَةُ. (وَالثَّانِيَةُ) مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْأَعْرَابِ وَغَزَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ انْتَهَى وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاقِيَةِ هَجْرُ السَّيِّئَاتِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْهِجْرَةُ خَصْلَتَانِ: إحْدَاهُمَا تَهْجُرُ السَّيِّئَاتِ، وَالْأُخْرَى تُهَاجِرُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَلْبٍ بِمَا فِيهِ وَكَفَى النَّاسَ الْعَمَلُ» . وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ جَافِي جَرِيءٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ الْهِجْرَةُ إلَيْك حَيْثُ كُنْتَ أَمْ إلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ لِقَوْمٍ خَاصَّةً أَمْ إذَا مِتَّ انْقَطَعَتْ؟ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْهِجْرَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَقَمْت الصَّلَاةَ وَآتَيْت الزَّكَاةَ فَأَنْتَ مُهَاجِرٌ، وَإِنْ مِتَّ بِالْحَضَرِ» قَالَ يَعْنِي أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «الْهِجْرَةُ أَنْ تَهْجُرَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ثُمَّ أَنْتَ مُهَاجِرٌ، وَإِنْ مِتَّ بِالْحَضَرِ» . 1 - (التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) وَقَعَ هُنَا الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ مُتَّحِدَيْنِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الشَّرْطَ، وَالْجَزَاءَ، وَالْمُبْتَدَأَ، وَالْخَبَرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَغَايِرَيْنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَايُرَ فِي الْحَدِيثِ مُقَدَّرٌ وَتَقْدِيرُهُ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ نِيَّةً وَقَصْدًا فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَوَابًا وَأَجْرًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ التَّقْدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا يُجْمَعَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي ضَمِير تَثْنِيَة] 1 (الْفَائِدَةُ الْخَمْسُونَ) لَمْ يَقُلْ فِي الْجَزَاءِ فَهِجْرَتُهُ إلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَخْصَرَ بَلْ أَتَى بِالظَّاهِرِ فَقَالَ: فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ مِنْ آدَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ أَنْ يُجْمَعَ مَعَ ضَمِيرٍ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ لِلْخَطِيبِ «بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ، حِينَ قَالَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى» وَبَيَّنَ لَهُ وَجْهَ الْإِنْكَارِ فَقَالَ لَهُ: (قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ وُقُوفَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يَعْصِهِمَا، وَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّمِيرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَشَهَّدَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا» . وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ تَرْكَ جَمْعِهِمَا فِي ضَمِيرٍ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْخَطِيبِ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى دَقَائِقِ الْكَلَامِ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الدُّنْيَا فُعْلَى مِنْ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ] (الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) الدُّنْيَا فَعَلَى مِنْ الدُّنُوِّ، وَهُوَ الْقُرْبُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَبْقِهَا لِلْآخِرَةِ، وَفِي الدَّالِ لُغَتَانِ، الضَّمُّ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ، وَالْكَسْرُ حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ مَقْصُورَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَنْوِينٌ بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْعَرَبِيَّةِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ فِيهَا لُغَةً غَرِيبَةً بِالتَّنْوِينِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ. وَسَبَبُ الْغَلَطِ أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ رَوَاهُ بِالتَّنْوِينِ، وَهُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ الْكُشْمِيهَنِيُّ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ يَحْكِي ذَلِكَ لُغَةً كَمَا وَقَعَ لَهُمْ نَحْوُ ذَلِكَ فِي خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ فَحَكَوْا فِيهِ لُغَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّمَّ، وَأَمَّا الْفَتْحُ فَرِوَايَةٌ مَرْدُودَةٌ لَا لُغَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي حَقِيقَةِ الدُّنْيَا] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي حَقِيقَةِ الدُّنْيَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْهَوَاءِ، وَالْجَوِّ، وَالثَّانِي أَنَّهَا كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْجَوَاهِرِ، وَالْأَعْرَاضِ. [فَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ كَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الدُّنْيَا] 1 (الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) مَا فَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَعَ كَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الدُّنْيَا؟ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ دُخُولُهَا فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ دُنْيَا نَكِرَةٌ، وَهِيَ لَا تَعُمُّ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا يَلْزَمُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِيهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى زِيَادَةِ التَّحْذِيرِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ جَاءَ أَنَّ سَبَبَ هَذَا الْحَدِيثِ مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِرَاجٍ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْمَرْأَةَ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتَزَوَّجُ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ وَلَا يُزَوِّجُونَ بَنَاتَهمْ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ فِي النَّسَبِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَوَّى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَنَاكِحِهِمْ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كُفُؤًا لِصَاحِبِهِ فَهَاجَرَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَزَوَّجَ بِهَا حَتَّى سُمِّيَ بَعْضُهُمْ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ. [فَائِدَة أَسْبَابِ حَدِيثِ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ] (الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: شَرَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي تَصْنِيفٍ فِي أَسْبَابِ الْحَدِيثِ كَمَا صُنِّفَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَوَقَفْتُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى يَسِيرٍ لَهُ قَالَ: فَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْحِكَايَةِ عَنْ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَبِيلِ. (الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) مَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الشُّرَّاحِ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ سَبَبَ قِصَّةِ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادِ رِجَالٍ ثِقَاتٍ. مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ. (السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) لَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي ذَكَرُوا أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ يُسَمَّى مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ فِيمَا رَأَيْته مِنْ التَّصَانِيفِ. وَأَمَّا أُمُّ قَيْسٍ الْمَذْكُورَةُ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ أَنَّ اسْمَهَا قَيْلَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) إنْ قِيلَ مَا وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ خَطَبَهَا مُشْرِكًا فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بِالْإِسْلَامِ أَسْلَمَ وَتَزَوَّجَهَا وَحَسُنَ إسْلَامُهُ. وَهَكَذَا رَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامَ أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَسْلَمْت، فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُك فَأَسْلَمَ فَكَانَ صَدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا، بَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ (التَّزَوُّجُ عَلَى الْإِسْلَامِ) وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا قَالَ خَطَبَ أَوْ طَلْحَةُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا مِثْلُك يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ وَلَكِنَّك رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَك، فَإِنْ أَسْلَمْت فَذَاكَ مَهْرِي فَلَا أَسْأَلُك غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْت بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ (الْإِسْلَام) . فَدَخَلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ لِيَتَزَوَّجَ بِهَا فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ كَوْنِ الْإِسْلَامِ أَشْرَفَ الْأَعْمَالِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَسْلَمَ لِيَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَكُونَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَزَوُّجِهِ حَتَّى هَدَاهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ لَا لِيَتَزَوَّجَهَا وَلَا يُظَنُّ ذَلِكَ بِأَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْلَمَ لِيَتَزَوَّجَ أُمَّ سُلَيْمٍ فَقَدْ كَانَ مِنْ أَجَلِّ الصَّحَابَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي نِكَاحِهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ رَغْبَةً فِيهِ فَمَتَى كَانَ الدَّاعِي إلَى الْإِسْلَامِ الرَّغْبَةَ فِي الدِّينِ لَمْ يَضُرَّ مَعَهُ كَوْنُهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ بِذَلِكَ نِكَاحُ الْمُسْلِمَاتِ وَلَا مِيرَاثُ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ وَلَا اسْتِحْقَاقُ الْغَنِيمَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْإِسْلَامِ الرَّغْبَةَ فِي الدِّينِ. وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ عِنْدَ حَدِيثِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ مَنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ نِيَّةَ الْأَعْمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا عَرَضَ فِي نَفْسِهِ وَخَطَرَ بِقَلْبِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَوَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ وَلَا يُزِيلُهُ عَنْ حُكْمِهِ إعْجَابُ اطِّلَاعِ الْعِبَادِ عَلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّهِ إلَى مَا نَدَبَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وَلَا سُرُورُهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنِيَّةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qغَيْرِ مُخْلِصَةٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الطَّبَرِيِّ، وَأَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ قَوْلِ عَامَّةِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَالْحَقُّ فِي اجْتِمَاعِ الْبَاعِثَيْنِ أَوْ الْبَوَاعِثِ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ كَافِيًا فِي الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ أَوْ يَكُونَ الْكَافِي لِذَلِكَ أَحَدَهُمَا أَوْ لِعِلَّةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ كَافِيًا بِالْإِتْيَانِ بِهِ فَهَذَا يَضُرُّ فِيهِ التَّشْرِيكُ لِقُوَّةِ الدَّاعِي، وَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ أَسْرَعَ إلَى وُقُوعِ الْمَنْوِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْفِعْلِ أَحَدَهُمَا بِحَيْثُ لَوْ عُدِمَ الْآخَرُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ الْمَنْوِيِّ فَالْحُكْمُ لِلْقَوِيِّ كَمَنْ يَقُومُ لِلْعِبَادَةِ، وَهُوَ يَسْتَحْسِنُ إطْلَاعَ النَّاسِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَمَا صَرَفَهُ ذَلِكَ عَنْهَا وَلَا عَنْ الرَّغْبَةِ فِيهَا فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عِبَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْمَلُ فِي حَقِّهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ اطِّلَاعِ النَّاسِ وَعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ، وَالْأَسْلَمُ لَهُ عَدَمُ مَحَبَّةِ اطِّلَاعِهِمْ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، وَالْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْكُفَّارِ إنَّمَا نَزَلَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَبَيْنَ الْفَتْحِ حِينَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَقَوْلُ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَك شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْوَاحِدَ إذَا ادَّعَى شَيْئًا كَانَ فِي مَجْلِسِ جَمَاعَةٍ] 1 (الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) فِي قَوْلِ عَلْقَمَةَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ الْوَاحِدَ إذَا ادَّعَى شَيْئًا كَانَ فِي مَجْلِسِ جَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعِلْمِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَجْلِسِ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُبَايِعَهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مُسْتَدِلِّينَ بِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ عَنْ عُمَرَ إلَّا عَلْقَمَةَ مَعَ كَوْنِهِ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ وَانْفَرَدَ عَلْقَمَةُ بِنَقْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ بَلْ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِهِ حِينَ وَصَلَ إلَى دَارِ الْهِجْرَةِ وَشَهَرَ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ سَمِعَهُ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَوْ اشْتَرَطَ مُتَابَعَةَ الرَّاوِي لَمَّا حَضَرَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ انْفِرَادُهُ بِهِ لِمَا قَبِلُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا اسْتَفْهَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي ظَنِّهِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. [فَائِدَة لَا بَأْسَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُورِدَ أَحَادِيثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ] 1 (التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُورِدَ أَحَادِيثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ أَيْضًا، وَهُوَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ. (الْفَائِدَةُ السِّتُّونَ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ حِكَايَةً عَنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» قَالَ: لِأَنَّ الذِّكْرَ مُضَادٌّ لِلنِّسْيَانِ، وَالنِّسْيَانُ، وَالذِّكْرُ إنَّمَا يَتَضَادَّانِ بِالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ وَمَحَلُّ النِّسْيَانِ الْقَلْبُ فَمَحَلُّ الذِّكْرِ إذًا الْقَلْبُ وَذِكْرُ الْقَلْبِ هُوَ النِّيَّةُ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَحَكَى قَوْلَ أَحْمَدَ لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ عَنْ عُلَمَائِهِمْ قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ أَنَّهُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ وَلَا يَنْوِي وُضُوءًا لِلصَّلَاةِ وَلَا غُسْلًا لِلْجَنَابَةِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ تَطَهَّرَ جَسَدُهُ كُلُّهُ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمْ يَتَطَهَّرْ إلَّا مَوْضِعَ الْوُضُوءِ» فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ النِّيَّةَ لَمْ يَتَطَهَّرْ مَعَ عَدَمِهَا شَيْءٌ لَا مَوَاضِعُ الْوُضُوءِ وَلَا غَيْرُهَا. وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَحِلُّ جَمِيعَ الْجَسَدِ أَوْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ، فَإِنْ قُلْنَا: يَحِلُّ جَمِيعَ الْجَسَدِ لَمْ تَحْصُلْ الطَّهَارَةُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَحِلُّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فَقَطْ حَصَلَ ذَلِكَ لِتَطَهُّرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: إنَّ الذِّكْرَ مُضَادُّ النِّسْيَانِ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْقَلْبِ، فَأَمَّا ذِكْرُ اللِّسَانِ فَلَا يُضَادُّهُ النِّسْيَانُ بَلْ يُضَادُّهُ تَرْكُ الذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا بِقَلْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ. [فَائِدَة مَا يَجْرِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ وتجزأ عَنْ صَاحِبهَا] 1 (الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَمِمَّا يَجْرِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ مَا قَالَهُ مَالِكٌ: إنَّ الْخَوَارِجَ أَخَذُوا الزَّكَاةَ مِنْ النَّاسِ بِالْقَهْرِ، وَالْغَلَبَةِ وَأَجْزَأَتْ عَمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ وَمِنْهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَجَمَاعَةَ الصَّحَابَةِ أَخَذُوا الزَّكَاةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِالْقَهْرِ، وَالْغَلَبَةِ، وَلَوْ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُمْ مَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَهُمْ وَجَعَلَ حَدِيثَ النِّيَّةِ عَلَى الْعُمُومِ أَنَّ أَخْذَ الْخَوَارِجِ لِلزَّكَاةِ غَلَبَةً لَا يَنْفَكُّ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النِّيَّةِ ذِكْرُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 [حَدِيثُ لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي] . عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ» .   Qوَقْتَ أَخْذِهَا مِنْهُ أَنَّهُ عَنْ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا الْمُتَغَلِّبُ عَلَيْهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ الظَّالِمِ لَهَا يُجْزِئُهُ فَالْخَارِجِيُّ فِي مَعْنَى الظَّالِمِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَشَاهِدَةِ التَّوْحِيدِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَلْ قَصَدَ حَرْبَهُمْ وَغَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيَهُمْ لِكُفْرِهِمْ، وَلَوْ قَصَدَ أَخْذَ الزَّكَاةِ فَقَطْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ مَا فَضَلَ عَنْهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. [فَائِدَة أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ] 1 (الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ فَأَسْقَطَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ بِغَيْرِ نِيَّةِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَالَفَهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَالْأَبْهَرِيُّ وَقَالَ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَنْوِ عِتْقَهُ، وَالْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يُجْزِئُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلَيْسَ كَالْمَيِّتِ يُعْتَقُ عَنْهُ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّ نِيَّتَهُ مَعْدُومَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مَا لَا تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ] (الثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ) اسْتَثْنَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا إذَا غَابَ عَنْ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، وَمَاتَ وَلَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ يَوْمِ مَوْتِهِ لَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَتْهَا وَفَاتُهُ فَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْعِدَّةَ جُعِلَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ حَصَلَتْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْحَامِلَ الَّتِي لَمْ تَعْلَمْ بِوَفَاةِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوَضْعِ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ] (بَابُ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَمَا لَا يُفْسِدُهُ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ وَعَجْلَانُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَجْلَانَ خَمْسَتُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِي اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ فَفِي بَعْضِهَا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ» ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: الدَّائِمُ أَوْ الرَّاكِدُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الرَّاكِدُ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ النَّاقِعُ وَلَا تَعَارُضَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَى الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ، وَالشُّرْبِ فَقَدْ صَحَّ الْكُلُّ وَمَحْمَلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ فَأَدَّى بَعْضُهُمْ وَاحِدًا وَأَدَّى بَعْضُهُمْ اثْنَيْنِ عَلَى مَا حَفِظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرُّوَاةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْكَرِيمِ: هَذَا الِاخْتِلَافُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ، وَالْوُضُوءَ مِمَّا يُمْكِنُ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمَعْنَى، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدِيثًا وَاحِدًا لَكَانَ مُخْتَلِفَ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ انْتَهَى، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ. 1 - (الثَّالِثَةُ) الدَّائِمُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ دَامَ بِالْمَكَانِ أَيْ أَقَامَ بِهِ، وَهُوَ الرَّاكِدُ، وَالنَّاقِعُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ (الَّذِي لَا يَجْرِي) هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيضَاحِ، وَالْبَيَانِ أَمْ لَهُ مَعْنًى آخَرُ؟ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ لَا يَجْرِي بَعْضُهُ كَالْبِرَكِ وَنَحْوِهَا هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَعَلَّهُ عَنْ رَاكِدٍ يَجْرِي بَعْضُهُ أَيْ فَلَيْسَ بِمَحَلِّ النَّهْيِ، فَأَمَّا الرَّاكِدُ الَّذِي لَا يَجْرِي بَعْضُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الرَّاكِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الرَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ ضَمُّ اللَّامِ أَيْ، ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْأَمَةِ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْعَيْنَ» . قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِالْجَزْمِ وَلَا تَخَيَّلَهُ فِيهِ أَيْ قَوْلِهِ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا. وَأَمَّا يَغْتَسِلُ فَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا جَزْمُهُ عَطْفًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى مَوْضِعِ يَبُولَنَّ وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ " أَنْ " وَإِعْطَاءِ " ثُمَّ " حُكْمَ وَاوِ الْجَمْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: فَأَمَّا الْجَزْمُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا دُونَ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا. قَالَ: وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ بَلْ الْبَوْلُ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ: إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الَّذِي عَلَّلَ بِهِ امْتِنَاعَ النَّصْبِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِمُفْرَدِهِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنْ الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يَجُوزُ النَّصْبُ إذْ لَا يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ ثُمَّ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ الْجَزْمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: ثُمَّ لَا يَغْتَسِلْنَ؛ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ يَكُونُ عَطْفَ فِعْلٍ عَلَى فِعْلٍ لَا عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَصْلُ مُسَاوَاةَ الْفِعْلَيْنِ فِي النَّهْيِ عَنْهُمَا وَتَأْكِيدُهُمَا بِالنُّونِ الشَّدِيدَةِ، فَإِنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَاءُ فَعُدُولُهُ عَنْ، ثُمَّ لَا يَغْتَسِلْنَ إلَى، ثُمَّ يَغْتَسِلُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِلْعَطْفِ، وَإِنَّمَا جَاءَ ثُمَّ يَغْتَسِلُ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَآلِ الْحَالِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَال فِيهِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ لِمَا أَوْقَعَ فِيهِ مِنْ الْبَوْلِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ نَحْوَ ذَلِكَ فِي تَضْعِيفِ الْجَزْمِ أَيْضًا (قُلْت) لَا يَلْزَمُ فِي عَطْفِ النَّهْيِ عَلَى النَّهْيِ وُرُودُ التَّأْكِيدِ فِيهِمَا مَعًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَأَتَى بِأَدَاةِ النَّهْيِ وَلَمْ يُؤَكِّدْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ بِالْمِيمِ، وَالنُّونِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ بِالْفَاءِ، وَالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ يُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمًا بِطَرِيقِ النَّصِّ وَآخَرُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ لَاسْتَوَيَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ. (السَّادِسَةُ) إذَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ: ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ نَهْيًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ شَيْئَيْنِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْجَمْعِ، وَقَدْ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْجَمِيعِ فَالْأَوَّلُ لَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَحْدَهُ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» . وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّهْيِ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ بِمُفْرَدِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا» . [فَائِدَةٌ الِاخْتِلَاف فِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ] (السَّابِعَةُ) احْتَجَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَنْجِيسِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، فَإِنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ عُمُومٍ وَأَجَابَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الدَّائِمَ الْكَثِيرَ الْمُسْتَبْحِرَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ اتِّفَاقًا مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَإِذَا بَطَلَ عُمُومُهُ وَتَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ خَصَّصْنَاهُ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَيُحْمَلُ عُمُومُهُ عَلَى مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَنْجِيسِ الْقُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَذَلِكَ أَخَصُّ مِنْ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْعَامِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ. [فَائِدَةٌ الْمَاءَ الْجَارِيَ إذَا كَانَ قَلِيلًا وَلَمْ تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ إلَّا إذَا غَيَّرَتْهُ، فَإِنَّهُ يَنْجُسُ إجْمَاعًا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ إخْرَاجُهُ عَنْ الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ وَلَا عَنْ الِاغْتِسَالِ مِنْهُ، وَهُوَ مَفْهُومُ صِفَةٍ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْأُصُولِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ اخْتِيَارَ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ وَخَصَّصَ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَفْهُومَ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ تَأْثِيرُ النَّجَاسَةِ فِيمَا دُونَهَا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ بَوْلَ الْآدَمِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْعَذِرَةِ هَلْ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الرَّاكِدَ] 1 (التَّاسِعَةُ) احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ بَوْلَ الْآدَمِيِّ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْعَذِرَةِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الرَّاكِدَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، وَإِنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ يَعْتَبِرُ فِيهِ الْقُلَّتَيْنِ فَلَمْ نُعِدْ حُكْمَ الْبَوْلِ، وَالْعَذِرَةِ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ عَنْ أَحْمَدَ تَقْيِيدُ الْعَذِرَةِ بِالْمَائِعَةِ، وَكَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عِنْدَهُ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ دُونَ الْجَامِدَةِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَكَأَنَّهُ رَأَى الْخُبْثَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَنْجَاسِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَقَدَّمَ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّجَاسَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَأَخْرَجَ بَوْلَ الْآدَمِيِّ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّجَاسَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُلَّتَيْنِ بِخُصُوصِهِ فَتُنَجِّسُ الْمَاءَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ قَالَ: وَلِمُخَالِفِهِمْ أَنْ يَقُولَ قَدْ عَلِمْنَا جَزْمًا أَنَّ هَذَا النَّهْيَ جَزْمًا إنَّمَا هُوَ لِمَعْنَى النَّجَاسَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَدَمِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا خَالَطَهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى يَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَنْجَاسِ فَلَا يُتَّجَهُ تَخْصِيصُ بَوْلِ الْآدَمِيِّ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى إلَى أَنْ قَالَ: فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْبَوْلِ وَرَدَ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا يُشَارِكُهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّاهِرِ هَهُنَا مَعَ وُضُوحِ الْمَعْنَى وَشُمُولِهِ لِسَائِرِ الْأَنْجَاسِ ظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ. [فَائِدَةٌ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ] (الْعَاشِرَةُ) حَمَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - النَّهْيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ: «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» الْحَدِيثَ. وَلَكِنْ رُبَّمَا تَغَيَّرَ الرَّاكِدُ بِالْبَوْلِ فِيهِ فَيَكُونُ الِاغْتِسَالُ بِهِ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا يَلْتَفِتُ عَلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ قَالَ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا: إنَّ حَالَةَ التَّغَيُّرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ قَالَ، وَهَذَا مُتَّجَهٌ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنْ جَعَلْنَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَنْعِهِ انْتَهَى وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ طَهُورٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى تَغَيُّرِهِ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. [فَائِدَةٌ نَجَاسَة الْمَاء الْمُسْتَعْمَل] 1 (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ رِوَايَةٌ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَرَنَ فِيهِ بَيْنَ الْبَوْلِ فِيهِ، وَالِاغْتِسَالِ مِنْهُ، وَالْبَوْلُ يُنَجِّسُهُ فَكَذَلِكَ الِاغْتِسَالُ، وَرَدَّهُ الْجُمْهُورُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ ضَعِيفَةٌ قَالَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ وَالْمُزَنِيِّ وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا قَوْله تَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اقْتِرَانِ الْأَكْلِ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وُجُوبُ الْأَكْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا وَلَوْ سَلَّمْنَا دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهِ بَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَتَطَهَّرُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا كَوْنُ الِامْتِنَاعِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ لَازِمٍ بَلْ الْأَوَّلُ لِتَنَجُّسِهِ بِهِ، وَالثَّانِي لِاسْتِعْمَالِهِ وَهَكَذَا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْخَطَّابِيُّ إنَّ نَهْيَهُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْلُبُهُ حُكْمَهُ كَالْبَوْلِ فِيهِ يَسْلُبُهُ حُكْمَهُ إلَّا أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ لَا يُنَجِّسُهُ، وَالْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ لِنَجَاسَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمَاء الْمُسْتَعْمَل مَسْلُوبُ الطَّهُورِيَّةِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ مَسْلُوبُ الطَّهُورِيَّةِ فَلَا يَتَطَهَّرُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَوْلَا أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يَغْتَسِلُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى لَمَا نَهَى عَنْهُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يُجْعَلُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَجْزُومٌ عَلَى النَّهْيِ، فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ نَهْيًا، فَإِنَّمَا النَّهْيُ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْبَوْلِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ بَوْلٍ قُلْنَا أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَنَعَمْ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةُ «لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ جُنُبٌ» وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ] (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ اتِّفَاقًا، فَإِنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَبْحِرَ الْكَثِيرَ كَالْبَحْرِ الْمِلْحِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْقُلَّتَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ فِيهِ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الرَّاكِدِ وَكَثِيرُهُ أَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَكَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ قَالَ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ لَا التَّحْرِيمِ. (الرَّابِعَةَ عَشَرَ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَوْلَ أَوْ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِسَبَبِ قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ: النَّهْيُ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ مَرْدُودٌ إلَى الْأُصُولِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَالنَّهْيُ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا النَّهْيُ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ لِلتَّحْرِيمِ وَفِي بَعْضِهَا لِلْكَرَاهَةِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَارِيًا لَمْ يَحْرُمْ الْبَوْلُ فِيهِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ. وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَارِيًا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُهُ وَتَنَجُّسُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا رَاكِدًا فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُحَرَّمُ، وَلَوْ قِيلَ يُحَرَّمُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ. وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدِّرُهُ وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَغَيُّرِهِ أَوْ إلَى تَنْجِيسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْغَدِيرَ الَّذِي يَتَحَرَّكُ طَرَفُهُ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهِ. وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ فَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَائِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَإِذَا اغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِيهِ الْجُنُبُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، ثُمَّ لَمَّا صَارَ تَحْتَ الْمَاءِ نَوَى ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ نَزَلَ فِيهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ مَثَلًا، ثُمَّ نَوَى قَبْلَ انْغِمَاسِ بَاقِيهِ صَارَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُنْغَمِسِ بِلَا خِلَافٍ وَارْتَفَعَتْ أَيْضًا عَنْ الْبَاقِي إذَا تَمَّمَ انْغِمَاسَهُ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ فَلَوْ انْفَصَلَ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَقَوْلُهُ فِي الْجَارِي الْقَلِيلِ: إنَّ الْبَوْلَ يُنَجِّسُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فَمَا نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بَلْ الْقَلِيلُ الرَّاكِدُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا. [فَائِدَةٌ الْبَوْلُ وَالِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) فَرَّقَ قَوْمٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْبَوْلِ، وَالِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ بَيْنَ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ وَجَعَلُوا الْكَرَاهَةَ فِي اللَّيْلِ أَشَدَّ، وَذَلِكَ لِمَا قِيلَ أَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ لِلْجِنِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَالَ فِيهِ وَلَا يُغْتَسَلَ خَوْفًا مِنْ آفَةٍ تُصِيبُهُ مِنْ جِهَتِهِمْ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ بِكَرَاهَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْجَارِي فِي اللَّيْلِ لِمَا قِيلَ: إنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ لِلْجِنِّ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ إطْلَاقِ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا] 1 (السَّادِسَةَ عَشَرَ) مَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْجَارِي لَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ سَوَاءٌ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ وَجَزَمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِالْكَرَاهَةِ فَقَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَذَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبُوَيْطِيِّ: أَكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ مَعِينَةً كَانَتْ أَوْ دَائِمَةً وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي انْتَهَى. وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَخَذَ كَرَاهَةَ الِاغْتِسَالِ فِي الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ فِي نَصِّهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْ الْجَارِيَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبِئْرَ الْمُعِينَةَ، وَالدَّائِمَةَ فَالْمُعِينَةُ هِيَ الَّتِي تَمُدُّهَا عَيْنٌ فِيهَا، وَالدَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَمُدُّهَا عَيْنٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَعَرُّضٌ لِلْجَارِيَةِ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَارِيَ لَا بَأْسَ بِالِاغْتِسَالِ فِيهِ خُصُوصًا إنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِيرَةً فَلَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الِاسْتِنْجَاءُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ] (السَّابِعَةَ عَشَرَ) هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الِاسْتِنْجَاءُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيرِهِ أَوْ لَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ فِي حُكْمِ الْبَوْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنْ كَانَ قَلِيلًا فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ قَالَ: وَلَوْ اجْتَنَبَ الْإِنْسَانُ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْبَوْلِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ فَفِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ نَظَرٌ خُصُوصًا لِمَنْ لَمْ يُخَفِّفْهُ بِالْحَجَرِ وَمَعَ الِانْتِشَارِ، وَالْكَثْرَةِ فَرُبَّمَا كَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْبَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمَاءُ الْمُسْتَبْحِرُ الْكَثِيرُ جِدًّا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَبْحِرَ الْكَثِيرَ جِدًّا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، وَالِاتِّفَاقُ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَ صُورَةَ التَّغَيُّرِ بِالنَّجَاسَةِ أَعْنِي عَنْ الْحُكْمِ بِالْكَرَاهَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ ثُمَّ التَّحْرِيمَ. فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْكُلِّ. (التَّاسِعَةَ عَشَرَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا رَجُلٌ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ يُقَالُ لَهُ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ: مَنْ بَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا قَالَ: فَإِنْ بَالَ فِي إنَاءٍ وَصَبَّهُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ كَانَ لَهُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ فَقَطْ بِزَعْمِهِ، وَصَبُّهُ لِلْبَوْلِ مِنْ الْإِنَاءِ لَيْسَ بِبَوْلٍ فِيهِ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ. فَلَوْ بَالَ خَارِجًا عَنْ الْمَاءِ الدَّائِمِ فَسَالَ فِيهِ جَازَ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: «إنَّ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qيَتَوَضَّأَ بِهِ قَالَ: وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْبَائِلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِيمَا بَالَ فِيهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَهَى الْبَائِلَ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ وَقَالَ مَا هُوَ أَشْنَعَ مِنْ هَذَا إنَّهُ إذَا تَغَوَّطَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ كَانَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ فَقَطْ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الْغَائِطِ قَالَ: وَهَذَا غَايَةٌ فِي السُّقُوطِ وَإِبْطَالِ الْمَعْقُولِ إلَى أَنْ قَالَ وَيُقَالُ لَهُ خَبِّرْنَا عَنْ الْبَائِلِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ الْغَدِيرِ الْوَاسِعِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ لَا قَالَ مَا نَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلَافِهِ، وَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ قَدْ تَرَكْت ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَفِي ضَرُورَتِك إلَى تَرْكِ ظَاهِرِهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْك أَنْ تَقُولَ: إنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ وَتَأْدِيبِهِمْ بِأَنْ يَتَنَزَّهُوا عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجْرِي فَيَحْتَاجُونَ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ دَاوُد قَالَهُ أَيْضًا ابْنُ حَزْمٍ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقِلَّ الْمَاءُ أَوْ يَكْثُرَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَمَنْ الْتَزَمَ هَذِهِ الْفَضَائِحَ وَجَمَدَ هَذَا الْجُمُودَ فَحَقِيقٌ أَنْ لَا يُعَدَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ وَلَا فِي الْوُجُودِ قَالَ: وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ حَيْثُ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ لَيْسُوا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا مِنْ الْفُقَهَاءِ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ وَعَلَى هَذَا جُلُّ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ وَمَنْ اعْتَدَّ بِخِلَافِهِمْ إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ خِلَافَ الْعَوَامّ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ وُجُودِ خِلَافِهِمْ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا خِلَافُ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ، وَالِاجْتِهَادِ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي الْأُصُولِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ هَذَا مِنْ أَقْبَحِ مَا نُقِلَ عَنْ دَاوُد فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إنَّهُ يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ قَطْعًا، وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ حَاصِلٌ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ لِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِي الْحُصُولِ فِي الْمَاءِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ اجْتِنَابُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْمَاءِ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَحَالِّ الظُّنُونِ بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ. [حَدِيثُ إنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ جَمِيعًا] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: «إنَّ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فِيهِ فَوَائِدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (الْأُولَى) أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ مُفْتَرِقِينَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ. (الثَّانِيَةُ) إضَافَةُ الصَّحَابِيِّ الْفِعْلَ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُهُ خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَطَائِفَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِيَ خِلَافُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ كَعَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَهَذَا مُصَرَّحٌ بِاطِّلَاعِهِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) حَمَلُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُ جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ وُضُوءَ أَحَدِهِمَا بِفَضْلِ الْآخَرِ حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَهَذَا يَرُدُّهُ رِوَايَةُ هِشَامِ ابْنِ عَمَّارٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهَا «مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ «كُنَّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ، وَالنِّسَاءُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا» . (الرَّابِعَةُ) حَمَلَ سَحْنُونٌ أَيْضًا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ الرِّجَالُ وَيَذْهَبُونَ، ثُمَّ تَأْتِي النِّسَاءُ فَيَتَوَضَّئُونَ حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِهِ جَمِيعًا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَالَةِ الِاغْتِسَالِ، وَكَذَا رِوَايَةُ نُدْلِي أَيْدِيَنَا فِيهِ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» . وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ هُوَ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ» . وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَا خَصَّصَهُ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ تَأْخِيرِ غَسْلِ النِّسَاءِ عَنْ الرِّجَالِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَفْنَةٍ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت جُنُبًا قَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يَجْنُبُ» . لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَسَنٌ صَحِيحٌ. (الْخَامِسَةُ) أَطْلَقَ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ وُضُوءَ النِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ جَمِيعًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الرِّجَالَ مِنْ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الزَّوْجَاتِ أَوْ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرَى مِنْهَا مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابَ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ. (السَّادِسَةُ) فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ صَبِيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ قَالَتْ: «اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوُضُوءِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» . وَلَيْسَتْ أُمُّ صَبِيَّةَ هَذِهِ زَوْجَةً وَلَا مَحْرَمًا نَعَمْ قِيلَ: إنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ قِيسٍ، وَإِنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةَ حَمْزَةَ وَقِيلَ: إنَّ زَوْجَةَ حَمْزَةَ غَيْرُهَا، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَزَوْجَةُ الْعَمِّ لَيْسَتْ مَحْرَمًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ عَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْخَصَائِصِ فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِيلُ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَمَنْ تَبِعَهُ: إنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ رَدَّهُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ فِي جُزْءٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَصَائِصِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُنَا. (السَّابِعَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ كَعَكْسِهِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِوُضُوئِهِمَا وَاغْتِسَالِهِمَا جَمِيعًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: فَأَمَّا تَطْهِيرُهُمَا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ طُهْرُ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا. وَأَمَّا طُهْرُ الرَّجُلِ بِفَضْلِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَمْ لَمْ تَخْلُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَدَاوُد إلَى أَنَّهَا إذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ وَاسْتَعْمَلَتْهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ كَرَاهِيَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جَوَازِ تَطْهِيرِهِمَا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ حِكَايَةُ صَاحِبِ الْمُفْهِمِ أَيْضًا الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ. فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْتَرِفَ الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَوَضَّأُ حِينَئِذٍ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ نَقْلُ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ تَطَهُّرِهَا بِفَضْلِ الرَّجُلِ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى الطَّحْطَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَتَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِفَضْلِ الْآخَرِ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمَا كَرِهَا فَضْلَ طَهُورِهَا وَلَمْ يَرَيَا بِفَضْلِ سُؤْرِهَا بَأْسًا. (الثَّامِنَةُ) احْتَجَّ أَحْمَدُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بِحَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ بِسُؤْرِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فِي تَحْسِينِهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثُ الْحَكَمِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ النَّهْيُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ فَضْلِ الْآخَرِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الرَّجُلِ وَلَكِنْ يَشْرَعَانِ جَمِيعًا» . قَالَ الْبُخَارِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَهَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: لَقِيت رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَ سِنِينَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ» . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ «لِيَغْتَرِفَا جَمِيعًا» وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَالَ مِنْ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ التَّطَهُّرِ بِهِ دُونَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ قَالَ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْإِيجَابِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِسْنَادُ حَدِيثِ الْإِبَاحَةِ أَجْوَدُ مِنْ إسْنَادِ خَبَرِ النَّهْيِ. (التَّاسِعَةُ) حَكَى الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا، فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَفِيهِ «فَقَالَتْ إنِّي كُنْت جُنُبًا فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يَجْنُبُ» . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَرُدُّهُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبَانِ» . وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي وُضُوئِهِ بِفَضْلِهَا، فَإِنَّ تَقَدُّمَ اغْتِرَافِ عَائِشَةَ مُوجِبٌ لِاسْتِعْمَالِهِ لِفَضْلِهَا، وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يَغْتَرِفُ قَبْلَهَا وَتَغْتَرِفُ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ طَهَارَةُ الذِّمِّيَّةِ وَحُكْمُ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ طَهُورِهَا وَسُؤْرِهَا] 1 (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِطَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ وَجَوَازِ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ طَهُورِهَا وَسُؤْرِهَا لِجَوَازِ تَزَوُّجِهِنَّ وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ أَشَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 (بَابُ الْوُضُوءِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ   Qالْبُخَارِيُّ إلَى اسْتِدْلَالِهِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: بَابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ وَمِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ طَهَارَةِ سُؤْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ يَعْنِي سُؤْرَ النَّصْرَانِيَّةِ غَيْرُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةٍ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي أَثَرِ عُمَرَ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْكُفَّارِ وَثِيَابِهِمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ، وَالْمُتَدَيِّنُ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَإِذَا تَطَهَّرَ مِنْ إنَاءِ كَافِرٍ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ وَلَا نَجَاسَتَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَتَدَيَّنُونَ بِهَا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ. 1 - (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ فَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَإِذَا جَازَ وُضُوءُ الْجَمَاعَةِ مَعًا رِجَالًا وَنِسَاءً فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ وَلَا تَوْقِيتَ فِيمَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ الْمُتَوَضِّئُ، وَالْمُغْتَسِلُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا الْإِتْيَانَ مِنْهُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ غُسْلٍ وَمَسْحٍ انْتَهَى، وَفِي وَجْهِ الدَّلَالَةِ مِنْهُ نَظَرٌ. [بَابُ الْوُضُوءِ] [حَدِيثُ إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ] (بَابُ الْوُضُوءِ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 أَحَدُكُمْ فَلَا يَضَعْ يَدَهُ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا إنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «ثَلَاثًا» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ «مَرَّتَيْنِ   Qأَحَدُكُمْ فَلَا يَضَعْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا إنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ وَأَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ وَثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَأَبِي مَرْيَمَ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. (الثَّانِيَةُ) فِي اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ» ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَاجَهْ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ» وَلِمُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ فِي الْإِنَاءِ مَوْضِعُ قَوْلِهِ فِي وَضُوئِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي إنَائِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ، وَكَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ قَالَ مُسْلِمٌ: وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ثَلَاثًا إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَأَبِي رَزِينٍ. قُلْت: وَكَذَا قَالَ أَبُو مَرْيَمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ لَهُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَابْنُ مَاجَهْ فِيمَا بَاتَتْ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «أَيْنَ بَاتَتْ أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ» وَقَالَ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبُسْرِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَلَا عَلَى مَا وَضَعَهَا» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ أَوْ أَيْنَ طَافَتْ يَدُهُ» وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ. (الثَّالِثَةُ) احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ مِنْ نَوْمِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ وَدَاوُد فَخَصَّصَا هَذَا الْحُكْمَ بِنَوْمِ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَلِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ إذَا قَامَ أَوْ اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ بِاللَّيْلِ وَهَكَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْعَلُ نَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّهَارِ مِثْلَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ، فَالْمَبِيتُ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَمَّا الْمَبِيتُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ صَحِيحًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخَلِيلَ قَالَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ الْبَيْتُوتَةُ دُخُولُك فِي اللَّيْلِ وَكَوْنُك فِيهِ بِنَوْمٍ وَغَيْرِ نَوْمٍ قَالَ: وَمَنْ قَالَ بِتُّ بِمَعْنَى نِمْت وَفَسَّرَهُ عَلَى النَّوْمِ فَقَدْ أَخْطَأَ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ: بِتُّ أُرَاعِي النَّجْمَ قَالَ فَلَوْ كَانَ نَوْمًا كَيْفَ كَانَ يَنَامُ وَيَنْظُرُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَهُمَا انْتَهَى. وَقَدْ خَالَفَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَهُ إِسْحَاق بْنُ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ اسْتَيْقَظَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إلَّا أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْوُضُوءَ قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ أَنَّهُ مِثْلُ نَوْمِ النَّهَارِ. وَمَا قَالَهُ إِسْحَاقُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد «وَأَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ» وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ «وَأَيْنَ طَافَتْ يَدُهُ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِيغَةٍ أَوْ فِي الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَكًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا يُرِيدُ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فِي الْمَبِيتِ أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ فِي نَوْمِهِ مَسَاءً كَانَ أَوْ نَهَارًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) مَفْهُومُ الشَّرْطِ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ بِذَلِكَ غَيْرُ الْمُسْتَيْقِظِ مِمَّنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ كَالشَّاكِّ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّعْبِيُّ فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ النَّائِمُ، وَالْمُسْتَيْقِظُ سَوَاءٌ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا وَرَوَى ابْنُ نَصْرٍ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَطَاوُسٍ إطْلَاقَ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا لِلْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِاسْتِيقَاظٍ مِنْ نَوْمٍ وَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ أَرَادَ الِاغْتِرَافَ لِلِاسْتِعْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُضُوءِ فِي الْأَوَانِي الصِّغَارِ، وَقَدْ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ: لَعَلَّ النَّهْيَ عَنْ إدْخَالِ يَدِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ فِي الْإِنَاءِ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ سُؤَالٍ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ وَذَكَرَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْعُمُومِ لَا يُخَصَّصُ، وَقَدْ يُجِيبُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ خُرُوجُ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَابِ سُؤَالٌ فَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالِاحْتِمَالِ فَيُفَرَّقُ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ هَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ هَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَكَذَا النَّهْيُ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فَلَا يَضَعْ يَدَهُ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ، وَالتَّنْزِيهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالتَّحْرِيمِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ. وَقَالُوا يُهْرَاقُ الْمَاءُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ دَاوُد وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ وُجُوبَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمَا رَأَيَا أَنَّ الْمَاءَ يَنْجُسُ بِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْيَدُ مَغْسُولَةً وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُوجِبُ غَسْلَهُمَا عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ عَنْهُ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: إنَّهُ إنْ فَعَلَهُ كَانَ عَاصِيًا وَلَا يَفْسُدُ الْمَاءُ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: الْمُسْتَيْقِظُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَجُنُبٌ فَالطَّاهِرُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ. وَحَكَى ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ غَافِقٍ التُّونُسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُفْسِدُهُ، وَأَمَّا الْمُوقِنُ بِالنَّجَاسَةِ فَيَجْرِي عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي النَّجَاسَةِ تَحِلُّ فِي قَلِيلِ الْمَاءِ، وَأَمَّا الْجُنُبُ، وَالْمُحْتَلِمُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا أَصَابَ يَدَهُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ نَحْوُهُ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِالْأَمْرِ مَا دَلَّ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِالشَّكِّ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ مَسَّتْ يَدُهُ نَجَاسَةً لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ يَدِهِ. [فَائِدَةٌ هَلْ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالْأَوَانِي دُونَ الْبِرَكِ وَالْحِيَاضِ] 1 (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ فِي وَضُوئِهِ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْرُوفِ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِضَمِّهَا فَهُوَ الْفِعْلُ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَقَدْ أَثْبَتَ سِيبَوَيْهِ الْوَضُوءَ، وَالطَّهُورَ، وَالْوَقُودَ بِالْفَتْحِ فِي الْمَصَادِرِ فَهِيَ تَقَعُ عَلَى الِاسْمِ، وَالْمَصْدَرِ قَالَ: وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ الْحُسْنُ، وَالْبَهْجَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ «لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ» الْحَدِيثَ. (السَّابِعَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَدَلُ قَوْلِهِ فِي وَضُوئِهِ فِي إنَائِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْإِنَاءِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالْأَوَانِي دُونَ الْبِرَكِ، وَالْحِيَاضٍ الَّتِي لَا يُخَافُ فَسَادُ مَائِهَا بِغَمْسِ الْيَدِ فِيهَا عَلَى تَقْدِيرِ نَجَاسَتِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ قَيْسٌ الْأَشْجَعِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحِينَ حَدَّثَ بِهَذَا: فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِهْرَاسَكُمْ هَذَا فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَكَرِهَ أَبُو هُرَيْرَةَ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ لِلْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ حَوْضًا فَحَصَبَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ أُخْبِرُك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ أَرَأَيْت إنْ كَانَ حَوْضًا فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ بِحَدِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ لِلْأَثَرِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ تَحْرِيكُهُ وَلَمْ يَجِدْ إنَاءً يَغْتَرِفُ بِهِ أَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ بِفَمِهِ أَوْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ النَّظِيفِ وَغَسَلَ بِهِ يَدَهُ أَوْ يَسْتَعِينُ بِمَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي [فَائِدَةٌ النُّهَى عَنْ غَمْسُ الْيَدِ فِي الْإِنَاء هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى] (الثَّامِنَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمْرِ بِذَلِكَ هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ تَعَبُّدٌ حَتَّى إنَّ مَنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةَ يَدِهِ فِي نَوْمِهِ بِأَنْ لَفَّ عَلَيْهَا ثَوْبًا أَوْ خِرْقَةً طَاهِرَةً وَاسْتَيْقَظَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَانَ مَأْمُورًا بِغَسْلِهَا لِعُمُومِ أَمْرِ الْمُسْتَيْقِظِ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ يَدِهِ، وَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ غَمْسُ الْيَدِ لِلْمُسْتَيْقِظِ مَعَ تَيَقُّنِ طَهَارَةِ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَعَلَّلَ الْأَمْرَ بِاحْتِمَالِ طُرُوُّ نَجَاسَةٍ عَلَى يَدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَأَنَّ الشَّارِعَ أَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ، فَإِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَرِقَ فَلَا يَأْمَنُ النَّائِمُ أَنْ تَطُوفَ يَدُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ النَّجِسِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ أَوْ قَذِرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ: اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ غَسْلِ الْيَدِ لِلْمُسْتَيْقِظِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَمَّا لَعَلَّهُ قَدْ مَسَّ مِنْ نَجَاسَةٍ خَرَجَتْ مِنْهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ مِمَّا يَقْذُرُ وَقِيلَ: لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا يَسْتَجْمِرُونَ، وَقَدْ يَمَسُّ بِيَدِهِ أَثَرَ النَّجْوِ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ لَا تَخْرُجُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بِعِلْمٍ مِنْهُ، وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَمَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ لَا تَنَالُهُ يَدُ النَّائِمِ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ غَسْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْيَدَيْنِ لِتَجْوِيزِ ذَلِكَ لَأُمِرَ بِغَسْلِ الثِّيَابِ لِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَالَ: وَالْأَظْهَرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّائِمَ لَا يَكَادُ تَسْلَمُ يَدُهُ مِنْ حَكِّ مَغَابِنِهِ أَوْ بَثْرِهِ فِي بَدَنِهِ وَمَوْضِعِ عَرَقِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَاسْتُحِبَّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ مُطْلَقًا انْتَهَى. حَاصِلُ كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ: إنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِجْمَارِ لَا تَنَالُهُ يَدُ النَّائِمِ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَاعْتِرَاضُهُ بِالثِّيَابِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْعَرَقُ فِي يَدِهِ دُونَ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ فَتَتَأَثَّرُ الْيَدُ دُونَ الثَّوْبِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُرِيدُ غَمْسَ ثَوْبِهِ فِي الْمَاءِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ. وَأَمَّا الْيَدُ فَأُمِرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مُسْتَجْمِرٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ تَنَجَّسَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عُفِيَ عَنْ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَلِّ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَمَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ حَكُّ بَثْرِهِ أَوْ مَا يَقْذُرُ فَهُوَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَذْكُورٌ. [فَائِدَةٌ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ التَّثْلِيثَ الْمَأْمُورَ هَلْ هُوَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ أَوْ هُوَ التَّثْلِيثُ الْمَشْرُوعُ فِي الْوُضُوءِ؟ مَحَلُّ النَّظَرِ. (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مُطْلَقًا غَيْرِ الْمُغَلَّظَةِ الَّتِي أَمَرَ بِالسَّبْعِ فِيهَا، فَإِنَّ فِي اسْتِحْبَابِ التَّثْلِيثِ فِيهَا خِلَافًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَإِذَا أَمَرَ بِالتَّثْلِيثِ فِي مَوْضِعِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فَالْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى. [فَائِدَةٌ هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِغَسْلِ الْيَدِ مَرَّةً قَبْلَ غَمْسِهَا فِي الْإِنَاء] 1 (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِغَسْلِ الْيَدِ مَرَّةً قَبْلَ غَمْسِهَا أَوْ يَتَوَقَّفُ زَوَالُهَا عَلَى غَسْلِهَا ثَلَاثًا عَلَى مَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ: فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا أَصْلًا حِينَ أَدْخَلَهُمَا فِي وَضُوئِهِ فَقَدْ أَسَاءَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ تَوَقُّفِ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الثَّلَاثِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ تَصْحِيحُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ غَمْسُ الْيَدِ إذَا تَحَقَّقَ طَهَارَتَهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مُطَهِّرَةٌ لِلْيَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ لَمْ يَزُلْ حُكْمُهَا فَكَيْفَ يُقَالُ بِبَقَاءِ الْكَرَاهَةِ مَعَ تَحَقُّقِ الطَّهَارَةِ لَا جَرَمَ كَانَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ تَيَقُّنَ طَهَارَةِ الْيَدِ لِلْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ لَا يَرْفَعُ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ بِإِجْمَاعِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَمْرَ نَدْبٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَمْرُ إيجَابٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَلْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغَسْلُ عِنْدَ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ نَحْوَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ غَمْسُ يَدِهِ مَعَ تَحَقُّقِ طَهَارَتِهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [فَائِدَةٌ صِفَةِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْوَضُوءِ] (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) فِي قَوْلِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا غَسَلَ وَاحِدَةً مِنْ يَدَيْهِ أَدْخَلَهَا الْإِنَاءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ حَكَى أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ خِلَافًا فِي صِفَةِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْوَضُوءِ فَحُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَيَغْسِلَهَا، ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِي إنَائِهِ، ثُمَّ يَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ قَالَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِغَ عَلَى يَدَيْهِ فَيَغْسِلَهُمَا قَالَ: وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا يَقْتَضِي إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ، وَغَسْلُ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ أَنْظَفُ لَهُمَا. [فَائِدَةٌ غَمْسِ الْمُتَوَضِّئِ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا] 1 (الرَّابِعَةَ عَشَرَ) لَيْسَتْ كَرَاهَةُ غَمْسِ الْمُتَوَضِّئِ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا خَاصَّةً بِحَالِ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ يَدِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَامَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. 1 - (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا وَرَدَتْ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَّسَتْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ. [فَائِدَةٌ الْفَرْقِ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ] (السَّادِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ إيرَادِ يَدِهِ عَلَى الْمَاءِ وَأَمَرَهُ بِإِيرَادِ الْمَاءِ عَلَى يَدِهِ كُلُّ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ طُرُوءِ نَجَاسَةٍ عَلَى يَدِهِ فَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لَوْ لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَاءِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ لَسَاغَ فِي الْمَاءِ غَيْرُ هَذَا التَّأْوِيلِ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَاءِ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ يُرِيدُ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَالْأَدَبِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ نَقَضُوا أَقْوَالَهُمْ فِي وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا وَرَدَ الْمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي إنَاءٍ أَوْ مَوْضِعٍ وَكَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَنَّ النَّجَاسَةَ تُفْسِدُهُ، وَأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qغَيْرُ مُطَهِّرٍ لَهَا فَلَمْ يُفَرِّقُوا هَهُنَا بَيْنَ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ وُرُودِهَا عَلَيْهِ وَشَرْطُهُمْ أَنْ يَكُونَ وُرُودُ الْمَاءِ صَبًّا مِهْرَاقًا تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت: وَمَا حَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَبًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ يَغْمُرُ الْمَاءُ النَّجَاسَةَ وَيُزِيلُهَا نَعَمْ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً وَوُضِعَتْ فِي إنَاءٍ وَصُبَّ الْمَاءُ عَلَيْهَا وَاجْتَمَعَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَعَيْنُ النَّجَاسَةِ فِي إنَاءٍ تَنَجَّسَ الْمَاءُ وَلَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَسْكُبْ فِي إنَاءٍ وَصَبَّ الْمَاءَ صَبًّا عَلَى نَجَاسَةٍ عَيْنِيَّةٍ وَانْفَصَلَ عَنْهَا وَلَمْ يُزِلْ الْعَيْنَ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ، وَالثَّوْبَ لَا يَطْهُرُ فَلَيْسَ حُكْمُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ بِكَوْنِ الْمَاءِ وَارِدًا فِي إنَاءٍ بَلْ لِكَوْنِ الْمَاءِ لَمْ يُزِلْ عَيْنَ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ غَسْلُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ سَبْعًا] 1 (السَّابِعَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ سَبْعًا حَمْلًا لِلْجَمْعِ عَلَى وُلُوغِ الْكَلْبِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فَلَمْ يُوجِبُوا فِي غَيْرِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَّا الْغَسْلَ مَرَّةً، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنْ الثَّوْبِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ حَتَّى جُعِلَتْ الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ مَرَّةً وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنْ الثَّوْبِ مَرَّةً» وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. 1 - (الثَّامِنَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ مَخْصُوصٌ بِالرُّخْصَةِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَا عَدَاهُ غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهِ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ» أَيْ مِنْ مَظَانِّ النَّجَاسَةِ مِنْ جَسَدِهِ. [فَائِدَةٌ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَهَّمَةَ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالرَّشِّ] (التَّاسِعَةَ عَشَرَ) وَفِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَهَّمَةَ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالرَّشِّ لِحُصُولِ الِاحْتِيَاطِ بَلْ إنَّمَا يَحْصُلُ الِاحْتِيَاطُ بِغَسْلِهَا لِأَمْرِهِ بِغَسْلِ الْيَدِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ نَضْحِ الثَّوْبِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِلتَّطْهِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ حَتَّى إذَا وَجَدَ بَلَلًا أَحَالَهُ عَلَى الرَّشِّ لِتَذْهَبَ عَنْهُ الْوَسْوَسَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْعَمَلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ] 1 (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْوَثِيقَةِ، وَالْعَمَلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَا لَمْ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الِاحْتِيَاطِ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ قَالَ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاحْتِيَاطِ، وَالْوَسْوَسَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ أَوْضَحْته فِي بَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْآنِيَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ [فَائِدَةٌ نقض الْوُضُوء بالنوم] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ بِهِ النَّسَائِيّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بِهِ فِي سُنَنِهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ إيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ قَالَ: وَهُوَ أَمْرٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي النَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ الَّذِي قَدْ اسْتَثْقَلَ نَوْمًا وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالسُّدِّيُّ: فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ مِنْ النَّوْمِ، ثُمَّ حَكَى بَعْدَ ذَلِكَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ أَيْضًا، وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ مَذَاهِبَ: (أَحَدُهَا) لَا يُنْقَضُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدَ الْأَعْرَجِ، وَالشِّيعَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ يَرُدُّ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ قَوْلٌ شَاذٌّ، وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ جَهْلًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْتَجَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ» الْحَدِيثَ قَالَ وَلَيْسَا بِالْقَوِيَّيْنِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُنْقَضُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ وَحَكَاهُ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ (قُلْت) : وَهُوَ قَوْلٌ لِلْأَوْزَاعِيِّ أَيْضًا وَكَوْنُهُ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ قَدْ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ عَنْ كَوْنِ نَوْمِ الْجَالِسِ لَا يُنْقَضُ إلَى غَلَبَةِ النَّوْمِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ لَا يُنْقَضُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ قَالَ وَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ «كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّوْمِ الثَّقِيلِ الْغَالِبِ. (وَالثَّالِثُ) يُنْقَضُ كَثِيرُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ دُونَ قَلِيلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ (وَالرَّابِعُ) لَا يُنْقَضُ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد فِيمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا (وَالْخَامِسُ) لَا يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرَّاكِعِ، وَالسَّاجِدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. (السَّادِسُ) أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ السَّاجِدِ فَقَطْ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا. (السَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَيُنْقَضُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. (الثَّامِنُ) أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ الْجَالِسِ الْمُمَكَّنِ الْمَقْعَدَةِ مِنْ الْأَرْضِ وَيَنْقُضُ غَيْرُهُ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فَهَذَا مَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ مِنْ الْمَذَاهِبِ فِي النَّوْمِ، وَفِيهِ قَوْلٌ (تَاسِعٌ) وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ تَعَمُّدِ النَّوْمِ جَالِسًا وَبَيْنَ غَلَبَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ: إنْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ جَالِسًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ نَامَ سَاجِدًا فِي صَلَاتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي السُّجُودِ تَوَضَّأَ وَقَوْلُ اللَّيْثِ إذَا تَصَنَّعَ لِلنَّوْمِ جَالِسًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِنْ غَلَبَهُ النَّوْمُ لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَفِيهِ قَوْلٌ عَاشِرٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا نَوْمُ الْمُضْطَجِعِ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالنَّوَوِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ رُوحِيٍّ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ، وَالْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ دَاوُد قَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا انْتَهَى وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا» ، وَهُوَ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ لِلنَّائِمِ أَحَدَ عَشَرَ حَالًا الْمَاشِي، وَالْقَائِمُ، وَالْمُسْتَنِدُ، وَالرَّاكِعُ، وَالسَّاجِدُ، وَالْقَاعِدُ، وَالْمُتَرَبِّعُ، وَالْمُنْحَنِي، وَالْمُتَّكِئُ، وَالرَّاكِبُ، وَالْمُضْطَجِعُ، وَالْمُسْتَنْفِرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِ بَعْضِهَا. فَأَمَّا الْمَاشِي فَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ شُعُورِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ، وَأَمَّا الْمُسْتَنِدُ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقِيلَ هُوَ كَالْمَاشِي، وَالْقَائِمِ، وَإِنْ كَانَ جَالِسًا مُمَكَّنًا لَمْ يُنْتَقَضْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ زَالَ مَسْنَدُهُ لَسَقَطَ انْتَقَضَ، وَأَمَّا الْمُنْحَنِي فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ الْجَالِسِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْمُتَّكِئُ فَأَجْرَاهُ مَالِكٌ مَجْرَى الْجَالِسِ وَأَجْرَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ مَجْرَى الْمُضْطَجِعِ، وَأَمَّا الرَّاكِبُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَالِسِ الْمُسْتَنِدِ اللَّاصِقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْأَرْضِ. وَأَمَّا الْمُسْتَقِرُّ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ " الثَّانِيَةُ، وَالْعِشْرُونَ " مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ النَّوْمِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنْ النَّوْمُ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَقَدْ كَانَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ وَلِهَذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُ مُضْطَجِعًا، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ] (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِالْكِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ يَدَهُ تَمُرُّ عَلَى فَرْجِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَلْ كَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْهَامُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ لِأَقْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَتَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ لِأَقْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ وَدَفْعِ الْخَوَاطِرِ الرَّادَّةِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ بِهَا الْأَمْثَالَ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ شَخْصًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ وَأَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَيَدُهُ فِي دَاخِلِ دُبُرِهِ مَحْشُوَّةً فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَأَقْلَعَ، وَالْأَدَبُ مَعَ أَقْوَالِهِ بَعْدَهُ كَالْأَدَبِ مَعَهُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَ قُلُوبَنَا مِنْ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ وَيَرْزُقَنَا الْأَدَبَ مَعَ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ غَسْل الْيَدِ قَبْلَ إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ هَلْ الْمُرَادُ بِهِمَا سُنَّةُ الْوُضُوءِ] 1 (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) أَمْرُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ النَّوْمِ بِغَسْلِ الْيَدِ ثَلَاثًا قَبْلَ إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ هَلْ الْمُرَادُ بِهِمَا غَسْلُ الْكَفَّيْنِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ أَوْ هَذَا أَمْرٌ آخَرُ بِحَيْثُ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ يَدَهُ لِلْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ ثَلَاثًا وَأَرَادَ الْوُضُوءَ غَسَلَ كَفَّيْهِ لَهُ ثَلَاثَةً؟ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا الْأَوَّلَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي وَضُوئِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ غَسْلُهُمَا عِنْدَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ النَّوْمِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» الْحَدِيثَ. وَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ نَائِمًا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَأَرَادَ الْوُضُوءَ فَلَا يَضَعْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ» الْحَدِيثَ. وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَهَبَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا هُوَ لِخَشْيَةِ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةَ يَدِهِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ غَسْلُ كَفَّيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 أَوْ ثَلَاثًا» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ لِيَسْتَنْثِرْ»   Qوَلَيْسَ فِي الْآيَةِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيثُ إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ الْمَاءِ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَأَخْرَجُوهُ خَلَا ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ، وَالشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» . وَالشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا» الْحَدِيثَ. (الثَّانِيَةُ) الِاسْتِنْشَاقُ هُوَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ خَيَاشِيمَهُ، وَهُوَ مِنْ اسْتِنْشَاقِ الرِّيحِ إذَا شَمَّهَا مَعَ قُوَّةٍ قَالَهَا الْجَوْهَرِيُّ، وَالْمَنْخِرُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي مِيمِهِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ، وَالْكَسْرُ، وَالِانْتِثَارُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّثْرَةِ، وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْأَنْفُ وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَةِ الِانْتِثَارِ. فَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ الْأَنْفِ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّ الِاسْتِنْثَارَ هُوَ الِاسْتِنْشَاقُ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْشِقْ. وَأَمَّا الِاسْتِجْمَارُ فَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجِمَارِ، وَهِيَ الْأَحْجَارُ الصِّغَارُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ اللُّغَوِيِّينَ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْمُحَدِّثِينَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ فِي مَعْنَاهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِجْمَارِ هُنَا الْبَخُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلْوَةُ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَ قِطَعٍ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَسْتَعْمِلَ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَالْإِيتَارُ الْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الِاسْتِجْمَارِ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ. (الثَّالِثَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ لِظَاهِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقَ أَيْضًا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُمَا وَجُمْلَةُ الْجُمْهُورِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَى النَّدْبِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ: تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ» . وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَيْضًا، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِانْتِثَارِ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ مَعَ عَطْفِهِ عَلَى أَمْرِهِ بِالِاسْتِنْشَاقِ وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِالتَّثْلِيثِ فِيهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِالِاسْتِنْثَارِ أَمْرًا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا انْتَهَى. (الرَّابِعَةُ) لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَهَمَّامٍ تَعَرُّضٌ لِعَدَدِ الِاسْتِنْشَاقِ. وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانُ كَوْنِهِ ثَلَاثًا، وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّثْلِيثِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَسْتَنْشِقُ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَكُفَّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا هَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَضْمَضَةِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَائِدَةٌ حِكْمَةِ الِاسْتِنْشَاق] 1 (الْخَامِسَةُ) فِي بَيَانِ حِكْمَةِ الِاسْتِنْشَاقِ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ» فَبَيَّنَ سَبَبَ الْأَمْرِ، وَهُوَ تَطْهِيرُ آثَارِ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ يَبِيتُ عَلَى الْخَيَاشِيمِ جَمْعُ خَيْشُومٍ، وَهُوَ أَعْلَى الْأَنْفِ أَوْ هُوَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْغُبَارِ وَرُطُوبَةِ الْخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ. قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَهَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي نِسْبَتِهِمْ الْمُسْتَخْبَثَ، وَالْمُسْتَبْشَعَ إلَى الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ تَكْسِيلِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ كَمَا قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ» الْحَدِيثَ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَيْهَا فَقَدْ يُقَالُ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالْوُضُوءِ الَّذِي يَعْقُبُ النَّوْمَ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا لِلِاسْتِنْشَاقِ مَعْنًى آخَرَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَقْدِيمِهِ وَتَقْدِيمِ الْمَضْمَضَةِ وَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ عَلَى غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبَةِ حَتَّى يَعْرِفَ الْمُتَوَضِّئُ بِذَلِكَ أَوْصَافَ الْمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرَّائِحَةُ، وَالطَّعْمُ، وَاللَّوْنُ هَلْ هِيَ مُتَغَيِّرَةٌ أَمْ لَا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالْعِلَّةُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ لَهُ الْخَطَّابِيُّ مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ وَتَرَى أَنَّ مُعْظَمَ مَا جَاءَ مِنْ الْحَثِّ، وَالتَّحْرِيضِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا جَاءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَتَنْقِيَةِ مَجْرَى النَّفْسِ الَّتِي تَكُونُ بِهِ التِّلَاوَةُ وَبِإِزَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ التَّفْلِ تَصِحُّ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ. (السَّادِسَةُ) مَبِيتُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْخَيْشُومِ هَلْ هُوَ لِعُمُومِ النَّائِمِينَ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَحْتَرِسُ بِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فِي مَنَامِهِ كَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ النَّوْمِ لَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ، وَأَيُّ قُرْبٍ أَقْرَبُ مِنْ مَبِيتِهِ عَلَى خَيَاشِيمِهِ؟ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَقْرَبْهُ أَيْ لَمْ يَقْرَبْ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ، وَهُوَ الْقَلْبُ، وَإِنْ بَاتَ عَلَى الْخَيْشُومِ فَيَكُونُ مَحْفُوظًا مِنْهُ مَعَ الْقُرْبِ مِنْ الْبَدَنِ لَهُ دُونَ الْقَلْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (السَّابِعَةُ) قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الِاسْتِنْشَاقِ لَا تَحْصُلُ بِإِيصَالٍ الْمَاءِ إلَى الْخَيْشُومِ بَلْ بِالِانْتِثَارِ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّهُ فَائِدَةُ الِاسْتِنْشَاقِ وَبِهِ يُشْعِرُ بَعْضُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا كَاشْتِرَاطِ بَعْضِهِمْ مَجَّ الْمَاءِ مِنْ الْفَمِ فِي حُصُولِ الْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ كَانَ الرَّافِعِيُّ قَدْ جَزَمَ بِالِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْأَنْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يُفَرَّق فِي الِاسْتِنْشَاقِ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ] (الثَّامِنَةُ) لَمْ يُفَرِّقْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ بَالَغَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ بَطَلَ صَوْمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُشْرَعْ لَهُ الْمُبَالَغَةُ بِخِلَافِ مَا وَصَلَ مَعَ عَدَمِ الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ الْمُرَادُ مِنْ الِانْتِثَارِ نَثْرُ الْمَاءِ بِالْيَدِ أَوْ نَثْرُهُ بِرِيحِ الْأَنْفِ] 1 (التَّاسِعَةُ) هَلْ الْمُرَادُ مِنْ الِانْتِثَارِ نَثْرُ الْمَاءِ بِالْيَدِ أَوْ نَثْرُهُ بِرِيحِ الْأَنْفِ؟ فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الِانْتِثَارَ دَفْعُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: الِاسْتِنْثَارُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَيَسْتَنْثِرَ قِيلَ لِمَالِكٍ أَيَسْتَنْثِرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ؟ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْحِمَارُ. (الْعَاشِرَةُ) إذَا قُلْنَا يَسْتَنْثِرُ بِيَدِهِ فَهَلْ يُبَاشِرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِنْشَاقُ قَبْلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَكُونُ بِشِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْوَسَخِ الَّذِي فِي الْأَنْفِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ بِأَيِّ الْيَدَيْنِ يَسْتَنْثِرُ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ»   Qثُمَّ رُوِيَ حَدِيثٌ عَلَى أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا طُهْرُ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَظَاهِرُ حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ يَكُونُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوُضُوءِ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ بِأَيِّ الْيَدَيْنِ يَتَمَضْمَضُ؟ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ لِلْمَضْمَضَةِ بِيَمِينِهِ وَلِلِاسْتِنْشَاقِ بِشِمَالِهِ. وَبَنَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا الْإِتْيَانَ بِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا فَاحْتَاجَ لِمَا ذَكَرْت أَنْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا بِيَمِينِهِ، وَالْآخَرِ بِشِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا مَعًا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ مُرَادُ أَصْحَابِنَا بِالْجَمْعِ الْإِتْيَانَ بِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثَ لِلْمَضْمَضَةِ أَوْ قَدَّمَ مَرَّةً مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَعَقَّبَهَا بِمَرَّةٍ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ وَهَكَذَا هَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ نَعَمْ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُقَدِّمُ الْمَضْمَضَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْإِيتَارَ فِي الِاسْتِجْمَارِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْإِيتَارَ وَاجِبٌ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْصُلْ الِانْتِقَاءُ إلَّا بِأَرْبَعِ مَسَحَاتٍ وَجَبَتْ الْخَامِسَةُ أَوْ بِسِتَّةٍ وَجَبَتْ السَّابِعَةُ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ الْإِيتَارَ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَالْإِنْقَاءَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِيتَارِ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْإِيتَارِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي بَابِ الِاسْتِجْمَارِ فَحَمْلُ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثَ إمَّا عَلَى وُجُوبِ الثَّلَاثِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِجْمَارِ وَتَرْكِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إدْرِيسَ الْمُتَّفَقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إلَى الْجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْت الْجَنَّةَ قَطُّ إلَّا سَمِعْت خَشْخَشَتَك أَمَامِي إنِّي دَخَلْت الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْت خَشْخَشَتَك فَأَتَيْت عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرْتَفِعٍ مُشَرَّفٍ فَقُلْت: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ؛ قُلْت أَنَا عَرَبِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، قُلْت فَأَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا غَيْرَتُك يَا عُمَرُ لَدَخَلْت الْقَصْرَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْت لِأَغَارَ عَلَيْك   Qعَلَيْهَا «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» وَلَيْسَ هُوَ مُخَيَّرًا فِي الْوُضُوءِ فَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِجْمَارِ عَلَى أَنَّا لَا نَقُولُ يَتَعَيَّنُ الِاسْتِجْمَارُ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، فَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِجْمَارَ بِالْأَحْجَارِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مَأْمُورٌ بِالْإِيتَارِ وَلَيْسَ فِيهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْأَمْرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) إذَا حَمَلْنَا الِاسْتِجْمَارَ عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّبْخِيرُ فَمَحْمَلُ الْأَمْرِ بِالْإِيتَارِ حِينَئِذٍ عَلَى النَّدْبِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعَلَى هَذَا فَيُسْتَحَبُّ التَّطَيُّبُ، وَالتَّبَخُّرُ ثَلَاثًا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَسْتَحِبُّ الْوِتْرَ فِي تَجْمِيرِ ثِيَابِهِ وَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الْعُمُومَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ فَكَانَ يَسْتَجْمِرُ بِالْأَحْجَارِ وِتْرًا وَكَانَ يُجَمِّرُ ثِيَابَهُ وِتْرًا تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُسْتَعْمِلًا عُمُومَ الْخِطَابِ. [حَدِيثُ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَعَا بِلَالًا يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ] [فَائِدَةٌ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَوَحْيٌ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا بِلَالًا يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ مَا دَخَلْت الْجَنَّةَ قَطُّ إلَّا سَمِعْت خَشْخَشَتَك أَمَامِي إنِّي دَخَلْت الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْت خَشْخَشَتَك فَأَتَيْت عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرْتَفِعٍ مُشَرَّفٍ فَقُلْت لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ قُلْت أَنَا عَرَبِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ قُلْت فَأَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا غَيْرَتُك يَا عُمَرُ لَدَخَلْت الْقَصْرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّهِ مَا كُنْت لِأَغَارَ عَلَيْك قَالَ وَقَالَ لِبِلَالٍ بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ مَا أَحْدَثْت إلَّا تَوَضَّأْت وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ إفْرَادِ التِّرْمِذِيِّ فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ: يَا بِلَالُ أَخْبِرْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْته فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْت دَفَّ نَعْلَيْك بَيْنَ يَدَيْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْت بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كَتَبْت لِي أَنْ أُصَلِّيَ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ مُسْلِمٌ: «فَإِنِّي سَمِعْت اللَّيْلَةَ خَشْفَ نَعْلَيْك» الْحَدِيثَ وَقَالَ «مِنْ أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طَهُورًا تَامًّا» الْحَدِيثَ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَخَلْت الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْت خَشْفَةً فَقُلْت مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلَالٌ وَرَأَيْت قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْت لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إلَيْهِ فَذَكَرْت غَيْرَتَك فَقَالَ عُمَرُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ» ؟ لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةُ عُمَرَ دُونَ ذِكْرِ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَصِّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَصُّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا» الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا رَأَى لِصَاحِبِهِ خَيْرًا يُبَشِّرُهُ بِهِ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَذَلِكَ. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ أَنَّ مَنْ رَأَى لِصَاحِبِهِ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ فِعْلِهِ لِشَيْءٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّا اسْتَحَقَّ بِهِ ذَلِكَ لِيَحُضَّهُ عَلَيْهِ وَيُرَغِّبَهُ فِيهِ لِيَدُومَ عَلَيْهِ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ وَوَحْيٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ فَجَزَمَ بِسَبَقِهِ اعْتِمَادًا عَلَى رُؤْيَاهُ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ رُؤْيَاهُ يَجُوزُ وُقُوعُهَا، وَالْخُلْفُ فِيهَا كَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يَجْزِمْ بِسَبَقِهِ بِجَوَازِ الْخُلْفِ فِي مَنَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) فِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِبِلَالٍ بِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ قَطُّ إلَّا سَمِعَ خَشْخَشَتَهُ أَمَامَهُ، وَهَذَا شَرَفٌ عَرِيضٌ. (الثَّامِنَةُ) الْخَشْخَشَةُ بِتَكْرَارِ الْخَاءِ، وَالشَّيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِهِ عَلَى الْغَرِيبَيْنِ أَنَّ الْخَشْخَشَةَ حَرَكَةٌ لَهَا صَوْتٌ كَصَوْتِ السِّلَاحِ، وَهِيَ أَيْضًا بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ خَشْفَ نَعْلَيْك، وَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَفِي آخِرِهِ فَاءٌ فَقِيلَ هُوَ الْحَرَكَةُ وَقِيلَ الصَّوْتُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهِ فَفِي الشِّينِ فِيهَا وَجْهَانِ الْحَرَكَةُ، وَالْإِسْكَانُ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَقِيلَ الْمُحَرَّكُ بِمَعْنَى الْحَرَكَةِ، وَالسَّاكِنُ بِمَعْنَى الْحِسِّ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ دَفَّ نَعْلَيْك فَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَقِيلَ هُوَ بِالدَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، وَالْمُرَادُ صَوْتُهُمَا عِنْدَ الْوَطْءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ استحباب قص الرُّؤْيَا] 1 (التَّاسِعَةُ) إنْ قِيلَ مَا مَعْنَى رُؤْيَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ أَمَامَهُ فِي الْجَنَّةِ كُلَّمَا دَخَلَ مَعَ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَكَيْفَ مَعْنَى تَقَدُّمِ بِلَالٍ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا أَنَّهُ يَدْخُلُهَا قَبْلَهُ فِي الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا رَآهُ أَمَامَهُ فِي مَنَامِهِ، وَأَمَّا الدُّخُولُ حَقِيقَةً فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهَا مُطْلَقًا، وَأَمَّا هَذَا الدُّخُولُ فَالْمُرَادُ بِهِ سَرَيَانُ الرُّوحِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الْعَاشِرَةُ) قَدْ حَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ سَبْقَ بِلَالٍ إلَى الْجَنَّةِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْحَدَثِ، وَالصَّلَاةِ بَعْدَهُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ خَصْلَةً أُخْرَى «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْت أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا» فَزَادَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْأَذَانِ وَكَوْنُهُ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِلَّهِ رَكْعَتَيْنِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَحْمَدَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِهِمَا يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ إلَى الْخَصْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَهُمَا الْوُضُوءُ عِنْدَ الْحَدَثِ، وَالصَّلَاةُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْأَذَانِ لَهَا ثَوَابٌ آخَرُ. وَأَمَّا زِيَادَتُهُ كَوْنُهُ يَرَى أَنَّ لِلَّهِ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مُنَافَاةٌ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي ذِكْرِ الصَّلَاةِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مَا يَنْفِي كَوْنَهُ يَرَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا كَانَ الثَّوَابُ مُتَرَتِّبًا عَلَى الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ دَوَامِ الطَّهَارَةِ] (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) هَلْ يَظْهَرُ لِمُجَازَاتِهِ بِهَذَا عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مُنَاسَبَةٌ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ لِذَلِكَ مُنَاسَبَةً، وَهُوَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُدِيمُ الطَّهَارَةَ فَمَنْ لَازَمَهُ أَنَّهُ كَانَ يَبِيتُ عَلَى طَهَارَةٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي النَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ مَا يَقْتَضِي عُرُوجَ الرُّوحِ وَسُجُودَهَا تَحْتَ الْعَرْشِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ تَحْتَ الْعَرْشِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْفِرْدَوْسَ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَسَقْفَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْأَرْوَاحَ يُعْرَجُ بِهَا فِي مَنَامِهَا إلَى السَّمَاءِ فَتُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ عِنْدَ الْعَرْشِ فَمَنْ بَاتَ طَاهِرًا سَجَدَ عِنْدَ الْعَرْشِ وَمَنْ كَانَ لَيْسَ بِطَاهِرٍ سَجَدَ بَعِيدًا مِنْ الْعَرْشِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَكَذَا جَاءَ مَوْقُوفًا انْتَهَى. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ نَامَ طَاهِرًا نَامَ فِي شِعَارِ مَلَكٍ وَصِفَةُ الْمَلَائِكَةِ الْعُلُوُّ فَكَانَ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِعُلُوِّ رُوحِهِ وَصُعُودِهَا إلَى الْجِنَانِ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِ مَلَكٍ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِك فُلَانٍ، فَإِنَّهُ نَامَ طَاهِرًا» أَوْرَدَهُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ دَوَامِ الطَّهَارَةِ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عَقِبَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ صَلَاةٍ وَلَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إلَّا مُؤْمِنٌ» فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ دَوَامُ الْوُضُوءِ لَا الْوُضُوءُ الْوَاجِبُ فَقَطْ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ الْوُضُوءِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْأَذَانِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشَرَ) فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيْنَ الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ وَرُبَّمَا قَرُبَتْ الْإِقَامَةُ فَكَانَ فِعْلُهَا عَقِبَ الْأَذَانِ أَوْلَى. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ] (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) وَفِيهِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «رَأَيْت كِبَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ» . وَقَالَ مُسْلِمٌ: «فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقِيلَ لَهُ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا؟ قَالَ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا» . [فَائِدَةٌ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ] 1 (السَّادِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي تَبْلُغُ حَدَّ التَّوَاتُرِ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى إبْطَالِ مَا زَعَمُوهُ. 1 - (السَّابِعَةَ عَشَرَ) قَوْلُهُ بِمَ سَبَقْتنِي إلَى الْجَنَّةِ هَكَذَا فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْمُسْنَدِ عَلَى الصَّوَابِ بِمَ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَوَقَعَ فِي سَمَاعِنَا مِنْ التِّرْمِذِيِّ بِمَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] . (الثَّامِنَةَ عَشَرَ) وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْمُسْنَدِ فَأَتَيْت عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرْتَفِعٍ مُشَرَّفٍ فَمُرْتَفِعٌ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَالْفَاءُ مِنْ الِارْتِفَاعِ وَمُشَرَّفٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَآخِرُهُ فَاءٌ، وَمَعْنَاهُ لَهُ شُرُفَاتٌ كَعَادَةِ الْقُصُورِ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مُشْرِفٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى مُرْتَفِعٍ فَيَكُونُ تَكْرَارًا وَحَمْلُهُ عَلَى زِيَادَةِ مَعْنًى آخَرَ أَوْلَى مَعَ مُوَافَقَةِ الرِّوَايَةِ وَوَقَعَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مُرَبَّعٌ مُشَرَّفٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ التَّرْبِيعِ، وَهُوَ كَوْنُهُ ذَا أَرْبَاعٍ لَا مُدَوَّرًا كَالدَّائِرَةِ وَإِلَّا كَثُرَ فِي الرِّوَايَةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مُشَرَّفٌ بِالتَّخْفِيفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 قَالَ وَقَالَ لِبِلَالٍ: بِمَ سَبَقْتَنِي إلَى الْجَنَّة؟ قَالَ: مَا أَحْدَثْتُ إلَّا تَوَضَّأَتْ وَصَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ: فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ..   Qأَيْ مُرْتَفِعٌ وَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرْبِيعِ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةَ عَشَرَ) مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِالْجَوَابِ عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ بِاسْمِ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ بَلْ قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَهُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُلْت أَنَا قُرَشِيٌّ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى قَوْلِهِ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ فَلَمْ يُسَمِّ عُمَرَ إلَّا فِي الرَّابِعَةِ عَلَى رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي الثَّالِثَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْمُسْنَدِ، وَكَذَلِكَ رَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا عَرَبِيٌّ أَنَا قُرَشِيٌّ أَنَا مُحَمَّدٌ فَهَلْ كَانَ ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَصْرُ لَهُ أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَيَانُ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَكَوْنُهُ مِنْ الْعَرَبِ أَفْضَلَ وَأَرْفَعَ مِنْ كَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا وَكَوْنُهُ مِنْ قُرَيْشٍ أَفْضَلَ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ عَرَبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَكَوْنُهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْأُمَّةِ لِمَوْتِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأُرِيدَ بِتَكْرَارِ الْجَوَابِ، وَالسُّؤَالِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا عَرَبِيٌّ أَنَا قُرَشِيٌّ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ تَجْوِيزًا لِكَوْنِهِ لَهُ إذْ فِيهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي ذَكَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا مُحَمَّدٌ فَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَكِنَّهُ عَرَفَ عُلُوَّ مَنْزِلَتِهِ عَلَى مَنْ لَهُ الْقَصْرُ، وَأَنَّهُ بَلَغَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ أُمَّتِهِ وَأَرَادَ مَعْرِفَةَ مَنْ لَهُ لِيُبَشِّرَ صَاحِبَهُ كَمَا وَقَعَ أَوْ لِيَعْرِفَ مَنْزِلَةَ صَاحِبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مُعَامَلَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ أَخْلَاقِهِمْ وَمَا فُطِرُوا عَلَيْهِ] 1 (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) فِيهِ مُعَامَلَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ أَخْلَاقِهِمْ، وَمَا فُطِرُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَرَفَ غَيْرَةَ عُمَرَ لَمْ يَدْخُلْ مَنْزِلَهُ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَأْمَنُهُ عَلَى الدِّينِ، وَالدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُمَرُ مَا كُنْت لِأَغَارَ عَلَيْك، وَإِنْ حَصَلَتْ الْغَيْرَةُ فَعَلَى غَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوَ يُغَارُ عَلَيْك أَنْكَرَ عُمَرُ وُجُودَ الْغَيْرَةِ مِنْ أَحَدٍ مُطْلَقًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِظَمِ حَقِّهِ وَأَمَانَتِهِ عَلَى حُقُوقِ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ ذَمُّ الْغَيْرَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الرِّيبَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ وُجُودَ الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ «مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ» الْحَدِيثَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 بَابُ السِّوَاكِ وَخِصَالِ الْفِطْرَةِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ»   Q [بَابُ السِّوَاكِ وَخِصَالِ الْفِطْرَةِ] [حَدِيث لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ] ِ " الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ " عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَتْ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي لَفْظِهِ فَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ وَجَمَاعَةٌ مَا تَقَدَّمَ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَزَادَ «مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَآخَرُونَ «عَلَى أُمَّتِي» فَقَطْ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَأَيُّوبُ بْنُ صَالِحٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَوْ عَلَى النَّاسِ وَكَذَا قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَزَادَ أَيْضًا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فَزَادُوا فِيهِ «مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» كَذَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَبِشْرِ بْنِ عُمَرَ الزَّهْرَانِيِّ وَإِسْمَاعِيلِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحٍ وَإِسْمَاعِيلَ. وَقَدْ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا فَقَالَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَوَصَلَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهَا وَهِيَ فِي الْمُوَطَّإِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ وَفِي بَعْضِهَا ذِكْرُهُ عَلَى الشَّكِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ. (الثَّالِثَةُ) السِّوَاكُ بِكَسْرِ السِّينِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُسْتَاكُ بِهِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحْكَمِ فِيهِ التَّأْنِيثَ أَيْضًا وَغَلَّطَ الْأَزْهَرِيُّ الْقَوْلَ بِالتَّأْنِيثِ وَاخْتَلَفَ فِي مَأْخَذِهِ فَقِيلَ مِنْ سَاكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذَا دَلَّكَ يُقَالُ سَاكَ فَمَه يَسُوكُهُ سَوْكًا وَقِيلَ هُوَ مِنْ جَاءَتْ الْإِبِلُ تُسَاوِكُ هِزَالًا. (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَشُقَّ انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ دَاوُد أَوْجَبَهُ لِلصَّلَاةِ وَكَذَا حَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ دَاوُد وُجُوبَهُ وَحَكَى أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ وُجُوبَهُ وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ. وَقَدْ أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ نَقْلَ الْوُجُوبِ عَنْ دَاوُد وَقَالُوا مَذْهَبُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَالْجَمَاعَةِ قَالَ: وَلَوْ صَحَّ إيجَابُهُ عَنْ دَاوُد لَمْ تَضُرَّ مُخَالَفَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ: وَأَمَّا إِسْحَاقُ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ. [فَائِدَةٌ الْجَمْع بَيْن أَحَادِيث السِّوَاك] 1 (الْخَامِسَةُ) كَلِمَةُ لَوْلَا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْأَمْرِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ، وَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ الْوُجُوبُ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ اتِّفَاقًا فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَاتٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ قَالَ: وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ كَانَ مَسْنُونًا حَالَتَئِذْ. (السَّادِسَةُ) فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» الْحَدِيثَ، وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا اسْتَاكُوا» . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ تَمَّامِ بْنِ الْعَبَّاسِ بِلَفْظِ «مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا اسْتَاكُوا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا اسْتَاكُوا» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «عَلَيْك بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» الْحَدِيثَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ الْأَلْهَانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْعَبَّاسِ وَحَدِيثُ تَمَّامٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَفِيهَا أَبُو عَلِيٍّ الصَّيْقَلِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 زَادَ الْبُخَارِيُّ «مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَقَالَ مُسْلِمٌ «عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»   Qوَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُ. ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَخِيرُ فَتَفَرَّدَ بِهِ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَيْسَ الْمَنْفِيُّ فِيهِ مُطْلَقَ الْأَمْرِ بَلْ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ لِلْوُجُوبِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْت عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ مَعَ الْوُضُوءِ» الْحَدِيثَ وَأَيْضًا فَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الَّذِي فِيهِ الْأَمْرُ قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ «وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْته عَلَيْهِمْ» وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ تَمَّامٍ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْت عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْت عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ» . وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْت عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ أَمْرُ الْإِيجَابِ لَا الْأَمْرُ الَّذِي مَحْمَله النَّدْبُ. وَالْوَجْهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ الْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقُ السِّوَاكِ فَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَالْمَنْفِيُّ مَعَ الْقَيْدِ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ وَلَوْ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ فِي الشَّهْرِ أَوْ فِي السَّنَةِ أَوْ فِي الْعُمْرِ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمَنْدُوبُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ] 1 (السَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَدْ حَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُقَالُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوُجُوبِ. [فَائِدَةٌ جَوَاز الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ] (الثَّامِنَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَشَقَّةَ سَبَبًا لِعَدَمِ أَمْرِهِ فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَوَقِّفًا لَكَانَ سَبَبُ انْتِفَاءِ أَمْرِهِ عَدَمَ وُرُودِ النَّصِّ لَا وُرُودَ الْمَشَقَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إنَّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ احْتِمَالًا لِلْبَحْثِ، وَالتَّأْوِيلِ. [فَائِدَةٌ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ] 1 (التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِعُمُومِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. وَرِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَعِنْدَ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَسَوَّكُ مَا لَا أُحْصِي وَهُوَ صَائِمٌ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ بِهَذَا الْوَقْتِ يَخُصُّ بِهِ ذَلِكَ الْعُمُومَ وَهُوَ حَدِيثُ الْخَلُوفِ وَفِيهِ بَحْثٌ انْتَهَى، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فَائِدَةٌ السِّوَاك مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ السِّوَاكَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ قَالَ وَلَمْ يَعُدَّهُ كَثِيرُونَ مِنْ سُنَنِهِ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فِي ابْتِدَائِهِ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَ) فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَأَكُّدَهُ عِنْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ، وَالظُّهْرِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» . قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ، وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالْعَنْعَنَةِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ فَلَا يَصِحُّ زَادَ النَّوَوِيُّ وَالْمُدَلَّسُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ. قُلْت وَقَوْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ سُقُوطِ أَحَدٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَيْضًا الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَقَالَ إنَّهُ بَاطِلٌ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: السِّرُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَنَّا مَأْمُورُونَ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ فِي حَالَةِ كَمَالٍ وَنَظَافَةٍ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَلَكِ وَهُوَ أَنْ يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِي الْقَارِئِ وَيَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَسُنَّ السِّوَاكُ لِأَجْلِ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْت قَدْ وَرَدَ هَذَا مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْعَبْدَ إذَا تَسَوَّكَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَامَ الْمَلَكُ خَلْفَهُ فَيَسْمَعُ لِقِرَاءَتِهِ فَيَدْنُو مِنْهُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ إلَّا صَارَ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ لِلْقُرْآنِ» وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ فِيهِ فُضَيْلٍ بْنَ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيَّ وَهُوَ وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَآخِرُ الْحَدِيثِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ إنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ وَفِيهِ بَحْرُ بْنُ كَثِيرٍ السَّقَّا ضَعِيفٌ جِدًّا. وَقَدْ رَفَعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (قُلْت) : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ حِكْمَتُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَا وَرَدَ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْبَلْغَمَ، وَيَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَ، وَتَقْطِيعُ الْبَلْغَمِ مُنَاسِبٌ لِلْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ عَلَيْهِ فَيَمْنَعَهُ الْقِرَاءَةَ وَكَذَلِكَ الْفَصَاحَةُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ فِي أحوال] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَ) أُطْلِقَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ ذِكْرُ السِّوَاكِ مُطْلَقًا وَهُوَ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَأَكَّدُ فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا عِنْدَ الْوُضُوءِ وَإِرَادَةِ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ السِّوَاكَ لِلصَّلَاةِ أَوْ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَمِنْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا تَغَيُّرُ الْفَمِ سَوَاءٌ فِيهِ تَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ أَوْ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ كَصُفْرَةِ الْأَسْنَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهَا دُخُولُ الْمَنْزِلِ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ يَبْدَأُ بِالسِّوَاكِ» . وَمِنْهَا إرَادَةُ النَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ وَوَرَدَ فِيهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَاكُ إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ» وَفِيهِ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ قُلْت وَمِنْهَا الِانْصِرَافُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَلَاةُ اللَّيْلِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَسْتَاكُ» . [فَائِدَةٌ فَوَائِدِ السِّوَاكِ مُطْلَقًا] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَ) فِي فَوَائِدِ السِّوَاكِ مُطْلَقًا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَلَيْك بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ مَفْرَحَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ يَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ، وَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُذْهِبُ الْخُضْرَةَ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُذْهِبُ الْبَلْغَمَ وَيُطَيِّبُ الْفَمَ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَيُصِحُّ الْمَعِدَةَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْبَيْهَقِيّ، وَيَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى. وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ: شَيْخٌ صَالِحٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَصَدْرُ الْحَدِيثِ صَحِيحُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ. [فَائِدَةٌ فِيمَا يُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ بِهِ وَيَصِحُّ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) فِيمَا يُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ بِهِ وَيَصِحُّ، ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ السِّوَاكَ يَكُونُ بِقُضْبَانِ الْأَشْجَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ لَكِنَّهَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا قَالَ: وَالْأَوْلَى مِنْهَا الْأَرَاكُ قَالَ، وَالْأَحَبُّ أَنْ يَكُونَ يَابِسًا لُيِّنَ بِالْمَاءِ قَالَ: وَأَصْلُ السُّنَّةِ تَتَأَدَّى بِكُلِّ خَشِنٍ يَصْلُحُ لِإِزَالَةِ الْقُلْحِ كَالْخِرْقَةِ، وَالْخَشَبَةِ وَنَحْوِهَا نَعَمْ لَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهُ كَأُصْبُعِهِ الْخَشِنَةِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِيَاكًا. وَالثَّانِي يُجْزِئُ لِحُصُولِ مَقْصُودِ الِاسْتِيَاكِ بِهِ، وَالثَّالِثُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْعُودِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُجْزِئُ وَإِلَّا فَيُجْزِئُ لِمَكَانِ الْعُذْرِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِأُصْبُعِهِ الْخَشِنَةِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَتْ نَاعِمَةً فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ الِاسْتِيَاكُ بِهَا قَطْعًا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْقُلْحِ وَقَوْلُهُ بِأُصْبُعِهِ لِيُخْرِجَ بِهِ أُصْبُعَ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَدَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يُجْزِئُ بِهَا قَطْعًا، وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أُصْبُعِهِ وَأُصْبُعِ غَيْرِهِ وَكَوْنُهُ جُزْءًا مِنْهُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ بَلْ كَوْنُهَا أُصْبُعَهُ أَبْلَغَ فِي الْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ تَمَكُّنِ غَيْرِهِ أَنْ يَسُوكَهُ بِأُصْبُعِهِ لَا جَرَمَ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمُخْتَارُ أُخْرَاهُ مُطْلَقًا قَالَ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْبَغَوِيُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى. وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ أَيْضًا أَبُو حَامِدٍ فِي الرَّوْنَقِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِي السِّوَاكِ بِالْأُصْبُعِ أَعَمُّ مِنْ أُصْبُعِهِ وَأُصْبُعِ غَيْرِهِ بَلْ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِأُصْبُعِ الْمُسْتَاكِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك رَغَّبْتنَا فِي السِّوَاكِ فَهَلْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ إصْبَعَاك سِوَاكٌ عِنْدَ وُضُوئِك تُمِرُّهُمَا عَلَى أَسْنَانِك» . الْحَدِيثَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ الرَّاوِيَ لَهُ عَنْ أَنَسٍ بَعْضُ أَهْلِهِ غَيْرُ مُسَمًّى، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِأَنَّهُ النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ وَلَفْظُهُ «يُجْزِئُ مِنْ السِّوَاكِ الْأَصَابِعُ» . وَفِيهِ عِيسَى بْنُ شُعَيْبٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ الْفَلَّاسُ أَنَّهُ صَدُوقٌ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ يُخْطِئُ حَتَّى فَحُشَ خَطَؤُهُ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَظْهَرُ مَعْنًى فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أُصْبُعِهِ وَأُصْبُعِ غَيْرِهِ فَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ تَأَدِّي السُّنَّةُ بِهِ مُطْلَقًا مَا لَمْ تَكُنْ نَاعِمَةً لَا تُزِيلُ الْقُلْحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ: أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّكُ أَسْنَانَهُ بِأُصْبُعِهِ وَيَسْتَجْزِئُ بِذَلِكَ مِنْ السِّوَاكِ. وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَرَاكِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَوْ لَمْ يَرِدْ فِي الِاسْتِيَاكِ بِهِ حَدِيثٌ، وَهُوَ عَجِيبٌ، وَقَدْ تَتَبَّعْت ذَلِكَ فَوَجَدْت الطَّبَرَانِيَّ قَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَبْرَةَ الصَّحَابِيِّ وَلَهُ صُحْبَةٌ فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ: ثُمَّ «أَمَرَ لَنَا يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرَاكٍ فَقَالَ: اسْتَاكُوا بِهَذَا» . وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ فِي دُخُولِ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ سِوَاكٌ مِنْ أَرَاكٍ فَأَخَذَتْهُ عَائِشَةُ فَطَيَّبَتْهُ ثُمَّ أَعْطَتْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَنَّ بِهِ» . وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَرَاكِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمَعَهُ سِوَاكٌ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَبِي سِوَاكًا مِنْ الْأَرَاكِ فَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتْ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِمَّا تُضْحَكُونَ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» . فَهَذَا قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ اسْتَاكَ بِهِ وَأَمَرَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: وَالسِّوَاكُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَفِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ الْأَرَاكُ، وَالْبَشَامُ قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا هِيَ لَمْ تَسْتَكْ بِعُودِ أَرَاكِ وَقَالَ جَرِيرٌ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَتَذْكُرُ يَوْمَ تَصْقُلُ عَارِضَيْهَا ... بِفَرْعِ بَشَامَةٍ سُقِيَ الْبَشَامُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكُلُّ مَا يَجْلُو الْأَسْنَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبْغٌ وَلَوْنٌ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا خَلَا الرَّيْحَانَ، وَالْقَصَبَ فَإِنَّهُمَا يُكْرَهَانِ قَالَ: وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ السِّوَاكَ الَّذِي يُغَيِّرُ الْفَمَ وَيَصْبُغُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِزِينَةِ النِّسَاءِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كُلُّ مَا جَلَا الْأَسْنَانَ وَلَمْ يُؤْذِهَا وَلَا كَانَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ فَجَائِزٌ الِاسْتِنَانُ بِهِ انْتَهَى وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ الْغَرْبِيِّينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِفَرْعِ السِّوَاكِ مِنْ الْبَشَامَةِ قَالَ: وَالْبَشَامُ شَجَرٌ طَيِّبُ الرِّيحِ يُسْتَاكُ بِهِ وَاحِدَتُهَا بَشَامَةٌ. [فَائِدَةٌ صِفَةِ الِاسْتِيَاكِ الْمَأْمُورِ بِهِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَ) فِي صِفَةِ الِاسْتِيَاكِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابٍ لَهُ فِي السِّوَاكِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكُ طُولًا» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَرِبْتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًّا، وَإِذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا» . وَرَوَى ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ حَدِيث بَهْزٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ عَرْضًا» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إنَّمَا يُعْرَفُ بَهْزٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ بْنِ أَكْتَمَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ عَرْضًا» الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أَكْتَمَ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَرْضًا عَرْضُ الْأَسْنَانِ فِي طُولِ الْفَمِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَحْصُلُ سُنَّةُ السِّوَاكِ بِالِاسْتِيَاكِ طُولًا أَمْ لَا؟ فَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يُمِرُّ السِّوَاكَ عَلَى طُولِ الْأَسْنَانِ وَعَرْضِهَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَالْعَرْضُ أَوْلَى لِحَدِيثِ «اسْتَاكُوا عَرْضًا» قَالَ وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْوَسِيطِ قَالَ وَذَكَرَ آخَرُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يَسْتَاكُ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ لَا فِي طُولِهَا قَالَ فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عَرْضًا لَيْسَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي إقَامَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ بَلْ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى وَعَلَى الثَّانِي هُوَ تَعْيِينٌ وَرَوَوْا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَاكُوا عَرْضًا لَا طُولًا وَرَوَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ شَاذٌّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ، وَالدَّلِيلِ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْمُسَمَّى بِالتَّنْقِيحِ هَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِي الْمَذْهَبِ بَلْ الصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعَرْضِ بَلْ نَصَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ عَلَّقَهَا «مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ» وَأَسْنَدَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهَا.   Qجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى كَرَاهَةِ الطُّولِ وَسَبَقَهُ إلَى إنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى الْغَزَالِيِّ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ وَإِنْ خَالَفَ الْمُخْتَارَ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا، وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ اسْتَاك طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ. [فَائِدَةٌ كون السِّوَاك وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَ) ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ السِّوَاكَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ. وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى لَقَدْ خَشِيت أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي» الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَالْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ فَضْلِ التَّيْسِيرِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَأَنَّ مَا يَشُقُّ مِنْهَا مَكْرُوهٌ] (الثَّامِنَةَ عَشْرَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ التَّيْسِيرِ فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَأَنَّ مَا يَشُقُّ مِنْهَا مَكْرُوهٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا» . (التَّاسِعَةَ عَشْرَ) إنْ قِيلَ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «وَلَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ فَلِمَ ذَهَبْتُمْ إلَى تَأَكُّدِ السِّوَاكِ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلَمْ تَذْهَبُوا إلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ؟ بَلْ قُلْتُمْ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَّلَ فِيهِ تَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَشَقَّةِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى السِّوَاكِ فَأَجْمَعُوا لِذَلِكَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ بَلْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا وَأَخَّرَهَا مَرَّةً قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الْإِسْلَامُ وَكَانَ يُؤَخِّرُهَا أَحْيَانَا دُونَ ذَلِكَ فَكَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qالْأَفْضَلُ تَقْدِيمَهَا لِغَلَبَةِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي تَرَكَهُ لِخَشْيَةِ الْمَشَقَّةِ لَيْسَ مُسْتَوِيًا فِي الصُّورَتَيْنِ بَلْ الْأَمْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالسِّوَاكِ أَمْرُ إيجَابٍ وَفَرْضٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ لَفَرَضْتُ عَلَيْكُمْ السِّوَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّمَا تَرَكَ الْأَمْرَ الدَّالَّ عَلَى الْفَرْضِ وَأَتَى بِهِ وَأَمَرَ بِهِ إنْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ فَإِنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ قَطْعًا لِمَا ثَبَتَ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ فِعْلِهَا مِنْ أَوَّلِ دُخُولِ وَقْتِهَا فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِتَأْخِيرِهَا إنَّمَا كَانَ يَأْمُرُهُمْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي لَوْ وَقَعَ لَكَانَ نَدْبًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ بَلْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِ تَقْدِيمَهَا فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرِّفْقِ بِأَمَتِهِ. [فَائِدَةٌ السِّوَاكُ الْمَأْمُورُ بِهِ هَلْ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُبَاشِرُهُ الْمُسْتَاكُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) السِّوَاكُ الْمَأْمُورُ بِهِ هَلْ الْأَوْلَى أَنَّهُ يُبَاشِرُهُ الْمُسْتَاكُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ؟ ذَكَرَ بَعْضُ مُتَأَخِّرَيْ الْحَنَابِلَةِ مِمَّنْ رَأَيْته أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَشْهُورِ «كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَطَهُّرِهِ وَسِوَاكِهِ» وَسَمِعْت بَعْضَ مَشَايِخِنَا الشَّافِعِيَّةِ يَبْنِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّطْهِيرِ، وَالتَّطَيُّبِ أَوْ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ؟ . فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّطَيُّبِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَلِيَهُ بِشِمَالِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ «كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ» وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ بِالْيَمِينِ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي التَّرَجُّلِ، وَالْبُدَاءَةُ بِلُبْسِ النَّعْلِ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْأَعْضَاءِ الْيُمْنَى فِي التَّطَهُّرِ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ الْفَمِ فِي الِاسْتِيَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْأَذَى كَالِامْتِخَاطِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ بِالْيُسْرَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ حِكَايَةً عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتَسَوَّكُ فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَذِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) : وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَقَالَ سُفْيَانُ (مَرَّةً) رِوَايَةَ «خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ، الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ»   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً رِوَايَةَ «خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَرَوَوْهُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ. عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي عَنْ الصَّحَابِيِّ رِوَايَةً مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِ الْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا صَرَّحَ مَرَّةً بِالرَّفْعِ وَأَشَارَ إلَيْهِ أُخْرَى بِقَوْلِهِ رِوَايَةً، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ فِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الثَّالِثَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْفِطْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا السُّنَّةُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ عَشْرٌ مِنْ السُّنَّةِ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَطَرِيقَتِهِمْ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْخِلَافِ وَمَنْ لَا يَرَى وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْهَا يَحْمِلُهَا عَلَى السُّنَّةِ الَّتِي تُقَابِلُ الْوَاجِبَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ هُنَا الدَّيْنُ. وَأَمَّا أَصْلُ الْفِطْرَةِ فَابْتِدَاءُ الْخَلْقِ وَاخْتِرَاعُهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 1] وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا كُنْت أَدْرِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى احْتَكَمَ إلَيَّ أَعْرَابِيَّانِ فِي بِئْرٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا أَيْ ابْتَدَأْتُ حَفْرَهَا وَمِنْهُ بَعِيرٌ فَاطِرٌ إذَا ابْتَدَأَ خُرُوجَ نَابِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِبِلَّةُ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا ابْنُ آدَمَ وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ فِي خُطْبَتِهِ جُبَارُ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا أَيْ عَلَى خَلْقِهَا وَجِبِلَّتِهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَقِيلَ الْفِطْرَةُ الْإِسْلَامُ وَمِنْهُ قَوْلُ حُذَيْفَةَ لَوْ مِتَّ عَلَى هَذَا مِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخَذَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ يُزَادُ فِيهَا السِّوَاكُ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِتَانَ، وَنَسِيَ مُصْعَبٌ الْعَاشِرَةَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ، وَقَدْ صَنَّفَهُ النَّسَائِيّ. وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «إنَّ مِنْ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةَ، وَالِاسْتِنْشَاقَ» قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ إعْفَاءَ اللِّحْيَةِ زَادَ (وَالْخِتَانُ) قَالَ (وَالِانْتِضَاحُ) وَلَمْ يَذْكُرْ انْتِقَاصَ   Qاللَّبَنَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَصَبْت الْفِطْرَةَ. [فَائِدَةٌ مُنَاسَبَة تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْخِصَالِ فِطْرَةً] 1 (الرَّابِعَةُ) فِي مُنَاسَبَةِ تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْخِصَالِ فِطْرَةً قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ مِمَّا فَطَرَهُ عَلَى حُسْنِ الْهَيْئَةِ، وَالنَّظَافَةِ وَكِلَاهُمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَقَاءُ عَلَى أَصْلِ كَمَالِ الْخِلْقَةِ الَّتِي خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا، وَبَقَاءُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَتَرْكُ إزَالَتِهَا يُشَوِّهُ الْإِنْسَانَ وَيُقَبِّحُهُ بِحَيْثُ يُسْتَقْذَرُ وَيُجْتَنَبُ فَيَخْرُجُ عَمَّا تَقْتَضِيه الْفِطْرَةُ الْأُولَى فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِطْرَةً لِهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ هِيَ الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا إبْرَاهِيمَ فَأَتَمَّهُنَّ فَجَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا. (السَّادِسَةُ) فِي قَوْلِهِ مِنْ الْفِطْرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ بَعْضُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ لَا كُلُّهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ قَالَ زَكَرِيَّا قَالَ مُصْعَبٌ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ» وَزَادَ قُتَيْبَةُ قَالَ وَكِيعٌ انْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ، وَقَدْ ضَعَّفَ النَّسَائِيّ رَفْعَهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى طَلْقِ ابْنِ حَبِيبٍ ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ وَمُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ خِصَالَ الْفِطْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَسْقَطَ مِنْهَا الْخِتَانَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ مِنْهَا الِانْتِضَاحَ فِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالِانْتِضَاحُ، وَالِاخْتِتَانُ» لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَسَاقَ أَبُو دَاوُد بَعْضَهُ وَأَحَالَ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: إنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِسَلَمَةَ سَمَاعٌ مِنْ عَمَّارٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ الْفِطْرَةِ الْفَرْقَ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد بَعْدَ حَدِيثِ عَمَّارٍ فَقَالَ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ خَمْسٌ كُلُّهَا فِي الرَّأْسِ ذَكَرَ فِيهَا الْفَرْقَ لَمْ يَذْكُرْ إعْفَاءَ اللِّحْيَةِ فَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ خَصْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ فَإِنَّ سُفْيَانَ قَدْ رَوَاهُ عَلَى الشَّكِّ كَمَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ فَوْقَهُ أَوْ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْهُ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَعَمَّارٍ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّأَكُّدَ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ وَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِتَأَكُّدِهَا. (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ عَمَّارٍ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِمَا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ النَّسَائِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْفِطْرَةُ قَصُّ الْأَظْفَارِ وَأَخْذُ الشَّارِبِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ» فَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ «مِنْ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَسْقَطَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فَاقْتَصَرَ عَلَى عَزْوِهِ لِلنَّسَائِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى خَمْسٍ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى ثَلَاثٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى عَشْرٍ مَعَ وُرُودِ غَيْرِهَا فَأَفَادَنَا ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعَدَدِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلِمَنْ قَالَ بِهِ أَنْ يُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ بِالزِّيَادَةِ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ لَمَّا حَدَّثَ بِبَعْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ حُكْمُ الْخِتَانِ] 1 (الثَّامِنَةُ) الْخِتَانُ هُوَ قَطْعُ الْغُلْفَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ مِنْ الرَّجُلِ وَقَطْعُ بَعْضِ الْجِلْدَةِ الَّتِي فِي أَعْلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَيُسَمَّى خِتَانُ الرَّجُلِ إعْذَارًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالرَّاءِ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ خَفْضًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْفَاءِ، وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ؟ . فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى وُجُوبِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ سُنَّةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ سُنَّةٌ بِحَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُ يَدُورُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ. (قُلْت) : قَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا خِلَافَ الْوَاجِبِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الطَّرِيقَةُ وَاحْتَجُّوا عَلَى وُجُوبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُخْتُتِنَ إبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ» وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ الَّذِي أَسْلَمَ «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» وَاسْتَدَلَّ ابْنُ شُرَيْحٍ عَلَى وُجُوبِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ فَلَوْلَا أَنَّ الْخِتَانَ فَرْضٌ لَمَا أُبِيحَ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ الْمَخْتُونِ وَنَقَضَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِجَوَازِ نَظَرِ الطَّبِيبِ وَلَيْسَ الطِّبُّ وَاجِبًا إجْمَاعًا وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّ بَقَاءَ الْغُلْفَةِ تَحْبِسُ النَّجَاسَةَ وَتَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا وَشَبَّهَهُ بِالنَّجَاسَةِ فِي بَاطِنِ الْفَمِ وَقَاسَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَقَالَ هُوَ قَطْعُ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ لَا يُسْتَخْلَفُ تَعَبُّدًا فَوَجَبَ كَالْقَطْعِ وَاحْتُرِزَ بِعَدَمِ الِاسْتِخْلَافِ عَنْ الشَّعْرِ، وَالظُّفْرِ وَبِالتَّعَبُّدِ عَلَى الْقَطْعِ لِلْآكِلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ. (التَّاسِعَةُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْخِتَانِ فَمَحَلُّ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ سُئِلَ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَنَا يَوْمئِذٍ مَخْتُونٌ وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ» وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَخْتِنَ الصَّغِيرَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْرُمُ الْخِتَانُ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ عَشْرِ سِنِينَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا رَوَاهُ. [فَائِدَةٌ حُكْمُ حَلْقِ الْعَانَةِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) الِاسْتِحْدَادُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْحَدِيدِ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إجْمَاعًا وَاخْتُلِفَ فِي الْعَانَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ حَلْقُهَا فَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَا حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ الشَّعْرِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ إنَّهُ الشَّعْرُ الَّذِي حَوْلَ حَلْقَةِ الدُّبُرِ قَالَ النَّوَوِيُّ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا اسْتِحْبَابُ حَلْقِ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ، وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا، وَالْأَحْسَنُ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ وَيَحْصُلُ بِالْقَصِّ بِالْمِقَصَّيْنِ وَكَذَلِكَ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالنَّتْفِ وَاسْتِعْمَالِ النُّورَةِ وَنَحْوِهَا إذْ الْمَقْصُودُ حُصُولُ النَّظَافَةِ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَاتِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَاتِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِمَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِغَيْرِ التَّصْرِيحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَصِّ الشَّارِبِ، وَهُوَ مَجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ إلَى وُجُوبِهِ لِقَوْلِهِ «قُصُّوا الشَّوَارِبَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ جُزُّوا وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ أَحْفُوا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَنْهِكُوا الشَّوَارِبَ» . وَالْمُخْتَارُ فِي صِفَةِ قَصِّهِ أَنْ يَقُصَّ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَهُوَ حُمْرَتُهَا وَلَا يُحْفِيه مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى حَلْقَهُ مُثْلَةً وَيَأْمُرُ بِأَدَبِ فَاعِلِهِ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَعْلَاهُ وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ إلَى اسْتِحْبَابِ إحْفَائِهِ وَاسْتِئْصَالِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَحْفُوا وَجُزُّوا وَفِي بَعْضِهَا أَنْهِكُوا وَبِرِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَحَلْقُ الشَّارِبِ وَحَمَلَ الْأَوَّلُونَ الْجَزَّ، وَالْإِحْفَاءَ عَلَى الْقَصِّ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى إحْفَاءِ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّقْصِيرُ لَا اسْتِئْصَالُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقْصِيرُ الشَّارِبِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا «قَصُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَارِبَ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى سِوَاكٍ» كَمَا رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ اسْتِئْصَالَهُ لَمَا وَضَعَ السِّوَاكَ حَتَّى يَقْطَعَ مَا زَادَ عَلَيْهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَ) يُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءٌ بِقَصِّ الْجِهَةِ الْيُمْنَى مِنْ الشَّارِبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي تَطَهُّرِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» (الرَّابِعَةَ عَشْرَ) يَجُوزُ فِي قَصّ الشَّارِبِ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَقُصَّهُ لَهُ غَيْرُهُ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد إذْ لَا هَتْكَ حُرْمَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا نَقْصَ مُرُوءَةٍ. [فَائِدَةٌ كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؟ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتُرُ الْفَمَ وَلَا يُبْقِي فِيهِ غَمْرَةَ الطَّعَامِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نُعْفِي السِّبَالَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَجُوسُ فَقَالَ إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ» فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ سِبَالَهُ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» ، وَالْعَثَانِينُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَكْرَارِ النُّونِ جَمْعُ عُثْنُونٍ: اللِّحْيَةُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالتَّقْلِيمُ تَفْعِيلٌ مِنْ الْقَلْمِ، وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ تَقْلِيمُ الْأَشْجَارِ، وَهُوَ قَطْعُ أَطْرَافِهَا. (السَّابِعَةَ عَشْرَ) لَمْ يَثْبُتْ فِي كَيْفِيَّةِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ حَدِيثٌ يُعْمَلُ بِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لَمْ أَرَ فِي الْكُتُبِ خَبَرًا مَرْوِيًّا فِي تَرْتِيبِ قَلْمِ الْأَظْفَارِ وَلَكِنْ سَمِعْت أَنَّهُ رَوَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى وَخَتَمَ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى وَابْتَدَأَ فِي الْيُسْرَى بِالْخِنْصَرِ إلَى الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُمْنَى مِنْ الْمُسَبِّحَةِ إلَى الْخِنْصَرِ وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى» . قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَمَّا تَأَمَّلْت هَذَا خَطَرَ لِي مِنْ الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ صَحِيحَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ لِذَلِكَ حِكْمَةً، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابٍ وَقَفْت عَلَيْهِ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي إنْكَارِ هَذَا عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْلِطَ الشَّرِيعَةَ بِالْفَلْسَفَةِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَبَالَغَ فِي تَقْبِيحِ ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ. وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي تَأْخِيرِ إبْهَامِ الْيُمْنَى إلَى بَعْدِ الْفَرَاغِ مِنْ الْيُسْرَى وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتِمَ الْيُمْنَى بِإِبْهَامِهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ حِكْمَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْيُمْنَى أَوْلَى ثُمَّ إنَّ أَشْرَفَ أَصَابِعِ الْيَدِ الْيُمْنَى الْمُسَبِّحَةُ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ بِهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ وَفِي التَّشَهُّدِ فَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِالْمُسَبِّحَةِ أَوْلَى ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَعْقُبَهَا بِمَا عَلَى جِهَةِ يَمِينِ الرَّجُلِ. وَالْغَالِبُ أَنَّ الَّذِي يَقُصُّ تَكُونُ يَدُهُ ظَهْرُهَا إلَى فَوْقٍ فَكَانَ الَّذِي إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ الْوُسْطَى ثُمَّ مَا بَعْدَهَا إلَى الْخِنْصَرِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا حِينَئِذٍ إلَّا الْإِبْهَامُ فَيَخْتِمُ بِهِ. وَأَمَّا الْيُسْرَى فَلَا فَضِيلَةَ فِيهَا لِلْمُسَبِّحَةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَقَدْ «رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا يَدْعُو، وَهُوَ يُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ الْمُسَبِّحَةِ مِنْ الْيُمْنَى وَنَظِيرِهَا مِنْ الْيُسْرَى فَقَالَ لَهُ أَحَدٌ أَحَدٌ» أَيْ أُشِرْ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَلَا تُشِرْ بِنَظِيرِهَا مِنْ الْيُسْرَى، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِ الْمُسَبِّحَةِ مِنْهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْبُدَاءَةُ بِأَحَدِ طَرَفَيْهَا وَيَقُصُّ عَلَى الْوَلَاءِ. وَأَمَّا مَيْلُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْخِنْصَرِ فَلِأَنَّ الْيَدَ غَالِبًا تُقَصُّ وَظُهْرُهَا إلَى فَوْقٍ، فَإِذَا بَدَأَ بِخِنْصَرِهَا أَتَى بَعْدَهَا بِمَا يَلِي جِهَةَ يَمِينِهِ وَلَوْ بَدَأَ بِالْإِبْهَامِ أَوَّلًا لَأَتَى بَعْدَهَا بِمَا يَلِي جِهَةَ شِمَالِهِ فَكَانَ الِاعْتِنَاءُ لِجِهَةِ الْيَمِينِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَادَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي تَقْلِيمِ أَظْفَارِ الرِّجْلَيْنِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى، وَهُوَ يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَصِّ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَرَأَيْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَخْتَارُ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ كَيْفِيَّةً أُخْرَى بِحَيْثُ يَكُونُ الْقَصُّ مُخَالِفًا لَا عَلَى الْوَلَاءِ وَأَنَّهُ يَبْدَأُ بِمُسَبِّحَةِ الْيَدِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ بِالْإِبْهَامِ ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ بِمُسَبِّحَةِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ عَلَى الْمُخَالِفَةِ ثُمَّ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْإِبْهَامِ ثُمَّ الْإِصْبَعِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْخِنْصَرِ ثُمَّ بِالْمُجَاوِرَةِ لِلْإِبْهَامِ ثُمَّ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْخِنْصَرِ الَّتِي تُجَاوِرُ الْإِبْهَامَ ثُمَّ الَّتِي تُجَاوِرُ الْخِنْصَرِ وَقَالَ: إنَّهُ جَرَّبَ هَذَا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الرَّمَدِ وَأَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَرْمَدُ فَمِنْ حِينَ صَارَ يَقُصُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَرْمِدْ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَأَيْت مَنْ يَذْكُرُهُ حَدَّثَنَا مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُخَالِفًا عُوفِيَ الرَّمَدَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْأُولَى أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ بِهَا سُنَّةً لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا أَيْضًا وَكَيْفَمَا قَصَّ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ وَقْت اسستحباب قص الشَّارِب وَتَقْلِيم الْأَظْفَار] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَ) يُخَيَّرُ الَّذِي يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَقُصَّ لَهُ غَيْرُهُ لِقَصِّ الشَّارِبِ سَوَاءٌ إذْ لَا هَتْكَ حُرْمَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا تَرْكَ مُرُوءَةٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَا يُحْسِنُ قَصَّ أَظَافِرَ يَدِهِ الْيُمْنَى فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَسْتَمْكِنُ مِنْ قَصِّهَا لِعُسْرِ اسْتِعْمَالِ الْيَسَارِ، فَإِنَّ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ غَيْرُهُ لِئَلَّا يَجْرَحَ يَدَهُ أَوْ يُؤْذِيَهَا. (التَّاسِعَةَ عَشْرَ) اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ بِقَصِّ الْأَظْفَارِ فَوَرَدَ فِي بَعْضِهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَفِي بَعْضِهَا يَوْمُ الْخَمِيسِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى رَوَيْنَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلًا قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظَافِرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» انْتَهَى. وَأَمَّا قَصُّهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ فَرَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مُسَلْسَلٍ بِذَلِكَ أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَحَدِ الْحَرَّانِيِّ وَرَأَيْته يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ. قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ وَرَأَيْته يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمَشَايِخُ السِّتَّةُ صَقْرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَقْرٍ وَأَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْعَجَمِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَلَبِيُّونَ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلٍ وَمُحَمَّدٌ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ أَبْنَاءُ عَبْدِ الْهَادِي بْنِ قُدَامَةَ الدِّمَشْقِيُّونَ وَرَأَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالُوا أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ وَرَأَيْنَاهُ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ. قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي لِأُمِّي أَبُو الْقَاسِمِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ وَرَأَيْته يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الْإِمَامَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيَّ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الْحَافِظَ أَبَا الْعَبَّاسِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَغْفِرِيَّ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الْإِمَامَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمَكِّيَّ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الْإِمَامَ إسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ شَاهْ الْمَرْوَرُذِيَّ بِهَا يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيَّ، وَهُوَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ الْكُوفِيَّ، وَهُوَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الْحُسَيْنَ بْنَ هَارُونَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الضَّبِّيَّ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعُمَرَ بْنَ حَفْصٍ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ قَالَ رَأَيْت أَبِي حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ رَأَيْت جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ رَأَيْت مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ رَأَيْت عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ رَأَيْت الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ رَأَيْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ قَصُّ الظُّفْرِ وَنَتْفُ الْأَنْفِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَالْغُسْلُ، وَالطِّيبُ، وَاللِّبَاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» . وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ هَارُونَ الضَّبِّيُّ وَمَنْ بَعْدَهُ فَثِقَاتٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ نَتْفِ شَعْرِ الْإِبِطِ] (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ نَتْفِ شَعْرِ الْإِبِطِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَسُنِّيَّتِهِ وَتَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِإِزَالَتِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ، وَالْقَصِّ، وَالنُّورَةِ وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُ الْمُزَيِّنُ يَحْلِقُ إبِطَهُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلِمْت أَنَّ السُّنَّةَ النَّتْفُ وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ وَيُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالْإِبِطِ الْأَيْمَنِ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) سَوَّى النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْإِبِطِ، وَالْعَانَةِ فِي أَنَّهُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ الْمُرُوءَةِ، وَالْحُرْمَةِ بِخِلَافِ قَصِّ الشَّارِبِ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْأَفْضَلِ مِنْ النَّتْفِ فِي الْإِبِطِ أَمَّا إذَا أَتَى بِالْحَلْقِ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ لِمُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ لِإِزَالَتِهِ لِعُسْرِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَلَقَهُ لَهُ الْمُزَيِّنُ. (الثَّانِيَةُ، وَالْعِشْرُونَ) الْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْإِبِطِ بِالنَّتْفِ، وَالْعَانَةِ بِالْحَلْقِ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنَّ الْإِبِطَ مَحَلُّ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَالنَّتْفُ يُضْعِفُ الشَّعْرَ فَتَخِفُّ الرَّائِحَةُ، وَالْحَلْقُ يُكَثِّفُ الشَّعْرَ فَتَكْثُرُ فِيهِ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْقَوْل بِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ تَحْتَ إبِطِهِ] 1 (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ تَحْتَ إبِطِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبِطَيْهِ» وَقَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَيَاضَ الْإِبِطِ كَانَ مِنْ خَوَاصِّهِ فَوَرَدَ التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ فِي حَقِّهِ فَأُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ ذُهُولًا قَالَ: وَأَمَّا إبِطُ غَيْرِهِ فَأَسْوَدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعْرِ انْتَهَى وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ هَذَا مِنْ الْخَصَائِصِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بَلْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَالْخَصَائِصُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ بَيَاضَ إبِطَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَعْرٌ فَإِنَّ الشَّعْرَ إذَا نُتِفَ بَقِيَ الْمَكَانُ أَبْيَضَ وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ آثَارُ الشَّعْرِ؛ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَقْوَمَ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ فَقَالَ كُنْت أَنْظُرُ إلَى عُفْرَةِ إبِطَيْهِ إذَا سَجَدَ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْعُفْرَةَ بَيَاضٌ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ وَلَكِنْ كَلَوْنِ عَفْرِ الْأَرْضِ، وَهُوَ وَجْهُهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آثَارَ الشَّعْرِ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَكَانَ أَعْفَرَ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ خَالِيًا مِنْ بَنَاتِ الشَّعْرِ جُمْلَةً لَمْ يَكُنْ أَعْفَرَ وَإِطْلَاقُ بَيَاضِ الْإِبِطَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَلَا إنْكَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِبِطَ لَا تَنَالُهُ الشَّمْسُ فِي السَّفَرِ، وَالْحَرِّ فَيُغَيَّرُ لَوْنُهُ كَسَائِرِ الْجَسَدِ الَّذِي يَبْدُو لِلشَّمْسِ نَعَمْ الَّذِي نَعْتَقِدُ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِإِبْطِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ بَلْ كَانَ نَظِيفًا طَيِّبَ الرَّائِحَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «مَا شَمَمْت عَنْبَرًا قَطُّ وَلَا مِسْكًا وَلَا شَيْئًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «أَنَّ أُمَّ أَنَسٍ كَانَتْ تَجْمَعُ عَرَقَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَارُورَةٍ فَتَجْعَلُهُ فِي طِيبِهَا» قَالَتْ، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يُوجَدُ مِنْ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ عِنْدَ قَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجَتَهُ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَنِينَ بِأَخْبَارِهِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَغَوَّطُ انْشَقَّتْ الْأَرْضُ فَابْتَلَعَتْ غَائِطَهُ وَبَوْلَهُ. وَفَاحَتْ لِذَلِكَ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّك تَأْتِي الْخَلَاءَ فَلَا نَرَى مِنْك شَيْئًا مِنْ الْأَذَى فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَوَ مَا عَلِمْت أَنَّ الْأَرْضَ تَبْلَعُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ» . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِطَهَارَةِ الْحَدَثَيْنِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَادَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا. [فَائِدَةٌ مَنْ لَمْ يَحْلِقْ عَانَتَهُ وَيُقَلِّمْ أَظْفَارَهُ وَيَجُزَّ شَارِبَهُ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَدَّمْتُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ حَلْقَ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ «مَنْ لَمْ يَحْلِقْ عَانَتَهُ وَيُقَلِّمْ أَظْفَارَهُ وَيَجُزَّ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْهُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّارِبِ فَقَطْ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَطْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ التَّوْقِيتِ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ] (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي التَّوْقِيتِ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَفِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ وُقِّتَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْأُصُولِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَرَّحَ بِالْفَاعِلِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا فَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَيْعِيِّ فِي حَدِيثِ هَذَا نَظَرٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَ بِحُجَّةِ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ قُلْت قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى الدَّقِيقِيُّ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَكِنْ صَدَقَةُ ضَعِيفٌ. وَرَوَى أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ شَيْخٌ مِصْرِيٌّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ فِي زِيَادَاتِهِ عَلَى سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ جُدْعَانَ أَيْضًا ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْخِصَالِ فِي التَّوْقِيتِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَلِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي خَالِدٍ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ مِصْرِيٌّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ الرَّجُلُ عَانَتَهُ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَنْ يَنْتِفَ إبِطَهُ كُلَّمَا طَلَعَ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَدْعُ شَارِبَيْهِ يَطُولَانِ وَأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَنْ يَتَعَهَّدَ الْبَرَاجِمَ إذَا تَوَضَّأَ» الْحَدِيثَ قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَصَحُّ طُرُقِهِ طَرِيقُ مُسْلِمٍ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْكَلَامِ وَلَيْسَ فِيهَا تَأْقِيتٌ لِمَا هُوَ أَوْلَى بَلْ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعِينَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ هَذَا تَحْدِيدُ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ قَالَ: وَالْمُسْتَحَبُّ تَفَقُّدُ ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِلَّا فَلَا تَحْدِيدَ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَثُرَ ذَلِكَ أُزِيلَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالْحَاجَةِ وَطُولِهِ. [فَائِدَةٌ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ] 1 (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ زَادَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ تَوْفِيرُ شَعْرِهَا وَتَكْثِيرُهُ وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَالشَّارِبِ مِنْ عَفَا الشَّيْءَ إذَا كَثُرَ وَزَادَ، وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَفِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي لُغَتَانِ أَعْفَاهُ وَعَفَاهُ وَجَاءَ الْمَصْدَرُ هُنَا عَلَى الرُّبَاعِيِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ «أَعْفُوا اللِّحَى» وَفِي رِوَايَةٍ أَوْفُوا وَفِي رِوَايَةٍ وَفِّرُوا. وَفِي رِوَايَةٍ أَرْخُوا وَهِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ مِنْ التَّرْكِ، وَالتَّأْخِيرِ وَأَصْلُهُ الْهَمْزَةُ فَحُذِفَ تَخْفِيفًا كَقَوْلِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ اللِّحْيَةِ عَلَى حَالِهَا وَأَنْ لَا يُقْطَعَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يُكْرَهُ حَلْقُهَا وَقَصُّهَا وَتَحْرِيقُهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ لَا يَجُوزُ حَلْقُهَا وَلَا نَتْفُهَا وَلَا قَصُّ الْكَثِيرِ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا فَحَسَنٌ قَالَ وَتَكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي قَصِّهَا وَجَزِّهَا قَالَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ لِذَلِكَ حَدٌّ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُحَدِّدْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا لِحَدِّ الشُّهْرَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ طُولَهَا جِدًّا وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّدَ بِمَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ فَيُزَالُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الْأَخْذَ مِنْهَا إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي اللِّحْيَةِ عَشْرَ خِصَالٍ مَكْرُوهَةً بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ. (إحْدَاهَا) خِضَابُهَا بِالسَّوَادِ لَا لِغَرَضِ الْجِهَادِ (الثَّانِيَةُ) خِضَابُهَا بِالصُّفْرَةِ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ لَا لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ. (الثَّالِثَةُ) تَبْيِيضُهَا بِالْكِبْرِيتِ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ، وَالتَّعْظِيمِ وَإِيهَامِ لُقِيِّ الْمَشَايِخِ. (الرَّابِعَةُ) نَتْفُهَا أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ. (الْخَامِسَةُ) نَتْفُ الشَّيْبِ. (السَّادِسَةُ) تَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ تَصَنُّعًا لِيَسْتَحْسِنَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنِّسَاءُ وَغَيْرُهُنَّ. (السَّابِعَةُ) الزِّيَادَةُ فِيهَا، وَالنَّقْصُ فِيهَا بِالزِّيَادَةِ فِي شَعْرِ الْعِذَارَيْنِ مِنْ الصُّدْغَيْنِ أَوْ أَخْذُ بَعْضِ الْعِذَارِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَنَتْفِ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (الثَّامِنَةُ) تَسْرِيحُهَا تَصَنُّعًا لِأَجْلِ النَّاسِ. (التَّاسِعَةُ) تَرْكُهَا شَعِثَةً مُنْتَفِشَةً إظْهَارًا لِلزَّهَادَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ. (الْعَاشِرَةُ) النَّظَرُ إلَى سَوَادِهَا أَوْ بَيَاضِهَا إعْجَابًا وَخُيَلَاءَ وَغُرَّةً بِالشَّبَابِ وَفَخْرًا بِالْمَشِيبِ وَتَطَاوُلًا عَلَى الشَّبَابِ ثُمَّ قَالَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَ) عَقْدُهَا وَطَفْرُهَا. (الثَّانِيَةَ عَشْرَ) حَلْقُهَا إلَّا إذَا نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ فَيُسْتَحَبُّ حَلْقُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْبَرَاجِمِ] 1 (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ وَتَأَكُّدُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ. (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْبَرَاجِمِ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَالْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ الَّتِي فِي ظَاهِرِ الْكَفِّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهِيَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْوُضُوءِ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَنْظِيفُهَا فِي الْوُضُوءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ الرَّجُلُ عَانَتَهُ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «أَنْ يَتَعَاهَدَ الْبَرَاجِمَ إذَا تَوَضَّأَ فَإِنَّ الْوَسَخَ إلَيْهَا سَرِيعٌ» الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُصُّوا أَظْفَارَكُمْ وَادْفِنُوا قَلَائِمَكُمْ وَنَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ» الْحَدِيثَ وَعُمَرُ بْنُ بِلَالٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُهُ أَيْضًا مَا بَيْنَ عُقَدِ الْأَصَابِعِ مِنْ بَاطِنِ الْكَفِّ وَتُسَمَّى الرَّوَاجِبَ بِالْجِيمِ، وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا وَاحِدَاتُهَا رَاجِبَةٌ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ الْغَرِيبَيْنِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قِيلَ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَبْطَأَ عَنْك جِبْرِيلُ فَقَالَ وَلِمَ لَا يُبْطِئُ عَنِّي وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَنُّونَ وَلَا تُقَلِّمُونَ أَظْفَارَكُمْ وَلَا تَقُصُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلَا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ» . [فَائِدَةٌ انْتِقَاصُ الْمَاءِ] (الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ) وَفِيهِ انْتِقَاصُ الْمَاءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِالْقَافِ، وَالصَّادِ الْمُهْمَلَة، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ، وَالْهَرَوِيُّ فِي الْعُرَنِيِّينَ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ بِالْفَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ تَصْوِيبَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِنُضْحِ الدَّمِ الْقَلِيلِ نَفْصُهُ وَجَمْعُهَا نُفَصٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا شَاذٌّ، وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي مَعْنَاهُ فَفَسَّرَهُ وَكِيعٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 الْمَاءِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِتَمَامِهِ وَتَكَلَّمَ الْبُخَارِيُّ فِي اتِّصَالِهِ.   Qكَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَمُرَادُهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْغَرِيبِ انْتِقَاصُ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ إذَا غَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ قَوْلِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ فِيهِ وَغَسْلُ الدُّبُرِ وَقَالَ النَّسَائِيّ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَقِيلَ: إنَّ انْتِقَاصَ الْمَاءِ الِانْتِضَاحُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْفَوَائِدِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. 1 - (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) ذَكَرَ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنُ أَنَّ مُصْعَبًا هُوَ الَّذِي نَسِيَ الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ الَّذِي نَسِيَهَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَأَنَا شَكَكْت فِي الْمَضْمَضَةِ إلَّا أَنَّ سُلَيْمَانَ جَعَلَ الْحَدِيثَ مِنْ قَوْلِ طَلْقٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ إنَّهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَالْقَائِلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَقِيَّةَ قَوْلِ مُصْعَبٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي عَنْهُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهَا. وَقَدْ جَزَمَ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ فِيهَا أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إيَاسٍ الرَّاوِي لَهُ عَنْ طَلْقٍ قَوْلَهُ فَقَالَ فِيهِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ قَالَ النَّسَائِيُّ وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَجَعْفَرِ بْنِ إيَاسٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ انْتَهَى وَكَذَلِكَ هُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ «وَإِنَّ مِنْ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ فِيهِمَا وَقِيلَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْلِ سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. [فَائِدَةٌ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ الِانْتِضَاحُ] 1 (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) ذَكَرَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ الِانْتِضَاحُ فَقِيلَ: إنَّهُ انْتِقَاصُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ انْتِقَاصَ الْمَاءِ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ. وَأَمَّا الِانْتِضَاحُ فَهُوَ رَشُّ الْمَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ اسْتِحْبَابِهِ فَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ نَضْحُ الْفَرْجِ بِمَاءٍ قَلِيلٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ. وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ» . وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَّمَنِي جِبْرِيلُ الْوُضُوءَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْضَحَ تَحْتَ ثَوْبِي مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْبَوْلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ» فَقَوْلُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُتَعَلِّقٌ بِأَنْضَحَ لَا بِقَوْلِهِ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 بَابُ الِاسْتِجْمَارِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ» زَادَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ.   Qخَرَجَ الْبَوْلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَوَجَبَتْ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَلِابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا تَوَضَّأْت فَانْتَضِحْ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَضَحَ فَرْجَهُ» وَقِيلَ: إنَّ الِانْتِضَاحَ الْمَذْكُورَ هُوَ أَنْ يَنْضَحَ ثَوْبَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَهَّمَ نَجَاسَةَ بَلَلٍ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَحَالَ بِهِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي نَضَحَ بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ» ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّضْحِ هُنَا غَسْلُ الْبَوْلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الِاسْتِنْجَاءَ فَإِنَّ النَّضْحَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْغُسْلُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلَانِ [بَابُ الِاسْتِجْمَارِ] ِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ» الْكَلَامُ عَلَيْهِ: الِاسْتِجْمَارُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْجِمَارِ وَهِيَ الْأَحْجَارُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْمِجْمَرَةِ، وَهُوَ التَّبَخُّرُ، وَالْأَمْرُ بِالْإِيتَارِ فِي الِاسْتِجْمَارِ مُسْتَحَبٌّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ؛ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَرَجَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ بَابِ الْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْغُسْلِ] [حَدِيث عَائِشَةَ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ] بَابُ الْغُسْلِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ هَكَذَا، وَالْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِلَفْظِ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِلَفْظِ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إنَاءٍ هُوَ الْفَرَقُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَمِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي قَدَحٍ هُوَ الْفَرَقُ وَكُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا، وَهُوَ فِي الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ. وَقَالَ سُفْيَانُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ خَمْسَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عُرْوَةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ دُون ذِكْرِ الْفَرَقِ وَزَادَ الشَّيْخَانِ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ. زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ الْجَنَابَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ دُونَ قَوْلِهِ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ وَنَحْنُ جُنُبَانِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاء وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» وَلَهُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذَةَ عَنْهَا «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ فَيُبَادِرُنِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَتَّى أَقُولَ دَعْ لِي دَعْ لِي قَالَتْ وَهُمَا جُنُبَانِ» . وَقَالَ النَّسَائِيّ: يُبَادِرُنِي وَأُبَادِرُهُ حَتَّى يَقُولَ دَعِي لِي وَأَقُولُ دَعْ لِي وَلِلشَّيْخَيْنِ وَأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» . (الثَّانِيَةُ) الْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَالرَّاءِ مَعًا وَآخِرُهُ قَافٌ هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى الشَّهِيرَةُ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى بِإِسْكَانِ الرَّاءِ حَكَاهَا ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْفَرَقِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَيَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَهَابِهِ إلَى أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَاعِ الزَّكَاةِ وَصَاعِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَجَعَلَ صَاعَ الْجَنَابَةِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَسَعُ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ» فَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعَ حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ أَنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ: «أَتَى مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فَقَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هَذَا» وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّاعُ بَلْ هُوَ مِثْلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي اغْتِسَالِهِمَا بِالْفَرَقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ سُفْيَانُ مِنْ كَوْنِ الْفَرَقِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ الْفَرَقُ صَاعَانِ وَنِصْفٌ حَكَاهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَلَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ الرَّاءِ، وَالسَّاكِنِ الرَّاءِ فِي الْمِقْدَارِ فَقَالَ فِي الْمَفْتُوحِ الرَّاءِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ صَاعَيْنِ وَنِصْفًا وَقَالَ فِي السَّاكِنِ الرَّاءِ إنَّهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ الْفَرَقُ إنَاءٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِيلِ الْعِرَاقِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَقِيلَ هُوَ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَكَاهُ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْدِيدَهُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِزَيْنَبِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالْفَرَقِ» ، وَهُوَ الصَّاعُ فَفَسَّرَ الْفَرَقَ بِالصَّاعِ، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ. (وَالثَّالِثَةُ) فِيهِ جَوَازُ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مَعًا وَاسْتِعْمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِفَضْلِ الْآخَرِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ «يُبَادِرُنِي وَأُبَادَرُهُ» فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَعْمِلٌ لِفَضْلِ الْآخَرِ، وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ. [فَائِدَةٌ الْجَمْع بَيْن حَدِيث عَائِشَة وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْغُسْل] 1 (الرَّابِعَةُ) فِي الْجَمْعِ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ الِاخْتِلَافُ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَحَدِيثُ الْبَابِ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ هُوَ وَعَائِشَةُ مِنْ الْإِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ عِنْد مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إسْقَاطَ ذِكْرِ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ اغْتِسَالِهَا مَعَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ اغْتَسَلَ مِنْهُ وَحْدَهُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ الْإِنَاءَ فِي غُسْلِهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَرَّةً مَعَهَا وَمَرَّةً وَحْدَهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا اغْتِسَالَ عَائِشَةَ مَعَهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: وَكُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا، وَهُوَ فِي الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ أَوْ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهَا هُوَ الْإِنَاءُ الْمَذْكُورُ الَّذِي هُوَ الْفَرَقُ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ مَعْمَرٍ وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ بَيَانَ اغْتِسَالِهَا مَعَهُ بِغَيْرِ قَيْدِ كَوْنِهِ مِنْ الْإِنَاءِ الَّذِي هُوَ الْفَرَقُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ كَالْجَوَابِ عَنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ. وَأَمَّا رِوَايَةُ حَفْصَةَ عَنْ عَائِشَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبَهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْفَرَقِ، وَقَدْ جَمَعَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِاغْتِسَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُدِّ هُنَا الصَّاعَ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ الْفَرَقِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَاغْتَسَلَا مِنْ إنَاءٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ وَزَادَهُ لَمَّا فَرَغَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت وَلَعَلَّهُمَا أَيْضًا لَمْ يَزِيدَاهُ بَلْ كَفَاهُمَا لِلِاغْتِسَالِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمَا زَادَاهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ اكْتِفَائِهِمَا بِهِ. وَقَدْ وَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ فِيهِ فَبُورِكَ كَمَا وَقَعَ فِي الْقَدَحِ الَّذِي تَوَضَّأَ مِنْهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَكَانَ لَا يَسَعُ يَدَهُ أَنْ يَبْسُطَهَا فِيهِ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) إنْ قَالَ قَائِلٌ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي اغْتِسَالِهِمَا بِالْفَرَقِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اغْتِسَالِهِ صَاعًا وَنِصْفَ صَاعٍ إنْ اسْتَعْمَلَاهُ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ صَاعٍ وَنِصْفٍ إنْ تَفَاضَلَا فَكَيْفَ يَتَّفِقُ هَذَا مَعَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ غَايَةَ مَا اغْتَسَلَ بِهِ صَاعٌ وَرُبُعٌ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ «كَانَ يَغْتَسِلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالصَّاعِ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ» ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْفَرَقِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَا اسْتَعْمَلَاهُ بِجُمْلَتِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْهُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي قَالَتْ فِيهَا «حَتَّى يَقُولَ دَعِي لِي وَأَقُولُ دَعْ لِي» فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا أَنَّهُمَا اسْتَكْمَلَا مَاءَ ذَلِكَ الْإِنَاءِ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ لِلْفَرَقِ أَصْلًا وَإِنَّمَا قَالَتْ فِيهِ «مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ» فَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ كَانَ اسْتِعْمَالُهُمَا لِلْإِنَاءِ الَّذِي يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمُدِّ حَقِيقَةً وَأَنَّهُمَا اغْتَسَلَا مِنْهُ جَمِيعًا وَلَمْ يَزِيدَاهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا اسْتِكْمَالَ الْفَرَقِ فِي اغْتِسَالِهِمَا فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأَمْدَادِ؛ لِأَنَّ كَانَ لَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا عَلَى التَّكْرَارِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى أَنَّهُ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اطِّلَاعِهَا عَلَى اغْتِسَالِهِ فَهِيَ أَعْرَفُ مِنْ أَنَسٍ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ: إنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا اغْتِسَالَاتٌ فِي أَحْوَالٍ حَدَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَثِيرَهَا وَفِي بَعْضِهَا قَلِيلَهَا وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي قِلَّةِ مَاءِ الطَّهَارَةِ بَلْ الْوَاجِبُ الِاسْتِيعَابُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُدَقِّقُ الْفَقِيهُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرِقُ الْأَخْرَقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي انْتَهَى إلَّا أَنَّ مِمَّا يَسْتَشْكِلُ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ» فَإِنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْمَكَاكِيكَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ رِطْلًا وَرُبُعُ رِطْلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمَكُّوكَ ثَلَاثُ كِيلَجَاتٍ وَالْكِيلَجَةُ مَنٌّ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ مَنٍّ، وَالْمَنُّ رِطْلَانِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ غَيْرِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ أَنَّ الْمَكُّوكَ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ يَسَعُ صَاعًا وَنِصْفَ صَاعٍ بِالْمَدَنِيِّ انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمَكَاكِيكُ الْخَمْسَةُ أَرْبَعِينَ رِطْلًا لَا جَرَمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُدُّ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ مِقْدَارَ الْمَكُّوكِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ قَالَ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ هُنَا الْمُدُّ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْدِيدِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثَيْ مُدٍّ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 بَابُ الْغُسْلِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ «فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ» زَادَ الشَّيْخَانِ «تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» .   Qوَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ وَضَعَّفَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِنِصْفِ مُدٍّ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ بِقِسْطٍ مِنْ مَاءٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَالْقِسْطُ نِصْفُ مُدٍّ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَالَ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ فِي الْوُضُوءِ وَصَاعٍ فِي الْغُسْلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَحَدِيثُ الثَّلَاثَةِ أَمْدَادٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَهَكَذَا حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ حَدِيثًا آخَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِثُلُثِ مُدِّ وَحَدِيثٌ آخَرُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِمَا لَا يَلُتُّ الثَّرَى وَلَا أَصْلَ لَهُمَا وَبَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أُوقِيَّةٍ وَنِصْفٍ وَمَا أَدْرِي كَيْفَ يُمْكِنُ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ أَوْ أَضْعَافِهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ أَوَّلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وُضُوءَهُ بِثُلُثَيْ مُدٍّ وَحَمَلَهُ عَلَى رِوَايَةِ وُضُوئِهِ بِمُدٍّ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ ثُلُثَا مُدٍّ هُوَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَاذٍ. وَالْمُدُّ مُدَّانِ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُدُّ هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ الْمُدِّ الْأَوَّلِ قِيلَ بِثُلُثٍ وَقِيلَ بِنِصْفٍ لَكِنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَارِيخِ مَوْتِ الرُّبَيِّعِ وَمُدَّةِ وِلَايَةِ هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَهَلْ أَدْرَكَتْ زَمَن هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فَلَا دَلَالَةَ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ مُدَّ هِشَامٍ قَالَ وَلَا يُتَوَهَّمَنَّ أَنَّ قَوْلَهَا فَأَتَى بِمَا قَدْرَ ثُلُثَيْ مُدٍّ يَتَعَيَّنُ لَأَنْ يَكُونَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا إذَا أَدْرَكَتْ مُدَّ هِشَامٍ جَازَ أَنْ تُعَيِّنَ مَا كَانَ أَوَّلًا عِنْدَ الْمِقْدَارِ بِثُلُثَيْ الْمِقْدَارِ الْحَاضِرِ عِنْدَ إخْبَارِهَا انْتَهَى وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ ثُلُثَيْ الْمُدِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ وَاسْمُهَا نُسَيْبَةُ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَكِلَاهُمَا لَمْ تَتَأَخَّرْ وَفَاتُهُ إلَى مُدِّ هِشَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْقَدْر الَّذِي يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ] 1 (السَّادِسَةُ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ، وَالْوُضُوءِ هَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ أَوْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الصَّاعِ، وَالْمُدِّ؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ قَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سَتَأْتِي أَقْوَامٌ يَسْتَقِلُّونَ هَذَا فَمَنْ رَغِبَ فِي سُنَّتِي وَتَمَسَّكَ بِهَا بُعِثَ مَعِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 بَابُ التَّيَمُّمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْت رَسُولَ اللَّهِ   Qفِي حَضِيرَةِ الْقُدْسِ» انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (السَّابِعَةُ) ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الصَّاعِ فِي الْغُسْلِ، وَالْمُدِّ فِي الْوُضُوءِ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ كَاعْتِدَالِ خَلْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ كَانَ ضَئِيلَ الْخَلْقِ أَوْ مُتَفَاحِشَهُ طُولًا أَوْ ضَخْمًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي وُضُوئِهِ مَاءً نِسْبَتُهُ إلَى جَسَدِهِ كَنِسْبَةِ الْمُدِّ إلَى جَسَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ حَسَنٌ مُتَّجَهٌ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] [حَدِيث عَائِشَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ] بَابُ التَّيَمُّمِ هُوَ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ تَيَمَّمْت فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْتُهُ، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ لِلطَّهَارَةِ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ الْعَجْزِ الشَّرْعِيِّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فَيَضْرِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ كَذَلِكَ. (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالنَّاسُ لَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا قَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ» . فِيهِ فَوَائِدُ (الْأُولَى) هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَسَمِ وَرَوَاهُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ مُسَافَرَةِ الرَّجُلِ بِزَوْجَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ خُرُوجُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْأَسْفَارِ قَالَ وَخُرُوجُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْغَزَوَاتِ وَغَيْرِ الْغَزَوَاتِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ الْعَسْكَرُ كَثِيرًا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَلَبَةُ وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» . (الثَّالِثَةُ) يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ خُرُوجِ الرَّجُلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِزَوْجَتِهِ فِي سَفَرٍ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ غَيْرُهَا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى فَأَكْثَرُ فَإِنَّمَا يَجُوز تَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ بِالْخُرُوجِ بِالْقُرْعَةِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا» . الْحَدِيثَ فَقَوْلُ عَائِشَةَ خَرَجْنَا هَلْ أَرَادَتْ نَفْسَهَا فَقَطْ مَعَ جُمْلَةِ النَّاسِ أَوْ أَرَادَتْ نَفْسَهَا وَبَعْضَ زَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَمَلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ السَّفْرَةُ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهِيَ الْمُرَيْسِيعُ كَمَا قِيلَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهَا فَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ فِيهَا بِعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ. (الرَّابِعَةُ) وَقَوْلُ عَائِشَةَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْيِينُ هَذَا السَّفَرِ الَّذِي أَبْهَمَتْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غُزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ فَإِنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّيَمُّمِ كَانَتْ فِيهَا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ غَزَاةَ الْمُرَيْسِيعِ كَانَتْ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ بَيْنَ قُدَيْدٍ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَهَذِهِ السَّفْرَةُ كَانَتْ مِنْ نَاحِيَةِ خَيْبَرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ وَهُمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي تَعْيِينِ الْمَكَانِ الَّذِي ضَاعَ فِيهِ الْعِقْدُ كَمَا سَيَأْتِي. وَكَانَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَلَّدَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الطَّبَقَاتِ جَازِمًا بِهِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَيْضًا لَا عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ بَلْ قَالَ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ فِي غُزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَأَنَّهُ أَيْضًا عَنَى عَنْ ابْنِ سَعْدٍ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ كَمَا جَزَمَ ابْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمُرَيْسِيعِ كَمَا رَوَيْنَاهُ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حَبَسَ الْتِمَاسُهُ النَّاسَ وَطَلَعَ الْفَجْرُ فَلَقِيتُ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرُّخْصَةَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّةُ إنَّكِ كَمَا عَلِمْتُ مُبَارَكَةٌ» . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ نُزُولَ التَّيَمُّمِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمُرَيْسِيعِ وَكَانَ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهَا وَهَلْ مِنْ عِقْدِهَا الَّذِي سَقَطَ مِنْهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُرَيْسِيعِ إلَى سُقُوطِ عِقْدِهَا فِي قِصَّةِ التَّيَمُّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ هَكَذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رُوَاةُ الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ عَلَى الشَّكِّ وَكَأَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ عَنْ عَائِشَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عَائِشَةَ تَرَدَّدَتْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ عِقْدُهَا وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْبَيْدَاءُ مَمْدُودٌ. وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَاتُ الْجَيْشِ بِالْجِيمِ، وَالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَآخِرُهُ شِينٌ مُعْجَمَةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُمَا مَوْضِعَانِ قَرِيبَانِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُمَا مَوْضِعَانِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ قُلْت: وَالْبَيْدَاءُ عِدَّةُ مَوَاضِعَ مِنْهَا بَيْدَاءُ ذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا ابْنُ عُمَرَ بَيْدَاؤُكُمْ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ فَإِنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَدْ رَوَاهُ فَقَالَ فِيهِ بِأُولَاتِ الْجَيْشِ لَمْ يَشُكَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ بَعْدَهَا فَهُوَ أَوْلَى، وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ فَذَكَرَ أَنَّهُ بِالْبَيْدَاءِ لَمْ يَشُكَّ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (السَّادِسَةُ) اخْتَلَفَتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ فِي تَعْيِينِ الْمَكَانِ الَّذِي ضَاعَ فِيهِ الْعِقْدُ فَقَالَ مَالِكٌ مَا تَقَدَّمَ وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَأَكْثَرُ الرُّوَاةُ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا الْمَكَانَ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ فَقَالَ فِيهِ: إنَّهَا سَقَطَتْ قِلَادَتُهَا لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ كَذَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِ سُفْيَانَ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ: وَكَانَ هَذَا الْمَكَانُ يُقَالُ لَهُ الصَّلْصَلُ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ. وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَ فِيهِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ إلَى الْمُعَرَّسِ يَلْتَمِسَانِ الْقِلَادَةَ فَأَمَّا حَدِيثُ سُفْيَانَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْأَبْوَاءَ جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَلْصَلٌ فِي جِهَةِ ذَاتِ الْجَيْشِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَلَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِالْمُعَرَّسِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ الْمَكَانُ الَّذِي عَرَّسُوا فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ فَعَرَّسُوا، وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الْآتِي وَرِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ وَيَشْهَدُ لَهَا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ «عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُولَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ زَوْجَتُهُ فَانْقَطَعَ عِقْدُهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارَ فَحُبِسَ النَّاسُ فِي ابْتِغَاءِ عِقْدِهَا ذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَ ذَلِكَ فِيهِ مَا يُوهِنُ شَيْئًا مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ هُوَ نُزُولُ آيَةِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهَا انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي الْعِقْدُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَهَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الْعِقْدَ لِعَائِشَةَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ لَيْسَ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ فِي الْعِقْدِ، وَالْقِلَادَةِ وَلَا فِي قَوْلِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عِقْدٌ لِي وَقَوْلِ هِشَامٍ إنَّ الْقِلَادَةَ اسْتَعَارَتْهَا مِنْ أَسْمَاءَ مَا يُوهِنُ شَيْئًا مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ نُزُولُ آيَةِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ يَجْعَلْهُ النَّوَوِيُّ اخْتِلَافًا بَلْ قَالَ إنَّهُ يُسَمَّى عِقْدًا وَيُسَمَّى قِلَادَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِلْقَاسِمِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ تَسْمِيَتُهَا قِلَادَةً أَيْضًا. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ نِسْبَتِهِ لِعَائِشَةَ وَكَوْنِهَا اسْتَعَارَتْهُ مِنْ أَسْمَاءَ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِلْكٌ لِأَسْمَاءِ وَأَضَافَتْهُ إلَى نَفْسِهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَضَافَتْهُ لِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَوْزِهَا. (الثَّامِنَةُ) فِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جَزْعِ ظَفَارَ، وَالْجَزْعُ خَرَزُ يَمَانٍ وَظَفَارُ مَدِينَةٌ لِحِمْيَرَ بِالْيَمَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ كَعِظَامِ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ كَانَ قِيمَتُهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا. [فَائِدَةٌ اعْتِنَاءُ الْإِمَامِ وَالْأَمِيرِ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ اعْتِنَاءُ الْإِمَامِ، وَالْأَمِيرِ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ قَلَّتْ وَإِقَامَتُهُ بِالرَّكْبِ لِتَحْصِيلِ ضَائِعٍ وَلِحَاقِ مُنْقَطِعٍ وَدَفْنِ مَيِّتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ: فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. [فَائِدَةٌ جَوَازُ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَ) فِيهِ جَوَازُ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ لِلطَّهَارَةِ لِجَوَازِ رُجُوعِهِ إلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ مُطْلَقًا لَا لِشُرْبٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَحْمِلْ مَعَهُ مَاءً لِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ لِجَوَازِ إرْسَالِ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ مَاءً يَكْفِيه لِشُرْبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ جَوَازُ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَ) فِيهِ جَوَازُ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى التَّيَمُّمِ. (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) فِيهِ شَكْوَى الْمَرْأَةِ إلَى ابْنِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَ) فِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالنَّاسِ أَيْ إنَّ إضَاعَتَهَا لِلْعِقْدِ كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ فَذَهَبَ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ لَعَنَ اللَّهُ الرَّجُلَ يَسُبُّ وَالِدِيهِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ. [فَائِدَةٌ جَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ الْمُتَزَوِّجَةِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهِ الْمُتَزَوِّجَةِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُخْتَلِيًا بِهَا لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَةٌ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالضَّرْبِ] (السَّادِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ بِالْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ، وَالضَّرْبِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ امْرَأَةً كَبِيرَةً مُتَزَوِّجَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ. (السَّابِعَةَ عَشَرَ) قَوْلُهَا وَجَعَلَ يَطْعُنُ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا هُوَ طَعْنٌ حِسِّيٌّ كَالطَّعْنِ بِالرُّمْحِ، وَأَمَّا الطَّعْنُ الْمَعْنَوِيُّ كَالطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ يَطْعَنُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِمَا وَقِيلَ هِيَ لُغَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالْخَاصِرَةُ فِي الْجَنْبِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الدَّاخِلُ الْخَالِي مِنْ الْعِظَامِ بَيْنَ الْأَضْلَاعِ وَبَيْنَ عَظْمِ الْوَسْطِ. [فَائِدَةٌ نَوْمُ الرَّجُلُ عَلَى فَخِذِ امْرَأَتِهِ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشَرَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى فَخِذِ امْرَأَتِهِ وَلَكِنْ، هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِمْتَاعِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلرَّجُلِ تُجْبَرُ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ كَسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ فَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ بَلْ هِيَ مُخَيَّرَةٌ فِي ذَلِكَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ. [فَائِدَةٌ الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ عَنْ الْحَرَكَةِ لِمَنْ نَالَهُ مَا يَقْتَضِي حَرَكَتَهُ] 1 (التَّاسِعَةَ عَشَرَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّبْرِ، وَالثَّبَاتِ عَنْ الْحَرَكَةِ لِمَنْ نَالَهُ مَا يَقْتَضِي حَرَكَتَهُ إذَا كَانَ تَحْرِيكُهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّشْوِيشُ لِغَيْرِهِ مِنْ نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ مَنَعَهَا مِنْ التَّحَرُّكِ خَشْيَةَ اسْتِيقَاظِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إيقَاظُ النَّائِمِ مِنْ نَوْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْأَذَى فَامْتَنَعَ عَنْ التَّحَرُّكِ خَوْفَ اسْتِيقَاظِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُبَاشِرَ اسْتِيقَاظَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ آحَادِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ يُنَبِّهُهُ مَنْ حَضَرَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُوقَظُ بِحَالٍ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فَإِذَا كُنْت نَائِمًا فَلَا تُوقِظُونِي» الْحَدِيثَ وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ يُوحَى إلَيْهِ فِي نَوْمِهِ فَيَقْطَعُ الْإِيقَاظُ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. [فَائِدَةٌ النَّوْمِ إلَى وَقْتِ الصُّبْحِ وَتَرْكِ التَّهَجُّدِ مِنْ اللَّيْلِ] (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي قَوْلِهَا فَنَامَ حَتَّى أَصْبَحَ أَنَّهُ لَا ضَيْرَ وَلَا مُبَالَاةَ فِي النَّوْمِ إلَى وَقْتِ الصُّبْحِ وَتَرْكِ التَّهَجُّدِ مِنْ اللَّيْلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ غَلَبَةِ نَوْمٍ خُصُوصًا فِي السَّفَرِ الَّذِي خُفِّفَتْ فِيهِ الْفَرَائِضُ بِالْقَصْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ كُنْت مُسَبِّحًا أَيْ مُتَطَوِّعًا لَأَتْمَمْت صَلَاتِي فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «فِي رَجُلٍ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ: ذَلِكَ بَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ اللَّيْلِ فَتَرَكَ ذَلِكَ تَكَاسُلًا. كَمَا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى أَصْبَحَ لَيْسَ لِبَيَانِ غَايَةِ النَّوْمِ إلَى الصَّبَاحِ بَلْ لِبَيَانِ غَايَةِ فَقْدِ الْمَاءِ إلَى الصَّبَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ قَوْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ بَلْ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ أَيْ حَتَّى آلَ أَمْرُهُ أَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْفِعْلِ عَلَى وَصْفٍ أَوْ حَالٍ دُونَ الْإِثْبَاتِ الْمُطْلَقِ. [فَائِدَةٌ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْلَ نُزُول آيَته] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُ عَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ هَلْ الْمُرَادُ آيَةُ الْمَائِدَةِ أَوْ آيَةُ النِّسَاءٍ؟ جَوَّزَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ وَهِيَ آيَةُ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَوْ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ قَالَ لَيْسَ التَّيَمُّمُ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْمُرَادِ مِنْ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ تَعْيِينُ إحْدَاهُمَا. وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ آيَةُ الْمَائِدَةِ مَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ فِيهَا فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ آيَةُ الْمَائِدَةِ. (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ، وَالطَّهُورِ إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذُكِرَ فِيهِمَا التَّيَمُّمُ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ الْوُضُوءُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ حَتَّى إنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْوُضُوءِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ قَالَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ لِيَكُونَ فَرْضُهَا الْمُتَقَدِّمُ مَتْلُوًّا فِي التَّنْزِيلِ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ «لَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ قَدْ كَانَ لَازِمًا لَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ إلَّا بِوُضُوءٍ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ وَهِيَ آيَةُ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَوْ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ لَيْسَ التَّيَمُّمُ مَذْكُورًا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ، وَالْآيَةُ لَيْسَتْ بِالْكَلِمَةِ وَلَا الْكَلِمَتَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ الْكَلَامُ الْمُجْتَمِعُ الدَّالُ عَلَى الْإِعْجَازِ الْجَامِعِ لِمَعْنًى مُسْتَفَادٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَمْ يُفْتَرَضْ قَبْلَ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْذُ أَنْ اُفْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ لَمْ يُصَلِّ إلَّا بِوُضُوءٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِثْلَ وُضُوئِنَا الْيَوْمَ، وَهَذَا مَا لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُعَانِدٌ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَقُلْ آيَةَ الْوُضُوءِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ لَا حُكْمُ الْوُضُوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَهْلِ السِّيَرِ ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ. وَقَدْ وَصَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهَا فَرْجَهُ» . وَالْحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ لَكِنْ دُونَ قَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ] 1 (الرَّابِعَةُ، وَالْعِشْرُونَ) وَقَوْلُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَهَلْ قَوْلُهَا فَتَيَمَّمُوا خَبَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ تَيَمَّمُوا أَوْ هُوَ بَيَانٌ لِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَحِكَايَةٌ لِبَعْضِهَا أَرَادَتْ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ؟ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ. (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إنَّ التَّيَمُّمَ الْقَصْدُ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْ النِّيَّةَ فِي التَّيَمُّمِ وَأَوْجَبَهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. [فَائِدَةٌ نَقْلُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّم] (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) اُسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْلُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي أَنْ يَقِفَ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ وَيَنْوِي فَيُسْفِي الرِّيحُ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ أَوْ تَحْتَ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ وَنَوَى حَصَلَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ نَظَرٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهُبُوبِ التُّرَابِ عَلَى أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ مَعَ الْقَصْدِ فَقَدْ قَصَدَ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى وُجُوبِ نَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ تَحَكُّمٌ. [فَائِدَةٌ تَعَيُّنِ الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ لِلتَّيَمُّمِ] 1 (السَّابِعَةُ، وَالْعِشْرُونَ) دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى تَعَيُّنِ الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ لِلتَّيَمُّمِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالصَّعِيدِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ وَقَالُوا الصَّعِيدُ كُلُّ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ تُرَابٍ وَحَجَرٍ وَرَمْلٍ وَحْصًا وَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَجِصٍّ وَرُخَامٍ وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالُوا وَهِيَ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ إلَى أَنَّ الصَّعِيدَ هُوَ التُّرَابُ فَقَطْ دُونَ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الصَّعِيدُ الْحَرْثُ حَرْثُ الْأَرْضِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ تُرَابُهَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فَائِدَةٌ كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ] 1 (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّسَ بِأُولَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارَ فَحُبِسَ النَّاسُ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا ذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ. وَقَالَ حَبَسْت النَّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنْ التُّرَابِ شَيْئًا فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إلَى الْآبَاطِ» . قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَذَكَرَ ضَرْبَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ يُونُسُ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ضَرْبَتَيْنِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ضَرْبَتَيْنِ إلَى مَنْ سَمَّيْت (قُلْت) وَهَكَذَا ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا ضَرْبَتَيْنِ ابْنُ أَبِي ذُؤَيْبٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَيُونُسَ وَمَعْمَرًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَهُ صَالِحٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَقُولُوا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا جَعَلُوهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمَّارٍ. اهـ. فَاحْتَجَّ الْأَكْثَرُونَ بِهَذَا عَلَى وُجُوبِ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ لِلْيَدَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَمِنْ التَّابِعِينَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: الْوَاجِبُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَتَفَرَّدَ ابْنُ سِيرِينَ بِاشْتِرَاطِ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِلْكَفَّيْنِ وَضَرْبَةٍ لِلذِّرَاعِ. وَتَفَرَّدَ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا بِاشْتِرَاطِ بُلُوغِ الْمَنْكِبَيْنِ بِالْمَسْحِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَسْحُ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقَيْنِ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ الْكَفَّيْنِ فَقَطْ وَأَنَّ مَا زَادَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ سُنَّةٌ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْيَدَيْنِ مَسْحُ الْكَفَّيْنِ فَقَطْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَدَاوُد وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَهُوَ أَثْبَتُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ وَحَدِيثِ عَمَّارٍ فِي الضَّرْبَتَيْنِ كَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ حِينَ نُزُولِ آيَةِ التَّيَمُّمِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّيَمُّمِ فَأَمَرَنِي ضَرْبَةً وَاحِدَةً فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَسُؤَالُهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقِصَّةِ عَمَّارٍ فِي تَمَعُّكِهِ فِي التُّرَابِ حِينَ أَجْنَبَ وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْفِيك التَّيَمُّمُ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكُلُّ مَا يُرْوَى فِي هَذَا عَنْ عَمَّارٍ فَمُضْطَرِبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَكِنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى وُجُوبِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَإِسْمَاعِيلِ الْقَاضِي وَشَذَّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حُيَيِّ فِي اشْتِرَاطِهِمَا أَنْ يَمْسَحَ بِكُلٍّ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ، وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى بُلُوغِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَيَمَّمَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» . وَرَفَعَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَتَعَارَضَتْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الرُّجُوعَ إلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ؛ لِلْوَجْهِ ضَرْبَةٌ وَلِلْيَدَيْنِ أُخْرَى إلَى الْمِرْفَقَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ وَاتِّبَاعًا لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَا يُدْفَعُ عِلْمُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَنْ نَصَّ عَلَى حُكْمِ الْوُضُوءِ وَهَيْئَتِهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِحُكْمِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] . وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ غَيْرُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الضَّرْبَةُ فِي التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ غَيْرُ الضَّرْبَةِ لِلْيَدَيْنِ قِيَاسًا إلَّا أَنْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُ ذَلِكَ فَيَسْلَمُ لَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْبُلُوغُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [فَائِدَةٌ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ] (التَّاسِعَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَعِنْدَ عَدَمِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَخَرَجَ الْوُضُوءُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي يَوْمِ الْفَتْحِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى الْأَصْلِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ زَادَ مَالِكٌ عَلَى هَذَا فَقَالَ: إنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَرِيضَةً وَنَافِلَةً إلَّا نَافِلَةً تَكُونُ بَعْدَهَا فَلَوْ صَلَّى بِتَيَمُّمِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِلصُّبْحِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَدَاوُد إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَجِدْ فَاقِدُ الْمَاءِ الْمَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِفَرْضٍ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ] 1 (الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ) اُسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِفَرْضٍ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ لِقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] وَاغْتُفِرَ تَجْوِيزُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ رُؤْيَةُ مَاءٍ يَتَوَضَّأُ بِهِ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ تُبْطِلُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَنْ وَقْتِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِفَرِيضَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَهَذَا مِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِهِ فَرِيضَةً ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا وَلَا يَرِدُ جَمْعُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ كَوْنُ الْفَرِيضَتَيْنِ تُصَلَّيَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَهَذَا وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ بِوَقْتٍ أَصْلِيٍّ لِإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ نَعَمْ التَّيَمُّمُ لِلْحَاضِرَةِ وَلِلْفَائِتَةِ لَا يَصِحُّ مَعَ كَوْنِ الْوَقْتِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ هُوَ وَقْتًا أَصْلِيًّا لِلْفَائِتَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ فَقَدَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَقْدَمَ عَلَى أَنْ جَعَلَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مَعَ خِلَافِهِ جُمْهُورَ السَّلَفِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فَخِذِي فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ» ..   Qوَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةِ الْمَالِكِيَّةِ. قَالَ: وَأَظُنُّهُ ذَهَبَ إلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ: وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَصْبَحَ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُمْ صَلَّوْا قَالَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا إعَادَةً. وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أُخَرُ وَهِيَ أَقْوَالٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ إذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا مِمَّا يُسْقِطُ عَنْهُ الْقَضَاءَ، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْوَقْتِ وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ، وَالثَّالِثُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَالرَّابِعُ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا قَالَ وَيُعَضِّدُهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ قَبْلَ نُزُولِ التَّيَمُّمِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ قَالَ وَلِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ. [فَائِدَةٌ الْجُنُبَ لَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ] (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ وَكَذَلِكَ فِي آيَةِ النِّسَاءِ {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَلَمْ يَرَوْا الْجُنُبَ دَاخِلًا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي الْآيَةِ لَوْلَا مَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَيَمُّمِ الْجُنُبِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَبِي ذَرٍّ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، وَحَمَلَةُ الْآثَارِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقِيلَ إنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ قَالَ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْخَلَفِ. (قُلْت) : وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا وَاضِحٍ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَيْضًا ثُمَّ ذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ ثُمَّ قَالَ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q/ فَسَوَاءٌ فِيهِ مَنْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَمَنْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. [فَائِدَةٌ التَّيَمُّمَ عَنْ النَّجَاسَةِ عَلَى الْبَدَنِ] 1 {الثَّالِثَةُ، وَالثَّلَاثُونَ} دَلَّتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَنْ الْوُضُوءِ وَعَنْ الْجَنَابَةِ أَيْضًا كَمَا ذُكِرَ فَمَنْ أَبَاحَ التَّيَمُّمَ عَنْ النَّجَاسَةِ عَلَى الْبَدَنِ، وَهُوَ أَحْمَدُ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ مِنْ الْآيَةِ وَلَمْ يَرِدْ أَيْضًا فِي السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّيَمُّمِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَهُمْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِالتُّرَابِ وَيُصَلِّي، وَهَذَا لَيْسَ بِتَيَمُّمٍ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ مَسْحِ النَّعْلِ مِنْ الْأَذَى وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَذَى النَّجَاسَةَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا يُسْتَقْذَرُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُرَادَ النَّجَاسَةُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ فِي النَّعْلِ وَالْخُفِّ الْعَفْوُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ الْبَدَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ فَضِيلَةُ عَائِشَةَ وَبَرَكَتُهَا وَتَكْرَارُ ذَلِكَ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِيهِ فَضِيلَةُ عَائِشَةَ وَبَرَكَتُهَا وَتَكْرَارُ ذَلِكَ كَمَا شَهِدَ بِهِ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ، وَالتَّنْزِيلَ بِسَبَبِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَوَّلِ بَرَكَةٍ لِآلِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ أُسَيْدُ: لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ مَا أَنْتُمْ إلَّا بَرَكَةٌ لَهُمْ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: إنَّ أُسَيْدًا قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا وَعِنْدَ مُسْلِمٍ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَك مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً وَالطَّبَرَانِيُّ إنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لَهَا: وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّةُ إنَّك لَمَا عَلِمْتُ مُبَارَكَةٌ. (الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُ عَائِشَةَ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَوَجَدَهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا وَلِأَبِي دَاوُد بَعَثَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأَنَسًا مَعَهُ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَبْعُوثُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَتْبَاعٌ لَهُ فَذَهَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا ثُمَّ وَجَدَهَا أُسَيْدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ تَحْتَ الْبَعِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا يُرَاهُ سُفْيَانُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ فِي أَوَّلِهِ فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ هَكَذَا مُخْتَصَرًا كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَزَادَ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي أَوَّلِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ» . {الثَّانِيَةُ} قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَتِهِ فِيمَا يُرَاهُ سُفْيَانُ هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَظُنُّهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُفْيَانُ هُوَ الْقَائِلُ فِيمَا يُرَاهُ سُفْيَانُ يُرِيدُ فِيمَا رَأَيْت فَأَوْقَعَ الظَّاهِرَ مَوْقِعَ الْمُضْمِرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَوْضِعَ الظَّنِّ مِنْ الْإِسْنَادِ كَوْنُهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ شَيْخَ سُفْيَانَ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ عَنْ رَجُلَيْنِ عَنْ سَعِيدٍ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَكَأَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ تَرَدَّدَ فِي شَيْخِ الزُّهْرِيِّ مَنْ هُوَ؟ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا أَبُو سَلَمَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزَّبِيدِيِّ وَمَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ «بُعِثْت بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَّا نَائِمٌ أُتِيت بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعْت فِي يَدِي» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِيمَا يُرَاهُ سُفْيَانُ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ وَمَعْمُولِ قَوْلِهِ يَبْلُغُ بِهِ فَكَأَنَّهُ يَكُونُ قَوْلُهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُرَاهُ سُفْيَانُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ فِيمَا يُرَاهُ فَعَوْدُهُ إلَى الْمَاضِي أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا اُخْتُلِفَ فِي بَيَانِ مَا خُصِّصَ بِهِ عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَهُ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةَ لَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ تُبَاحُ لَهُمْ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ، وَالْكَنَائِسِ وَقِيلَ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَخُصِّصَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إلَّا مَا تُيُقِّنَتْ نَجَاسَتُهُ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ. {الرَّابِعَةُ} عُمُومُ ذِكْرِ الْأَرْضِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَخْصُوصٌ بِمَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَكَذَا ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاَلَّذِينَ ضَعَّفُوهُ أَتْقَنُ مِنْ الْحَاكِمُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَفِي الْحَمَّامِ وَفِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّه» قَالَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ. وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ» . وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِل فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ» . وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «لَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيْطَانِ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبٍ «لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» . وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «إنَّ حَبِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبَرَةِ وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ» وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ سَبَبُ النَّهْيِ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ كَالْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَالْحَمَّامِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ أَوْ خَوْفُ التَّشْوِيشِ وَتَرْكُ اجْتِمَاعِ الْخَاطِرِ كَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ أَوْ حُضُورُ الشَّيَاطِينِ كَالْحَمَّامِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ عَلَى قَوْلٍ. وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي بَطْنِ الْوَادِي كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَعَدَمُ الْقِبْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ حَيْثُ لَا شَاخِصَ هُنَاكَ ثَابِتٌ يُسْتَقْبَلُ وَبَعْضُهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ وَبَعْضُهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ] 1 {الْخَامِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَارَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيٍّ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ الْمُرَادُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةٌ. [فَائِدَةٌ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ] 1 {السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مِنْ التُّرَابِ، وَالرَّمْلِ، وَالْحِجَارَةِ، وَالْحَصْبَاءِ قَالُوا وَكَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا بَيْنَ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ التَّيَمُّمِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رِوَايَةَ الْإِطْلَاقِ عَلَى رِوَايَةِ التَّقْيِيدِ وَاعْتَرَضَ الْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ بِأَنَّ ذَلِكَ ذُهُولٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ إخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعُمُومُ عَنْ الْحُكْمِ وَلَمْ يُخْرِجْ هَذَا الْخَبَرُ شَيْئًا وَإِنَّمَا عَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ وَاحِدًا مِمَّا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ الْأَوَّلُ مَعَ مُوَافَقَتِهِ فِي الْحُكْمِ وَصَارَ بِمَثَابَةِ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَقَوْلِهِ {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَعَيَّنَ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ ذِكْرُ التُّرَابِ وَإِنَّمَا عَيَّنَّهُ لِكَوْنِهِ أَمْكَنَ وَأَغْلَبَ قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ تُرَابَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ فَيُقَالُ تُرَابُ الزِّرْنِيخِ وَتُرَابُ النُّورَةِ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَيْضًا أَنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَى الَّذِينَ خَصَّصُوا عُمُومَ الْأَرْضِ بِتُرْبَةِ الْأَرْضِ بِوُجُوهٍ مِنْهَا مَنْعُ كَوْنِ التُّرْبَةِ مُرَادِفَةً لِلتُّرَابِ وَادَّعَى أَنَّ تُرْبَةَ كُلِّ مَكَان مَا فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ أَعْنِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالتُّرْبَةِ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الْأُصُولِ وَقَالُوا لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي خُصَّتْ بِهِ التُّرْبَةُ بِالطَّهُورِيَّةِ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَفْهُومَهُ مَعْمُولٌ بِهِ لَكَانَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ بِمَنْطُوقِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهُورِيَّةِ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَإِذَا تَعَارَضَ فِي غَيْرِ التُّرَابِ دَلَالَةُ الْمَفْهُومِ الَّذِي يَقْتَضِي عَدَمَ طَهُورِيَّتِهِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ الَّذِي يَقْتَضِي طَهُورِيَّتَهُ فَالْمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْقُرْطُبِيِّ الْأَوَّلِ مِنْ جَعْلِهِ ذَلِكَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا. فَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازِعِ فِيهَا وَقَوْلُهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا دَعْوَى وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَهَلَّا جَعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ ذِكْرًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْآيَةِ الَّتِي أُطْلِقَ فِيهَا ذِكْرُ الرَّقَبَةِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي الْكَفَّارَةِ إيمَانَ الرَّقَبَةِ حَمْلًا لِإِحْدَى الْآيَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى. وَأَمَّا تَمْثِيلُهُ بِذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ فَهُوَ ذُهُولٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا صُورَةُ هَذَا أَنْ يَذْكُرَ مَعًا الْعَامَّ قَبْلَ الْخَاصِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ بَلْ أَطْلَقَ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ الْأَرْضَ وَقَيَّدَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْآخَرِ ذَلِكَ بِتُرْبَةِ الْأَرْضِ وَبِتُرَابِ الْأَرْضِ. وَأَمَّا جَعْلُهُ ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْأَصْلِ خُصُوصًا مَا إذَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ إظْهَارِ التَّشْرِيفِ، وَالتَّخْصِيصِ بِذَلِكَ، فَلَوْ خُصِّصَ بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى تُرَابِ الْأَرْضِ لَمَّا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ تُرَابَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ كَتُرَابِ الزِّرْنِيخِ فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ إلَّا ذِكْرُ التُّرَابِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ مُقَيَّدٌ كَالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ سَوَاءٌ فَهَلَّا قَالَ يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْبَاقِلَّا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي التَّيَمُّمِ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِالتُّرَابِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ تُرَابُ الْأَرْضِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّهُ اُعْتُرِضَ بِكَوْنِ التُّرْبَةِ لَيْسَتْ مُرَادِفَةً لِلتُّرَابِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْهَرَوِيُّ فِي الْعُرَنِيِّينَ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ التُّرَابَ وَالتُّرْبَةَ وَاحِدٌ وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَجَعَلَ تُرَابَهَا لَنَا طَهُورًا وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ كَمَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مَالِكٍ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيُّ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ لَفْظُهَا وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا قُلْت وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا أَبُو مَالِكٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَفَرَّدَ بِهَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَقَدْ رَوَاهَا غَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُعْطِيت مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقُلْت: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ التُّرَابُ وَأَنَّهُ مُرَادِفٌ لِلتُّرْبَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ فَإِنَّ الْقَرِينَةَ، وَالسِّيَاقَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّيَمُّمِ بِهَا مُخَالِفٌ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَقَالَ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا فَلَوْ اشْتَرَكَ الْأَمْرَانِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَأَكَّدَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ كُلُّهَا وَأَوْرَدَ الْفِعْلَ عَلَى التُّرْبَةِ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَلَى التُّرَابِ كَمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَلَوْ اسْتَوَيَا لَقَالَ مَسْجِدًا وَطَهُورًا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إلَى هَذَا الْجَوَابِ. وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ بِكَوْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا يُرَاهُ سُفْيَانُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ   Qدَلَالَةِ الْمَنْطُوقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ يَمْنَعُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَفْهُومَ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ قَالَ، وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَعْنِي تَخْصِيصَ الْمَفْهُومِ لِلْعُمُومِ. [فَائِدَةٌ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ] (السَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْأَرْضِ، وَالْمَاءِ فِي قَوْلِهِ طَهُورًا وَهِيَ مِنْ بِنْيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَقَتُولٍ وَضَرُوبٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ {الثَّامِنَةُ} قَدْ يَحْتَجُّ أَيْضًا بِصِيغَةِ طَهُورٍ مَنْ يَرَى التَّيَمُّمَ ثَانِيًا بِالتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ صِيغَةَ فَعُولٍ دَالَّةٌ عَلَى التَّكْرَارِ كَمَا قَالُوا فِي الْمَاءِ وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ ثَانِيًا، وَالْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا لَصِقَ مِنْ التُّرَابِ بِالْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ فِي حَالِ التَّيَمُّمِ. وَأَمَّا مَا تَنَاثَرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ كَالْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ {التَّاسِعَةُ} قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لَفْظَةَ طَهُورٍ تُسْتَعْمَلُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَدَثِ وَلَا الْخَبَثِ، وَقَالَ: إنَّ الصَّعِيدَ قَدْ سُمِّيَ طَهُورًا وَلَيْسَ عَنْ حَدَثٍ وَلَا عَنْ خَبَثٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ هَذَا. وَمَعْنَاهُ جَعَلَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى نَجَاسَةِ فَمِ الْكَلْبِ بِقَوْلَةِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا» فَقَالُوا: طَهُورٌ يُسْتَعْمَلُ إمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ بِالضَّرُورَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ خَبَثٍ فَمَنَعَ هَذَا الْمَالِكِيُّ الْمُجِيبُ الْحَصْرَ وَقَالَ: إنَّ لَفْظَةَ طَهُورٍ تُسْتَعْمَلُ فِي إبَاحَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي التُّرَابِ إذْ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَمَا قُلْنَا فَيَكُونُ قَوْلَةُ: طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ مُسْتَعْمَلًا فِي إبَاحَةِ اسْتِعْمَالِهِ أَعْنِي الْإِنَاءَ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي هَذَا: عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لَكِنَّهُ عَنْ حَدَثٍ أَيْ الْمُوجِبِ لِفِعْلِهِ الْحَدَثُ وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا: إنَّهُ عَنْ حَدَثٍ وَبَيْنَ قَوْلِنَا: إنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. [فَائِدَةٌ التَّيَمُّمَ لَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِيهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُوَ خُصُوصِيَّةٌ خَصَّ اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الْأَمَةَ تَخْفِيفًا عَنْهَا وَرَحْمَةً بِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْفَضْلُ، وَالْمَنُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ التَّخْصِيصِ فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 «فُضِّلْت عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ» وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْت بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَقَالَ مُسْلِمٌ «وَجُعِلْت لِي الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «وَجُعِلَ تُرَابُهَا لَنَا طَهُورًا» تَفَرَّدَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ بِذِكْرِ التُّرَابِ فِيهِ، وَلِأَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ..   Qالْحَادِيَةَ عَشَرَ} فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فُضِّلْت عَلَى النَّاسِ بِسِتٍّ. الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْت بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيت الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا» وَقَدَّمَ بَعْضُ الْخَصَائِصِ عَلَى بَعْضٍ. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ وَلِأَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أُعْطِيت مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقُلْنَا مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُعْطِيت مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَسُمِّيت أَحْمَدَ وَجُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا وَجُعِلَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ» فَجَعَلَهَا فِي حَدِيثٍ سِتًّا وَفِي آخَرَ خَمْسًا وَفِي آخَرَ ثَلَاثًا وَأَطْلَقَ فِي آخَرَ وَسَمَّى فِيهِ مَا لَيْسَ مُسَمًّى فِيمَا ذَكَرَ أَعْدَادَهُ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَعْدَادِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ فِي وَقْتٍ بِالثَّلَاثِ وَفِي وَقْتٍ بِالْخَمْسِ وَفِي وَقْتٍ بِالسِّتِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. فَحَصَلَ مَنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ إحْدَى عَشْرَةَ خَصْلَةً تَقَدَّمَ مِنْهَا عَشَرَةٌ وَهِيَ إعْطَاؤُهُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنَصْرُهُ بِالرُّعْبِ وَإِحْلَالُ الْغَنَائِمِ وَجَعْلُ الْأَرْضِ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَإِرْسَالُهُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخَتْمُ الْأَنْبِيَاءِ بِهِ وَجَعْلُ صُفُوفِ أُمَّتِهِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَإِعْطَاؤُهُ الشَّفَاعَةَ وَتَسْمِيَتُهُ بِأَحْمَدَ وَجَعْلُ أُمَّتِهِ خَيْرَ الْأُمَمِ، وَالْحَادِيَةَ عَشَرَ إيتَاؤُهُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَسِيَاتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهَا. [فَائِدَةٌ جَعْل الْأَرْضِ لَهُ مَسْجِدًا وَجَعْلَهَا طَهُورًا اخْتِصَاص بِهَذِهِ الْأَمَة] 1 {الثَّانِيَةَ عَشَرَ} دَلَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ جَعْلَ الْأَرْضِ لَهُ مَسْجِدًا وَجَعْلَهَا طَهُورًا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَلَّ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُمَا خَصْلَتَانِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَإِنَّهُ وَإِنْ فَضَّلَهَا وَسَمَّاهَا وَاقْتَضَى كَوْنَ هَاتَيْنِ خَصْلَتَيْنِ فَإِنَّ مُسْلِمًا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخِرَ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا خَصْلَتَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ الثَّالِثَةَ. وَقَدْ سَمَّاهَا النَّسَائِيّ فِي رِوَايَتِهِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فَقَالَ وَأُوتِيت هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ خَوَاتِمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يُعْطَاهُنَّ أَحَدٌ بَعْدِي، وَكَذَا سَمَّاهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَقَالَ: وَأُعْطِيت هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْهُ قَبْلِي وَلَا يُعْطَى مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدِي. {الثَّالِثَةَ عَشَرَ} فِي بَيَانِ الْخَصَائِصِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَمَّا جَوَامِعُ الْكَلِمِ فَهُوَ جَمْعُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ فِي الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ. وَأَمَّا النَّصْرُ بِالرُّعْبِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ لِتَخْذِيلِهِمْ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ الرُّعْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَهْرًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَوَجَّهَ إلَى وَجْهٍ مِنْ الْأَرْضِ أَلْقَى اللَّهُ الرُّعْبَ عَلَى مَنْ أَمَامَهُ إلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ. وَأَمَّا إحْلَالُ الْغَنَائِمِ فَسَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّمَ جَعْلُ الْأَرْضِ طَهُورًا وَمَسْجِدًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَمَّا إرْسَالُهُ إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً فَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفُلْكِ كَانَ مَبْعُوثًا إلَى كُلِّ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ مُرْسَلًا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ فِي الرِّسَالَةِ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ الْبَعْثَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَ لِأَجْلِ الْحَادِثِ الَّذِي حَدَثَ، وَهُوَ انْحِصَارُ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بِهَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ. وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَعُمُومُ رِسَالَتِهِ فِي أَصْلِ الْبَعْثَةِ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَعْثَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَامَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوْحِيدِ لَا إلَى الْفُرُوعِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ خُتِمَ بِهِ النَّبِيُّونَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَبْعَثُ بَعْدَهُ نَبِيًّا. وَأَمَّا نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ بِتَقْرِيرِ شَرِيعَتِهِ مُلْتَزِمًا لِأَحْكَامِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ وَأَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ فَهُوَ تَابِعٌ لِأَحْكَامِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَكَذَلِكَ إلْيَاسُ أَيْضًا عَلَى مَا صَحَّحَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ حَيٌّ أَيْضًا وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَيَاتِهِمَا وَلَا فِي التَّنْصِيصِ عَلَى وَفَاتِهِمَا حَدِيثٌ إلَّا قَوْلُهُ أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَوْتِ الْخَضِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الصُّوفِيَّةِ مِنْ أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ اللَّهُ بَعْدَ نَبِيِّنَا نَبِيًّا آخَرَ فَهَذَا قَوْلٌ مُنَابِذٌ لِلشَّرِيعَةِ وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُشْتَهِرَةِ، وَقَائِلُ هَذَا يَبْعُدُ أَنْ يُعَدَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا هُمْ زَنَادِقَةٌ يَتَسَتَّرْنَ بِزِيِّ بَعْضِ أَهْلِ الطَّوَائِفِ. وَأَمَّا جَعْلُ صُفُوفِ أُمَّتِهِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ إتْمَامُ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» وَهَذَا أَيْضًا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَانَتْ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ يُصَلُّونَ مُنْفَرِدِينَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى حُصُولَ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ جَمَعَهُمْ «فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى بِهِمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ» كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ وَفِيهِ «ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِي الْأَنْبِيَاءُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتهمْ» الْحَدِيثَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُعْجَمِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ وَفِيهِ «فَيَسَّرَ لِي رَهْطٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ إبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَصَلَّيْتُ بِهِمْ وَكَلَّمْتُهُمْ» الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، «وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتهمْ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِالشَّفَاعَةِ فَالْمُرَادُ الشَّفَاعَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْحَشْرِ عِنْدَمَا يَفْزَعُ النَّاسُ لِلْأَنْبِيَاءِ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ لَسْتُ لَهَا حَتَّى يَأْتُوا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولَ: أَنَا لَهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الْخَاصَّةُ فَقَدْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِتَخْصِيصِهِ بِالشَّفَاعَةِ الشَّفَاعَةُ الَّتِي لَا تُرَدُّ، وَقَدْ تَكُونُ شَفَاعَتُهُ بِإِخْرَاجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ مِنْ النَّارِ؛ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لِغَيْرِهِ إنَّمَا جَاءَتْ قَبْلَ هَذَا وَهَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ كَشَفَاعَةِ الْمَحْشَرِ وَذُكِرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الشَّفَاعَةَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: شَفَاعَةُ الْحَشْرِ وَهِيَ الْأُولَى لِتَعْجِيلِ الْحِسَابِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِنَبِيِّنَا، وَالثَّانِيَةُ الشَّفَاعَةُ لِإِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهِيَ أَيْضًا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَالثَّالِثَةُ الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيُشَفَّعُ فِيهَا هُوَ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ. وَالرَّابِعَةُ الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الْمُذْنِبِينَ فَيَشْفَعُ لَهُمْ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُؤْمِنِينَ. وَالْخَامِسَةُ الشَّفَاعَةُ لِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الشَّفَاعَةَ لِرَأْيِهِمْ فِي خُلُودِ الْمُوَحِّدِينَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ الشَّفَاعَةَ الْأُولَى وَلَا الْخَامِسَةَ أَيْضًا وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الَّتِي يَبْلُغُ مَجْمُوعُهَا مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ، وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ مَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِأَحْمَدَ فَلَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا: فَمَنَعَ اللَّهُ بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَلَا يُدْعَى بِهِ مَدْعُوٌّ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَدْخُلَ لَبْسٌ عَلَى ضَعِيفِ الْقَلْبِ أَوْ شَكٌّ، وَهُوَ اسْمُهُ الَّذِي بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَأَتَى فِي الْكُتُبِ قَالَ وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ أَيْضًا لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ إلَى أَنْ شَاعَ قُبَيْلَ وُجُودِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِيلَادِهِ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَسَمَّى قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ قَلِيلٌ أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمْ هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحُ الْأَوْسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً الْأَنْصَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَرَاءٍ الْبَكْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ الْجُعْفِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ السُّلَمِيُّ لَا سَابِعَ لَهُمْ قَالَ ثُمَّ حَمَى اللَّهُ كُلَّ مَنْ تَسَمَّى بِهِ أَنْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ أَوْ يَدَّعِيَهَا لَهُ أَحَدٌ حَتَّى حُقِّقَتْ السِّمَتَانِ لَهُ وَلَمْ يُنَازَعْ فِيهِمَا. قُلْت: وَتَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةً الْأَنْصَارِيَّ فِيهِمْ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَمَّا جَعْلُ أُمَّتِهِ خَيْرَ الْأُمَمِ هُوَ كَمَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وَمِنْ فَضْلِهَا أَنَّهَا أَوَّلُ الْأُمَمِ دُخُولًا الْجَنَّةَ وَأَوَّلُ مَنْ يُقْضَى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ شَرَفِ أُمَّتِهِ فَهُوَ مِنْ شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا إعْطَاؤُهُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ذُخِرَتْ لَهُ وَكُنِزَتْ لَهُ فَلَمْ يُؤْتَهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ آيِ الْقُرْآنِ مُنَزَّلٌ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ مَا هُوَ بِاللَّفْظِ وَمَا هُوَ بِالْمَعْنَى وَهَذِهِ الْآيَاتُ لَمْ يُؤْتَهَا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَيْضًا مَا لَمْ يُؤْتَهُ غَيْرُهُ إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ خُصُوصِيَّةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ وَضْعُ الْإِصْرِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] فَنَاسَبَ ذِكْرَهَا مِنْ الْخَصَائِصِ. وَلِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَصَائِصُ أُخْرَى مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ لَمْ تُجْمَعْ، مِنْهَا الْغُرَّةُ، وَالتَّحْجِيلُ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بِقَوْلِهِ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ وَمِنْهَا طِيبُ رَائِحَةِ خُلُوفِ فَم الصَّائِمِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِهِ هَذَا الْمَوْضِعُ وَهَذِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ وَخَصَائِصِ أُمَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا خَصَائِصُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُمَّتِهِ فَكَثِيرَةٌ أَفْرَدَهَا الْعُلَمَاءُ بِالتَّأْلِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الطَّهَارَةُ] {الرَّابِعَةَ عَشَرَ} وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْد مُسْلِمٍ «وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا» الْمُرَادُ بِالطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةُ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى {صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ طَاهِرًا وَفِي الْحَدِيثِ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الطَّهَارَةُ حَتَّى تَتَحَقَّقَ النَّجَاسَةُ، وَإِنْ غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ كَالشَّوَارِعِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ فِيمَا تَعَارَضَ فِيهِ الْأَصْلُ، وَالظَّاهِرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأُمَمَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إلَّا عَلَى أَرْضٍ يَتَحَقَّقُونَ طَهَارَتَهَا وَخُفِّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُونَ نَجَاسَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةَ عَشَرَ} ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ مَنْ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ عِنْدَ شِدَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالْأَمْرِ فَائْتَمِرُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَقَالَ الشَّيْخَانِ: «فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ، اُسْتُدِلَّ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ فَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..   Qالْبَرْدِ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ مَاتَ وَلِذَا قَالَ الْحَسَنُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُمَا وَخَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي خَوْفِهِ مِنْ الْبَرْدِ وَتَيَمُّمِهِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ لَمْ يُجِيزَا ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ عُذْرًا عَامًّا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَقِيلَ لَا يُقْضَى فِي السَّفَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ] {الْحَدِيثُ الثَّالِثُ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتَمِرُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَقَالَ الشَّيْخَانِ «فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ: ذَرُونِي أَيْ اُتْرُكُونِي، وَقَدْ أُمِيتَ مِنْ هَذَا الْفِعْلُ الْمَاضِي، وَالْمَصْدَرُ فَلَا يُقَالُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَذَرَهُ وَلَا وَذَرَا؛ وَلِهَذَا قَالَ مَا تَرَكْتُكُمْ وَلَمْ يَقُلْ مَا وَذَرْتُكُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: دَعَوْنِي إلَّا أَنَّ دَعْ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْمَاضِي عَلَى قِلَّةٍ وَقُرِئَ بِهِ فِي الشَّاذِّ قَوْله تَعَالَى {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] بِالتَّخْفِيفِ {الثَّالِثَةُ} فِيهِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عَنْ سُؤَالِهِ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا الْحَدِيثَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّؤَالَ رُبَّمَا كَانَ سَبَبَ التَّحْرِيمِ أَوْ الْوُجُوبِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَنَفَرَ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَثَبَتَ فِي التَّنْزِيلِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ مُطْلَقٌ عَنْ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا فِيهِ النَّهْيُ عَمَّا هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَكِنْ قَدْ أَطْلَقَ أَنَسٌ النَّهْيَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ: نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ. الْحَدِيثَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَبِي قَالَ: أَبُوك حُذَافَةُ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] » . وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: سَلُونِي عَمَّ شِئْتُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ أَبِي؟ قَالَ أَبُوك حُذَافَةُ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: أَبُوك سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَضَبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَتُوبُ إلَى اللَّهِ» . وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ فَقَيَّدَهُ وَلَمْ يَعُمَّ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِهِ إلَيْهِ قَالَ: «كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِهْزَاءً فَيَقُولُ الرَّجُلُ مَنْ أَبِي وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ أَيْنَ نَاقَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ» . وَقِيلَ: إنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالُهُمْ عَنْ الْحَجِّ أَيَجِبُ فِي كُلِّ عَامٍ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ فَسَكَتَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: لَا وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] » . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ نَقْلًا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ حَدِيثُ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا {الرَّابِعَةُ} السَّبَبُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْحَدِيثَ سُؤَالُهُمْ عَنْ الْحَجِّ أَيْضًا هَلْ يَجِبُ كُلَّ سَنَةٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» . وَلِأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الْآيَةِ وَلَا حَدِيثَ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ] 1 {الْخَامِسَةُ} الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ النَّهْيُ عَنْ السُّؤَالِ أَوْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَذَا، وَكَذَا فَذَكَرَ فِي التَّعْلِيلِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ، وَقَدْ يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كَثْرَةُ السُّؤَالِ لَا مُطْلَقُهُ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ الْحَدِيثَ. [فَائِدَةٌ التَّدَاوِي بِشُرْبِ الْخَمْرِ] 1 {السَّادِسَةُ} فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا بِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَكَذَلِكَ شُرْبُهُ لِدَفْعِ الْعَطَشِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْد سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَى وَكَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ: إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ طَارِقُ بْنُ سُوَيْد أَوْ سُوَيْد بْنُ طَارِقٍ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ سُوَيْد وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ. وَلِأَبِي دَاوُد أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «فَتَدَاوَوْا وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» . [فَائِدَةٌ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِمَنْ غَصَّ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا شَرَابًا حَلَالًا] {السَّابِعَةُ} قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَيْضًا مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا تَجُوزُ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِمَنْ غَصَّ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا شَرَابًا حَلَالًا يَسِيغُهَا بِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُهُ حِفْظًا لِلنَّفْسِ كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ لِحِفْظِ النَّفْسِ بِخِلَافِ التَّدَاوِي بِهَا لِنَفْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّوَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْهَا كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْإِكْرَاهَ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ] 1 {الثَّامِنَةُ} اسْتَدَلَّ أَيْضًا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُبِيحُهَا وَأَحَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِكْرَاهَ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ إلَيْهِ هِيَ الدَّاعِيَةُ لَا الْإِكْرَاهُ فَلَوْ لَمْ تَحْضُرْ الشَّهْوَةُ الدَّاعِيَةُ لَمَا تَصَوَّرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ عَنْ الْمُكْرَهِ وَمُسْقِطٌ لِلْحَدِّ أَيْضًا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَضُرُّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] فَإِذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ فِي الْكُفْرِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَضُرَّ فِي الْمَعَاصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْعَجْزَ عَنْ الْوَاجِبِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ مُسْقِطٌ لِلْمَعْجُوزِ عَنْهُ] 1 {التَّاسِعَةُ} فِيهِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوَاجِبِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ مُسْقِطٌ لِلْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ إلَّا مَا دَخَلَ تَحْتَ الطَّاقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] إلَّا أَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ إنْ كَانَ لَهُ بَدَلٌ فَأَتَى بِهِ كَالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا إذَا انْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إلَى الصَّلَاةِ قَاعِدًا أَوْ عَلَى جُنُبٍ فَقَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا كَالْمَرِيضِ يَعْجِزُ عَنْ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْمُبَاشَرَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاجِبُ مَنُوطًا بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْوُجُوبِ فَقَطْ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ سَقَطَ رَأْسًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمئِذٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ، وَالدُّيُونِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَى وَقْتِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُحْدِثَ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ] {الْعَاشِرَةُ} اُسْتُدِلَّ بِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ قَوْلُهُ: فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ سَوَاءٌ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ، وَالْأَصْغَرُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ لِلشَّافِعِيِّ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى سَتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَطْعًا وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ التُّرَابُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ. وَأَمَّا إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَجِدْ التُّرَابَ فَأَظْهُرُ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْبَعْضِ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالْعُرْيَانِ يَجِدُ بَعْضَ السُّتْرَةِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ. 1 - {الْحَادِيَةَ عَشَرَ} مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي وُجُودِ بَعْضِ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ هُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَوْجُودُ يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ فَأَمَّا إذَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْمَسْحِ فَقَطْ بِأَنْ كَانَ ثَلْجًا أَوْ بَرْدًا لَا يَذُوبُ فَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 بَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ»   Qاسْتِعْمَالُهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ بَلْ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّا حَيْثُ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ الْبَعْضِ أَوْجَبْنَا تَقْدِيمَهُ عَلَى التَّيَمُّمِ لِئَلَّا يَتَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ الِابْتِدَاءُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ مَعَ بَقَاءِ فَرْضِ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ فَعَلَى هَذَا يَبْدَأُ بِمَاذَا؟ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ بِبَلَلِ الثَّلْجِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلرِّجْلَيْنِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ أَوْ الْمَسْحَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ] 1 {الثَّانِيَةَ عَشَرَ} مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ هُوَ مَا إذَا كَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ مِنْ الْقُرَبِ يَتَجَزَّأُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ فِي الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ، وَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى عِتْقِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ، وَالْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ عِتْقُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ قُرْبَةً وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَدْ تَطْرَأُ الْقُدْرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. [بَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ] [حَدِيث إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ] {بَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَأَخْرَجُوهُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَابْنِ دَاسَةَ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَإِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي رَزِينٍ وَهَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ عِيَاضٍ الْأَحْنَفِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَزِينٍ عَنْهُ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: هَكَذَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَبِغَيْرِهِ عَلَى تَوَاتُرِ طُرُقِهِ وَكَثْرَتِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ كُلُّهُمْ يَقُولُ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ وَلَا يَقُولُونَ شَرِبَ الْكَلْبُ، وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْحَافِظَانِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ فَقَالَا: إنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ شَرِبَ وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرُوا فَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى قَوْلِهِ شَرِبَ مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْهُ بِلَفْظِ وَلَغَ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ هَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ وَفِي بَعْضِهَا شَرِبَ. وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرٍ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّإِ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْحَنَفِيَّ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ وَلَغَ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ شَرِبَ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رُوَاةُ الْمُوَطَّإِ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْكِلَابِ فِي الْغُسْلِ مِنْ وُلُوغِهَا سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ الْكَلْبِ وَغَيْرِ الْكَلْبِ وَفِي قَوْلٍ لِمَالِكٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي اتِّخَاذِهِ فَسُؤْرُهُ نَجِسٌ وَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى التَّفْرِقَةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَدَوِيِّ، وَالْحَضَرِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ الَّذِي أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ هُوَ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا قَالَ: وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ الْمَعْقُولُ وَالنَّظَرُ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يُبَحْ اتِّخَاذُهُ وَأُمِرَ بِقَتْلِهِ مُحَالٌ أَنْ يُتَعَبَّدَ فِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِقَتْلِهِ فَهُوَ مَعْدُومٌ لَا مَوْجُودٌ، وَمَا أُبِيحَ لَنَا اتِّخَاذُهُ لِلصَّيْدِ، وَالْمَاشِيَةِ أُمِرْنَا بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ. [فَائِدَةٌ إذَا وَلَغَ الْكَلْبِ فِي مَاءِ مُسْتَنْقَعٍ] 1 {الرَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَغْسِلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ إذَا كَانَ وُلُوغُهُ فِي إنَاءٍ أَمَّا إذَا وَلَغَ فِي مَاءٍ مُسْتَنْقَعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُغْسَلُ مِنْهُ وَلَا يُنَجِّسُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْقَيْدِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَوْنُ الْغَالِبِ وَضْعَ مِيَاهِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ فِي الْآنِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ غَسَلَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعًا وَاجِب أَوْ مُسْتَحَبّ] 1 {الْخَامِسَةُ} اسْتَدَلَّ بِالْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ وَلُعَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَلْيَرْقِهِ وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: تَفَرَّدَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ: شَرِبَ، وَأَنَّ غَيْرَهُ كُلَّهُمْ يَقُولُ وَلَغَ، وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرُوا فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى لَفْظِهِ وَرْقَاءُ وَمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ..   Qوَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَدَاوُد إلَى طَهَارَتِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جُمْلَةُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ طَاهِرٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا تَعَبُّدًا وَاسْتِحْبَابًا أَيْضًا لَا إيجَابًا قَالَ: وَلَا بَأْسَ عِنْدَهُ بِأَكْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ مِنْ اللَّبَنِ، وَالسَّمْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُهْرِيقَ مَا وَلَغَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ. وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مَا أَدْرِي مَا حَقِيقَتُهُ؟ وَضَعَّفَهُ مِرَارًا فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ إلَّا فِي الْمَاءِ وَحْدَهُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَيُؤْكَلُ الطَّعَامُ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ بَعْدَ تَعَبُّدٍ أَوْ لَا يُرَاقُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنَّمَا لِيُهْرَاقَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِيَسَارَةِ مُؤْنَتِهِ. وَقَالَ دَاوُد: سُؤْرُهُ طَاهِرٌ وَغَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْهُ سَبْعًا فَرْضٌ وَيُتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ وَيُؤْكَلُ الطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ، وَيَرُدُّ قَوْلَ مَالِكٍ وَدَاوُد مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَرْقِهِ، ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» قَالَ النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَرْقِهِ. وَكَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُسْهِرٍ تَفَرَّدَ بِالْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُ الْأَعْمَشِ الثِّقَاتُ الْحُفَّاظُ مِثْلُ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ لَمْ يَرْوِهَا غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ قَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَرْقِهِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ قُلْت: وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحَدُ الْحُفَّاظِ الَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمْ الشَّيْخَانِ، وَمَا عَلِمْت أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَضُرُّهُ تَفَرُّدُهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَوْنِهِ ضَعَّفَ أَصْلَ الْحَدِيثِ فَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ ضَعْفِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ رَدَّهُمْ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ، وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَهَلْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ لِأَحَدٍ مَقَالٌ؟ وَصَدَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ أَصَحُّ أَسَانِيدِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْحَمْلُ عَلَى التَّنْجِيسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ كَوْنِهِ تَعَبُّدًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فَالْمَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْلَى لِنُدْرَةِ التَّعَبُّدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى. [فَائِدَةٌ إذَا وَقَعَ لُعَابُ الْكَلْب فِي الْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلَغَ فِيهِ] {السَّادِسَةُ} اسْتَدَلَّ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِ: إذَا وَلَغَ أَوْ إذَا شَرِبَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَتَعَدَّى الْوُلُوغَ، وَالشُّرْبَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ حُجَّةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْوُلُوغُ فَذَهَبَ قَائِلُ هَذَا إلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لُعَابُهُ فِي الْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلَغَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ وَلَا يَنْجُسُ مَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ غَيْرُ فَمِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ لَا يَنْجُسُ، وَكَذَا لَوْ بَالَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ تَغَوَّطَ فِيهِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا. وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مَرَّةً كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِتَقْيِيدِ الْأَمْرِ بِالْوُلُوغِ أَوْ الشُّرْبِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ لُعَابِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْهُ مَرَّةً، وَإِنْ كَانَ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً أَوْ دَمًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ شَاذٌّ وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْ اللُّعَابِ بِالْوُلُوغِ فَاقْتَضَى أَنَّ تَنَاثُرَ لُعَابِهِ يَكْفِي فِيهِ الْغُسْلُ مَرَّةً عِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ مُتَّجَهٌ قَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا مِنْ الْوُلُوغِ إنَّمَا كَانَ لِتَنْفِيرِهِمْ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْكِلَابِ انْتَهَى. وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ التَّسْبِيعِ فِي سَائِرِ أَجْزَاءِ الْكَلْبِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْوُلُوغِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فِيمَا تُصِيبُهُ الْكِلَابُ مِنْ الْأَوَانِي، فَإِنَّهَا إنَّمَا تَقْصِدُ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ مِنْ الْأَوَانِي فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَجَمِيعُ أَعْضَاءِ الْكَلْبِ يَدُهُ أَوْ ذَنَبُهُ أَوْ رِجْلُهُ أَوْ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ إذَا وَقَعَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَعْدَ هِرَاقَةِ مَا فِيهِ قَالَ وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ لَيْسَتْ تُنَجِّسُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الْحَيَوَانِ مِنْ الْبَهَائِمِ مَا هُوَ نَجِسٌ، وَهُوَ حَيٌّ، وَمَا يُنَجِّسُ بِوُلُوغِهِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا الْكَلْبَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْخِنْزِيرَ هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْهِرَّةِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا نَجِسًا وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ مَشْهُورٌ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى زِيَادَةٍ ذَكَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَهِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِي دَارَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدُونَهُمْ دَارٌ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي دَارَ فُلَانٍ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا قَالُوا، فَإِنَّ فِي دَارِهِمْ سِنَّوْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» . فَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ هَكَذَا كَانَ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ مَشْهُورًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَصْلًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ هَكَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَقُولَا فِيهِ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، وَإِنَّمَا قَالَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السِّنَّوْرُ سَبُعٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: عِيسَى بْنُ الْمُسَيِّبِ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَعِيسَى بْنُ الْمُسَيِّبِ يَنْفَرِدُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ إلَّا أَنَّهُ صَدُوقٌ وَلَمْ يُجَرَّحْ قَطُّ (قُلْت) : بَلَى جَرَّحَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْكَلْبِ، وَإِنَّمَا فِيهِ اجْتِنَابُ دُخُولِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا كَلْبٌ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ بِسَبُعٍ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا طَهَارَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْهِرَّةَ سَبُعٌ لِيَعْلَمُوا طَهَارَةَ فَمِهَا بِخِلَافِ الْكَلْبِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَبُعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ حُكْم الِاكْتِفَاء فِي الْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ] 1 {السَّابِعَةُ} فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اكْتِفَائِهِ فِي الْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَاعْتَذَرَ أَصْحَابُهُ عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ الرَّاوِي لِلْغَسْلِ مِنْ الْوُلُوغِ سَبْعًا فَالْعِبْرَةُ عِنْدَهُمْ بِمَا رَأَى لَا بِمَا رَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ عَنْ مُخَالَفَةِ النَّصِّ فَعَمَلُهُ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ دَالٌّ عِنْدَهُمْ عَلَى النَّسْخِ وَخَالَفَهُمْ الْجُمْهُورُ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ فَقَالُوا: الْعِبْرَةُ بِمَا رُوِيَ إذْ لَا حُجَّةَ فِي الْمَوْقُوفِ مَعَ صِحَّةِ الْمَرْفُوعِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِيهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ مَا رَوَى فَأَفْتَى بِخِلَافِهِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ بِلَا حَدٍّ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُق حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ يَغْسِلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا قَالُوا: فَلَوْ كَانَ التَّسْبِيعُ وَاجِبًا لَمْ يُخَيَّرْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْسِ، وَالثَّلَاثِ، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَحَدِ الضُّعَفَاءِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالْحَدْسِ، وَالرَّأْيِ بَلْ ظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَمْرُهُ بِالتَّسْبِيعِ مِنْ وُلُوغِهَا بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: «أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالْغَنَمِ وَقَالَ: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا إذْ الْأَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ حَتَّى يَصْرِفَ عَنْ الْوُجُوبِ صَارِفٌ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى وُجُوبِ التَّسْبِيعِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ قَالَ: وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ بِالطُّرُقِ الصِّحَاحِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد، وَالطَّبَرِيُّ. 1 - {الثَّامِنَةُ} احْتَجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتْرِيبُ فِي الْغَسْلِ مِنْ الْوُلُوغِ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ فَقَدْ حَفِظَهُ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ وَلَيْسَ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ حُجَّةً عَلَى مَنْ حَفِظَ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. {التَّاسِعَةُ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَسْبِيعِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ فَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَمَّنْ ذَهَبَ إلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ أَنَّ الْعَدَدَ فِي الْغَسَلَاتِ تَعَبُّدٌ وَفِي كَلَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَأَنَّ أَصْلَ الْغَسْلِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَهُوَ النَّجَاسَةُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمَعْنَى مَعْقُولًا قُلْنَا بِهِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي التَّفَاصِيلِ مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فِي التَّفْصِيلِ لَمْ يُنْقَضْ لِأَجَلِهِ التَّأْصِيلُ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ قَالَ: وَلَوْ لَمْ تَظْهَرْ زِيَادَةُ التَّغْلِيظِ فِي النَّجَاسَةِ لَكِنَّا نَقْتَصِرُ فِي التَّعَبُّدِ عَلَى الْعَدَدِ وَنَكْتَفِي فِي أَصْلِ الْمَعْنَى عَلَى مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ تَعَبُّدٌ كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُ كَلَامِهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ نَجَاسَةَ الْكَلْبِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ تَكَلَّفَ وَحَمَلَ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى الْمَعْنَى الطِّبِّيِّ، وَأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ مَا يُخَافُ مِنْ كَوْنِ الْكَلْبِ كَلْبًا وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ، وَهُوَ السَّبْعُ قَدْ جَاءَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرْعِ عَلَى جِهَةِ الطِّبِّ، وَالتَّدَاوِي كَمَا قَالَ مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» وَنَحْوِ هَذَا. وَقَدْ عَزَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُ إلَى أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي هَذَا مِنْ التَّعَسُّفِ، وَالرَّجْمِ بِالظَّنِّ مَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ رُدَّ هَذَا عَلَى قَائِلِهِ بِجَوَابٍ طِبِّيٍّ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْكَلْبَ الْكَلِبَ لَا يَقْرَبُ الْمَاءَ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الطِّبِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ حَفِيدُهُ عَنْ هَذَا أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ تَمَكُّنِ الدَّاءِ مِنْهُ فَأَمَّا فِي مَبَادِئِهِ فَيَقْرَبُ الْمَاءَ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعِلَّةَ فِي التَّسْبِيعِ كَوْنَهُ نَهْيًا عَنْ اتِّخَاذِهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَأَيُّ مَعْنًى مُنَاسِبٌ بَيْنَ كَوْنِهِ سَبْعًا أَوْ ثَلَاثًا؟ نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ اقْتِنَائِهِ مُقْتَضِيًا لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لِلتَّنْفِيرِ عَنْهُ أَمَّا كَوْنُهُ سَبْعًا فَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ. [فَائِدَةٌ الْغَسْلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عَلَى الْفَوْرِ] {الْعَاشِرَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْغَسْلُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي وُجُوبِ إرَاقَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ مُسْتَحَبَّةٌ، فَإِنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ وَجَبَتْ الْإِرَاقَةُ. [فَائِدَةٌ هَلْ تَتَعَدَّدُ الْغَسَلَاتُ الْوَاجِبَةُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ بِتَعَدُّدِ الْوَلَغَاتِ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشَرَ} هَلْ تَتَعَدَّدُ الْغَسَلَاتُ الْوَاجِبَةُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ بِتَعَدُّدِ الْوَلَغَاتِ مِنْ كَلْبٍ وَاحِدٍ أَوْ كَلْبَيْنِ فَأَكْثَرَ؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ وَقِيلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qيَجِبُ لِكُلِّ وَلْغَةٍ سَبْعٌ وَقِيلَ يَكْفِي السَّبْعُ فِي وَلَغَاتِ الْكَلْبِ الْوَاحِدِ وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْكِلَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ غَيْرِ الْكَلْبِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ عَلَى السَّبْعِ بَلْ يَنْدَرِجُ الْأَصْغَرُ فِي الْأَكْبَرِ كَالْحَدَثِ عَلَى الصَّحِيحِ وَادَّعَى النَّوَوِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ فَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ لِلنَّجَاسَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَتَعَدَّى حُكْم الْكَلْبِ إلَى الْخِنْزِيرِ] 1 {الثَّانِيَةَ عَشَرَ} مَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي التَّسْبِيعِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْ اتِّخَاذِهِ وَاقْتِنَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَدَّى حُكْمَ الْكَلْبِ إلَى الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِنَائِهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ بَعْضِ الْكِلَابِ الْمُتَّخَذَةِ لِلصَّيْدِ، وَالزَّرْعِ فَهُوَ إذًا أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ الْغَسْلُ مِنْهُ سَبْعًا كَالْكَلْبِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّسْبِيعُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَيَقْتَصِرُ فِي التَّسْبِيعِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَرُدَّ الشَّرْعُ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّعَبُّدِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي شَرَحَ الْوَسِيطِ بَلْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى طَهَارَةِ الْخِنْزِيرِ وَمَنْ ادَّعَى مِنْ أَصْحَابِنَا الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مَحَلُّ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ] {الثَّالِثَةَ عَشَرَ} مَحَلُّ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، وَكَذَلِكَ مَحَلُّ الْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ هُوَ مَا إذَا كَانَ مَا فِي الْإِنَاءِ مَائِعًا أَمَّا إذَا كَانَ جَامِدًا، فَإِنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ إلْقَاءُ مَا أَصَابَ الْكَلْبُ بِفَمِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ حِينَئِذٍ إلَّا إذَا أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ مَعَ وُجُودِ الرُّطُوبَةِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ فَقَطْ سَبْعًا كَالْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ سَوَاءٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةً فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَا فِيهِ جَامِدًا لَا يُسَمَّى أَخْذُ الْكَلْبِ مِنْهُ شُرْبًا وَلَا وُلُوغًا بَلْ هُوَ أَكْمَلُ، وَإِنَّمَا الْوُلُوغُ الْأَخْذُ بِطَرَفِ اللِّسَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [حَدِيثٌ طُهْرُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 «طُهْرُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (طَهُورُ) وَزَادَ «أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»   Q «طُهْرُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (طَهُورُ) وَزَادَ «أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ طَهُورٍ وَزَادَ فِي آخِره أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أُولَهُنَّ أَوْ قَالَ آخِرُهُنَّ بِالتُّرَابِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. {الثَّانِيَةُ} فِي قَوْلِهِ طُهْرُ وَطَهُورُ مَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَنَجَاسَتِهِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلنَّجَاسَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. {الثَّالِثَةُ} اعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَكُونُ لَا عَنْ حَدَثٍ وَلَا عَنْ خُبْثٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا» قَالَ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ نَجَاسَةٌ وَالطَّهُورُ يُطْلَقُ عَلَى إبَاحَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَالتَّيَمُّمِ، وَهَذَا الَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَإِنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ فَلَا يُقَالُ إنَّهَا طَهَارَةٌ لَا عَنْ حَدَثٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} اعْتَرَضَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى الْمُحْتَجِّينَ بِالْحَدِيثِ عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ بِبَحْثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا دَلَّ عَلَى نَجَاسَةِ الْإِنَاءِ بِسَبَبِ الْوُلُوغِ، وَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ نَجَاسَةِ عَيْنِ اللُّعَابِ وَعَيْنِ الْفَمِ أَوْ تَنَجُّسِهِمَا بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ غَالِبًا، وَالدَّالُّ عَلَى الْمُشْتَرَكِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْخَاصَّيْنِ فَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِ الْفَمِ أَوْ عَيْنِ اللُّعَابِ فَلَا تَسْتَمِرُّ الدَّلَالَةُ عَلَى نَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ كُلِّهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ تَنَجُّسَ اللُّعَابِ أَوْ الْفَمِ كَمَا أَشَرْتُمْ إلَيْهِ لَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ، وَهُوَ إمَّا وُقُوعُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ أَوْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِدُونِ عِلَّتِهِ؛ لِأَنَّا إذَا فَرَضْنَا تَطْهِيرَ فَمِ الْكَلْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ وُجُوبُ غَسْلِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَجَبَ تَخْصِيصُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعُمُومِ، وَإِنْ ثَبَتَ لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِدُونِ عِلَّتِهِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِهِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ: الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِالْغَالِبِ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الصُّورَةِ نَادِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْبَحْثُ إذَا انْتَهَى إلَى هَهُنَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْغَسْلَ لِأَجْلِ قَذَارَةِ الْكَلْبِ انْتَهَى. (قُلْت) : لَيْسَ الْغَسْلُ مِنْ الْقَذَارَةِ طَهَارَةً شَرْعِيَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ لُغَوِيَّةٌ وَقَوْلُهُ طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِثْبَاتُ نَجَاسَةِ فَمِ الْكَلْبِ بِاحْتِمَالِ تَنْجِيسِهِ يُعَارِضُ خِلَافَ الْأَصْلِ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْكَلْبِ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْقَذِرَةِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ كَالسِّبَاعِ، وَالطُّيُورِ وَلَثَبَتَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْهِرِّ فَكَثِيرًا مَا يَأْكُلُ النَّجَاسَاتِ كَالْفَأْرَةِ، وَالْحَشَرَاتِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِرَّةِ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسٍ وَتَوَضَّأَ بِسُؤْرِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَجَاسَةَ الْكَلْبِ أَصْلِيَّةٌ لَا عَارِضَةٌ بِاحْتِمَالِ نَجَاسَةٍ أُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اشْتِرَاطِ التَّتْرِيبِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ] 1 {الْخَامِسَةُ} وَلَغَ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وَحُكِيَ فِي الْمُضَارِعِ كَسْرُ اللَّامِ أَيْضًا، وَالْمَصْدَرُ وُلُوغٌ بِضَمِّ الْوَاوِ وَوَلْغٌ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ، وَالْوُلُوغُ هُوَ الشُّرْبُ بِطَرَفِ اللِّسَانِ قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ الْوُلُوغُ فِي السِّبَاعِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْوُلُوغُ لِلسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ كَالشُّرْبِ لِبَنِي آدَمَ قَالَ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الشُّرْبُ لِلسِّبَاعِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْوُلُوغُ فِي الْآدَمِيِّ وَيُقَالُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ يَلَغُ غَيْرُ الذُّبَابِ. (قُلْت) وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الْوُلُوغُ فِي الْآدَمِيِّ مَجَازًا فَقَالُوا فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَشَرِبَ دَمَهُ وَلَغَ فِي دَمِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالسِّبَاعِ، وَأَمَّا الْوُلُوغُ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَهُوَ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ، الْوُلُوغُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ كَالسَّعُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّتْرِيبِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَكْثَرِ الظَّاهِرِيَّةِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتْرِيبُ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ الْمَاءُ فَقَطْ وَأَوْجَبَ بَعْضُهُمْ التَّتْرِيبَ فِيمَا لَا يَفْسُدُ بِهِ كَالْإِنَاءِ دُونَ مَا يَفْسُدُ بِهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا. [فَائِدَةٌ الْمَرَّةِ الَّتِي تُجْعَلُ فِيهَا التُّرَابُ فِي غَسَلَ الْإِنَاء الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْب] 1 {السَّابِعَةُ} اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي تُجْعَلُ فِيهَا التُّرَابُ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ أُولَاهُنَّ أَوْ قَالَ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ إحْدَاهُنَّ بِالْحَاءِ، وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَنْ ذَكَرَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّهَا لَمْ تَرِدْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْبَزَّارِ لَهَا فِي مُسْنَدِهِ. وَقَدْ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ هَكَذَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فَقَالَ فِيهِ إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» . وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الشَّارِحِينَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهَا فَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهَا بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ قَالَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعًا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بِتُرَابٍ مَعَ الْمَاءِ فَكَأَنَّ التُّرَابَ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلَةٍ فَسُمِّيَتْ ثَامِنَةً لِهَذَا وَأَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ فِيهِ اسْتِكْرَاهٌ. وَهَكَذَا يَدُلُّ كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ عَلَى تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ الثَّامِنَةِ بِالتُّرَابِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ صَارَ إلَى التَّرْجِيحِ دُونَ الْجَمْعِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ فِي الثَّامِنَةِ مَا صُورَتُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ فَرِوَايَتُهُ أَوْلَى فَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَتَهُ بِكَوْنِهِ أَحْفَظَ وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إجْزَاءَ التَّرْتِيبِ فِي أَيِّ غَسْلَةٍ شَاءَ مِنْ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ بِأَنَّ رِوَايَةَ إحْدَاهُنَّ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا مُطْلَقَةً، وَقَدْ قُيِّدَتْ فِي بَعْضِهَا بِأُولَاهُنَّ وَفِي بَعْضِهَا بِالسَّابِعَةِ فَلَا يُجْزِئُ التَّتْرِيبُ فِي غَيْرِهِمَا لِاتِّفَاقِ الْقَيْدَيْنِ عَلَى نَفْيِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ اسْتِشْكَالًا وَبَحْثًا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ. فَقَالَ: وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعًا أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَلَا يُطَهِّرُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْأُمِّ قَرِيبَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَبِعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالْأُولَى أَوْ الْأُخْرَى الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي وَالْمَرْعَشِيُّ فِي كِتَابِ تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ، وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْحَنَفِيَّةِ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا التُّرَابَ بِهَذَا الِاضْطِرَابِ مِنْ كَوْنِهَا أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ أَوْ السَّابِعَةَ أَوْ الثَّامِنَةَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الِاضْطِرَابَ يَقْتَضِي طَرْحَ ذِكْرِ التُّرَابِ رَأْسًا، وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُضْطَرِبَةٌ وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَدِيثَ الْمُضْطَرِبَ إنَّمَا تَتَسَاقَطُ الرِّوَايَاتُ إذَا تَسَاوَتْ وُجُوهُ الِاضْطِرَابِ أَمَّا إذَا تَرَجَّحَ بَعْضُ الْوُجُوهِ فَالْحُكْمُ لِلرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهَا رِوَايَةُ مَنْ خَالَفَهَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ رِوَايَةَ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ مِنْ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّهُ رَوَاهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ثَلَاثَةٌ، هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ فَتَتَرَجَّحَ بِأَمْرَيْنِ: كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَتَخْرِيجُ أَحَدِ الشَّيْخَيْنِ لَهَا وَهُمَا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ أُخْرَاهُنَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالرَّاءِ فَلَا تُوجَدُ مُنْفَرِدَةً مُسْنَدَةً فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ ذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ رَوَاهَا خِلَاسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ إلَّا أَنَّهَا رُوِيَتْ مَضْمُومَةً مَعَ أُولَاهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا رِوَايَةُ السَّابِعَةِ بِالتُّرَابِ فَهِيَ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَاهَا، فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَتَادَةُ وَانْفَرَدَ بِهَا أَبُو دَاوُد، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا عَلَى قَتَادَةَ فَقَالَ إبَّانُ عَنْهُ هَكَذَا، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْهُ الْأُولَى بِالتُّرَابِ فَوَافَقَ الْجَمَاعَةَ رَوَاهُ كَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ أُولَاهُنَّ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالدَّالِ فَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا الْبَزَّارُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ فَقَدْ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِيهِ بَحْثٌ أَذْكُرُهُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ لَا تَخْلُوَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَجْمُوعَةً مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْ هُوَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَتْ مَجْمُوعَةً مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَالٌّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا وَيَتَرَجَّحُ حِينَئِذٍ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِمَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى أَوْ السَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ حُفِظَ مَرَّةً فَاقْتُصِرَ عَلَيْهَا وَحُفِظَ هَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُولَى، وَالْأُخْرَى فَكَانَ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَكًّا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَالتَّعَارُضُ قَائِمٌ وَيَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ فَتُرَجَّحُ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي رِوَايَتِهِ أُولَاهُنَّ أَوْ قَالَ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ شَكَّ فِيهِ فَيَتَرَجَّحُ حِينَئِذٍ تَعْيِينُ الْأُولَى وَلَهَا شَاهِدٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ. وَإِذَا كَانَ ذِكْرُ الْأُولَى أَرْجَحَ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ كَوْنِ التَّتْرِيبِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَوْلَى وَذَكَرُوا لَهُ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قُدِّمَ التَّتْرِيبُ فِي الْأُولَى فَتَنَاثَرَ مِنْ بَعْضِ الْغَسَلَاتِ رَشَاشٌ إلَى غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمُتَلَوِّثِ بِالنَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ لَمْ يَجِبْ تَتْرِيبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِّرَ فَكَانَ هَذَا أَرْفَقَ لَكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ مُتَقَاصِرٌ عَمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى تَعْيِينِ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَنْفَرِدُ بِذِكْرِ التُّرَابِ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ يَحْيَى الْهِلَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرْوَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ فِيهِ الْأُولَى بِالتُّرَابِ وَخَالِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنِّي لَمْ أَرَ فِي حَدِيثِهِ شَيْئًا مُنْكَرًا وَقَالَ الذَّهَبِيُّ صُوَيْلِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَوَرَدَ ذِكْرُ التُّرَابِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ، ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إنْ حَفِظَهُ مُعَاذٌ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ غَيْرُ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَاهُ غَيْرُ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ رَوَاهُ خِلَاسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي حَدِيثِ خِلَاسٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ خِلَاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ سَمِعَ خِلَاسٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ ذِكْرُ أَبِي رَافِعٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ الْمُتَقَدِّمَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ لَا يَكْفِي التَّتْرِيبُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ فِي غَسَلَ الْإِنَاء] {التَّاسِعَةُ} فِي قَوْلِهِ: طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ مَعَ ذِكْرِ التُّرَابِ فِي آخِرِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّتْرِيبُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يَكُونُ مُطَهِّرًا، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَصِحُّ كَالدِّبَاغِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ وَبَنَى الرَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا إذَا تَنَجَّسَتْ الْأَرْضُ التُّرَابِيَّةُ بِالْكَلْبِ، فَإِنْ قُلْنَا لَا يَكْفِي التُّرَابُ النَّجِسُ فَلَا بُدَّ مِنْ تُرَابٍ آخَرَ وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تُرَابٍ آخَرَ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ. [فَائِدَةٌ لَا يَكْتَفِي بِذَرِّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ فِي التَّطْهِير] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِي قَوْلِهِ: فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ مَا قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَرِّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْمَاءِ وَيُوَصِّلَهُ إلَى الْمَحَلِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ جَعَلَ مَرَّةَ التَّتْرِيبِ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْغَسَلَاتِ، وَذَرُّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُسَمَّى غَسْلًا وَهَذَا مُمْكِنٌ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَرَّ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ وَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ غَسَلَ بِالتُّرَابِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: وَعَفِّرُوهُ قَدْ يُشْعِرُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالتَّتْرِيبِ بِطَرِيقِ ذَرِّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ، فَإِنْ كَانَ خَلْطُهُ بِالْمَاءِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ تَعْفِيرًا لُغَةً فَقَدْ ثَبَتَ مَا قَالُوهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْفِيرِ حِينَئِذٍ يَنْطَلِقُ عَلَى ذَرِّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحَلِّ وَعَلَى إيصَالِهِ بِالْمَاءِ إلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ مُسَمَّى الْغَسْلَةِ يَدُلُّ عَلَى خَلْطِهِ بِالْمَاءِ وَإِيصَالِهِ إلَى الْمَحَلِّ بِهِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُقْتَضَى مُطْلَقِ التَّعْفِيرِ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ شُمُولِ اسْمِ التَّعْفِيرِ لِلصُّورَتَيْنِ مَعًا أَعْنِي ذَرَّ التُّرَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَنْفَرِدُ بِذِكْرِ التُّرَابِ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ فِي السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إنْ كَانَ حَفِظَهُ مُعَاذٌ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ غَيْرُ ابْنِ سِيرِينَ (قُلْت) : تَابَعَهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ يَحْيَى بْنُ سِيرِينَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ: «أُولَهُنَّ أَوْ آخِرُهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَلِلْبَيْهَقِيِّ (أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ) وَلِأَبِي دَاوُد (السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ) وَلِلْبَزَّارِ (إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» ..   Qوَإِيصَالَهُ بِالْمَاءِ انْتَهَى. وَمَا أَبْدَاهُ الشَّيْخُ مِنْ الِاحْتِمَالِ فِي إجْزَاءِ ذَرِّ التُّرَابِ وَإِتْبَاعِهِ بِالْمَاءِ قَدْ صَرَّحَ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيَّ صَرَّحَ فِي التَّبْصِرَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. [فَائِدَةٌ لَا يَكْفِي مَزْجُ التُّرَابِ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشَرَ} اسْتَدَلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَزْجُ التُّرَابِ بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فَلْيَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا وَإِلَّا لَجَازَ الْغَسْلُ سَبْعًا بِغَيْرِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَسْلَةِ السَّابِعَةِ التُّرَابُ، وَهُوَ بَعِيدٌ. {الثَّانِيَةَ عَشَرَ} فِيهِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا، ثُمَّ مَزَجَ التُّرَابَ بِمَائِعٍ فَغَسَلَهُ بِهِ ثَامِنَةً أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَيْسَ فِي أُولَى الْغَسَلَاتِ وَلَا فِي إحْدَاهُنَّ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ جَمْعِ التُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْمُسَمَّى بِالتَّنْقِيحِ وَكَلَامُهُ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ مُحْتَمَلٌ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا غَسَلَهُ بِالْمَاءِ سَبْعًا وَمَزَجَ التُّرَابَ بِالْمَائِعِ وَغَسَلَهُ بِهِ مَعَ الْمَاءِ غَسْلَةً ثَامِنَةً فَفِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ قَالَ: وَلَا يُتَّجَهُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْجُهِ بَعِيدٌ فِي أَنَّ التُّرَابَ تَزُولُ طَهُورِيَّتُهُ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ. [فَائِدَةٌ الْأَمْرِ بِالتَّتْرِيبِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى] 1 {الثَّالِثَةَ عَشَرَ} اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَمْرِ بِالتَّتْرِيبِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَبُّدٌ جَعَلَهُ مُتَعَيِّنًا، وَأَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ أَبْلَغَ فِي الْإِزَالَةِ كَالصَّابُونِ، وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِمَا وَمَنْ جَعَلَهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِلَّةُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ تَغْلِيظًا لِلنَّجَاسَةِ وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ الِاسْتِظْهَارَ مَعَ الْمَاءِ بِغَيْرِهِ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ لَمْ يَكْتَفِ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَمَنْ جَعَلَهُ لِلِاسْتِظْهَارِ اكْتَفَى بِأَمْرٍ آخَرَ مَعَ الْمَاءِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْغَسْلَةِ الثَّامِنَةِ إذْ لَا زِيَادَةَ عَلَى الْمَاءِ وَالْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ تَعَيُّنُ التُّرَابِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَنَحْوُهُمَا، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكْفِي فِيمَا يَفْسُدُ بِالتُّرَابِ كَالثِّيَابِ خُصُوصًا النَّفِيسَةَ، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَعَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَكْفِي مُطْلَقًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا فَرَضَهُ فِي الْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ كَمَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَةٌ لَا يَكْفِي غَسَلَ الْإِنَاء مَرَّةً ثَامِنَةً بِالْمَاءِ بَدَلًا عَنْ التُّرَابِ] 1 {الرَّابِعَةَ عَشَرَ} فِيهِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ مَرَّةً ثَامِنَةً بِالْمَاءِ بَدَلًا عَنْ التُّرَابِ لَا يَكْفِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ   Qأَبْلَغُ فِي التَّطْهِيرِ مِنْ التُّرَابِ فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ أَبْلَغَ مِنْ التُّرَابِ مُطْلَقًا لَجَازَ لِمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ دُونَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ أَبْلَغُ فِي التَّطْهِيرِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ لَا يُكْتَفَى بِالرَّمْلِ عَنْ التُّرَابِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ] {الْخَامِسَةَ عَشَرَ} ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالرَّمْلِ عَنْ التُّرَابِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْمًا يَخُصُّهُ دُونَ التُّرَابِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا صَحَّحُوا جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِهِ إذَا كَانَ نَاعِمًا لَهُ غُبَارٌ بَلْ زَادَ النَّوَوِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ سَحَقَ الرَّمْلَ حَتَّى صَارَ لَهُ غُبَارٌ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي التَّتْرِيبِ مِنْ الْكَلْبِ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى جَوَازِ كَوْنِهِ يُسَمَّى تُرَابًا. وَفِي الْحَدِيثِ مَا قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِهِ عَلَى الْعُرَنِيِّينَ لِلْهَرَوِيِّ أَنَّ فِي حَدِيثِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَمْرَانِ تُكْفَأُ الْقُدُورُ، وَأَنْ يُرَمَّلَ اللَّحْمُ بِالتُّرَابِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ يُلَتُّ بِالتُّرَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُتَرَّبُ بِالتُّرَابِ فَأَتَى بِقَوْلِهِ يُرَمَّلُ؛ لِأَنَّ الرَّمْلَ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ فَجَمَعَ بَيْنَ ذِكْرِ الرَّمْلِ، وَالتُّرَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَتَّى يَصِيرَ التُّرَابُ لَهُ رِمَالًا كَمَا يُرَمَّلُ السَّرِيرُ فَيَلْتَصِقُ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَشُبِّهَ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَتِهِ بِالنَّسْجِ عَلَى السَّرِيرِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اشْتِرَاطِ الْغَسْلِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ ثَمَانِيًا] 1 {السَّادِسَةَ عَشَرَ} فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى اشْتِرَاطِ الْغَسْلِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ ثَمَانِيًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ يُغْسَلُ سَبْعًا بِالْمَاءِ وَمَرَّةً ثَامِنَةً بِالتُّرَابِ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ غَيْرُهُ. (قُلْت) : قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَيْضًا كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَاغْسِلُوهُ سَبْعًا وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْحَدِيثُ قَوِيٌّ فِيهِ فَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ احْتَاجَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِوَجْهٍ فِيهِ اسْتِكْرَاهٌ. وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: يَنْبَغِي لِهَذَا الْمُخَالِفِ لَنَا أَنْ يَقُولَ: لَا يَطْهُرُ الْإِنَاءُ حَتَّى يُغْسَلَ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ الثَّامِنَةُ بِالتُّرَابِ لِيَأْخُذَ بِالْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ وَفِي الْعَاشِرَةِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. [حَدِيثٌ الْأَعْرَابِيّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ] {الْحَدِيثُ الثَّالِثُ} عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَقَدْ تَحَجَّرْت وَاسِعًا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ هَرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: فَرَّقَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى قِصَّةِ الْبَوْلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.   Qثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَقَدْ تَحَجَّرْت وَاسِعًا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ هَرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَرَّقَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَعِيدِ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَمَّا رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَأَخْرَجَهَا بِكَمَالِهَا أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهَا وَأَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ مُقْتَصِرًا عَلَى أَوَّلِ الْحَدِيثِ دُونَ قِصَّةِ الْبَوْلِ. (وَأَمَّا) رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ مُفَرَّقَةً فِي مَوْضِعَيْنِ فَذَكَرَ قِصَّةَ الْبَوْلِ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي الْأَدَبِ أَيْضًا وَذَكَرَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ فِي الْأَدَبِ أَيْضًا. وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مُقْتَصِرِينَ عَلَى أَوَّلِ الْحَدِيثِ دُونَ قِصَّةِ الْبَوْلِ وَأَخْرَجَهَا ابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ قِصَّةَ الْبَوْلِ أَيْضًا وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قِصَّةَ الْبَوْلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِتَمَامِهِ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. {الثَّانِيَةُ} الْأَعْرَابِيُّ هُوَ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ وَقِيلَ مَنْ سَكَنَهَا مِنْ الْعَرَبِ وَجَمْعُ الْأَعْرَابِيِّ أَعْرَابٌ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي قَالَ: وَقَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ فَقِيلَ: لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْقَبِيلَةِ كَأَثْمَارٍ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَوْ نَسَبَ إلَى الْوَاحِدِ، وَهُوَ عَرَبٌ لَقِيلَ عَرَبِيٌّ فَيَشْتَبِهُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا بِالْبَادِيَةِ أَوْ بِالْقُرَى، وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَوْلُهُ إنَّ الْأَعْرَابَ جَمْعُ عَرَبٍ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ جَمْعُ أَعْرَابِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَنَّفَ فِي الْمُبْهَمَاتِ سَمَّى هَذَا الْأَعْرَابِيَّ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ تَحِيَّةً لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ حَتَّى عِنْدَ الْأَعْرَابِيِّ الْغَرِيبِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا يَتْرُكُهَا الدَّاخِلُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ دَخَلَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ يَخَافُ فَوْتَهَا، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَرْضَ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِ الطَّوَافُ وَتَتَأَدَّى التَّحِيَّةُ بِالْفَرْضِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، فَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَقَدْ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الطَّوَافِ لِقُرْبِ الصَّلَاةِ أَوْ خُرُوجِ الْخَطِيبِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ حِينَئِذٍ رَكْعَتَا التَّحِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَيْسَتَا لِلتَّحِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُمَا فَرْضُ صَلَاتِهِ فَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقَدْ حَجَّرْت وَاسِعًا» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الْبَوْلِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} كَيْفَ وَجَّهَ الْجَمْعَ بَيْنَ الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ لِلرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِقَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ الدَّالَّةُ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَالتَّرَاخِي وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَلِمُحَمَّدٍ وَلَا تَغْفِرْ لِأَحَدٍ مَعَنَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الْحَدِيثَ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلتَّحِيَّةِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَهُمْ وَقَالَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ دَخَلَ، وَهُوَ جَالِسٌ فَقَالَ فَأَتَى بِالْفَاءِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّعْقِيبِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَصَلَّى وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فَقَدْ زَادَا ذِكْرَ الصَّلَاةِ كَحَدِيثِ الْبَابِ، وَالْحُكْمُ لِمَنْ حَفِظَ وَزَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ بِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَتَى بِالْفَاءِ. [فَائِدَةٌ عَدَمُ التَّخْصِيصِ فِي الْعِبَادَة] 1 {الْخَامِسَةُ} فِيهِ أَنَّ مِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ أَنَّ مَنْ دَعَا بِمَجْلِسِ جَمَاعَةٍ لَا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ مِنْ بَيْنِهِمْ أَوْ لَا يَخُصُّ نَفْسَهُ وَبَعْضَهُمْ دُونَ جَمِيعِهِمْ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ بِأَنَّهُ لَا يَرْحَمُ الْبَاقِينَ أَوْ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ لِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَهَذَا وَقَعَ مِنْ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ جَهْلًا بِآدَابِ الدُّعَاءِ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَأَكَّدُ اسْتِيعَابُ الْحَاضِرِينَ عَلَى إمَامِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَخُصُّ نَفْسَهُ دُونَ الْمَأْمُومِينَ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْمَأْمُومُونَ كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا مَا يَدْعُو كُلُّ أَحَدٍ بِهِ كَقَوْلِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَأْمُومِينَ يَدْعُو بِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ حِينَئِذٍ فِي الْإِفْرَادِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ بَعْضَ الْمَأْمُومِينَ يَتْرُكُ ذَلِكَ نِسْيَانًا أَوْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِاسْتِحْبَابِهِ فَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَنْ يَجْمَعَ الضَّمِيرَ لِذَلِكَ فَأَمَّا دُعَاءُ الدَّاعِي لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالرَّحْمَةِ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنْ لَا بُدَّ مِنْ عَذَابِ بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ لِوُرُودِ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ وَخُرُوجُهُمْ مِنْ النَّارِ بَعْدَ الْعَذَابِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالرَّحْمَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَعْمِيمِ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُبَادَرَةُ إلَى إنْكَارِ الْمُنْكَر وَتَعْلِيمِ الْجَاهِلِ] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَتَعْلِيمِ الْجَاهِلِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الْإِنْكَارَ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ لَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ نَحْوُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَمَّا لَوْ تَعَدَّى ضَرَرُهُ كَأَنْ رَآهُ يَقْتُلُ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَيَجِبُ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَإِزَالَةُ مَا قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ لَقَدْ تَحَجَّرْت وَاسِعًا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْ ضَيَّقْت مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَخَصَصْت بِهِ نَفْسَك دُونَ غَيْرِك انْتَهَى وَالْمَعْنَى أَرَدْت ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَحْجِيرُ مَا أَرَادَ تَحَجُّرَهُ وَالتَّفَعُّلُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ تَكَلُّفُ الشَّيْءِ وَبُلُوغُهُ بِمَشَقَّةٍ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى تَكَلُّفِ مَا لَا يَنَالُهُ وَلَا يُطِيقُهُ نَحْوُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَكَقَوْلِهِ مَنْ تَحَلَّمَ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ فَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ حَلَمْت بِكَذَا، وَكَذَا وَلَمْ يَكُنْ حَلَمَ وَلَا رَأَى شَيْئًا فَهُوَ تَفَعَّلَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِيهِ وَلَا بُلُوغٍ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ وَرَدَ هَذَا أَيْضًا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ بِغَيْرِ تَاءِ التَّفَعُّلِ لَقَدْ حَجَرْت أَوْ حَجَّرْت وَاسِعًا رُوِيَ بِالتَّشْدِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالتَّخْفِيفِ، وَالْمَعْنَى أَرَدْت ذَلِكَ وَدَعَوْت بِهِ وَلَنْ تَبْلُغَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ جَاهِلَ الْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ لَا يعذر بِشَرْطِهِ] {الثَّامِنَةُ} وَفِيهِ أَنَّ جَاهِلَ الْحُكْمِ بِالتَّحْرِيمِ إذَا خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ فِيهَا حَدٌّ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَعْرَابِيٌّ نَشَأَ بِالْبَادِيَةِ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ لَا يَجُوزُ الْبَوْلُ فِيهَا فَلَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُؤَنِّبْهُ، ثُمَّ عَلَّمَهُ الْحُكْمَ وَنَهَاهُمْ عَنْ الْوُقُوعِ بِهِ وَعَنْ الصِّيَاحِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: وَيْحُك أَوْ وَيْلُك، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ ذَلِكَ وَلَا تُرِيدُ بِهِ الدُّعَاءَ بَلْ قَدْ وَرَدَ أَنَّ وَيْحَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {التَّاسِعَةُ} وَقَوْلُهُ: فَأَسْرَعَ النَّاسُ إلَيْهِ أَيْ بَادَرُوا إلَيْهِ وَمُبَادَرَتُهُمْ إلَيْهِ إمَّا لِلْوُقُوعِ بِهِ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ فَثَارَ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، وَإِمَّا أَسْرَعُوا إلَيْهِ لِزَجْرِهِ، وَالصِّيَاحِ عَلَيْهِ فَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَزَجَرَهُ النَّاسُ وَلِمُسْلِمٍ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْ مَهْ فَقَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهِ: لَا تَزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ» الْحَدِيثَ. [فَائِدَةٌ الرِّفْقُ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِيهِ الرِّفْقُ فِي إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَتَعْلِيمِ الْجَاهِلِ بِاسْتِعْمَالِ التَّيْسِيرِ وَتَرْكِ التَّعْسِيرِ وَلِذَلِكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ «إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدَ أَنْ فَقِهَ فَقَامَ إلَيَّ بِأَبِي وَأُمِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُؤَنِّبْ وَلَمْ يَسُبَّ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُبَالُ فِيهِ، وَإِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ هُنَا هَذَا الْمَسْجِدُ أَرَادَ بِهِ جِنْسَ الْمَسَاجِدِ لَا خُصُوصِيَّةَ مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [فَائِدَةٌ احْتِمَالُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي أَشَدِّهِمَا] 1 {الْحَادِيَةَ عَشَرَ} فِيهِ احْتِمَالُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي أَشَدِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يُتِمَّ بَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ لَا كَثِيرُهُ وَلَا قَلِيلُهُ وَأَمْرُهُمْ بِتَرْكِهِ فِيهِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ أَصْلُ التَّنْجِيسِ قَبْلَ قِيَامِهِمْ إلَيْهِ فَلَوْ قَطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ وَأَخْرَجُوهُ لَأَدَّى إلَى تَنْجِيسِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَى تَنْجِيسِ ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ فَكَانَ إكْمَالُهُ لِلْبَوْلِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي تَنَجَّسَ أَخَفَّ ضَرَرًا. (وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَبْسَ الْبَوْلِ يُحَصِّلُ لِصَاحِبِهِ ضَرَرًا فَكَانَ فِيهِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَى تَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَهَذَا مِنْ رِفْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمَّتِهِ وَحُسْنِ نَظَرِهِ لَهُمْ وَرُبَّمَا اُبْتُلِيَ مَنْ تَجَاوَزَ أَمْرَهُ وَتَأْدِيبَهُ بِأَشَدَّ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْجَاهِلُ كَمَا حَكَى لِي صَاحِبُنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْقُدْوَةُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ صِدِّيقٍ الْجَنَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ قَالَ: كُنْت فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَيْت رَجُلًا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَغَيَّظْتُ عَلَيْهِ وَزِدْت فِي تَعْنِيفِهِ، ثُمَّ أَلْزَمْتُهُ أَنْ حَمَلَ ذَلِكَ الْحَصْبَاءَ الَّذِي تَنَجَّسَ بِبَوْلِهِ فِي ثَوْبِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَحْمَةِ الْمَوْسِمِ فَخَشِيت أَنْ يَطَأَهُ النَّاسُ وَيَتَنَجَّسُوا بِهِ قَبْلَ تَطْهِيرِهِ قَالَ: ثُمَّ تَذَكَّرْت قَوْلَهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَزْرِمُوهُ فَنَدِمْت عَلَى إفْحَاشِي عَلَيْهِ وَرُبَّمَا كَانَ جَاهِلًا أَوْ سَبَقَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ قَالَ: فَابْتُلِيت فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ سَبَقَنِي الْبَوْلُ فِي إزَارِي وَرِدَائِي وَأَنَا مُحْرِمٌ وَكَانَ عِنْدَهُ تَحَرُّزٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَرُبَّمَا جَاوَزَهَا إلَى الْوَسْوَسَةِ قَالَ فَخَرَجْت مِنْ الْمَسْجِدِ وَبَقِيت حَائِرًا أَيْنَ أَتَطَهَّرُ وَأُطَهِّرُ إحْرَامِي مَعَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَكَثْرَتِهِمْ عَلَى الْمِيَاهِ بِمَكَّةَ فَذَهَبْت إلَى فَسَاقِي بَابِ الْمُعَلَّى، وَالزِّحَامُ عَلَيْهَا فَاسْتَقْبَلَنِي رَجُلٌ مِنْ السَّقَّايِينَ الَّذِينَ فِي الرَّكْبِ لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أَذْكُرُ أَنِّي رَأَيْته قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ لِي أَهْلًا وَسَهْلًا بِحُبِّنَا الْمُوَسْوِسِ كَأَنَّك تُرِيدُ تَتَطَهَّرُ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ فَأَعْطَانِي شَيْئًا اسْتَتَرْت بِهِ، ثُمَّ نَزَعَ إزَارِي وَرِدَائِي وَدَعَا صِبْيَانَهُ فَأَمْسَكَ بَعْضَهُمْ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَأَمَرَ بَعْضَهُمْ فَطَهَّرَ بَدَنَهُ وَأَفْرَغَ بِالدَّلْوِ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ عَلَيْهِمَا حَتَّى طَابَتْ نَفْسِي بِتَطْهِيرِهِمَا وَوَقَفَ الصِّبْيَانُ بِهِمَا فِي الْهَوَاءِ حَتَّى جَفَّا وَأَمَرَهُمْ فَصَبُّوا عَلَيَّ حَتَّى طَابَتْ نَفْسِي بِحُصُولِ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ أَلْبَسُونِي إحْرَامِي وَقَالَ لِي آنَسْتنَا الْيَوْمَ وَرَحَّبَ بِي فَصِرْت مُتَعَجِّبًا مِنْ وُقُوعِ مِثْلِ هَذَا مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَعَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ بِنَدَمِي عَلَى إفْحَاشِي عَلَى الَّذِي سَبَقَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. {الثَّانِيَةَ عَشَرَ} قَوْلُهُ هَرِيقُوا عَلَيْهِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ بَعْدَ الرَّاءِ وَهَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْبُخَارِيِّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ أُهْرِيقُوا بِإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ فِي أَوَّلِهِ وَهَكَذَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِزِيَادَةِ الْهَمْزِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُحْذَفُ الْهَمْزُ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمَاضِي مِنْهُ لُغَاتٌ أَفْصَحُهَا أَهَرَاقَ الْمَاءَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْهَاءِ مَعًا يُهْرِيقُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ، وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ هَرَاقَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالثَّالِثَةُ هَرَقَ بِغَيْرِهَا أَيْضًا وَبِغَيْرِ أَلِفٍ بَيْنَ الرَّاءِ وَالْقَافِ، وَالرَّابِعَةُ أَهْرَاقَ بِإِثْبَاتِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ الْإِرَاقَةُ، وَالصَّبُّ. [فَائِدَةٌ نَجَاسَةُ بَوْلِ الْآدَمِيِّ] (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) فِيهِ نَجَاسَةُ بَوْلِ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فِي نَجَاسَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ فَهُوَ بَاطِلٌ عَنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ وَهْبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: وَرَوَاهَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَتَادَةَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى قَالَ: وَهُوَ شَاذٌّ فِي النَّقْلِ. [فَائِدَةٌ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ الْبَوْلِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشَرَ) فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ الْبَوْلِ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَلْوِيثِهَا بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ تَتَلَوَّثْ كَأَنْ بَالَ فِي إنَاءٍ أَوْ افْتَصَدَ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْبَوْلِ وَكَرَاهَةُ الِافْتِصَادِ دُونَ تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِكَرَاهَةِ الْفَصْدِ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الِاعْتِكَافِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَرَاهَةِ وَجَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِعَدَمِ جَوَازِ الْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ كَالْبَوْلِ فِي الطَّسْتِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ إذَا أَمِنَ تَلَوُّثَ الْمَسْجِدِ بِهَا جَازَ دُخُولُهُ، وَإِنْ خَافَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَهُ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي مَكَان يَبُلُّهُ وَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ جَوَازَهُ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَكَى عَنْ مَالِكٍ وَسَحْنُونٍ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَعَافُهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ فِي الرَّوْضَةِ فِي زَوَائِدِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالْوُضُوءِ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ حَمْلُ الصَّنَائِعِ فِيهِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: إنَّ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَالْحِرْفَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذْ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ تَأْبَى اتِّخَاذَهُ حَانُوتًا. وَفَرَّقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْفَتَاوَى الْمَوْصِلِيَّةِ بَيْنَ الْحِرَفِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْمَلَ فِيهِ صَنْعَةٌ خَسِيسَةٌ تُزْرِي بِهِ قَالَ: وَأَمَّا الْكِتَابَةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا لَا يُزْرِي، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَبَذَّلَ ابْتِذَالَ الْحَوَانِيتِ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ حَسَنَةٌ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسَاجِدَ لَا يُفْعَلُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا إلَّا أَنْ تَدْعُوا ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ كَنَوْمِ الْغَرِيبِ فِيهِ وَأَكْلِهِ. [فَائِدَةٌ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْمَسَاجِدَ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشَرَ) قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي مَنْعِ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْمَسَاجِدَ وَتَنْزِيهِهَا عَنْ الْأَقْذَارِ جُمْلَةً فَلَا يُقَصُّ فِيهَا شَعْرٌ وَلَا ظُفْرٌ وَلَا يُتَسَوَّكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَذَرِ وَلَا يُتَوَضَّأُ فِيهَا وَلَا يُؤْكَلُ فِيهَا طَعَامٌ مُنْتِنُ الرَّائِحَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى. (قُلْت) : وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ، وَمَا وَجْهُ جَعْلِ الْمَيِّتِ قَذِرًا إذَا لَمْ يُخْشَ تَلْوِيثُهُ لِلْمَسْجِدِ، وَقَدْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ» كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ وَأَيْضًا، فَإِنَّمَا يَحْرُمُ رَمْيُ الشَّعْرِ وَالْقُلَامَةِ فِيهِ، فَأَمَّا قَصُّهُ وَعَدَمُ إلْقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِخْرَاجُهُ فَلَا قَذَارَةَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ السِّوَاكُ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ فَهُوَ لَا يُلْقِيهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا يُزِيلُهُ فِي السِّوَاكِ، فَإِذَا كَانَ السِّوَاكُ مَحْفُوظًا مَعَهُ فَلَا بَأْسَ، وَقَدْ نُدِبَ إلَى السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَيُؤْمَرُ حَاضِرُ الْمَسْجِدِ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يَسْتَاكَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؟ هَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ يُفَرَّق بَيْن الْمَاء الْوَارِد عَلَى النَّجَاسَة وَالْوَارِدَة عَلَيْهِ النَّجَاسَة] (السَّادِسَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَيُطَهِّرُهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ الْوَارِدَةِ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَتُنَجِّسُهُ إذَا كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَتَغَيَّرَ بِهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ قَدْ خَالَطَ الْبَوْلَ وَنَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ فَلَوْ اسْتَوَى الْوَارِدُ، وَالْمَوْرُودُ لَمَا أَمَرَ بِإِيرَادِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَنَهَى عَنْ إيرَادِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ إذْ الْمُخَالَطَةُ قَدْ حَصَلَتْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَتَفْرِيقُهُمْ بِوُرُودِ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ فَرْقٌ صُورِيٌّ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ شَيْءٌ قَالَ: وَلَيْسَ الْبَابُ بَابَ التَّعَبُّدِ بَلْ مِنْ بَابِ عَقْلِيَّةِ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَحْكَامِهَا قَالَ: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مِنْهُمْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِهِ هَذَا تَعَصُّبٌ وَمُجَازَفَةٌ وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَ الْوَارِدِ وَالْمَوْرُودِ هُوَ الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ. وَقَدْ فَرَّقَ الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا فَأَمَرَ بِهَذَا وَنَهَى عَنْ هَذَا فَكَيْفَ يَسْتَوِيَانِ؟ هَذَا مَا لَا يُعْقَلُ وَلَيْسَ دَفْعُ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ بِوُرُودِهِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِ صَبِّ النَّجَاسَةِ وَوُرُودِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يَعْقِلُ، وَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْنَا فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَمَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا سَوَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يُشْتَرَط فِي تَطْهِيرِ الْأَرْضِ حَفْرَ مَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ] 1 (السَّابِعَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي تَطْهِيرِ الْأَرْضِ حَفْرَ مَا أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ وَأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْجُمْهُورُ فَاكْتَفَوْا بِأَنْ يُصَبَّ عَلَى النَّجَاسَةِ مَا يَغْمُرُهَا مِنْ الْمَاءِ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقْرِنٍ قَالَ صَلَّى أَعْرَابِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فِيهِ وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا مُرْسَلُ ابْنِ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ نَقْلُ التُّرَابِ وَاجِبًا فِي التَّطْهِيرِ لَاكْتَفَى بِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِصَبِّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةَ تَكْلِيفٍ وَتَعَبٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ. [فَائِدَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي طَهَارَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ نُضُوبُ الْمَاءِ وَلَا جَفَافُهَا] 1 (الثَّامِنَةَ عَشَرَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي طَهَارَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا نُضُوبُ الْمَاءِ وَلَا جَفَافُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لَا يُطَهِّرُهَا إلَّا بِشَرْطِ نُضُوبِ الْمَاءِ لِأَمْرِهِمْ أَنْ لَا يَجْلِسُوا عَلَيْهَا وَلَا يَمْشُوا عَلَيْهَا حَتَّى يَحْصُلَ الشَّرْطُ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَسَاجِدَهُمْ كَانَتْ مَبْطُوحَةً بِالْحَصْبَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّلْوَ إذَا صُبَّ عَلَى الْحَصْبَاءِ لَا يَمْكُثُ عَلَى الْأَرْضِ خُصُوصًا مَعَ حَرَارَةِ أَرْضِهِمْ فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ ذَلِكَ لِحُصُولِ النُّضُوبِ عَقِبَ الصَّبِّ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَطْهِيرِ الْأَرْضِ إذَا أَصَابَتْهَا النَّجَاسَةُ أَمْرُ تَشْرِيعٍ يَعْلَمُونَ مِنْهُ عُمُومَ الْحُكْمِ فِي الْأَرَاضِيِ كُلِّهَا فَلَوْ كَانَ حُكْمُ بَعْضِ الْأَرْضِ مُخَالِفًا لِبَعْضِهَا لَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ الْحُكْمَ مُسْتَوٍ فِي الْأَرْضِ الْمَبْطُوحَةِ بِالْحَصْبَاءِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَأَخَّرُ نُضُوبُ الْمَاءِ فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ ذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَرَاضِيِ عَلَى الْعُمُومِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ غسالة النَّجَاسَة طَاهِرَة] (التَّاسِعَةَ عَشَرَ) فِيهِ أَنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا جَازَ إبْقَاؤُهَا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبَوْلَ قَدْ اخْتَلَطَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِإِجْزَاءِ الْمَاءِ وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَاءِ بِكَثْرَتِهِ وَوُرُودِهِ بَطَلَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِشَرْطِ عَدَمِ تَغَيُّرِهَا وَبِشَرْطِ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، فَإِنْ تَغَيَّرَتْ كَانَتْ نَجِسَةً إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَحَلِّ نَجَاسَةٌ عَيْنِيَّةٌ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يُزِلْهَا الْمَاءُ وَانْفَصَلَ عَنْهَا، وَهِيَ بَاقِيَةٌ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ أَيْضًا وَزَادَ الرَّافِعِيُّ شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ أَلَّا يَزْدَادَ وَزْنُ الْغُسَالَةِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَلَى قَدْرِهِ قَبْلَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِهِ. وَأَشَارَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ إلَى اعْتِبَارِ إسْقَاطِ مَا يَشْرَبُهُ الْمَغْسُولُ مِنْ الْمَاءِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغُسَالَةَ نَجِسَةٌ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ لَهُ: إنَّ الْغُسَالَةَ طَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ أَيْضًا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ وَحَكَى النَّوَوِيُّ هَذَا الْخِلَافَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وُجُوهًا، وَإِنَّمَا هُوَ أَقْوَالٌ كَمَا صَدَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ كَلَامَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ لِلْمَاءِ الْمُزَيَّل لِلنَّجَاسَةِ مِقْدَار مَعِين] 1 (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُصَبَّ عَلَى الْبَوْلِ ذَنُوبٌ أَوْ سَجْلٌ هَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَكْفِي فِي بَوْلِ الْوَاحِدِ غَيْرُهُ أَوْ الْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ، وَأَنْ يَصِيرَ الْبَوْلُ مَغْمُورًا مُسْتَهْلَكًا فِيهِ؟ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْمَصْبُوبُ عَلَى الْمَوْضِعِ غَالِبًا عَلَى النَّجَاسَةِ غَامِرًا لَهَا وَلَا تَقْدِيرَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ رُوِيَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ سَبْعَةَ أَضْعَافِ الْبَوْلِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ الْوَاحِدِ ذَنُوبٌ وَعَلَى بَوْلِ الِاثْنَيْنِ ذَنُوبَانِ، وَعَلَى هَذَا أَبَدًا وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ بُعْدٌ لَا سِيَّمَا الثَّانِي فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى. (قُلْت) : وَمَا اسْتَبْعَدَهُ شَيْخُنَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: فَإِذَا بِيلَ عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ الْبَوْلُ رَطْبًا مَكَانَهُ أَوْ نَشَّفَتْهُ الْأَرْضُ وَكَانَ مَوْضِعُهُ يَابِسًا فَصُبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يَغْمُرُهُ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَهْلَكًا فِي التُّرَابِ، وَالْمَاءُ جَارِيًا عَلَى مَوَاضِعِهِ كُلِّهَا مُزِيلًا لِرِيحِهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ جَسَدٌ قَائِمٌ وَلَا شَيْءٌ فِي مَعْنَى جَسَدٍ مِنْ رِيحٍ أَوْ لَوْنٍ فَقَدْ طَهُرَ وَأَقَلُّ قَدْرِ ذَلِكَ مَا يُحِيطُ الْعِلْمَ أَنَّهُ كَالدَّلْوِ الْكَبِيرِ عَلَى بَوْلِ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْهُ أَضْعَافًا لَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ سَبْعُ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرُ لَا يُطَهِّرُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ. قَالَ: فَإِنْ بَالَ عَلَى بَوْلِ الْوَاحِدِ آخَرُ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا دَلْوَانِ، فَإِنْ بَالَ اثْنَانِ مَعَهُ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا ثَلَاثَةٌ، فَإِنْ كَثُرُوا لَمْ يَطْهُرْ الْمَوْضِعُ حَتَّى يُفْرَغَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يُعْلَمُ أَنْ قَدْ صُبَّ مَكَانَ كُلِّ رَجُلٍ دَلْوٌ عَظِيمٌ أَوْ كَبِيرٌ هَذِهِ عِبَارَتُهُ فِي الْأُمِّ وَمِنْهَا نَقَلْت فَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَصَّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مَا يُطَهِّرُ بَوْلَ الرَّجُلِ دَلْوٌ كَبِيرٌ، وَبَوْلَ الرَّجُلَيْنِ دَلْوَانِ وَهَكَذَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُكَاثَرَةِ، وَالْغَلَبَةِ، وَمَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُكَاثَرَةُ، وَالْغَلَبَةُ عَلَى بَوْلِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْغَلَبَةُ، وَالْمُكَاثَرَةُ عَلَى بَوْلِ الِاثْنَيْنِ، وَالْجَمَاعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ النَّجَاسَةَ لَا يُطَهِّرُهَا الْجَفَافُ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ أَنَّ فِيهِ حُجَّةً لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُطَهِّرُهَا الْجَفَافُ بَلْ الْمَاءُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَوْ أُخِّرَ فَجَفَّ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ بِذَلِكَ جَوَازُ تَأْخِيرِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الْإِزَالَةُ عَلَى الْفَوْرِ فَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: إنَّمَا بَادَرَ إلَى إزَالَتِهِ خَشْيَةَ تَنَجُّسِ أَحَدٍ بِهِ أَوْ أَنْ يَتَنَقَّلَ بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَدْ خَالَفَ زُفَرُ فِي ذَلِكَ أَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَقَالَ لَا تَطْهُرُ بِجَفَافِهَا بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَنَاقَضَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ مَا أَصَّلَاهُ فِي طَهَارَتِهِمَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ التُّرَابِ مَعَ حُكْمِهِمْ بِطَهَارَتِهِ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِطَهَارَةِ النَّجَاسَةِ بِزَوَالِ أَثَرِهَا بِالشَّمْسِ، وَالرِّيحِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ زَادَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ لَا بِقَوْلِهِ تَبُولُ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ وَرُبَّمَا تَرَشَّشَتْ بِالْبَوْلِ وَتُقْبِلُ مَعَ ذَلِكَ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونُوا يَغْسِلُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَجَاسَةَ بَيْنَ جَافَّيْنِ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا أَنَّهَا مَرَّتْ فِي حَالِ الْبَلَلِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي أَجْسَادِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَإِنَّمَا إقْبَالُهَا وَإِدْبَارُهَا فِي أَوْقَاتٍ نَادِرَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَسْجِدِ أَبْوَابٌ تَمْنَعُ مِنْ عُبُورِهَا فِيهِ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ: دَلْوًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَأَتَى بِالذَّنُوبِ مَوْضِعَ الدَّلْوِ وَهَلْ الْمَجْمُوعُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهُ خَيْرُ الْمَأْمُورِ بَيْنَ السَّجْلِ، وَالذَّنُوبِ أَوْ أَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَحَدُهُمَا فَقَطْ تَشُكُّ بَعْضُ الرُّوَاةِ؟ . وَالظَّاهِرُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ قَالَ ذُنُوبًا مِنْ مَاءٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ شَكًّا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَالرَّاجِحُ فِيهِ ذِكْرُ الذَّنُوبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذِكْرُ الدَّلْوِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَجْلٍ مِنْ مَاءٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ مَاءً وَقِيلَ هُوَ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ وَقِيلَ لَا يُسَمَّى ذَنُوبًا حَتَّى يَكُونَ فِيهَا مَاءٌ، وَالسَّجْلُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الدَّلْوُ الْمَلْأَى مَاءً أَيْضًا وَفِي الدَّلْوِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ، وَالتَّأْنِيثُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 كِتَابُ الصَّلَاةِ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ   Q [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [حَدِيث بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ] ِ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ» ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَبَيْنَهُمْ يَعُودُ عَلَى الْكُفَّارِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ مَعْنَاهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكَافِرِينَ، وَالْمُنَافِقِينَ تَرْكُ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ» فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ مَا دَامُوا يُصَلُّونَ فَالْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَقْنِ الدَّمِ بَاقٍ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَلَمْ يَقُلْ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ «رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَسَارَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ، وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» .   Qقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا صَلَاةَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ» رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا لَهَا، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ، وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ، وَالْكُفْرِ أَوْ الشِّرْكِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «أَوْصَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعِ خِلَالٍ فَقَالَ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتُمْ أَوْ حُرِّقْتُمْ أَوْ صُلِبْتُمْ وَلَا تَتْرُكُوا الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدِينَ فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْمِلَّةِ» الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا أُشْرِكَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ حُرِّقْت، وَأَنْ لَا أَتْرُكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» وَفِي إسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي أَكْبَرِ مَعَاجِمِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ الْحَدِيثَ فَذَكَرَ مِنْهَا الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ كَافِرًا حَلَالَ الدَّمِ» وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيُّ بْنِ خَلَفٍ» . وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ غَيْرَ جَاحِدٍ لِوُجُوبِهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا وَأَجَابُوا عَمَّا صَحَّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا: أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةَ الْكَافِرِ وَهِيَ الْقَتْلُ. (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّ تَرْكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ،. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَئُولَ بِفَاعِلِهِ إلَى الْكُفْرِ كَمَا قِيلَ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ. (وَالرَّابِعُ) أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ غَيْرُ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْأَشْبَهِ بِالصَّوَابِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مُرْسَلًا، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ تَقَدَّمَ تَضْعِيفُهُ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْمِلَّةِ فَالرَّاوِي لَهُ عَنْ عُبَادَةَ سَلَمَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ: وَلَا يُحَدِّثُ عَنْ سَلَمَةَ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ قُوذٍ، وَفِيهِ أَيْضًا مَنْ يَحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ شَكَّ الرَّاوِي لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَفْعِهِ، وَهُوَ أَبُو الْجَوْزَاءِ الرَّبَعِيُّ، وَحَدِيثُ أُمِّ أَيْمَنَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، وَهُوَ الدِّمَشْقِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ مُعَاذٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ إنَّهُ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْهُ. وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ إنَّهُ فَاتَهُ مُعَاذٌ وَأَثْبَتَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ سَمَاعَهُ مِنْهُ، وَكَذَا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَدْرَكَهُ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيُّ بْنِ خَلَفٍ أَنْ يَكُونَ مُخَلَّدًا فِي النَّارِ مَعَهُمْ بَلْ قَدْ يُعَذَّبُ مَعَهُمْ فِي النَّارِ وَيَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ أَوْ يُغْفَرُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) احْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَبِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَرَضَهُنَّ اللَّهُ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَمِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ عَلَيْهِ النَّارَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ مَالِكٍ «لَا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ أَوْ تَطْعَمَهُ النَّارُ» وَفِي الصَّحِيحِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ [فَائِدَةٌ هَلْ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ] 1 (الرَّابِعَةُ) الْأَلِفُ، وَاللَّامُ فِي الصَّلَاةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلْجِنْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِذَا كَانَتْ لِلْعَهْدِ فَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ، وَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، ثُمَّ هَلْ يُصَدَّقُ التَّرْكُ لَهَا بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَرْكِ الْخَمْسِ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ آخِرِ وَقْتِهَا، وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَيَدُلُّ لَهُمْ حَدِيثُ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ قَالَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا تَضَيَّقَ وَقْتَهَا طَالَبْنَاهُ بِفِعْلِهَا وَقُلْنَا لَهُ: إنْ أَخْرَجْتهَا عَنْ وَقْتِهَا قَتَلْنَاك، فَإِذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ وَلَا يُعْتَبَرُ بِضِيقِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، وَعَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتْرُكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَامْتَنَعَ عَنْ الْقَضَاءِ، وَعَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِعَدَدٍ وَلَكِنْ إذَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ قَدْرَ مَا يَظْهَرُ لَنَا اعْتِيَادُهُ لِلتَّرْكِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. قَالَ: وَالِاعْتِبَارُ بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِ الْعُذْرِ، وَالضَّرُورَةِ، فَإِذَا تَرَكَ الظُّهْرَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَإِذَا تَرَكَ الْمَغْرِبَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَتَابَعَهُ الْأَئِمَّةُ عَلَيْهِ. 1 - (الْخَامِسَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ حَيْثُ ذَهَبَا إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ بَلْ يُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُقْتَضٍ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِالتَّكْفِيرِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ تَكْفِيرِهِ فَحَمَلْنَا الْكُفْرَ عَلَى أَنَّ عُقُوبَتَهُ عُقُوبَةُ الْكَافِرِ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَيَدُلُّ لِلْقَائِلِينَ بِقَتْلِهِ حَدِيثُ «نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ: فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّرْكِ هُنَا عُمُومُ التَّرْكِ بَلْ الْمُرَادُ التَّرْكُ عَمْدًا قَطْعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» وَقَوْلُهُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ» ، وَقَوْلُهُ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» . [فَائِدَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا] (السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْمَالِكِيَّةِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِتَابَةِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ تُنْدَبُ الِاسْتِتَابَةُ وَلَا تَجِبُ وَقِيلَ تَجِبُ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ فِي الْحَالِ، فِيهِ قَوْلَانِ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ أَمَّا وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ فَلَمْ يَحْكِ فِيهِ الرَّافِعِيُّ خِلَافًا فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا سُقُوطَ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ فِي حَقِّ تَارِكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا، وَالتَّوْبَةُ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ قَضَائِهَا] 1 (الثَّامِنَةُ) الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ قَضَائِهَا فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إلَى وُجُوبِ قَضَائِهَا وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَقَدْ قَيَّدَ الشَّارِعُ الْمَأْمُورَ بِالْقَضَاءِ بِالنَّائِمِ، وَالنَّاسِي فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَهَذَا مَفْهُومُ شَرْطٍ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ كَقَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ الْأَعْرَابُ فَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»   Qلَا تُقْضَى وَنَاقَضَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْقَضَاءِ خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَذَا الظَّاهِرِيُّ وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً» فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ مَعَهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ لَمَا أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ حَدِيثَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ فِيمَا حَكَاهُ لِي صَاحِبُنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَغْرِبِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ يَوْمًا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا فَرَضَهَا الْعُلَمَاءُ وَلَمْ تَقَعْ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَعَمَّدُ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعَالَمُ غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلنَّاسِ وَنَشَأَ عِنْدَ أَبِيهِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ مِنْ صِغَرِهِ حَتَّى كَبِرَ وَدَرَسَ فَقَالَ ذَلِكَ فِي دَرْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ نَبَّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِذَا أُمِرَ الْمَعْذُورُ بِالْقَضَاءِ فَأَوْلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ مَنْ تَعَدَّى بِالتَّأْخِيرِ كَمَنْ أَخَّرَ حَقًّا عَلَيْهِ عَنْ وَقْتِهِ وَدِينُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا قُيِّدَ الْقَضَاءُ بِالنَّائِمِ، وَالنَّاسِي فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ وَاجِبَهُ الْإِتْيَانَ بِهِ إذَا ذَكَرَ مَا نَسِيَهُ أَوْ نَامَ وَلَا كَذَلِكَ التَّارِكُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ لَهُ ذِكْرٌ بَعْدَ النِّسْيَانِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] فَإِنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ لَيْسَ مَعْمُولًا بِهِ لَا نَهْيَ إذَا لَمْ يُرِدْنَ التَّحَصُّنَ فَلَا إكْرَاهَ حِينَئِذٍ بَلْ زِنَاهُنَّ اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُؤْمَرَ السَّادَاتُ بِصِيغَةِ الْإِكْرَاهِ إذْ لَا إكْرَاهَ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ] [حَدِيث إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ] (بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ) عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْرِدُوا عَنْ الْحَرِّ فِي الصَّلَاةِ» فَذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرٌ لِلظُّهْرِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ الْإِبْرَادُ بِالْجُمُعَةِ   Qوَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْرِدُوا عَنْ الْحَرِّ فِي الصَّلَاةِ» فَذِكْرُهُ، فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا إلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ وَيَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْإِبْرَادِ بِالْجَمَاعَةِ. فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: إنَّهُ يَخْتَصُّ الْإِبْرَادُ بِالْجَمَاعَةِ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الظُّهْرَ تُصَلَّى إذَا فَاءَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا فِي الشِّتَاءِ، وَالصَّيْفِ لِلْجَمَاعَةِ، وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عُمَّالِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ مَعْنَى كِتَابِ عُمَرَ مَسَاجِدُ الْجَمَاعَةِ فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَوْلَى بِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكِيُّونَ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِشُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ حَارٍّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَالْبَارِدَةِ أَيْضًا إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ. (الثَّانِي) أَنْ تُصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ لَهُ أَفْضَلُ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقْصِدَ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ مِنْ بُعْدٍ فَلَوْ كَانُوا مُجْتَمَعِينَ فِي مَوْضِعٍ صَلَّوْا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. (الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَجِدُوا كِنًّا يَمْشُونَ تَحْتَهُ يَقِيهِمْ الْحَرَّ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ اسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ الْأَثْرَمُ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَوَاءٌ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي الشِّتَاءِ، وَالْإِبْرَادُ بِهَا فِي الْحَرِّ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: إذَا اشْتَدَّ الْحَرَّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، وَهَذَا عَامٌّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ وَمَسَاجِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجَمَاعَاتِ فَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ يَنْتَابُهُ النَّاسُ أَوْ لَا، فَإِنَّ أَحْمَدَ كَانَ يُؤَخِّرُهَا فِي مَسْجِدِهِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ أَوْلَى انْتَهَى. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْهُمْ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ. (الثَّانِيَةُ) فَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ سِوَى شِدَّةِ الْحَرِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا سِوَى ذَلِكَ وَاسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الشُّرُوطَ الَّتِي اعْتَبَرَهَا مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ تَخْصِيصًا لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى فَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِبْرَادِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِشِدَّةِ حَرِّ الْحِجَازِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ مَسْجِدٌ غَيْرُ مَسْجِدِهِ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ يَنْتَابُ مِنْ الْبُعْدِ فَيَتَأَذَّوْنَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ فَأَمَرَهُمْ بِالْإِبْرَادِ لِمَا فِي الْوَقْتِ مِنْ السَّعَةِ. حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَدَلَّ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْرِدْ أَبْرِدْ أَوْ قَالَ: انْتَظِرْ انْتَظِرْ وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَفَرٍ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِبْرَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعْنًى لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَرِ وَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يَنْتَابُوا مِنْ الْبُعْدِ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي السَّفَرِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً مِنْهُ فِي الْحَضَرِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي خِبَائِهِ أَوْ مُسْتَقِرًّا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ أَوْ صَخْرَةٍ وَيُؤْذِيهِ حَرُّ الرَّمْضَاءِ إذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ ظِلٌّ يَمْشُونَ فِيهِ وَأَيْضًا فَلَيْسَ هُنَاكَ خِبَاءٌ كَبِيرٌ يَجْمَعُهُمْ فَيَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يُصَلُّوا فِي الشَّمْسِ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ أَخْبِيَتَهُمْ كَانَتْ قَصِيرَةً لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الْقِيَامِ فِيهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقُولَ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» فَلَمَّا كَانَ وُجُودُ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ أَوْ الْمَطَرِ فِي السَّفَرِ مُرَخِّصًا فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَذَلِكَ وُجُودُ الْحَرِّ الشَّدِيدِ فِي السَّفَرِ مُقْتَضٍ لِلْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» . وَبِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقُولُ، وَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ لَا سَبِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى، وَالصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَأَذِّيهِمْ بِالْحَرِّ فِي طَرِيقِهِمْ فَقَدْ تَكُونُ الْعِلَّةُ مَا يَجِدُونَهُ مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّهَائِرِ جَلَسْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ» وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ سَجَدْنَا بَدَلَ جَلَسْنَا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كُنْت أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآخُذُ قَبْضَةً مِنْ الْحَصَى لِتَبْرُدَ فِي كَفِّي أَضَعُهَا لِجَبْهَتِي أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ «، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» . فَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ شَكَوْا مَشَقَّةَ الْمَسَافَةِ وَلَا بُعْدَ الطَّرِيقِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتٌ يَفُوحُ فِيهِ حَرُّ جَهَنَّمَ وَلَهِيبُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . وَكَوْنُهَا سَاعَةً يَفُوحُ فِيهَا لَهَبُ جَهَنَّمَ وَحَرُّهَا يَقْتَضِي الْكَفَّ عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، فَإِذَا اعْتَدَلَ النَّهَارُ فَأَقْصِرْ يَعْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُسْجَرُ فِيهَا جَهَنَّمُ. (الثَّالِثَةُ) وَاَلَّذِينَ لَمْ يَسْتَحِبُّوا الْإِبْرَادَ مُطْلَقًا أَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَلُّوهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَخْذًا مِنْ بَرْدِ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُهُ. وَيُبْطِلُ هَذَا قَوْلُهُ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ آخِرِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْرَادِ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْبَرْدِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى بَرْدِ النَّهَارِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَحِبُّوا الْإِبْرَادَ مُطْلَقًا بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبِحَدِيثِ خَبَّابُ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا» . وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فَنُقَدِّمُ عَلَيْهَا هَذَا الْحَدِيثَ لِخُصُوصِهِ، وَعَنْ حَدِيثِ خَبَّابُ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجِبْهُمْ لِمَا سَأَلُوا وَتَرَكَ شَكْوَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِبْرَادِ إلَيْهِ وَيَزِيدُوا عَلَى الْوَقْتِ الْمُرَخَّصِ لَهُمْ فِيهِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ حَرَّ الرَّمْضَاءِ الَّذِي يَسْجُدُ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ كُلِّهِ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْجَوَابَ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ يَعْنِي أَشْبَهَ الْأَجْوِبَةَ. (ثَانِيهَا) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّقْدِيمِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْإِبْرَادِ؛ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ بِخِلَافِ أَحَادِيثِ التَّعْجِيلِ كَحَدِيثِ خَبَّابُ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ بِالْهَاجِرَةِ فَقَالَ لَنَا: أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» وَرَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ بِلَفْظِ، ثُمَّ قَالَ: أَبْرِدُوا وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ بِأَنَّهُ رَوَى عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ الْخَلَّالُ عَنْ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّهُمْ ذَاكَرُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَقَالَ أَسَانِيدُ جِيَادٌ، ثُمَّ قَالَ خَبَّابُ يَقُولُ: «شَكَوْنَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَشْكُنَا» ، وَالْمُغِيرَةُ كَمَا تَرَى رَوَى الْقِصَّتَيْنِ جَمِيعًا قَالَ: وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْمَيْمُونِيِّ وَكَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِبْرَادَ وَقَالَ الْأَثْرَمُ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ التَّعْجِيلِ، وَالْإِبْرَادِ: فَأَمَّا الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا التَّعْجِيلَ فِي غَيْرِ الْحَرِّ، فَإِنَّ الْأَمْرَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابُ وَجَابِرٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ بِالْإِبْرَادِ، وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَاجِرَةِ فَقَالَ لَنَا: أَبْرِدُوا» فَتَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْإِبْرَادَ كَانَ بَعْدَ التَّهْجِيرِ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ أَبُو خَلْدَةَ قَالَ سَمِعْت أَنَسًا يَقُولُ «كَانَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» (ثَالِثُهَا) أَنَّ الْإِبْرَادَ رُخْصَةٌ وَتَقْدِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ كَانَ أَخْذًا بِالْأَشَقِّ وَالْأَوْلَى. وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْإِبْرَادَ هُوَ الْأَفْضَلُ فَلَا يَمْشِي عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابُ (رَابِعُهَا) أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَلَمْ يَشْكُنَا لَمْ يُحْوِجْنَا إلَى شَكْوَى بَلْ رَخَّصَ لَنَا فِي الْإِبْرَادِ حَكَاهُ لِلْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَيَرُدُّهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَمَا أَشْكَانَا، وَقَالَ: إذَا زَالَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّمْسُ فَصَلُّوا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. (خَامِسُهَا) أَنَّ الْإِبْرَادَ أَفْضَلُ وَحَدِيثُ خَبَّابُ فِيهِ بَيَانُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ اسْتِحْبَابَ الْإِبْرَادِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ نَحْمِلْ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ لِحَدِيثِ خَبَّابُ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ خَبَّابُ الْمَنْعُ مِنْ التَّأْخِيرِ أَوْ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّقْدِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْإِبْرَاد بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ] 1 (الرَّابِعَةُ) لَفْظُ الصَّلَاةِ عَامٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ لِلْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ كُلٍّ مِنْهَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي الظُّهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ بِهِ أَشْهَبُ وَحْدَهُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ تُؤَخَّرُ رُبْعُ الْقَامَةِ وَقَالَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَرَأَى تَأْخِيرَهَا فِي الصَّيْفِ وَتَعْجِيلَهَا فِي الشِّتَاءِ وَعَكَسَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَرَأَى تَأْخِيرَهَا فِي الشِّتَاءِ لِطُولِ اللَّيْلِ وَتَعْجِيلَهَا فِي الصَّيْفِ لِقِصَرِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِالْإِبْرَادِ فِي الْمَغْرِبِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلَا فِي الصُّبْحِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَبْرَدُ الْأَوْقَاتِ مُطْلَقًا. فَلَا مَعْنَى لِلْإِبْرَادِ بِهَا وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْ تَرْكِ الْقَوْلِ بِالْإِبْرَادِ فِي الْعَصْرِ، وَالْعِشَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ هُنَا صَلَاةُ الظُّهْرِ كَمَا وَرَدَ بَيَانُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَقَالَ: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَتَكُونُ الْأَلِفُ، وَاللَّامُ فِي الصَّلَاةِ لِلْعَهْدِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَشَدَّ حَرًّا مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَإِذَا فُعِلَتْ الظُّهْرُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَفِعْلُ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَالْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُمَا أَقَلُّ حَرًّا أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي خَبَرِ الْإِبْرَادِ لَا بِالْعَصْرِ وَلَا بِالْعِشَاءِ بَلْ كَانَ يَأْتِي بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا صَيْفًا وَشِتَاءً، وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ الْعِشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهُوَ إمَّا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ كَمَا وَرَدَ بَيَانُهُ أَوْ لِمَا فِي تَأْخِيرِهَا مِنْ الْفَضْلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِبْرَادِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الصَّيْفِ، وَالشِّتَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْإِبْرَادِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِدُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ وَأَيْضًا، فَإِنَّهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَقَائِمَةٌ مَقَامَهَا، وَالْعِلَّةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِبْرَادِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ» يَعْنِي الْجُمُعَةَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» ؛ وَفِي عِلَلِ الْخَلَّالُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ " قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ فَوْحُ غَيْرَ الْأَعْمَشِ   Qبِالظُّهْرِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ مَوْجُودَةٌ فِي وَقْتِهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي خَلْدَةَ، وَهُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ» يَعْنِي الْجُمُعَةَ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَرِّدُ بِهَا وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الظُّهْرُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِبْرَادِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ أَنَّهُ لَيْسَ النَّظَرُ لِمُجَرَّدِ شِدَّةِ الْحَرِّ بَلْ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَالْمَشَقَّةُ فِي الْجُمُعَةِ لَيْسَتْ فِي التَّعْجِيلِ بَلْ فِي التَّأْخِيرِ، فَإِنَّ النَّاسَ نُدِبُوا لِلتَّبْكِيرِ لَهَا، وَإِذَا حَضَرُوا كَانَتْ رَاحَتُهُمْ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ لِيَنْصَرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَسْتَرِيحَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ لَا فِي التَّأْخِيرِ، فَإِنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِطُولِ الِاجْتِمَاعِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَانْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَعَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَقْلِ الصَّحَابِيِّ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَهْمِ الرَّاوِي؛ وَلِهَذَا قَالَ يَعْنِي الْجُمُعَةَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ أَنَسٍ لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَجَبَ مُرَاعَاةُ الْمَعْنَى وَمُلَاحَظَتُهُ، وَالْمَعْنَى مُقْتَضٍ لِلتَّعْجِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَوْنِهِ لَيْسَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَهُ فِي الْإِبْرَادِ شِدَّةَ الْحَرِّ بَلْ الْمَشَقَّةُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ؛ وَلِهَذَا شُرِطَ فِي الْإِبْرَادِ أَوْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ كَوْنُ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَكَوْنُ الْمُصَلِّينَ يَقْصِدُونَهَا مِنْ بُعْدٍ وَلَا يَجِدُونَ كِنًّا يَمْشُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ: فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ عَنْ هُنَا أَوْجُهًا: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا أَنَّ الْبَاءَ تَكُونُ بِمَعْنَى عَنْ فَمِنْ الْأَوَّلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيمَا قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] أَيْ بِالْهَوَى وَمِنْ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] وَتُسَمَّى هَذِهِ بَاءَ الْمُجَاوَزَةِ. ثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً أَيْ أَبْرِدُوا الصَّلَاةَ يُقَالُ: أَبْرَدَ الرَّجُلُ كَذَا إذَا فَعَلَهُ فِي بَرْدِ النَّهَارِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ عَنْ تَأْتِي زَائِدَةً قَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ تُزَادَ لِلتَّعْوِيضِ مِنْ أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: أَتَجْزَعُ إنْ نَفْسٌ أَتَاهَا حِمَامُهَا ... فَهَلَّا الَّتِي عَنْ بَيْنِ جَنْبَيْك تَدْفَعُ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ أَرَادَ تَدْفَعُ عَنْ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك فَحُذِفَتْ عَنْ مِنْ أَوَّلِ الْمَوْصُولِ وَزِيدَتْ بَعْدَهُ. (ثَالِثُهَا) تَضْمِينُ أَبْرِدُوا مَعْنَى أَخِّرُوا وَحَذْفُ مَفْعُولِهِ تَقْدِيرُهُ أَخِّرُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَى قَوْلِهِ أَبْرِدُوا أَخِّرُوا إلَى زَمَانِ الْبَرْدِ وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ عَنْ، فَإِنَّ صُورَتَهُ أَخِّرُوا عَنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِإِضْمَارٍ وَتَقْدِيرُهُ أَخِّرُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ: مَعْنَى قَوْلِهِ أَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ تَأَخَّرُوا عَنْهَا مُبَرِّدِينَ (قُلْت) أَيْ دَاخِلِينَ فِي وَقْتِ الْبَرْدِ انْتَهَى. وَهُوَ مِثْلُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَلَا إنَّهُ ضَمَّنَ أَبْرِدُوا مَعْنَى فِعْلٍ قَاصِرٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مَفْعُولٍ وَهُوَ تَأَخَّرُوا. (السَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَبْرِدُوا عَنْ الْحَرِّ أَيْ أَخِّرُوا الصَّلَاةَ عَنْ الْحَرِّ إلَى الْبَرْدِ وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ ذَلِكَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الْمَحْذُوفُ فِعْلُكُمْ أَيْ أَخِّرُوا عَنْ الْحَرِّ فِعْلَكُمْ فِي الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: بَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الْأَبَاهِرِ، وَالْكُلَى. [فَائِدَةٌ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ مَوْجُودَةٌ] (الثَّامِنَةُ) فَيْحُ جَهَنَّمَ وَفَوْحُهَا بِالْيَاءِ، وَالْوَاوِ مَعَ فَتْحِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ سُطُوعُ حَرِّهَا وَانْتِشَارُهُ يُقَالُ فَاحَتْ الْقِدْرُ تَفِيحُ وَتَفُوحُ إذَا غَلَتْ، وَجَهَنَّمُ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ، وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ، وَالتَّأْنِيثِ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ هَلْ هِيَ عَرَبِيَّةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا وَمِنْهُ رَكِيَّةُ جِهْنَامٍ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ أَوْ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ تَعْرِيبُ كَهِنَامٍ بِالْعِبْرَانِيِّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَقَالُوا: إنَّ وَهَجَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْرِدْ أَبْرِدْ، وَقَالَ: انْتَظِرْ انْتَظِرْ، وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ» ،   Q «اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ» . وَقِيلَ: إنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ فَاجْتَنِبُوا ضَرَرَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعْضُدُهُ عُمُومُ الْخِطَابِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ انْتَهَى. وَعَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَفِيهِ أَنَّ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ مَوْجُودَةٌ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالُوا: إنَّهَا إنَّمَا تُخْلَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ مُتَوَافِرَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ [فَائِدَةٌ الْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ] 1 (التَّاسِعَةُ) هَذَا الْمُؤَذِّنُ الْمُبْهَمُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هُوَ بِلَالٌ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ وَأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ (الْعَاشِرَةُ) الْفَيْءُ بِفَتْحِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ بِعِلْمِ الزَّوَالِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِرُجُوعِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ، وَالتُّلُولُ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ جَمْعُ تَلٍّ بِفَتْحِهَا، وَهِيَ الرَّوَابِي الْمُرْتَفِعَةُ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كُلُّ شَيْءٍ بَارِزٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ نَبَاتٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ. (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْرِدْ. أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ رَاجِعٌ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ قَدْ وَقَعَ وَانْقَضَى وَفِي رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لِلْبُخَارِيِّ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ الظُّهْرَ فَقَالَ أَبْرِدْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ رَاجِعٌ إلَى الْأَذَانِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْأَذَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: وَفِي هَذَا كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ كَانَ بَعْدَ التَّأْذِينِ، وَأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَفِي طَرِيقٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَفَرٍ   Qفِي الْمَطْلَبِ عَنْ بَعْضِهِمْ (قُلْت) : وَيَنْبَغِي بِنَاءُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ مَشْرُوعٌ لِلْوَقْتِ أَوْ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا لِلْوَقْتِ أَذَّنَ، وَإِنْ قُلْنَا لِلصَّلَاةِ فَلَا، وَقَدْ بَنَى أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْخِلَافَ فِي الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ فَالْجَدِيدُ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا، وَالْقَدِيمُ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا، وَنَصُّ الْإِمْلَاءِ إنْ رَجَا اجْتِمَاعَ طَائِفَةٍ يُصَلُّونَ مَعَهُ أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا: الْأَذَانُ فِي الْجَدِيدِ حَقُّ الْوَقْتِ وَفِي الْقَدِيمِ حَقُّ الْفَرِيضَةِ، وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقُّ الْجَمَاعَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ إمَّا بِحَمْلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَذَّنَ عَلَى مَعْنَى أَرَادَ الْأَذَانَ كَمَا فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِمَّا بِحَمْلِ الْأَذَانِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْإِقَامَةِ فَقَوْلُهُ: فَأَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ أَيْ يُقِيمَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ: أَبْرِدْ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى. وَكَذَا حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ حَمَلَ تَأْخِيرَ الْأَذَانِ هُنَا عَلَى الْإِقَامَةِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَذَّنَ أَوَّلًا أَوْ لَمْ يُعْتَدَّ بِأَذَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَتِهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْجُمْهُورِ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا أَذَانَ عَلَى مُسَافِرٍ إنَّمَا الْأَذَانُ عَلَى مَنْ يَجْتَمِعُ إلَيْهِ لِتَأْذِينِهِ وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ يُقِيمُ الْمُسَافِرُ وَلَا يُؤَذِّنُ مِنْهُمْ مَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُرْوَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ إنْ شَاءَ أَذَّنَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إلَّا فِي الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إذَا كُنْت فِي سَفَرٍ فَلَمْ تُؤَذِّنْ وَلَمْ تُقِمْ فَأَعِدْ الصَّلَاةَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا نَسِيَ الْإِقَامَةَ فِي السَّفَرِ أَعَادَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَالْحُجَّةُ لَهُمَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّجُلَيْنِ: أَذِّنَا وَأَقِيمَا» قَالَا: وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وَفِيهِ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ. [فَائِدَةٌ استحباب الْإِبْرَاد بِالظُّهْرِ] وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لَا مُنَازِعَ فِيهِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَضَرِ فَالسَّفَرُ الَّذِي قُصِرَتْ فِيهِ الصَّلَاةُ عَنْ هَيْئَتِهَا أَوْلَى بِذَلِكَ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ زِيَادَةِ التَّأْخِيرِ بِالْإِبْرَادِ] (الثَّالِثَةَ عَشَرَ) قَوْلُهُ: حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ التَّأْخِيرِ بِالْإِبْرَادِ إذْ التُّلُولُ لَا يَظْهَرُ ظِلُّهَا إلَّا بَعْدَ تَمَكُّنِ الْفَيْءِ وَطُولِهِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمُنْبَسِطَةِ، فَإِنَّ ظُهُورَ ظِلِّهَا سَرِيعٌ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ يَكُونُ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ السَّاعِي لِلْجَمَاعَةِ قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ: وَلَا يَبْلُغُ بِتَأْخِيرِهَا آخِرَ وَقْتِهَا فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا مَعًا وَلَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مُتَمَهِّلًا فَيَنْصَرِفُ مِنْهَا قَبْلَ آخِرِ وَقْتِهَا لِيَكُونَ بَيْنَ انْصِرَافِهِ مِنْهَا وَبَيْنَ آخِرِ وَقْتِهَا فَصْلٌ. وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَقَدَّرَ الْمَالِكِيَّةُ التَّأْخِيرَ بِزِيَادَةٍ عَلَى رُبْعِ الْقَامَةِ إلَى نِصْفِ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَنْتَهِي بِالْإِبْرَادِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ أَمْ لَا فَمَنَعَهُ أَشْهَبُ وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لِأَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَخَّرَ إلَى أَنْ كَانَ لِلتُّلُولِ، وَالْجُدْرَانِ فَيْءٌ يُسْتَظَلُّ بِهِ، وَذَلِكَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي التُّلُولِ لَا يُسْتَظَلُّ بِهِ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَخَلْطُهُ الْجُدْرَانَ مَعَ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي السَّفَرِ وَلَا جُدْرَانَ هُنَاكَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَارَةَ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالظِّلُّ قَامَةٌ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا زَالَ الْفَيْءُ عَنْ طُولِ الشَّيْءِ فَذَاكَ حِينَ تُصَلَّى الظُّهْرُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ تُصَلَّى الظُّهْرُ إذَا كَانَ الظِّلُّ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الظُّهْرَ فَقِسْت ظِلِّي فَوَجَدْته ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ. [حَدِيث اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 «وَاشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .   Q «اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفْسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ فِيهِ بِشَكْوَى النَّارِ إلَى رَبِّهَا مِنْ أَكْلِ بَعْضِهَا بَعْضًا وَإِذْنِهِ لَهَا بِنَفْسَيْنِ، وَأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ النَّفَسِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَلَوْ حَمَلْنَا شَكْوَى النَّارِ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهَا فِي التَّنَفُّسِ وَنَشْأَةِ شِدَّةِ الْحَرِّ عَنْهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّجَوُّزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) إنْ قُلْت: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ إلَّا مَا هُوَ أَشَدُّ. (قُلْت) لَا يُرَادُ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَرِّ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا يُؤْمَرُ حِينَئِذٍ بِالْإِبْرَادِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِذَلِكَ التَّقْرِيبُ فَمَا قَارَبَ مَا هُوَ أَشَدُّ جُعِلَ مِنْ الْأَشَدِّ أَوْ يُرَادُ الْأَشَدُّ الَّذِي يَكُونُ غَالِبًا دُونَ الْأَشَدِّ الَّذِي لَا يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا فَيَسْتَوِي حِينَئِذٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شِدَّةُ الْحَرِّ وَأَشَدُّ الْحَرِّ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَمَا كَانَ مِنْ بَرْدٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ سَمُومٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ حَرِّهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالشِّدَّةُ أَيْ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ انْتَهَى فَبَيَّنَ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ ضَابِطَ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَالْحَرِّ مَا يُهْلِكُ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. " الثَّالِثَةُ " كَوْنُ شِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ هَلْ اقْتَضَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَأْخِيرَ الصَّلَاةِ لِمَا فِي إيقَاعِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي يَنْتَشِرُ فِيهَا أَثَرُ الْعَذَابِ لَا يَنْبَغِي التَّعَبُّدُ بِالصَّلَاةِ فِيهَا؟ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ قَوْلَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْإِبْرَادَ رُخْصَةٌ فَلَوْ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَكَانَ أَفْضَلَ، وَأَنْ يَكُونَ الثَّانِي قَوْلَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ يَعْتَبِرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ أَيْضًا وَيَقُولُ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ تَقْتَضِي مَرْجُوحِيَّةَ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الِاضْطِرَابِ السَّالِبِ لِلْخُشُوعِ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْحَالَةِ الَّتِي يَنْتَشِرُ فِيهَا أَثَرُ الْعَذَابِ لَا يَنْبَغِي الصَّلَاةُ وَيُقَالُ الصَّلَاةُ سَبَبُ الرَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي فِعْلُهَا لِطَرْدِ الْعَذَابِ وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ إذَا جَاءَ مِنْ الشَّارِعِ يَجِبُ تَلَقِّيه بِالْقَبُولِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَاهُ لَكِنَّا نُرَجِّحُ بِهَذَا الْإِشْكَالِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَيَتَرَجَّحُ مَعَ ذَلِكَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِسَلْبِ الْخُشُوعِ. [فَائِدَةٌ أَوْجُهٍ الْخِلَاف فِي قَوْلِهِ اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا فِي قَوْلِهِ: اشْتَكَتْ النَّارُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهَا تَنْطِقُ يُنْطِقُهَا الَّذِي يُنْطِقُ الْجُلُودَ وَيُنْطِقُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَهَا لِسَانٌ كَمَا شَاءَ اللَّهُ وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وَبِقَوْلِهِ {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرٌ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَلَى الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ: شَكَا إلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى فِي أَمْثِلَةٍ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ الْأَوَّلَ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّهُ الْأَوْلَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ أَنَّ النَّارَ مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ الْآنَ، وَهُوَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ لِلتَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّهَا إنَّمَا تُخْلَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 1 - (السَّادِسَةُ) النَّفَسُ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَصْلُهُ لِلْإِنْسَانِ وَذَوَاتِ الرُّوحِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْجَوْفِ وَدَاخِلٌ إلَيْهِ مِنْ الْهَوَاءِ فَشَبَّهَ الْخَارِجَ مِنْ حَرَارَةِ جَهَنَّمَ وَبَرْدِهَا إلَى الدُّنْيَا بِالنَّفَسِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الْإِنْسَانِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: النَّفَسُ التَّنَفُّسُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّفَسَ اسْمٌ، وَالتَّنَفُّسَ مَصْدَرٌ (السَّابِعَةُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» .   Qوَأَشَدُّ مَا يَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ. (فَإِنْ قُلْتَ) : فَلِمَ لَا أَخَّرْت الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْبَرْدِ كَمَا أُخِّرَتْ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ. (قُلْت) : شِدَّةُ الْبَرْدِ تَكُونُ غَالِبًا وَقْتَ الصُّبْحِ وَلَا تَزُولُ إلَّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَلَوْ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ لَخَرَجَتْ عَنْ وَقْتِهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ. [حَدِيثٌ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» . وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ الصَّحِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ إلَى قُبَاءَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُونَ فِيهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ: ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ كَذَا رَوَاهُ الْمُوَطَّأُ عَنْهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا مِمَّا اُنْتُقِدَ عَلَى مَالِكٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ، وَقَالَ إلَى قُبَاءَ وَخَالَفَهُ فِيهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ فَقَالُوا الْعَوَالِي قَالَ غَيْرُهُ: مَالِكٌ أَعْلَمُ بِبَلَدِهِ وَأَمْكِنَتِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ أَثْبَتُ فِي ابْنِ شِهَابٍ مِمَّنْ سِوَاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ مَالِكٍ إلَى الْعَوَالِي كَمَا قَالَتْ الْجَمَاعَةُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ إلَى قُبَاءَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ انْتَهَى. وَبَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي ذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الْبَزَّارِ أَنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِمَّا يُعَدُّ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ وَهَمَ فِيهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَقَدْ رَوَى خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ إلَى الْعَوَالِي كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَلَمْ يَهِمْ فِيهِ مَالِكٌ انْتَهَى. وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي عِلَلِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا انْتَهَى فَلَمْ يُحْكَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ مَالِكٍ إلَى الْعَوَالِي، وَإِنَّمَا خَالَفَ الْأَكْثَرِينَ فِي تَصْرِيحِهِ بِالرَّفْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ مَالِكًا وَقَفَهُ أَيْ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ. وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِنَاءً عَلَى الْمُرَجَّحِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُ بِإِضَافَةِ ذَلِكَ إلَى عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ ذَهَبَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الثَّانِيَةُ) قُبَاءَ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَصْلُهُ اسْمُ بِئْرٍ هُنَاكَ، وَفِيهِ الْمَدُّ، وَالْقَصْرُ وَالصَّرْفُ وَعَدَمُهُ، وَالتَّذْكِيرُ، وَالتَّأْنِيثُ، وَالْأَفْصَحُ فِيهِ الْمَدُّ وَالصَّرْفُ، وَالتَّذْكِيرُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَالِي، فَإِنَّهَا الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ أَعْلَاهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَدْنَاهَا مِيلَانِ وَأَبْعَدَهَا ثَمَانِيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَبُعْدُ الْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ وَبُعْدُ بَدَلُ بَعْضٍ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَأَسْنَدَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَبُعْدُ الْعَوَالِي أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَصَلَ الْمُصَلِّي بِالْمَدِينَةِ إلَى قُبَاءَ إلَّا بَعْدَ نُزُولِ الشَّمْسِ وَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الَّتِي قَالَ فِيهَا إلَى الْعَوَالِي وَلَا سِيَّمَا الرِّوَايَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا، وَالْعَوَالِي مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجُمْهُورُ حَتَّى صَاحِبَاهُ فَقَالُوا بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ غَيْرَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ بَلْ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلْحَنِيفَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا وَذَهَبَ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَحَاوَلَ الطَّحْطَاوِيُّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْجِيلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةً قَدْ اصْفَرَّتْ. فَرُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «مَا كَانَ أَحَدٌ أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِصَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ أَبْعَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ دَارًا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنِ حَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ دَارُ أَبِي لُبَابَةَ بِقُبَاءَ وَدَارُ أَبِي عَبْسٍ فِي بَنِي حَارِثَةَ، ثُمَّ إنْ كَانَا لَيُصَلِّيَانِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ، ثُمَّ يَأْتِيَانِ قَوْمَهُمَا، وَمَا صَلَّوْهَا لِتَبْكِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا» . ثُمَّ رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ، ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ هَذَا، ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي الْأَبْيَضِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِنَا الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ، ثُمَّ أَرْجِعُ إلَى قَوْمِي فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ قُومُوا فَصَلُّوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَلَّى» . ثُمَّ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ مَا رَوَى عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْأَبْيَضِ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى التَّعْجِيلِ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَكَرُوا فَيَجِدُهُمْ لَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا إلَّا قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَهَذَا دَلِيلُ التَّعْجِيلِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ قَدْ اصْفَرَّتْ فَقَدْ اضْطَرَبَ حَدِيثُ أَنَسٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا رَوَى إِسْحَاقُ وَعَاصِمٌ وَأَبُو الْأَبْيَضِ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ يَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُرْتَفِعَةٌ قَدْ اصْفَرَّتْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ دَاسَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَيَأْتِيهَا، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ انْتَهَى. وَحَيَاتُهَا بَقَاءُ حَرِّهَا وَلَوْنِهَا، وَهَذَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ قَدْ اصْفَرَّتْ. ثَانِيهِمَا لَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ، وَهِيَ حَيَّةٌ وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا لَا يُنَافِي صُفْرَتَهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ فَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ إذَا وَصَلَ إلَى قُبَاءَ الَّتِي هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَذَلِكَ دَلِيلُ التَّعْجِيلِ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ مُصْفَرَّةً وَلَا سِيَّمَا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا الْعَوَالِي وَقْتُهَا أَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ بِالْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا لَمَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ (ثَالِثُهَا) كَيْفَ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَنَسٍ مُضْطَرِبًا مَعَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ اخْتِلَافُهَا وَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ تَحْتَمِلُ مُخَالَفَةَ رِوَايَةِ الْبَاقِينَ. وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ قَدْ اصْفَرَّتْ وَمَعَ احْتِمَالِ الْمُخَالَفَةِ، وَالْمُوَافَقَةِ لَا يَكُونُ اضْطِرَابًا بَلْ الْوَاجِبُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْمُحْتَمِلَةِ عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمُصَرِّحَةِ وَجَعْلُهَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهَا وَلَا تَضَادَّ وَكَيْفَ نَجِيءُ إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَقْصُودِ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَنَرُدُّهَا بِوُرُودِ رِوَايَةٍ أُخْرَى تَحْتَمِلُ أَنْ تُخَالِفَهَا احْتِمَالًا مَرْجُوحًا بَلْ لَوْ كَانَ احْتِمَالُ الْمُخَالَفَةِ رَاجِحًا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِيُوَافِقَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَاتِ فَكَيْفَ وَاحْتِمَالُ الْمُخَالَفَةِ هُوَ الْمَرْجُوحُ أَوْ الِاحْتِمَالَانِ مُسْتَوِيَانِ إنْ تَنَزَّلْنَا. وَالْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَفْهَمُ مِنْهُ التَّعَصُّبَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ مُحْتَمَلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ اصْفَرَّتْ، ثُمَّ إنَّهُ نَزَّلَ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَنْزِلَةَ الْمَجْزُومِ بِهِ، وَقَالَ فَقَدْ اضْطَرَبَ حَدِيثُ أَنَسٍ، ثُمَّ جَزَمَ بِأَنَّ مَعْنَى مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمُخَالَفَةَ فَقَطْ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ حَدِيثَ أَبِي الْأَبْيَضِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُحَلِّقَةٌ، وَقَالَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُؤَخِّرُهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ حُجْرَتِي طَالِعَةً» .   Qالرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَكَرَ أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْخِيرِ أَيْضًا، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [حَدِيث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ حُجْرَتِي طَالِعَةً] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ حُجْرَتِي طَالِعَةً» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) الْحُجْرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْبَيْتُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ فَهُوَ حُجْرَةٌ قَالَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَأَصْلُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ حَظِيرَةٌ لِلْإِبِلِ وَقَوْلُهُ طَالِعَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحُجْرَةِ إلَّا طَالِعَةً. وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ شُعَاعُهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَيْضًا كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ أَيْ تَعْلُوَ عَلَى الْحِيطَانِ وَلِلْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَلْفَاظٌ أُخْرَى مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَالشَّمْسُ فِي قَعْرِ حُجْرَتِي وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّمْسِ فِي الْحُجْرَةِ أَنْ تَكُونَ فِي قَعْرِهَا. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْجِيلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ مَا رُوِيَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ حُجَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوْضِعٍ مُنْخَفِضٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَتْ بِالْوَاسِعَةِ، وَذَلِكَ أَقْرَبُ لَهَا مِنْ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ مِنْهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَكَانَتْ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ يَكُونُ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَتَكُونُ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْفَيْءُ فِي الْجِدَارِ الشَّرْقِيِّ وَكُلُّ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْعَرْصَةَ كَانَتْ ضَيِّقَةً قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: وَلَيْسَتْ بِالْوَاسِعَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمَ الْخَنْدَقِ: مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ»   Qوَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَالشَّمْسُ فِي وَسَطِ الْحُجْرَةِ لَمْ يَصْعَدْ فَيْؤُهَا فِي جُدُرِهَا، وَذَلِكَ لِسَعَةِ سَاحَتِهَا وَقِصَرِ جُدْرَانِهَا انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ سِعَةِ سَاحَتِهَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بَقَاءُ الشَّمْسِ فِيهَا أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى سَعَةِ سَاحَتِهَا بَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْعَرْصَةُ أَوْسَعَ مِنْ طُولِ الْجِدَارِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ، وَذَلِكَ لَا يُصَيِّرُهَا وَاسِعَةً، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْجِيلِ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ قَدْ فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاسْتَدَلَّتْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَفَهِمَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رِوَايَةً عَنْهَا، وَأَنْكَرَ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَأْخِيرَهُ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ الطَّحَاوِيُّ فَنَاضَلَ عَنْ مَذْهَبِهِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِأَنْ حَاوَلَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ أَخَّرَ الْعَصْرَ لِقِصَرِ حُجْرَتِهَا فَلَمْ تَكُنْ الشَّمْسُ تَنْقَطِعُ عَنْهَا إلَّا بِقُرْبِ غُرُوبِهَا فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْجِيلِ الْعَصْرِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُمْكِنُ مَعَ ضِيقِ الْحُجْرَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ صِفَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قِصَرِ بُنْيَانِهِمْ وَحِيطَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَعْجِيلُ الْعَصْرِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ قِصَرِ الْحِيطَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت أَدْخُلُ بُيُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا مُحْتَلِمٌ فَأَنَالُ سَقْفَهَا بِيَدِي، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [حَدِيث مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنْ الصَّلَاةِ] (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ «مَا لَهُمْ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) يَوْمَ الْخَنْدَقِ إحْدَى غَزَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَالُ لَهُ يَوْمُ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ عَبَّرَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقِيلَ فِي الْخَامِسَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِيَوْمِ الْخَنْدَقِ يَوْمًا بِعَيْنِهِ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْغُزَاةِ كَمَا يُقَالُ يَوْمُ بَدْرٍ وَيَوْمُ أُحُدٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِلْخَنْدَقِ الَّذِي حُفِرَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَصْلُهُ كِنْدَةٌ أَيْ مَحْفُورٌ. (الثَّانِيَةُ) الضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ مَا لَهُمْ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ يَعُودُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَغَلُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ بِمُقَاتَلَتِهِمْ، وَهُوَ دُعَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: «اللَّهُمَّ امْلَأْ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا» فَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمِثْلِ هَذَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَبُطُونَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ أَوْ أَجْوَافَهُمْ شَكَّ يَحْيَى نَارًا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا أَوْ بُيُوتَهُمْ أَوْ بُطُونَهُمْ شَكَّ شُعْبَةُ فِي الْبُيُوتِ، وَالْبُطُونِ. [فَائِدَةٌ اشْتِغَالُ النَّبِيّ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ] 1 (الثَّالِثَةُ) مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ اشْتِغَالُهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ وَيُعَارِضُهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ اصْفَرَّتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا أَوْ حَشَى اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: انْحَبَسَ انْتَهَى إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْ الْحُمْرَةِ أَوْ الصُّفْرَةِ وَلَمْ تَقَعْ الصَّلَاةُ إلَّا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِلِاشْتِغَالِ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا انْتَهَى وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا أَوْ قُلُوبَهُمْ» قَالَ، وَلَمْ يُصَلِّهَا يَوْمَئِذٍ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْمَغِيبِ سِوَى الصَّلَاةِ فَقَطْ مَعَ تَقْدِيمِ الْأَسْبَابِ عَلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِجَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا فَأَخَّرَ فِي بَعْضِهَا الصَّلَاةَ إلَى الْحُمْرَةِ أَوْ الصُّفْرَةِ وَفِي بَعْضِهَا إلَى الْغُرُوبِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ رَاوِيَ التَّأْخِيرِ إلَى الْغُرُوبِ غَيْرُ رَاوِي التَّأْخِيرِ إلَى الْحُمْرَةِ أَوْ الصُّفْرَةِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ. (الرَّابِعَةُ) مُقْتَضَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْ غَيْرُ الْعَصْرِ وَفِي الْمُوَطَّإِ الظُّهْرُ، وَالْعَصْرُ وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الْحَدِيثَ وَقَالَ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ إلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فَمَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْعَصْرُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ وَقْعَةَ الْخَنْدَقِ بَقِيَتْ أَيَّامًا فَكَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَهَذَا فِي بَعْضِهَا. (الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا تَأْخِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا نَسِيَانَا لَا عَمْدًا وَكَانَ السَّبَبُ فِي النِّسْيَانِ الِاشْتِغَالَ بِأَمْرِ الْعَدُوِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَّرَهَا عَمْدًا لِلِاشْتِغَالِ بِالْعَدُوِّ وَكَانَ هَذَا عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ، وَالْقِتَالِ بَلْ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ، وَلَهَا أَنْوَاعٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَذَهَبَ مَكْحُولٌ إلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَدَاؤُهَا مَعَهُ إلَى وَقْتِ الْأَمْنِ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ صَلَاتُهَا عَلَى سُنَّتِهَا إذَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ تَرْكُ مَا هُمْ فِيهِ لِلْوُضُوءِ، وَالتَّيَمُّمِ وَلَا الصَّلَاةُ دُونَ طَهَارَةٍ وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ التَّأْخِيرَ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَالشَّامِيِّينَ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى كَذَا الرِّوَايَةُ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُهُ وَمَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ وَأَوَّلُوا مَا كَانَ نَحْوَ هَذَا بِأَنْ قَدَّرُوا فِيهِ مَوْصُوفًا مَحْذُوفًا فَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ فِي الْآيَةِ {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] وَفِي الْحَدِيثِ حَبَسُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَيْ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى. [فَائِدَةٌ حكمة تَسْمِيَة الْعَصْر بِالْوُسْطَى] 1 (السَّابِعَةُ) الْوُسْطَى فَعَلَى وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ فَعَلَى مِنْ الْعَدَدِ الْمُتَوَسِّطِ، وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الْبُعْدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مُتَوَسِّطَةٌ فِي الْعَدَدِ بَيْنَ شَيْءٍ قَبْلَهَا وَشَيْءٍ بَعْدَهَا أَوْ مِنْ الْوَسَطِ، وَهُوَ الْفَاضِلُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا وُسْطَى أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفُضْلَى قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ احْتِمَالَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] . أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ، وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى يَدُلُّ عَلَى صَلَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ جَوْهَرِ اللَّفْظِ إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَالْأُخْرَى مِنْ لَازِمِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا وَسَطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا حَتَّى تَصِيرَ خَمْسَةً فَيَكُونُ لَهَا وَسَطٌ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ قَوْلَهُ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَقَوْلَهُ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شَرَفِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ ذَكَرَهَا الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ إذَا عُقِّبَ بِذِكْرِ مَنْ كَانَ مِنْ حَقِّ الْعُمُومِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ هَلْ يَدُلُّ هَذَا التَّخْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ إذَا لَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ أَوْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ وَمَثَّلَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ قَوْمٌ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَقَالَ آخَرُونَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ قَالَ: «إنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تُلِيَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَصَارَتْ الصُّبْحَ وَفُدِيَ إِسْحَاقُ عِنْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّى إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرْبَعًا فَصَارَتْ الظُّهْرَ وَبُعِثَ عُزَيْرٌ فَقِيلَ كَمْ لَبِثْت فَقَالَ يَوْمًا فَرَأَى الشَّمْسَ فَقَالَ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَصَارَتْ الْعَصْرَ وَغُفِرَ لِدَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَقَامَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَجُهِدَ فَجَلَسَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ الْمَغْرِبُ ثَلَاثًا وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَلِذَلِكَ قَالُوا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ فَهَذَا عِنْدَنَا مَعْنًى صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أُولَى الصَّلَوَاتِ إنْ كَانَتْ الصُّبْحُ وَآخِرَهَا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ فَالْوُسْطَى فِيمَا بَيْنَ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةِ، وَهِيَ الْعَصْرُ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذِكْرُ الْوُسْطَى إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوَسُّطُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الزَّمَانِ فَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَإِنَّ حُكْمَ الصَّلَوَاتِ فِيهَا وَاحِدٌ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُرَاعَى لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْعَدَدَ أَدَّى إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 وَفِي طَرِيقِ لِلْبُخَارِيِّ «وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ» وَلِمُسْلِمٍ «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ»   Qمَذْهَبِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّهَا الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَأَقَلَّهَا اثْنَتَانِ، وَالْوَسَطُ ثَلَاثٌ فَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَإِنْ رَاعَيْنَا الْأَوْسَطَ فِي الزَّمَانِ كَانَ الْأَبْيَنُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا الصُّبْحُ وَإِمَّا الْعَصْرُ فَأَمَّا الصُّبْحُ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ كَانَتْ هِيَ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ مِنْ النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مِنْ اللَّيْلِ وَبَقِيَ وَقْتُ الصُّبْحِ مُشْتَرَكًا فَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْوُسْطَى الْعَصْرُ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ سَابِقَتَانِ لِلْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مُتَأَخِّرَانِ عَنْ الْعَصْرِ فَهِيَ إذًا وَسَطٌ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا يَصْلُحُ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْخِلَافِ فِيهَا إذْ لَا مُنَاسَبَةَ لِمَا ذُكِرَ لِكَوْنِ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ وَأَوْكَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَمَّا أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ فَالْمُنَاسِبُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّبَاعِيَةُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ رَكَعَاتٍ وَأَكْثَرُ عَمَلًا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا كَثُرَ عَمَلُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ. وَأَمَّا مُرَاعَاةُ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ صَلَاةٍ هِيَ الْوُسْطَى، وَهُوَ الَّذِي أَبْطَلْنَاهُ وَأَيْضًا فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَكْثَرِيَّةِ الثَّوَابِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ الْأَزْمَانِ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الصَّلَاةِ إلَى الزَّمَانِ كُلِّهَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِيَّةُ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ فُرِضَ شَيْءٌ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ أَفْضَلَ فَذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجِ الْأَزْمَانِ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ السَّبَبَ فِي خِلَافِهِمْ فِيهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ فِي الْمُرَادِ بِالْوُسْطَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَوْسَطُ الصَّلَوَاتِ مِقْدَارًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا أَوْسَطُهَا مَحَلًّا وَالثَّالِثُ أَنَّهَا أَفْضَلُهَا وَأَوْسَطُ كُلِّ شَيْءٍ أَفْضَلُهُ فَمَنْ قَالَ الْوُسْطَى الْفُضْلَى جَازَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَمَنْ قَالَ مِقْدَارًا فَهِيَ الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرَهَا أَرْبَعٌ وَمَنْ قَالَ مَحَلًّا ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مُنَاسَبَةً تَوَجَّهَ بِهَا قَوْلُهُ، ثُمَّ حَكَى مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي. (الثَّامِنَةُ) فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهِيَ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعَزَاهُ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَقَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّهَا الصُّبْحُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَعِكْرِمَةَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْمَكِّيِّينَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا الْعَصْرُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ قَالَ: وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْعَصْرِ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا نَقْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا الْعَصْرُ فَهُوَ وَهْمٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا الصُّبْحُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ رَأْيِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ أَنَّهَا الْعَصْرُ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةَ الصُّبْحِ قَالَ: وَحُسَيْنٌ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مَدِينِيٌّ وَلَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: وَقَالَ قَوْمٌ إنَّ مَا أَرْسَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَلِيٍّ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ ضُمَيْرَةَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا مِنْ حَدِيثِهِ وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى صِحَاحُ أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةَ الْعَصْرِ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا صَلَاةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالظُّهْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. (الرَّابِعُ) أَنَّهَا الْمَغْرِبُ قَالَهُ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ قَتَادَةَ. (الْخَامِسُ) أَنَّهَا الْعِشَاءُ حَكَاهَا أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. (السَّادِسُ) أَنَّهَا إحْدَى الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ وَاسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَنَافِعٍ وَشُرَيْحٍ، وَمَالَ إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَرَبِيٍّ قَالَ: لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي سَاقَهَا التِّرْمِذِيُّ لَمْ يُصَحِّحْهَا وَيُعَارِضُهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ (قُلْت) قَدْ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ. (السَّابِعُ) أَنَّهَا جَمِيعُ الْخَمْسِ حَكَاهُ النَّقَّاشُ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُعَاذٍ وَقَالَ: لِأَنَّهَا أَوْسَطُ الدِّينِ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَذْكُرُ الشَّيْءَ مُفَصَّلًا، ثُمَّ تَحْمِلُهُ، وَإِنَّمَا تَذْكُرُهُ مُجْمَلًا، ثُمَّ تُفَصِّلُهُ أَوْ تُفَصِّلُ بَعْضَهُ تَنْبِيهًا عَنْ فَضِيلَتِهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّهُ أَضْعَفُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ عَادَةِ الْفَصَاحَةِ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ. (ثَانِيهَا) أَنَّ الْفُصَحَاءَ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْجَمْعِ وَيَعْطِفُونَ عَلَيْهِ أَحَدَ مُفْرَدَاتِهِ وَيُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْمُفْرَدِ ذَلِكَ الْجَمْعَ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْعِيِّ وَالْإِلْبَاسِ. (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى الصَّلَوَاتِ لَكَانَ كَأَنَّهُ قَالَ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالصَّلَاةِ وَيُرِيدُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فَصِيحَا فِي لَفْظِهِ وَلَا صَحِيحًا فِي مَعْنَاهُ إذَا لَا يَحْصُلُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيدُ مَعْنًى آخَرَ فَيَكُونُ حَشْوًا وَحَمْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ مَسُوغٍ وَلَا جَائِزٌ انْتَهَى. وَمَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسِ وُسْطَى؛ لِأَنَّ قَبْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى جَمِيعِهِنَّ وَاجِبٌ. (الثَّامِنُ) أَنَّهَا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِيصَاءِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلضَّيَاعِ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْجُمُعَةِ، فَإِنَّ النَّاسَ يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً بِخِلَافِ غَيْرِهَا. (قُلْت) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِيصَاءِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا كَوْنُهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا وَأَشَدَّ تَأَكُّدًا فَيُخْشَى مِنْ عَاقِبَةِ إضَاعَتِهَا، وَالتَّفْرِيطِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعُ) أَنَّهَا الْجُمُعَةُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِي سَائِرِ الْأَيَّامِ الظُّهْرُ حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مِقْسَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (الْعَاشِرُ) أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاتَانِ الْعِشَاءُ، وَالصُّبْحُ حَكَاهُ ابْنُ مِقْسَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ إحْدَاهُمَا ثَابِتَةٌ بِالْقُرْآنِ، وَهِيَ الصُّبْحُ، وَالْأُخْرَى ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ الْعَصْرُ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ الْمَالِكِيُّ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ. (الثَّانِي عَشَرَ) أَنَّهَا الْجَمَاعَةُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) أَنَّهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ قَالَ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ فِي كِتَابِهِ كَشْفِ الْمُغَطَّى فِي تَبْيِينِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَكَاهُ لَنَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) أَنَّهَا الْوِتْرُ ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الدِّمْيَاطِيُّ (الْخَامِسَ عَشَرَ) أَنَّهَا صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى (السَّادِسَ عَشَرَ) أَنَّهَا صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ حَكَاهُمَا لَنَا مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ الْمُطَوَّلَةِ. (السَّابِعَ عَشَرَ) أَنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى حَكَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ قَالَ أَظُنُّنِي وَقَفْت عَلَيْهِ قَالَ: ثُمَّ تَرَدَّدَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الثَّمَانِيَةَ الْمَبْدُوءَ بِهَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَانِ الْعَصْرُ، وَالصُّبْحُ وَأَصَحُّهُمَا الْعَصْرُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَنْ قَالَ هِيَ الصُّبْحُ يَتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى أَنَّ الْعَصْرَ تُسَمَّى وُسْطَى وَيَقُولُ: إنَّهَا غَيْرُ الْوُسْطَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا الصُّبْحُ يَحْتَجُّ بِأَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ مَشَقَّةٍ بِسَبَبِ بَرْدِ الشِّتَاءِ وَطِيبِ النَّوْمِ فِي الصَّيْفِ، وَالنُّعَاسِ وَفُتُورِ الْأَعْضَاءِ وَغَفْلَةِ النَّاسِ فَخُصَّتْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مُعَرَّضَةً لِلضَّيَاعِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا الْعَصْرُ يَقُولُ إنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَائِشِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ] (التَّاسِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَتْ الصَّلَوَاتُ سِتًّا فَلَا تَكُونُ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَسَطًا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وَفِيهِ ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ.   Qأَنَّ الْوُسْطَى هُنَا مِنْ الْعَدَدِ، وَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ (الْعَاشِرَةُ) إيرَادُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ اسْتِطْرَادٌ لَمَّا ذَكَرَ وَقْتَ الْعَصْرِ ذَكَرَ فَضْلَهَا، وَكَذَا فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى فَضْلِهَا دَلَّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي وَقْتِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِأَمْرِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يُوجِبْ التَّرْتِيبَ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ الْأَفْضَلَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» . وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ بَيْنَ وَقْتَيْ الْعِشَاءَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُضَيَّقٌ فَبَيْنَ وَقْتِهَا وَوَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَئِذٍ زَمَنٌ صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ إخْرَاجُ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا مَعَ الْقَوْلِ بِتَضْيِيقِهِ. وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ قَدْ يُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ مُحْتَمَلَةٌ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ ضَاقَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَخَشَى فَوَاتَهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْعَصْرِ فَاحْتَاجَ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَبَدَأَ بِالْمَغْرِبِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ، وَهِيَ مَا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ وَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَيْضًا وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَبْدَأُ بِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْمَغْرِبَ أَوَّلًا نَاسِيًا أَنَّهُ تَرَكَ الْعَصْرَ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَعَادَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَصَدَقَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَأَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ مَرَّتَيْنِ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» زَادَ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ " وَهُوَ قَاعِدٌ " وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلُ حَدِيثِ نَافِعٍ.   Qفِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي جُمُعَةَ حَبِيبِ بْنِ سِبَاعٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْأَحْزَابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنِّي صَلَّيْت الْعَصْرَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَعَادَ الْمَغْرِبَ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ لِيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ» وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. [فَائِدَةٌ إطْلَاقُ الْعِشَاءَيْنِ عَلَى الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) وَفِيهِ إطْلَاقُ الْعِشَاءَيْنِ عَلَى الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَا تُسَمَّى عِشَاءً قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ هُنَا لِلتَّغْلِيبِ كَالْأَبَوَيْنِ، وَالْقَمَرَيْنِ، وَالْعُمُرَيْنِ وَنَظَائِرِهَا اهـ (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ. (قُلْت) لَعَلَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ إفْرَادِهَا بِهَذَا الِاسْمِ فَأَمَّا إذَا أَطْلَقَهُ عَلَيْهَا مَعَ الْعِشَاءِ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ فَهَذَا لَا يُنْكَرُ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ الْوَضْعِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ هُنَا لَيْسَ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيثٌ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ] (الْحَدِيثُ السَّادِسُ) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» زَادَ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ " وَهُوَ قَاعِدَةٌ " وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلُ حَدِيثِ نَافِعٍ. فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) قَوْلُهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ يُرْوَى بِنَصَبِ اللَّامَيْنِ وَرَفْعِهِمَا، وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّوَوِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ الَّذِي ضَبَطْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةِ شُيُوخِنَا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ وُتِرَ هُوَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَقِيلَ إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ وُتِرَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَلَمَّا حُذِفَ الْخَافِضُ انْتَصَبَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ إذْ الْفِعْلُ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَرِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى أَنَّ التَّارِكَ هُوَ الْمَنْقُوصُ فَأَقَامَ ضَمِيرَهُ مَقَامَ الْفَاعِلِ فَانْتَصَبَ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَرِوَايَةُ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ هُمْ الْمَنْقُوصُونَ فَأَقَامَهُ مَقَامَ الْفَاعِلِ فَرَفَعَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: إنْ رَفَعْت فَعَلَى الْبَدَلِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي وُتِرَ أَهْلَهُ. فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ نُقِصَ هُوَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ وَسُلِبَهُمْ فَبَقِيَ وِتْرًا فَرْدًا بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ فَلْيَحْذَرْ مِنْ تَفْوِيتِهَا كَحَذَرِهِ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ جَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَقَالَ فِي أَعْلَامِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ وُتِرَ أَيْ نُقِصَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] وَقِيلَ سُلِبَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ فَبَقِيَ وِتْرًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالَ اهـ. فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ وَغَايَرَ بَيْنَ تَفْسِيرِهِ بِنَقْصٍ وَتَفْسِيرِهِ بِسَلْبٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا حَكَيْته عَنْهُ أَوَّلًا، وَكَذَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْوِتْرُ، وَالتِّرَةُ الظُّلْمُ فِي الدَّمِ يُقَالُ مِنْهُ وُتِرَ الرَّجُلُ وِتْرًا وَتِرَةً فَمَعْنَى وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ سُلِبَ ذَلِكَ وَحُرِمَهُ فَهُوَ أَشَدُّ لِغَمِّهِ وَحُزْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَهْلُهُ وَذَهَبَ مَالُهُ مِنْ غَيْرِ سَلْبٍ لَمْ تَكُنْ مُصِيبَتُهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ السَّلْبِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَمَّانِ غَمُّ ذَهَابِهِمْ وَغَمُّ الطَّلَبِ بِوَتْرِهِمْ، وَإِنَّمَا مِثْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَفُوتُهُ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِقَوْلِهِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ أَيْ نُقِصَ ذَلِكَ وَأُفْرِدَ مِنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] أَيْ لَنْ يُنْقِصَكُمْ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْفِقْهِ أَنَّهُ كَاَلَّذِي يُصَابُ بِأَهْلِهِ، وَمَالِهِ إصَابَةً يَطْلُبُ بِهَا وِتْرًا، وَالْوِتْرُ الْجِنَايَةُ الَّتِي يَطْلُبُ ثَأْرَهَا فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ غَمَّانِ غَمُّ الْمُصِيبَةِ وَغَمُّ مُقَاسَاةِ طَلَبِ الثَّأْرِ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ مَعْنَاهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِرْجَاعِ مَا يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ فَقَدَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ النَّدَمُ، وَالْأَسَفُ بِتَفْوِيتِهِ الصَّلَاةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَاتَهُ مِنْ الثَّوَابِ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْأَسَفِ عَلَيْهِ كَمَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ وَقَالَ الْبَاجِيَّ يَحْتَمِلُ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُرِيدَ وُتِرَ دُونَ ثَوَابٍ يُدَّخَرُ لَهُ فَيَكُونُ مَا فَاتَ مِنْ ثَوَابِ الصَّلَاةِ كَمَا فَاتَ هَذَا الْمُوتُورَ اهـ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ اُنْتُزِعَ مِنْهُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قُلْت) يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا خُصَّ الْأَهْلُ، وَالْمَالُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ إنَّمَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَهْلِ، وَالشُّغْلِ بِالْمَالِ فَذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ تَفْوِيتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ فَقْدِ الْأَهْلِ، وَالْمَالِ فَلَا مَعْنَى لِتَفْوِيتِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِهِمَا مَعَ كَوْنِ تَفْوِيتِهَا كَفَوَاتِهِمَا أَصْلًا وَرَأْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ التَّغْلِيظُ فِي فَوَاتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَهَلْ يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ فَيَلْحَقُ بِالْعَصْرِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَيَكُونُ نَبَّهَ بِالْعَصْرِ عَلَى غَيْرِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ فِي الْعَصْرِ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْعِلَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يَلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا بِالشَّكِّ، وَالتَّوَهُّمِ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ إذَا عَرَفْنَا الْعِلَّةَ وَاشْتَرَكَا فِيهَا انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا أُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» لَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ: وُتِرَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً حَتَّى تَفُوتَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» . وَفِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ نَوْفَلٍ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ نَوْفَلٍ أَتَدْرِي أَيَّةَ صَلَاةٍ هِيَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا هِيَ الْعَصْرُ وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ خُصَّتْ الْعَصْرُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ تَعَبِ النَّاسِ مِنْ مُقَاسَاةِ أَعْمَالِهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى قَضَاءِ أَشْغَالِهِمْ وَتَسْوِيفِهِمْ بِهَا إلَى انْقِضَاءِ وَظَائِفِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ خُصَّتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَشْهُودَةُ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ تَعَاقُبِهِمْ، وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ إذْ الْمَلَائِكَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَتَعَاقَبُونَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا خُصَّتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى. [فَائِدَةٌ الْمُرَادِ بِفَوَاتِ الْعَصْرِ] 1 (الثَّالِثَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِفَوَاتِ الْعَصْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ هُوَ فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَقَالَ سَحْنُونٌ، وَالْأَصِيلِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أَنْ تَفُوتَهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَقِيلَ هُوَ تَفْوِيتُهَا إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَقَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ. (قُلْت) كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَظَاهِرُ إيرَادِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ مِنْ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ الْحَدِيثِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ أَنْ تَرَى مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الشَّمْسِ صَفْرَاءَ وَفِي الْعِلَلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» قَالَ أَبِي التَّفْسِيرُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ فَرَوَى الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفَوَاتُهَا أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسَ صُفْرَةٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ يَرْوِي عَنْهُ أَنَّ فَوْتَهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ انْتَهَى. وَكَيْفَمَا كَانَ فَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْقَوْلِ: إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إنَّمَا أَرَادَ فَوَاتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ لَا فَوَاتَهَا بِاصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ مَغِيبِهَا لِمَا يَفُوتُهُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْجَمَاعَةِ مِنْ حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا فَصَارَ مَا يَفُوتُهُ مِنْ هَذَا الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ أَعْظَمَ مِنْ ذَهَابِ أَهْلِهِ، وَمَالِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي يَفُوتُهُ هَذَا الْمَشْهَدُ الَّذِي أَوْجَبَ الْبَرَكَةَ لِلْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فَوَاتَ وَقْتِهَا كُلِّهِ بِاصْفِرَارٍ أَوْ غَيْبُوبَةٍ لَبَطَلَ الِاخْتِصَاصُ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْوَقْتِ كُلِّهِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، بِهَذَا الْمَعْنَى فَسَّرَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ، وَمَا فَاتَتْهُ وَلِمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِهِ، وَمَالِهِ يُرِيدُ إنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ الْمَفْضُولِ وَلِمَا فَاتَهُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقْتِهَا الْفَاضِلِ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ اخْتِيَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَكَتَبَ بِهِ عُمَرُ إلَى عُمَّالِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَلَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ حَدِيثٌ يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] وَلَا يُوجَدُ حَدِيثٌ فِيهِ تَكْيِيفُ الْمُحَافَظَةِ غَيْرُهُ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» (الرَّابِعَةُ) حُكِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ فَاتَتْهُ نَاسِيًا وَيُوَافِقُهُ تَبْوِيبُ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ بَابَ مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُمْ: هُوَ فِي الْمُتَعَمَّدِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ» ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَامِدِ انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ عَلَيْهِ بَابَ إثْمِ مَنْ فَاتَهُ الْعَصْرُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِثْمَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْعَمْدِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فِي الذَّاكِرِ أَنَّ السَّاهِيَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ وَلَا مُفَوَّتٍ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ أَمْرُ الذَّاكِرِ مَتَى فَعَلَ عِنْدَ الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ فِي السَّهْوِ تَفْرِيطٌ، وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الذِّكْرِ» . (قُلْت) : لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ «لَيْسَ التَّفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» وَتَقَدَّمَ مِنْ مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً حَتَّى تَفُوتَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ» . [فَائِدَةٌ كون الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ وَرَوَى السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَفِي آخِرِهِ يَقُولُ سَالِمٌ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى لِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَضِيلَةً لِلَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا وَيَرَى أَنَّهَا الْوُسْطَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (السَّادِسَةُ) وَجْهُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَوَاقِيتِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ تَأْكِيدِ أَمْرِ الْوَقْتِ بِكَوْنِهِ حَضَّ عَلَى إيقَاعِهَا فِي وَقْتِهَا وَتَوَعَّدَ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ. (السَّابِعَةُ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَشِّيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا»   Qرَوَاهَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ، وَمَالَهُ، وَهُوَ قَاعِدٌ» وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ وُتِرَ هَذَا الْوِتْرَ، وَهُوَ قَاعِدٌ غَيْرُ مُقَاتِلٍ عَنْهُمْ وَلَا ذَابٍّ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْغَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَبَّ عَنْهُمْ وَقَاتَلَ وَمَعَ ذَلِكَ غُلِبَ كَانَ أَسْلَى لَهُ وَأَدْفَعَ لِلْغَمِّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْمُقَاتَلَةَ عَنْهُمْ إمَّا لِلْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ أَيْ مُشَاهِدٌ لِتِلْكَ الْمُصِيبَةِ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهَا فَهُوَ أَشَدُّ لِتَحَسُّرِهِ وَأَبْلَغُ فِي غَمِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيثٌ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا] (الْحَدِيثُ السَّابِعُ) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) تَحَرِّي الشَّيْءِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَصْدُهُ وَتَوَخِّيهِ وَتَعَمُّدُهُ وَتَخْصِيصُهُ بِأَمْرٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14] أَيْ تَوَخَّوْا وَتَعَمَّدُوا، وَهُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى أَيْ أَجْدَرُ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ فَقَوْلُهُ: لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ أَيْ لَا يَقْصِدْ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِتَخْصِيصِهِمَا بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا. وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالصَّحِيحَيْنِ لَا يَتَحَرَّى بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَكَانَ الْوَجْهُ حَذْفُهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةَ جَزْمِهِ وَلَكِنَّ الْإِثْبَاتَ إشْبَاعٌ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] فِيمَنْ قَرَّا بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ فَيُصَلِّيَ بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ وَالنَّوَافِلِ كُلَّهَا غَيْرُ جَائِزٍ شَيْءٌ مِنْهَا أَنْ يُصَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ» وَقَالَ مُسْلِمٌ (بِقَرْنِ الشَّيْطَانِ) ..   Qانْتَهَى. وَضَمَّ إلَى هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَسَتَعْرِفُ أَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ مُجْمَعًا عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ النُّهَى عَنْ تَحَرَّى الصَّلَاة مُقْتَصَر عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا] 1 (الثَّالِثَةُ) اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حَالَتَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ الطُّلُوعِ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَأَنَّ النَّهْيَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ حِينِ تَضَيُّفِ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلِهَا، وَهِيَ حَالَةُ صُفْرَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَتَّى يَبْرُزَ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الِارْتِفَاعِ عَنْ الْأُفُقِ بَلْ الِارْتِفَاعُ الَّذِي يَذْهَبُ مَعَهُ صُفْرَةُ الشَّمْسِ أَوْ حُمْرَتُهَا، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تُنَافِي لَفْظَ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى عِنْدَ حَضْرَةُ الشَّيْءِ فَمَا قَارَبَ الطُّلُوعَ، وَالْغُرُوبَ فَلَهُ حُكْمُهُ لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يُقَارِبُ الطُّلُوعَ مِمَّا بَعْدَهُ، وَمَا يُقَارِبُ الْغُرُوبَ مِمَّا قَبْلَهُ وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ: إنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِطُلُوعِ قُرْصِ الشَّمْسِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الِارْتِفَاعِ مَعَهَا زِيَادَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِلْمٍ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي فَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْغُرُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّغَيُّرِ وَبَعْضُهُمْ بِالِاحْمِرَارِ وَبَعْضُهُمْ بِالِاصْفِرَارِ. (الرَّابِعَةُ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي حَالَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهِيَ حَالَةُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ حَتَّى تَزُولَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْحَسَنُ بْنُ حُيَيِّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، وَالْجُمْهُورُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ عَدَمُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عِنْدَ اسْتِوَائِهَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَكَانَ الْأَفَاضِلُ يُصَلُّونَ حِينَئِذٍ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ لَا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا النَّهْيَ، وَمَا أَدْرَكْت أَهْلَ الْفَضْلِ إلَّا وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ وَيُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ قَالَ فَقَدْ أَبَانَ مَالِكٌ حُجَّتَهُ فِي مَذْهَبِهِ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَطَ النَّهَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَكْرَهُهُ وَلَا أُحِبُّهُ قَالَ: وَمَحْمَلُ هَذَا عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ أَوْ صَحَّ عِنْدَهُ وَاسْتَثْنَى الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ بِالْعَمَلِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ إلَّا تَوْقِيفًا قَالَ وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ وَيُبِيحُ ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ. وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ اللَّيْثِ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ وَأَجَازَ مَكْحُولٌ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ لِلْمُسَافِرِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا نَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يَتَّقُونَ ذَلِكَ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ الصَّلَاة نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالُوا: لَا تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ وَتَمَسَّكُوا بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ حَكَى أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَحْمَدَ فَقَالَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَحَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ انْتَهَى. وَتَمَسَّك الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَدَبَ النَّاسَ إلَى التَّكْبِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَغَّبَ فِي الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ إنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ» قَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ مُرْسَلُ أَبُو الْخَلِيلِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَهُ شَوَاهِدُ، وَإِنْ كَانَتْ أَسَانِيدُهَا ضَعِيفَةً فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَحَبَّ التَّكْبِيرَ إلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ رَغَّبَ فِي الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ» انْتَهَى. وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِوَقْتِ الِاسْتِوَاءِ بَاقِي الْأَوْقَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ أَلْحَقْنَا جَازَ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ فَهَلْ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِكُلِّ أَحَدٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ فِي الْجَامِعِ، وَأَمَّا مَنْ فِي الْجَامِعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَكِّرَ وَيَغْلِبَهُ النُّعَاسُ وَقِيلَ يَكْفِي النُّعَاسُ بِلَا تَبْكِيرٍ. [فَائِدَةٌ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ] (السَّادِسَةُ) صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي حَالَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ» . وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى تَطْلُعَ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْجُمْهُورُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمْ رَأَوْا النَّهْيَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ أَخَفَّ مِنْهُ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَأَبَاحُوا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مَا لَمْ يُبِيحُوهُ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَخَالِدِ بْنَ الْوَلِيدِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ وَمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَحَسْبُك بِضَرْبِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ بِالدِّرَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَّا لِصِحَّةِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ثُبُوتَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ فَدَلَّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تُصَلُّوا، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» . وَقَوْلُهُ «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ» مَعَ قَوْلِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى أَنْ يُصَلَّى فِيهِنَّ» . الْحَدِيثُ مَعَ سَائِرِ الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمَنْهِيَّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ الثَّلَاثَةُ قَالَ وَفِيمَنْ رَوَيْنَا عَنْهُ الرُّخْصَةَ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَوَيْنَا مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَفَعَلَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَمَسْرُوقٌ وَشُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ وَأَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيُّ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا نَفْعَلُهُ وَلَا نَعِيبُ فَاعِلَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِلَالٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ (قُلْت) : الَّذِي فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَكْثَرِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَتِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ بِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِمَا إبَاحَةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ هَذَا مَذْهَبًا ثَالِثًا مُفَصَّلًا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ قَائِلُونَ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تُصَلُّوا، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» . وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا» وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الطُّلُوعِ، وَالْغُرُوبِ قَالُوا فَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ هَذَا مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتُهُ؛ قَالُوا وَمَخْرَجُهُ عَلَى قَطْعِ الذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَوْ أُبِيحَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ لَمْ يُؤْمَنْ التَّمَادِي فِيهَا إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَهِيَ حِينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَحِينَ غُرُوبِهَا. هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لَا يَتَحَرَّى طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (قُلْت) هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ قَالَتْ أُوهِمَ عُمَرُ إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَحَرَّى بِهَا طُلُوعَ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَنِصْفَ النَّهَارِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَتَحْرُمُ فِي سَاعَتَيْنِ حِينَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّمْسِ حَتَّى يَسْتَوِيَ طُلُوعُهَا وَحِينَ تَصْفَرُّ حَتَّى يَسْتَوِيَ غُرُوبُهَا انْتَهَى. وَهُوَ مَذْهَبٌ رَابِعٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْرَهُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ وَهَذَا كَرِهَهَا (فَإِنْ قَلْتَ) هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا فِي كُتُبِهِمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَعَبَّرُوا فِي الصُّوَرِ الْأُخْرَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ (قُلْتُ) هُوَ كَذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُخَالِفُهُمْ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ إلَى هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ وَهُمْ ضَمُّوهَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ. وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلَى التَّحْرِيمِ فِي حَالَتَيْ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ، وَالْكَرَاهَةِ فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَالصُّبْحِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوزُ بَعْدَ الصُّبْحِ أَيْ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ مَاتَتْ عَمَّتِي، وَقَدْ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَجِئْته حِينَ صَلَّيْنَا الصُّبْحَ فَأَعْلَمْته فَقَالَ اجْلِسْ فَجَلَسْت حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَصَفَتْ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهَا قَالُوا فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ، وَهُوَ يُبِيحُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَدْ كَرِهَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ انْتَهَى. فَهَذَا مَذْهَبٌ خَامِسٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ مَنَعَ الصَّلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَجَوَّزَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى الِاصْفِرَارِ لِحَدِيثِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَزَادَ عَلَيْهِ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ فَجَوَّزَهَا إلَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَرَأَى النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخًا. [فَائِدَةٌ النَّهْيَ فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ عَنْ الصَّلَاة مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ] 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّابِعَةُ) الَّذِينَ قَالُوا بِالنَّهْيِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قَدَّمَهَا اتَّسَعَ وَقْتُ النَّهْيِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا ضَاقَ فَأَمَّا فِيمَا بَعْدَ الصُّبْحِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إنَّمَا تَحْصُلُ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ فِعْلِ الصُّبْحِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ سِوَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانُوا يَكْرَهُونَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَنْ يُصَلُّوا إلَّا رَكْعَتَيْنِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ وَحُمَيْدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَالَ: يَا يَسَارُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقَالَ لِيُبْلِغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَيْنِ» وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَانِ وَفِي لَفْظٍ لَهُ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَالَ غَرِيبٌ. وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ إنَّمَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلَهُ قَبْلَهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ فِيهَا بِالزَّمَانِ وَاثْنَانِ يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ فِيهِمَا بِالْفِعْلِ. وَعَدَّهَا النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ ثَلَاثَةً عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَنَسَبَ فِي ذَلِكَ إلَى نَوْعِ تَسَاهُلٍ وَقَالَ هُوَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّ عَدَّهَا خَمْسَةً أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ عَدِّهَا ثَلَاثًا وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ أَنَّ أَحْمَدَ عَدَّهَا ثَلَاثَةً وَعَدَّهَا أَصْحَابُهُ خَمْسَةً. وَكَذَا فَعَلَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ خَلَطَ وَقْتَيْ الْفِعْلِ بِوَقْتَيْ الزَّمَانِ فَأَفْرَدَ الْكَرَاهَةَ فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَجَعَلَهَا وَقْتًا آخَرَ فَقَالَ: إنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ أَرْبَعَةٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتُصَلَّى الصُّبْحُ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَسَنَحْكِي الرَّابِعَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَذَا فَعَلَ الدَّارِمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي إفْرَادِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَعَدَّهَا سَبْعَةً الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ، وَالسَّابِعَةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهٍ عِنْدَنَا وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ اسْتِدْرَاكَ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ نَامَ عَنْ عَادَتِهِ فَقَالُوا يَفْعَلُهُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ وِرْدِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ يَقْرَأُ بَقِيَّةَ وِرْدِهِ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إنَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَجُزْءًا حَسَنًا مِنْ اللَّيْلِ وَكَانَ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَجْرِ بِالْبَقَرَةِ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاة بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ] 1 (الثَّامِنَةُ) زَادَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَقْتًا آخَرَ، وَهُوَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِالدَّلِيلِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي وَعَدْت بِحِكَايَتِهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وَقْتًا آخَرَ، وَهُوَ بَعْدَ الْغُرُوبِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَنَا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَرُدُّهُ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُرَادُ بِحَصْرِ الْكَرَاهَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ وَقْتَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَوَقْتَ صُعُودِ الْإِمَامِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. [فَائِدَةٌ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ] (التَّاسِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ وَلِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ فَاَلَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ لَا تُصَلُّوا، وَالنَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا فِي الرِّسَالَةِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهَلْ تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ لَوْ فَعَلَهَا أَوْ هِيَ بَاطِلَةٌ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بُطْلَانَهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَاسْتَشْكَلَهُ شَيْخُنَا الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى مَا لَا يَنْعَقِدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ تَلَاعُبٌ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصِّحَّةَ كَنَهْيِ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَطْلُوبًا مَنْهِيًّا وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَا كَانَ مَطْلُوبًا. (الْعَاشِرَةُ) حَمَلَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا النَّهْيَ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي صُورَةِ الِاسْتِوَاءِ عَلَى عُمُومِهِ فَطُرِدَ النَّهْيُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَوْ كَانَتْ فَرِيضَةً فَائِتَةً، وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ صَبَّحَ يَوْمَهُ فَلَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ حَتَّى شَرَعَتْ الشَّمْسُ فِي الطُّلُوعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَدِئَهَا حَتَّى يَتِمَّ طُلُوعُهَا وَتَرْتَفِعَ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَصْرُ يَوْمِهِ فَقَالُوا لَهُ فِعْلُهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا، أَتَمَّ وَقَالُوا إنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَيْنِك الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ حَقُّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمُقَدَّمَةِ. وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ مَنَعُوا الصُّبْحَ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَمُنِعَ الْعَصْرُ أَيْضًا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَامَ فِي بُسْتَانٍ عَنْ الْعَصْرِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فَأَمَّا مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ أَوْ مُقَارِنٌ لَهُ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَهَذَا كَالْفَائِتَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ أَوْ مِنْ النَّوَافِلِ الَّتِي اتَّخَذَهَا الْإِنْسَانُ وِرْدًا لَهُ وَكَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيهَا فِي بَابِهَا، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا دَخَلَ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَوْ دَخَلَ لَا لِحَاجَةٍ بَلْ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَقَطْ فَفِيهِ وَجْهَانِ. ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّ أَقْيَسَهُمَا الْكَرَاهَةُ وَشَبَّهَا ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِمَا لَوْ أَخَّرَ الْفَائِتَةَ لِيُصَلِّيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ نَقُلْ بِكَرَاهَةِ فِعْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَالْمَكْرُوهُ هُوَ التَّأْخِيرُ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْمَكْرُوهُ هُنَا دُخُولَهُ الْمَسْجِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ لَا فِعْلَ التَّحِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " وَقَوْلِي أَوَّلًا " مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُقَارِنٌ خَرَجَ بِهِ مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُمَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ مُقَابِلَهُ قَوِيٌّ فَهَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَوَافَقَنَا الْحَنَابِلَةُ عَلَى قَضَاءِ الْفَائِتَةِ إذَا كَانَتْ فَرِيضَةً وَفِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَفَصَلُوا فِي قَضَاءِ النَّافِلَةِ فَقَالُوا فِي الْوِتْرِ: إنَّ لَهُ فِعْلَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا حَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لَهُ قَضَاءَ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَبْلَ فِعْلِ الصُّبْحِ قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَجَوَّزُوا أَيْضًا قَضَاءَ سُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرَ ذَلِكَ إلَى الضُّحَى. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الرَّوَاتِبِ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ جَوَازُ قَضَائِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا كُلُّ صَلَاةٍ لَهَا سَبَبٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ مَنْعُهَا فِي كُلِّ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَقِيلَ بِجَوَازِهَا مُطْلَقًا، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَجَوَّزُوهَا فِيمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ. وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمَنَعُوهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ فَأَشْبَهُوا فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةَ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِجَوَازِهَا فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَاسْتَثْنَوْا مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ عُمُومًا أَيْ الْفَرَائِضُ، فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ رَوَاتِبَ وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَاسْتِدْرَاكَ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ نَامَ عَنْ عَادَتِهِ قَبْلَ فِعْلِ الصُّبْحِ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ فَمَنَعُوهُمَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا كَمَا فَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَضَابِطُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ وَقْتِ الْإِسْفَارِ، وَالِاصْفِرَارِ. وَأَمَّا فِعْلُهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الْإِسْفَارِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ. فَفِيهِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ، وَهُوَ قَادِحٌ فِي نَقْلِ ابْنِ الْمُنْذِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِجْمَاعَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْجَوَازُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ دُونَ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فِي النَّظَرِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ خَبَرٍ ثَابِتٍ وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ انْتَهَى، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ جَوَّزُوا فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مَا لَهُ سَبَبٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ جَوَّزُوا ذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَهُمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ. وَجَوَّزَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ مَا لَهُ سَبَبٌ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْهُ إلَّا فِيهَا، فَإِنْ تَذَكَّرَهُ قَبْلَهَا فَتَعَمَّدَ تَأْخِيرَهُ إلَيْهَا لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ» وَتَمَسَّكَ فِي ذَلِكَ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهَذَا مُخْتَصَرٌ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدُ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ حَدِيثَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ نُقِلَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَعْضِ ذَوَاتِ السَّبَبِ وَبَعْضِهَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ بَعْضِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَبَعْضِهَا فَالْوَاجِبُ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّا فَهِمْنَا مِنْ نَفْسِ الشَّرْعِ تَخْصِيصَ النَّهْيِ بِغَيْرِ ذَاتِ السَّبَبِ فَطَرَدْنَا الْحُكْمَ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَتَحَرَّى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْمَرْءُ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا صَلَاةَ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِهَا، ثُمَّ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَاصِدًا لِذَلِكَ مُفَرِّطًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ فَانْتَبَهَ أَوْ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُتَحَرٍّ لِلصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذَا الْبَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ الطُّلُوعِ أَوْ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَدْ صَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَدَلِيلٌ آخَرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَهَذَا كُلُّهُ يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ التَّطَوُّعُ وَالتَّعَمُّدُ لِتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ وَحَدِيثِ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا إنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَحَدِيثُ النَّهْيِ خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ خَاصٌّ فِي الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ عَامٌّ فِي الْوَقْتِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ، يَعْنِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ لَكِنَّ حَدِيثَ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ لَا يَأْتِي فِيهِ هَذَا الْبَحْثُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ وَحُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ وَقَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَسْمَعُك تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاك تُصَلِّيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُقَالَ إنَّ فِعْلَهُ لَهُمَا مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ أَقْضِيهِمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا فَاتَتَا قَالَ لَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا أَوْضَحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي اخْتَصَّ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ دَائِمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنْ لَمْ تَفُوتَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَلِهَذَا كَانَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ قَضَى فَائِتَةً فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُوَاظَبَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى مِثْلِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُجْعَلْ هَذَا مِنْ الْخَصَائِصِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَةُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَنَا أَصَحُّ دَلَالَةً مِنْهُ وَدَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ جَوَازَ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ قَالَ وَمِمَّنْ طَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَفَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَفَعَلَهُ عُرْوَةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَجْوِيزِ الْوِتْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ إنَّ أَكْثَرَ وِتْرِنَا لَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَالَ لَنِعْمَ سَاعَةُ الْوِتْرِ هَذِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: جَاءَ أُنَاسٌ إلَى أَبِي مُوسَى فَسَأَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُوتِرْ حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ لَا وِتْرَ لَهُ فَأَتَوْا عَلِيًّا فَسَأَلُوهُ فَقَالَ أَغْرَقَ فِي النَّزْعِ الْوِتْرُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ مَكَّةَ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالُوا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَلَا غَيْرُهُمَا وَقِيلَ إنَّمَا يُبَاحُ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَسَوَّى الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَإِسْلَامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجُبَيْرٍ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا إنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهَذَا بِلَا شَكٍّ بَعْدَ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ. (قُلْت) قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا مِمَّا سَمِعَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ كَسَمَاعِهِ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ قَبْلَ إسْلَامِهِ لَكِنَّ مُخَاطَبَتَهُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ بِهَذَا الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ مَكَّةُ دَارَ إسْلَامٍ وَهُوَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ النَّهْيِ قَطْعًا فَلَوْ اسْتَنَدَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى هَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا بِمَكَّةَ» لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَا يُقَوِّيهِ مَعَ قَوْلِ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ. (قُلْت) وَيُطْرَقُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْ الْبَحْثِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ خَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَّةَ بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَرَمِ، ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي حَقِّ مَنْ يَطُوفُ أَمَّا غَيْرُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَهُمَا عَلَى غَرَابَتِهِمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجُمُعَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِحَرَمِ مَكَّةَ خِلَافُ الْأَوْلَى حَكَاهُ عَنْهُ شَيْخُنَا فِي الْمُهِمَّاتِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَتْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صِفَةِ إبْلِيسَ وَجُنُودِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدَةَ عَنْهُ لَفْظُهَا: فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوْ الشَّيْطَانِ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ. وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ هُنَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْهُ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَرَوَاهَا مُسْلِمٌ هُنَا مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْهُ لَفْظُهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْعِلَّةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْكَلَامِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ مُقَارَنَةُ الشَّيْطَانِ لِلشَّمْسِ عِنْدَ دُنُوِّهَا لِلْغُرُوبِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُقَارِنُهَا إذَا طَلَعَتْ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا فَحُرِّمَتْ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ لِذَلِكَ. وَقِيلَ مَعْنَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ قُوَّتُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ قَوْلِك أَنَا مُقْرِنٌ لِهَذَا الْأَمْرِ أَيْ مُطِيقٌ لَهُ قَوِيٌّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ إنَّمَا يَقْوَى أَمْرُهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُسَوِّلُ لِعَبَدَةِ الشَّمْسِ أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقِيلَ قَرْنُهُ حِزْبُهُ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَقِيلَ إنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ وَتَشْبِيهٌ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ تَسْوِيلُ الشَّيْطَانِ لَهُمْ وَتَزْيِينُهُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَذَوَاتُ الْقُرُونِ إنَّمَا تُعَالِجُ الْأَشْيَاءَ وَتَدْفَعُهَا بِقُرُونِهَا فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا دَافَعُوا الصَّلَاةَ وَأَخَّرُوهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ صَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا يُعَالِجُهُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ بِقُرُونِهَا وَتَدْفَعُهُ بِأَرْوَاقِهَا. وَقِيلَ إنَّ الشَّيْطَانَ يُقَابِلُ الشَّمْسَ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَيَنْتَصِبُ دُونَهَا حَتَّى يَكُونَ طُلُوعُهَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهُمَا جَانِبَا رَأْسِهِ فَيَنْقَلِبُ سُجُودُ الْكُفَّارِ لِلشَّمْسِ عِبَادَةً لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَمَعْنَى قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ هُنَا يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ وَإِلَى الْحَقِيقَةِ ذَهَبَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ مُصَرِّحَةٌ بِغُرُوبِهَا عَلَى قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّهَا تُرِيدُ عِنْدَ الْغُرُوبِ السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَأْتِي شَيْطَانٌ يَصُدُّهَا فَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَيُحْرِقُهُ اللَّهُ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ الشَّيْطَانَ حِينَئِذٍ يَجْعَلُهَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ لِيُغَالِطَ نَفْسَهُ فِيمَنْ يَعْبُدُهَا وَيَسْجُدُ لَهَا عِنْدَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، وَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَسْجُدُونَ لَهُ وَقِيلَ قَرْنُهُ عُلُوُّهُ وَارْتِفَاعُهُ بِهَذَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمَجَازُ، وَالِاتِّسَاعُ، وَإِنَّ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ أَوْ قَرْنَهُ الْأُمَّةُ الَّتِي تَعْبُدُ الشَّمْسَ وَتُطِيعُهُ فِي الْكُفْرِ بِاَللَّهِ، وَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَسْجُدُ لَهَا وَيُصَلِّي مَنْ يَعْبُدُهَا مِنْ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَيَعْضُدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ وَفِي رِوَايَةٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ وَقِيلَ قَرْنُهُ قُوَّتُهُ وَسُلْطَانُهُ. وَهُوَ عِبَادَةُ مَنْ عَبَدَهَا حِينَئِذٍ مِمَّنْ أَطَاعَهُ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ فِيهِ قَرْنَا الشَّيْطَانِ نَاحِيَتَا رَأْسِهِ وَقَالَ هَذَا مَثَلٌ أَيْ حِينَ يَتَسَلَّطُ الشَّيْطَانُ وَقِيلَ مَعْنَى قَرْنِهِ مُقَارَنَتُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقِيلَ هُوَ تَمْثِيلٌ أَيْ إنَّ تَأْخِيرَهَا وَدَفْعَهَا عَنْ وَقْتِهَا بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ كَدَفْعِ ذَوَاتِ الْقُرُونِ لِمَا تَدْفَعُهُ انْتَهَى. وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْوَجْهَ الْأَخِيرَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَعَزَا لِلْخَطَّابِيِّ الْجَزْمَ بِالْوَجْهِ الرَّابِعِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ حَكَى هُنَا خَمْسَةَ أَوْجُهٍ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 بَابُ الْأَذَانِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فَيَقُولَ لَهُ: اُذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ وَقَالَ «فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ» وَلَمْ يَقُلْ مِنْ قَبْلُ، وَالْبَاقِي مِثْلُهُ سَوَاءٌ،   Q [بَابُ الْأَذَانِ] [حَدِيث إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ] ِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ وَيَقُولَ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ وَقَالَ «فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ» وَلَمْ يَقُلْ مِنْ قَبْلُ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ سَوَاءٌ فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) النِّدَاءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْأُولَى أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ الْأَذَانُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى «لِلصَّلَاةِ» وَفِي الثَّانِيَةِ «بِالصَّلَاةِ» وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. يُقَالُ نُودِيَ لِلصَّلَاةِ وَبِالصَّلَاةِ وَإِلَى الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] وَالتَّثْوِيبُ: بِالثَّاءِ الْمُثَنَّاةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ الْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا: إقَامَةُ الصَّلَاةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ» وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّثْوِيبِ هُنَا قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى تَثْوِيبًا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِأَذَانِ الصُّبْحِ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ أَذَانٍ وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّثْوِيبَ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ فَصْلٌ يَحْضُرُ فِيهِ الشَّيْطَانُ، وَالتَّثْوِيبُ الَّذِي فِي الصُّبْحِ لَا فَصْلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ بَلْ هُوَ فِي أَثْنَائِهِ. وَأَصْلُ التَّثْوِيبِ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مُسْتَصْرِخًا فَيَلُوحَ بِثَوْبِهِ لِيُرَى وَيُشْتَهَرَ فَسُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا لِذَلِكَ، وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ تَثْوِيبًا مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إذَا رَجَعَ فَالْمُؤَذِّنُ رَجَعَ بِالْإِقَامَةِ إلَى الدُّعَاءِ لِلصَّلَاةِ قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: فَحَنَتْ نَاقَتِي فَعَلِمْت أَنِّي ... غَرِيبٌ حِينَ ثَابَ إلَيَّ عَقْلِي وَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ رَأَيْنَا التَّأْكِيدَ خُطَّةَ عَجْزٍ ... مَا شَفَعْنَا الْأَذَانَ بِالتَّثْوِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُقَالُ ثَوَّبَ الدَّاعِي إذَا كَرَّرَ دُعَاءَهُ إلَى الْحَرْبِ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ أَوْجُهُهُمْ ... لَا يَنْكُلُونَ إذَا مَا ثَوَّبَ الدَّاعِي وَقَالَ آخَرُ لَخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُمْ ... إذَا الدَّاعِي الْمُثَوِّبُ قَالَ يَا لَا وَقَوْلُهُ قُضِيَ النِّدَاءُ وَقُضِيَ التَّثْوِيبُ أَيْ فُرِغَ مِنْهُ. 1 - (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ يَخْطُرُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ. قَالَ: ضَبَطْنَاهُ عَنْ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ وَسَمِعْنَا مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِالضَّمِّ قَالَ: وَالْكَسْرُ هُوَ الْوَجْهُ وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ خَطَرَ الْفَحْلُ بِذَنَبِهِ إذَا حَرَّكَهُ يَضْرِبُ بِهِ فَخْذَيْهِ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَمِنْ السُّلُوكِ وَالْمُرُورِ أَيْ يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَيَشْغَلُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُونَ لِلْمُوَطَّأِ فَقَالَ الْبَاجِيَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ إقْبَالِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِخْلَاصِهِ وَبِالْأَوَّلِ فَسَّرَهُ الْخَلِيلُ. 1 - (الثَّالِثَةُ) الْمَرْءُ الْإِنْسَانُ وَفِيهِ سَبْعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَتَغَيُّرُهَا بِاعْتِبَارِ إعْرَابِ اللَّفْظَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً فَالْمِيمُ مَضْمُومَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مَا يَدْرِي» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «لَا يَدْرِي» بَدَلَ «إنْ يَدْرِي» وَإِنْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لِلنَّفْيِ   Qوَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً فَالْمِيمُ مَفْتُوحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَجْرُورَةً فَالْمِيمُ مَكْسُورَةٌ وَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ امْرُؤٌ بِزِيَادَةِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَمَعَ فَتْحِهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَمَعَ تَغَيُّرِهَا بِاعْتِبَارِ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ حَكَاهُنَّ فِي الصِّحَاحِ إلَّا اللُّغَةَ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ فَحَكَاهُمَا فِي الْمُحْكَمِ وَأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي خِرَاشٍ جَمَعْت أُمُورًا يُنْفِدُ الْمَرْءُ بَعْضَهَا ... مِنْ الْحِلْمِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْحَسَبِ الضَّخْمِ وَقَالَ هَكَذَا رَوَاهُ السُّكْرِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةُ هُذَيْلٍ انْتَهَى. وَيُثَنَّى فَيُقَالُ: الْمَرْءَانُ، وَلَا جَمْعَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبَا الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَالْجَمْعُ مَرْءُونُ وَمِنْهُ فِي الْحَدِيثِ «أَيُّهَا الْمَرْءُونُ» وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ حَدِيثَ الْحَسَنِ أَحْسِنُوا مَلَأَكُمْ أَيُّهَا الْمَرْءُونُ وَقَالَ هُوَ جَمْعُ الْمَرْءِ. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ لِطَائِفَةٍ رَآهُمْ أَيْنَ يُرِيدُ الْمَرْءُونُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هَذِهِ مَرْأَةٌ صَالِحَةٌ وَمَرَّةٌ أَيْضًا بِتَرْكِ الْهَمْزِ وَتَحْرِيكِ الرَّاءِ بِحَرَكَتِهَا وَهَذِهِ امْرَأَةٌ مَفْتُوحَةَ الرَّاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (الرَّابِعَةُ) : الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ «حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى» بِفَتْحِ الظَّاءِ مِنْ يَظَلُّ وَكَسْرِ إنْ فَيَظَلُّ إحْدَى نَوَاسِخِ الِابْتِدَاءٍ تَرْفَعُ الِاسْمَ وَتَنْصِبُ الْخَبَرَ. وَمَعْنَاهَا فِي الْأَصْلِ اتِّصَافُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ نَهَارًا وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى يَصِيرُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] وَقِيلَ بِمَعْنَى يَبْقَى وَيَدُومُ وَإِنْ نَافِيَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «لَا يَدْرِي» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «مَا يَدْرِي» وَالثَّلَاثَةُ حُرُوفُ نَفْيٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الرِّوَايَةُ فِي أَنْ هَهُنَا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ بِالْفَتْحِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ لَا يَدْرِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ «حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» وَمَنْ رَوَاهَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَمَعْنَاهُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، وَإِنْ بِمَعْنَى مَا كَثِيرٌ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَنْ لَا تَكُونُ نَفْيًا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ النَّحْوِيِّينَ حَكَى ذَلِكَ الْوَجْهَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَدْرِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَدْرِي وَتَكُونُ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْوَجْهُ   Qهِيَ النَّاصِبَةَ لِلْفِعْلِ، وَيَكُونُ يَضِلُّ بِضَادٍ غَيْرِ مُشَالَةٍ مِنْ الضَّلَالِ الَّذِي هُوَ الْحَيْرَةُ كَمَا يُقَالُ ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَحَارُ الرَّجُلُ وَيَذْهَلُ عَنْ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَتَكُونُ أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِسُقُوطِ حَرْفِ الْجَرِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الضَّلَالِ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ الْخَطَأَ فَتَكُونُ الضَّادُ مَكْسُورَةً كَقَوْلِهِ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] وَتَكُونُ أَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ ضَلَّ الَّتِي بِمَعْنَى أَخْطَأَ لَا يَحْتَاجُ تَعَدِّيهَا إلَى حَرْفِ الْجَرِّ قَالَ طَرَفَةُ وَكَيْفَ يَضِلُّ الْقَصْدُ وَالْحَقُّ وَاضِحٌ ... وَلِلْحَقِّ بَيْنَ الصَّالِحِينَ سَبِيلُ قَالَ وَلَوْ رُوِيَ حَتَّى يُضِلَّ الرَّجُلَ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى لَكَانَ وَجْهًا صَحِيحًا يُرِيدُ بِهِ حَتَّى يُضِلَّ الشَّيْطَانُ الرَّجُلَ عَنْ دِرَايَةِ كَمْ صَلَّى وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ كَذَا لَكِنَّهُ لَوْ رُوِيَ لَكَانَ وَجْهًا صَحِيحًا فِي الْمَعْنَى غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ مُرَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَفْرِقَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بَيْنَ لَا وَمَا فَجَعَلَ رِوَايَةَ الْفَتْحِ بِمَعْنَى لَا وَرِوَايَةَ الْكَسْرِ بِمَعْنَى مَا مَعَ أَنْ لَا وَمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ثُمَّ إنَّهُ أَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يُعْرَفُ قَوْلُهُ يَظَلُّ إلَّا بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَلَا يُتَّجَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي إنْ إلَّا الْكَسْرُ وَلَا يُتَّجَهُ فِيهَا الْفَتْحُ إلَّا مَعَ الضَّادِ السَّاقِطَةِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهِيَ رِوَايَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ رَوَى يَضِلُّ بِالضَّادِ بِمَعْنَى يَنْسَى وَيَذْهَبُ وَهْمُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَمَا حَكَيْتُهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ ضَبْطِهِ أَنْ هُنَا بِالْفَتْحِ وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْأَصِيلِيُّ فَضَبَطَهَا بِالْفَتْحِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمَا حَكَيْتُهُ عَنْ الْمُعْتَرَضِ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ أَيْضًا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ: وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ النَّفْيِ وَتَقْدِيرُ لَا مَعَ الْفَتْحِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمَعْنَى مَا، وَالنَّفْيُ مَعَ الْكَسْرِ. قَالَ: وَفَتْحُهَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى «يَضِلُّ» بِالضَّادِ فَيَكُونُ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ بَعْدَهَا بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، وَمَفْعُولُ ضَلَّ أَيْ يَجْهَلُ دِرَايَتَهُ وَيَنْسَى عَدَدَ رَكَعَاتِهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى الْفَتْحِ مُعَارَضٌ بِنَقْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى الْكَسْرِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ، وَمَا حَكَاهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ الْوَجْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ بِفَتْحِ أَنْ النَّاصِبَةِ وَبِالضَّادِ الْمَكْسُورَةِ..   Qحَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ بِفَتْحِ " أَنْ " النَّاصِبَةِ وَبِالضَّادِ الْمَكْسُورَةِ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِ إنَّمَا تَعَرَّضَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِي أَنْ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَوْنَ الضَّادِ سَاقِطَةً هَذَا هُوَ الَّذِي وَقَعْت عَلَيْهِ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالتَّمْهِيدِ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي فَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ يَكُونُ يَضِلُّ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ، وَأَلْزَمَهُ ذَلِكَ إذْ لَا يُمْكِنُ مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ أَنْ يَكُونَ يَظَلُّ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ. [فَائِدَةٌ مَعْنَى إدْبَارِ الشَّيْطَانِ وَهُرُوبِهِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَان] 1 (الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى فِي إدْبَارِ الشَّيْطَانِ وَهُرُوبِهِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: إنَّمَا يَهْرُبُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْإِعْلَانِ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ وَإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ كَمَا يَفْعَلُ يَوْمَ عَرَفَةَ لِمَا يَرَى مِنْ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى شَهَادَةِ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ فَيَيْأَسُ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَمَّا أَعْلَنُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُوقِنُ بِالْخَيْبَةِ بِمَا تَفَضَّلَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ مِنْ ثَوَابِ ذَلِكَ وَيَذْكُرُ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَمُضَادَّتَهُ أَمْرَهُ فَلَا يَمْلِكُ الْحَدَثَ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْخَوْفِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَحْوَهُ، وَقِيلَ: إنَّمَا أَدْبَرَ عِنْدَ الْأَذَانِ لِئَلَّا يَسْمَعَهُ فَيَضْطَرَّ إلَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَسْمَعُ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا قَدْ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلًا أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ. وَقَالَ لَا يُقْبَلُ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ خِلَافِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الذُّعْرِ وَالْخِزْيِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْأَذَانِ تُفَزَّعُ مِنْهُ الْقُلُوبُ مَا لَا تُفَزَّعُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ وَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَيُدْبِرُ الشَّيْطَانُ لِشِدَّةِ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبَبُ إدْبَارِهِ عِظَمُ أَمْرِ الْأَذَانِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَوَاعِدِ التَّوْحِيدِ وَإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَانِهِ، وَقِيلَ لِيَأْسِهِ مِنْ الْوَسْوَسَةِ عِنْدَ الْإِعْلَانِ بِالتَّوْحِيدِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا السُّجُودُ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ لَمَّا أُمِرَ بِهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ مَا لَمْ يَذْكُرْ يَخْلِطُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَكَانَ فِرَارُهُ مِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا السُّجُودُ أَوْلَى لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَا يَلْزَمُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ إذْ لَعَلَّ نِفَارُهُ إنَّمَا كَانَ مِنْ سَمَاعِ الْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ بِذَلِكَ لَا مِنْ رُؤْيَتِهِ لِيُغَالِطَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ دُعَاءً وَلَا خَالَفَ أَمْرًا (قُلْت) : أَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي جَوَابِ اعْتِرَاضِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ نَفْرَتَهُ عِنْدَ الْأَذَانِ إنَّمَا هُوَ تَصْمِيمٌ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَاسْتِمْرَارٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ إلَيْهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِأَوَامِرِهِ فَإِذَا دَعَا دَاعِي اللَّهِ فَرَّ مِنْهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَاسْتَخَفَّ بِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ حَضَرَ مَعَ الْمُصَلِّينَ غَيْرَ مُشَارِكٍ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ بَلْ سَاعِيًا فِي إبْطَالِهَا عَلَيْهِمْ، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ مِمَّا لَوْ غَابَ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَ حُضُورُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ مِنْ جِنْسِ نَفْرَتِهِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَمِنْ مَهِيعٍ وَاحِدٍ. وَمَقْصُودُهُ بِالْأَمْرَيْنِ الِاسْتِخْفَافُ بِأَوَامِرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَدَمُ الِانْقِيَادِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْحِكْمَةُ فِي تَصْوِيتِ الشَّيْطَان عِنْدَ إدْبَارِهِ مِنْ سَمَاع الْأَذَان] 1 (السَّادِسَةُ) وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي تَصْوِيتِهِ عِنْدَ إدْبَارِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِسَمَاعِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْحَدَثِ عَنْ سَمَاعِ الْأَذَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الِاسْتِخْفَافُ بِالْمُؤَذِّنِ وَبِمَا يَقُولُهُ كَمَا يُعْهَدُ مِنْ حَالِ الْمُسْتَخِفِّينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. (السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ «وَلَهُ ضُرَاطٌ» : هَذَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ هُوَ جِسْمٌ مُتَغَذٍّ يَصِحُّ مِنْهُ خُرُوجُ الرِّيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ وَاسْتِعَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالنِّفَارِ كَمَا يَعْتَرِي الْحِمَارَ (قُلْت) : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ كَمَا قَدَّمْتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ فَضْلُ الْأَذَانِ وَعِظَمُ قَدْرِهِ] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ فَضْلُ الْأَذَانِ وَعِظَمُ قَدْرِهِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرُبُ مِنْهُ وَلَا يَهْرُبُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَحْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ» وَيَكْفِي هَذَا فِي فَضْلِ الْأَذَانِ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ] 1 (التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ إلَى غَايَةٍ لَا يَسْمَعُ فِيهَا الْأَذَانَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ زَادَ الشَّيْطَانُ فِي الْإِبْعَادِ وَلَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِ فِعْلِ الْأُمُورِ الَّتِي تُبْعِدُ الشَّيْطَانَ وَتَطْرُدُهُ، وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الرَّفْعِ زِيَادَةٌ لَهُ فِي الْإِبْعَادِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ حَتَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ لَيْسَ غَايَةً لِلْإِبْعَادِ فِي الْإِدْبَارِ بَلْ غَايَةً لِلزِّيَادَةِ فِي الضُّرَاطِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْصِدُ بِمَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ تَصْمِيمَ أُذُنِهِ عَنْ سَمَاعِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَتِهِ فِي الْإِبْعَادِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ قَالَ سُلَيْمَانُ يَعْنِي الْأَعْمَشَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّوْحَاءِ فَقَالَ: هِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا» . [فَائِدَةٌ هَلْ الْأَذَان أَفْضَلُ أُمّ الْإِمَامَةِ] (الْعَاشِرَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ صَحَّحَ تَفْضِيلَ الْإِمَامَةِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ قَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذَانِ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَاضِيَانِ ابْنُ كَجٍّ وَالْحُسَيْنُ وَالْمَسْعُودِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أُحِبُّ الْأَذَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنَيْنِ» وَأَكْرَهُ الْإِمَامَةَ لِلضَّمَانِ، وَمَا عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا، وَإِذَا أَمَّ انْبَغَى أَنْ يَتَّقِيَ وَيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ فِي الْإِمَامَةِ، فَإِنْ فَعَلَ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَوَّلَ هَذَا النَّصِّ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَذَانِ مُطْلَقًا وَأَغْفَلَ بَقِيَّتَهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا جِنْسُ الشَّيْطَانٍ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنْ الشَّيَاطِينِ دُونَ وَاحِدٍ وَالشَّيْطَانُ كُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْجِنِّ أَوْ الْإِنْسِ أَوْ الدَّوَابِّ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا شَيَاطِينُ الْجِنِّ خَاصَّةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالشَّيْطَانِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ إبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ. [هُرُوبُ الشَّيْطَانِ مِنْ الْأَذَانِ] 1 فَائِدَةٌ هَلْ يَتَوَقَّفُ هُرُوبُ الشَّيْطَانِ مِنْ الْأَذَانِ عَلَى كَوْنِهِ أَذَانًا شَرْعِيًّا مُسْتَجْمِعًا لِلشُّرُوطِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) هَلْ يَتَوَقَّفُ هُرُوبُ الشَّيْطَانٍ مِنْ الْأَذَانِ عَلَى كَوْنِهِ أَذَانًا شَرْعِيًّا مُسْتَجْمِعًا لِلشُّرُوطِ وَاقِعًا فِي الْوَقْتِ مَقْصُودًا بِهِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ يَهْرُبُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِصُورَةِ الْأَذَانِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي الْأَوَّلُ. وَكَلَامُ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ الثَّانِيَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ «أَرْسَلَنِي أَبِي إلَى بَنِي حَارِثَةَ وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا أَوْ صَاحِبٌ لَنَا فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ قَالَ وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ: لَوْ شَعَرْت أَنَّك تَلْقَى هَذَا لَمْ أُرْسِلْك وَلَكِنْ إذَا سَمِعْت صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَإِنِّي سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حِصَاصٌ» وَالْحِصَاصُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الضُّرَاطُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَقِيلَ شِدَّةُ الْعَدْوِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّ شَيْئًا مِنْ الْخَلْقِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَوَّلَ فِي غَيْرِ خَلْقِهِ وَلَكِنْ لِلْجِنِّ سَحَرَةٌ كَسَحَرَةِ الْإِنْسِ فَإِذَا خَشِيتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأَذِّنُوا بِالصَّلَاةِ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: اُسْتُعْمِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَلَى مَعْدِنِ ابْنِ سُلَيْمٍ وَكَانَ مَعْدِنًا لَا يَزَالُ يُصَابُ فِيهِ النَّاسُ مِنْ الْجِنِّ فَلَمَّا وَلِيَهُمْ شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ بِالْأَذَانِ وَأَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِهِ فَفَعَلُوا فَارْتَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى الْيَوْمِ قَالَ مَالِكٌ وَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ مِنْ رَأْيِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. [فَائِدَةٌ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا وَأَرَادَ أَنْ يَتَذَكَّرَهُ فَلْيُصَلِّ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا، وَأَرَادَ أَنْ يَتَذَكَّرَهُ فَلْيُصَلِّ وَيُجْهِدْ نَفْسَهُ فِيهَا مِنْ تَخْلِيصِ الْوَسْوَسَةِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا بُدَّ أَنْ يُحَاوِلَ تَسْهِيَتَهُ وَإِذْكَارَهُ أُمُورَ الدُّنْيَا لِيَصُدَّهُ عَنْ إخْلَاصِ نِيَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَجُلًا دَفَنَ مَالًا ثُمَّ غَابَ عَنْهُ سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ قَدِمَ فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَهْتَدِ لِمَكَانِهِ فَقَصَدَ أَبَا حَنِيفَةَ فَأَعْلَمَهُ بِمَا دَارَ لَهُ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَاخْلُصْ نِيَّتَك لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا تُجْرِ عَلَى قَلْبِك شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا ثُمَّ عَرِّفْنِي بِأَمْرِك فَفَعَلَ ذَلِكَ فَذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ مَكَانَ الْمَالِ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى أَبَا حَنِيفَةَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: مِنْ أَيْنَ دَلَلْتَهُ عَلَى هَذَا - يَرْحَمُك اللَّهُ - فَقَالَ اسْتَدْلَلْت مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلِمْت أَنَّ الشَّيْطَانَ سَيَرْضَى أَنْ يُصَالِحَهُ بِأَنْ يُذَكِّرَهُ مَوْضِعَ مَالِهِ وَيَمْنَعَهُ الْإِخْلَاصَ فِي صَلَاتِهِ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حُسْنِ انْتِزَاعِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. [فَائِدَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي أَفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ انْطِبَاقُ أَوَّلِهَا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُفْصَلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِزَمَنٍ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا انْطِبَاقُ أَوَّلِهَا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَاظَبُوا عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَنْطَبِقَ أَوَّلُ التَّكْبِيرَةِ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ شَاذٌّ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ. [فَائِدَةٌ الْفِكْرَ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّهْوَ فِيهَا] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِكْرَ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّهْوَ فِيهَا لَا يُبْطِلُهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ. [حَدِيثٌ إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ] الْحَدِيثُ الثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ، وَزَادَ قَالَتْ «وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا كَانَ قَدْرَ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا»   Qوَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ وَزَادَ قَالَتْ «وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا كَانَ قَدْرَ مَا يَنْزِلُ هَذَا، وَيَرْقَى هَذَا» . وَفِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ جَوَازُ الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَرَجَعَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ بِالْمَنْعِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ عَجِّلُوا الْأَذَانَ بِالصُّبْحِ يُدْلِجُ الْمُدْلِجُ وَتَخْرُجُ الْعَاهِرَةُ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ بَعْدَ النِّدَاءِ بِالصُّبْحِ لَحِزْبًا حَسَنًا إنَّ الرَّجُلَ لَيَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَعَنْ حِبَّانَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ أَتَيْت عَلِيًّا يُدِيرُ أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالَ إذَنْ فَاطْعَمْ فَقُلْت: إنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ قَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ فَطَعِمَ فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ ابْنَ النَّبَّاحِ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ لَا يَأْمُرُ بِالْإِقَامَةِ إلَّا بَعْدَ النِّدَاءِ وَحِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ أَمَرَ بِالْإِقَامَةِ فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى مَنْعِ الْأَذَانِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حُيَيِّ. قَالُوا: فَإِنْ أَذَّنَ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَ الْأَذَانَ بَعْدَهُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ شَيَّعْنَا عَلْقَمَةَ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجْنَا بِلَيْلٍ فَسَمِعَ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ نَائِمًا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَذَّنَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قُلْت لِنَافِعٍ إنَّهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ مَا كَانَ النِّدَاءُ إلَّا مَعَ الْفَجْرِ. وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الرَّجُلُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ يُوقِظُ النَّاسَ فَغَضِبَ وَقَالَ عُلُوجٌ أَفْرَاعٌ لَوْ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَأَوْجَعَ جَنُوبَهُمْ مَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّمَا صَلَّى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِإِقَامَةٍ لَا أَذَانَ فِيهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالُوا لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَعِدْ أَذَانَك. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبًا ثَالِثًا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ يُؤَذِّنُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْآخَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلصُّبْحِ إذَا كَانَ هَكَذَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ مَا يُتِمُّ الْمُؤَذِّنُ أَذَانَهُ وَيَنْزِلُ مِنْ الْمَنَارَةِ أَوْ الْعُلُوِّ وَيَصْعَدُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ وَيَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ، وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ فَرَجَعَ فَنَادَى أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَصَحَّحَ وَقْفَهُ عَلَى عُمَرَ فِي أَذَانِ مُؤَذِّنٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: " أَحَدُهَا " ضَعْفُهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي دَاوُد وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ ". ثَانِيهَا " أَنَّهُ عَارَضَهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ» الْحَدِيثَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مَعَ فِعْلِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْهُ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ» . قُلْت: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ قَالَ لَا لَمْ يَزَلْ الْأَذَانُ عِنْدَنَا بِلَيْلٍ " ثَالِثُهَا " قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ زَمَانِ الْهِجْرَةِ فَإِنَّ الثَّابِتَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ثُمَّ يُؤَذِّنُ بَعْدَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ مَعَ الْفَجْرِ، وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ هَذَا الْأَذَانَ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ لِلسُّحُورِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرِهِ أَجَابَ بِمَعْنَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قَالَ «لَمَّا كَانَ أَوَّلُ أَذَانِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي يَعْنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذَّنْت، فَجَعَلْت أَقُولُ أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: لَا حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا أَذَانَ لَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ بِاللَّيْلِ إنَّمَا كَانَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ جَوَّزَ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يَكُونَ بِلَالٌ كَانَ يُؤَذِّنُ فِي وَقْتٍ يَرَى أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ لِضَعْفِ بَصَرِهِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّ فِي بَصَرِهِ شَيْئًا» قَالَ الطَّحَاوِيُّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُرِيدُ الْفَجْرَ فَيُخْطِئُهُ لِضَعْفِ بَصَرِهِ. (قُلْت) : وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ» يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ طَرِيقَتَهُ وَعَادَتَهُ دَائِمًا. وَلَوْ كَانَ لَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا لِخَطَأٍ لَمْ يَقَعْ إلَّا نَادِرًا فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْغَالِبَ إصَابَتُهُ لَمَا رُتِّبَ مُؤَذِّنًا وَاعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي الْأَوْقَاتِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيُرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ» الْحَدِيثَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الذَّاهِبُونَ إلَى الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ذَاتُ فَضْلٍ وَهِيَ تَأْتِي فِي حَالِ نَوْمٍ فَلَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ لَمَا تَمَكَّنُوا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ الْإِسْفَارِ كَثِيرًا فَشُرِعَ الْأَذَانُ لَيْلًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ كَيْ يَنْتَبِهَ النَّاسُ وَيَتَأَهَّبُوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. وَهَذَا أَصْلٌ لِمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَذَانِ الصُّبْحِ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِكَوْنِهِ شَرَعَ لِلنَّاسِ التَّكْبِيرَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ. [فَائِدَةٌ يُؤَذَّنَ لِلْفَجْرِ مَرَّتَيْنِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلْفَجْرِ مَرَّتَانِ مَرَّةً قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَرَّةً بَعْدَهُ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا. قَالُوا: فَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى أَذَانٍ وَاحِدِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى الْأَذَانِ لَهَا قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ. [فَائِدَة الْوَقْت الَّذِي يُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ فِيهِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُؤَذَّنُ لِلصُّبْحِ فِيهِ وَفِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا: يُقَدَّمُ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَنْ رَجَّحَهُ اعْتَمَدَ حَدِيثًا بَاطِلًا مُحَرَّفًا. (قُلْت) وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ قَالَ: أَذَّنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُبَاءَ وَفِي زَمَنِ عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أَذَانُنَا لِلصُّبْحِ لِوَقْتٍ وَاحِدٍ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ وَنِصْفٍ يَبْقَى وَفِي الصَّيْفِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْهُ. (وَالثَّانِي) : يُقَدَّمُ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ. (وَالثَّالِثُ) يَدْخُلُ بِذَهَابِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُهُ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ. (وَالرَّابِعُ) وَقْتُهُ النِّصْفُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي جَابِرٍ قَالَ كَانَ مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ دِمَشْقَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي السَّحَرِ بِقَدْرِ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ سِتَّةَ أَمْيَالٍ فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَكْحُولٌ وَلَا يَقُولُ فِيهِ شَيْئًا. (وَالْخَامِسُ) جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لَهُ وَهَذَا شَاذٌّ. (وَالسَّادِسُ) : أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ فِي السَّحَرِ قُبَيْلَ الْفَجْرِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا قَدْرُ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْبَغَوِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فَهَذِهِ الْأَوْجُهُ السِّتَّةُ فِي مَذْهَبِنَا وَبَعْضُهَا فِي غَيْرِ مَذْهَبِنَا كَمَا حَكَيْته فِيمَا تَقَدَّمَ. (وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ سَابِعٌ) أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْأَذَانِ لَهَا لِسُدُسٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُمَكِّنُ الْجُنُبَ وَالْمُعْتَصِرَ وَالْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَأَهِّبَ لِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ أَمْرِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الْجَمَاعَةِ فَجَعَلُوهُ تَقْدِيرًا لِذَلِكَ كُلِّهِ. (فَإِنْ قُلْت) وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ ثَامِنٌ: أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (قُلْت) قَدْ فَسَّرَهُ الْحَاكِي لَهُ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَتَمَةُ الَّتِي تُصَلَّى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ نِصْفُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثُهُ فَعَادَ هَذَا إلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ كَمَا قَدَّمْته فَلَيْسَ مَذْهَبًا زَائِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (الْخَامِسَةُ) : هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي رَوَاهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ صَرِيحَةٌ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِهَا «إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا   Qأَنَّ الْقَائِلَ وَلَا أَعْلَمُهُ «إلَّا كَانَ قَدْرَ مَا يَنْزِلُ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ فِيهَا قَالَتْ لَكِنْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَالَ الْقَاسِمُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَمِدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَيَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ فِي غَيْرِهَا مُدْرَجًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فَفِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْقَاسِمُ أَيْ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ أَيْ عَنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ ذِكْرَهَا لَتُوُهِّمَ أَنَّهَا فِي الْإِسْنَادَيْنِ مَعًا، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَاسِمَ قَالَهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَحْمَدَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ شَهْرَ رَمَضَانَ] (السَّادِسَةُ) اسْتَثْنَى أَحْمَدُ مِنْ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: إنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِ الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ النَّاسُ بِهِ فَيَتْرُكُوا سَحُورَهُمْ وَهَذَا تَخْصِيصٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَإِذَا عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْمُؤَذِّنِ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَغْتَرَّ النَّاسُ بِأَذَانِهِ فَيَتْرُكُوا سَحُورَهُمْ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْقَطَّانِ قَالَ فِي بَيَانِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: إنَّ بِلَالًا إنَّمَا كَانَ يُؤَذِّنُ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً فَهَذَا عَكْسُ الْمَحْكِيِّ عَنْ أَحْمَدَ وَلَمْ أَعْلَمْ مُسْتَنَدَ ابْنِ الْقَطَّانِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ أَحْمَدَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُكْرَهَ فِي حَقِّ مَنْ عُرِفَتْ عَادَتُهُ بِالْأَذَانِ فِي اللَّيْلِ لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِاللَّيْلِ لِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَيُرْجِعَ قَائِمَكُمْ» . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَنْ يَجْعَلَ أَذَانَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي اللَّيَالِي كُلِّهَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْوَقْتِ تَارَةً وَقَبْلَهُ أُخْرَى فَيَقَعُ الْإِلْبَاسُ انْتَهَى. (السَّابِعَةُ) رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُنَيْسَةَ بِنْتِ خُبَيْبِ «إذَا أَذَّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّ الْمَحْفُوظَ وَالصَّوَابَ الْأَوَّلُ؛ وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا نُوَبٌ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا..   Qوَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُنَيْسَةَ بِنْتِ خُبَيْبِ «إذَا أَذَّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا» وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مُعَارِضَتَانِ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ الْمَحْفُوظَ وَالصَّوَابَ الْأَوَّلُ وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نُوَبٌ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَنَظِيرُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُعَارَضَةِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ «لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك الْفَجْرُ هَكَذَا وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا» لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ: إنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا وَأَيْضًا فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ هَذَا إسْنَادٌ مَجْهُولٌ مُنْقَطِعٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَلَا يُقْبَلُ لِضَعْفِهِ وَانْقِطَاعِهِ انْتَهَى. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هَذَا الْكَلَامَ لِبِلَالٍ فِي نَوْبَتِهِ الَّتِي كَانَ يَتَأَخَّرُ فِيهَا أَذَانُهُ وَيَتَقَدَّمُ فِيهَا أَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نُوَبٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَبْلَ أَنْ يُنَصَّبَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ حَمْلُ أَذَانِ بِلَالٍ بِلَيْلٍ عَلَى رَمَضَانَ خَاصَّةً وَتَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ عَكْسُ ذَلِكَ فَكَرِهَ الْأَذَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً فَيُجْعَلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى رَمَضَانَ وَالْآخَرِ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْمُخْبِرِ] 1 (الثَّامِنَةُ) : اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْمُخْبِرِ بِأَنْ يَكُونَ وَرَاءَ حِجَابٍ إذَا كَانَ عَارِفًا بِالصَّوْتِ وَاعْتُمِدَ فِي ذَلِكَ عَلَى إخْبَارِ ثِقَةٍ فَإِنَّ «ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَمْ يَكُنْ يُشَاهِدُ مَا يَعْرِفُ بِهِ دُخُولَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا كَانَ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى إخْبَارِ مَنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» وَأَيْضًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي اللَّيْلِ وَظُلْمَتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُمَيِّزَ صَوْتَ بِلَالٍ مِنْ صَوْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الْآخَرِ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ. وَعَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ مَنْعُهُ لِاحْتِمَالِ الِاشْتِبَاهِ. وَأَمَّا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الصَّوْتِ فِيهَا، وَبَابُ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ وَبِالِاحْتِيَاطِ أَجْدَرُ، وَمَنْ جَوَّزَ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ جَوَازُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى عَلَى الصَّوْتِ لِأَنَّهُ مَيَّزَ صَوْتَ مَنْ عَلَّمَهُ الْوَقْتَ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَقَامَ أَذَانُهُ عَلَى قَبُولِهِ مَقَامَ شَهَادَةِ الْمُخْبِرِ لَهُ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ جَوَازُ كَوْنِ الْمُؤَذِّنِ أَعْمَى] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ أَعْمَى، وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ إذَا كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ كَمَا كَانَ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا وَحْدَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَعْمَى مُنْفَرِدٍ لَا يَكُونُ مَعَهُ بَصِيرٌ يُعْلِمُهُ الْوَقْتَ انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَذَانَ الْأَعْمَى إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا فِي أَذَانِ الْأَعْمَى فَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ إقَامَتَهُ وَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ مُؤَذِّنَ النَّخَعِيّ كَانَ أَعْمَى وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُعَرِّفُهُ الْوَقْتَ لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ إنَّمَا كَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدَ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت انْتَهَى. (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ مُؤَذِّنَانِ بِالْمَدِينَةِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةُ مُؤَذِّنِينَ بِلَالٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الضُّبَعِيُّ وَالْخَبَرَانِ صَحِيحَانِ فَمَنْ قَالَ كَانَ: لَهُ مُؤَذِّنَانِ أَرَادَ اللَّذَيْنِ كَانَا يُؤَذِّنَانِ بِالْمَدِينَةِ، وَمَنْ قَالَ: ثَلَاثَةٌ أَرَادَ أَبَا مَحْذُورَةَ الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ بِمَكَّةَ. (قُلْت) وَكَانَ لَهُ مُؤَذِّنٌ رَابِعٌ وَهُوَ سَعْدُ الْقَرَظِ أَذَّنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُبَاءَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِرَارًا ثُمَّ صَارَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنًا بِالْمَدِينَةِ لَمَّا تَرَكَ بِلَالٌ الْأَذَانَ، وَأَذَّنَ لَهُ زِيَادُ بْنُ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ «إنَّ أَخَا صُدَاءَ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَاتِبًا وَلِهَذَا عُدَّ مُؤَذِّنُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأُحِبُّ أَنْ أَقْتَصِرَ فِي الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا حَفِظْنَا أَنَّهُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَانِ وَلَا نُضَيِّقُ إنْ أَذَّنَ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ فِي جَوَازِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ بِقِصَّةِ عُثْمَانَ فَقَالَ: وَمَعْرُوفٌ أَنَّهُ زَادَ فِي عَدَدِ الْمُؤَذِّنِينَ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةً وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَلَّا يُزَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ مُؤَذِّنِينَ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنْكَرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالُوا إنَّمَا الضَّبْطُ بِالْحَاجَةِ وَرُؤْيَةِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فَعَلَهُ، وَإِنْ رَأَى الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَزِدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ فَأَكْثَرُ فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ تَرَتَّبُوا فِي الْأَذَانِ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا أَذَّنُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَقَفُوا مَعًا وَأَذَّنُوا وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ اخْتِلَافُ الْأَصْوَاتِ إلَى تَشْوِيشٍ فَإِنْ أَدَّى لَمْ يُؤَذِّنْ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنْ تَنَازَعُوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنْ أَذَّنُوا عَلَى التَّرْتِيبِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِهَا إنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَذِّنَ الرَّاتِبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ غَيْرَ الرَّاتِبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الرَّاتِبَ أَوْلَى. وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَلَوْ أَقَامَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ اُعْتُدَّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ لَا يُعْتَدُّ بِالْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ السَّابِقِ بِالْأَذَانِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ وَاحِدٌ وَيُصَلِّيَ آخَرُ. أَمَّا إذَا أَذَّنُوا مَعًا فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى إقَامَةِ وَاحِدٍ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إلَّا وَاحِدٌ إلَّا إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْكِفَايَةُ بِوَاحِدٍ وَقِيلَ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمُوا مَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّشْوِيشِ. [فَائِدَةٌ تَقْلِيدِ الْأَعْمَى لِلْبَصِيرِ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ أَوْ جَوَازِ اجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْأَعْمَى لِلْبَصِيرِ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ أَوْ جَوَازِ اجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ أَعْمَى وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ طُلُوعَ الْفَجْرِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَمِمَّا يُرَجِّحُ أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّدُ قَوْلَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» ..   Qوَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَلَوْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ جَوَازُ رُجُوعِهِ لِاجْتِهَادٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمٌ لَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ. [فَائِدَةٌ نِسْبَةِ الْإِنْسَانِ إلَى أُمِّهِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِسْبَةِ الْإِنْسَانِ إلَى أُمِّهِ وَفِي الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ عُرِفُوا بِذَلِكَ مِنْهُمْ ابْنُ بُحَيْنَةَ وَيَعْلَى بْنُ مُنْيَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ الْبَرْصَاءِ وَغَيْرُهُمْ وَحُكِيَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ فَنَهَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ قُلْ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى أُمِّهِ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْنَا مِنْك يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ الْجَوَازِ مَا يَكْرَهُهُ الْمُلَقَّبُ، وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَحْمَدُ عَلَى طَرِيقِ الْأَدَبِ لَا اللُّزُومِ. [فَائِدَةٌ كَوْنُ الْأَذَانُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ لِقَوْلِهِ «يَنْزِلُ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ: أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْإِقَامَةُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدٌ كَبِيرٌ تَدْعُو الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى الْعُلُوِّ لِلْإِعْلَامِ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] [حَدِيث لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ] بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ انْتِفَاءُ الْقَبُولِ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنْ فَسَّرْنَاهُ بِأَنَّهُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ فَيُقَالُ: الْغَرَضُ مِنْ الصَّلَاةِ وُقُوعُهَا مُجْزِئَةً بِمُطَابَقَتِهَا لِلْأَمْرِ فَإِذَا حَصَلَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْفَرْضُ ثَبَتَ الْقَبُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ. وَإِذَا ثَبَتَ الْقَبُولُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ثَبَتَتْ الصِّحَّةُ وَإِذَا انْتَفَى الْقَبُولُ انْتَفَتْ الصِّحَّةُ وَقَدْ حَرَّرَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذَا بَحْثًا؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْقَبُولِ قَدْ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ مَعَ ثُبُوتِ الصِّحَّةِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً وَكَمَا وَرَدَ فِيمَنْ أَتَى عَرَّافًا وَفِي شَارِبِ الْخَمْرِ وَإِنْ فَسَّرْنَاهُ بِأَنَّهُ كَوْنُ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَيْهَا فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الصِّحَّةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ قَالَ: وَهَذَا إنْ نَفَعَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ فِيهَا الْقَبُولُ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْقَبُولِ مِنْ لَوَازِمِ الصِّحَّةِ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَتْ فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ. وَيُحْتَاجُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ عَنْهَا الْقَبُولُ مَعَ بَقَاءِ الصِّحَّةِ إلَى جَوَابٍ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْقَبُولَ بِكَوْنِ الْعِبَادَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا أَوْ مُرْضِيَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا أُتِيَ بِهَا مُطَابِقَةً الْأَمْرَ كَانَتْ سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ وَالظَّوَاهِرُ فِي ذَلِكَ لَا تُحْصَى انْتَهَى. وَقَدْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ لِلْقَبُولِ تَفْسِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَوْنُ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَيْهَا وَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ نَفْيُ الصِّحَّةِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَلْزَمُ بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي إلَّا عَلَى الْبَحْثِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَبُولُ فِي أَلْسِنَةِ السَّلَفِ الرِّضَا قَبِلْت الشَّيْءَ رَضِيته وَأَرَدْته وَالْتَزَمْت الْعِوَضَ عَنْهُ فَقَبُولُ اللَّهِ لِلْعَمَلِ هُوَ رِضَاهُ بِهِ وَثَوَابُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا فَسَّرَ صَاحِبَا الْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ الْقَبُولَ بِأَنَّهُ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا، وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ عَلَى فُلَانٍ قَبُولٌ إذَا قَبِلَتْهُ النَّفْسُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَكَوْنِهَا مُسْتَوِيَةً فِي نَفْيِ الْقَبُولِ فَانْتَفَتْ الصِّحَّةُ مَعَهُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْقَبُولِ نَفْيُ الصِّحَّةِ لَكِنَّا نَنْظُرُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُفِيَ فِيهَا الْقَبُولُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ قَدْ اقْتَرَنَتْ بِهِ مَعْصِيَةٌ عَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ ذَلِكَ الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ لِوُجُودِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ غَيْرَ مَرْضِيٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ لِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ فِيهِ، وَهَذَا كَصَلَاةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ وَآتِي الْعَرَّافِ فَهَؤُلَاءِ إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُمْ لِلْمَعْصِيَةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ مَعْصِيَةٌ فَعَدَمُ قَبُولِهِ إنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَهَذَا كَصَلَاةِ الْمُحْدِثِ وَالْمَرْأَةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَإِنَّ الْحَدَثَ وَكَشْفَ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا حَيْثُ لَا يَرَاهَا الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَعَدَمُ قَبُولِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ ضِدَّ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ ضِدُّ الْكَشْفِ وَهُوَ السَّتْرُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَفُقِدَتْ الصِّحَّةُ لِفَقْدِ شَرْطِهَا فَاعْتَبِرْ مَا ذَكَرْته تَجِدْ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ مَاشِيَةً عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ وَلَا اضْطِرَابٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ] 1 (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «صَلَاةَ أَحَدِكُمْ» مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ صَلَاةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ. [فَائِدَةٌ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ] 1 وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ حُكْمَ الْوُضُوءِ حُكْمُ مَا تَوَضَّأَ لَهُ مِنْ نَافِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ وَأَمَّا سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَإِنْ أَدْخَلْنَاهُمَا فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ فَقَدْ تَنَاوَلَهَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ نَدْخُلْهُمَا فِي مُسَمَّى الصَّلَاةِ فَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ حُكْمَهُمَا كَحُكْمِ الصَّلَاةِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ، وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا شُعْبَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا حَتَّى إنَّ الصَّلَاةَ تُسَمَّى سُجُودًا، فَقَدْ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ» أَيْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِمَا وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ جَهَالَةٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَنْزِلُ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَيُهْرِيقُ الْمَاءَ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَيَسْجُدُ وَمَا تَوَضَّأَ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ قَالَ يَسْجُدُ حَيَّتْ كَانَ وَجْهُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الْحَائِضِ تَسْمَعُ السَّجْدَةَ أَنَّهَا تُومِئُ بِرَأْسِهَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَتَقُولُ اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهِيَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ لَا مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَفِيمَا نَقَلَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ كَوْنُهَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ بِالتَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى أَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهَا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ. [فَائِدَةٌ صَلَاةُ فَاقِد الطَّهُورَيْنِ] (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَزَادَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ أَيْضًا قَالَ: لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا لِعَدَمِ شَرْطِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِهَا حَالَةَ عَدَمِ شَرْطِهَا فَلَا يَتَرَتَّبُ شَيْءٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا تُقْضَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ نَافِعٍ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الطَّهَارَةُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الْبِنَاءِ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فَقَالَ: سَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ يَعْنِي فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الطَّهَارَةِ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ فَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَمَّنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ، أَوْ شَرْطًا فِي الْأَدَاءِ فَيَقِفُ الْفِعْلُ عَلَى الْوُجُودِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ وَلَا الْقَضَاءُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا أَعْرِفُ كَيْفَ أُقْدِمُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ هَذَا الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ مَعَ خِلَافِهِ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَعَامَّةَ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةَ الْمَالِكِيِّينَ قَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مَهْجُورٌ شَاذٌّ مَرْغُوبٌ عَنْهُ انْتَهَى. وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أُخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَذَاهِبُ لِعُلَمَاءَ: (أَحَدُهَا) : أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ الطَّهُورَيْنِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. (الثَّانِي) يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا تَمَكَّنَ. (الثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ أَصَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُصَلِّي إذَا قَدَرَ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِإِرَادَةِ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ أَحَدَهُمَا وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ صَلَّى (الرَّابِعُ) تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَشْهَبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ، وَلِهَذَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلَيْنِ وَهَذَا الْقَوْلُ الرَّابِعُ قَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا. قَالَ: وَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيّ كُلُّ صَلَاةٍ أُمِرَ بِفِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلًا سَادِسًا أَنَّهُ يُومِئُ إلَى التَّيَمُّمِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاَلَّذِي أَقُولُ أَنَّهُ إنَّمَا يُومِئُ إلَى الْمَاءِ لَا إلَى التَّيَمُّمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا فَإِنَّ أَحَدَ الْأَقْوَالِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَالْآخَرُ تَحْرِيمُهَا، وَقِيَاسُ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ تَرَجُّحُ فِعْلِهَا وَحَمَلَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَأَخْرَجُوا الْعَاجِزَ عَنْ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلُّوا لِوُجُوبِهَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الطَّهَارَةِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ» وَقَالَ الشَّيْخُ فَتْحُ الدِّينِ الْعُمَرِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْمُشَبَّهُ لَا يَقْوَى قُوَّةَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الطَّوَافُ صَلَاةٌ» أَيْ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِجَوَازِ الْكَلَامِ فِيهِ، وَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ وَيُرَدُّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ إبَاحَةُ الْكَلَامِ فِيهِ وَالْمَشْيِ، وَلَيْسَا مِمَّا يُبَاحُ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فِي مَوَاضِعَ: (أَحَدُهَا) فِي قَوْلِهِ: إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّوَافُ صَلَاةٌ» أَيْ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَيَكُونُ لَفْظُ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ وَالطَّوَافِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. (ثَانِيهَا) فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِجَوَازِ الْكَلَامِ فِيهِ فَيَقُولُ قَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَاةٌ فَثَبَتَ لَهُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. (ثَالِثُهَا) فِي قَوْلِهِ وَكَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ فَنَقُولُ: هَذَا قِيَاسٌ مُعَارِضٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَيْضًا فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا تُصَحِّحُ الْقِيَاسَ ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (رَابِعُهَا) فِي قَوْلِهِ وَيُرَدُّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ إبَاحَةُ الْكَلَامِ فِيهِ وَالْمَشْيِ وَلَيْسَا مِمَّا يُبَاحُ فِي الصَّلَاةِ فَنَقُولُ هَذَا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ يُشْتَرَطُ فِي الطَّوَافِ إلَّا مَا يُسْتَثْنَى، وَإِبَاحَةُ الْكَلَامِ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَالْمَشْيُ مُسْتَثْنًى بِفِعْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ اسْمُ الطَّوَافِ شَرْعًا إلَّا بِالْمَشْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» وَأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ مُتَطَهِّرًا، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْحَجِّ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَقْدِ الطَّهَارَةِ] 1 (السَّادِسَةُ) قَدْ تَقَرَّرَ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَقْدِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّلَاعُبِ بِتَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ بَلْ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكَفَّرُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُكَفَّرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِالِاعْتِقَادِ وَهَذَا الْمُصَلِّي اعْتِقَادُهُ صَحِيحٌ. [فَائِدَةٌ الْمُعَان الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْحَدَثُ] (السَّابِعَةُ) الْحَدَثُ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ: (أَحَدُهَا) : الْخَارِجُ الْمَخْصُوصُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ حَيْثُ يَقُولُونَ: الْأَحْدَاثُ كَذَا وَكَذَا. (الثَّانِي) : نَفْسُ خُرُوجِ ذَلِكَ الْخَارِجِ. (الثَّالِثُ) الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ الْخُرُوجِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ قَوْلُنَا رَفَعْت الْحَدَثَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُمَا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَكُونَ وَقَعَا إذْ هُمَا وَقَعَا بِخِلَافِ الْمَعْنَى الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمَنْعُ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِلْمَنْعِ غَايَةً وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمُكَلَّفِ الطَّهُورَ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ صَحَّ قَوْلُهُ نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ رَفْعَ ذَلِكَ الْمَنْعِ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَخْصُوصَةِ. (الرَّابِعُ) : وَصْفٌ حُكْمِيٌّ يُقْدَرُ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ يَنْزِلُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحِسِّيِّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى الرَّابِعِ وَأَقْرَبُ مَا يُذْكَرُ فِيهِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ قَدْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَانِعُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ. وَالْمَسْأَلَةُ مُتَنَازَعٌ فِيهَا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ انْتِقَالُ مَانِعٍ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ (قُلْت) : الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «احْتَلَمْت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزَاةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَشْفَقْت أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ فَتَيَمَّمْت ثُمَّ صَلَّيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِأَصْحَابِي فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا عَمْرُو وَصَلَّيْت بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْت إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْخَارِجِ قَدْ زَالَ ثُمَّ أَثْبَتَ لَهُ وَصْفَ الْجَنَابَةِ بِقَوْلِهِ وَأَنْتَ جُنُبٌ وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ الْوَصْفَ الْحُكْمِيَّ الْمُقَدَّرَ وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْعُ قَدْ زَالَ وَإِنْ اخْتَصَّ زَوَالُهُ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ كَفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ وُجُودِهِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَبِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْمَنْعُ إلَّا مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمَنْ يَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ لَا يُثْبِتُ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَقُولُ: إذَا زَالَ الْمَنْعُ لَمْ يَبْقَ حَدَثٌ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي وَلَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَنْعِ فَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ إذَا أَحْدَثَ عَلَى الْمَنْعِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ. (فَإِنْ قُلْت) إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ قَالَ يَحْرُمُ عَلَى أَحَدِكُمْ الصَّلَاةُ إذَا أَحْدَثَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى أَحْدَثَ هُنَا: مَنَعَ لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْقَبُولِ وَلَا امْتِنَاعَ فِي أَنْ يُقَالَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ. (قُلْت) قَدْ قُرِّرَتْ دَلَالَةُ نَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَدَلَالَةُ نَفْيِ الصِّحَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَالتَّحْرِيمُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُنَا جَمِيعُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ] 1 (الثَّامِنَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدَثِ هُنَا جَمِيعُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَهِيَ مُفَصَّلَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: قَوْلُهُ «أَحْدَثَ» كِنَايَةٌ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُعْتَادًا فِي جِنْسِهِ وَأَوْقَاتِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُلِّ أَصْحَابِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالشَّافِعِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْخَارِجُ النَّجَسُ وَحْدَهُ فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَرَجَ نَقَضَ وَأَوْجَبَ انْتَهَى. وَفِيهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِالْخَارِجِ الْمَخْصُوصِ فَسَائِرُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ أَحْدَاثٌ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا سَنَحْكِي كَلَامَهُ (ثَانِيهِمَا) فِي نَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْخَارِجِ كَوْنُهُ نَجِسًا بَلْ لَوْ كَانَ طَاهِرًا كَالدُّودِ وَالْحَصَى نَقَضَ أَيْضًا. (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالنَّقْضِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَرَجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ إلَّا فِيمَا إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ فَإِنْ انْفَتَحَ فَوْقَهَا أَوْ انْفَتَحَ تَحْتَهَا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ أَيْضًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْصُلُ النَّقْضُ بِكُلِّ خَارِجٍ نَجَسٍ مِنْ الْبَدَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْت: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَلَعَلَّهُ قَامَتْ لَهُ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ اقْتَضَتْ هَذَا التَّخْصِيصَ انْتَهَى. وَلِذَلِكَ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الرِّيحِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ فِي رِوَايَتِهِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْأَحْدَاثِ لِأَنَّهُ أَجَابَ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ الْمُصَلِّي يُحْدِثُ فِي صَلَاتِهِ فَخَرَجَ جَوَابُهُ عَلَى مَا يَسْبِقُ الْمُصَلِّيَ مِنْ الْأَحْدَاثِ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْمُلَامَسَةَ غَيْرُ مَعْهُودَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُصَلِّي إذْ أَمْرُهُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ فِي الطَّهَارَةِ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْيِينَ الْأَحْدَاثِ وَتَعْدَادَهَا قَالَ: وَالْأَحْدَاثُ الَّتِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ سِوَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِأَيِّ حَالٍ زَالَ وَالنَّوْمُ الْكَثِيرُ وَالْأَحْدَاثُ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهَا الْقُبْلَةُ وَالْجِسَةُ وَمَسُّ الذَّكَرِ وَالرُّعَافُ وَدَمُ الْفَصْدِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَادِرًا غَيْرُ مُعْتَادٍ مِثْلَ سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالدُّودِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَذًى، وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: إنَّمَا اُسْتُعْمِلَ هَذَا اللَّفْظُ حِرْصًا عَلَى الْبَيَانِ، وَلَيْسَ هَذَا عَادَةَ كَلَامِهِ مِثْلَ «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَنِكْتَهَا لَا يُكَنِّي» وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُخَاطِبُ رَجُلًا أَعْجَمِيًّا مِنْ حَضْرَمَوْت وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْمُصَلِّي يُحْدِثُ فِي صَلَاتِهِ فَأَجَابَ عَلَى مَا يَسْبِقُ الْمُصَلِّيَ مِنْ الْأَحْدَاثِ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ حِكْمَةِ رَبْطِ الطَّهَارَةِ بِالْأَحْدَاثِ] 1 (التَّاسِعَةُ) تَكَلَّمَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ عَلَى حِكْمَةِ رَبْطِ الطَّهَارَةِ بِالْأَحْدَاثِ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ مُسْتَحْسَنَةٌ عَقْلًا وَعَادَةً، وَلَوْ لَزِمَ فِعْلُهَا كُلَّ وَقْتٍ لَتَعَذَّرَ أَوْ شَقَّ فَعُلِّقَتْ بِحَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَنَّهَا أَوْلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ وَجَبَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَشَقَّ وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ نِهَايَةٍ يَنْقَضِي حُكْمُهَا بِوُجُودِهَا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النِّهَايَةُ عَدَدًا مَخْصُوصًا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَجِبُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَجُعِلَتْ نِهَايَتُهَا خُرُوجَ أَشْيَاءَ مِنْ الْبَدَنِ مُسْتَقْذَرَةٍ جَرَتْ الْعَادَاتُ الْحَسَنَةُ بِاجْتِنَابِهَا وَإِزَالَتِهَا وَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ أَحْدَاثًا ثُمَّ كَانَ زَوَالُ الْعَقْلِ يُزِيلُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الرَّائِحَةِ وَلَا يَخْلُو فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ عَنْ اقْتِرَانِ نَدَاوَةٍ بِهَا فَحُسِمَ الْبَابُ وَأُلْحِقَتْ بِالْغَائِطِ وَنَحْوِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ يُزِيلُ التَّكْلِيفَ وَهُوَ أَشْنَعُ الْأَشْيَاءِ وَأَفْظَعُهَا فَأُلْحِقَ لِذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الطَّهَارَةَ إنَّمَا تَقَعُ بِمَا يُتَنَظَّفُ بِهِ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْبَدَنِ إمَّا مُسْتَخْبَثٌ كَالْبَوْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ غَيْرُ مُسْتَخْبَثٍ كَالْعَرَقِ وَالْبُزَاقِ وَنَحْوِهِمَا فَاخْتَصَّتْ بِخُرُوجِ الْمُسْتَخْبَثِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى التَّنْظِيفِ مِنْهُ قَالَ: ثُمَّ إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - نَبَّهَنَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْآثَامِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْبَدَنِ مُسْتَخْبَثٌ كَالْمَعْصِيَةِ وَغَيْرُ مُسْتَخْبَثٍ كَالطَّاعَةِ فَانْقَسَمَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ قِسْمَيْنِ كَانْقِسَامِ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَفْعَالِ الْبَدَنِ قِسْمَيْنِ وَكَانَ التَّطْهِيرُ لَازِمًا لِلْمَذْمُومِ مِنْهُمَا فِي النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ رَبْطَ الطَّهَارَةِ بِالْأَحْدَاثِ عِبَادَةٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهَا قَالَ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّ فِي تَعْلِيقِهَا بِالْأَحْدَاثِ مَعْنًى مَعْقُولًا فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ صَحِيحًا انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْقَفَّالِ وَذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ مُسْتَقَرَّ الشَّيْطَانِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فِي مَوْضِعِ الْفُضُولِ فَإِذَا خَرَجَ رِيحُ الْفُضُولِ أَوْ بَلَّتُهُ فَهُوَ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ وَلِذَلِكَ نَجَسَ بِنَجَاسَةِ الشَّيْطَانِ وَكُفْرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ لَزِمَ مِنْهُ التَّطْهِيرُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَأَوْجَبَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا نَجَسَ لِكَوْنِهِ مِنْ مُسْتَقَرِّ الشَّيْطَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ النِّصْفِ الْأَعْلَى مِنْ النُّخَامَةِ وَالْبَلْغَمِ وَالْبُصَاقِ لَيْسَ نَجِسًا وَالدَّمُ وَالْعُذْرَةُ وَالْبَوْلُ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ وَمَجْلِسِهِ فَهُوَ نَجِسٌ بِنَجَاسَتِهِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ خَرَجَ وَلَا يُنْظَرُ مِنْ أَيِّ حَدٍّ خَرَجَ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ مِنْ أَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَرَجَ قَالَ: وَقَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَشْبَهُ بِالْحَقِّ انْتَهَى. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ «حَتَّى يَتَوَضَّأَ» مَعْنَاهُ حَتَّى يَتَطَهَّرَ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ أَوْ الْغَالِبَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ خَاصَّةً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَقِيَ عَدَمُ الْقَبُولِ مُمْتَدًّا إلَى غَايَةِ الْوُضُوءِ وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا فَيَقْتَضِي ذَلِكَ قَبُولَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا، وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْوُضُوءِ لَهَا ثَانِيًا. (قُلْت) قَدْ يُقَالُ تَحْصُلُ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْوُضُوء وَمَا بَعْدَهُ بِقَبُولِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَهُ إذْ قَبْلَهُ لَا يُقْبَلُ شَيْءٌ أَصْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَيَّدَ عَدَمَ الْقَبُولِ بِشَرْطِ الْحَدَثِ، وَمَفْهُومُهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَمَفْهُومُهُ هُنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْدِثْ تُقْبَلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ وُضُوءًا. [فَائِدَةٌ مُوجِب الطَّهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَدْ يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِأَصَحِّ الْأَوْجُهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ بِالْحَدَثِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا. وَالثَّالِثُ تَجِبُ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَطْ. [فَائِدَةٌ الْمُحْدِث فِي صَلَاتِهِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ تَرْكِ الْحِيَلِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ هُنَاكَ بَابًا فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِهِ مَعْنَاهُ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْمُحْدِثَ فِي صَلَاتِهِ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا يَبْنِي وَحُجَّتُهُمَا هَذَا الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» . قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَلَا يَخْلُو فِي الْحَالِ انْصِرَافُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ أَحْدَثَ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا لِقَوْلِهِ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» وَهَذَا غَيْرُ مُتَطَهِّرٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ، وَكُلُّ حَدَثٍ مَنَعَ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ مَنَعَ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ الْمَنِيُّ اسْتَأْنَفَ بِالِاتِّفَاقِ مِنَّا وَمِنْهُمْ فَإِنْ احْتَجُّوا بِالرُّعَافِ أَنَّهُ يَبْنِي قِيلَ الرُّعَافُ عِنْدَنَا لَا يُنَافِي حُكْمَ الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثُ يُنَافِيهَا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَرُدُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ مَنْ قَعَدَ فِي الْجَلْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِالسَّلَامِ وَلَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْهَا بِمَا يُفْسِدُهَا إذَا عَرَضَ فِي خِلَالِهَا كَالْحَجِّ لَا يُتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ لَوْ طَرَأَ فِيهِ أَفْسَدَهُ انْتَهَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاَللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى يَغْتَسِلُ مَعَنَا إلَّا أَنَّهُ آدَرُ قَالَ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ قَالَ فَجَمَحَ مُوسَى بِإِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى سَوْأَةِ مُوسَى وَقَالُوا وَاَللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، فَقَامَ الْحَجَرُ بَعْدُ حَتَّى نَظَرَ إلَيْهِ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا» فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " وَاَللَّهِ إنَّ بِالْحَجَرِ نَدَبًا سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً ضَرَبَ مُوسَى بِالْحَجَرِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا حَيِيًّا وَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ نُزُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: 69] » ..   Q [حَدِيثٌ كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فَقَالُوا وَاَللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى يَغْتَسِلُ مَعَنَا إلَّا أَنَّهُ آدَرُ قَالَ فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ قَالَ فَجَمَحَ مُوسَى بِإِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى سَوْأَةِ مُوسَى وَقَالُوا وَاَللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فَقَامَ الْحَجَرُ بَعْدُ حَتَّى نَظَرَ إلَيْهِ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاَللَّهِ إنَّ بِالْحَجَرِ نَدَبًا سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً ضَرَبَ مُوسَى بِالْحَجَرِ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) إسْرَائِيلُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قَالَ فِي الصِّحَاحِ يُقَالُ هُوَ مُضَافٌ إلَى إيَّلَ يَعْنِي وَإِيَّلُ اسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إيَّلَ لَا تُعْرَفُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَصَرَّفْ آخِرُ الِاسْمِ فِي وُجُوهِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَكَانَ آخِرُهُ مَجْرُورًا أَبَدًا كَعَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَقَدْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ فَإِنَّ مَا ادَّعُوهُ لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْأَخْفَشُ هُوَ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ قَالَ وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ إسْرَايِينُ بِالنُّونِ كَمَا قَالُوا جِبْرِينُ وَإِسْمَاعِينُ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاغْتِسَالُهُمْ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ هَلْ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ جَوَازُهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْمَلُ خِلَافَهُ أَوْ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ مَنْعُهُ كَمَا فِي شَرْعِنَا وَكَانَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ مِنْ عِصْيَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فِي شَرْعِ مُوسَى إذْ ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ يَعْنِي الِاغْتِسَالَ وَحْدَهُ حَيَاءً وَأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى قَوْمِهِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ لِقَوْمِهِ حَتَّى نَظَرُوا إلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّمَا كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ تَفْعَلُ هَذَا مُعَانَدَةً لِلشَّرْعِ وَمُخَالَفَةً لِمُوسَى وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ عُتُوِّهِمْ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِاتِّبَاعِ شَرْعِ مُوسَى أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَتِرُ عِنْدَ الْغُسْلِ فَلَوْ كَانُوا أَهْلَ تَوْفِيقٍ وَعَقْلٍ اتَّبَعُوهُ ثُمَّ لَمْ تَكْفِهِمْ مُخَالَفَتُهُمْ لَهُ حَتَّى آذَوْهُ بِمَا نَسَبُوا إلَيْهِ مِنْ آفَةِ الْأُدْرَةِ فَأَظْهَرَ اللَّهُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا قَالُوا فِيهِ بِطَرِيقٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ زِيَادَةً فِي أَدِلَّةِ صِدْقِ مُوسَى وَمُبَالَغَةً فِي قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ وَأَمَّا اغْتِسَالُ بَنِي إسْرَائِيلَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَيَدُلُّ أَنَّهُمْ كَانُوا عُصَاةً لَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُقْتَدِينَ بِسُنَّتِهِ إذْ كَانَ هُوَ يَغْتَسِلُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَيَطْلُبُ الْخَلْوَةَ فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ اغْتِسَالُهُمْ عُرَاةً فِي غَيْرِ الْخَلْوَةِ عَنْ عِلْمِ مُوسَى وَإِقْرَارِهِ لِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْنَا فِعْلُهُ لِأَنَّ فِي شَرِيعَتِنَا الْأَمْرَ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ عَنْ أَعْيُنِ الْآدَمِيِّينَ وَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْنَا انْتَهَى. وَأَشَارَ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ مُوسَى بِقَوْلِهِ فِيهِ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ مُدَاوَاةٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِمَّا رُمِيَ بِهِ مِنْ الْعُيُوبِ كَالْبَرَصِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوَاءِ الَّتِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَتَحَاكَمُ النَّاسُ فِيهَا مِمَّا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْبَصَرِ لَهَا فَلَا بَأْسَ بِرُؤْيَةِ الْعَوْرَاتِ لِلْبَرَاءَةِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِإِثْبَاتِ الْعُيُوبِ فِيهِ وَالْمُعَالَجَةِ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ الْأَخِيرِ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ فِيهِ جَوَازُ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْبَالِغِينَ لِإِقَامَةِ حَقٍّ وَاجِبٍ كَالْخِتَانِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَظْهَرُ وَمُجَرَّدُ تَسَتُّرِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَدُلُّ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى أَمَرَهُمْ بِالتَّسَتُّرِ وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ التَّكَشُّفَ وَأَمَّا إبَاحَةُ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ لِلْبَرَاءَةِ مِمَّا رُمِيَ بِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَى الْعَيْبِ حُكْمٌ كَفَسْخِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ. فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ عَيْبًا يَفْسَخُ بِهِ فِي الْعَوْرَةِ جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ لِيُرَتَّب عَلَيْهِ الْفَسْخُ أَوْ مَنْعُهُ وَأَمَّا قَضِيَّةُ السَّيِّدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَيْسَ هُنَاكَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ مُلْزِمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْلَا إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ لَمَا مَكَّنَهُمْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَلَا خَرَجَ مَارًّا عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا اغْتِسَالُهُ خَالِيًا فَكَانَ يَأْخُذُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْأَكْمَلِ وَالْأَفْضَلِ وَخَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ عُرْيَانًا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ وَهِيَ إظْهَارُ الْبَرَاءَةِ مِمَّا اخْتَلَقُوهُ عَلَيْهِ مَعَ إبَاحَةِ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي الشَّرْعِ الْأَوَّلِ مَا وَقَعَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقْتَ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مِنْ جَعْلِ إزَارِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ بِإِشَارَةِ الْعَبَّاسِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَرْفَقَ بِهِ فِي نَقْلِ الْحِجَارَةِ وَلَوْلَا إبَاحَتُهُ لَمَا فَعَلَهُ لَكِنَّهُ أَلْزَمَ بِالْأَكْمَلِ وَالْأَفْضَلِ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ إبَاحَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ فِي حَالَةِ الِاغْتِسَالِ] 1 (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ أَيْ عُرْيَانًا» فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ فِي حَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَذَهَبَ إلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَدْخُلُوا الْمَاءَ إلَّا بِمِئْزَرٍ فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَامِرًا» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْمَلِ، وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ بِإِسْنَادٍ فِيهِ جَهَالَةٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ يَغْتَسِلُ فِي بَحْرٍ وَلَا نَهْرٍ إلَّا وَعَلَيْهِ إزَارُهُ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ إنَّ لَهُ عَامِرًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ وَرَوَى بُرْدٌ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ بِلَيْلٍ فِي فَضَاءٍ فَلْيَتَحَاذَرْ عَلَى عَوْرَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ لَمَمٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» وَفِي مُرْسَلَاتِ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَغْتَسِلُوا فِي الصَّحْرَاءِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا مُتَوَارًى فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مُتَوَارًى فَلْيَخُطَّ أَحَدُكُمْ كَالدَّائِرَةِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَغْتَسِلُ فِيهَا» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ إنِّي لَأَغْتَسِلُ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ فَأَحْنِي ظَهْرِي إذَا أَخَذْت ثَوْبِي حَيَاءً مِنْ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَنْهُ أَيْضًا مَا أَقَمْت صُلْبِي فِي غُسْلِي مُنْذُ أَسْلَمْت. [فَائِدَةٌ هَلْ كَانَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاجِبًا فِي شَرِيعَة مُوسَى] 1 (الثَّالِثَةُ) وَجْهُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مُوَافَقَةُ ابْنِ بَطَّالٍ وَالْقُرْطُبِيِّ عَلَى أَنَّهُ كَانَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وُجُوبَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَإِنَّ تَكَشُّفَ بَنِي إسْرَائِيلَ حَالَةَ اغْتِسَالِهِمْ مُجْتَمِعِينَ إنَّمَا كَانَ مِنْ عُتُوِّهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ وَمِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي أُمِرَ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِيهَا حَالَةُ الصَّلَاةِ بَلْ هِيَ أَوْلَى الْأَحْوَالِ بِذَلِكَ وَالصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى عَدَمِ وُرُودِ نَاسِخٍ فِيهَا وَهِيَ وُرُودُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِتَقْرِيرِهَا وَمُوَافَقَتِهَا وَإِذَا ثَبَتَ الْأَمْرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ كَانَ كَشْفُهَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَإِذَا كَانَ الْكَشْفُ فِي الصَّلَاةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي الْعِبَادَاتِ خَاصَّةً كَمَا قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ وَهَذَا مِنْ النَّهْيِ فِي الْعِبَادَاتِ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى الْفَسَادِ. وَمَتَى قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ وَدَلَالَةُ انْتِفَاءِ الْعُقُولِ عَلَى انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْضًا، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ السَّهْوِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ سُنَّةٌ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ هَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلَوَاتِ أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ قَوْلَانِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ فِيهَا فَهَلْ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ حَكَى فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ وَإِنَّمَا الْمَذْهَبُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ هَلْ هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَيْنِ أَبَا إِسْحَاقَ وَابْنَ بُكَيْر وَالشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ السَّتْرَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهَذَا يُعَضِّدُ مَا حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ وَيُحَقِّقُهُ انْتَهَى. وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى اشْتِرَاطِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَمَتَى انْكَشَفَ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَا يَضُرُّ انْكِشَافُ شَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الْعَوْرَةِ وَقَدَّرَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ السَّوْأَتَيْنِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ وَفِيمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ الْعَوْرَةِ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا إعَادَةَ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَعَنْهُ فِي النِّصْفِ رِوَايَتَانِ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بَلْ جَعَلُوا الْيَسِيرَ مَا لَا يَفْحُشُ وَمَرْجِعُ ذَلِكَ لِلْعَادَةِ وَأَمَّا قَدْرُ الْعَوْرَةِ الَّتِي تُسْتَرُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَهِيَ مُقَرَّرَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. . (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «مَا يَمْنَعُ مُوسَى يَغْتَسِلُ» كَذَا رَوَيْنَاهُ هُنَا بِحَذْفِ أَنْ وَرَفْعِ يَغْتَسِلُ وَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64] وَقَدْ أَجَازَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ حَذْفَ أَنْ وَرَفْعَ الْفِعْلِ دُونَ نَصْبِهِ وَجَعَلَ مِنْهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَجَعَلَهُ قِيَاسًا مُطَّرِدًا وَمَثَّلَ لَهُ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24] وَقَالَ يُرِيكُمْ صِلَةً لَأَنْ حُذِفَتْ وَبَقِيَ يُرِيكُمْ مَرْفُوعًا. وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْحَرْفَ عَامِلٌ ضَعِيفٌ فَإِذَا حُذِفَ بَطَلَ عَمَلُهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ حَذْفَ (أَنْ) وَلَوْ مَعَ رَفْعِ الْفِعْلِ بَعْدَهَا مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ فَلَمْ يُجَوِّزُوا مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا سُمِعَ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ النَّصْبُ أَيْضًا بِإِضْمَارِ أَنْ وَمِنْهُ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64] بِالنَّصْبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إلَى جَوَازِهِ قِيَاسًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ هُنَا النَّصْبُ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ وَحَاصِلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ مَعَ حَذْفِ أَنْ قِيَاسَانِ مُطَّرِدَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُمَا مَسْمُوعَانِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الرَّفْعَ قِيَاسٌ، وَالنَّصْبَ سَمَاعٌ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِثْبَاتِ أَنْ بِلَفْظِ «مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ» وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ. (الْخَامِسَةُ) الْأُدْرَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ نَفْخَةٌ فِي الْخُصْيَةِ يُقَالُ رَجُلٌ آدَرُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ مِنْ الْأَدَرِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النَّاسُ الْقَيْلَةَ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْآدَرُ وَالْمَأْدُورُ الَّذِي يَنْفَتِقُ صِفَاقُهُ فَيَقَعُ قَصَبُهُ وَلَا يَنْفَتِقُ إلَّا مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُصِيبُهُ فَتْقٌ فِي إحْدَى الْخُصْيَتَيْنِ وَقِيلَ الْخُصْيَةُ الْأَدْرَاءُ الْعَظِيمَةُ مِنْ غَيْرِ فَتْقٍ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَتَيْنِ. 1 - (السَّادِسَةُ) فِيهِ بَيَانُ عُتُوِّ بَنِي إسْرَائِيلَ وَاخْتِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَوَّلًا خَالَفُوا نَبِيَّهُمْ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ فِي طَرِيقَتِهِ إمَّا الَّتِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهَا أَوْ يُسْتَحَبُّ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفُوا بِذَلِكَ حَتَّى لَمْ يَحْمِلُوا فِعْلَهُ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالدِّينِ وَالشَّرْعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَلْ جَعَلُوا سَبَبَهُ نَقْصًا فِي بَدَنِهِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ بَلْ جَزَمُوا بِهِ وَقَطَعُوا وَأَكَّدُوا ذَلِكَ بِأَنْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ وَحَصَرُوا الْأَمْرَ فِيهِ فَلَمْ يَجْعَلُوا الْحَامِلَ لَهُ عَلَيْهِ سِوَاهُ. وَهَذَا غَايَةُ الْعُتُوِّ وَنِهَايَةُ الِاخْتِلَاقِ وَلَيْتَ شِعْرِي لِمَ عَيَّنُوا الْأُدْرَةَ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْعُيُوبِ وَكَيْفَ تَجَرَّءُوا عَلَى الِاخْتِلَاقِ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلِهَذَا أَظْهَرَ اللَّهُ بَرَاءَتَهُ بِأَمْرٍ اشْتَمَلَ عَلَى عِدَّةٍ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَقَصَّ قِصَّتَهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ فِيهَا قَوْلَهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} [الأحزاب: 69] الْآيَةَ. [فَائِدَةٌ الْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ النَّقَائِصِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ سَالِمُونَ مِنْ الْمَعَايِبِ] 1 (السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ النَّقَائِصِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ سَالِمُونَ مِنْ الْمَعَايِبِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَصْحَابِ التَّارِيخِ فِي صِفَاتِ بَعْضِهِمْ وَإِضَافَتِهِ بَعْضَ الْعَاهَاتِ إلَيْهِمْ فَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَزَّهَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَرَفَعَهُمْ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ مِمَّا يَغُضُّ الْعُيُونَ وَيُنَفِّرُ الْقُلُوبَ انْتَهَى. وَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ هَذَا فِي فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ يُقَالُ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى سَلَامَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَتَنْزِيهُ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ هَذَا الْعَيْبِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ خَارِجٍ وَفِي أَخْذِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَلَا يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّاهُ أَذًى لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَاقَ أَذًى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبَ التَّنْزِيهِ عَمَّا اُخْتُلِقَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال إذَا كَانَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مُحَرَّمًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَعَ هَذَا فَأَلْجَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ظُهُورِهِ بَيْنَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ فَلَوْلَا أَنَّ بَرَاءَتَهُ عَنْهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا لَمَا ارْتَكَبَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لِأَجْلِهِ فَعَارَضَ مَصْلَحَةَ سَتْرِهَا مَصْلَحَةُ إظْهَارِ هَذَا الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَكَانَ هَذَا الثَّانِي أَهَمَّ مُقَدَّمًا وَلَمَّا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْكَلَامَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ خَلْقِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْنَا بِعَمَى يَعْقُوبَ وَبِابْتِلَاءِ أَيُّوبَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ طَارِئًا عَلَيْهِمْ مِحْنَةً لَهُمْ وَلِيَقْتَدِيَ بِهِمْ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءٍ فِي حَالِهِمْ وَصَبْرِهِمْ وَفِي أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْطَعْهُمْ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَظْهَرَ كَرَامَتَهُمْ وَمُعْجِزَتَهُمْ بِأَنْ أَعَادَ يَعْقُوبَ بَصِيرًا عِنْدَ وُصُولِ قَمِيصِ يُوسُفَ لَهُ وَأَزَالَ عَنْ أَيُّوبَ جُذَامَهُ وَبَلَاءَهُ عِنْدَ اغْتِسَالِهِ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي أَنْبَعَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ رَكْضِهِ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي مُعْجِزَاتِهِمْ وَتَمْكِينًا فِي كَمَالِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ انْتَهَى. (الثَّامِنَةُ) فِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَذَى السُّفَهَاءِ وَالْجُهَّالِ وَصَبْرِهِمْ عَلَيْهَا وَفِي الْحَدِيثِ «لَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . [فَائِدَةٌ فَضِيلَةُ الصَّبْرِ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ فَضِيلَةُ الصَّبْرِ وَأَنَّ الدَّرَجَاتِ ثَمَرَةٌ لَهُ فَإِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَبَرَ عَلَى مَا يُؤْذُونَهُ بِهِ أَعْقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَرَاءَةَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ لِمَا أَظْهَرَهُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24] وَقَالَ تَعَالَى {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137] . [فَائِدَةٌ فَضِيلَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حين آذَاهُ قَوْمه] 1 (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ فَضِيلَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَصَلَ هُنَا إظْهَارُ مُعْجِزَتِهِ بِأُمُورٍ: (أَحَدُهَا) مَشْيُ الْحَجَرِ بِثَوْبِهِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لِإِظْهَارِ بَرَاءَتِهِ مِمَّا ادَّعُوهُ فِيهِ مِنْ الْأُدْرَةِ عَلَى وَجْهٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ نِعْمَةً عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] . (الثَّانِي) حُصُولُ النَّدْبِ فِي الْحَجَرِ مِنْ ضَرْبِ مُوسَى. (الثَّالِثُ) وُجُودُ التَّمْيِيزِ فِي الْجَمَادِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلِهَذَا عَامَلَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ لِأَنَّهُ صَدَرَتْ مِنْهُ أَفْعَالُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعُقَلَاءِ وَهَذَا مِثْلُ «تَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَحُنَيْنِ الْجِذْعِ إلَيْهِ» وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ تَأَمَّلْ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي الْكُلِّ تَعْظِيمٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِظْهَارٌ لِمُعْجِزَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَجَمَحَ مُوسَى بِأَثَرِهِ» بِجِيمٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ أَسْرَعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 57] أَيْ يُسْرِعُونَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرْته ثُمَّ قَالَ وَالْجَمُوحُ مِنْ الْخَيْلِ هُوَ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي إسْرَاعِهِ وَلَا يُثْنِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ عَيْبٌ فِيهَا وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى إسْرَاعِ مُوسَى خَلْفَ الْحَجَرِ جِمَاحًا لِأَنَّهُ اشْتَدَّ خَلْفَهُ اشْتِدَادًا لَا يُثْنِيهِ شَيْءٌ عَنْ أَخْذِ ثَوْبِهِ انْتَهَى. وَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جِمَاحِ الْخَيْلِ الْمَذْمُومِ فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْجِمَاحَ بِمَعْنَى الْإِسْرَاعِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ جَمَحَ الْفَرَسَ جُمُوحًا وَجِمَاحًا إذَا اعْتَزَّ فَارِسَهُ وَغَلَبَهُ فَهُوَ فَرَسٌ جَمُوحٌ ثُمَّ قَالَ وَالْجَمُوحُ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَرْكَبُ هَوَاهُ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ ثُمَّ قَالَ وَجَمَحَ أَيْ أَسْرَعَ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسْرَعَ إسْرَاعًا لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ وَكُلُّ شَيْءٍ مَضَى لِوَجْهِهِ عَلَى أَمْرٍ فَقَدْ جَمَحَ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ جَمَحَ أَسْرَعَ فَرَسٌ جَمُوحٌ سَرِيعٌ، وَهُوَ مَدْحٌ وَفَرَسٌ جَمُوحٌ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ لِلِّجَامِ بَلْ يَرْكَبُ رَأْسَهُ فِي جَرْيِهِ وَهُوَ ذَمٌّ وَدَابَّةٌ جَمُوحٌ إذَا كَانَتْ تَمِيلُ فِي أَحَدِ شِقَّيْهَا وَهُوَ ذَمٌّ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ جَمَحَ الْفَرَسُ بِصَاحِبِهِ ذَهَبَ يَجْرِي جَرْيًا غَالِبًا وَكُلُّ شَيْءٍ مَضَى لِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ جَمَحَ ثُمَّ قَالَ وَجَمَحَتْ السَّفِينَةُ تَرَكَتْ قَصْدَهَا فَلَمْ يَضْبِطْهَا الْمَلَّاحُونَ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ جَمَحَ الْحَجَرُ أَيْ ذَهَبَ مُسْرِعًا إسْرَاعًا بَلِيغًا وَقَوْلُهُ «بِأَثَرِهِ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ الثَّاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ. 1 - (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ: «ثَوْبِي» مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ دَعْ ثَوْبِي أَوْ أَعْطِنِي ثَوْبِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا ثَوْبِي وَعَلَى هَذَا الثَّانِي يَكُونُ الْمَعْنَى اسْتِعْظَامَ كَوْنِهِ يَأْخُذُ ثَوْبَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ ثَوْبُهُ فَعَامَلَهُ مُعَامَلَةَ مَنْ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ ثَوْبَهُ كَيْ يَرْجِعَ عَنْ فِعْلِهِ وَيَرُدَّ لَهُ ثَوْبَهُ، وَقَوْلُهُ «حَجَرُ» مُنَادَى مُفْرَدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ وَحُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ اسْتِعْجَالًا لِلْمُنَادَى وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ مِنْ اسْمِ الْجِنْسِ إلَّا شَاذًّا حَيْثُ سُمِعَ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَوْ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مُطَرَّدٌ. 1 - (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَقَامَ الْحَجَرُ» أَيْ وَقَفَ وَثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَامَتْ الدَّابَّةُ أَيْ وَقَفَتْ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ أَيْ وَقَفَ وَالْمُرَادُ بِهِ وُقُوفُ الشَّمْسِ عِنْدَ الْهَاجِرَةِ عَنْ السَّيْرِ إمَّا مَجَازًا أَوْ أُرِيدَ أَثَرُهَا وَهُوَ الظِّلُّ. وَقَوْلُهُ: «بَعْدُ» مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ أَيْ بَعْدَ أَنْ نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ «حَتَّى نُظِرَ إلَيْهِ» بِبِنَاءِ نَظَرَ لِلْمَفْعُولِ وَالضَّمِيرُ فِي إلَيْهِ يَعُودُ عَلَى مُوسَى وَحَتَّى الظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ وَلَيْسَ هَذَا تَعْلِيلًا لِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قِيَامُ الْحَجَرِ وَوُقُوفُهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ فِرَارُ الْحَجَرِ بِثَوْبِ مُوسَى يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْخَارِقَةِ نَظَرُ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَبْرِئَتُهُ مِمَّا اخْتَلَقُوا عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْت) هَذَا مُكَرَّرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ «حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى سَوْأَة مُوسَى» . (قُلْت) حَتَّى هُنَالِكَ غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَهُوَ فِرَارُ الْحَجَرِ بِثَوْبِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَجِمَاحُهُ خَلْفَهُ لِانْتِزَاعِهِ مِنْهُ وَأَمَّا حَتَّى الثَّانِيَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقِيَامِ الْحَجَرِ إمَّا غَايَةً لَهُ أَوْ تَعْلِيلًا لَهُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحَجَرَ وَقَفَ حَتَّى نَظَرَتْ إلَيْهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَشَاهَدُوهُ حَجَرًا جَمَادًا وَعَلِمُوا تِلْكَ الْمُعْجِزَةَ الْعَظِيمَةَ وَالْخَارِقَةَ الْعَجِيبَةَ لَيَرْتَدِعُوا عَنْ اخْتِلَاقِهِمْ عَلَى نَبِيِّهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «وَطَفِقَ» بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ فِيهِ طَبَقَ بِالْبَاءِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ هُنَا وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الشُّرُوعِ كَجَعَلَ وَأَخَذَ وَقَوْلُهُ «ضَرْبًا» مَصْدَرٌ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ أَيْ جَعَلَ يَضْرِبُ الْحَجَرَ ضَرْبًا وَالنَّدَبُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ هُنَا الْأَثَرُ وَأَصْلُهُ أَثَرُ الْجُرْحِ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ الْجِلْدِ فَشَبَّهَ بِهِ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي الْحَجَرِ وَقَوْلُهُ «سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِقَوْلِهِ «نَدَبًا» وَهُوَ نَعْتٌ مُؤَوَّلٌ بِمَعْدُودٍ. وَقَوْلُهُ «ضَرَبَ مُوسَى بِالْحَجَرِ» هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ «نَدَبًا» وَيَكُونَ بَدَلَ أَعَمَّ مِنْ أَخَصَّ وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَهُوَ أَيْ النَّدَبُ ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُرَادِ مِنْ الْمُعْجِزَةِ الْأُولَى وَهُوَ فِرَارُ الْحَجَرِ بِثَوْبِهِ وَإِلْجَاؤُهُ إلَى الْخُرُوجِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُك عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ..   Qأُمُورٌ: (أَحَدُهَا) بَقَاءُ هَذَا الْأَثَرِ فِي الْحَجَرِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَيُتَذَكَّرُ بِهِ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ وَيُعْلَمُ بِهِ فَضْلُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَرَاءَتُهُ مِمَّا اخْتَلَقُوا عَلَيْهِ. (ثَانِيهَا) أَنَّهُ حَصَلَ عِنْدَ السَّيِّدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حِدَّةٌ فَلَوْلَا تَأَثُّرُ الْحَجَرِ بِضَرْبِهِ وَظُهُورِ أَثَرِهِ فِيهِ لَزَادَتْ حِدَّةُ السَّيِّدِ مُوسَى مِنْ عَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهَذَا كَتَشْبِيهِ مَنْ يُحَاوِلُ أَمْرًا وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ بِالضَّارِبِ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ فَلَوْلَا تَأَثُّرُ الْحَجَرِ بِالضَّرْبِ لَكَانَ الضَّرْبُ فِيهِ كَالضَّرْبِ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ. (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْلَا تَأَثُّرُ الْحَجَرِ بِالضَّرْبِ وَبَقَاءُ النَّدَبِ فِيهِ لَعَدَّ أَهْلُ السَّفَاهَةِ وَالْجَهْلِ وَالْعُتُوِّ وَالِاخْتِلَاقِ هَذَا عَبَثًا فَكَانَ يَحْصُلُ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ أَذًى زَايِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْقَصْدُ رَفْعُ الْأَذَى عَنْهُ لَا جَلْبُهُ إلَيْهِ وَإِقْسَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ وَتَقْوِيَةٌ لَهُ وَمُسْتَنَدُهُ فِيهِ خَبَرُ الصَّادِقِ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْهُ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَإِنَّهُ لَا يُخْطِئُ وَالْمُعَايَنَةُ قَدْ تُخْطِئُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ إجْرَاءُ خُلْقِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الضَّجِرِ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ كَمَا جَرَى مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ضَرْبِهِ الْحَجَرَ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ قُوَّةَ مَشْيٍ فَلِذَلِكَ ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَمْشِيَ بِثَوْبِهِ أَمْكَنَ أَنْ يَخْشَى الضَّرْبَ أَلَا تَرَى قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَاَللَّهِ إنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ» يَعْنِي آثَارُ ضَرْبِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَقِيَتْ فِي الْحَجَرِ آيَةً لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. [حَدِيث بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَيُّوبُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ يُقَالُ هُوَ ابْنُ أَمْعُوصَ بْنِ رَزَاحِ بْنِ رُومِ بْنِ عِيصَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَأَنَّ أُمَّهُ مِنْ وَلَدِ لُوطِ بْنِ هَارُونَ وَهُوَ الَّذِي اُمْتُحِنَ بِالْبَلَاءِ فَظَهَرَ صَبْرُهُ ثُمَّ عُوفِيَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] . وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِصَّةِ أَيُّوبَ وَقَوْلِهِ {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] يَعْنِي زَوْجَتَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَزَادَ فِي شَبَابِهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ذَكَرًا إلَّا أَنَّ السَّقْفَ خَرَّ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ ذَكَرًا فَمَاتُوا فَلَمْ يَبْعَثْهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ يَقُولُ {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [الأنبياء: 84] يَعْنِي زَوْجَتَهُ {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [الأنبياء: 84] يَعْنِي وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ذَكَرًا فَأَهْبَطَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا فَقَالَ يَا أَيُّوبُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ بِصَبْرِكَ عَلَى الْبَلَاءِ فَاخْرُجْ إلَى أَنْدَرِك فَبَعَثَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حُمُرًا فَهَبَطَتْ عَلَيْهِ بِجَرَادِ الذَّهَبِ وَالْمَلِكُ قَائِمٌ مَعَهُ كَانَتْ الْجَرَادَةُ تَخْرُجُ خَارِجَ الْحِجَارَةِ فَيَتْبَعُهَا حَتَّى يَرُدَّهَا فِي أَنْدَرِهِ فَقَالَ الْمَلِكُ يَا أَيُّوبُ أَمَا تَشْبَعُ مِنْ الدَّاخِلِ حَتَّى تَتْبَعَ الْخَارِجَ قَالَ إنَّ هَذِهِ بَرَكَةٌ مِنْ بَرَكَاتِ رَبِّي وَلَيْسَ أَشْبَعُ مِنْهَا» وَفِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفَاسِيرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي اغْتَسَلَ مِنْهُ تَطَايَرَ عَلَى صَدْرِهِ جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ قَالَ فَجَعَلَ يَضُمُّهُ بِيَدِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أُغْنِك قَالَ بَلَى وَلَكِنَّهَا بَرَكَتُك فَمَنْ يَشْبَعُ مِنْهَا» . وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِثَ فِي بَلَائِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَنَةً فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إخْوَانِهِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ «وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ أَنْدَرُ لِلْقَمْحِ وَأَنْدَرُ لِلشَّعِيرِ فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَحَابَتَيْنِ فَلَمَّا كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ وَأَفْرَغَتْ الْأُخْرَى فِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَ» وَهَذِهِ إنْ صَحَّتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَضِيَّةٌ غَيْرُ قَضِيَّةِ الِاغْتِسَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي عِدَّةِ أَوْلَادِهِ فَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ ذَكَرًا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَهُ مِنْهُمْ سِتَّةً وَعِشْرِينَ ذَكَرًا وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ كَانَ لَهُ سَبْعُ بَنَاتٍ وَثَلَاثُ بَنِينَ وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ كَانَ لَهُ سَبْعُ بَنِينَ وَسَبْعُ بَنَاتٍ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ رَدَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بَعْدَ الْعَافِيَةِ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ عَوَّضَهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يُحْيِهِمْ فَحُكِيَ الْأَوَّلُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عِكْرِمَةُ وَهُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ. [فَائِدَةٌ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّسَتُّرِ] 1 (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ الِاغْتِسَالِ عُرَّيَانَا فِي الْخَلْوَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّسَتُّرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي قَبْلَهُ. 1 - (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «خَرَّ» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَقَطَ وَظَاهِرُ هَذَا سُقُوطُهُ عَلَيْهِ مِنْ عُلُوٍّ فَهُوَ بِظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ نَفْسَ الْمَاءِ تَطَايَرَ عَلَيْهِ جَرَادًا لِأَنَّهُ لَيْسَ حِينَئِذٍ سَاقِطًا عَلَيْهِ مِنْ عُلُوٍّ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُوَ إكْرَامٌ عَظِيمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فَهُوَ مُعْجِزَةٌ فِي حَقِّهِ لَكِنْ هَلْ كَانَ جَرَادًا حَقِيقَةً ذَا رُوحٍ إلَّا أَنَّ جِسْمَهُ ذَهَبٌ أَوْ كَانَ عَلَى شَكْلِ الْجَرَادِ وَلَيْسَ فِيهِ رُوحٌ الْأَظْهَرُ الثَّانِي قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَيْسَ الْجَرَادُ بِذَكَرِ الْجَرَادَةِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ جِنْسٍ كَالْبَقَرَةِ وَالْبَقَرِ وَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ وَالْحَمَامِ وَالْحَمَامَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَحَقُّ مُذَكَّرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَنَّثُهُ مِنْ لَفْظِهِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ الْوَاحِدُ الْمُذَكَّرُ بِالْجَمْعِ. [فَائِدَةٌ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرَهِ وَحُبِّ الدُّنْيَا بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ لَهَا] (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرَهِ وَحُبِّ الدُّنْيَا بِمُجَرَّدِ أَخْذِهِ لَهَا وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهَا بَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ أَيُّوبُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ هَذَا الْمَالَ حُبًّا لِلدُّنْيَا وَإِنَّمَا أَخَذَهُ كَمَا أَخْبَرَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَرَكَةٌ مِنْ رَبِّهِ وَفِي مَعْنَى الْبَرَكَةِ هُنَا أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَ زِيَادَةِ إقْبَالِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ النِّعْمَةُ عَلَيْهِ مُسْتَمِرَّةً فَصَارَ هَذَا الذَّهَبُ مَحْبُوبًا لِأَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَ إقْبَالِ الْمَحْبُوبِ أَلَا تَرَى الشُّعَرَاءَ يُكْثِرُونَ التَّشْبِيبَ بِالدِّيَارِ وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِيهَا مِنْ إقْبَالِ الْمَحْبُوبِ عَلَيْهِمْ مَا أَوْجَبَ حُبَّ تِلْكَ الدِّيَارِ أَمُرُّ عَلَى الدِّيَارِ دِيَارِ لَيْلَى ... أُقَبِّلُ ذَا الْجِدَارَ وَذَا الْجِدَارَا وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي ... وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (ثَانِيهَا) أَنَّهُ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا كَمَا «حَسَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِلْدِهِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ هَذِهِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ فَيَنْبَغِي تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ فَفِي ذَلِكَ شُكْرٌ لَهَا وَتَعْظِيمٌ لِشَأْنِهَا وَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْهَا كُفْرٌ بِهَا وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا فِي حَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» رَابِعُهَا أَنَّ هَذِهِ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ فَكُلُّ مَا نَشَأَ عَنْهَا فَهُوَ بَرَكَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَمِنْ هَذَا «قَضِيَّةُ الصِّدِّيقِ مَعَ أَضْيَافِهِ لَمَّا صَارُوا لَا يَأْكُلُونَ لُقْمَةً إلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا فَحَمَلَ بَقِيَّتَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَ مِنْهُ وَقَالَ هَذَا بَرَكَةٌ فَبَادِرْ إلَى تَحْصِيلِهِ وَالِاحْتِوَاءِ عَلَيْهِ» لِبَرَكَتِهِ لَا لِنَفْسِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُحَبُّ وَلَا يُقْصَدُ لِذَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ جَوَازُ الْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ الْحَلَالِ وَفَضْلُ الْغِنَى لِأَنَّهُ سَمَّاهُ بَرَكَةً انْتَهَى. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مَالًا حَلَالًا فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ صَرْفِهِ فِي الطَّاعَاتِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى الْقُرُبَاتِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ الْحَالَاتِ. 1 - (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُك» كَمَا تَرَى يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ غِنَى الْقَلْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ غِنَى الْمَالِ أَيْضًا وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ غَنِيًّا شَاكِرًا وقَوْله تَعَالَى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ صَبْرُهُ عَلَى الْبَلَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ صَبْرُهُ مَعَ الْبَلَاءِ عَلَى فَقْرِ الْمَالِ أَيْضًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ لِأَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَقَامَيْ الصَّبْرِ عَلَى الْفَقْرِ وَالشُّكْرِ عَلَى الْغِنَى بِاعْتِبَارِ حَالَتَيْنِ فَكَانَ فِي نَفْسِ الْبَلَاءِ فَقِيرًا صَابِرًا وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ غَنِيًّا شَاكِرًا وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالصَّبْرِ ثُمَّ قَالَ {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] فَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ غَنِيٌّ شَاكِرٌ كَمَا قَالَ فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] مَعَ أَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا شَاكِرًا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] وَلَمْ يَقُلْ صَبُورًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ أَحْوَالِهِ الصَّبْرَ بَلْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مُسْتَلِذًّا لِلْبَلَاءِ مُسْتَعْذِبًا لَهُ فَكَانَ بَعْضُ أَحْوَالِهِ الصَّبْرَ وَبَعْضُهَا الِاسْتِلْذَاذَ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «فَنَادَاهُ رَبُّهُ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي ثَوْبٍ؟ قَالَ أَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَتَعْرِفُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَثِيَابُهُ عَلَى الْمِشْجَبِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخَانِ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ " ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ..   Qيَكُونَ بِإِلْقَائِهِ فِي قَلْبِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِفَاحًا كَمَا وَقَعَ لِلسَّيِّدِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِيهِ بُعْدُ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي ثَوْبٍ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي ثَوْبٍ قَالَ أَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَتَعْرِفُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَثِيَابُهُ عَلَى الْمِشْجَبِ. لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخَانِ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) قَوْلُهُ «أَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِهِ لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَمَّا كَانَ يَعْلَمُهُ مِنْ حَالِهِمْ فِي الْعَدَمِ وَضِيقِ الثِّيَابِ يَقُولُ وَإِذَا كُنْتُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَوْبَانِ وَالصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ جَائِزَةٌ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي ضِمْنِهِ الْفَتْوَى مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى ثُمَّ اسْتِقْصَارُ فَهْمِهِمْ وَاسْتِزَادَةُ عِلْمِهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبًا وَالصَّلَاةُ لَازِمَةً وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبَانِ فَكَيْفَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ جَائِزَةٌ انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ «أَوَ لِكُلِّكُمْ» بِوَاوٍ مُحَرَّكَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ وَأَصْلُ الْكَلَامِ وَأَلِكُلِّكُمْ لَكِنْ قُدِّمَ الِاسْتِفْهَامُ لِأَنَّ لَهُ صَدْرَ الْكَلَامِ وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْطُوفُ وَلَا تَقْدِيمَ وَلَا تَأْخِيرَ فَالتَّقْدِيرُ هُنَا أَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ وَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَوْلَى وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ أَسْهَلُ مِنْ الْحَذْفِ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَى مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ الْإِعَادَةَ إذَا كَانَ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ (قُلْت) لَهُ عَنْهُ أَرْبَعُ طُرُقٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ اخْتَلَفَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ أُبَيٌّ ثَوْبٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثَوْبَانِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ قَالَ اخْتَلَفَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبَيْنِ. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَا تُصَلِّيَنَّ فِي ثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ أَوْسَعَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ جِدًّا وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ. (قُلْت) وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تُصَلِّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ غَيْرَهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ: إنَّ الْعَمَلَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبَيْنِ. (الثَّالِثَةُ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ أَكَانَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَمْ لِمِقْدَارِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ سَوَاءٌ أَوَضَعَ بَعْضَهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ وَجَبَ جَعْلُ بَعْضِهِ عَلَى عَاتِقِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ» وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَعَلَ النَّهْيَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ وَالْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَاتِقِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السُّتْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَجَعَلَهُ شَرْطًا وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يَأْثَمُ بِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ رِدَاءٍ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ صَحَابِيٍّ أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَجِدْ رِدَاءً وَضَعَ عَلَى عَاتِقِهِ عِقَالًا ثُمَّ صَلَّى وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ إعْرَاءَ الْمَنَاكِبِ فِي الصَّلَاةِ. وَاخْتَارَ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبَ ذَلِكَ وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ مُتَأَكِّدٌ بِحَيْثُ يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَحَمَلُوا النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاحْتَمَلَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَلَمَّا حَكَى جَابِرٌ مَا وَصَفْت وَحَكَتْ «مَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ بَعْضُهُ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ عَلَيْهَا» دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيمَا صَلَّى فِيهِ مُؤْتَزِرًا بِهِ لَا يَسْتُرُهُ أَبَدًا إلَّا مُؤْتَزِرًا إذَا كَانَ بَعْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَعَلِمْنَا أَنَّ نَهْيَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ اخْتِيَارٌ انْتَهَى. وَأَخَذَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَقَالَ بِالْوُجُوبِ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ وَاسِعًا وَأَجَازَ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الضَّيِّقِ مِنْ غَيْرِ جَعْلِ شَيْءٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَوَّبَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مَنْ كَانَ يَقُولُ إذَا كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي مُلْتَحِفًا فَقَالَ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْكُمْ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا كُنْت أَتَّزِرُ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَوَشَّحَ بِهِ تَوَشُّحَ الْيَهُودِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ صَلَّيْت إلَى جَنْبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَا مُتَوَشِّحٌ فَأَمَرَنِي بِالْإِزْرَةِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُتَّزِرًا بِهِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ يَتَّزِرُ بِهِ كَمَا يَتَّزِرُ لِلصِّرَاعِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ اتَّزَرَ بِهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ رَفَعَهُ إلَى صَدْرِهِ وَذَكَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالْعَرْجِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ رَفَعَهُ إلَى صَدْرِهِ» . وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ مَنْعُ وَضْعِهِ عَلَى الْعَاتِقِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مَذَاهِبُ أَحَدُهَا الِاسْتِحْبَابُ وَالثَّانِي الْإِيجَابُ وَالثَّالِثُ الِاشْتِرَاطُ وَالرَّابِعُ وَالْإِنْكَارُ وَالْخَامِسُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا أَوْ ضَيِّقًا وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْجُلُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ فَهُوَ مَذْهَبٌ سَادِسٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ] 1 (الرَّابِعَةُ) وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ أَفْضَلُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ضِيقُ الْحَالِ وَعَجْزُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ ثَوْبَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَكْمَلَ ثَوْبَانِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْمُنْذِرِ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَقَالَةٌ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهَا فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ الْأَئِمَّةِ جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ قَالَ وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ. [فَائِدَةٌ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ رُخْصَةٌ لِضِيقِ الْحَالِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ ذَلِكَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَوْرَةِ وَذَلِكَ أَيْضًا يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَحُرِّيَّةِ الْمَرْأَةِ وَرِقِّهَا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا وَجَبَ فِي الصَّلَاةِ كَانَ شَرْطًا فِيهَا. وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الِاشْتِرَاطُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالِاشْتِرَاطُ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ وَالْوُجُوبُ خَاصَّةً وَالِاسْتِحْبَابُ وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّانِي وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كَوْنِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ بَعْدَ أَنْ صَدَّرَ كَلَامَهُ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ جَمِيعِ الْجَسَدِ حَكَاهُ أَبُو الْفَرَجِ. (الثَّانِي) يَكُونُ مُتَّزِرَ وَسَطِهِ كَمَا فَعَلَ جَابِرٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كَأَنَّهُ غَطَّى الْعَوْرَةَ وَحَمَاهَا وَسَتَرَ مَا اتَّصَلَ بِهَا. (الثَّالِثُ) يُصَلِّي مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ خَاصَّةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ. (الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَتْرَ عَوْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ وَالْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ بُكَيْر وَجَاءَ نَحْوُهُ عَنْ أَشْهَبَ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ قَالَ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا إذَا وَجَبَتْ خَارِجَ الصَّلَاةِ تَأَكَّدَتْ بِالصَّلَاةِ انْتَهَى. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ فِي أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا ثُمَّ حَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَلَا قَائِلَ فِيمَا نَعْلَمُ بِأَنَّ جَمِيعَ جَسَدِ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَفْرِضَ الْخِلَافَ فِيمَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَوْرَةً عَلَى أَنَّ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ وُجُوبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لَا سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ انْتَهَى. (قُلْت) وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ وُجُوبَ سَتْرِ جَمِيعِ الْجَسَدِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. (السَّادِسَة) الْمِشْجَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ عِيدَانٌ تُضَمُّ رُءُوسُهَا وَيُفَرَّجُ بَيْنَ قَوَائِمِهَا وَتُوضَعُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ، وَقَدْ تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْأَسْقِيَةُ لِتَبْرِيدِ الْمَاءِ وَهُوَ مِنْ تَشَاجَبَ الْأَمْرُ إذَا اخْتَلَطَ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ أَنَّهُ خَشَبَاتٌ مُوثَقَةٌ مَنْصُوبَةٌ تُوضَعُ عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا شِجَابٌ وَجَمْعُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشُجُبٌ ثُمَّ قَالَ وَالشَّجْبُ الْخَشَّابُ الثَّلَاثُ الَّتِي يُعَلِّقُ عَلَيْهَا الرَّاعِي دَلْوَهُ وَسِقَاءَهُ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ إنَّ الْمِشْجَبَ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُلْقَى عَلَيْهَا الثِّيَابُ وَكَذَا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ عُودٌ تُرْفَعُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ قَالَ وَهِيَ الشِّجَابُ أَيْضًا فَاكْتَفَيَا فِي صِدْقِ اسْمِهِ بِأَنْ يَكُونَ خَشَبَةً وَاحِدَةً وَأَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَثِيَابُهُ عَلَى الْمِشْجَبِ تَأْكِيدُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالتَّوَسُّعَةُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ تَشَدُّدٌ فِي ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعَ صُحْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَوْنِهِ قُدْوَةً فِي الدِّينِ يَقْتَصِرُ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ ثِيَابِهِ مُتَيَسِّرَةً قَرِيبَةً غَيْرَ بَعِيدَةٍ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُصَلِّي فِيهَا فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَكَذَا فَعَلَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا صَنَعْت ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُك وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ أَحْبَبْت أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ فِي إزَارٍ وَسَرَاوِيلَ أَوْ تُبَّانٍ] 1 (السَّابِعَةُ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا إلَى آخِرِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ فَرَفَعَهَا وَلَفْظُهُ «نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُصَلِّي أَحَدُنَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ قَالَ إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» فَذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ. فَفِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبَيْنِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَفَصَّلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَقْسَامَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبَيْنِ وَهِيَ الصَّلَاةُ فِي إزَارٍ وَسَرَاوِيلَ أَوْ تُبَّانٍ وَذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُضَمُّ إلَيْهِ إمَّا رِدَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ، وَهِيَ الْحَاصِلَةُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ. 1 - وَالتُّبَّانُ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ نُونٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ سَرَاوِيلُ صَغِيرَةٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ يَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِقْدَارَ شِبْرٍ. وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ شَبَهُ السَّرَاوِيلَ زَادَ فِي الْمَشَارِقِ قَصِيرُ السَّاقِ فَإِنْ صَحَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ» لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ «فِي الصَّلَاةِ» وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ «وَقَدْ رَأَيْت رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسَبِّحُونَ وَيُشِيرُونَ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» ..   Qمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّهُ مِقْدَارُ شِبْرٍ فَهُوَ لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ بِكَمَالِهَا فَلَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَعَ الرِّدَاءِ لِأَنَّ الرِّدَاءَ إنَّمَا يَسْتُرُ أَعَالِيَ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ مَعَ قَمِيصٍ أَوْ قَبَاءٍ. وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ النِّهَايَةِ إنَّهُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ قَدْرَ شِبْرٍ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ هِيَ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً وَلَيْسَ فِي كَلَامِ صَاحِبَيْ الْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَهُ وَلِهَذَا شَكَّ الرَّاوِي فِي جَمْعِ التُّبَّانِ مَعَ الرِّدَاءِ فَقَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التُّبَّانِ مَعَ الرِّدَاءِ إنْ كَانَ التُّبَّانُ لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْعَوْرَةِ وَأَمَّا الْقَبَاءُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودٌ ذَكَرَ فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ ثَوْبٌ ضَيِّقٌ مِنْ ثِيَابِ الْعَجَمِ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَبَوْت إذَا ضَمَمْت وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْضِمَامِ لِاجْتِمَاعِ أَطْرَافِهِ. [حَدِيث التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ] [فَائِدَة إذَا نَابَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ مَا يَقْتَضِي إعْلَامَ غَيْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْ تَنْبِيهِ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ» ، لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ «فِي الصَّلَاةِ» ، فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ أَنَّهُ إذَا نَابَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ مَا يَقْتَضِي إعْلَامَ غَيْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْ تَنْبِيهِ إمَامِهِ عَلَى خَلَلٍ يُرِيدُ فِعْلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ رُؤْيَةِ أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ اسْتِئْذَانِ دَاخِلٍ أَوْ كَوْنِ الْمُصَلِّي يُرِيدُ إعْلَامَ غَيْرِهِ بِأَمْرٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَبِّحَ بِأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لِإِفْهَامِ مَا يُرِيدُ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَمُسْلِمٍ «فِي الصَّلَاةِ» وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهِيَ عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا اُسْتُؤْذِنَ عَلَى الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي فَإِذْنُهُ التَّسْبِيحُ وَإِذَا اُسْتُؤْذِنَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تُصَلِّي فَإِذْنُهَا التَّصْفِيقُ» وَقَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» . وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَنْ أَتَى بِالذِّكْرِ جَوَابًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْلَامَ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ فَحَمَلَا التَّسْبِيحَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ بِهِ الْإِعْلَامَ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُمَا مُحْتَاجَانِ لِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ حَمَلَا قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ» عَلَى نَائِبٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ إرَادَةُ الْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَيَتَنَاوَلُ النَّائِبَ الَّذِي يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْجَوَابِ وَالنَّائِبُ الَّذِي يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يُمْكِنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَيْفَ وَالْوَاقِعَةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ فِيهَا الْإِعْلَامَ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَصْدُ تَنْبِيهَ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى حُضُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْشَدَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنَّهُ كَانَ حَقُّهُمْ عِنْدَ هَذَا النَّائِبِ التَّسْبِيحَ وَكَذَا عِنْدَ كُلِّ نَائِبٍ وَقَدْ اتَّفَقُوا. عَلَى أَنَّ السَّبَبَ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ وَمِنْ هُنَا رَدَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَكُونُ فِرَاشًا بِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» إنَّمَا وَرَدَ فِي أَمَةٍ وَالسَّبَبُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِلَا خِلَافٍ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةُ مِثْلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. 1 - (الثَّانِيَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا نَابَ الْمَرْأَةَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُصَفِّقَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَسَوَّى مَالِكٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ: إنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهَا التَّسْبِيحُ كَالرَّجُلِ وَضَعَّفَ أَمْرَ التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ، وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَشْهُورِ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَا الرِّجَالُ وَلَا النِّسَاءُ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَأَى فَسَادَ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ إذَا صَفَّقَتْ فِي صَلَاتِهَا قَالَ وَخَطَّأَ أَصْحَابُهُ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنْ صَفَّقَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا غَيْرَ أَنَّ الْمُخْتَارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّسْبِيحُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعِيدٍ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» قَالَ وَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ «وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» عَلَى أَنَّ التَّصْفِيقَ مِنْ أَفْعَالِ النِّسَاءِ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ وَهُوَ إنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فِي لَفْظِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ تَعَذَّرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَفْظُهَا «إذَا نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاءُ» وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ مُوَافِقَةٌ لِلْجُمْهُورِ وَجَزَمَ بِهَا عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ «التَّسْبِيحِ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ» قَالَ بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ مَالِكٌ انْتَهَى. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ خَبَرًا وَنَظَرًا، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ. (قُلْت) قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يُصَفِّقُونَ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] أَيْ صَفِيرًا وَتَصْفِيقًا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ رِجَالًا وَنِسَاءً ثُمَّ أَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ فِي خَاصَّتِهِنَّ وَلَهْوِهِنَّ لَا أَنَّهُ إبَاحَةٌ لَهُنَّ وَسُنَّةٌ فِيمَا يَعْتَرِيهِنَّ فِي صَلَاتِهِنَّ انْتَهَى. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ} [الأنفال: 35] الْآيَةَ أَنَّهُ نَهَى النِّسَاءَ عَنْ ذَلِكَ لَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ لِيُشَوِّشُوا عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ بِمَكَّةَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُصَفِّقَ النِّسَاءُ لِمَا نَابَهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْخُنَثِي الْمُشْكِلُ إذَا نَابَهُ فِي صَلَاتِهِ مَا يُحْوِجُهُ إلَى الْإِعْلَامِ] 1 (الثَّالِثَةُ) وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا نَابَهُ فِي صَلَاتِهِ مَا يَحُوجهُ إلَى الْإِعْلَامِ فَهَلْ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِ التَّسْبِيحُ أَوْ التَّصْفِيقُ مُقْتَضَى الْمَفْهُومِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ مُتَدَافِعٌ لِأَنَّا إنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَقُلْنَا مُقْتَضَاهُ تَصْفِيقُ الْخُنْثَى عَارَضْنَا قَوْلَهُ «التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَقِيلَ مُقْتَضَاهُ تَسْبِيحُ الْخُنْثَى. فَظَاهِرُ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ يُسَبِّحُ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» ثُمَّ أَخْرَجَ النِّسَاءَ مِنْ ذَلِكَ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ «وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بْنُ أَبِي عَقَامَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ أَحْكَامِ الْخَنَاثَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِ التَّصْفِيقُ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّهُ الْقِيَاسُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَلَا تَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ جَهْرًا. [فَائِدَةٌ حُكْمُ التَّسْبِيحُ وَالتَّصْفِيقُ فِي الصَّلَاة] (الرَّابِعَةُ) كَوْنُ الْمَشْرُوعِ لِلرِّجَالِ التَّسْبِيحُ وَلِلنِّسَاءِ التَّصْفِيقُ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِبَاحَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ أَنَّهُمَا إنَّمَا يَكُونَانِ سُنَّتَيْنِ إذَا كَانَ التَّنْبِيهُ قُرْبَةً فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا كَانَا مُبَاحَيْنِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقِيَاسُ ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّنْبِيهُ وَاجِبًا كَإِنْذَارِ الْأَعْمَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي بِئْرٍ أَنْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ تَعَيَّنَا طَرِيقًا وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِمَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فَأَتَى بِفِعْلٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ تَنْبِيهَهُ فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا سَبَّحُوا وَإِنْ كَانُوا نِسَاءً صَفَّقْنَ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السُّبْكِيُّ وَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الْإِبَاحَةِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ فِي التَّصْفِيقِ وَلِلرِّجَالِ فِي التَّسْبِيحِ» وَفِي الْعِلَلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ أَبِي هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّخْصَةِ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ فِيهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ إنْ جَرَيْنَا عَلَى مَدْلُولِ الرُّخْصَةِ اللُّغَوِيِّ فَأَمَّا إذَا فَسَّرْنَا الرُّخْصَةَ بِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّهَا الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِعُذْرٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ بِاصْطِلَاحِهِمْ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ مَنْدُوبَةً وَالْحَقُّ انْقِسَامُ التَّنْبِيهِ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ وَإِلَى مَا هُوَ مَنْدُوبٌ وَإِلَى مَا هُوَ مُبَاحٌ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَأَمَّا تَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِالتَّنْبِيهِ فَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِذَلِكَ لِأَجْلِ التَّفْرِيقِ وَالتَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَيَكُونُ تَنْبِيهُ الرَّجُلِ يَكُونُ بِالتَّسْبِيحِ وَتَنْبِيهُ الْمَرْأَةِ يَكُونُ بِالتَّصْفِيقِ هُوَ السُّنَّةُ وَأَمَّا أَصْلُ التَّنْبِيهِ فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَكُونُ مَنْدُوبًا وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا بَلْ قَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَيْضًا وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا بِحَسَبِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا حُكْمُ التَّنْبِيهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حُكْمِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ وَمُنْقَسِمٌ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ. الثَّانِيَةُ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا التَّنْبِيهُ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَنْهَا الْأَصْحَابُ وَقَالُوا إنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ التَّسْبِيحُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ التَّصْفِيقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ خَالَفَ الرَّجُلُ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِ وَصَفَّقَ فِي صَلَاتِهِ] 1 (الْخَامِسَةُ) لَوْ خَالَفَ الرَّجُلُ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِ وَصَفَّقَ فِي صَلَاتِهِ لِأَمْرٍ يَنُوبُهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ «الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - صَفَّقُوا فِي الصَّلَاةِ فِي قَضِيَّةِ إمَامَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِعَادَةِ» وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ قَالَ وَالِدِي هَكَذَا أَطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ تَصْحِيحَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْقَلِيلِ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَتَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ. (فَإِنْ قِيلَ) فَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ «مَا لَكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ مَعَ كَثْرَةِ التَّصْفِيقِ» . (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ امْتِنَاعَ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَانَ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعًا وَإِنَّمَا عُرِفَ امْتِنَاعُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِإِكْثَارِ التَّصْفِيقِ مِنْ مَجْمُوعِهِمْ لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ وَحَكَى الْفِرْكَاحُ فِي التَّعْلِيقَةِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا وَطَالَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ انْتَهَى. وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَصْفِيقُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَالرَّجُلُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَفِّقَ بِيَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالنَّهْيِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ بِهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ نَهْيُ الرَّجُلِ عَنْ التَّصْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهِ اسْتِفْهَامُهُمْ عَنْ إكْثَارِ التَّصْفِيقِ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ لِذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَشْرُوعِ لِلرِّجَالِ خِلَافَهُ وَهُوَ التَّسْبِيحُ فَكَيْفَ يَهْجُمُ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى الْقَوْلِ بِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مَعَ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ فَإِنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ صَارَ حَرَامًا بِهَذَا الْحَدِيثِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَحْرِيمُهُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِتَغْيِيرِ حُكْمِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْبِيحِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْلَمُونَ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمْ الْحُكْمَ الْمَشْرُوعَ فِيهِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ تَحْرِيمُ مَا عَدَاهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيَّنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ خَالَفَتْ الْمَرْأَةُ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهَا وَسَبَّحَتْ فِي صَلَاتِهَا] 1 (السَّادِسَةُ) وَلَوْ خَالَفَتْ الْمَرْأَةُ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهَا وَسَبَّحَتْ فِي صَلَاتِهَا لِأَمْرٍ يَنُوبُهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا أَيْضًا لَكِنْ إنْ أَسَرَّتْ بِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهَا أَحَدٌ فَلَيْسَ هَذَا تَنْبِيهًا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَإِنْ جَهَرَتْ بِهِ بِحَيْثُ أَسْمَعَتْ مَنْ تُرِيدُ إفْهَامَهُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ مَحْرَمًا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا كُرِهَ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ إذَا قُلْنَا إنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ سَبَّحَتْ فَحَسَنٌ قَالَ وَإِنَّمَا جَازَ التَّسْبِيحُ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ مَكَانٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا قَدَّمْته وَقَدْ تَوَلَّى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَدَّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تَسْبِيحَهَا حَسَنٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَسْبِيحُهَا جَهْرًا لِلتَّنْبِيهِ لَا تَسْبِيحَهَا فِي نَفْسِهَا سِرًّا فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ فَأَمَّا رَفْعُهَا صَوْتَهَا بِالتَّسْبِيحِ لِتَنْبِيهِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِحَسَنٍ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الرَّجُلَ يُسَبِّحُ جَهْرًا إذَا نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ التَّنْبِيهُ بِالتَّسْبِيحِ سِرًّا وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِمَا يُشْرَعُ لَهَا الْإِتْيَانُ بِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ فَكَيْفَ تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِمَا لَمْ تُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ انْتَهَى. وَيَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُنَبَّهُ مَحْرَمًا أَوْ امْرَأَةً كَمَا قَدَّمْته وَقَدْ سَبَقَنِي إلَى ذِكْرِ ذَلِكَ بَحْثُ شَيْخِنَا الْإِمَامِ جَمَالِ الدِّينِ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَجْهَرُ خَالِيَةً وَبِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالْمَحَارِمِ فَلِمَ لَا أُجِيزُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ التَّسْبِيحَ قَالَ فَإِنْ صَحَّ لَنَا فِي الْمَرْأَةِ ذَلِكَ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْخُنْثَى انْتَهَى. وَلَسْنَا نُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الْمَشْرُوعُ لَهَا التَّسْبِيحَ وَإِنَّمَا نَقُولُ إنَّهَا لَوْ نَبَّهَتْ بِالتَّسْبِيحِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهَا وَالْأَفْضَلُ لَهَا التَّصْفِيقُ وَقَدْ يُدَّعَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّسْبِيحُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَهَيْئَتِهَا مِنْ التَّصْفِيقِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالتَّصْفِيقِ عَلَى الْحَالَةِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ صَلَاتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ وَهِيَ الْحَالَةُ الْكَائِنَةُ وَقْتَ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ «وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» مَشْرُوعِيَّةٌ فِي كُلِّ حَالَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَقُومُ مَقَامُ التَّسْبِيحِ شَيْء مِنْ الْأَذْكَارِ فِي ذَلِكَ] (السَّابِعَةُ) لَوْ أَتَى بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ مِنْ الْأَذْكَارِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ اُلْتُفِتَ إلَيْهِ» وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فِي الصَّحِيحِ «فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَّا الْتَفَتَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ قَدْ صَارَ شِعَارًا لِلتَّنْبِيهِ وَعَلَامَةً عَلَيْهِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى غَيْرِهِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا شَكَّ أَنَّ الِاتِّبَاعَ فِي ذَلِكَ مَقْصُودٌ وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي التَّسْبِيحِ مَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ تَنْبِيهًا لِلْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا غَفَلَ عَنْهُ فَنَاسَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هُوَ جَائِزٌ عَلَى الْبَشَرِ مِنْ النِّسْيَانِ وَالْغَفْلَةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى اسْتَحَبَّ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْحَمَوِيُّ أَنْ يُسَبِّحَ السَّاهِي فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بِلَفْظِ سُبْحَانَ مَنْ لَا يَسْهُو وَلَا يَغْفُلُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِمُنَاسِبَتِهِ فِي الْمَعْنَى. وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ غَيْرِ التَّسْبِيحِ لِبَعْضِ مَا يَنُوبُ فَقَالَ عَقِبَ حَدِيثِ عَلِيٍّ «كُنْت إذَا اسْتَأْذَنْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي يُسَبِّحُ» وَاَلَّذِي أَفْعَلُهُ أَنْ أُعْلِنَ بِالْقِرَاءَةِ وَأَرْفَعَ صَوْتِي بِالتَّكْبِيرِ أَيْ حَالَةَ كُنْت فِيهَا أُظْهِرُهَا لِيَعْلَمَ أَنِّي مُشْتَغِلٌ بِهَا ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُرَاجِعَ مَنْ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ بِدُعَاءٍ أَوْ قُرْآنٍ يَجُوزُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ وَالِدِي وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ أَوْلَى حَيْثُ حَصَلَ بِهِ التَّنْبِيهُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّنْبِيهُ اُنْتُقِلَ إلَى مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ بَلْ إنْ احْتَاجَ إلَى النُّطْقِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّنْبِيهُ إلَّا بِهِ وَكَانَ فِي أَمْرٍ وَاجِبٍ وَجَبَ ذَلِكَ، كَمَا بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَنَسِيَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَافْتَتَحَ قِرَاءَةَ الْغَاشِيَةِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ فَمَا تَنَبَّهَ بِذَلِكَ فَخَرَجَ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ الْفَاتِحَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّنْبِيهُ بِالتَّسْبِيحِ اُنْتُقِلَ إلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّنْبِيهُ اهـ كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِي الْعِلَلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَمَرَّ أَعْرَابِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَأْبَهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا أَعْرَابِيُّ تَنَحَّ عَنْ قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ الْقَائِلُ هَذَا قَالُوا عُمَرُ قَالَ يَا لَهُ فَقِهًا» فَقَالَ أَبِي هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يَحْيَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا اهـ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَقُوم مقام التَّصْفِيقِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِبَعْضِ مَا يَنُوبُ فِي الصَّلَاةِ] 1 (الثَّامِنَةُ) وَلَوْ أَتَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ التَّصْفِيقِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَالضَّرْبِ بِعَصًا أَوْ نَحْوِهَا أَوْ عَلَى الْحَائِطِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهَا ذَلِكَ وَأَنَّ التَّصْفِيقَ لَهَا مُتَعَيَّنٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا ذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّصْفِيقَ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُتَيَسِّرُ لَهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهُوَ الْمُعْتَادُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الضَّرْبِ عَلَى الْحَائِطِ وَبِعَصًا فَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَهَا ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّصْفِيقَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي التَّسْبِيحِ لِلرِّجَالِ، وَقَالَ تَصْفِيقُ الْمَرْأَةِ بِيَدِهَا مُتَيَسِّرٌ فِي حَقِّهَا لِاعْتِيَادِهَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الضَّرْبِ بِالْعَصَا وَنَحْوِهِ فَقَدْ يَظُنُّ الْمُنَبَّهُ أَنَّهُ لِضَرْبِ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهِ وَالتَّصْفِيقُ بِالْيَدِ يَكُونُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَا هِيَ فِيهِ أَوْ نَحْوِهِ اهـ. [فَائِدَةٌ كَيْفِيَّة التَّصْفِيق لِلْإِعْلَامِ فِي الصَّلَاة] 1 (التَّاسِعَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَقْصُودِ بِالتَّصْفِيقِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ الْقَيْنِيِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ بَعْدَهَا نُونٌ دِمَشْقِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ: «التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ تَضْرِبُ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى كَفِّهَا الْيُسْرَى» وَحَكَى الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ أَوْجُهًا: (أَحَدُهَا) وَبِهِ صَدَّرَ كَلَامَهُ أَنْ تَضْرِبَ بَطْنَ كَفِّهَا الْأَيْمَنِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ. (الثَّانِي) أَنْ تَضْرِبَ أَكْثَرَ أَصَابِعَهَا الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِهَا الْيُسْرَى. (الثَّالِثُ) أَنْ تَضْرِبَ أُصْبُعَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ قَالَ وَالْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَضْرِبَ بَطْنَ الْكَفِّ عَلَى بَطْنِ الْكَفِّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَعِبٌ فَلَوْ فَعَلْت ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا لِأَنَّ اللَّعِبَ يُنَافِي الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ التَّصْفِيقَ بِالظَّهْرِ عَلَى الظَّهْرِ وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَقَالَ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَصْفِيقُهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَيْفَ شَاءَتْ بَطْنًا لِبَطْنٍ أَوْ لِظَهْرٍ أَوْ ظَهْرًا لِظَهْرٍ فَالْكَيْفِيَّاتُ أَرْبَعٌ وَاقْتَصَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى صَفْحَ الْكَفِّ مِنْ الْيُسْرَى، وَجَزَمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي عَنْ مَالِكٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّصْفِيقِ لِلْمَرْأَةِ بِأَنَّ التَّصْفِيقَ هُنَا الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى فِي بَاطِنِ الْكَفِّ الْيُسْرَى قَالَا وَهُوَ صَفْحُهَا وَصَفْحُ كُلِّ شَيْءٍ جَانِبُهُ وَصَفْحَا الشَّيْءِ جَانِبَاهُ. (الْعَاشِرَةُ) حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ مِثْلَهُ فِي أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِلنِّسَاءِ التَّصْفِيقُ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ أَصْوَاتَهُنَّ عَوْرَةٌ كَمَا مُنِعْنَ مِنْ الْأَذَانِ، وَمِنْ الْجَهْرِ بِالْإِقَامَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ «إنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» يَعْنِي أَنَّ أَصْوَاتَهُنَّ عَوْرَةٌ فَلَا يُظْهِرْنَهُ اهـ. لَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ نَعَمْ إنْ خُشِيَ الِافْتِتَانُ بِسَمَاعِهِ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا فَالتَّعْلِيلُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ أَوْلَى كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا كُرِهَ التَّسْبِيحُ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ فِتْنَةٌ وَلِهَذَا مُنِعَتْ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهَا اهـ. لَكِنَّ قَوْلَ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَالْقُرْطُبِيِّ وَالْجَهْرُ بِالْإِقَامَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: وَالْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُمْنَعْ مِنْ الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا مُنِعَتْ مِنْ الْجَهْرِ بِهَا فَالْمَرْأَةُ تُقِيمُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَجْهَرُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّصْفِيقُ بِالْيَدَيْنِ مُطْلَقًا لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّصْفِيقُ بِالْيَدَيْنِ مُطْلَقًا لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِكَوْنِهِ جَعَلَ التَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمُقْتَضَى قَاعِدَةِ مَنْ يَأْخُذُ بِالْمُطْلَقِ وَهُمْ الْحَنَابِلَةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ عَدَمُ جَوَازِهِ مُطْلَقًا وَمَتَى كَانَ فِي تَصْفِيقِ الرَّجُلِ تَشَبُّهٌ بِالنِّسَاءِ فَيَدْخُلُ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي فِي ضَرْبِ بَطْنِ إحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى بَطْنِ الْأُخْرَى وَلَا يَأْتِي فِي مُطْلَقِ التَّصْفِيقِ. [فَائِدَةٌ الْإِشَارَةِ الْمُفَهَّمَة فِي الصَّلَاةِ] 1 (الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَأَيْت رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسَبِّحُونَ وَيُشِيرُونَ أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَجَمَعَ بَيْنَهَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إفْهَامَ مَا فِي النَّفْسِ وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَفْعَلُونَهُمَا مُتَفَرِّقِينَ فِيهِ نَظَرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى جَوَازِ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ مُفْهِمَةً وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَادِيثُ تَكَادُ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَالنَّاطِقِ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ خَادِمَهَا يَقْسِمُ الْمَرَقَةَ فَتَمُرُّ بِهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَتُشِيرُ إلَيْهَا أَنْ زِيدِي وَتَأْمُرَ بِالشَّيْءِ لِلْمُسْلِمِينَ تُومِئُ بِهِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَوْمَأَ إلَى رَجُلٍ فِي الصَّفِّ وَرَأَى خَلَلًا أَنْ تَقَدَّمْ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنِّي لَأَعُدُّهَا لِلرَّجُلِ عِنْدِي يَدًا أَنْ يَعْدِلَنِي فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إنْسَانٌ يَمُرُّ بِي فَأَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا فَيُقْبِلُ فَأَقُولُ لَهُ بِيَدِي أَيْنَ تَذْهَبُ فَيَقُولُ إنِّي كَذَا وَكَذَا وَأَنَا فِي الْمَكْتُوبَةِ هَلْ انْقَطَعَتْ صَلَاتِي فَقَالَ لَا وَلَكِنْ أَكْرَهُ قُلْت فَأَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ قَالَ: لَا. وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَامَتْ إلَى الصَّلَاةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ فَأَشَارَتْ إلَى الْمِلْحَفَةِ فَنَاوَلَتْهَا وَكَانَ عِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَأَوْمَأَتْ إلَيْهِنَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ بِيَدِهَا يَعْنِي وَهِيَ تُصَلِّي وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ كَانَ يَجِيءُ الرَّجُلَانِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَيُصْغِي لَهَا سَمْعَهُ فَإِذَا فَرَغَ يُومِئُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَسُلِّمَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ وَلْيُشِرْ إشَارَةً فَإِنَّ ذَلِكَ رَدُّهُ وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ وَنَزَّلُوهَا مَنْزِلَةَ الْكَلَامِ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْ لَهَا» يَعْنِي الصَّلَاةَ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد أَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ وَلَعَلَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ الصَّحِيحُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ» وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ هَذَا الْكَلَامُ وَلَيْسَ عِنْدِي بِذَاكَ الصَّحِيحِ إنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقُولُ: وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ «قَالَ هَذَا مِثْلُ الْأُسْطُوَانَةِ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: أَيُّ إسْنَادٍ صَحِيحٍ أَصَحُّ مِنْ هَذَا؟ وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ: «بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» ، وَقَالَ «فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ»   Q [بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ] [حَدِيث رفع الْيَدَيْنِ عِنْد افْتِتَاح الصَّلَاة وَالرُّكُوع والرفع مِنْهُ] ِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقُولُ وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا كَبَّرُوا وَإِذَا رَكَعُوا وَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنْ الرُّكُوعِ كَأَنَّهَا الْمَرَاوِيحُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَجَمَاعَةٍ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَلَا يَفْعَلْهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ إنَّ قَوْلَ بُنْدَارٍ " بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ " وَهْمٌ وَقَوْلَ ابْنِ سِنَانٍ " فِي السُّجُودِ " أَصَحُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ» ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلطَّبَرَانِيِّ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ وَإِذَا سَجَدَ» وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَحِينَ يَرْكَعُ وَحِينَ يَسْجُدُ» وَلِأَبِي دَاوُد «وَإِذَا رَفَعَ لِلسُّجُودِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «وَإِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ «كُلَّمَا كَبَّرَ وَرَفَعَ وَوَضَعَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ»   Qاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ نَقُولُ. انْتَهَى. وَقَدْ حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَبُو مُصْعَبٍ وَأَشْهَبُ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَجَزَمَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يُرْوَى عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْيَمَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَمَكْحُولٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَنَافِعٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ عِدَّةٌ كَثِيرَةٌ انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ ثُمَّ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ ثُمَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ «مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» وَقَالَ: الصَّحِيحُ يُكَبِّرُ وَصَحَّحَ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ الرَّفْعِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَأَعَلَّهُ الْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مِنْ حَدِيثِ خَمْسِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ الْعَشَرَةُ..   Qوَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ وَعِدَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيمَا سِوَى الِافْتِتَاحِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَعَلَّقَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ أَكْثَرُ الْمَالِكِيِّينَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ أَنْ أَرْفَعَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ الرَّفْعَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَخَيْثَمَةَ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ. وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الرَّفْعَ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ وَأَصَحُّهَا. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ عَمَلِ الصَّحَابَةِ وَمَذْهَبِ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَكَرَ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ لَا يَعْلَمُ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ تَرَكُوا بِأَجْمَعِهِمْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَهْلَ الْكُوفَةِ فَكُلُّهُمْ لَا يَرْفَعُ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكُ الرَّفْعِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ مِمَّنْ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ إلَّا ابْنُ مَسْعُودٍ وَحْدُهُ. وَرَوَى الْكُوفِيُّونَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَوَى الْمَدَنِيُّونَ عَنْهُ الرَّفْعَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ انْتَهَى. وَذَكَرَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الطَّرِيقَ عَنْ عَلِيٍّ فِي تَرْكِ الرَّفْعِ وَاهِيَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُمَا لَا يُثْبِتُهُ أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا مَرَّةً أَغْفَلَا رَفْعَ الْيَدَيْنِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: ذَهَبَ عَنْهُمَا حِفْظُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَفِظَهُ ابْنُ عُمَرَ لَكَانَتْ لَهُ الْحُجَّةُ انْتَهَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ صَلَّيْت فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَإِذَا أَبُو حَنِيفَةَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَابْنُ الْمُبَارَكِ إلَى جَنْبِهِ يُصَلِّي فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَكَعَ وَكُلَّمَا رَفَعَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْفَعُ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُك تُكْثِرُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ أَرَدْت أَنْ تَطِيرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ رَأَيْتُك تَرْفَعُ يَدَيْك حِينَ افْتَتَحْت الصَّلَاةَ فَأَرَدْتَ أَنْ تَطِيرَ فَسَكَتَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ وَكِيعٌ: مَا رَأَيْت جَوَابًا أَحْضَرَ مِنْ جَوَابِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ اجْتَمَعَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ بِمِنًى فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ: لِمَ لَا تَرْفَعُ يَدَيْك فِي خَفْضِ الرُّكُوعِ وَرَفْعِهِ؟ . فَقَالَ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَرْوِي لَك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُعَارِضُنِي بِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَيَزِيدُ رَجُلٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَحَدِيثُهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ قَالَ فَاحْمَارَّ وَجْهُ سُفْيَانَ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَأَنَّك كَرِهْتَ مَا قُلْتُ قَالَ الثَّوْرِيُّ نَعَمْ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قُمْ بِنَا إلَى الْمَقَامِ نَلْتَعِنُ أَيُّنَا عَلَى الْحَقِّ قَالَ فَتَبَسَّمَ الثَّوْرِيُّ لَمَّا رَأَى الْأَوْزَاعِيَّ قَدْ احْتَدَّ. [فَائِدَةٌ هَلْ رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الصَّلَاة وَاجِب أَوْ مُسْتَحَبّ] 1 (الثَّانِيَةُ) الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فِعْلُ الرَّفْعِ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ وَلَا اسْتِحْبَابِهِ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَقِيلَ بِالْوُجُوبِ وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا انْتَهَى. وَفِي حِكَايَةِ هَذَا الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الرَّفْعِ وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد إيجَابُهُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَبِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ السَّيَّارِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ انْتَهَى. (قُلْت) وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ مَنْ رَأَى الرَّفْعَ وَعَمِلَ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُبْطِلُ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ إلَّا الْحُمَيْدِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّفْعَ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ فَقِيلَ لَهُ فَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَوْلُ الْحُمَيْدِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ شُذُوذٌ عَنْ الْجُمْهُورِ وَخَطَأٌ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ انْتَهَى. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ إيجَابَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالْقِيَامِ مِنْ السُّنَنِ عَنْ قَوْمٍ وَاعْتَرَضَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُوجِبُ الرَّفْعَ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ بَعْضِهِمْ وُجُوبَ الرَّفْعِ كُلِّهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى: وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّكْبِيرِ مِنْ الْإِحْرَامِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى. وَقَدْ ثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَلْ فِي وُجُوبِ الرَّفْعِ كُلِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَسْتَحِبُّ الرَّفْعَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ شَعْبَانَ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَلِهَذَا حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الرَّفْعِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَكَأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ إلَى الْجَوَازِ لِهَذِهِ الْقَوْلَةِ لَكِنَّهَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ لَا مُعَوَّلَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يُقَارِن الرَّفْع التَّكْبِير فِي الصَّلَاة] 1 (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا رَفَعَ يَدَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ هُوَ التَّكْبِيرُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي الرَّفْعِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّكْبِيرِ فَأَتَى بِالرَّفْعِ وَالتَّكْبِيرِ مُقْتَرِنَيْنِ وَهَذَا مَذْهَبٌ سَنَحْكِيهِ وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَهُمَا كَذَلِكَ» وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي تَقْدِيمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى التَّكْبِيرِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مَعَ إرْسَالِ الْيَدَيْنِ وَيُنْهِيهِ مَعَ انْتِهَائِهِ. (وَالثَّانِي) يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ قَارَّتَانِ ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَيَدُلُّ لَهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُنْسَبُ إلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرُهَا مُخَالِفٌ لَهُ وَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَسْتَحْضِرْ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد هَذِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. (وَالثَّالِثُ) يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَيُنْهِيهِمَا مَعًا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْمُسَمَّى بِالتَّنْقِيحِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالرَّابِعُ يَبْتَدِئُهُمَا مَعًا وَيُنْهِي التَّكْبِيرَ مَعَ انْتِهَاءِ الْإِرْسَالِ. (وَالْخَامِسُ) يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَلَا اسْتِحْبَابَ فِي الِانْتِهَاءِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ تَمَّمَ الْبَاقِيَ وَإِنْ فَرَغَ مِنْهُمَا حَطَّ يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَدِمْ الرَّفْعَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ تَبَعًا لِنَقْلِ الرَّافِعِيِّ لَهُ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ صَحَّتْ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فَلْنَقْبَلْ الْكُلَّ وَلْنُجَوِّزْهَا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الْكَيْفِيَّاتِ كُلَّهَا عَلَى السَّوَاءِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِذَا شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَعَهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي شَرْحِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْبِدَايَةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ: هَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ كَيْفِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ] (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ» بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ أَوَّلِهِ أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الرَّفْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ «رَفَعَ» أَيْ حَتَّى يُحَاذِيَ الرَّفْعُ مَنْكِبَيْهِ وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ» وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَأَخَذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بِحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَائِلٍ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الْمُصَلِّي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِنْ شَاءَ إلَى الْأُذُنَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ وَأَنَا إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَمِيلُ انْتَهَى. وَأَخَذَ بِحَدِيثِ وَائِلٍ فِي ذَلِكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فَإِمَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِالْجَمِيعِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا أَنْ تُتْرَكَ رِوَايَةُ مَنْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ يَعْنِي رِوَايَةَ الرَّفْعِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا أَثْبَتُ إسْنَادًا وَأَنَّهَا حَدِيثُ عَدَدٍ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَيْفِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَا فَوْقَ أُذُنَيْهِ مَعَ رَأْسِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ وَكُلُّهَا آثَارٌ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأَثْبَتُ مَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَفِيهِ «حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَع يَدَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَفِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ دُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ حَسَنٌ وَابْنُ عُمَرَ رَوَى الْحَدِيثَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَخْرَجِهِ وَتَأْوِيلِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيُّ فِي صِفَةِ الرَّفْعِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: حَذْوَ الصَّدْرِ، وَقِيلَ حَذْوَ الْمَنْكِبِ، وَقِيلَ حَذْوَ الْأُذُنِ فَأَمَّا حِيَالَ الصَّدْرِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَمَّا حِيَالَ الْمَنْكِبِ وَالْأُذُنِ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنْ تَكُونَ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ بِإِزَاءِ الْأُذُنَيْنِ وَآخِرُ الْكَفِّ بِإِزَاءِ الْمَنْكِبَيْنِ فَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ أَيْ أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَبِهَذَا جَمَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْهُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ فِي قَدْرِ الرَّفْعِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ (وَالثَّانِي) إلَى أَنْ تُحَاذِيَ رُءُوسُ أَصَابِعِهِ أُذُنَيْهِ (وَالثَّالِثُ) إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ وَكَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بِأَصَابِعِهِ مَنْكِبَيْهِ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْأُذُنِ هُوَ شَحْمَتَهُ وَأَسَافِلَهُ لَا أَعْلَاهُ وَإِلَّا اتَّحَدَ مَعَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْقَوْلُ الثَّالِثِ وَلَمْ يَنْقُلْ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ إلَّا لِابْنِ كَجٍّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا إلَّا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ فَظَهَرَ تَفَرُّدُ الْغَزَالِيِّ بِمَا نَقَلَ مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ لَا إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنْ يُحَاذِيَ بِالْكُوعِ الصَّدْرَ وَبِطَرَفِ الْكَفِّ الْمَنْكِبَ وَبِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ الْأُذُنَيْنِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَهَيَّأُ إذَا كَانَتْ يَدَاهُ قَائِمَتَيْنِ، رُءُوسُ أَصَابِعِهِمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَهُوَ صِفَةُ الْعَابِدِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يَكُونَانِ مَبْسُوطَتَيْنِ بُطُونُهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَظُهُورُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَهِيَ صِفَةُ الرَّاهِبِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنَّمَا كَانَ الرَّفْعُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «وَقَتَ كَانَتْ يَدَاهُ فِي ثِيَابِهِ» بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «فَرَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَفِيهِ «ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ وَأَشَارَ شَرِيكٌ إلَى صَدْرِهِ» انْتَهَى. وَاعْتَرَضَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ «الرَّفْعُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ» أَيْضًا وَهُوَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ بَقِيَّةَ الرِّوَايَاتِ قَالَ: مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُسْتَطَاعُ الرَّفْعُ فِي الثِّيَابِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَفِي زَعْمِهِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَلَمْ يَرْفَعْهُمَا فِي رِوَايَتِهِ إلَّا إلَى صَدْرِهِ فَكَيْفَ حَمَلَ سَائِرَ الْأَخْبَارِ عَلَى خَبَرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ اهـ. [فَائِدَةٌ يُفَرَّق فِي مُنْتَهَى الرَّفْعِ لِلْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ لَا فَرْقَ فِي مُنْتَهَى الرَّفْعِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَرْفَعُ الرَّجُلُ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَالْمَرْأَةُ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا وَعَنْ الزُّهْرِيِّ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا: تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ ثَدْيَيْهَا وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ أَنَّهَا رَفَعَتْ يَدَيْهَا فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ ثَدْيَيْهَا وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ إنَّ لِلْمَرْأَةِ هَيْئَةٌ لَيْسَتْ لِلرِّجَالِ وَإِنْ تَرَكَتْ ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَلَا حَرَجَ. [فَائِدَةٌ الْحِكْمَة فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ] 1 (السَّادِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَلْتُهُ إعْظَامًا لِلَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ اسْتِكَانَةٌ وَاسْتِسْلَامٌ وَانْقِيَادٌ وَكَانَ الْأَسِيرُ إذَا غُلِبَ مَدَّ يَدَيْهِ إعْلَامًا بِاسْتِسْلَامِهِ وَقِيلَ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى اسْتِعْظَامِ مَا دَخَلَ فِيهِ وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى طَرْحِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَمُنَاجَاةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَتَطَابَقَ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الْأَخِيرُ يَخْتَصُّ بِالرَّفْعِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِهَا نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرُ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ قَدْ ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ وَهُوَ إعْلَامُ الْأَصَمِّ وَنَحْوِهِ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْمُهَلَّبِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى نَفْيِ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ: فِيهِ أَقْوَالٌ أَنْسَبُهَا مُطَابِقَةُ قَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ لِفِعْلِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَغَيْرِهِ خُضُوعٌ وَاسْتِكَانَةٌ وَابْتِهَالٌ وَتَعْظِيمٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ مِنْ زِينَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةٌ وَزِينَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَرَفْعُ الْأَيْدِي فِيهَا وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ كَانَ يُقَالُ: لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةٌ وَزِينَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَرَفْعُ الْأَيْدِي عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَحِينَ تُرِيدُ أَنْ تَرْكَعَ وَحِينَ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ لَهُ بِكُلِّ إشَارَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ بِكُلِّ أُصْبُعٍ حَسَنَةٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ مَا مَعْنَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: مِثْلُ مَعْنَى رَفْعِهِمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ يُرْجَى فِيهَا ثَوَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِثْلُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَغَيْرِهِمَا. (السَّابِعَةُ) ذَكَرَ الْإِمَام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ شَيْخِهِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» وَأَنَّهُ قَالَ مَرَّةً «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» وَاَلَّذِي رَوَاهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» كَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَمْرِ وَالنَّاقِدِ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ وَالْفَضْلِ بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَغْدَادِيِّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَأَبِي عُمَرَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الضَّرِيرِ الْمُقْرِئِ كُلِّهِمْ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ «وَبَعْدَ الرُّكُوعِ» . وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِذَا أَرَادَ الرَّفْعَ أَوْ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَذَكَرُوا أَنَّ ابْتِدَاءَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ يَكُونُ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ الرَّأْسِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ رَفَعَ مَعْنَاهُ أَرَادَ الرَّفْعَ وَيُمْكِنُ أَنْ تُرَدَّ إلَيْهَا رِوَايَةُ أَحْمَدَ الْأُخْرَى بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ «وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» بَعْدَ مَا يَشْرَعُ فِي رَفْعِ رَأْسِهِ فَتُتَّفَقُ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مُقَارِنٌ لِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ. [فَائِدَةٌ رَفْعُ الْيَدَيْنِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» وَهُوَ أَعَمُّ لِتَنَاوُلِهِ النُّزُولَ لِلسَّجْدَةِ الْأُولَى وَرَفْعَ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي لَفْظٍ آخَرَ «وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ رَاوِيَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ «بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَصَوَّبَ بَقِيَّةَ الْأَلْفَاظِ لِعُمُومِهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ إنَّ قَوْلَ بُنْدَارٍ «بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَهْمٌ وَقَوْلَ ابْنِ سِنَانٍ «فِي السُّجُودِ» أَصَحُّ وَيُعَارِضُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ وَإِذَا سَجَدَ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَحِينَ يَرْكَعُ وَحِينَ يَسْجُدُ» وَلِأَبِي دَاوُد «وَإِذَا رَفَعَ لِلسُّجُودِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» . وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «وَإِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ» . وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ «كُلَّمَا كَبَّرَ وَرَفَعَ وَوَضَعَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ «مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ شَاذَّةٌ وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» وَقَالَ الصَّحِيحُ «يُكَبِّرُ» . وَصَحَّحَ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ حَدِيثَ الرَّفْعِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَأَعَلَّهُ الْجُمْهُورُ وَقَدْ ذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا فِي الْأَصْلِ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى. فَتَمَسَّكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا نَفْيَ الرَّفْعِ فِي السُّجُودِ لِكَوْنِهَا أَصَحَّ وَضَعَّفُوا مَا عَارَضَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَخَذَ آخَرُونَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الرَّفْعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَصَحَّحُوهَا وَقَالُوا: هِيَ مُثْبِتَةٌ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ مُتَوَاتِرَةٌ تُوجِبُ يَقِينَ الْعِلْمِ وَنُقِلَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَطَاوُسٍ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمْر وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَحَكَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَفِي أَوَاخِرِ الْبُوَيْطِيِّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الرَّفْعَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ. [فَائِدَةٌ هَلْ ترفع الْيَدَانِ فِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ] 1 (التَّاسِعَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ «وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّفْعِ فِي الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذَكَرُهَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّفْيِ فِي السُّجُودِ مَعْنًى لِوُجُودِ النَّفْيِ فِي غَيْرِ السُّجُودِ أَيْضًا فَدَلَّ النَّفْيُ عَنْ السُّجُودِ عَلَى ثُبُوتِ الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ وَمَا هُوَ إلَّا الْقِيَامُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ» وَيَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو دَاوُد الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ الرَّفْعَ فَقَالَ: إنَّهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كُلَّمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَالْقَوْلُ بِهِ لَازِمٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي قَبُولِ الزِّيَادَاتِ. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ سُنَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي بِخِلَافِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعُوا مَا قُلْت. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقِيَاسُ نَظَرِهِ أَنْ يُسَنَّ الرَّفْعُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ بِإِثْبَاتِ الرَّفْعِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى مَنْ رَوَى الرَّفْعَ فِي التَّكْبِيرِ، قَطُّ وَجَبَ أَيْضًا أَنْ يُثْبِتَ الرَّفْعَ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ الرَّفْعَ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ وَالْحُجَّةُ وَاحِدَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَوَّلُ رَاضٍ سِيرَةَ مَنْ يَسِيرُهَا وَالصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ لِثُبُوتِهِ فِي الْحَدِيثِ، أَمَّا كَوْنُهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُمْ إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ الرَّفْعَ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَبِهَذَا نَقُولُ وَفِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ وَبِهِ أَقُولُ وَلِقَوْلِهِ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي؛ وَلِذَلِكَ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ وَأَطْنَبَ فِي ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ هَذِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهَا فِي صَحِيحِهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الرَّفْعُ عِنْدَ الْقِيَامِ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ فِيهِ يَجِبُ قَبُولُهَا لِمَنْ يَقُولُ بِالرَّفْعِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ مَا يَدْفَعُهَا بَلْ فِيهِ مَا يُثْبِتُهَا وَهُوَ قَوْلُهُ «وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» فَدَلِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا فِي كُلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَفْضٍ وَرَفْعٍ مَا عَدَا السُّجُودِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَا زَادَهُ ابْنُ عُمَرَ وَعَلِيٌّ وَأَبُو حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ» كُلُّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا صَلَاةً وَاحِدَةً وَيَخْتَلِفُونَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ الثِّقَةِ. (الْعَاشِرَةُ) مَا ذَكَرَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ خَمْسِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ فَقَالَ: وَقَدْ جَمَعْت رُوَاتَهُ فَبَلَغُوا نَحْوَ الْخَمْسِينَ لَكِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ اقْتَصَرَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالسَّلَفِيُّ قَالَ: رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَوْلُهُ إنَّ مِنْهُمْ الْعَشَرَةَ سَبَقَهُ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ سَمِعْتُ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْحَافِظِ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَنَّةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ أُسْتَاذُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِلْمَامِ جَزْمُهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّمَا الْجَزْمُ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الصِّحَّةِ وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ. (قُلْت) وَلِذَلِكَ أَتَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ رُوِيَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ رَوَاهُ الْعَشَرَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْدَهْ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، لَكِنْ فِي تَخْصِيصِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ رِوَايَةُ الْعَشَرَةِ بِحَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ نَظَرٌ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ رَوَاهُ الْعَشَرَةُ فَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُقَدَّمَةِ الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ غَيْرُهُ. وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ هَذَا وَفِي هَذَا الْحَصْرِ نَظَرٌ أَيْضًا لِمَا عَرَفْت وَقَدْ شَارَكَهُمَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ سِتِّينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ الْعَشَرَةُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْدَهْ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 بَابُ التَّأْمِينِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»   Q [بَابُ التَّأْمِينِ] [حَدِيث إذَا قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ] ِ وَهُوَ مَصْدَرٌ لِقَوْلِهِ «أَمَّنَ» وَمَعْنَى أَمَّنَ قَالَ آمِينَ، وَفِي آمِينَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ وَلَمْ يَحْكِ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرَهُمَا، وَأَشْهَرُهُمَا الْمَدُّ وَالثَّالِثَةُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَتَشْدِيدُ الْمِيمِ خَطَأٌ وَآمِينَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ كَأَيْنَ وَكَيْفَ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ: الْمَعْنَى اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا لِيَكُنْ كَذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ: اسْمُ قَبِيلَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ أَنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ خَتَمَ بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ» عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ التَّأْمِينُ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَحِبَّ لِلْإِمَامِ التَّأْمِينَ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ» عَلَى بُلُوغِهِ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ وَهُوَ خَاتِمَةُ الْفَاتِحَةِ كَمَا يُقَالُ: أَنْجَدَ إذَا بَلَغَ نَجْدًا وَأَتْهَمَ إذَا بَلَغَ تِهَامَةَ وَأَحْرَمَ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ قَالَ: وَهَذَا مَجَازٌ فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يُرَجِّحُهُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «إذَا أَمَّنَ» وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّأْمِينِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ قَالَ وَلَعَلَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَمَدَ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنْ كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ وَرَجَّحَ بِهِ مَذْهَبَهُ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا حَكَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ عَنْهُمْ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهِيَ رِوَايَةُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ؛ لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ فَتُوَافِقُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . زَادَ مُسْلِمٌ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ»   Qلَفْظَهَا «إذَا قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ» فَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ الْمَحْمَلَ الَّذِي أَوَّلُوا عَلَيْهِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَيْضًا يُنَافِي تَأْوِيلُهُمْ قَوْلَهُ «فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» . 1 - (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْمَلَائِكَةِ قُوَّةَ الْإِدْرَاكِ بِالسَّمْعِ وَهُمْ فِي السَّمَاءِ لِمَا يَنْطِقُ بِهِ بَنُو آدَمَ فِي الْأَرْضِ أَوْ لِبَعْضِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَكَانَ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّمَاءِ الْعُلُوُّ وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (الثَّالِثَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ الْحَفَظَةِ لِتَقْيِيدِ تَأْمِينِهِمْ بِالسَّمَاءِ وَالْحَفَظَةُ مَعَ بَنِي آدَمَ وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ خِلَافًا هَلْ هُمْ الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ. [فَائِدَةٌ الْمُرَادَ بِمُوَافَقَةِ تَأْمِينُ ابْنِ آدَمَ تَأْمِينُ الْمَلَائِكَةِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ «فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَافَقَةُ فِي الزَّمَنِ بِحَيْثُ يَقَعُ تَأْمِينُ ابْنِ آدَمَ وَتَأْمِينُ الْمَلَائِكَةِ مَعًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُوَافَقَةُ فِي صِفَةِ التَّأْمِينِ مِنْ كَوْنِهِ بِإِخْلَاصٍ وَخُشُوعٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا بَعِيدٌ وَقِيلَ: مَنْ وَافَقَ الْمَلَائِكَةَ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ غُفِرَ لَهُ وَقِيلَ: مَنْ وَافَقَهُمْ فِي لَفْظِ الدُّعَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (الْخَامِسَةُ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ «غُفِرَ لَهُ» رَاجِعٌ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى ذِكْرٌ لِلْمَأْمُومِ أَصْلًا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِمَامِ. (السَّادِسَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَغْفِرَةُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الذُّنُوبِ سَوَاءٌ فِيهِ الصَّغَائِرُ وَالْكَبَائِرُ وَقَدْ خَصَّ الْعُلَمَاءُ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ فَقَطْ وَقَالُوا: إنَّمَا يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ التَّوْبَةُ وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا التَّقْيِيدَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ حَمَلُوا مَا أُطْلِقَ فِي غَيْرِهَا عَلَيْهَا كَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (السَّابِعَةُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ التَّأْمِينَ فِي الصَّلَاةِ مُبْطِلٌ لَهَا وَهُمْ فِي ذَلِكَ خَارِقُونَ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا صَحِيحَةً وَلَا سَقِيمَةً. 1 - (الطَّرِيقُ الثَّانِي لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ فَتُوَافِقُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . وَفِيهَا فَائِدَتَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ» وَلَهُ «إذَا قَالَ الْقَارِئُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ: آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَلِلْبُخَارِيِّ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» الْحَدِيثَ..   Qالْأُولَى) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّأْمِينِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ «أَحَدُكُمْ» قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَذَّ يُؤَمِّنُ مُطْلَقًا وَالْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيمَا يُسِرَّانِ فِيهِ يُؤَمِّنَانِ. (الثَّانِيَةُ) أَطْلَقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّأْمِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالصَّلَاةِ فَمَنْ قَالَ: يُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ يَقُولُونَ: إنَّ هَذَا الثَّوَابَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالصَّلَاةِ بَلْ التَّأْمِينُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حُكْمُهُ هَكَذَا وَيُقَالُ لَهُمْ: إنَّ الثَّوَابَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى مُوَافَقَةِ تَأْمِينِ ابْنِ آدَمَ لِتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا نُقِلَ لَنَا تَأْمِينُ الْمَلَائِكَةِ لِتَأْمِينِ الْمُصَلِّي كَمَا سَيَأْتِي فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثِ وَأَمَّا مَنْ حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّهُ يَخُصُّهُ بِالصَّلَاةِ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ آمِينَ» . 1 - (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) «إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ التَّأْمِينُ لِلْمَأْمُومِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ عَلَى تَأْمِينِهِ فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ لَمْ يُؤَمِّنْ الْمَأْمُومُ وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ بَلْ ادَّعَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَمِّنْ الْإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ بِهِ سَوَاءٌ تَرَكَهُ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَقَالَ إنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي مُجَلِّي فِي الذَّخَائِرِ. [فَائِدَةٌ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ] 1 (الثَّانِيَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَأْمِينَ الْمَأْمُومِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ وَقَدْ جَزَمَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِاسْتِحْبَابِ مُقَارَنَةِ الْإِمَامِ فِيهِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مُسَاوَاتُهُ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَيُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ التَّأْمِينَ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ لَا لِتَأْمِينِهِ. (قُلْت) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي آخَرِ الْبَابِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» الْحَدِيثَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ صَحَّحَ رِوَايَةَ مَنْ جَعَلَهُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ مُرْسَلًا ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بِلَالٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَكَأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَمِّنُ قَبْلَ تَأْمِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ» كَمَا قَالَ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» . [فَائِدَةٌ جَهَرُ الْإِمَام بِالتَّأْمِينِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ] (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَإِلَّا لَمَا عَلَّقَ تَأْمِينَهُمْ عَلَى تَأْمِينِهِ وَإِنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالسَّمَاعِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ أَضْعَفُ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى نَفْسِ التَّأْمِينِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى تَأْمِينِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ جَهْرٍ. (قُلْت) قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالْجَهْرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَهَرَ بِآمِينَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ بِلَفْظٍ «وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» فَهِيَ خَطَأٌ خَطَّأَهُ فِيهَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مَرْفُوعًا «كَانَ إذَا قَالَ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَنَا أَهْلَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ» لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «هَذَا جَهْرُ الْمَأْمُومِينَ» أَيْضًا بِالتَّأْمِينِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْجَدِيدِ لَا يَجْهَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَجْهَرُ. [فَائِدَةٌ يُسْتَحَبُّ التَّأْمِينُ لِقِرَاءَةِ الْقَارِئِ مُطْلَقًا] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْمِينُ لِقِرَاءَةِ الْقَارِئِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُهُ بِكَوْنِهِ إمَامًا لَكِنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ الَّتِي فِي آخَرِ الْبَابِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ قَالَ «إذَا قَالَ الْقَارِئُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ» الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ» الْحَدِيثَ. [فَائِدَةٌ تَعْيِين قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِلْإِمَامِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِقَوْلِهِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» عَلَى تَعْيِينِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِلْإِمَامِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ نَظَرٌ وَالْأَدِلَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ قَائِمَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ فِيمَا جَهَرَ بِهِ إمَامُهُ وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ وَالْأَدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ قَائِمَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا. [فَائِدَةٌ الْمَأْمُومَ يُؤَمِّنُ وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَةِ نَفْسِهِ] 1 (السَّابِعَةُ) فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ لِتَأْمِينِ الْإِمَامِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُؤَمِّنُ وَإِنْ كَانَ يَقْرَأُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تَنْقَطِعُ الْمُوَالَاةُ بِذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ اسْتِئْنَافُهَا أَمْ لَا تَنْقَطِعُ وَيُبْنَى عَلَيْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بَلْ زَادَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ صَاحِبُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى ثُمَّ قَرَأَ الْإِمَامُ اسْتَمَعَ الْمَأْمُومُ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ وَسَكَتَ فِي الثَّانِيَةِ أَتَمَّهَا وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَذَا السُّكُوتِ فَكَأَنَّ الْفَارِقِيَّ لَحَظَ كَوْنَ الْفَصْلِ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ انْتَهَى. وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ كَالْعَاطِسِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّأْمِينِ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ] 1 (الثَّامِنَةُ) الْمُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّأْمِينِ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ» فَإِنَّ فِي إسْنَادِهِ أَبَا بَكْرٍ النَّهْشَلِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَالَ آمِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ حَسَنًا وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ فِي الرَّوْضَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَأَشْبَاهِهَا مِنْ السُّوَرِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. .   Q [بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ] [حَدِيث صَلَاة الْعِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَأَشْبَاهِهَا] (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَأَشْبَاهِهَا مِنْ السُّوَرِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «مَا صَلَّيْت وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهِ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فُلَانٍ قَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَبِأَشْبَاهِهَا» وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «فِي قِصَّةِ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ الْعِشَاءَ وَأَمْرِهِ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ» وَلِمُسْلِمٍ أَنَّهُ «أَمَرَهُ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى» وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِسُورَتَيْنِ مِنْ الْمُفَصَّلِ نَحْوِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ وَأَشْبَاهِهَا. (الثَّانِيَةُ) الْمُرَادُ «بِأَشْبَاهِهَا مِنْ السُّوَرِ» وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَالضُّحَى وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّاهَا مَعَهَا فِي قِصَّةِ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ الصَّلَاةَ فَأَمَّا وَاللَّيْلِ وَسَبِّحْ فَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا الضُّحَى فَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَهَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ ذَكَرَ «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك» وَأَمَّا إذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ فَرَوَاهَا النَّسَائِيّ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي عِشَاءِ الْآخِرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالسَّمَاءِ يَعْنِي، ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ «قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ» فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ «كَانَ فِي سَفَرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ إطْلَاقُ ذَلِكَ وَفِي كَوْنِ سُورَةِ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَسُورَةِ اقْرَأْ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ اخْتِلَافٌ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَعِينٍ فِي التَّنْقِيبِ أَنَّ أَوْسَاطَهُ مِنْ عَمَّ إلَى الضُّحَى وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا التَّحْدِيدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَمْثِيلُ التِّرْمِذِيِّ أَوْسَاطَهُ بِالْمُنَافِقِينَ وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ تَمْثِيلَ قِصَارِهِ بِالْعَادِيَاتِ وَنَحْوِهَا فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوْسَاطَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا أَنَّ قِصَارَهُ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا أَنَّ طِوَالَهُ فِيهَا مَا هُوَ أَطْوَلُ مِنْ بَعْضٍ. (الثَّالِثَةُ) أَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ ذِكْرَ «الْعِشَاءِ» وَهَكَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَتِهِ «الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا الْآخِرَةَ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا يُسَمُّونَ الْمَغْرِبَ عِشَاءً وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ قَالَ: وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» . [فَائِدَةٌ تَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي الصَّلَاةِ] 1 (الرَّابِعَةُ) تَعَلَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ إنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بُرَيْدَةَ بَيَانَ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ فِيهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقَدْ بَيَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا كَانَ يَبْدَأُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «بِأُمِّ الْقُرْآنِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «فَافْتَتَحُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ سَجْدَةَ» الْحَدِيثِ. وَلَهُمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا هَكَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَعَنْهُ أَنَّ «مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَقَرَأَ فِيهَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ فَصَلَّى وَذَهَبَ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ قَوْلًا شَدِيدًا فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي كُنْت أَعْمَلُ فِي نَخْلٍ وَخِفْت عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. ..   Q [حَدِيث صَلَّى معاذ الْعِشَاء باقتربت السَّاعَةُ ومفارقة بَعْض الْمَأْمُومِينَ لَهُ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهُ أَنَّ «مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَقَرَأَ فِيهَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ فَصَلَّى وَذَهَبَ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ قَوْلًا شَدِيدًا فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي كُنْت أَعْمَلُ فِي نَخْلٍ وَخِفْت عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ بُرَيْدَةَ هَذَا لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ وَانْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ وَعَزَوْتُهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عُرِفَ أَنَّهُ فِيهِ لِئَلَّا أَسْكُتَ عَلَيْهِ فَيُظَنُّ أَنَّهُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ كَمَا نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ أَحَقَّ الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامَةِ أَفْقَهُهُمْ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ أَفْقَهُ قَوْمِهِ فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ بَلْ كَانَ أَعْلَمَ الْأُمَّةِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [فَائِدَةٌ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ وَعُلِمَ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا نَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا عَرَضَ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ مِنْ الشُّغْلِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ. [فَائِدَةٌ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ ذَكَرَ أَنَّهُ خَافَ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ قَضِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُمْ يُخْرِجُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى إحْدَى الْهَيْئَاتِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَمُفَارَقَتُهُمْ لِعُذْرٍ وَأَمَّا الْمُفَارَقَةُ لِغَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعُذْرٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدَهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَالْقَوْلُ الثَّانِي: جَوَازُهُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُسْتَحَبٌّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ النَّافِلَةِ. [فَائِدَةٌ مُفَارَقَة الْمَأْمُومِ لِكَوْنِهِ لَا يَصْبِرُ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ] (الْخَامِسَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مُفَارَقَةَ الْمَأْمُومِ لِكَوْنِهِ لَا يَصْبِرُ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ عُذْرٌ مُجَوِّزٌ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَجُوز خُرُوج الْمَأْمُوم مِنْ صَلَاة الْجُمُعَةِ لِعُذْرٍ] 1 (السَّادِسَةُ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْفَقِيهُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُسْتَحَبٌّ، فَاقْتَضَى وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ فِي الْجُمُعَةِ أَنْ لَا يَجُوزَ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَلَكِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ تَبَعًا لَهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ كَغَيْرِهَا فَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْمُفَارَقَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كَمَا إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَزَادَ عَلَى هَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا جُعِلَ إدْرَاكُهَا بِرَكْعَةٍ لِأَجْلِ الْمَسْبُوقِينَ لَا لِمَنْ خَرَجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ فِيهِ «فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ فَصَلَّى وَذَهَبَ» هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ أَنَّهُ أَبْطَلَ إحْرَامَهُ مَعَهُ ثُمَّ أَنْشَأَ إحْرَامًا مُنْفَرِدًا؟ وَلَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ التَّصْرِيحُ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» فَإِنْ كَانَتْ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ رَأْسًا وَإِنْ كَانَا وَاقِعَتَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخَرِ الْبَابِ فَالْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَلَّمَ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ: لَا أَدْرِي هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِهَا؟ وَانْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ. (الثَّامِنَةُ) وَقَوْلُهُ فِيهِ «فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ قَوْلًا شَدِيدًا» أَبْهَمَ قَوْلَ مُعَاذٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ «إنَّهُ مُنَافِقٌ» . (التَّاسِعَةُ) فِيهِ اعْتِذَارُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَطَأٌ أَوْ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً وَإِظْهَارُهُ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُعْلَمَ بِعُذْرِهِ. (الْعَاشِرَةُ) قَدْ اخْتَلَفَ بَيَانُ عُذْرِهِ الَّذِي اعْتَذَرَهُ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ «كُنْت أَعْمَلُ فِي نَخْلٍ وَخِفْت عَلَى الْمَاءِ» وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «كَانَ مَعَ الرَّجُلِ نَاضِحَانِ وَقَدْ نَضَحَ اللَّيْلَ فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي فَتَرَكَ نَاضِحَيْهِ وَأَقْبَلَ إلَى مُعَاذٍ» الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الرَّجُلِ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ أَنَّ «مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَ مَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَخْرُجُ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا» ، الْحَدِيثَ، وَلَا مُنَافَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ أَصْحَابَ نَوَاضِحَ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ نَاضِحَانِ حِينَئِذٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ هَذَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ خَافَ عَلَى الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إنَّهُ يَأْتِيهِمْ بَعْدَ مَا يَنَامُونَ» لَعَلَّهُ أَرَادَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ غَيْرِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا بِالنَّاضِحَيْنِ أَوْ أَرَادَ بَعْدَ مَا يَدْخُلُ وَقْتُ نَوْمِهِمْ أَوْ بَعْدَ أَنْ نَامَ غَيْرُ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاقِعَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخَرِ الْبَابِ. (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) هَذَا الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ اسْمُهُ سُلَيْمٌ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ «رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: سُلَيْمٌ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَ مَا نَنَامُ وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ» الْحَدِيثَ. وَقِيلَ: إنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ اسْمُهُ حَزْمُ بْنُ أَبِي كَعْبٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَزْمِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ أَنَّهُ «أَتَى مُعَاذًا وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» فِي هَذَا الْخَبَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد هَذِهِ فِيهَا طَالِبُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَطَرِيقُ أَحْمَدَ فِي كَوْنِهِ اسْمَهُ سُلَيْمٌ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قِيلَ: إنَّهُ حَرَامٌ بِالرَّاءِ وَقِيلَ: حَازِمٌ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ بَعْدَهُ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّلَاةَ الَّتِي طَوَّلَ فِيهَا مُعَاذٌ هِيَ الْعِشَاءُ وَوَقَعَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «مَرَّ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِنَاضِحَيْنِ عَلَى مُعَاذٍ وَهُوَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَصَلَّى الرَّجُلُ ثُمَّ ذَهَبَ» الْحَدِيثَ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا ثُمَّ قَالَ كَذَا قَالَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ «الْمَغْرِبُ» قَالَ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ: «الْعِشَاءُ» ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ حَزْمِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ وَقَالَ فِيهِ «الْمَغْرِبُ» ثُمَّ قَالَ وَالرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْعِشَاءِ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرِوَايَةُ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ «الْمَغْرِبُ» عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْمَغْرِبَ وَلَا الْعِشَاءَ وَإِنَّمَا قَالَ «فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي» وَرِوَايَةُ النَّسَائِيّ هَذِهِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِبَقِيَّةِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةِ مُحَارِبٍ هَذِهِ «أَنَّهُ مَرَّ، وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ» وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ جُنْحَ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ وَقِيلَ: قِطْعَةٌ مِنْهُ نِصْفُ النِّصْفِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ هَذَا أَنَّ «مُعَاذًا قَرَأَ بِاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ» وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي بَعْدَهُ «أَنَّهُ قَرَأَ الْبَقَرَةَ» وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ «فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ النِّسَاءِ» وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ الَّتِي قَالَ فِيهَا «أَوْ النِّسَاءِ» شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ. وَقَدْ جَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا الْبَقَرَةُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا مَا شَكَّ فِيهِ مَنْ شَكَّ وَأَمَّا رِوَايَةُ «اقْتَرَبَتْ» فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِكَوْنِهِمَا وَاقِعَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ الْبَابِ فَلَا تَعَارُضَ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْأَرْجَحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ أَصَحُّ لِكَثْرَةِ طُرُقِهَا وَلِكَوْنِهَا اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ فَهِيَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَدْ يُسْتَشْكَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ لِكَوْنِهِمَا وَاقِعَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّخْفِيفِ وَقِرَاءَةِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ السُّوَرِ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى فَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ مُعَاذٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَاقِعَةَ الْأُولَى كَانَ قَرَأَ فِيهَا الْبَقَرَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَلِهَذَا «تَغَيَّظَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا، وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ، فَأَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً قَالَ مَرَّةً: الصَّلَاةَ وَقَالَ مَرَّةً: الْعِشَاءَ، فَصَلَّى مُعَاذٌ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى فَقِيلَ: نَافَقْت يَا فُلَانُ؟ قَالَ مَا نَافَقْت، فَأَتَى النَّبِيَّ   Qعَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ السُّوَرِ وَهِيَ مِنْ الْمُفَصَّلِ» وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَوْسَاطِهِ فَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قِرَاءَةِ مَا شَاءَ مِنْ الْمُفَصَّلِ وَإِنَّمَا سَمَّى لَهُ غَيْرَ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْقِيقِهِ فَاتَّفَقَ أَنَّهُ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى بِاقْتَرَبَتْ وَهِيَ مِنْ الْمُفَصَّلِ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَمَرَهُ أَيْضًا بِأَوْسَاطِهِ فَائْتَمَرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ لَهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْإِمَامَةِ لَمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَأَنَّهُ يَخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْضِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّ سُلَيْمًا صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ قُتِلَ بِأُحُدٍ كَمَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «وَطَالَ عَهْدُ النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ وَوَقَرَ فِي نُفُوسِهِمْ وَشَاهَدَ مُعَاذٌ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّطْوِيلَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ حَتَّى فِي الْمَغْرِبِ فَقَرَأَ فِيهَا بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ كَالطُّورِ» «بَلْ قَرَأَ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ» كَمَا فِي الصَّحِيحِ «ظَنَّ مُعَاذٌ زَوَالَ مَا كَانَ يَخْشَى مِنْ التَّطْوِيلِ فَعَدَلَ إلَى التَّوَسُّطِ فَوَافَقَ صَاحِبَ شُغْلٍ أَيْضًا فَنَهَاهُ ثَانِيًا» ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُعَاذًا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَرَفَ مِنْ قَوْمِهِ إيثَارَ التَّطْوِيلِ فَلِذَلِكَ قَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ فَصَادَفَهُ صَاحِبُ شُغْلٍ فَنَهَاهُ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَعَلَّهُ قَرَأَ الْبَقَرَةَ فِي رَكْعَةٍ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ وَقَرَأَ اقْتَرَبَتْ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى فَانْصَرَفَ آخَرُ. [حَدِيث صَلَاة مُعَاذٌ بِقَوْمِهِ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ فَأَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً قَالَ مَرَّةً: الصَّلَاةَ وَقَالَ مَرَّةً: الْعِشَاءَ فَصَلَّى مُعَاذٌ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى فَقِيلَ: نَافَقْت يَا فُلَانُ قَالَ مَا نَافَقْت فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي مَعَك ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَإِنَّهُ جَاءَ يَؤُمُّنَا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا، وَكَذَا، قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى فَذَكَرْنَا لِعَمْرٍو فَقَالَ أَرَاهُ فَذَكَرَهُ» . وَقَالَ مُسْلِمٍ «فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» ، وَزَادَ فِي قَوْلِ أَبِي الزُّبَيْرِ «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى» ، وَفِيهِ قَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ قَوْلَ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ «وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ   Qمَعَك ثُمَّ رَجَعَ فَيَؤُمُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَإِنَّهُ جَاءَ يَؤُمُّنَا فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا، وَكَذَا» ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي الزُّبَيْرِ وَقَوْلَ عَمْرٍو أَرَاهُ قَدْ ذَكَرَهُ. فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ قَدْ سَقَطَ فَرْضُهُ بِصَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِقَوْمِهِ نَافِلَةً وَهُمْ مُفْتَرِضُونَ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ «هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ الْعِشَاءُ» قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهَا الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» . وَأَجَابَ عَنْهُ الْقَائِلُونَ بِالصِّحَّةِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ لَا فِي النِّيَّاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ تَرْتِيبُ الصَّلَاةِ وَأَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ مُرَادَ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فِي بَقِيَّتِهِ «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . فَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «لَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَمَعَ هَذَا فَقَدْ نَسَخَ بَعْضَ وُجُوهِ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «بِصَلَاتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ قَالَ عَمْرٌو وَلَا أَحْفَظُهُمَا» ، وَلَهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ عَمْرٍو «فَلَوْلَا صَلَّيْت بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «اقْرَأْ» فَذَكَرَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك وَلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ «تِلْكَ» ، وَلَهُ فِي نُسْخَةٍ «الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ «فَيُصَلِّيهَا لَهُمْ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ الْعِشَاءَ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ وَصَحَّحَهَا الْبَيْهَقِيُّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ. ..   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَالِسًا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامٌ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) أَجَابَ الْمُخَالِفُونَ لِقِصَّةِ مُعَاذٍ بِأَجْوِبَةٍ (فَمِنْهَا) أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا عِيٌّ مِنْ الْقَوْلِ، وَتَرُدُّهُ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي آخَرِ الْبَابِ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ. (وَمِنْهَا) أَنَّ مُعَاذًا كَانَتْ صَلَاتُهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَافِلَةً وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِقَوْمِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَلَيْسَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَوْلَى مِمَّا صَارُوا إلَيْهِ فَلَحِقَ بِالْمُجْمَلَاتِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: سُلَيْمٌ أَنَّهُ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَيَأْتِي مُعَاذٌ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا إمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِك أَوْ تَجْعَلَ صَلَاتَك مَعِي» . قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ مَعَ قَوْمِهِ انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ «إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ» . وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ يَتْرُكُ فَضِيلَةَ صَلَاةِ الْفَرْضِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ لَمْ يَقَعْ نَهْيٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» فَلَمْ يَكُنْ مُعَاذٌ لِيُخَالِفَ أَمْرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيُصَلِّي نَافِلَةً بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ فَمُرَادُهُ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَؤُمَّ قَوْمَكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ «أَوْ تَجْعَلَ صَلَاتَك مَعِي» . وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَقْتَصِرُ عَلَى صَلَاتِك مَعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَوْنُ الْفَرْضِ هِيَ الَّتِي كَانَتْ مَعَ قَوْمِهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ وَقَوْلُ جَابِرٍ «هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ» لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَجَابِرٌ مِمَّنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَقَدْ اعْتَرَضَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَذَكَرَهَا ابْنُ جُرَيْجٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قَوْلِ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ قَوْلِ جَابِرٍ وَالْجَوَابُ أَنْ لَا نَحْكُمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مُدْرَجَةٌ بِالِاحْتِمَالِ وَإِذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْحَدِيثِ فَهِيَ مِنْ كَلَامِ الَّذِي رَوَى الْقِصَّةَ وَهُوَ جَابِرٌ وَهُوَ مِمَّنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِقِصَّةِ مُعَاذٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ تَرْكِ إنْكَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَبْعُدُ بَلْ يَمْتَنِعُ عَادَةً أَنْ يَتَرَافَعُوا فِي قِصَّةٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا. (وَمِنْهَا) أَنَّ حَدِيثَ «فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» نَاسِخٌ لِقِصَّةِ مُعَاذٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ مَعَ مُعَاذٍ قُتِلَ شَهِيدًا بِأُحُدٍ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الِاخْتِلَافِ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ خَيْبَرَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى النَّسْخِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ فَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، فِيهِ إعْمَالٌ لِلْحَدِيثَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَصِيرِ إلَى النَّسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمِنْهَا) أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرَ مَرَّةٍ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ» عَلَى وَجْهٍ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخَوْفِ فَلَوْ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ مُنَافَاةٌ وَكَانَ إسْلَامُ مُعَاذٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى النَّسْخِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ بِكُلِّ طَائِفَةٍ مُنْفَرِدَةً فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلُّوا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ» . فَفِي هَذَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرَّتَيْنِ، وَالطُّرُقُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ التَّسْلِيمِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذِهِ فَهَذِهِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ مَقْبُولَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلِّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَامِلَةً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إتْمَامُ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ أَتَمَّ لَتَشَوَّفَ أَصْحَابُهُ إلَى الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْرِصُونَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي صِيَامِهِ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ» وَفِيهِ «أَنَّهُ سَلَّمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ» . [فَائِدَةٌ هَلْ يطلق اسْم النِّفَاق عَلَى الشَّخْص بِمُجَرَّدِ ظهور أمارته] 1 (الثَّالِثَةُ) أُبْهِمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْقَائِلُ لَهُ «نَافَقْت» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ «مُعَاذًا هُوَ الَّذِي قَالَ إنَّهُ مُنَافِقٌ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَائِلِ الْمُبْهَمِ الَّذِي بَلَّغَهُ عَنْ مُعَاذٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يُوَاجِهْهُ وَفِي قَوْلِهِ «قِيلَ لَهُ: نَافَقْت» خِطَابُهُ بِذَلِكَ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَظْهَرُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ: إنَّهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الْحَدِيثَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ «فَقِيلَ لَهُ نَافَقْت» لَيْسَ خَبَرًا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِغَيْرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قَوْلُ غَيْرِ مُعَاذٍ لَهُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْأُولَى «فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْت يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأُخْبِرَنَّهُ» الْحَدِيثَ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ جَمَاعَةً اسْتَفْهَمُوهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ مُعَاذٍ فِيهِ إنَّهُ مُنَافِقٌ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ مُسْتَفْهِمِينَ حَتَّى يَنْظُرُوا جَوَابَهُ وَهَذَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) إنْ قِيلَ: كَيْفَ أَطْلَقَ مُعَاذٌ الْقَوْلَ فِي هَذَا إنَّهُ مُنَافِقٌ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَهُمْ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْعِشَاءِ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعَتَمَةِ» فَلَمَّا وُجِدَتْ مِنْهُ أَمَارَةُ النِّفَاقِ وَهُوَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا مَعَ كَوْنِهِ قَدْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ النِّفَاقِ بِاعْتِبَارِ أَمَارَتِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مُعَاذٌ عَلِمَ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَبْدَى الصَّحَابِيُّ الْمَذْكُورُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُذْرَهُ فِي صَلَاتِهِ وَحْدَهُ فَعُرِفَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُنَافِقٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي آخَرِ حَدِيثِهِ قَالَ سُلَيْمٌ «سَتَرَوْنَ غَدًا إذَا الْتَقَى الْقَوْمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ إلَى أُحُدٍ فَخَرَجَ فَكَانَ فِي الشُّهَدَاءِ» انْتَهَى فَأَرَادَ سُلَيْمٌ بِهَذَا الْكَلَامِ عَقِبَ هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ بَرَاءَتَهُ مِمَّا اُتُّهِمَ بِهِ مِنْ النِّفَاقِ بِشَهَادَتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ «قَالَ الْفَتَى: وَلَكِنْ سَيَعْلَمُ مُعَاذٌ إذَا قَدِمَ الْقَوْمُ» وَزَادَ فِي آخِرِهِ «فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ مَا فَعَلَ خَصْمِي وَخَصْمُك قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبْتُ، اُسْتُشْهِدَ» . [فَائِدَةٌ أَحَادِيث إعَادَة الصَّلَاة جَمَاعَة] 1 (الْخَامِسَةُ) كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قِصَّةِ مُعَاذٍ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقُلْت أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ فَقَالَ قَدْ صَلَّيْت إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُصَلُّوا الصَّلَاةَ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؟» وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنْ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: مَعْنَاهُ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ مِنْ اسْتِحْبَابِ إعَادَتِهَا قَالَ وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَمْ يُعِدْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّاهَا جَمَاعَةً وَمَذْهَبُهُ إعَادَةُ الْمُنْفَرِدِ كَمَا سَبَقَ عَنْهُ وَأَرَادَ بِمَا سَبَقَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ أَيَّتُهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَوَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَرَى تَرْكَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا. وَالْأَحَادِيثُ فِي الْإِعَادَةِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْبَابِ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ «كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ؟ قُلْت فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ» . وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيُّكُمْ يَأْتَجِرُ عَلَى هَذَا فَقَامَ رَجُلٌ مَعَهُ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّ الَّذِي صَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ» . وَحَدِيثُ مِحْجَنٍ الدِّيلِيِّ فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «إذَا جِئْت فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت» فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَكْثَرُ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِمَصْلَحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مَنْ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَرَّتَيْنِ فَأَيّهمَا تَكُون الْفَرِيضَة] (السَّادِسَةُ) وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ «هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَرَّتَيْنِ تَكُونُ الْفَرِيضَةُ هِيَ الْأُولَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَذَهَبَ فِي الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْتَسِبُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ لِأَثَرِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّإِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ كِلْتَيْهِمَا فَرْضٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 بَابُ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ وَنَسْخِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ فَخِذَيْهِ وَلْيَجْنَأْ، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ كَفِيهِ فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى اخْتِلَافِ   Qأَصْحَابِنَا إنَّ الْفَرْضَ هِيَ النَّاقِصَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ مِنْ صَلَاتِهِ بِقَوْمِهِ فَلَا يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فَرْضَهُ الثَّانِيَةُ هَكَذَا أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْخِلَافَ وَفِي هَذَا الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ كَيْفَ كَانَ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَنَوَى بِهِ الْفَرْضَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْقَلِبَ نَفْلًا بَعْدَ تَمَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْفَرْضِيَّةِ، أَوْ كَيْفَ يُوصَفُ الثَّانِي بِالْفَرِيضَةِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الْفَرْضُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ. نَعَمْ الْخِلَافُ لَهُ وَجْهٌ فِيمَا إذَا صَلَّى وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى كَقِصَّةِ مُعَاذٍ هَذِهِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِالْأُولَى الْفَرْضَ فَالْفَرْضُ هِيَ الثَّانِيَةُ قَطْعًا وَإِنْ نَوَى بِالْأُولَى الْفَرْضَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَالْفَرْضُ وَاحِدٌ،. (السَّابِعَةُ) فِي قَوْلِهِ «هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ» دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ بَلْ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَثَلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَوَّلُ لَا جَرَمَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ هَذِهِ هَفْوَةٌ. (الثَّامِنَةُ) فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَهَا بِأَنْ تَكُونَ صُبْحًا أَوْ عَصْرًا أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ جَابِرٍ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ» وَفِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الْعَصْرَ وَالصُّبْحَ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً، فَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةً فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَرَاهِيَةَ تَحْرِيمٍ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ وَلَا يُعِيدُ بَقِيَّةَ الصَّلَوَاتِ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. [بَابُ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ وَنَسْخِهِ] [حَدِيث إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ فَخِذَيْهِ وَلْيَجْنَأْ] بَابُ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ وَنَسْخِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ فَخِذَيْهِ وَلْيَجْنَأْ، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ فَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ " قَالَا: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ فَقَالَ أَصَلَّى هَؤُلَاءِ خَلْفَكُمْ؟ فَقُلْنَا لَا، قَالَ قُومُوا فَصَلُّوا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِأَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، قَالَ وَذَهَبْنَا لِنَقُومَ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا فَجَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، قَالَ فَلَمَّا رَكَعْنَا وَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا، قَالَ فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ إنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا وَيَخْنُقُونَهَا إلَى شَرَقِ الْمَوْتَى، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً، وَإِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا صَفًّا وَإِذَا كُنْتُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَؤُمَّكُمْ   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَنَّ الْأَسْوَدَ لَيْسَ مِنْ الْأَسَانِيدِ الَّتِي ذَكَرْتهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ مَعًا فَذَكَرْتُهُ مَعَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرْته وَلَمْ أَحْذِفْهُ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا كَانَ عَنْ رَجُلَيْنِ فَلَا يَحْسُنُ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَإِبْقَاءُ الْآخَرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ لِأَحَدِهِمَا وَحُمِلَ لَفْظُ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ هُوَ الَّذِي لَهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَحَذْفُهُ فِي حَالَةِ كَوْنِهِمَا ثِقَتَيْنِ أَقْرَبُ وَأَخَفُّ ضَرَرًا مِمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا وَحَذَفَ الضَّعِيفَ وَأَبْقَى الثِّقَةَ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يُذْكَرَ لَفْظُ الضَّعِيفِ مَعْزُوًّا إلَى الثِّقَةِ. وَقَدْ أَرَادَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ الِاحْتِرَازَ عَنْ هَذَا فَمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إلَى الِاحْتِرَازِ وَالِاحْتِيَاطِ فَيَقُولُ مَثَلًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَذَكَرَ آخَرَ مَعَهُ وَيَكُونُ الَّذِي ذَكَرَ مَعَهُ وَحَذَفَهُ مُسْلِمٌ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ فَلَا يُسَمِّيهِ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثِّقَةِ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعَهُ آخَرَ، وَأَكْثَرُ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِذِكْرِ الْآخَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 أَحَدُكُمْ " الْحَدِيثَ. وَالتَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ «صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْت بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعَتْهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ فَنَهَانِي أَبِي قَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ» . وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ «أَمْكَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ» وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ " إنَّ الرُّكَبَ سُنَّتْ لَكُمْ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ. وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ " إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَصَلُّوا صَفًّا " رَفَعَهُ أَبُو دَاوُد وَفِيهِ ضَعْفٌ وَتَأَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «صَلَّيْت أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمِّي خَلْفَنَا» وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ لَوْ ثَبَتَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فِعْلِهِ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ. ..   Qمُبْهَمًا عَلَى أَنَّهُ ابْنُ لَهِيعَةَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مَحَلَّ نَظَرٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ لِابْنِ لَهِيعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) فِي غَرِيبِهِ (قَوْلُهُ فَلْيُفْرِشْ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ رُبَاعِيٌّ لِكَوْنِهِ عَدَّاهُ إلَى مَفْعُولَيْنِ تَقُولُ فَرَشْت الثَّوْبَ أَفْرُشُهُ وَأَفْرَشْت الضَّيْفَ بُسُطًا إذَا عَدَّيْتَهُ إلَى اثْنَيْنِ (وَقَوْلُهُ وَلْيَجْنَأْ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالْجِيمِ وَالنُّونِ مَهْمُوزٌ عَلَى أَنَّهُ ثُلَاثِيٌّ هَكَذَا فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْيَاءِ فَجَعَلَهُ رُبَاعِيًّا وَهُوَ الْمَيْلُ بِالرَّأْسِ وَالْإِكْبَابُ فَكَأَنَّهُ خَشِيَ مِنْ التَّقَعُّسِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلِيَحْنِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. (وَقَوْلُهُ: ثُمَّ طَبَّقَ) وَالتَّطْبِيقُ هُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَجْعَلُهَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ وَعُلِمَ أَنَّهُ أَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ كَمَا ذَكَرْته فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ. . 1 - (وَقَوْلُهُ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَيَخْنُقُونَهَا إلَى شَرَقِ الْمَوْتَى) هُوَ مِنْ خَنَقَ يَخْنُقُ وَيَخْنُقُ خَنْقًا وَالْمُرَادُ تَضْيِيقُ وَقْتِهَا وَمِنْهُ خِنَاقُ الْمَوْتِ وَشَرَقُ الْمَوْتَى بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ: هُوَ مِنْ شَرَقَ الْمَيِّتُ بِرِيقِهِ إذَا غَصَّ بِهِ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ مَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيَاةِ مَنْ شَرَقَ بِرِيقِهِ وَقِيلَ: شَرَقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَوْتَى: هُوَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ عَنْ الْحِيطَانِ فَصَارَتْ بَيْنَ الْقُبُورِ كَأَنَّهَا لُجَّةٌ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَيُقَالُ: شَرَقَتْ الشَّمْسُ شَرَقًا إذَا ضَعُفَ ضَوْءُهَا وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ النَّافِلَةُ وَأَصْلُ التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ وَالتَّقْدِيسُ وَأُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ مَجَازًا وَأُطْلِقَ عَلَى صَلَاةِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرِيضَةِ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ: لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. [فَائِدَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْمَحَلِّ فِي الْعِلْمِ بَعْضُ الْأَحْكَامِ] 1 (الثَّالِثَةُ) دَلَّتْ فَتْوَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِالتَّطْبِيقِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْمَحَلِّ فِي الْعِلْمِ بَعْضُ الْأَحْكَامِ مِنْ النَّسْخِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَعَلَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَيْئَةِ الرُّكُوعِ] (الرَّابِعَةُ) وَفِي قَوْلِهِ وَلْيَجْنَأْ بَيَانٌ لِهَيْئَةِ الرُّكُوعِ وَأَنَّهُ الِانْحِنَاءُ وَمَيْلُ الرَّأْسِ وَالِانْكِبَابُ فَلَوْ لَمْ يَنْحَنِ وَإِنَّمَا تَقَاعَسَ وَانْخَنَسَ حَتَّى بَلَغَتْ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِرُكُوعٍ جَزَمَ بِهِ أَصْحَابُنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَوْ مُزِجَ الِانْحِنَاءُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ التَّمَكُّنُ مِنْ وَضْعِ الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ بِهِمَا جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ أَيْضًا رُكُوعًا. (الْخَامِسَةُ) وَقَدْ ثَبَتَ النَّسْخُ لِلتَّطْبِيقِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ الْمَذْكُورِ فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ «كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا بِالرُّكَبِ» ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا وَنُهِينَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ، وَالْمَسْأَلَةُ مُقَرَّرَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا، وَكَذَا قَوْلُ عُمَرَ إنَّ الرُّكَبَ سُنَّتْ لَكُمْ حُكْمُهُ أَيْضًا حُكْمُ الْمَرْفُوعِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ مُصَرِّحٌ بِالرَّفْعِ فِي قَوْلِهِ «أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ» وَقَدْ كَانَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَثَبَتَ النَّسْخُ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا سَبْرَةَ الْجُعْفِيَّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَرَكَ التَّطْبِيقَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَذَكَرُوا لَهُ نَسْخَ ذَلِكَ فَكَانَ لَا يُطَبِّقُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَعْرَفُ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ التَّعْجِيلِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ] 1 (السَّادِسَةُ) فِي زِيَادَةِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَضْلُ التَّعْجِيلِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِبْرَادِ كَمَا تَقَدَّمَ. (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِأَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ حِينَئِذٍ كَانُوا يُنْكِرُونَ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ بِالصَّلَاةِ قَبْلَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِالْكُوفَةِ وَكَانَ الْأَمِيرُ بِهَا يَوْمَئِذٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَكَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ خَشِيَ مِنْ إظْهَارِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مُخَالَفَةَ الْأَمِيرِ وَفِعْلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْأَئِمَّةِ إذَا أَخَّرُوا الصَّلَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الِاثْنَيْنِ يَقِفَانِ صَفًّا خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاة] 1 (الثَّامِنَةُ) مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ كَوْنِ الِاثْنَيْنِ يَصْطَفَّانِ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا حُجَّةَ فِي الْمَوْقُوفَاتِ مَعَ وُجُودِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَرْفُوعَةِ وَقَدْ رَفَعَ أَبُو دَاوُد هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ فِيهِ، ثُمَّ «قَامَ فَصَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ» وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي إسْنَادِهِ هَارُونَ بْنَ عَنْتَرَةَ وَقَدْ قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ يَكْذِبُ وَهَذَا جَرْحٌ مُفَسَّرٌ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْثِيقِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ إلَّا أَنَّهُ عَنْعَنَهُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ عَنْ؛ لَا يُحْتَجُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ. (قُلْت) : كَأَنَّهُ أَرَادَ اتِّفَاقَ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَأَمَّا الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِالْمُرْسَلِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِخَبَرِ الْمُدَلِّسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَرْفُوعَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الِاثْنَيْنِ يَقِفَانِ صَفًّا خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ أَنَسٍ «صَلَّيْت أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» . وَلِلشَّيْخَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ «فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَا فَأُذِنَ لَهُمَا فَمَا جَلَسَ حَتَّى قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّي فِي مَنْزِلِك؟ فَأَشَرْت لَهُ إلَى نَاحِيَةٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَفَّنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ» الْحَدِيثَ. (التَّاسِعَةُ) اخْتَلَفَ عَمَلُ عُلَمَائِنَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَفَعَهُ أَبُو دَاوُد إنْ صَحَّ أَوْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَذَهَبَ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ نَاسِخَةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَذَهَبَ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ إلَى أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَضِيَّةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا بِإِسْنَادِهِ وَذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا صَفَّ الِاثْنَيْنِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَيِّقًا وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فِعْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَالَ إنَّ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِض] (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ عَكْسَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ كَانَتْ فَرْضُهُ هِيَ الْأُولَى وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. [فَائِدَةٌ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا ثُمَّ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوَقْتِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشَرَ) قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «إنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ» قَدْ صَحَّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْت الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا، ثُمَّ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوَقْتِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ كَالنَّاسِي وَالنَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَوْلَا أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ لَمَا أَمَرَهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَلَى هَذَا وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ ادَّعَى فِي كِتَابِ الْأَعْرَابِ: الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى قَضَاءِ الْمَعْذُورِ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَلَمْ يَأْمُرْ التَّارِكَ لَهَا عَمْدًا بِالْقَضَاءِ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَإِنْ قَضَاهَا لَمْ يَصِحَّ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ قَضَائِهَا وَصِحَّةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي النَّاسِي مَعَ عُذْرِهِ فَالْمُتَعَمِّدُ أَوْلَى بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَبِالْقِيَاسِ أَيْضًا عَلَى الصَّوْمِ فَإِنَّ الْمُجَامِعَ فِي رَمَضَانَ جَامَعَ عَامِدًا وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَابْنُ حَزْمٍ مُوَافِقٌ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ يُقْضَى وَلَكِنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِالْقِيَاسِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِأَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ لَا تَقِفُ الْمَرْأَة مَعَ صَفِّ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاة] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِذَا كُنْتُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 بَابُ الْقُنُوتِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «قَنَتَ   Qثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ أَيْ فَلِيُصَلِّ إمَامُكُمْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِمْ أَحَدُهُمْ إلَّا إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَغَيْرَهُ مُتَّفِقُونَ عَلَى صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ بِدُونِ ذَلِكَ وَهَذَا وَاضِحٌ، وَقَوْلُ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي آخَرِ الْبَابِ «وَأُمِّي خَلْفَنَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقِفُ مَعَ صَفِّ الرِّجَالِ بَلْ تَقِفُ خَلْفَهُمْ وَكَذَلِكَ تَقِفُ خَلْفَ الصِّبْيَانِ أَيْضًا وَلَا تُصَفُّ مَعَهُمْ لِكَوْنِهِمْ ذُكُورًا. [بَابُ الْقُنُوتِ] [حَدِيث دُعَاء النَّبِيّ فِي الْقُنُوت اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ] بَابُ الْقُنُوتِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : الْقُنُوتُ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَقِيلَ: الْمُرَادُ الطَّاعَةُ وَقِيلَ: الدُّعَاءُ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى طُولِ الْقِيَامِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى السُّكُوتِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] » قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ: أَصْلُهُ الدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلُهُ فَمُدِيمُ الطَّاعَةِ قَانِتٌ وَكَذَلِكَ الدَّاعِي وَالْقَائِمُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُخْلِصُ فِيهَا وَالسَّاكِتُ فِيهَا كُلُّهُمْ فَاعِلُونَ لِلْقُنُوتِ قَالَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمُشْتَرَكِ قَالَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقْصِدُونَ دَفْعَ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَلَا بَأْسَ بِهَا إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ خَاصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنًى مُعَيَّنٍ أَوْ مَعَانٍ. (الثَّانِيَةُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 بَعْدِ الرُّكُوعِ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا يَدْعُو لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ» ، وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحُوهُ «فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» ..   Qفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ اسْتَحَبَّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ حَكَوْا عَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ سُنَّةٌ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ أَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ عَمْدًا تُعَادُ لَهُ الصَّلَاةُ وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّلَاةِ وَجَعَلَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ الَّتِي يُشْرَعُ لِتَرْكِهَا سُجُودُ السَّهْوِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَيْضًا أَنَّ فِي تَرْكِهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَا قُنُوتَ فِي الْفَجْرِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي الْوِتْرِ أَيْضًا وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ» كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ وَأَجَابَ مَنْ اسْتَحَبَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَرْكُ الدُّعَاءِ لِمَنْ سَمَّى وَتَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَى مَنْ سَمَّاهُ لَا أَنَّهُ تَرَكَ أَصْلَ الْقُنُوتِ بِدَلِيلِ الزِّيَادَةِ الَّتِي رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَقَالَ الْفَلَّاسُ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَجَلِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ فِي الصُّبْحِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ جَيِّدَيْنِ. وَجَاءَ عَنْهُمْ أَيْضًا تَرْكُهُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْنُتْ» وَصَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْت خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْت خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ. لَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: أَصْحَابُنَا الَّذِينَ رَوَوْا إثْبَاتَ الْقُنُوتِ أَكْثَرُ وَمَعَهُمْ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَتُقَدَّمُ رِوَايَتُهُمْ انْتَهَى وَبِالْجُمْلَةِ فَمَسْأَلَةُ الْقُنُوتِ مِنْ مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ الَّتِي تَعَارَضَتْ فِيهَا الْأَدِلَّةُ وَأَفْرَدَهَا النَّاسُ بِالتَّصْنِيفِ فَصَنَّفَ ابْنُ مَنْدَهْ تَصْنِيفًا فِي إنْكَارِهِ وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَصَنَّفَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ تَصْنِيفًا فِي اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْأَدِلَّةُ مُتَعَادِلَةٌ، وَمَنْ أَثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ نَفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ إلَّا عِنْدَ نَازِلَةٍ تَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَقْنُتْ فَحَسَنٌ وَاخْتَارَ أَلَّا يَقْنُتَ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ. [فَائِدَةٌ اُخْتُلِفَ فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ] 1 (الثَّالِثَةُ) اقْتَصَرَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «الْعِشَاءُ» بَدَلُ «الصُّبْحِ» وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «وَاَللَّهِ لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالصُّبْحِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ» . وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً مَكْتُوبَةً إلَّا قَنَتَ فِيهَا» . وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ» الْحَدِيثَ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ قَالَ عِكْرِمَةُ هَذَا مِفْتَاحُ الْقُنُوتِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمُعْظَمِ أَنَّهُ إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتُوا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ: لَا يُقْنَتُ فِيهَا وَقِيلَ يُتَخَيَّرُ فِي غَيْرِ النَّازِلَةِ وَقِيلَ يَقْنُتُ مُطْلَقًا وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْجَهْرِيَّةِ دُونَ السِّرِّيَّةِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالِ اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ مِنْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ، ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إنَّمَا هُوَ فِي الْجَوَازِ قَالَ مِنْهُمْ مَنْ يَشْعُرُ إيرَادَهُ بِالِاسْتِحْبَابِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. [فَائِدَةٌ مَحَلَّ الْقُنُوتِ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» الْحَدِيثَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ خُفَافِ بْنِ إيمَاءَ «رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا» الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَدْ ذَكَرْته فِي الْأَصْلِ فِي آخِرِ الْبَابِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ قَالَ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَكَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قُلْت فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت بَعْدَهُ قَالَ كَذَبَ «إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ «قُلْت فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ» هَكَذَا رَوَاهُ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «إنَّمَا قَنَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا فَقُلْت كَيْفَ الْقُنُوتُ؟ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهُوَ ذَا قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْقُنُوتَ الْمُطْلَقَ الْمُعْتَادَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَوْلُهُ «إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يُرِيدُ بِهِ اللَّعْنَ» قَالَ وَرُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ فَهُوَ أَوْلَى قَالَ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ وَأَكْثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقُنُوتِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. [فَائِدَةٌ هَلْ يُدْعَى لِمُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فِي الصَّلَاةِ] (الْخَامِسَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ أَنْ يُدْعَى لِمُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فِي الصَّلَاةِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فَجَوَّزُوا ذَلِكَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. [فَائِدَةٌ هَلْ يدعى بِمَا لَيْسَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فِي مَنْعِهِ مَا لَيْسَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ مِنْ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ. [فَائِدَةٌ الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ وَلَعْنَتِهِمْ] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الْكُفَّارِ وَلَعْنَتِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ لَعْنِ الْكَفَرَةِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي فَأَجَازَهُ قَوْمٌ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ. (قُلْت) أَمَّا الدُّعَاءُ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَلَعْنِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِقَوْلِهِ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ» . «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَعَ التَّعْيِينِ فَوَقَعَ كَثِيرًا فِي الْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامَةَ» وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ إنَّ ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي مَعَ التَّعْيِينِ. (قُلْت) وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنِّي اتَّخَذْت عِنْدَك عَهْدًا أَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ وَلَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً» الْحَدِيثَ. وَهَذَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَعْنُ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا لَعْنُ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ، وَلَكِنْ هَلْ لَنَا أَنْ نَتَعَاطَى ذَلِكَ فَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَمُوتَ عَلَى كُفْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك» هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْهَمْزِ وَالْمَعْنَى خُذْهُمْ أَخَذَا شَدِيدًا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِنْ حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «آخَرُ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا اللَّهُ بِوَجٍّ» قَالَ وَالْوَطْءُ فِي الْأَصْلِ الدَّوْسُ بِالْقَدَمِ فَسُمِّيَ بِهِ الْغَزْوُ وَالْقَتْلُ قَالَ وَالْمَعْنَى أَنَّ آخِرَ أَخْذَةٍ وَوَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِالْكُفَّارِ كَانَتْ بِوَجٍّ وَكَانَتْ غَزْوَةُ الطَّائِفِ آخِرَ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَغْزُ بَعْدَهَا إلَّا غَزْوَةَ تَبُوكَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ انْتَهَى. (التَّاسِعَةُ) الْمُرَادُ «بِسِنِي يُوسُفَ» السَّبْعُ الشِّدَادُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} [يوسف: 48] وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَاءُ وَالْقَحْطُ وَقَدْ أَوَّلَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ هَذَا الدُّعَاءَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ «وَاسْتُجِيبَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ فَأَجْدَبُوا سَبْعًا أَكَلُوا فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ «حَتَّى جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَا لَهُمْ فَسُقُوا» عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ، وَفِيهِ أَوْهَامٌ أَحَدُهَا فِي قَوْلِهِ «فَأَجْدَبُوا سَبْعًا» وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ كُشِفَ عَنْهُمْ قَبْلَ بَدْرٍ وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَيْضًا فَأَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ شَهِدَ قُنُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدُعَاءَهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ خَيْبَرَ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى دُعَائِهِ عَلَى قُرَيْشٍ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ السَّنَةُ حَتَّى خَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْجُلُودَ» وَفِي رِوَايَةٍ «الْمَيْتَةَ» بَدَلَ الْعِظَامِ «وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ أَيْ مُحَمَّدٌ إنَّ قَوْمَك هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ فَدَعَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ» ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ دُعَاءَهُ عَلَى قُرَيْشٍ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَهَذَا لَمْ يَشْهَدْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاَلَّذِي أَوْقَعَ الْقُرْطُبِيَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ذِكْرُ «مُضَرَ» فَذَكَرَ أَوَّلَ الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ «وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَقَالَ لِمُضَرَ إنَّك لَجَرِيءٌ قَالَ فَدَعَا لَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] » فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَظَنَّ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقِصَّةُ الدُّعَاءِ عَلَى قُرَيْشٍ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهَا قُنُوتٌ وَلَمْ يَشْهَدْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَقُرَيْشٌ هِيَ مِنْ مُضَرَ وَقِصَّةُ الْقُنُوتِ كَانَتْ بَعْدَ خَيْبَرَ بَعْدَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ دُعَاؤُهُ فِيهَا عَلَى مُضَرَ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِقُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا وَكَانَ سَبَبُ الْقُنُوتِ «قِصَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ الَّتِي فِيهَا السَّبْعُونَ مِنْ الْقُرَّاءِ فَقَنَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَعَمَّمَ الدُّعَاءَ عَلَى مُضَرَ» وَلَيْسَ بِدُعَائِهِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ بَدْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَاءَ قَوْلُهُ «كَسِنِي يُوسُفَ» عَلَى إحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي أَنَّ سِنِينَ جَمْعُ سَنَةِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْجَمْعِ فَحُذِفَ مِنْهُ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ وَهِيَ لُغَةٌ، وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ بِإِثْبَاتِ النُّونِ دَائِمًا وَبِالْيَاءِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ «، ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الدُّعَاءَ لِلْمُسْتَضْعَفَيْنِ الَّذِينَ كَانُوا يَدْعُو لَهُمْ لَا أَصْلَ الْقُنُوتِ وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَقُلْت «أُرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ قَالَ فَقِيلَ: وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا، أَيْ إنَّ الَّذِينَ كَانَ يَدْعُو لَهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ نَجَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَلَحِقُوا بِأَبِي بَصِيرٍ فَكَانُوا بِسَيْفِ الْبَحْرِ يَأْخُذُونَ مَا وَجَدُوا لِقُرَيْشٍ حَتَّى بَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ لِيَأْتُوهُ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ فَأَمَّا أَصْلُ الْقُنُوتِ فَلَمْ يَتْرُكْهُ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ الْبَابِ. [فَائِدَةٌ كَيْفِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ] (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقُنُوتِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي تَخْصِيصِهِمْ بِقُنُوتِ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمَرْوِيِّ أَنَّ «جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك» إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يَقْنُتُ بِذَلِكَ وَاسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ الْقُنُوتَ بِالدُّعَاءِ الْمَرْوِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت» إلَى آخِرِهِ. قَالَ وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ شُيُوخنَا الْبَغْدَادِيِّينَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا انْتَهَى كَلَامُهُ وَمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ إلَّا مَا حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ تَعَيُّنِ قُنُوتِ أُبَيٍّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّ الْخِلَافَ عِنْدَنَا فِي تَعَيُّنِ الْقُنُوتِ الْمَرْوِيِّ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ فَقَدْ حَكَى فِيهِ الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَكَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَأَمَّا قُنُوتُ الْحَسَنِ فَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْت وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت» لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَإِنَّك تَقْضِي» وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ «سُبْحَانَك رَبَّنَا وَتَعَالَيْت» . وَزَادَ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ «إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت» وَزَادَ فِيهِ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ وَالْمَتَابَةِ «نَسْتَغْفِرُك اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْك» وَزَادَ فِيهِ النَّسَائِيّ فِي آخِرِهِ «وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَدْعُو بِهَذَا فِي قُنُوتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ لِيَدْعُوا بِهِ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو بِهَذَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَفِي وِتْرِ اللَّيْلِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ أَنَّ تَعْلِيمَ هَذَا الدُّعَاءِ وَقَعَ لِقُنُوتِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ وَأَمَّا الْقُنُوتُ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو عَلَى مُضَرَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «، ثُمَّ عَلَّمَهُ هَذَا الْقُنُوتَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَخْضَعُ لَك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخَافُ عَذَابَك الْجِدَّ إنَّ عَذَابَك بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَحِيحًا مُوصَلًا، ثُمَّ رَوَاهُ مَعَ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَزِيَادَةٍ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ بِهِ وَإِلَّا لَمَا سَمِعُوهُ أَصْحَابُهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ «يَجْهَرُ بِذَلِكَ» فَصَرَّحَ بِالظَّاهِرِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي قُنُوتِهِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ «وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْجَهْرِ أَيْضًا وَأَخْرُجهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ مِنْ جَهْرِ الْإِمَامِ بِالْقُنُوتِ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَفِي وَجْهٍ يُسِرُّ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسِرُّ بِالْقُنُوتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْبَنْدَنِيجِيِّ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْرِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَيَجْهَرُ بِهِ الْمُصَلِّي. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ» هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي قِصَّةِ قَتْلِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «دَعَا عَلَى مَنْ قَتَلَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً» قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «فَدَعَا عَلَى مَنْ قَتَلَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالرِّوَايَةُ فِي الشَّهْرِ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَأَصَحُّ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا حَكَاهَا الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ فِي كِتَابِهِ كَشْفِ الْمُغَطَّى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَشْيِ إلَيْهَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدٍ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، زَادَ أَبُو دَاوُد «فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً» ، وَرَوَاهَا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، وَلَهُمَا: «صَلَاةُ   Q [بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَشْيِ إلَيْهَا] [حَدِيث صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً] (بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَشْيِ إلَيْهَا) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ تَأَكُّدُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا وَالْحَضُّ عَلَيْهَا. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذَا الْفَضْلَ لِغَيْرِ الْفَذِّ وَمَا زَادَ عَلَى الْفَذِّ فَهُوَ جَمَاعَةٌ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا رَتَّبَ هَذَا الْفَضْلَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِنَفْيِ دَرَجَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ بَيْنَ الْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ كَصَلَاةِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا وَلَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الِاثْنَيْنِ جَمَاعَةٌ فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِمَا ضَعْفٌ لَكِنْ اُسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابُ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَيُسْتَدَلُّ فِيهِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت وَفِي الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ وَقَدْ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافًا فِي أَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. [فَائِدَةٌ هَلْ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاة فَرْضُ عَيْنٍ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ «خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا» ، وَقَالَ مُسْلِمٌ «بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» ، الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَوْ حُطَّ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالُوا «خَمْسَةً وَعِشْرِينَ» إلَّا ابْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ» (قُلْت) بَلْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ» . ..   Qذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ أَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُهُ فَرْضًا وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ دَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ: أَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْفَضِيلَةِ لِصَلَاةِ الْفَذِّ وَإِذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا فَلَا يَكُونُ فِيهَا فَضِيلَةٌ وَأَيْضًا فَلَا يُقَالُ: الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ لَا يُقَالُ: إنَّ لَفْظَةَ أَفْعَلَ قَدْ تَرِدُ لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ وَنَفْيِهَا عَنْ الْأُخْرَى، وَأَفْضَلُ الْمُضَافَةُ إلَى صَلَاةِ الْفَذِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَفْعَلَ مُطْلَقًا غَيْرَ مَقْرُونٍ بِمِنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] انْتَهَى. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ «تَزِيدُ عَنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ» وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِتَفْضِيلِ ثواب صَلَاة الْجَمَاعَة] 1 (الرَّابِعَةُ) لِلْقَائِلِ بِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يُجِيبَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفَضِيلَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْفَذِّ بِأَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ الصَّحِيحَةِ عِنْدَهُمْ كَمَنْ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَيَجُوزُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْذُورَ لَا يُكْتَبُ لَهُ التَّضْعِيفُ الْمَجْعُولُ لِلْجَمَاعَةِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَضَّأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلُّوا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَجْرَ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا» . وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِلَا شَكٍّ فَهُوَ مَرْدُودٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَرْدُودٌ نَقْلًا بِمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ حُصُولِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْعَدَدِ الَّذِي تَفْضُلُ بِهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ] (الْخَامِسَةُ) قَدْ اخْتَلَفَ الْأَحَادِيثُ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَفْضُلُ بِهِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَفِي حَدِيثِ الْبَابِ «بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ» وَفِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ» وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا مَا قِيلَ) إنَّ الدَّرَجَةَ أَصْغَرُ مِنْ الْجُزْءِ فَكَأَنَّ الْخَمْسَةَ وَعِشْرِينَ جُزْءًا إذَا جُزِّئَتْ دَرَجَاتٌ كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْجَوَابُ يَرُدُّهُ مَا ذُكِرَ فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ، وَكَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ عِنْدِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . (وَالثَّانِي) أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِيهَا أَنَّهَا أَفْضَلُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، ثُمَّ تَفْضُلُ بِزِيَادَةِ دَرَجَتَيْنِ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ فَيَحْصُلُ التَّضْعِيفُ لِبَعْضِهِمْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَلِبَعْضِهِمْ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ بِحَسَبِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى آدَابِ الْجَمَاعَةِ. (وَالرَّابِعُ) أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَعْيَانِ الصَّلَوَاتِ فَيَفْضُلُ بَعْضُهَا بِخَمْسٍ وَبَعْضُهَا بِسَبْعٍ حَكَاهَا كُلَّهَا صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فَذَكَرَ حَدِيثَ أُبَيٍّ فَهُوَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَقَدْ حَفِظَ غَيْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فَقَالَ وَقَدْ أَفَادَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ يَكُونُ لَهُ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ الَّذِي زِيدَ عَلَيْهِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ وَيَكُونُ لِلْمُصَلِّي وَحْدَهُ جُزْءٌ وَاحِدٌ. (السَّابِعَةُ) هَلْ هَذَا الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ لِلْجَمَاعَةِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ التَّضْعِيفُ حَاصِلٌ بِمُطْلَقِ الْجَمَاعَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ حَكَى صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِيهِ خِلَافًا قَالَ وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ. (قُلْت) وَلَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ فِي آخَرِ الْبَابِ يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ بِالْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِشَارَةِ إلَى الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهَا «تَفْضُلُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا أَوْ بِبِضْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» قَالَ «وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَعَلَّلَ مَا ذَكَرَ مِنْ الثَّوَابِ أَوَّلًا بِمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا وَفِيهِ الْخُرُوجُ إلَى الْمَسْجِدِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ «تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ» وَرُبَّمَا كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي سُوقِهِ جَمَاعَةً فَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْفَضْلَ بِالتَّضْعِيفِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) تَكَلَّفَ بَعْضُ شَارِحِي الْبُخَارِيِّ وَهُوَ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنْ عَيَّنَ الدَّرَجَاتِ السَّبْعَ وَعِشْرِينَ مِنْ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا هِيَ نِيَّةُ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ وَالْخُطَى إلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ وَإِدْرَاكُ النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالتَّهْجِيرُ وَاجْتِمَاعُ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةِ النَّهَارِ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَإِجَابَةُ دَاعِيَ اللَّهِ وَالسَّكِينَةُ فِي إتْيَانِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرُ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَتَرْكُ الْخَوْضِ فِي الدُّنْيَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِجَابَةُ الدُّعَاءِ بِحَضْرَةِ النِّدَاءِ وَاعْتِدَالُ الصُّفُوفِ وَالتَّرَاصُّ فِيهَا وَاسْتِمَاعُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَقَوْلُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَمُوَافَقَةُ الْمَلَائِكَةِ فِي التَّأْمِينِ وَشَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ لِمَنْ حَضَرَ الْجَمَاعَةَ وَتَحَرَّى مُوَافَقَةَ الْإِمَامِ وَفَضْلُ تَسْلِيمِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ بِجَنْبِهِ وَفَضْلُ دُعَاءِ الْجَمَاعَةِ، وَالِاعْتِصَامِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ سَهْوِ الشَّيْطَانِ، قَالَ فَتَمَّتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ» هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ صَلَّاهَا فِي الْفَلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَكَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مَعَ الِانْفِرَادِ فَقَالَ قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْفَلَاةِ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (قُلْت) وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ بَلْ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةَ فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّمَا ضُعِّفَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ الْجَمَاعَةُ كَمَا تَتَأَكَّدُ عَلَى الْمُقِيمِ حَتَّى ادَّعَى النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمُسَافِرِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ فَرْضَ عَيْنٍ لِشُغْلِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالسَّفَرِ فَإِذَا أَقَامَهَا جَمَاعَةً فِي السَّفَرِ وَمَعَ وُجُودِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ ضُوعِفَتْ لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ فَكَانَتْ بِخَمْسِينَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِعْلَهَا مُنْفَرِدًا فَلَمَّا وَرَدَ أَنَّ «مَنْ أَذَّنَ فِي فَلَاةٍ وَأَقَامَ وَصَلَّى صَلَّى مَعَهُ صَفٌّ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَا يُرَى طَرَفَاهُمْ» فَضُوعِفَتْ صَلَاتُهُ لِأَفْضَلِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْحَاكِمِ مِنْ جَعْلِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَعَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ وَهَمٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْحُجَّةِ بِرِوَايَاتِ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَيُقَالُ ابْنُ عَلِيٍّ وَيُقَالُ ابْنُ أُسَامَةَ كُلُّهُ وَاحِدٌ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ وَهَمٌ فَإِنَّ هِلَالَ بْنَ مَيْمُونٍ الْمَذْكُورَ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ هُوَ هِلَالٌ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ ذَاكَ أَقْدَمُ مِنْ هَذَا وَهُوَ مَدَنِيٌّ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ مَوْلَاهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَرَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَيُقَالُ مِنْ هُذَيْلٍ فِلَسْطِينِيٌّ رَمْلِيٌّ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَذَكَرَ ذَاكَ فِي طَبَقَةِ التَّابِعِينَ وَهَذَا فِي طَبَقَةِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَذَاكَ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ تَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ وَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرْنَا فِي الْأَصْلِ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ رَوَاهُ قَالُوا «خَمْسَةً وَعِشْرِينَ» إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ «سَبْعٌ وَعِشْرِينَ» مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ هَكَذَا ثَنَا أَبُو النَّضْرِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَشَرِيكٌ هَذَا هُوَ النَّخَعِيّ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَعَلَّقَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ تَتَفَاوَت الْجَمَاعَات فِي الصَّلَاة فِي الْفَضْل] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَشْهُورِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِجَمَاعَةٍ عَلَى جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجَمَاعَاتِ كُلَّهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَجَمَاعَةٍ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْجَمَاعَاتِ تَتَفَاوَتُ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» . وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ الشَّمْسُ قَالَ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ   Qالْبَابِ حُجَّةٌ لِمَنْ تَعَلَّقَ بِهِ فِي تَسَاوِي الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْجَمَاعَةُ مُحَصِّلٌ لِلتَّضْعِيفِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَضْعِيفٍ آخَرَ بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ شَرَفِ الْمَسْجِدِ أَوْ بُعْدِ طَرِيقِ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً» الْمَشْهُورُ فِي الْخَطْوَةِ فَتْحُ الْخَاءِ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ بِضَمِّهَا وَقَالَ إنَّهُ الرِّوَايَةُ كَذَا قَالَ وَهِيَ وَاحِدَةُ الْخُطَا وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ قَالَ فَأَمَّا الْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ فَهِيَ لِلْمَصْدَرِ وَالضَّمُّ لِلِاسْمِ وَالْفَتْحُ لِلْمَصْدَرِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ بُعْدُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ فِي الْمَشْيِ وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ هَلْ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْخُطَا مَا كَانَ فِي الذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَطْ أَوْ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَعَلُّقُهُ بِالذَّهَابِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ «حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ» وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَاحَ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَخُطْوَةٌ تَمْحُو سَيِّئَةً وَخُطْوَةٌ تَكْتُبُ لَهُ حَسَنَةً ذَاهِبًا وَرَاجِعًا» وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ «يُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إلَى الْمَسْجِدِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَسَنَةِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ وَلَا اخْتِلَافَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ] الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ الشَّمْسُ قَالَ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وَقَالَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَقَالَ كُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» ..   Qتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَقَالَ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةِ صَدَقَةٌ وَقَالَ كُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) السُّلَامَى بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورٌ وَهُوَ جَمْعُ سَلَامِيَّةَ وَقِيلَ: وَاحِدَهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ وَيُجْمَعُ عَلَى سُلَامَيَاتٍ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا فَقِيلَ: السُّلَامِيَّةُ الْأُنْمُلَةُ مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ السُّلَامَى كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغَارِ الْعِظَامِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ عَظْمٌ يَكُونُ فِي فِرْسِنِ الْبَعِيرِ. (قُلْت) وَالصَّوَابُ أَنَّ السُّلَامَى هِيَ الْمَفَاصِلُ وَأَنَّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثمِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «يُمْسِي» فَبَيَّنَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا أَنَّ السُّلَامَى هِيَ الْمَفَاصِلُ. (الثَّانِيَةُ) مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ عَظْمٍ أَوْ مَفْصِلٍ مِنْ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا قَدْ يُطْلَقُ فِي الْفِعْلِ الْمُتَأَكِّدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَقَوْلِهِ «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ خِصَالٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ» الْحَدِيثَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ مَجْمُوعَ هَذِهِ الْخِصَالِ وَاجِبَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لِمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرَةِ «وَيُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُجْزِي عَنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى عُمُومِ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُؤَوَّلَ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ عَلَى الْوُجُوبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَمَا سَيَأْتِي. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالنَّوَافِلَ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي يَوْمٍ لَا تُغْنِي عَنْ يَوْمٍ آخَرَ فَلَا يَقُولُ مَثَلًا قَدْ فَعَلْت أَمْسُ فَأَجْزَأَ عَنِّي الْيَوْمَ لِقَوْلِهِ «كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . [فَائِدَةٌ مَعْنَى الْعَدْل بَيْن اثْنَيْنِ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَدْلُ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَسْلِيطٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ عَدْلَ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَاجِبٌ لَا تَطَوُّعٌ وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ أُرِيدَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَاجِبِ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَى عَدْلِ الْحُكَّامِ. [فَائِدَةٌ مَعْنَى تُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا» هُوَ أَنْ تُرْكِبَ الْعَاجِزَ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَى دَابَّتِهِ وَهَكَذَا أَنْ تَحْمِلَ مَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ مَتَاعَهُ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابُ فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْوُجُوبِ فَيْءُ الْمُكَارِي فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْكَابُ الشَّيْخِ لِعَجْزِهِ عَنْ الرُّكُوبِ وَحْدَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إبْرَاكُ الْجَمَلِ لِلْمَرْأَةِ لِعَجْزِهَا أَوْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهَا فِي رُكُوبِ الْبَعِيرِ قَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُرَاد بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةُ] (السَّادِسَةُ) الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمُخَاطَبَةُ لِلنَّاسِ كَأَنْ يُجِيبَ السَّائِلَ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ مِنْ غَيْرِ إفْحَاشٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «تَبَسُّمُك فِي وَجْهِ أَخِيك صَدَقَةٌ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك وَوَجْهُك مُنْبَسِطٌ إلَيْهِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْكَلِمَةُ مِنْ الْأَذْكَارِ كَالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ فِي ذِكْرِ السُّلَامَى «فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ» الْحَدِيثَ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: 24] أَنَّ الْمُرَادَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَكَذَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] . [فَائِدَةٌ ثَوَابُ السَّعْيِ إلَى الصَّلَاةِ] 1 (السَّابِعَةُ) فِي قَوْلِهِ «كُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ» مَا يَقْتَضِي أَنَّ ثَوَابَ الْخُطَا إنَّمَا هُوَ الذَّهَابُ إلَى الْمَسْجِدِ دُونَ الرُّجُوعِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنْ قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِقَوْلِهِ «ذَاهِبًا وَرَاجِعًا» وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السَّعْيِ الْوَاجِبِ كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ «كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ الشَّمْسُ» فَإِنَّمَا يَجِبُ السَّعْيُ مَرَّةً فِي الْجُمُعَةِ نَعَمْ يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْجَمَاعَةَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ لِلْعَهْدِ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ» فَذَكَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ «بِهِمْ» وَقَالَ «فَقَالُوا» مَوْضِعٌ «فَيَقُولُونَ» .   Qلِلْجِنْسِ، الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةَ وَإِنْ أُرِيدَ الْجِنْسُ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ صَلَاةٍ يُشْرَعُ الْمَشْيُ إلَيْهَا كَالْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُرَادُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ] 1 (التَّاسِعَةُ) الْمُرَادُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ إزَالَةُ مَا يُؤْذِي الْمَارَّةَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَوْكٍ، وَكَذَا قَطْعُ الْأَحْجَارِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْوَعِرَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي طَرِيقٍ، وَكَذَا كَنْسُ الطَّرِيقِ مِنْ التُّرَابِ الَّذِي يَتَأَذَّى بِهِ الْمَارُّ وَرَدْمُ مَا فِيهِ مِنْ حُفْرَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ وَقَطْعُ شَجَرَةٍ تَكُونُ فِي الطَّرِيقِ وَفِي مَعْنَاهُ تَوْسِيعُ الطُّرُقِ الَّتِي تَضِيقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَإِقَامَةُ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي فِي وَسَطِ الطُّرُقِ الْعَامَّةِ كَمَحَلِّ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مِنْ بَابِ إمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَرْتَفِعُ إلَى دَرَجَةِ الْوُجُوبِ كَالْبِئْرِ الَّتِي فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ الَّتِي يُخْشَى أَنْ يَسْقُطَ فِيهَا الْأَعْمَى وَالصَّغِيرُ وَالدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ طَمُّهَا أَوْ التَّحْوِيطُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْمَارَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ عَلَيْهَا (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ» الْحَدِيثَ. فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) التَّعَاقُبُ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا فِي عَقِبِ هَذَا وَهَذَا فِي عَقِبِ هَذَا عَلَى بَابِ الْمُفَاعَلَةِ وَقَوْلُهُ «يَتَعَاقَبُونَ» جَاءَ عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ وَهِيَ أَنَّهُمْ يُلْحِقُونَ عَلَامَةَ الْفَاعِلِ لِلْجَمْعِ وَالتَّثْنِيَةِ مَعَ تَقَدُّمِ الْفِعْلُ وَهُمْ الْقَائِلُونَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْله تَعَالَى {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] وَلَمْ يَحْمِلْ بَعْضُهُمْ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، بَلْ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ {وَأَسَرُّوا} [الأنبياء: 3] عَائِدًا إلَى النَّاسِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ وَجَعَلَ {الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ فَيَكُونُ هَذَا بَدَلَ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ أَسْقَطَ مِنْهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ ذِكْرَ الْمَلَائِكَةِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ زِيَادَتُهَا الْمَلَائِكَةَ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ» وَهَذَا وَاضِحٌ وَأَبْعَدَ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ أَبُو حَيَّانَ النُّجَعَةُ فَنَسَبَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ هَلْ هُمْ الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ؟ فَحَكَى صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَقَالَ: إنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ هُوَ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ حَفَظَةِ النَّهَارِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ لِمَا حَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ. (الثَّالِثَةُ) بَنَى صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ فِي سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ فَإِنْ كَانُوا هُمْ الْحَفَظَةُ فَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ كِتَابَةِ أَعْمَالِهِمْ وَحِفْظِهَا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَهُمْ فَسُؤَالُهُ لَهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ لِمَنْ قَالَ {أَتَجْعَلُ فِيهَا} [البقرة: 30] وَإِظْهَارٌ لِمَا سَبَقَ فِي مَعْلُومِهِ إذْ قَالَ لَهُمْ {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] قَالَ أَوْ يَكُونُ سُؤَالُهُ لَهُمْ اسْتِدْعَاءً لِشَهَادَتِهِمْ لَهُمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالُوا: «أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» . (الرَّابِعَةُ) فِيهِ فَضِيلَةُ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ بِاجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] كَمَا قَالَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حِين رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ الْآيَةَ» أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ سَمِعْت رَسُولَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . [فَائِدَةٌ فَضِيلَة الصُّبْح وَالْعَصْر] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ» وَلَمْ يَذْكُرْ عُرُوجَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالنَّهَارِ وَلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْأَلُهُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي كَمَا يَسْأَلُ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ فَهَلْ يَظْهَرُ لِذَلِكَ مَعْنًى أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ اخْتِفَاءٍ وَاسْتِتَارٍ عَنْ الْأَعْيُنِ وَإِغْلَاقِ النَّاسِ أَبْوَابَهُمْ عَلَى مَا يَبِيتُونَ عَلَيْهِ فَكَانَ سُؤَالُ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ أَبْلَغَ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا إلَّا خَيْرًا مِنْ مَجِيئِهِمْ إلَيْهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرْكِهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ بِخِلَافِ النَّهَارِ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ الِانْتِشَارِ وَالْإِظْهَارِ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاخْتِفَاءُ فِيهِ وَالْإِظْهَارُ فِي اللَّيْلِ وَلَكِنْ جَرَى ذَلِكَ عَلَى غَالِبِ الْأَحْوَالِ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إذَا صَلُّوا مَعَهُمْ الصُّبْحَ عَرَجُوا فَحَسُنَ سُؤَالُهُمْ لِيُجِيبُوا بِمَا فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ قَدْ لَا يَعْرُجُونَ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَلْ يَسْتَكْمِلُونَ فِي الْأَرْضِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُمْ يَضْبِطُونَ مَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ غَيْرَ الْحَفَظَةِ فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ «مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ» وَالظَّاهِرُ مِنْهُمْ اسْتِيعَابُ النَّهَارِ وَإِذَا لَمْ يُفَارِقُوا بَنِي آدَمَ عَقِبَ الصَّلَاةِ أَمْكَنَ أَنْ يَطْرَأَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا لَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ الْإِخْبَارَ بِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ أَوْ مَا لَا يُرِيدُونَ هُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ فَلَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْ ذَلِكَ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا تَعْرُجُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَقَطْ، وَأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَنْزِلُونَ وَأَنَّ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ هُمْ الْحَفَظَةُ لَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ وَيُقَوِّي هَذَا الثَّالِثَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لَنَا عُرُوجُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، وَفِيهِ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْحَفَظَةُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَفَظَةَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ مَعَ بَنِي آدَمَ وَأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ الْحَفَظَةِ يَنْزِلُونَ مِنْ الْعَصْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ «يَتَعَاقَبُونَ» إذْ التَّعَاقُبُ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فَقَدْ يَرِدُ التَّفَاعُلُ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ كَقَوْلِهِمْ طَارَقَتْ النَّعْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ اقْتَصَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَلَى اجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِي الصُّبْحِ فَقَالَ «وَيَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] » . 1 - (السَّادِسَةُ) فِيهِ بَيَانُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 [حَدِيث يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ] وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ فِتْيَانِي أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِي بِحُزَمٍ مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ نُحَرِّقَ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُنَادَى بِهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «فَأُحَرِّقَ عَلَى قَوْمٍ بُيُوتَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ» قَالَ   Qلُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِظْهَارُ جَمِيلِ أَفْعَالِهِمْ وَسَتْرِ قَبِيحِهَا إذْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ بَنِي آدَمَ فِي حَالَةِ عِبَادَتِهِمْ وَلَمْ يَجْعَلْ اجْتِمَاعَهُمْ مَعَهُمْ فِي حَالِ خَلَوَاتِهِمْ بِلَذَّاتِهِمْ وَانْهِمَاكِهِمْ عَلَى شَهَوَاتِهِمْ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِلْخَيْرِ وَإِظْهَارِهِ وَالْإِثَابَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى سَتْرِهِ لِلْقَبِيحِ وَمَحَبَّةِ سَتْرِهِ وَكَرَاهَةِ إشَاعَتِهِ حَتَّى «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهُزَالٍ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك» . [حَدِيث تَحْرِيق الْبُيُوت عَلَى مِنْ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلَاة الْجَمَاعَة] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ فِتْيَانِي أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِي بِحُزَمٍ مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ نُحَرِّقَ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا» ، وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ بِزِيَادَةٍ فِيهِ ذُكِرَتْ فِي الْأَصْلِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَلِفِ فِيمَا يُرِيدُ الْمُخْبِرُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ وَالِاهْتِمَامِ. [فَائِدَةٌ جَوَازِ الِاسْتِنَابَة فِي الصَّلَاة] 1 (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنْ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ فِي الْإِمَامَةِ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَةٌ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ مِنْ قَوْلِهِ «نُحَرِّقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 كَذَا قَالَ الْجُمُعَةَ، قَالَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلِأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ «قُلْت لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ يَا أَبَا عَوْفٍ الْجُمُعَةَ عَنِيَ أَوْ غَيْرَهَا؟ فَقَالَ صُمَّتَا أُذُنَايَ إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا» قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ: «إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت» فَذَكَرَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمَاعَةُ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ» ..   Qبُيُوتًا» وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْعُقُوبَاتِ بِالْمَالِ مَنْسُوخَةٌ بِنَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَخْتَفُونَ فِي مَكَان لَا يُعْلَمُ فَأَرَادَ التَّوَصُّلَ إلَيْهِمْ بِتَحْرِيقِ الْبُيُوتِ. [فَائِدَةٌ احْتِجَاج مِنْ قَالَ بِفَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] (الرَّابِعَةُ) فِيهِ تَأَكُّدُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْحَضُّ عَلَيْهَا وَالتَّهْدِيدُ لِمَنْ تَرَكَهَا. (الْخَامِسَةُ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ (بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ هَمَّ وَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَهُمُّ إلَّا بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ إنْ سَلَّمَ الْمُجِيبُ بِهَذَا أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَإِنَّمَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَقَدْ كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ عِنْدَهُمْ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَقَدْ رَأَيْتنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَكَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيَانِ وَأَجَابَ عَنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْبَيَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَصًّا قَدْ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ، وَذِكْرُهُ لَهُمْ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِي الْعِبَادَةِ كَانَ شَرْطًا فِيهَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. [فَائِدَةٌ تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَسِرُّهُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا ارْتَفَعَتْ بِالْأَهْوَنِ مِنْ الزَّوَاجِرِ اُكْتُفِيَ بِهِ عَنْ الْأَعْلَى. [فَائِدَةٌ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَالْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى تَرْكِهَا] 1 (السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ وَالْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى تَرْكِهَا بِالتَّخْوِيفِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ هِيَ الصُّبْحُ أَوْ الْجُمُعَةُ؟ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ «لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» . وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَجْلَانَ مَوْلَى الْمُشْمَعِلِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ مِمَّنْ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاءَ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ» . وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقِيلَ: هِيَ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ مَعًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ: «إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْت» . فَذَكَرَهُ وَقِيلَ: هِيَ الْجُمُعَةُ وَيَدُلُّ لَهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَصْلِ «فَأُحَرِّقُ عَلَى قَوْمٍ بُيُوتَهُمْ لَا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ» . وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا ذَكَرْته فِي الْأَصْلِ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ لَقَدْ هَمَمْت» . فَذَكَرَهُ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْجُمُعَةِ لَا فِي غَيْرِهَا انْتَهَى. وَهَذَا مِمَّا يُضَعِّفُ قَوْلَ مَنْ احْتَجَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْجُمُعَةَ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا شَرْطٌ فَلَا يَبْقَى فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيُحْتَاجُ أَنْ يُنْظَرَ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ أَوْ الْعِشَاءُ أَوْ الْفَجْرُ فَإِنْ كَانَتْ أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةً قِيلَ: بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا وَاحِدًا اخْتَلَفَ فِيهِ بَعْضُ الطُّرُقِ وَعُدِمَ التَّرْجِيحُ وَقَفَ الِاسْتِدْلَال هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ (قُلْت) رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ فِي كَوْنِهَا الْجُمُعَةَ وَرِوَايَةُ كَوْنِهَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ حَدِيثٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاحِدٌ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَوْنِهَا الْجُمُعَةَ حَدِيثٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَقْدَحُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُنْظَرُ فِي اخْتِلَافِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ فِيهِ عَلَى رِوَايَةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجُمُعَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ بَلْ هُمَا رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ فِي الْجُمُعَةِ وَرِوَايَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. [فَائِدَةٌ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا] (الثَّامِنَةُ) اعْتَرَضَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى مَنْ احْتَجَّ لِلظَّاهِرِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِأَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ إذَا وَرَدَ بِالتَّخْوِيفِ فِي صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ الْعِشَاءُ أَوْ الْجُمُعَةُ أَوْ الْفَجْرُ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الظَّاهِرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَتَرْكِ اتِّبَاعِ الْمَعْنَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ نَأْخُذَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ» عَلَى عُمُومِ الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى اعْتِبَارِ لَفْظِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَسِيَاقِهِ وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ التَّحْقِيقُ بِطَلَبِ الْحَقِّ. [فَائِدَةٌ هَلْ هُمْ الرَّسُول بِتَحْرِيقِ الْبُيُوت لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا أصلا أَوْ لترك الْجَمَاعَة] 1 (التَّاسِعَةُ) اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِي هَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا هَمَّ بِهِ مِنْ التَّخْوِيفِ هَلْ هُوَ لِكَوْنِهِمْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ صَلَّوْا أَصْلًا فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّخْوِيفِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ رَأْسًا أَوْ هُوَ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ صَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَالَ فِيهِ «، ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقُهَا عَلَيْهِمْ قُلْت لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ يَا أَبَا عَوْفٍ الْجُمُعَةَ عَنِيَ أَوْ غَيْرَهَا؟» فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ مِنْ عِنْدِ أَبِي دَاوُد قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ الْمُهَدَّدُ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْهَا هِيَ الْجُمُعَةُ كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الَّذِينَ تَوَعَّدَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّحْرِيقِ هَلْ هُمْ مُنَافِقُونَ أَوْ قَوْمٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَاسْتَدَلَّ ابْنُ بَطَّالٍ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْسَمَ أَنَّهُ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَشْهَدُ لَهُ سِيَاقُ الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ» وَرَجَّحَهُ أَيْضًا بِأَنَّ هَمَّهُ بِالتَّحْرِيقِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَتَرْكَهُ لِلتَّحْرِيقِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ تَرَكَ عِقَابَ الْمُنَافِقِينَ، وَعِقَابُهُمْ كَانَ مُبَاحًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَيَّرًا فِيهِ وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» قَالَ وَالْمُنَافِقُونَ لَا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ إنَّمَا يُصَلُّونَ فِي الْجَمَاعَةِ رِيَاءً وَسُمْعَةً. (قُلْت) وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» وَقَدْ تَكُونُ الصَّلَاةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي بُيُوتِهِمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ لَا يُرَاءُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمَذْمُومَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْجَمَاعَةَ لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ مِنْ قَوْلِهِ «، ثُمَّ أُخَالِفُ إلَى رِجَالٍ» وَهُوَ كَذَلِكَ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْمُرَادُ بِالْعَظْمِ السَّمِينِ هُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ لَحْمٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «عَرْقًا سَمِينًا» وَالْعَرْقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ لَحْمٌ فَإِنْ كَانَ الْعَظْمُ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ فَهُوَ عُرَاقُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَزِيَادَةِ الْأَلْفِ هَكَذَا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقْ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ بَيْنَ الْعَرْقِ وَالْعُرَاقِ وَقَالَ: إنَّهُمَا الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ لَحْمٌ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ إنَّ الْعُرَاقَ جَمْعُ عَرْقٍ قَالَ وَهُوَ جَمْعٌ نَادِرٌ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْمِرْمَاتَانِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا أَيْضًا وَاحِدَتُهُمَا مِرْمَاةٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِمَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُقَالُ: إنَّ الْمِرْمَاتَيْنِ ظِلْفَيْ الشَّاةِ قَالَ: وَهَذَا حَرْفٌ لَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: إنَّهُ قَوْلُ الْخَلِيلِ أَيْضًا قَالَ الْحَرْبِيُّ وَلَا أَحْسِبُ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ كَمَا أَخْبَرَنِي أَبُو نَصْرٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ: الْمِرْمَاةُ سَهْمُ الْهَدَفِ قَالَ الْحَرْبِيُّ وَيُصَدِّقُ هَذَا مَا حَدَّثَنِي بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعِي كَانَ لَهُ عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ سَمِينَةٍ أَوْ سُهْمَانٍ لَفَعَلَ» وَقَالَ أَبُو عُمَرَ وَمِرْمَاةٌ وَمَرَامٍ وَهِيَ الدِّقَاقُ مِنْ السِّهَامِ الْمُسْتَوِيَةِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَقِيلَ الْمِرْمَاةُ بِالْكَسْرِ هُوَ السَّهْمُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُتَعَلَّمُ بِهِ الرَّمْيُ وَهُوَ أَحْقَرُ السِّهَامِ وَأَرْذَلُهَا أَيْ لَوْ دُعِيَ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ يُعْطَى سَهْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ السِّهَامِ لَأَسْرَعَ الْإِجَابَةَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَهَذَا لَيْسَ بِوَجْهٍ وَتَدْفَعُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى «لَوْ دُعِيَ إلَى مِرْمَاتَيْنِ أَوْ عَرْقٍ» انْتَهَى. وَقِيلَ: إنَّ الْمِرْمَاةَ ظِلْفُ الشَّاةِ نَفْسُهُ وَبِهِ صَدَّرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ كَلَامَهُ وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمِرْمَاةُ لُعْبَةٌ كَانُوا يَلْعَبُونَهَا بِنِصَالٍ مُحَدَّدَةٍ يَرْمُونَهَا فِي كَوْمٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَيُّهُمْ أَثْبَتَهَا فِي الْكَوْمِ غَلَبَ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَقَدْنَا نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ» إشَارَةً إلَى سَبَبِ الْحَدِيثِ فَلِذَلِكَ ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُبْهَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ هِيَ الصُّبْحُ فَقَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا لَا قَالَ أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا لَا قَالَ: إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ» . الْحَدِيثَ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «صُمَّتَا أُذُنَايَ» كَذَا وَقَعَ فِي سَمَاعِنَا مِنْ الْمُسْنَدِ وَهُوَ لُغَةُ بَنِي الْحَارِثِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ» فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ. [فَائِدَةٌ أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الصُّبْحِ» وَإِنَّمَا كَانَتْ هَاتَانِ الصَّلَاتَانِ ثَقِيلَتَيْنِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهَا لِلْمَشَقَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي حُضُورِ الْمَسَاجِدِ فِيهِمَا مِنْ الظُّلْمَةِ وَكَوْنِ وَقْتِهِمَا وَقْتَ رَاحَةٍ أَوْ غَلَبَةَ نَوْمٍ أَوْ خَلْوَةٍ بِأَهَالِيِهِمْ فَلَا يَتَجَشَّمُ تِلْكَ الْمَشَاقَّ إلَّا مَنْ وُفِّقَ بِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُنَافِقُ إمَّا شَاكٌّ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يُصَدِّقُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 142] وَهَاتَانِ الصَّلَاتَانِ فِي لَيْلٍ فَرُبَّمَا خَفِيَ مَنْ غَابَ عَنْهُمَا وَاسْتَتَرَ حَالُهُ بِخِلَافِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَفَقَّدُونَ غَيْبَتَهُ فَكَانَ رِيَاؤُهُ يَحُضُّهُ عَلَى حُضُورِهَا لِيَرَاهُ النَّاسُ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْآيَةِ كِلَاهُمَا حَامِلٌ لَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ حُكْم حُضُور الْجُمُعَةِ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «لَا يَشْهَدُونَ الْجُمُعَةَ» ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ جَعَلَ الْمُكَلَّفَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ إذْ لَوْ كَانُوا مُخَيَّرِينَ لَمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ قِيلَ: إنَّ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَرْضُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَيْنٍ إلَّا لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» أَيْ يَزْحَفُونَ عَلَى أَلْيَاتِهِمْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ آفَةٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَبْوُ غَالِبًا إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَبْوِ عَلَى الرُّكَبِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الزَّحْفِ فَالْمُرَادُ هُنَا الزَّحْفُ عَلَى الرُّكَبِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِنْ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ فِي حَقِّهِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. [فَائِدَةٌ يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَمَالُؤًا عَلَى تَرْكِ صَلَاة الْجَمَاعَةِ] (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَمَالَئُوا عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ ظَاهِرًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالصَّحِيحُ قِتَالُهُمْ؛ لِأَنَّ فِي التَّمَالُؤ عَلَيْهَا إمَاتَتَهَا انْتَهَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي قِتَالِ أَهْلِ بَلَدٍ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا يُقَاتَلُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ أَخْذُ أَهْلِ الْجَرَائِمِ عَلَى غِرَّةٍ] 1 (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) فِيهِ أَخْذُ أَهْلِ الْجَرَائِمِ عَلَى غِرَّةٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَحْكَامِ (بَابُ إخْرَاجِ الْخُصُومِ وَأَهْلِ الذَّنْبِ مِنْ الْبُيُوتِ) . [فَائِدَةٌ مَنْ تَرِكَ الصَّلَاةِ تَهَاوُنًا] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ بِقَوْلِهِ «نُحَرِّقُ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا» عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ مُتَهَاوِنًا يُقْتَلُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» فَلَمْ يَتْرُكُوهَا رَأْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَخْذِ مَنْ فِي الْبُيُوتِ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ] (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) إنْ قَالَ قَائِلٌ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا تَرْكَ الْجُمُعَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ تَرْكُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَجْلٍ أَخْذِ مَنْ فِي الْبُيُوتِ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يَجِبُ إزَالَتُهُ أَوْ يَكُونُ هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِعْلُ هَذَا الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ لَا تُعَادُ؟ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا مِنْ الْأَعْذَارِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ لَهُ غَرِيمٌ يَخَافُ فَوْتَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَرْبَابَ الْجَرَائِمِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ كَالْغُرَمَاءِ حَتَّى إذَا خَشِيَ أَنْ يَفُوتُوهُ إنْ شَهِدَ الْجَمَاعَةَ أَوْ الْجُمُعَةَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ مَنْسُوخٌ] 1 (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» وَلِمُسْلِمٍ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ الْمَسَاجِدَ وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» وَلِأَبِي دَاوُد فِيهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» وَلِمُسْلِمٍ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ» ..   Qوَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْثٍ فَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ إنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا» . وَرَوَى الْجَمَاعَةَ الْمَذْكُورِينَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ قَالَ أَتَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ «لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ أَنَّ مَا كَانَ هَمَّ بِهِ مِنْ التَّحْرِيقِ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ. [حَدِيث إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) فِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْنُوعًا عَلَيْهِنَّ لَمْ يُؤْمَرْ الرِّجَالُ بِالْإِذْنِ لَهُنَّ إذَا اسْتَأْذَنَّ وَلَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ تَأْتِي فِي بَقِيَّةِ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شُهُودِهَا لِلْجَمَاعَةِ هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ فَقَطْ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: إنَّ إطْلَاقَ الْخُرُوجِ لَهُنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ إبَاحَةٌ لَا نَدْبٌ وَلَا فَرْضٌ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الشَّابَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْعَجُوزِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ. [فَائِدَةٌ جَوَازِ خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَسْجِد] 1 (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ وَلَكِنْ بِالشُّرُوطِ الْآتِي ذِكْرُهَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسَاجِدِ إذَا حَدَثَ فِي النَّاسِ الْفَسَادُ. (الثَّالِثَةُ) هَذَا الْأَمْرُ لِلْأَزْوَاجِ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ؟ حَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى النَّدْبِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ أَنَّهَا «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُحِبُّ الصَّلَاةَ تَعْنِي مَعَك فَيَمْنَعُنَا أَزْوَاجُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلَاتُكُنَّ فِي بُيُوتِكُنَّ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكُنَّ فِي دُورِكُنَّ وَصَلَاتُكُنَّ فِي دُورِكُنَّ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِكُنَّ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِأَنْ لَا يُمْنَعْنَ أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ فَرْضٍ وَإِيجَابٍ، قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى. وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ إنَّ نَهْيَهُ عَنْ مَنْعِهَا مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ نَهْيُ أَدَبٍ لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا. [فَائِدَةٌ تَقْيِيد خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَسْجِد لَيْلًا] 1 (الرَّابِعَةُ) أُطْلِقَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَيَّدَهُ فِي بَعْضِهَا بِاللَّيْلِ فَقَالَ «إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا ذَكَرْته فِي الْأَصْلِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالطُّرُقِ مِمَّا يُخَصَّصُ بِهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِنَصِّهِ عَلَى اللَّيْلِ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ عَائِشَةَ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ. (الْخَامِسَةُ) إنْ قِيلَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِاللَّيْلِ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعُهَا» ، ثُمَّ قَالَ زَادَ الْعَلَوِيُّ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ سُفْيَانُ «إذَا كَانَ ذَلِكَ لَيْلًا؟» . وَالْجَوَابُ أَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مُطْلَقَةٌ لَيْسَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ فَلَا يَضُرُّنَا زِيَادَةُ سُفْيَانَ فِيهَا اشْتِرَاطُهُ ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ لَيْسَتْ مِنْ طَرِيقِهِ إنَّمَا هِيَ مِنْ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَتْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَلَيْسَتْ عَلَى هَذَا مُدْرَجَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَصْلِ الْحَدِيثِ. [فَائِدَةٌ الْمَرْأَة لَا تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا] (السَّادِسَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قِيلَ: إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ وَهَذَا إنْ أُخِذَ مِنْ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ جَوَازَ الْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلْحُكْمِ بِاللَّقَبِ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا إنَّ مَنْعَ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْمَسَاجِدِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْجَوَازِ عَلَى الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ الْمَعْلُومِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْمَنْعِ الْمَعْلُومِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ مَنْعُ الرَّجُلِ بِخُرُوجِ امْرَأَتِهِ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ مَأْخُوذًا مِنْ تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِالْمَسْجِدِ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إنَّ التَّعْبِيرَ بِإِمَاءِ اللَّهِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالنِّسَاءِ لَوْ قِيلَ: فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ أَعْنِي بِكَوْنِهِنَّ إمَاءَ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خُرُوجِهِنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ وَإِذَا كَانَ مُنَاسِبًا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْجَوَازِ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَزُولُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالِانْتِفَاءِ هُنَا انْتِفَاءُ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ انْتَهَى. يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ السَّادِسَةِ. [فَائِدَةٌ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الطِّيبُ لِلْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَكَسْرِ الْفَاءِ جَمْعُ تَفِلَةٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ التَّفَلِ بِفَتْحِهِمَا وَهُوَ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ لِيَخْرُجْنَ تَارِكَاتٍ لِلطَّيِّبِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «الْحَاجُّ الشُّعْثُ التُّفْلُ» . (التَّاسِعَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الطِّيبُ لِلْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ «إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ» وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْبَخُورُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَا يُتَبَخَّرُ بِهِ مِنْ عُودٍ أَوْ لِبَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ يَلْتَحِقُ بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّ الطِّيبَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ دَاعِيَةِ الرِّجَالِ وَشَهْوَتِهِمْ قَالَ وَقَدْ أُلْحِقَ بِهِ حُسْنُ الْمَلَابِسِ وَلُبْسُ الْحُلِيِّ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الزِّينَةِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قَوْلَ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ   Qلَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ. [فَائِدَةٌ اخْتِلَافُ المذاهب فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَسَاجِد] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ حُجَّةٌ» لِمَنْ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُنَّ شُهُودَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَمْنَعُ نِسَاءَهُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْرَهُ لِلنِّسَاءِ شُهُودَ الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ أُرَخِّصُ لِلْعَجُوزِ أَنْ تَشْهَدَ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ خَيْرٌ مِنْ بَيْتِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُهُ لِلشَّابَّةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ أَرَدْنَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ كُرِهَ لِلشَّوَابِّ دُونَ الْعَجَائِزِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلِلْمُتَجَالَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَا تُكْثِرَ التَّرَدُّدَ إلَيْهِ وَلِلشَّابَّةِ أَنْ تَخْرُجَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّتْ امْرَأَةٌ صَلَاةً خَيْرًا لَهَا مِنْ صَلَاةٍ تُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَجُوزٌ فِي مِنْقَلَيْهَا وَفِي إسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ تُكُلِّمَ فِي حِفْظِهِ وَالْمِنْقَلَانِ الْخُفَّانِ وَقِيلَ الْخُفَّانِ الْخَلَقَانِ ضَبَطَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِالْكَسْرِ وَذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْمُثَلَّثِ وَقَالَ هُوَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ الْخُفُّ وَبِالضَّمِّ الْخُفُّ الْمُصْلَحُ. [فَائِدَةٌ الرَّجُلَ إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأَتُهُ إلَى الْحَجِّ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأَتُهُ إلَى الْحَجِّ لَا يَمْنَعُهَا فَيَكُونُ وَجْهُ نَهْيِهِ عَنْ مَسْجِدِ اللَّهِ الْحَرَامِ لِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ نَهْيَ إيجَابٍ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْحَجِّ انْتَهَى. (قُلْت) وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِذْنِ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ الْإِذْنُ فِي الْحَجِّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى سَفَرٍ وَنَفَقَةٍ وَأَعْمَالٍ كَثِيرَةٍ. [حَدِيث ابْنَ عُمَرَ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ] الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ أَلَا صَلُّوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: أَنَّ أَذَانَ ابْنِ عُمَرَ كَانَ بِضَجَنَانَ وَلَهُمَا أَنَّ «ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ قَالَ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّهُ «كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَفِيهِ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ..   Qفِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ الرُّخْصَةُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي شِدَّةِ الْمَطَرِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مُبَاحٌ. [فَائِدَةٌ الرُّخْصَة فِي التَّخَلُّف عَنْ مَسْجِد الْجَمَاعَة] 1 (الثَّانِيَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَتَقْدِيرُهُ: أَنَّ الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ لِلْمَطَرِ إتْيَانُ الْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فِي الْبُيُوتِ وَالرِّحَالِ فَلَيْسَ الْمَطَرُ عُذْرًا فِيهَا فَلَمَّا قَالَ «صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» وَأَطْلَقَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَجِبُ إذْ لَوْ وَجَبَ ذَلِكَ بَيَّنَهُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْبَيَانِ. (الثَّالِثَةُ) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» لَيْسَ هُوَ أَمْرُ عَزِيمَةٍ حَتَّى يُشْرَعَ لَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَشِيئَتِهِمْ فَمَنْ شَاءَ صَلَّى فِي رَحْلِهِ، وَمَنْ شَاءَ خَرَجَ إلَى الْجَمَاعَةِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ: لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ» فَوَكَلَ ذَلِكَ إلَى مَشِيئَتِهِمْ. [فَائِدَةٌ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الْمُؤَذِّنُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ] 1 (الرَّابِعَةُ) أَطْلَقَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الْمُؤَذِّنُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ هَلْ يَقُولُهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ؟ لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ «فَقَالَ أَلَا صَلُّوا» يَقْتَضِي تَعْقِيبَهُ لِلْأَذَانِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ مَطَرٍ وَرِيحٍ وَبَرْدٍ فَقَالَ فِي آخَرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ لَفْظُ مُسْلِمٍ فَقَيَّدَهَا فِي أَذَانِ ابْنِ عُمَرَ بِآخِرِ نِدَائِهِ وَأَطْلَقَهَا فِي الْمَرْفُوعِ. وَقَدْ قَيَّدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ وَأُخْبِرْنَا أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» . (الْخَامِسَةُ) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَذَانِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمَذْكُورِ فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ أَنَّهُ «يَقُولُهَا مَوْضِعَ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ» . وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي آخَرِ رِوَايَةٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَيَكُونُ هَذَا مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قُلْت) هَذَا الْجَمْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ «، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ» . وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ مَطِيرَةٌ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ فَإِذَا فَرَغَ نَادَى: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ أَوْ فِي رِحَالِكُمْ» . (السَّادِسَةُ) ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَذَانِ أَوْ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ فَقَالَ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ مَطِيرَةٌ وَذَاتُ رِيحٍ وَظُلْمَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَإِنْ قَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالَ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. قَوْلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ وَلَيْسَ هُوَ بِبَعِيدٍ بَلْ هُوَ الْحَقُّ وَالسُّنَّةُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي آخَرِ أَبْوَابِ الْأَذَانِ فِي الْأُمِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إذَا قُلْت أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَقُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. (السَّابِعَةُ) مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ مُطَابِقًا لَهُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَدُلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ مَكَانَ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ وَاَلَّذِي. قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَقُولُهَا بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ كَوْنِهِ يَجْعَلُهَا مَكَانَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ هُوَ الْمُنَاسِبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ يُخَالِفُ قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ تَعَالَوْا، ثُمَّ يَقُولُ لَا تَجِيئُوا وَلَكِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدْ بَوَّبَ عَلَى بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَابُ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ. وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ أَذَانٌ كَامِلٌ زَادَ فِيهِ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَيَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إذَا قُلْت أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ لَا تَقُلْهَا بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ بَلْ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ أَوَّلًا وَأَتِمَّ الْأَذَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ. [فَائِدَةٌ الْكَلَامَ فِي الْأَذَانِ] (الثَّامِنَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ اسْتَدَلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يُرِيدُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ أَجَازَ الْكَلَامَ فِي الْأَذَانِ وَهُمْ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ وَعُرْوَةُ وَقَتَادَةُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهَا تُقَالُ بَعْدَ الْأَذَانِ قَالَ وَالْحَدِيثَ الثَّانِي أَيْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَسْلُكْ فِيهِ مَسْلَكَ الْأَذَانِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ إشْعَارَ النَّاسِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ لِلْعُذْرِ كَمَا فَعَلَ مِنْ التَّثْوِيبِ لِلْأُمَرَاءِ قَالَ وَقَدْ كَرِهَ الْكَلَامَ فِي الْأَذَانِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ انْتَهَى. وَمَا أَوَّلَ الْقُرْطُبِيُّ بِهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ أَذَانًا وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَرَّحَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْأَذَانِ. [فَائِدَةٌ السَّفَرُ لَا تَتَأَكَّدُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِي قَوْلِهِ «لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ» مَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّرَخُّصَ بِاجْتِمَاعِ الْبَرْدِ وَالْمَطَرِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا رُخْصَةٌ وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي تَلِيهَا «أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ» ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدَهُمَا عُذْرٌ وَلَكِنْ كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ الَّتِي أَتَى فِيهَا بِأَوْ مُقَيَّدَةٌ بِالسَّفَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ فِي سَفَرٍ» الْحَدِيثَ. فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا كَانَ السَّفَرُ لَا تَتَأَكَّدُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَيَشُقُّ الِاجْتِمَاعُ لِأَجْلِهَا اكْتَفَى فِيهِ بِأَحَدِ الْأُمُورِ بِخِلَافِ الْحَضَرِ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَخَفُّ مِنْ السَّفَرِ وَالْجَمَاعَةُ فِيهِ آكَدُ وَلَكِنْ لَا أَعْلَمُ قَائِلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْفَرْقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الْوَاوِ عَلَى رِوَايَةِ أَوْ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ مَحَلَّ الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مَحَلَّ الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ إنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ فَقَطْ دُونَ النَّهَارِ مِنْ قَوْلِهِ «إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ» . أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ قَائِلُونَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الرِّيحِ فَقَطْ دُونَ الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ فَقَالُوا فِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ: إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَالُوا فِي الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ: إنَّهَا عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ هَكَذَا جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجْهًا آخَرَ فِي الرِّيحِ أَنَّهَا عُذْرٌ فِي النَّهَارِ وَلِلْأَصْحَابِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِاللَّيْلِ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْعِلَّةُ إنَّمَا هِيَ الْبَرْدُ وَالْمَطَرُ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ» . وَقَدْ ذَكَرْته بَعْدَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْأَصْلِ وَأَمَّا الْبَرْدُ فِي النَّهَارِ فَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقَارَّةِ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْبَرْدَ عُذْرٌ فِي النَّهَارِ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ: قَيَّدَهُ بِالْغَدَاةِ دُونَ بَقِيَّةِ النَّهَارِ لِمَا فِي الْغَدَاةِ مِنْ الْبَرْدِ دُونَ وَسَطِ النَّهَارِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ هَكَذَا بِالْعَنْعَنَةِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِهَا. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ التَّقْيِيدَ بِكَوْنِهِ فِي السَّفَرِ، وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهَكَذَا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ» فَكَانَ يَنْبَغِي حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالسَّفَرِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَكُونُ الْمَطَرُ وَالْبَرْدُ وَالرِّيحُ رُخْصَةً فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الْحَضَرِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقَارَّةِ» فَصَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ فِي سَفَرٍ وَلَكِنَّ هَذِهِ الطُّرُقَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ بِالْعَنْعَنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّ قِصَّةَ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ تَدُلُّ عَلَى التَّرْخِيصِ بِالْمَطَرِ فِي الْحَضَرِ أَنَّهُ «قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إلَى مَكَان مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ رَخَّصَ لِعِتْبَانَ فِي ذَلِكَ التَّرْخِيصُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ أَيْضًا بِكَوْنِهِ ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَعَلَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) ضَجْنَانُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَبِنُونَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِهِ عَلَى كِتَابِ الْغَرِيبَيْنِ لِلْهَرَوِيِّ: إنَّهُ مَوْضِعٌ أَوْ جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. [فَائِدَةٌ هَلْ يُفَرَّق بَيْن الْجُمُعَةَ وَسَائِر الجماعات فِي الْأَعْذَار] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ الْأَعْذَارَ الْمَذْكُورَةَ رُخْصَةٌ فِي مُطْلَقِ الْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ» وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا فِي أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَئِمَّةِ طَبَرِسْتَانَ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا أَنَّ الْوَحَلَ الشَّدِيدَ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الْجُمُعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُذْرٌ فِيهِمَا مَعًا، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَحْجُوجٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدَغٍ الْحَدِيثَ. فِي أَمْرِهِ مُؤَذِّنَهُ أَنْ يَقُولَ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَالرَّدَغُ وَالرَّزَغُ الطِّينُ وَقَالَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْت أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَطَرَ وَالْوَحْلَ لَيْسَا بِعُذْرٍ فِي الْجُمُعَةِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّ الْمَطَرَ الشَّدِيدَ وَالْوَحْلَ عُذْرٌ فِيهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنَّ الْمَطَرَ الْوَابِلَ عُذْرٌ، وَقَيَّدَ أَصْحَابُنَا الْوَحَلَ بِالشَّدِيدِ وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ الْمَطَرَ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِالشَّدِيدِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ أَذًى وَقَدْ أُطْلِقَ الْمَطَرُ وَالرَّدَغُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكِنْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ كَرِهْت أَنْ أَؤُمَّكُمْ فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إلَى رُكَبِكُمْ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْوَحَلِ وَالْمَطَرِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَيُسْتَدَلُّ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ إطْلَاقِهِمْ الْمَطَرَ فِي عُذْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «شَهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي رِحَالِهِمْ» لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد: إنَّ «ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُونُوا مُقِيمِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ صَلُّوا الْجُمُعَةَ فَيَكُونُ ظُهْرًا فَلَا يَبْقَى فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْجُمُعَةِ. [فَائِدَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الْمُهَلَّبِ أَنَّ قَوْلَهُ «الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» أَبَاحَ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجَمَاعَةِ، وَقَوْلُهُ إنَّهَا عَزْمَةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَحْدَهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا الْعَصْرَ قَالَ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ انْتَهَى. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ مِنْ كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُجْمَعُ مَعَ الْعَصْرِ إنَّمَا يُجْمَعُ مَعَهَا الظُّهْرُ، فَاسْتِدْلَالُهُ بِعَدَمِ جَمْعِ الْعَصْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَقْلِ الْجَمْعِ عَدَمُ وُقُوعِهِ لَوْ كَانَ جَائِزًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أَذَانَ عَلَى مُسَافِرٍ وَإِنَّمَا الْأَذَانُ عَلَى مَنْ يَجْتَمِعُ إلَيْهِ لِتَأْدِيَتِهِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ يُقِيمُ الْمُسَافِرُ وَلَا يُؤَذِّنُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْحَسَنِ وَالْقَاسِمِ. وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ حُجَّةٌ لِمَنْ اسْتَحَبَّ الْأَذَانَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الطَّوِيلُ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فِي نَوْمِهِمْ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَادِي» . وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ «إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِك أَوْ فِي بَادِيَتِك فَأَذَّنْت فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَّ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَحَدِيثُ مَالِكٍ أَبُو الْحُوَيْرِثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَإِذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» الْحَدِيثَ بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا وَقَالَ بِوُجُوبِ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: إذَا كُنْت فِي سَفَرٍ وَلَمْ تُؤَذِّنْ وَلَمْ تُقِمْ فَأَعِدْ الصَّلَاةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا نَسِيَ الْإِقَامَةَ فِي السَّفَرِ أَعَادَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَالْحُجَّةُ لَهُمَا قَوْلُهُ «أَذِّنَا وَأَقِيمَا» وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 بَابُ الْإِمَامَةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ»   Q [بَابُ الْإِمَامَةِ] (بَابُ الْإِمَامَةِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ الْأَمْرُ بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِالصَّفِّ الْجِنْسُ وَيَدْخُلُ فِي إقَامَةِ الصَّفِّ اسْتِوَاءُ الْقَائِمِينَ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ وَالْتِصَاقُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ خَلَلٌ وَتَتْمِيمُ الصُّفُوفِ الْمُقَدَّمَةِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ النُّعْمَانِ «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثَلَاثًا وَاَللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالَ فَرَأَيْت الرَّجُلَ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ» . فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ دَالَّتَانِ بِمَجْمُوعِهِمَا عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي إقَامَةِ الصَّفِّ اسْتِوَاءُ الْقَائِمِينَ بِهِ وَانْضِمَامُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قُلْنَا وَكَيْفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدَّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهُمَا وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ (الثَّانِيَةُ) هَذَا الْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِهِ «فَإِنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الصُّفُوفِ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ حُسْنَ الشَّيْءِ زِيَادَةٌ عَلَى تَمَامِهِ وَذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «تَسْوِيَةُ الصَّفِّ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ إقَامَةَ الصَّلَاةِ» . تَقَعُ عَلَى السُّنَّةِ كَمَا تَقَعُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لِمَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي قَوْلِ أَنَسٍ مَا أَنْكَرْت شَيْئًا إلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ لِمَا كَانَ تَسْوِيَةُ الصَّفِّ مِنْ السُّنَّةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا الْمَدْحَ عَلَيْهَا دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ تَارِكَهَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَالْعَتْبَ كَمَا قَالَ أَنَسٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُقِمْ الصُّفُوفَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ قَوْلُهُ «مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ» . هُوَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ «مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ أَرْكَانِهَا وَلَا وَاجِبَاتِهَا وَتَمَامُ الشَّيْءِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا فِي مَشْهُورِ الِاصْطِلَاحِ قَالَ وَقَدْ يَنْطَلِقُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ عَلَى بَعْضِ مَا لَا تَتِمُّ الْحَقِيقَةُ إلَّا بِهِ انْتَهَى. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى وُجُوبِهِ فَقَالَ وَفُرِضَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ تَعْدِيلُ الصُّفُوفِ الْأُوَلِ وَالتَّرَاصُّ فِيهَا وَالْمُحَاذَاةُ بِالْمَنَاكِبِ وَالْأَرْجُلِ فَإِنْ كَانَ نَقْصٌ كَانَ فِي آخِرِهَا وَمَنْ صَلَّى وَأَمَامَهُ فِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ يُمْكِنُهُ سَدُّهَا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ مَدْخَلًا فَلْيَجْذِبْ إلَى نَفْسِهِ رَجُلًا يُصَلِّي مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَرْجِعْ وَلَا يُصَلِّ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ إلَّا أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَكُونَ مَمْنُوعًا فَيُصَلِّيَ وَيَجْزِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» . قَالَ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَالْوَعِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَنَسٍ كَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ قَالَ هَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ رَوَيْنَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ كُنْت فِيمَنْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدَمَهُ لِإِقَامَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ مَا كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَضْرِبَ أَحَدًا وَيَسْتَبِيحَ بَشَرَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ فَرْضٍ ثُمَّ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ بَعَثَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا لِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِاسْتِوَائِهَا ثُمَّ قَالَ: فَهَذَا فِعْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ثُمَّ حَكَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ كَانَ بِلَالٌ هُوَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ أَقْدَامَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيُسَوِّي مَنَاكِبَنَا. ثُمَّ قَالَ فَهَذَا بِلَالٌ مَا كَانَ لِيَضْرِبَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَهُمْ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا، إلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الْمُبَاحُ لَيْسَ مُنْكَرًا انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِكَلَامِ أَنَسٍ هَذَا عَلَى الْوُجُوبِ فَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِهِ، بَابَ إثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الْوَعِيدُ يَعْنِي الَّذِي فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ وَهَذَا كَانَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ سَمَحَ فِي ذَلِكَ. اهـ (الثَّالِثَةُ) ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى إقَامَةِ الصَّفِّ أُمُورًا: (أَحَدُهَا) حُصُولُ الِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ ظَاهِرٌ كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بَاطِنًا. (ثَانِيهَا) لِئَلَّا يَتَخَلَّلَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيُفْسِدَ صَلَاتَهُمْ بِالْوَسْوَسَةِ كَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ. (ثَالِثُهَا) مَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْهَيْئَةِ. (رَابِعُهَا) أَنَّ فِي ذَلِكَ تَمَكُّنَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ جَمْعِهِمْ فَإِذَا تَرَاصُّوا وَسِعَ جَمِيعَهُمْ الْمَسْجِدُ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ضَاقَ عَنْهُمْ. (خَامِسُهَا) أَنْ لَا يَشْغَلَ بَعْضُهُمَا بَعْضًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَشْغَلُهُ مِنْهُ إذَا كَانُوا مُخْتَلِفِينَ وَإِذَا اصْطَفُّوا غَابَتْ وُجُوهُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَكَثِيرٌ مِنْ حَرَكَاتِهِمْ وَإِنَّمَا يَلِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ظُهُورَهُمْ (الرَّابِعَةُ) وَجْهُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الصُّفُوفَ إنَّمَا تَحْصُلُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ بِالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ فَهِيَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَأَيْضًا فَتَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ» . وَرُوِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ فَإِذَا أَخْبَرُوهُ بِتَسْوِيَتِهَا كَبَّرَ» وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَعَاهَدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيَقُولُ تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 [حَدِيث الْأَمْرُ بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ] وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبَّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَأُرْكِعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلَّوْا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَة «وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا» وَفِي رِوَايَة «لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ وَفِيهَا وَإِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَلَا تَرْفَعُوا قَبْلَهُ» .   Q [حَدِيث عدم الِاخْتِلَاف عَلَى إمَام الصَّلَاة وَاقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِاخْتِلَافِ نِيَّتِهِمَا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ وَالنِّيَّاتِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ دُونَ النِّيَّاتِ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ خَلْفَ النَّفْلِ وَعَكْسَهُ وَالظُّهْرَ خَلْفَ الْعَصْرِ وَعَكْسَهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ حَيْثُ قَالَ «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» إلَى آخِرِهِ وَيَدُلُّ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلَّى بِقَوْمِهِ» وَقَدْ ذَكَرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا. [فَائِدَة تَقَدُّمُ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ] 1 (الثَّانِيَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُؤْتَمٍّ بِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَطَائِفَةٌ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الِائْتِمَامُ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ لَا فِي الْمَوْقِفِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ تَقْيِيدَ الِائْتِمَامِ بِالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَقَيَّدُوهُ هُنَا ثُمَّ إنَّ إخْرَاجَ الشَّافِعِيَّةِ النِّيَّاتِ عَنْ ذَلِكَ سَاعَدَهُ كَوْنُهُ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ مَا أَمَرَ بِالِائْتِمَامِ بِهِ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّاتِ وَأَنَّ النِّيَّاتِ لَا يُمْكِنْ الْأَمْرُ بِالْمُتَابَعَةِ فِيهَا لِكَوْنِهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا وَأَمَّا إخْرَاجُ الْمَالِكِيَّةِ الْمَوْقِفَ عَنْ ذَلِكَ فَهُمْ مُطَالَبُونَ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ. [فَائِدَة لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ] 1 (الثَّالِثَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا بَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لِكَوْنِهِ حَضَرَ الْإِمَامَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ سِوَى ذَلِكَ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُمْكِنٌ مَعَ الْجَهْلِ بِحَالِهِ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ النَّجَاسَةَ بِالْخَفِيَّةِ وَفِي النَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّمَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِحَدَثِ نَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمَأْمُومُ بِحَدَثِ الْإِمَامِ ثُمَّ نَسِيَهُ فَاقْتَدَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِتَفْرِيطِهِ. وَإِذَا صَحَّحْنَا الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ حَصَلَ لِلْمَأْمُومِ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِإِمَامٍ يَظُنُّهُ مُتَطَهِّرًا فَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ فِي الْبَاطِنِ مُحْدِثًا أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ فِي الْكَافِرِ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسِيرَ الْكُفْرِ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ. [فَائِدَة إيجَابِ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ] (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا عَلَى إيجَابِ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ فَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ إيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فَرَدَّ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ يَقُولُ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ لَفْظٍ بَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالتَّكْبِيرِ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ غَايَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِي التَّكْبِيرِ فَأَمَّا كَوْنُ التَّكْبِيرِ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاجِبٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» يَتَنَاوَلُ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ أَيْضًا وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَطْعًا. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُ الْمَأْمُومِ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَهُمَا غَيْرُ وَاجِبَيْنِ ثُمَّ لَوْ كَانَتْ جَمِيعُ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَاجِبَةً لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّكْبِيرَ وَاجِبٌ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الِاقْتِرَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. [فَائِدَة أَفْعَالَ الْمَأْمُومِ تَكُونُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ أَفْعَالِ الْإِمَامِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْمَأْمُومِ تَكُونُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ أَفْعَالِ الْإِمَامِ فَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّكْبِيرِ وَيَرْكَعُ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَقَبْلَ رَفْعِهِ مِنْهُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَفْعَالِ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا إنْ قَارَنَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَتَفُوتُ بِهِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَفِي الْمُقَارَنَةِ فِي السَّلَامِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَكُونُ عَمَلُ الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ مَعًا أَوْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَالِكٌ وَيَفْعَلُ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالسَّلَامِ فَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا بَعْدُهُ وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ أَحْرَمَ مَعَهُ أَجْزَأَهُ وَبَعْدَهُ أَصْوَبُ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَحْرَمَ مَعَهُ أَوْ سَلَّمَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَالْعَمَلُ بَعْدَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ يُكَبِّرُ فِي الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُكَبِّرُ الْمَأْمُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَتَوْجِيهُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ تَكْبِيرَهُ مَعَهُ أَنَّ الِائْتِمَامَ مَعْنَاهُ الِامْتِثَالُ لِفِعْلِ الْإِمَامِ فَهُوَ إذَا فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ فَسَوَاءٌ أَوْقَعَهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ حَصَلَ مُمْتَثِلًا لِفِعْلِهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ مَتَى فَارَقَ الْإِمَامَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ انْتَهَى. وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى تَأَخُّرِ أَفْعَالِ الْمَأْمُومِ عَنْ أَفْعَالِ الْإِمَامِ أَنَّهُ رَتَّبَ فِعْلَهُ عَلَى فِعْلِ الْإِمَامِ بِالْفَاءِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ كَذَا ذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْفَاءَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّعْقِيبِ هِيَ الْعَاطِفَةُ أَمَّا الْوَاقِعَةُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلرَّبْطِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى التَّعْقِيبِ عَلَى أَنَّ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى التَّعْقِيبِ مَذْهَبَيْنِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ وَلَعَلَّ أَصْلَهَا أَنَّ الشَّرْطَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَعَ الْجَزَاءِ أَوْ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْقِيبَ إنْ قُلْنَا بِهِ فَلَيْسَ مِنْ الْفَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْجَزَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» . أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَ الْإِمَامِ مُقَارِنًا لَهُ مَعَ كَوْنِهِ بِالْفَاءِ أَيْضًا فِي جَوَابِ الشَّرْطِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي صَرَفَنَا عَنْ التَّعْقِيبِ هُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا آمِينَ» فَعَقَّبَ قَوْلَ الْإِمَامِ {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] بِتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ مَحَلُّ تَأْمِينِ الْإِمَامِ وَصَرَفَنَا مِنْ الْقَوْلِ بِمِثْلِ هَذَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ» وَكَذَا قَالَ فِي الرُّكُوعِ «وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ» وَقَالَ فِي السُّجُودِ «وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ» وَفَائِدَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد نَفْيُ احْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُقَارَنَةِ انْتَهَى. [فَائِدَة لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ] 1 (السَّادِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِأَنَّهُ رَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلَ الْمَأْمُومِينَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْمَأْمُومُ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ (السَّابِعَةُ) وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَأَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَالْمَأْمُومُ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَإِنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْضًا حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ أَعْنِي جَمْعَ الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا وَاقْتِصَارَ الْمَأْمُومِ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ جَمْعُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا فَقَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ذِكْرُ الِانْتِقَالِ وَقَوْلُهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ ذِكْرُ الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَغَايَةُ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ السُّكُوتُ عَنْ قَوْلِ الْمَأْمُومِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَعَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَأَمَّا جَمْعُ الْإِمَامِ بَيْنَهُمَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» . وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخَرُ وَفِي هَذِهِ كِفَايَةٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي جَمْعِ الْمَأْمُومِ بَيْنَهُمَا أَحَادِيثُ فِي إسْنَادِهَا ضَعْفٌ فَنَذْكُرُهَا مَعَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ مَنْ وَرَاءَهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَلْيَقُلْ مَنْ وَرَاءَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «قَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا بُرَيْدَةَ إذَا رَفَعَتْ رَأْسَك مِنْ الرُّكُوعِ فَقُلْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» وَهَذَا عَامٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَمَنْ دُونَهُ أَكْثَرُهُمْ ضَعْفًا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَأْمُومِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَلْيَقُلْ مَنْ خَلْفَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَحْمَدُ إلَى هَذَا انْتَهَى أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ (قُلْت) لَمْ يَحْكِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُمَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّهُ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِحَوْلِك وَقُوَّتِك أَقُومُ وَأَقْعُدُ» وَرَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ إمَامٌ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَيُتَابِعُهُ مَعًا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ مَنْ خَلْفَهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ قَالَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ خَلْفَ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ الْقَاضِي مُجَلِّي أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ ادَّعَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ فِي جَمْعِ الْمَأْمُومِ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِقَوْلِهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ قُلْت وَفِي هَذَا النَّقْلِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ نَظَرٌ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ فِي الْإِشْرَافِ حَكَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي انْتِقَالِهِ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي اعْتِدَالِكُمْ بَلْ نَزِيدُ عَلَى هَذَا وَنَقُولُ إنَّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَكُلُّ مُصَلٍّ كَذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَعَزَاهُ لِطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَمِمَّنْ قَالَ يَجْمَعُ الْمُنْفَرِدُ بَيْنَهُمَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِنَّ مَا يَقُولَانِ ذَلِكَ فِي الْمَأْمُومِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ يُرْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالتَّسْمِيعِ وَيُرْوَى بِالتَّحْمِيدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَمْعِ الْمُنْفَرِدِ بَيْنَهُمَا. [فَائِدَة حُكْمُ الْوَاوِ فِي رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ] (الثَّامِنَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ وَلَك الْحَمْدُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ كَأَنَّ إثْبَاتَ الْوَاوِ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ التَّقْدِيرُ رَبَّنَا اسْتَجِبْ أَوْ مَا قَارَبَ ذَلِكَ وَلَك الْحَمْدُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ وَإِذَا قِيلَ بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ دَلَّ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ انْتَهَى وَإِسْقَاطُ الْوَاوِ قَدْ حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ قُدَامَةَ وَقَالَ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ هُنَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ إثْبَاتُهَا وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَفْضَلَ إسْقَاطُهَا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُثْبِتُ الْوَاوَ فِي رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَقَالَ رَوَى الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا عَنْ أَنَسٍ وَالثَّانِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّالِثُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي حَدِيثَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الطَّوِيلِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بِالْوَاوِ وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ قُدَامَةَ خِلَافًا عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ كِلَاهُمَا جَاءَتْ بِهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ وَإِنَّ الْأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. [فَائِدَة فِي صَلَاةُ الْإِمَامِ جَالِسًا] 1 (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ «وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ «فَصَلُّوا» وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَجْمَعِينَ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِلْحَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ «جُلُوسًا» (الْعَاشِرَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا لِعُذْرٍ صَلَّى الْمَأْمُومُونَ وَرَاءَهُ قُعُودًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمْ مَانِعٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الْقِيَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ كَذَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. وَعَنْ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ بِالْقَافِ قَالَ كَانَ لَنَا إمَامٌ فَمَرِضَ فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا وَهُوَ الصَّحَابِيُّ الرَّابِعُ الَّذِي عَنَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلِينَ وَحِكَايَتُهُ كَلَامَ أَحْمَدَ الرَّابِعُ وَهُوَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ إمَامًا لَهُمْ اشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ فَهِمَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ هُوَ الَّذِي كَانَ إمَامًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ هَذَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ الصَّحَابِيُّ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ وَيَجْتَمِعُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ. رَوَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَهُوَ صَحَابِيٌّ سَادِسٌ وَحَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ سِوَى أَنَسٍ وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنِ زَيْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْهَاشِمِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ. (قُلْت) وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ سِوَاهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَهُوَ عِنْدِي ضَرْبٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةٌ أَفْتَوْا بِهِ وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ فَكَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَصْلًا خِلَافُهُ لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا وَاهٍ فَكَأَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى إجَازَتِهِ وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ قَاعِدًا إذَا صَلَّى إمَامُهُ جَالِسًا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ صَاحِبُ النَّخَعِيّ وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّاسَ فِي قِصَّةِ مَرَضِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا قِيَامًا مَعَ جُلُوسِهِ وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالْجُلُوسِ وَكَيْفَ يَجْعَلُ مَذْهَبَهُ وَهُوَ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبِهَذَا الْمَذْهَبِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَأَهْلُ الظَّاهِرِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إلَّا فِيمَنْ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعْلَمُهُمْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا ثُمَّ قَالَ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ ثُمَّ حَكَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ ثُمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَأُسَيْدُ وَكُلُّ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا كُلُّهُمْ يَرَى إمَامَةَ الْجَالِسِ لِلْأَصِحَّاءِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي أَنْ يُصَلِّيَ الْأَصِحَّاءُ وَرَاءَهُ جُلُوسًا. قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَطَاءٍ أَمْرَ الْأَصِحَّاءُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ الْقَاعِدِ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَا رَأَيْت النَّاسَ إلَّا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قُعُودًا قَالَ وَهِيَ السُّنَّةُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَرَوَيْنَا عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ قَالَ أَتَيْنَا حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يَوْمًا وَقَدْ صَلَّوْا الصُّبْحَ فَقَالَ «إنَّا أَحْيَيْنَا الْيَوْمَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا مَا هِيَ يَا أَبَا إسْمَاعِيلَ؟ قَالَ كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإمَامُنَا مَرِيضًا فَصَلَّى بِنَا جَالِسًا فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ جُلُوسًا» انْتَهَى. فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا جُلُوسُ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا وَالثَّانِي جُلُوسُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَلِّغًا عَنْ الْإِمَامِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَوَرَاءَ ذَلِكَ مَذْهَبَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْقَاعِدِ إلَّا قَائِمًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنِيفَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَحْكِ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ مَالِكٍ سِوَاهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَحَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ «بِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامًا» . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْسُوخٌ بِسُنَّتِهِ وَهِيَ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ بِأَبِي وَأُمِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى لَحِقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» . وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا نَاسِخًا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ «ائْتَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ قِيلَ الْإِمَامُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ مَأْمُومٌ عَلَمٌ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جَالِسًا ضَعِيفَ الصَّوْتِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يُسْمَعُ وَيُرَى» انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا مَنْسُوخٌ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» . وَقَوْلُهُ «إذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ «ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا» انْتَهَى. وَأَجَابَ الْمُخَالِفُونَ لِهَذَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ هُوَ الْإِمَامُ وَالنَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْتَدٍ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْإِمَامُ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَهَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» . وَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ مُقْتَدِيًا بِأَبِي بَكْرٍ فَهِيَ صَلَاةٌ أُخْرَى غَيْرُ الَّتِي اقْتَدَى أَبُو بَكْرٍ بِهِ فِيهَا فَقَدْ كَانَ مَرَضُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فِيهِ سِتُّونَ صَلَاةً أَوْ نَحْوَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ لَوْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ مَرَّةً لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى خَلْفَهُ أَبُو بَكْرٍ أُخْرَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ إلَى «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ رَكْعَةً وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَصَلَّى مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَةً فَلَمَّا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَامَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ» . فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ مُرَادَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَأَمَّا الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا أَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ فِي مَرَضِهِ فَهِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ كَمَا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيَانِ الظُّهْرِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَيَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ قُلْت وَيَدُلُّ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْقَوْمِ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» . فَذَكَرَ أَنَّ صَلَاتَهُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ آخِرُ صَلَوَاتِهِ مَعَ الْقَوْمِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هُمَا صَلَاتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ بِلَا شَكٍّ ثَانِيهَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا وَإِذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا صَلُّوا قِيَامًا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فَأَشَارَ أَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ قَالَ وَمَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَجَبَ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ انْتَهَى. وَفِي هَذَا تَخْصِيصٌ لِمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يَقْعُدُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَإِنْ ابْتَدَأَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ اسْتَمَرُّوا قِيَامًا. وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْوَى إذَا ظَهَرَ لِهَذَا الْحَمْلِ وَجْهٌ مُنَاسِبٌ وَإِذَا كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْجُلُوسِ وَرَاءَ الْإِمَامِ الْجَالِسِ مُتَابَعَتَهُ فِي حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ إنَّهُ يَرُدُّهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَشَارَ إلَى أَصْحَابِهِ بِالْقُعُودِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا ابْتَدَءُوا الصَّلَاةَ قِيَامًا» . إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانُوا قَدْ لَزِمَهُمْ الْجُلُوسُ لِجُلُوسِ إمَامِهِمْ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ اقْتِدَائِهِمْ بِالصِّدِّيقِ فَإِنَّ إمَامَهُمْ فِي ابْتِدَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَلَاتِهِ كَانَ قَائِمًا فَكَانَ الْقِيَامُ لَازِمًا لَهُمْ فَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ. (ثَالِثُهَا) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ كَانُوا قِيَامًا فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا قُعُودًا بَلْ الظَّنُّ بِهِمْ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِالصَّحَابَةِ مُخَالِفَةَ أَمْرِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ قَالَ وَفِي نَصِّ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا إلَّا قُعُودًا لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَوْ كَانُوا قِيَامًا لَمَا اقْتَدَى بِصَلَاتِهِ إلَّا الصَّفُّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الصُّفُوفِ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ قَالَ ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَصٌّ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قِيَامًا وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ فَقَطْ وَبَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْمُتَقَدِّمَ نَدْبٌ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِمْ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامًا بِلَا شَكٍّ فَمَنْ زَعَمَ تَغْيِيرَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ انْتِقَالُهُمْ مِنْ الْقِيَامِ إلَى الْقُعُودِ لَنُقِلَ. (الثَّانِي) أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْجَالِسِ بِالتَّصْرِيحِ بِقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ وَهَذَا كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِقِيَامِ الْمُؤْتَمِّ خَلْفَ الْإِمَامِ الْجَالِسِ لِعُذْرٍ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ أَبِي بَكْرٍ بِجَوَازِ الْقِيَامِ لَهُ وَحْدَهُ فَالْأَصْلُ اسْتِوَاءُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ إلَى أَنْ يَرِدَ نَصٌّ دَالٌ عَلَى التَّخْصِيصِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِقِيَامِ الْجَمِيعِ خَلْفَهُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَقِبَ حَدِيثِهِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ عُرْوَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ وَرَاءَهُ قِيَامٌ» فَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ هَذِهِ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِقِيَامِ الْمَأْمُومِينَ وَلَا يَسْتَجِيزُ الشَّافِعِيُّ ذِكْرَهُ بِالْجَزْمِ إلَّا مَعَ صِحَّةِ إسْنَادِهِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) اسْتِدْلَالُهُ عَلَى قُعُودِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قِيَامًا لَمَا اقْتَدَى بِهِ إلَّا الصَّفُّ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّفَّ الْأَوَّلَ مُشَاهِدٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِأَبِي بَكْرٍ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصُّفُوفِ فَإِنَّمَا يَقْتَدُونَ بِصَوْتِ أَبِي بَكْرٍ لَا بِمُشَاهَدَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جَالِسًا ضَعِيفَ الصَّوْتِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يُرَى وَيُسْمَعُ انْتَهَى أَيْ يَرَاهُ الْبَعْضُ وَيَسْمَعُهُ الْبَعْضُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ. (الْخَامِسُ) قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِالصَّحَابَةِ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ يُقَالُ لَهُ أَخَالَفَ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ أَمْرَهُ بِصَلَاتِهِ قَائِمًا خَلْفَ الْجَالِسِ أَمْ لَمْ يُخَالِفْ؟ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ وَإِذَا كَانَ لَمْ يُخَالِفْ فَكَذَلِكَ بَقِيَّتُهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا أَمْرَهُ بِقِيَامِهِمْ بَلْ اسْتَدَلُّوا عَلَى الْقِيَامِ بِقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ وَتَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْجُلُوسِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ فَإِنَّهُ لَمَّا رَآهُمْ قِيَامًا أَشَارَ إلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسُوا هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَضِيَّةُ الصِّدِّيقِ كَافِيَةٌ فِي مَعْرِفَةِ النَّسْخِ. (السَّادِسُ) قَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ وَرَدَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قِيَامًا لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى النَّدْبِ كَلَامٌ مَرْدُودٌ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ عَلَى النَّدْبِ مَعَ تَأْكِيدِهِ لَهُ بِإِشَارَتِهِ بِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ تَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ بَعْدَ سَلَامِهِ ثُمَّ تَشْبِيهِ فِعْلِهِمْ بِفِعْلِ الْكَفَرَةِ الْمَجُوسِ فَهَذِهِ كُلُّهَا قَرَائِنُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ مِمَّنْ يَقُولُ إنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ وَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَأْمُومِينَ غَيْرِ الْمُبَلِّغِ أَنْ يَقُومَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْجَالِسِ وَمَتَى وَرَدَ الْقِيَامُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجُلُوسِ لَا يَكُونُ إلَّا نَاسِخًا. (السَّابِعُ) هَذِهِ الْمَقَالَةُ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا ابْنُ حَزْمٍ وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبَلِّغِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ عَلَيْهِ مَرْدُودَةٌ كَمَا ذَكَرْته (وَأَجَابَ) بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِحَمْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» . عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ كَالتَّشَهُّدِ وَنَحْوِهِ فَاجْلِسُوا وَلَا تُخَالِفُوهُ بِالْقِيَامِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «إذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا» أَيْ إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَقُومُوا وَلَا تُخَالِفُوهُ بِالْقُعُودِ وَحَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ مِمَّنْ كَانَ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَحَرَّفَ الْخَبَرَ عَنْ عُمُومِ مَا وَرَدَ فِيهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَثْبُتُ لَهُ عَلَى تَأْوِيلِهِ وَكَذَا اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَقَالَا إنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا وَتَعْلِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْأَعَاجِمِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مُلُوكِهِمْ. وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ (الْمَذْهَبُ) الثَّانِي وَهُوَ الرَّابِعُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ خَلْفَ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ لَا قَائِمًا وَلَا قَاعِدًا وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ ذَلِكَ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا مَنْعًا مِنْ جَوَازِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي إمَامَةِ الْمَرِيضِ بِالْمَرْضَى جُلُوسًا قَالَ فَأَجَازَهَا بَعْضُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَكَرِهَهَا أَكْثَرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ انْتَهَى. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا بِأَنَّهُمَا مَنْسُوخَانِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» وَبِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَؤُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَاعِدًا وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُثَابَرَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ نَهْيِهِ عَنْ إمَامَةِ الْقَاعِدِ بَعْدَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا لَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ آمَنُوا عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ شَافِعًا لَهُ وَقَدْ قَالَ «أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ» . وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ إذَا أَصَابَهُ عُذْرٌ قَدَّمَ غَيْرَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِيُقَدِّمَهُ مَعَ نَقْصِ صَلَاتِهِ وَهُوَ يَجِدُ الْعِوَضَ لَكِنَّ إمَامَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُعَارِضُ هَذَا «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ حِينَ أَرَادَ تَأْخِيرَهُ دَعْهُ وَصَلَاتَهُ خَلْفَهُ مَا أَدْرَكَهُ» . وَقَدْ يُقَالُ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إنَّهَا مُخْتَصَّةٌ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ لِبَيَانِ حُكْمِ الْقَضَاءِ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَنْ فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ شَيْءٌ وَإِنَّ تَقَدُّمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لَا مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ وَفِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقِيلَ إنَّ الْحُكْمَيْنِ مَنْسُوخَانِ نَسَخَ آخِرُهُمَا الْأَوَّلَ ثُمَّ نُسِخَ الْآخِرُ بِقَوْلِهِ «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ هَذِهِ أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ مَرْدُودٌ وَقَدْ رَدَّهُ صَاحِبُهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَلَا جَوَابَ لَهُ عَنْ حَدِيثِ مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مَخْلَصٌ عِنْدَ السَّبْكِ فَالْعَمَلُ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَاتِّبَاعُ الْأَمْرِ أَصَحُّ وَأَحْرَى انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ ضَعِيفٌ جِدًّا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُرْسَلٌ وَجَابِرُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٌ ضَعِيفٌ وَفِي السَّنَدِ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ مُعَارِضَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ عَلِمَ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا أَنْ لَيْسَتْ فِيهِ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ فَرُوِيَ عَنْهُ هَكَذَا وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ جَالِسًا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مُرْسَلٌ مَوْقُوفٌ وَرَاوِيهِ عَنْ الْحَكَمِ ضَعِيفٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ بَاطِلٌ لِأَنَّ رَاوِيَهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ الْكَذَّابُ الْمَشْهُورُ بِالْقَوْلِ بِرَجْعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُجَاهِدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَهُوَ مُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إنَّمَا يَرْوِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَرْوِيهِ مُسْنَدًا فَكَيْفَ بِمَا يَرْوِيهِ مُرْسَلًا وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ بَيْدَ أَنِّي سَمِعْت بَعْضَ الْأَشْيَاخِ يَقُولُ إنَّ الْحَالَ أَحَدُ وُجُوهِ التَّخْصِيصِ وَحَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّبَرُّكُ بِهِ وَعَدَمُ الْعِوَضِ مِنْهُ يَقْتَضِي الصَّلَاةَ خَلْفَهُ قَاعِدًا وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِغَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ (قُلْت) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أُسَيْدُ بْنِ حُضَيْرٍ «أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ قَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إمَامَنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرِيضٌ فَقَالَ إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» وَتَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّ إمَامًا اشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ وَهُوَ جَالِسٌ وَهُمْ جُلُوسٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ جَالِسًا لَا تَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْإِمَامَةِ عَنْ قُعُودٍ فَأَضْعَفُ فَإِنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا بِالِاسْتِنَابَةِ لِلْقَادِرِينَ وَإِنْ كَانَ الِاتِّفَاقُ حَصَلَ عَلَى أَنَّ إمَامَةَ الْقَاعِدِ لِلْقَائِمِ مَرْجُوحَةٌ وَأَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهَا فَذَلِكَ كَافٍ فِي بَيَانِ سَبَبِ تَرْكِهِمْ الْإِمَامَةَ مِنْ قُعُودٍ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ نَهْيِهِ عَنْ إمَامَةِ الْقَاعِدِ بَعْدَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ التَّرْكِ لِلْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ. [فَائِدَة شُرُوطُ إمَامَةِ الْقَاعِدِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْحَنَابِلَةُ لَا يَؤُمُّ الْقَاعِدُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ إمَامَ الْحَيِّ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ ذَلِكَ لِإِمَامِ الْحَيِّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى تَقْدِيمِ عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَلَا يُحْتَمَلُ إسْقَاطُ رُكْنٍ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الزَّمِنِ وَمَنْ لَا تُرْجَى قُدْرَتُهُ عَلَى الْقِيَامِ رَاتِبًا يُفْضِي بِهِمْ إلَى تَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا يَقُولُ بِجُلُوسِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ بِشُرُوطٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَالِسًا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَرَضُهُ مَرْجُوَّ الزَّوَالِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ عَنْهُ بِجُلُوسِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ وَقَدْ تَلَخَّصَ فِي اقْتِدَاءِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعَاجِزِ عَنْهُ مَذَاهِبُ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ أَصْلًا وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ قَائِمًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ جَالِسًا وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ. وَ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ جَالِسًا إلَّا فِي حَقِّ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ. وَ (الْخَامِسُ) أَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ جَالِسًا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ يَقُولُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي مَنْعِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ رَاتِبٍ وَفِيمَا إذَا كَانَ زَمِنًا وَيَقُولُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا وَيَقُولُ بِالْجُلُوسِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. [فَائِدَة صَلَّى الْأَصِحَّاءُ وَرَاءَ الْقَاعِدِ قِيَامًا] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا إذَا صَلَّى الْأَصِحَّاءُ وَرَاءَ الْقَاعِدِ قِيَامًا هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَإِلَيْهِ أَوْمَأَ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الْقِيَامِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَالنَّهْيُ يُقْتَضَى فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَ (الثَّانِي) تَصِحُّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْمَذْهَبَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْجَاهِلِ بِوُجُوبِ الْقُعُودِ دُونَ الْعَالِمِ بِذَلِكَ كَقَوْلِنَا فِيمَنْ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ. [فَائِدَة صَلَّى الْإِمَامُ مُضْطَجِعًا لِعُذْرٍ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ مُضْطَجِعًا لِعُذْرٍ يُصَلِّي وَرَاءَهُ الْمَأْمُومُونَ مُضْطَجِعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ لَا يَضْطَجِعُ انْتَهَى. وَفِي نَفْيِ الْخِلَافِ نَظَرٌ لِأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ يَقُولُ إنَّ الْمُقْتَدِيَ بِالْمُضْطَجِعِ لَا يُصَلِّي إلَّا مُضْطَجِعًا مُومِيًا إلَّا أَنْ يُقَالَ خِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ أَوْ نَرَى هَذَا قَوْلًا مُخْتَرَعًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ قَائِلُهُ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُضْطَجِعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَسْتَوْفُوا الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» . وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا الِاقْتِدَاءَ بِالْقَاعِدِ مُطْلَقًا فَالْمُضْطَجِعُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَوَافَقَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُضْطَجِعِ فَمَنَعَ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْمُضْطَجِعِ مَعَ تَجْوِيزِهِ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْمُضْطَجِعِ كَمَا جَوَّزَ اقْتِدَاءَهُ بِالْقَاعِدِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ فَقَالَ يَقْتَدِي الْقَائِمُ بِالْمُضْطَجِعِ قَائِمًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى مَنْعِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِأَنَّهُ أَخَلَّ بِرُكْنٍ لَا يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ فَلَمْ يَجُزْ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّفَلُ مُضْطَجِعًا مَرْدُودٌ فَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِنَا صِحَّتُهُ مَضْجَعًا فَبَطَلَ قِيَاسُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ هَذَا يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فَأَمَّا إنْ أَمَّ مِثْلَهُ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ «وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ «فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «سَاقُهُ الْأَيْمَنُ» وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي آلَى فِيهَا مِنْ نِسَائِهِ وَعَلَى هَذَا فَأَمْرُ الْمَأْمُومِينَ بِالْجُلُوسِ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ مَنْسُوخٌ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامٌ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.   Q [حَدِيث عدم مُخَالَفَةَ الْإِمَام حَتَّى فِي الْجُلُوس] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» وَأَمْرُهُمْ بِالْجُلُوسِ مَنْسُوخٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ صَلَاتِهِ جَالِسًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامًا. (فِيهِ) فَوَائِدُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: (الْأُولَى) قَوْلُهُ فَصُرِعَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ الصَّرْعُ الطَّرْحُ بِالْأَرْضِ وَقَوْلُهُ فَجُحِشَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ قُشِرَ جِلْدُهُ وَخُدِشَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَحْشَ أَكْبَرُ مِنْ الْخَدْشِ وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ «فَخُدِشَ أَوْ فَجُحِشَ» ، وَهَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَقْتَضِي فَرْقًا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الْمَقُولِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ يَكُونُ مَا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ السُّقُوطِ رَضٌّ فِي الْأَعْضَاءِ وَتَوَجُّعٌ فَلِذَلِكَ مَنَعَهُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ (شِقُّهُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ جَانِبُهُ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ فَجُحِشَ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ «حَفِظْت شِقُّهُ الْأَيْمَنُ» فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ «فَجُحِشَ سَاقُهُ الْأَيْمَنُ» انْتَهَى وَقَوْلُهُ «فَجُحِشَ سَاقُهُ الْأَيْمَنُ» لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ «شِقُّهُ الْأَيْمَنُ» لِأَنَّ الْجَحْشَ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الشِّقَّ وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَّ بِتِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ هُوَ السَّاقُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ «رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ» الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ لَا مَانِعَ مِنْ حُصُولِ فَكِّ الْقَدَمِ وَقَشْرِ الْجِلْدِ مَعًا وَيُحْتَمَلُ إنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ الْخَمْسُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً قُلْتُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَأَبُو بَكْرٍ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُنَا» وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ نَفْلًا وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ أَعْنِي كَوْنَهَا كَانَتْ نَفْلًا ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. [فَائِدَة صَلَاةُ الْمَرِيضِ قَاعِدًا] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ صَلَاةُ الْمَرِيضِ قَاعِدًا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الْقِيَامِ بَلْ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ أَوْ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ لُحُوقَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ أَوْ خَوْفَ الْغَرَقِ وَدَوْرَانِ الرَّأْسِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا» قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قَعَدُوا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «فَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا» وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ قُعُودِهِمْ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ (ثَانِيهَا) يُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَعَدَ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَوَّلِ فَأَخْبَرَ عَنْهُ أَنَسٌ وَبَعْضَهُمْ قَامَ حَتَّى أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ فَأَخْبَرَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ وَجَابِرٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ (ثَالِثُهَا) يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ. [فَائِدَة صَلَّى الْإِمَامُ قَائِمًا] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا أَيْ لِمَنْ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ فَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ مَعَ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. [فَائِدَة يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إذَا مَرِضَ وَعَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ] (السَّادِسَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إذَا مَرِضَ وَعَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِنَّمَا اخْتَرْت أَنْ يُوَكِّلَ الْإِمَامُ إذَا مَرِضَ رَجُلًا صَحِيحًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَائِمًا أَنَّ مَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا فِي مَرَضِهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ بَعْدَهَا عَلِمْته حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِمْ وَالصَّلَاةَ قَاعِدًا جَائِزَانِ عِنْدَهُ مَعًا وَكَانَ مَا صَلَّى بِهِمْ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ جَالِسًا فِي مَرَضِهِ إلَّا مَرَّةَ مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ صَلَّى بِهِمْ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَهُوَ جَالِسٌ وَهُمْ جُلُوسٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَكَذَا ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ فَنَخْرُجُ مِنْ الْخِلَافِ وَبِأَنَّ صَلَاةَ الْقَائِمِ أَكْمَلُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ كَامِلَ الصَّلَاةِ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاسْتَخْلَفَ فِي الْأَكْثَرِ وَبِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ قَائِمًا. [فَائِدَة فِي عُلُوّ الْإِمَام عَنْ الْمَأْمُومِينَ] 1 (السَّابِعَةُ) تَبَيَّنَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ لِعُذْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ وَصَلَّى النَّاسُ وَرَاءَهُ فِي مَنْزِلِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى بِصَلَاتِهِ لِكَوْنِ مَنْزِلِهِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى أَرْفَعَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ إذَا كَانَتْ مَعَهُ جَمَاعَةٌ هُنَاكَ أَيْ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ فِي مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَحَمَلَهُ شُيُوخُنَا عَلَى تَفْسِيرِهِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مُجْمَلًا وَأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَفْعَلُهُ تَكَبُّرًا وَهُوَ ضِدُّ مَا وُضِعَتْ لَهُ الصَّلَاةُ مِنْ التَّوَاضُعِ وَالسَّكِينَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْبَثُونَ انْتَهَى. وَهَذِهِ الصُّورَةُ إنْ صَحَّ فِيهَا أَنَّ أَهْلَ الْمَسْجِدِ صَلَّوْا مُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمُ وَالضَّعِيفُ وَالْكَبِيرُ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَفِيهِمْ الضَّعِيفَ وَفِيهِمْ السَّقِيمَ وَإِذَا قَامَ وَحْدَهُ فَلْيُطِلْ صَلَاتَهُ مَا شَاءَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَالصَّغِيرَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَذَا الْحَاجَةِ» .   Qلَيْسَتْ مِنْ صُوَرِ الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعُلُوِّ طَائِفَةٌ جَازَتْ بِاَلَّذِينَ أَسْفَلَ وَإِلَّا فَلَا. [حَدِيث إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ] [فَائِدَة تَخْفِيف الْأَئِمَّةِ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» . وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَفِيهِمْ الضَّعِيفَ وَفِيهِمْ السَّقِيمَ وَإِذَا قَامَ وَحْدَهُ فَلْيُطَوِّلْ صَلَاتَهُ مَا شَاءَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِيهِ أَمْرُ الْأَئِمَّةِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَارُوا أَنْ لَا يُطِيلَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ مَخَافَةَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ انْتَهَى. وَهُوَ يَقْتَضِي خِلَافًا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إمَامٍ أَمْرٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي اسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ الِائْتِمَامِ بِأَقَلِّ مَا يُجْزِئُ وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ تَوَهَّمَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي التَّبْوِيبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّخْفِيفُ فِي الصَّلَاةِ " مِنْ " كَانَ يُخَفِّفُهَا " وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي وُجُودِ خِلَافٍ وَلَمْ يُبَوِّبْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَلَى التَّطْوِيلِ الْمُقَابِلِ لِلتَّخْفِيفِ وَلَوْ كَانَ ثَمَّ قَائِلٌ بِهِ لَبَوَّبَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ قَالَ صَلَّيْت مَعَ أَنَسٍ الْعَتَمَةَ فَتَجَوَّزَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ كَانَ أَبِي إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ خَفَّفَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَتَجَوَّزَ وَإِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالصَّلَاةَ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إنَّا أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِنَا وَعَنْ أَبِي رَجَاءٍ وَهُوَ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ رَأَيْت الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ صَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً فَقُلْت أَنْتُمْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَفُّ النَّاسِ صَلَاةً فَقَالَ إنَّا نُبَادِرُ هَذَا الْوَسْوَاسَ. وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ احْذِفُوا هَذِهِ الصَّلَاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ الصَّلَاةَ وَيُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَةَ صَلَّى صَلَاةً تَجَوَّزَ فِيهَا فَقُلْتُ لَهُ هَكَذَا كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ نَعَمْ وَأَجْوَزُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ وَمَاجَ النَّاسُ تَقَدَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَرَأَ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُ الصَّلَاةَ وَيُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ كَانُوا يُتِمُّونَ وَيُوجِزُونَ وَيُبَادِرُونَ الْوَسْوَسَةَ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ الصَّلَاةَ فِي مَوْضِعٍ أَخَفَّ مِنْهَا فِيمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَائِطَيْنِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ الْأَعْظَمَ. وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنَّ النِّسَاءُ إذَا مَرَرْنَ عَلَى عُبَيْدَةَ وَهُوَ يُصَلِّي قُلْنَ خَفِّفُوا فَإِنَّهَا صَلَاةُ عُبَيْدَةَ يَعْنِي مِنْ خِفَّتِهَا رَوَاهَا كُلَّهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ شَاةً عَزُوزًا لَمْ يَفْرَغْ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَالْعَزُوزُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ الْمُكَرَّرَةِ الضَّيِّقَةُ الْإِحْلِيلِ وَعَنْ عَلْقَمَةَ لَوْ أُمِرَ بِذَبْحِ شَاةٍ فَأَخَذَ فِي سَلْخِهَا لَصَلَّيْت الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي تَمَامٍ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ إنَّمَا بَوَّبَ تَخْفِيفَ الصَّلَاةِ مَعَ الِانْفِرَادِ أَوْ مَعَ إمَامَةِ الْمَحْصُورِينَ فَذَكَرَ فِيهِ مَنْ كَانَ يُؤْثِرُ تَخْفِيفَهَا وَلَوْ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ فَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ إلَى أَئِمَّةِ الْعَامَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأُولَئِكَ لَا خِلَافَ فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ. (الثَّانِيَةُ) هَذَا الْأَمْرُ بِالتَّخْفِيفِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْوُجُوبِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ التَّخْفِيفُ إذَا أَمَّ جَمَاعَةً لَا يَدْرِي كَيْفَ طَاقَتُهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَالِكِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَمَاعَةِ يَلْزَمُ التَّخْفِيفَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّطْوِيلُ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ لَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ نَهْيًا عَنْ التَّطْوِيلِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَمَاعَةِ يَلْزَمُهُمْ التَّخْفِيفُ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بِذَلِكَ انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) مَا الْمُرَادُ بِصَلَاتِهِ لِلنَّاسِ أَأَنْ يَكُونَ إمَامًا مَنْصُوبًا لِلْإِمَامَةِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَاظِرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ مِنْ الْإِمَامَةِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ كَوْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ نَصَبُوهُ لِلْإِمَامَةِ بِهِمْ بِحَيْثُ لَوْ شَاءُوا لَغَيَّرُوهُ وَأَقَامُوا غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدٍ أَوْ كَوْنُهُ صَارَ إمَامًا وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ التَّقْدِيمَ لِذَلِكَ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ تَقَدَّمَ لِيُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا فَتَابَعَهُ غَيْرُهُ فَنَوَى الْإِمَامَةَ بِهِ أَوْ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ بِهِ بَلْ نَوَى الْمَأْمُومُ الِائْتِمَامَ فَقَطْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ إمَامًا وَلَوْ لَمْ يَنْوِ هُوَ الْإِمَامَةَ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ هَذِهِ احْتِمَالَاتٌ خَمْسَةٌ وَأَرْجَحُهَا عِنْدِي الرَّابِعُ فَمَتَى صَارَ إمَامًا بُنَيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَقَدَّمَ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّخْفِيفُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ هُوَ الْإِمَامَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّخْفِيفُ بِاقْتِدَاءِ غَيْرِهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْمُرَادُ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ] 1 {الرَّابِعَةُ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ الْمُرَادُ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُخِلُّ بِسُنَنِهَا وَمَقَاصِدِهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ وَبَوَّبَ النَّسَائِيّ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الرُّخْصَةُ فِي التَّطْوِيلِ بَعْدَ ذَكَرِهِ أَحَادِيثَ التَّخْفِيفِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَطْوِيلًا وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلتَّخْفِيفِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ هَذَا حَدُّ التَّخْفِيفِ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ مَا يَحْتَمِلُ أَضْعَفُ مَنْ " خَلْفَهُ وَأَمَسُّهُمْ حَاجَةً مِنْ الْوُقُوفِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلْيُصَلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ لَكِنْ ضَبَطَ أَصْحَابُنَا مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّخْفِيفُ مِنْ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا قَدَّمْنَا فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ. فَقَالُوا إنَّهُ يَقْتَصِرُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَلَا يَضُمُّ إلَيْهِ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت إلَى آخِرِهِ فِي الرُّكُوعِ وَلَا اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت إلَى آخِرِهِ فِي السُّجُودِ إلَّا إنْ انْحَصَرَ الْمَأْمُومُونَ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَأَنَّهُ يَقْتَصِرُ فِي الِاعْتِدَالِ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ وَلَا يَضُمُّ إلَيْهِ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ إلَى آخِرِهِ إلَّا إنْ انْحَصَرَ الْمَأْمُومُونَ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَقَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مَا يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدُّعَاءِ أَنْقَصَ مِنْهُمَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْأَذْكَارَ فَلَمْ يَذْكُرْ تَخْفِيفَ الْقِرَاءَةِ وَشَرَحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ التَّخْفِيفَ فِي الْقِرَاءَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا مَا تَقَرَّرَ فِي بَابِهِ وَنَقَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَكِنَّ الشَّيْخَ فِي الْمُهَذَّبِ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْأَذْكَارَ وَالْقِرَاءَةَ وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ إنَّمَا هُوَ إذَا آثَرَ الْمَأْمُومُونَ الْمَحْصُورُونَ ذَلِكَ وَإِلَّا خَفَّفَ. وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي التَّحْقِيقِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ يُسْتَثْنَى الْمُسَافِرُ فِي الصُّبْحِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ التَّطْوِيلُ وَالتَّخْفِيفُ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ طَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةِ قَوْمٍ وَقَدْ يَكُونُ خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةٍ آخَرِينَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّهُ لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَمْرِهِ بِالتَّخْفِيفِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ عَادَةَ الصَّحَابَةِ لِأَجْلِ شِدَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ طَوِيلًا هَذَا إذَا كَانَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَامًّا فِي صَلَاتِهِ أَوْ أَكْثَرِهَا وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِبَعْضِهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْمَأْمُومِينَ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ طَوِيلًا بِسَبَبِ مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُون طَوِيلًا لَكِنَّ سَبَبَهُ إيثَارُ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ لَا يَقْتَضِي الْخُصُوصَ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ» لَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ فَتَنَاوَلَ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ الَّتِي يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ وَالتَّرَاوِيحِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ لِمَشْرُوعِيَّةِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا فَلَا يُسَنُّ النَّقْصُ عَنْ الْمَشْرُوعِ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ لِنُدُورِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا لِلْأَمْرِ الْعَارِضِ. {السَّادِسَةُ} هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالتَّخْفِيفِ مَذْكُورٌ مَعَ عِلَّتِهِ وَهُوَ كَوْنُ الْمَأْمُومِينَ فِيهِمْ السَّقِيمُ وَالضَّعِيفُ وَالْكَبِيرُ فَإِنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَأْمُومِينَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ طَوَّلَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ بَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّخْفِيفِ وَهِيَ عِنْدِي غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَلِمَ قُوَّةَ مَنْ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُمْ مِنْ آفَاتِ بَنِي آدَمَ وَلِذَلِكَ قَالَ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَا يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ يَحْدُثُ لِظَاهِرِ الْقُوَّةِ وَمَنْ يُعْرَفُ مِنْهُ الْحِرْصُ عَلَى طُولِ الصَّلَاةِ حَادِثٌ مِنْ شُغْلٍ وَعَارِضٌ مِنْ حَاجَةٍ وَآفَةٌ مِنْ حَدَثٍ وَبَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ فَذَكَرَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ فَإِذَا انْحَصَرَ الْمَأْمُومُونَ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ لَا نَأْمُرُ إمَامَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ لِاحْتِمَالِ عَارِضٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ يَرُدُّ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» . فَإِرَادَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوَّلًا التَّطْوِيلَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ ذَلِكَ وَمَا تَرَكَهُ إلَّا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَى تَضَرُّرِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِهِ وَهُوَ بُكَاءُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَشْغَلُ خَاطِرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأُمِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّابِعَةُ} إنْ قُلْتَ مَا فَائِدَةُ عَطْفِ الضَّعِيفِ عَلَى السَّقِيمِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ قُلْتُ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الضَّعْفَ خِلَافٌ لِلْقُوَّةِ وَأَنَّ السَّقَمَ الْمَرَضُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الضَّعْفَ أَعَمُّ مِنْ السَّقَمِ فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ قَلِيلَ الْقُوَّةِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ سَقَمٍ عَرَضَ لَهُ. [فَائِدَة هَلْ لِتَطْوِيلِ الصَّلَاة حَدّ] 1 {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ هَلْ هُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ كَالْمَذْكُورِ قَبْلَهُ أَوْ أَمْرُ إبَاحَةٍ وَتَرْخِيصٍ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ أَمْرًا فِي عِبَادَةٍ وَيَتَرَجَّحُ الثَّانِي لِتَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ كَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ لَمْ يُعَلَّقْ لِمَشِيئَتِهِ وَلَا يُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي قَبْلَهُ {التَّاسِعَةُ} قَالَ ابْنُ حَزْمٍ حَدُّ التَّطْوِيلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِي الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ بِالْأَمْسِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقْتُ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ نُورُ الشَّفَقِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» . قَالَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَإِنَّمَا يُصَلِّي بَاقِيَهَا فِي وَقْتِ الْأُخْرَى أَوْ فِي وَقْتٍ لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ أَصَلًا وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ التَّفْرِيطَ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» . فَصَحَّ أَنَّ لَهُ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَنْ يُطَوِّلَ مَا شَاءَ إلَّا تَطْوِيلًا مَنَعَ النَّصُّ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطِيلَ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ التَّالِيَةُ لَهَا فَقَطْ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي حَدِّ التَّطْوِيلِ الْمُبَاحِ أَنَّهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ جُزْءًا مِنْهَا عَنْ وَقْتِهَا لَمْ يَكُنْ لِتَوْقِيتِهَا فَائِدَةٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ بِالْأَمْسِ» فَقَدْ تَقَرَّرَ تَأْوِيلُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ صَلَّى الظُّهْرَ أَيْ ابْتَدَأَهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى الْعَصْرَ أَيْ فَرَغَ مِنْهَا. وَفِعْلُهُ يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ وَالشُّرُوعِ فَحُمِلَتْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى اللَّائِقِ بِهَا وَالِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا نُؤَوِّلهُ وَيُجْعَلُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ اشْتِرَاكًا فِي الْوَقْتِ كَمَا يَقُولُهُ الْمَالِكِيَّةُ فَالِاشْتِرَاكُ إنَّمَا هُوَ فِي مِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ خَاصَّةٍ وَهَكَذَا يَقُولُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَالِكِيَّةُ وَهَلْ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ الظُّهْرِ؟ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَلَا قَائِلَ بِهِ وَلَا دَلِيلَ يُعَضِّدُهُ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْقِيَاسَ فَكَيْفَ بِمَنْ يُنْكِرُهُ؟ وَالْعَجَبُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى مَطْلُوبِهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ التَّفْرِيطَ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» . وَهَذَا عَلَيْهِ لَا لَهُ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ غَايَةَ التَّأْخِيرِ الْمُبَاحِ دُخُولُ وَقْتِ الْأُخْرَى لَا فَرَاغُهُ وَلَا تَضْيِيقُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِلْفَرَاغِ مِنْهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ بَلْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِجُمْلَةِ الصَّلَاةِ أَوَّلِهَا وَوَسَطِهَا وَآخِرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى حَدٍّ يُخْرِجُ بَعْضَهَا عَنْ الْوَقْتِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا فَمَدَّ هَذَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ إلَّا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقْتٌ لِلدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أَوْ لِلدُّخُولِ فَقَطْ وَهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ لَا يُكْرَهُ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَعِنْدِي أَنَّ تَجْوِيزَهُمْ تَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ إنَّ التَّفْرِيطَ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى وَبِقَوْلِهِ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقَدْ تَبَيَّنَّ كَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقْتٌ لِلدُّخُولِ فَقَطْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَقْتٌ لِلدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ الْمُتَّجَهُ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ. [فَائِدَة كَرَاهَة التَّطْوِيل الْمُؤَدِّي إلَى سَهْو الْإِمَام] {الْعَاشِرَةُ} وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ التَّطْوِيلُ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يُخْرِجْ إلَى سَهْوٍ فَالتَّطْوِيلُ الْمُؤَدِّي إلَى سَهْوٍ مَكْرُوهٌ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الدُّعَاءِ الَّذِي فِي آخَرِ الصَّلَاةِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَحْمِيدَهُ وَدُعَاءَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأَرَى أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ إمَامًا أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ قَلِيلًا لِلتَّخْفِيفِ عَنْ خَلْفِهِ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 بَابُ الْمَسْبُوقِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» كَذَا فِي الْمُسْنَدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَاقْضُوا وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَقَالَ «فَأَتِمُّوا» ، وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيلَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ نَعَمْ «إذَا أَتَيْتُمْ   Qوَلَا أَكْرَهُ مَا أَطَالَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى سَهْوٍ وَيَخَافُ بِهِ سَهْوًا انْتَهَى. وَهَذَا التَّقْيِيدُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْوِيلِ لِلْمُنْفَرِدِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ قُلْنَا إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَفَسَّرْنَا الْإِبَاحَةَ بِالْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ فَسَّرْنَاهَا بِمَعْنَى رَفْعِ الْحَرَجِ وَالْإِثْمِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا الْقَيْدِ إذْ لَا إثْمَ فِي ذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ الْكَرَاهَةُ وَيُوَافِقُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ تَعْلِيلِ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ بِمُبَادَرَةِ الْوَسْوَاسِ وَعَلَى هَذَا فَيَخْتَلِفُ الْقَصْرُ وَالتَّطْوِيلُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ فِي مُبَادَرَةِ الْوَسْوَسَةِ إلَيْهِمْ وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُمْ فَمَنْ كَانَ سَرِيعَ الْوَسْوَاسِ لَا يُطَوِّلُ وَمَنْ كَانَ بَطِيءَ الْوَسْوَاسِ طَوَّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} هَذَا التَّطْوِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَرْكَانِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّطْوِيلَ وَهِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالتَّشَهُّدُ دُونَ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرِّفْقِ بِالْمَأْمُومِينَ وَسَائِرِ الْأَتْبَاعِ وَمُرَاعَاةِ مَصْلَحَتِهِمْ وَأَنْ لَا يُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مَا شَقَّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. [بَابُ الْمَسْبُوقِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ] [حَدِيث إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ] {بَابُ الْمَسْبُوقِ يَقْضِي مَا فَاتَهُ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» كَذَا فِي الْمُسْنَدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ فَقَالَ «فَأَتِمُّوا» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» فَذَكَرَهُ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ «فَاقْضُوا» وَإِنَّمَا قَالَا «فَأَتِمُّوا» زَادَ مُسْلِمٌ «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَك» قَالَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ «وَاقْضُوا مَا فَاتَكُمْ» قَالَ مُسْلِمٌ وَأَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيهَا وَقَالَ يُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَمَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ «فَأَتِمُّوا» وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ «فَاقْضُوا» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَأَتِمُّوا» وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَنَسٌ كُلُّهُمْ «فَأَتِمُّوا» وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَاقْضُوا» وَأَبُو ذَرٍّ رُوِيَ عَنْهُ «فَأَتِمُّوا وَاقْضُوا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِينَ قَالُوا «فَأَتِمُّوا» أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَأَلْزَمُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَوْلَى وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ «فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ..   Qوَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَعَمْ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعُونَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» فَذَكَرَهُ لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ «فَاقْضُوا» وَإِنَّمَا قَالَا «فَأَتِمُّوا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْيَانِ الصَّلَاةِ مَشْيًا وَالنَّهْيُ عَنْ إتْيَانِهَا سَعْيًا وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِتُؤَدَةٍ وَوَقَارٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ فَوْتَ رَكْعَةٍ أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَخَافُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأَبِي ذَرٍّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْهَرْوَلَةَ إلَى الصَّلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَسْوَدِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ مُسَارِعًا إلَى الصَّلَاةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الْإِقَامَةَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَحَقُّ مَا سَعَيْنَا إلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْإِسْرَاعَ إذَا خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى حَتَّى ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يُهَرْوِلُ إلَى الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الْإِسْرَاعَ وَاخْتَارَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى تُؤَدَةٍ وَوَقَارٍ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ إِسْحَاقُ إنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا قَدَّمْته عَنْ مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ الْإِسْرَاعَ عَنْهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَمَا قَيَّدَهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خُلَيْدَةَ قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ إلَى الصَّلَاةِ فَلَوْ مَشَتْ مَعَهُ نَمْلَةٌ لَرَأَيْت أَنْ لَا يَسْبِقَهَا. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا الْإِسْرَاعُ إذَا خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ أَسْرَعَ وَقَالَ لَا بَأْسَ لِمَنْ كَانَ عَلَى فَرَسٍ أَنْ يُحَرِّكَ الْفَرَسَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي لِأَنَّهُ لَا يَنْبَهِرُ كَمَا يَنْبَهِرُ الْمَاشِي وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ أَنَّهُ يُسْرِعُ إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ مِنْ تَعْلِيقِ الْإِسْرَاعِ بِخَوْفِ فَوَاتِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِالْإِسْرَاعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: بِالْإِسْرَاعِ إذَا خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الْإِقَامَةَ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ الْمَشْيَ إلَى الصَّلَاةِ أَنَّهُ جَعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» . عَلَى مَا إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَكَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ وَقْتِهَا قَالَ وَقَوْلُهُ إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ يَرُدُّ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ وَيُبَيِّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ السَّكِينَةَ تَلْزَمُ مَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ كَمَا تَلْزَمُ مَنْ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِالْإِسْرَاعِ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q/ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ فِيهِ مُطْلَقُ الْمُضِيِّ أَوْ الْقَصْدِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ " الْمَشْيُ إلَى الْجُمُعَةِ " وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَمَنْ قَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ النَّسَائِيّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ تَرْجَمَ الْإِسْرَاعَ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ سَعْيٍ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى الْعَصْرَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَيَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَنْحَدِرَ الْمَغْرِبُ " قَالَ أَبُو رَافِعٍ «فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْرِعُ إلَى الْمَغْرِبِ» . وَذَكَرَ حَدِيثًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّسَائِيّ فَهِمَ أَنَّ بَيْنَ السَّعْيِ وَالْمَشْيِ رُتْبَةً وَهِيَ الْإِسْرَاعُ وَأَنَّهَا مُلْتَحِقَةٌ بِالْمَشْيِ فِي عَدَمِ النَّهْيِ عَنْهَا لَكِنْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَا تُسْرِعُوا إلَّا أَنْ يُقَالَ السَّعْيُ نَوْعٌ مِنْ الْإِسْرَاعِ فَيُحْمَلُ الْإِسْرَاعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ عَلَى السَّعْيِ مِنْهُ دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ سَعْيًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ فِيهِ تِلْكَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ عَدْوٌ دُونَ الشَّدِّ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَا الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ فَسَّرَاهُ بِمُطْلَقِ الْعَدْوِ وَمَنْ لَا يَنْظُرُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ السَّعْيِ وَالْإِسْرَاعِ وَيَمِيلُ إلَى التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا يَقُولُ حَدِيثُ الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فَالْأَخْذُ بِهِ مُتَعَيَّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالنِّدَاءِ الْأَذَانُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِقَامَةُ وَيَدُلُّ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ» . وَسَوَاءٌ فَسَّرْنَاهُ بِالْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ فَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ فَلَوْ قَصَدَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ كُرِهَ لَهُ الْأَسْرَعُ أَيْضًا بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الصَّلَاةِ. وَقَبْلَهَا لَا يَخَافُ ذَلِكَ فَإِذَا نُهِيَ عَنْ الْإِسْرَاعِ مَعَ خَوْفِ فَوَاتِ بَعْضِ الصَّلَاةِ فَمَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ أَوْلَى فَهَذَا مِنْ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّمَا ذَكَرَ الْإِقَامَةِ لِيُنَبِّهَ بِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ إذَا نُهِيَ عَنْ إتْيَانِهَا سَعْيًا فِي حَالِ الْإِقَامَةِ مَعَ خَوْفِهِ فَوْتَ بَعْضِهَا فَقَبْلَ الْإِقَامَةِ أَوْلَى قَالَ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِبَيَانِ الْعِلَّةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» . قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَوْقَاتِ الْإِتْيَانِ إلَى الصَّلَاةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا آخَرَ فَقَالَ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» فَحَصَلَ بِهِ تَنْبِيهٌ وَتَأْكِيدٌ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ بَعْضِ الصَّلَاةِ فَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ وَإِنْ فَاتَ مِنْ الصَّلَاةِ مَا فَاتَ انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ خَافَ الْفَوْتَ. فَأَمَّا مَنْ بَادَرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِوُثُوقِهِ بِإِدْرَاكِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا هِيَ لِمَنْ غَفَلَ عَنْ الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَوْ لِمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَاعِ انْتَهَى. وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ هُنَا مُعْتَبَرٌ وَأَنَّهُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَلَا يُنْهَى عَنْ الْإِسْرَاعِ مَنْ قَصَدَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ. وَهَذَا مَرْدُودٌ يَنْفِرُ عَنْ الْقَوْلِ بِهِ بِبَادِي الرَّأْيِ وَآخِرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا خَصَّ النَّهْيَ عَنْ الْإِسْرَاعِ بِمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مُنْبَهِرًا فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْخُشُوعَ وَإِقَامَةَ الْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُقَمْ فَيَسْتَرِيحُ وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ الْبَهْرِ وَالتَّعَبِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُقَمْ فَقَدْ تُقَامُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَقَعُ فِي الْمَحْذُورِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ لِتَرَدُّدٍ فِي أَنَّ هَذَا مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَوْ الْمُخَالَفَةِ أَوْ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة نَهْيِ قَاصِدِ الصَّلَاةِ عَنْ الْإِسْرَاعِ وَأَمْرِهِ بِالْمَشْيِ بِسَكِينَةٍ] 1 {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ يَنْصِبُ السَّكِينَةَ عَلَى الْأَغْرَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا السَّكِينَةَ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ رَفْعُ السَّكِينَةِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ انْتَهَى وَالسَّكِينَةُ هِيَ الْوَقَارُ كَمَا فَسَّرَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ لَكِنْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ كَرَّرَ فِيهِ الْوَقَارَ لِلتَّأْكِيدِ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ إسْمَانُ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ لِأَنَّ السَّكِينَةَ مِنْ السُّكُونِ وَالْوَقَارَ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ وَالتَّثَاقُلِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَنْكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْقُرْطُبِيِّ قَوْلَهُ أَنَّ الْوَقَارَ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ لِأَنَّ الْوَقَارَ مُعْتَلُّ الْفَاءِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوَقَارُ الْحِلْمُ وَالرَّزَانَةُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَأَنَّ السَّكِينَةَ فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابِ الْعَبَثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْوَقَارَ فِي الْهَيْئَةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى طَرِيقِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. {الرَّابِعَةُ} الْمَعْنَى فِي نَهْيِ قَاصِدِ الصَّلَاةِ عَنْ الْإِسْرَاعِ وَأَمْرِهِ بِالْمَشْيِ بِسَكِينَةٍ أُمُورٌ: (أَحَدُهَا) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» فَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الصَّلَاةِ مِنْ تَرْكِ الْعَجَلَةِ وَالْخُشُوعِ وَسُكُونِ الْأَعْضَاءِ وَمِنْ هَذَا أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ أَنْ لَا يُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ الْعُلَمَاءِ. (الثَّانِي) تَكْثِيرُ الْخُطَا فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَارَبَ فِي الْخُطَّا فَقَالَ أَتَدْرِي لِمَ مَشَيْت بِك هَذِهِ الْمِشْيَةَ؟ فَقُلْت لَا، فَقَالَ لِتَكْثُرَ خُطَانَا فِي الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْمُهَلَّبِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْهَرَ الْإِنْسَانَ نَفْسَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ الْوَقَارِ اللَّازِمِ لَهُ فِي الْخُشُوعِ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَنِي عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَيْ الْأَوَّلَيْنِ عَوْدُ الْمُصَلِّي مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَيْتِهِ فَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَقَدْ زَالَ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْمَشْيُ وَمُقَارَبَةُ الْخُطَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «مَنْ رَاحَ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ فَخُطْوَةٌ تَمْحُو سَيِّئَةً وَخُطْوَةٌ تَكْتُبُ حَسَنَةً ذَاهِبًا وَرَاجِعًا» وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. {قُلْت} وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا قُلْنَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ {الْخَامِسَةُ} هَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا إذَا سُبِقُوا بِبَعْضِ الصَّلَاةِ صَلَّوْا مِقْدَارَ مَا فَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ ثُمَّ دَخَلُوا مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَّوْا مَعَهُ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي أَبْوَابِ الْأَذَانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ إذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِمَا سَبَقَ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَلَاتِهِ وَأَنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ مُعَاذٌ فَأَشَارُوا إلَيْهِ فَقَالَ مُعَاذٌ لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا فَقَالَ إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً كَذَلِكَ فَافْعَلُوا» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ وَفِي لَفْظٍ لَهُ «فَقَالَ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَاقْتَدُوا بِهِ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ» . قَالَ الْمُزَنِيّ قَوْلُهُ إنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ تُسَنَّ هَذِهِ السُّنَّةُ فَوَافَقَ ذَلِكَ فِعْلَ مُعَاذٍ وَذَلِكَ أَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَا يُسَنُّ وَلَيْسَ بِهِمْ حَاجَةٌ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا نَسْخَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَكِنَّ الْأَمْرَانِ جَائِزَانِ أَعْنِي مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ اسْتِدْرَاكَ مَا بَقِيَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَفْعَلُونَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَلَمَّا فَعَلَ مُعَاذٌ الْأَمْرَ الْآخَرَ اسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَّحَهُ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّهُ حَتَّمَهُ وَصَيَّرَهُ نَاسِخًا بِحَيْثُ إنَّهُ امْتَنَعَ فِعْلُ الْأَمْرِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ بِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ] 1 {السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ بِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ قَوْمًا جُلُوسًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ أَدْرَكْتُهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ إذَا أَدْرَكَهُمْ سُجُودًا سَجَدَ مَعَهُمْ وَعَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ إنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَالْأَذَانَ وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَيَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَأْتِي الْجَمَاعَةَ؟ قَالَ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ شَيْئًا فَنَعَمْ وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ {السَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْإِمَامَ جَالِسًا فِي آخَرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ سَوَاءٌ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ أَمْ لَا فَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَمَا «أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ آثَارًا عَنْ السَّلَفِ بِالْأَمْرِ بِصَلَاةِ مَا أَدْرَكَهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سَمِعَ خَفْقَ نَعْلِي وَهُوَ سَاجِدٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ مَنْ هَذَا الَّذِي سَمِعْت خَفْقَ نَعْلِهِ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَا صَنَعْت قَالَ وَجَدْتُك سَاجِدًا فَسَجَدْتُ فَقَالَ هَكَذَا فَاصْنَعُوا وَلَا تَعْتَدُّوا بِهَا مَنْ وَجَدَنِي رَاكِعًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَكُنْ مَعِي عَلَى حَالِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا» . {الثَّامِنَةُ} وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيق هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَاقْضُوا» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ «فَأَتِمُّوا» وَقَوْلُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ حَالَةَ الْكِتَابَةِ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهَا وَذَكَرَهَا النَّسَائِيّ بِلَفْظِ «فَاقْضُوا» وَكَذَا هِيَ فِي الْمُسْنَدِ كَمَا سَاقَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَدْ وَهِمَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ قَالَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ لَا أَعْلَمُ رَوَى هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ «وَاقْضُوا مَا فَاتَكُمْ» قَالَ مُسْلِمٌ وَأَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيهَا وَقَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ يُونُسُ وَالزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ وَمَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ «فَأَتِمُّوا» وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَحْدَهُ «فَاقْضُوا» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَأَتِمُّوا» وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَنَسٌ كُلُّهُمْ «فَأَتِمُّوا» وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَاقْضُوا» وَأَبُو ذَرٍّ رَوَى عَنْهُ «فَأَتِمُّوا وَاقْضُوا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِينَ قَالُوا «فَأَتِمُّوا» أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَأَلْزَمُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَوْلَى وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ «فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجْزِمْ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِأَنَّ لَفْظَهُ «فَاقْضُوا» وَإِنَّمَا رَوَى هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَوَّلًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ مُجْتَمَعِينَ بِلَفْظِ «فَأَتِمُّوا» وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ ابْنِهِ عَنْهُ مَعَ مُتَابَعَةِ الزُّهْرِيِّ إيَّاهُ أَصَحُّ يَعْنِي فِي لَفْظِ «فَأَتِمُّوا» وَالرِّوَايَةُ الَّتِي عَزَاهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمُسْلِمٍ «صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك» هِيَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِذِكْرِ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ عَنْهُ بِذِكْرِهِمَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ كَوْنَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّرْجِيحِ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْهُمَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ جَمْعُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ بَعْدَ أَنْ بَسَطَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا وَكَانَ الزُّهْرِيُّ رُبَّمَا أَفْرَدَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَرُبَّمَا جَمَعَهُ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ دَلَّنَا جَمْعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ عَلَى أَنَّ الزُّهْرِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ صَحَّ مِنْ حَدِيثِهِمَا مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ] {التَّاسِعَةُ} اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ هَؤُلَاءِ خَلَا سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْمُزَنِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَهُوَ مَنْصُوصُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا إنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَقْضِي مِثْلَ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ الَّذِي لَمْ نَعْرِفْ خِلَافَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ. فَأَمَّا مَالِكٌ فَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ الَّذِي يَقْضِي هُوَ أَوَّلُهَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَالِفَ إمَامَهُ فَتَكُونُ لَهُ أُولَى وَلِلْإِمَامِ ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً انْتَهَى. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبُهُ وَمَا رَأَيْت أَحَدًا حَكَاهُ عَنْهُ إلَّا أَنَّ النَّوَوِيَّ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ إنَّهُ حُكِيَ عَنْهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ أَنَّهُ يَجْهَرُ وَأَحْمَدُ فَكَذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» . فَلَمَّا اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْقَضَاءِ فِي الْمَأْتِيِّ بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْأَمَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ مَحَلِّهِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ يَقْضِيهِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا تَضْعِيفُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ «اقْضُوا» بِمَعْنَى أَتِمُّوا وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الْقَضَاءَ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى إعَادَةِ مَا مَضَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] وَقَالُوا قَضَى فُلَانٌ حَقَّ فُلَانٍ فَيُحْمَلُ الْقَضَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَفْعَالِ وَآخِرُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقْوَالِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَيُوَافِقُهُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ثُمَّ قَامَ لِلتَّدَارُكِ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ السُّورَةِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَيُوَافِقُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ مَا أَدْرَكْت مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِك وَاقْضِ مَا سَبَقَك بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَأَخَذَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِمْ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ سُورَةٍ أَنَّ اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ إذَا لَمْ تُمْكِنْهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِ إمَامُهُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي آخَرِ صَلَاتِهِ. وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي كَوْنِهِ قَاضِيًا أَوْ بَانِيًا عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ: (الْأُولَى) طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَجُلُّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَذْهَبَ كُلَّهُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبِنَاءُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَقْوَالِ. (الثَّانِيَةُ) طَرِيقَةُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ خَاصَّةً وَعَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي الْجُلُوسِ. (الثَّالِثَةُ) طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدِهَا أَنَّهُ بَانٍ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَاضٍ فِيهِمَا وَالثَّالِثِ أَنَّهُ قَاضٍ فِي الْقِرَاءَةِ بَانٍ فِي الْأَفْعَالِ وَأَقْرَبُ مَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّهُ رَأَى مَا أَدْرَكَ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً فَلِذَلِكَ يَبْنِي عَلَى الْجُلُوسِ لَكِنَّهُ يَزِيدُ فِيمَا يَأْتِي بِهِ سُورَةً مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ إذْ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُصُ كَمَالَهَا زِيَادَةُ السُّورَةِ وَيَنْقُصُ الْكَمَالَ نَقْصُهَا فَيَأْتِي بِالسُّورَةِ لِيَتَلَافَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْكَمَالِ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي قِرَاءَةِ الْمَسْبُوقِ لِلسُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي آخَرِ صَلَاتِهِ وَجَعَلَ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَإِذَا أَتَى بِمَا فَاتَهُ لَا يَقْرَأُ فِيهِ السُّورَةَ قَوْلًا آخَرَ غَيْرَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَحَكَاهُ عَنْ الْمُزَنِيّ وَإِسْحَاقَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالَ فَهَؤُلَاءِ طَرَدُوا قَوْلَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ إلَّا أَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ انْتَهَى. وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ يَقُولُونَ بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سِوَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْخِلَافِ التَّحَرُّمُ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمُ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْرَامَ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَسَبَقَهُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ ابْنُ بَطَّالٍ وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ التَّشَهُّدَ أَيْضًا وَقَالَ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يَأْمُرْهُ إذَا قَضَى الْغَائِبُ بِالتَّشَهُّدِ فَقَدْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عِنْدَك فِي مَوْضِعِهِ أَيْ مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ أَوَّلًا آخِرُ صَلَاتِهِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي الْأَقْوَالِ خَاصَّةً قِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ التَّسْلِيمَ وَمِنْ سُنَّةِ التَّسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى. {الْعَاشِرَةُ} إذَا قُلْنَا إنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُتَابِعُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا يَقُومُ إتْيَانُ الْمَأْمُومِ بِهَا مَعَ الْإِمَامِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي مَوَاضِعِهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ كَالتَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ إذَا أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَعَ الْإِمَامِ لِلِاقْتِدَاءِ أَوْ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْوُجُوبِ كَالتَّشَهُّدِ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهُ أَوْ النَّدْبِ كَالْقُنُوتِ وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ فَائِدَةُ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَمَا يَقْضِيهِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ يُعِيدُ فِيهِ الْقُنُوتَ فَأَفَادَ بِذِكْرِ إعَادَةِ الْقُنُوتِ أَنَّهُ يَقْنُتُ مَعَهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ السُّنَّةَ إذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْلِسَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَرَكَعَ الثَّانِيَةَ فَجَلَسَ فِيهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ الثَّالِثَةَ فَتَشَهَّدَ فِيهَا ثُمَّ سَلَّمَ وَالصَّلَاةُ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ فِيمَا يَجْلِسُ فِيهِ مِنْهُنَّ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ حَدِّثُونِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ يُتَشَهَّدُ فِيهِنَّ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَإِذَا سُئِلَ عَنْهَا قَالَ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ يُسْبَقُ الرَّجُلُ مِنْهَا بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَتَشَهَّدُ فِيهِمَا قُلْتُ بَلْ يُتَصَوَّرُ فِيهَا أَرْبَعُ تَشَهُّدَاتٍ بِأَنْ يَأْتِيَ الْمَسْبُوقُ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَيُتَابِعَهُ فِيهِ ثُمَّ يُتَابِعَهُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي ثُمَّ يَأْتِيَ بَعْدَ سَلَامِهِ بِالرَّكْعَتَيْنِ يَتَشَهَّدُ عَقِبَ الْأُولَى التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَعَقِبَ الثَّانِيَةِ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ دَالٌ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» . وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فَيَأْتِي بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا تُحْسَبُ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ وَقَدْ فَاتَتْهُ الْوَقْفَةُ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الضُّبَعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ شَاذٌّ مُنْكَرٌ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ لَكِنْ اشْتَرَطَ أَصْحَابُنَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ لَا كَرُكُوعِ خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا الْإِمَامُ سَاهِيًا قَالُوا وَالْمُرَادُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ أَنْ يَلْتَقِيَ هُوَ وَإِمَامُهُ فِي حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْهَوِيِّ وَالْإِمَامُ فِي الِارْتِفَاعِ وَقَدْ بَلَغَ هَوِيُّهُ حَدَّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ قَبْلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 بَابُ الْجُلُوسِ فِي الْمُصَلَّى وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ [حَدِيث الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ] عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ «اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ» ؟ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «حَتَّى يَنْصَرِفَ أَوْ يُحْدِثَ» قَالَ أَبُو رَافِعٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُحْدِثُ؟ «قَالَ يَفْسُو أَوْ يَضْرِطُ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مَا لَمْ يُؤْذِ يُحْدِثُ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ   Qأَنْ يَرْتَفِعَ الْإِمَامُ عَنْهُ كَانَ مُدْرِكًا، وَإِنْ لَمْ يَلْتَقِيَا فِيهِ فَلَا هَكَذَا قَالَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبِهِ أَشْعَرَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ النَّقْلَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ قَتَادَةُ وَحُمَيْدَ وَأَصْحَابُ الْحَسَنِ إذَا وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إذَا انْتَهَيْت إلَى الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَلَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَقَدْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَارْكَعْ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَئِمَّةٌ لِبَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا كَبَّرَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ تَبِعَ الْإِمَامَ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَائِمِ انْتَهَى. وَهَذَا الْمَذْهَبُ الْأَخِيرُ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُفَرَ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ «وَمَا فَاتَكُمْ» عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ كَرِهَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَالَ إنَّمَا يَقُولُ لَمْ أُدْرِكْهَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَحُّ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ. [بَابُ الْجُلُوسِ فِي الْمُصَلَّى وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ] {بَابُ الْجُلُوسِ فِي الْمُصَلَّى وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ} {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» . وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ (فِيهِ) فَوَائِدُ {الْأُولَى} فِيهِ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ الَّذِي يَلِيهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 لَهُ «مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يُحْدِثْ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ»   Q- رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرِهَ مُكْثَ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الثَّامِنَةِ بَعْدَ هَذَا. {الثَّانِيَةُ} مَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فِي مُصَلَّاهُ هَلْ هُوَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَرْضِ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ التَّرْغِيبُ فِي مُكْثِ الْمُصَلِّي فِي مُصَلَّاهُ لِإِطَالَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْمُرَادَ الْجُلُوسُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَيْضًا فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِجُلُوسِهِ انْتِظَارَ صَلَاةٍ أُخْرَى لَمْ تَأْتِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ «مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَفَارِسٍ اشْتَدَّ بِهِ فَرَسُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى كَشْحِهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُومُ وَهُوَ فِي الرِّبَاطِ الْأَكْبَرِ» وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ قَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ قَالَ أَبْشِرُوا هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى» . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَيْ الَّذِي صَلَّى فِيهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَوْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ مَثَلًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» . الْحَدِيثَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ فِي «تَأْخِيرِهِ الْعِشَاءَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا» . {الثَّالِثَةُ} مَا الْمُرَادُ بِمُصَلَّاهُ؟ هَلْ الْمُرَادُ الْبُقْعَةُ الَّتِي صَلَّى فِيهَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ انْتَقَلَ إلَى بُقْعَةٍ أُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُرَادُ بِمُصَلَّاهُ جَمِيعُ الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ؟ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَظْهَرُ وَأَرْجَحُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمُصَلَّاهُ جَمِيعُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ «مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» . {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» يَقْتَضِي حُصُولَ الثَّوَابِ الْمَذْكُورِ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِهِ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى يَخْرُجَ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ تَقْتَضِي تَقْيِيدَ حُصُولِ الثَّوَابِ بِكَوْنِ جُلُوسُهُ ذَلِكَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ أَشْبَهَهُمْ فِي الْمَعْنَى مِمَّنْ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ كُلِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ] 1 {الْخَامِسَةُ} الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «وَصَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ «اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ» وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ» قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ وَغَيْرُهُ وَالصَّلَاةُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَدُعَاءٌ. {السَّادِسَةُ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ بِلَفْظِ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ» عَلَى جَوَازِ إفْرَادِ آحَادِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَ (الثَّانِي) مَكْرُوهٌ وَ (الثَّالِثُ) حَرَامٌ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ وَمِمَّا رَوَيْنَا عَنْهُ مِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ " عَلَى آلِ الرَّسُولِ صَلَاةُ رَبِّي " وَقَدْ يُجِيبُ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ بِذَلِكَ جَوَازُهُ لَنَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي مَحَلِّ التَّكْلِيفِ بِمَا أُلْزِمَ بِهِ بَنُو آدَمَ. {السَّابِعَةُ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ تَفْسِيرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7] يُرِيدُ الْمُصَلِّينَ وَالْمُنْتَظِرِينَ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ إيمَانًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. [فَائِدَة الْجُلُوسَ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ] 1 {الثَّامِنَةُ} إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجُلُوسَ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» . وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَمْكُثُ يَسِيرًا كَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ» . فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ دَالَّانِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَمْكُثَ فِي مُصَلَّاهُ إلَّا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتْرُكُ الشَّيْءَ وَهُوَ يُحِبُّ فِعْلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَكَانَ يَنْدُبُ إلَى ذَلِكَ بِالْقَوْلِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْكُثُ كَثِيرًا فِي مُصَلَّاهُ عِنْدَ عَدَمِ الشُّغْلِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَثَبَتَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ حَدَّثَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الَّذِينَ جَلَسُوا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَانِ الْوَقْتَانِ يَكُونُ الشَّخْصُ غَالِبًا فَارِغًا فِيهِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَقِيَّةُ صَلَوَاتِ النَّهَارِ رُبَّمَا يَكُونُ لِلرَّجُلِ مَعَاشٌ وَأَشْغَالٌ بَعْدَهَا وَكَذَلِكَ الْعِشَاءُ لِلِاشْتِغَالِ بِأَسْبَابِ النَّوْمِ وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فِي انْصِرَافِ الْإِمَامِ بَعْدَ السَّلَامِ فَكَرِهَ لِلْإِمَامِ الْمُقَامَ فِي مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ بَعْدَ سَلَامِهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَقَدْ ثَبَتَتْ إقَامَتُهُ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَمَا وَجْهُ الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمُرَادِ بِالْحَدَثِ فِي قَوْلِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ] {التَّاسِعَةُ} اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحَدَثِ فِي قَوْلِهِ «مَا لَمْ يُحْدِثْ» وَقَدْ فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ يَفْسُو وَيَضْرِطُ كَمَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ كَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ وَكَذَا فَسَّرَهُ أَيْضًا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَهُوَ مِنْهُ أَيْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَمَسُّكٌ بِالْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ قَالَ وَقَدْ فَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ الْحَدَثُ الَّذِي يَصْرِفُهُ عَنْ إحْضَارِ قَصْدِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مُسَوَّغًا أَوْ غَيْرَ مُسَوَّغٍ وَهُوَ تَمَسُّكٌ بِأَصْلِ اللُّغَةِ قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى إحْدَاثِ مَأْثَمٍ وَاَللَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَعْلَمُ. {الْعَاشِرَةُ} إذَا فَسَّرْنَا الْحَدَثَ بِالْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمَا وَجْهُ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ الضُّرَاطِ وَالْفُسَاءِ وَلَيْسَ الْحَدَثُ مُنْحَصِرًا فِيهِمَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ الْحَدَثُ فِي الْمَسْجِدِ تَرَكَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْهُ مَا لَا يُشْكِلُ أَمْرُهُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَاطَاهُ فِي الْمَسْجِدِ ذُو عَقْلٍ وَنَبَّهَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى كَمَا ثَبَتَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ تَفْسِيرُ مَا عَدَا الْعَيْنَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ قَرْقَرَةِ الْبَطْنِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحْدَاثِ كَلَمْسِ النِّسَاءِ وَمَسِّ الْفَرْجِ فَمَنْ لَمْ يَرَ النَّقْضَ بِهَا لَا يَجْعَلُ ذَلِكَ قَاطِعًا لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُؤْذِ وَلَمْ يُحْدِثْ وَأَمَّا الَّذِينَ رَأَوْا ذَلِكَ نَاقِضًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ ذَلِكَ قَاطِعًا لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ فَسَّرَهُ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَقْصُودِ الْحَدِيثِ وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إذَا لَيْسَ فِي الْحَدَثِ بِذَلِكَ نِدَاءٌ لِبَنِي آدَمَ وَلَا لِلْمَلَائِكَةِ لِعَدَمِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَكَوْنُهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ إذْ هُوَ مُنْتَظِرُ يُمْكِنُهُ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْأَذَانِ أَوْ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُنْتَظِرًا لِلصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَثَ كُلَّهُ قَاطِعٌ لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَهَيِّئًا لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَقَدْ شُرِطَ فِي حُصُولِ ذَلِكَ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. [فَائِدَة إذَا آذَى أَحَدًا بِلِسَانِهِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْتِغْفَارُ الْمَلَائِكَةِ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ» إلَى آخِرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَيْ مَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ بَنُو آدَمَ أَوْ الْمَلَائِكَةُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ تَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ الْأَذَى أَنَّهُ الْغِيبَةُ وَشِبْهُهَا قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَذَى الْحَدَثِ يُفَسِّرُ ذَلِكَ حَدِيثُ الثُّومِ لَكِنَّ النَّظَرَ يَدُلُّ أَنَّهُ إذَا آذَى أَحَدًا بِلِسَانِهِ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ اسْتِغْفَارُ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ أَذَى السَّبِّ وَالْغِيبَةِ فَوْقَ رَائِحَةِ الْحَدَثِ فَأَوْلَى أَنْ يَنْقَطِعَ بِأَذَى السَّبِّ وَشِبْهِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ. (قُلْتُ) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَصْلِ «مَا لَمْ يُؤْذِ بِحَدَثٍ فِيهِ» فَفَسَّرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلَى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلَاةُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ وَقَالَ «لَا يَمْنَعُهُ إلَّا انْتِظَارُهَا» .   Qالْأَذَى بِأَنَّهُ الْحَدَثُ وَهُوَ صَرِيحٌ ذِكْرُهُ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ أَوْ يُحْدِثْ فِيهِ» وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ يَضْرِطُ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ يُقَالُ ضَرَطَ يَضْرِطُ ضَرِطًا بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي الْمَصْدَرِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ خَنَقَ يَخْنِقُ خَنِقًا. [حَدِيث لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ] {الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إلَى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلَاةُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَقَالَ «لَا يَمْنَعُهُ إلَّا انْتِظَارُهَا» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} إنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ جَعَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثَ الَّذِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ حَدِيثًا وَاحِدًا كَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعَلَهُ حَدِيثَيْنِ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُسْنَدِ وَالْمُوَطَّإِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ رِوَايَاتُ الْمُوَطَّإِ فَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ مَجْمُوعَتَيْنِ فَجَعَلَهُمَا حَدِيثًا وَاحِدًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ {الثَّانِيَةُ} فِيهِ جَوَازُ تَفْرِيقِ الْحَدِيثِ وَتَقْطِيعِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِلْعَالِمِ بِشَرْطِ كَوْنِ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مُنْفَصِلًا عَمَّا حُذِفَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَالْحَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ {الثَّالِثَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 بَابُ الْخُشُوعِ وَالْأَدَبِ وَتَرْكِ مَا يُلْهِي عَنْ الصَّلَاةِ [حَدِيث أَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا] عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا وَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ «خُشُوعُكُمْ» وَقَالَ «وَلَا سُجُودُكُمْ.»   Qتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ {الرَّابِعَةُ} وَفِي قَوْلِهِ «مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» بَيَانٌ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ نِيَّتَهُ عَنْ ذَلِكَ صَارِفٌ آخَرُ مِنْ انْتِظَارِ أَحَدٍ أَوْ تَنَزُّهٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ أَجْرُ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَجَدَّدَتْ نِيَّةٌ أُخْرَى مَعَ اسْتِحْضَارِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يَنْقَطِعُ الثَّوَابُ لِمَا وُجِدَ مِنْ التَّشْرِيكِ أَوْ لَا يَنْقَطِعُ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ؟ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ انْقِطَاعُ الثَّوَابِ بِالتَّشْرِيكِ فِي النِّيَّةِ لِقَوْلِهِ «لَا يَمْنَعُهُ إلَّا انْتِظَارُهَا» فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ آخَرُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَصْدِ الِانْتِظَارِ لَهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَالْمُصَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْجَالِسِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْمُصَلِّي لَا أَنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ اجْتِنَابِ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُكْرَهُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يَجْتَنِبُ الْعَبَثَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ فَلَا يَقُلْ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ عَامِدًا فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» [بَابُ الْخُشُوعِ وَالْأَدَبِ وَتَرْكِ مَا يُلْهِي عَنْ الصَّلَاةِ] ِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ وَاَللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ لِأَنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} فِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ فَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَيْنَا فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ «لَا يُكْتَبُ لِلرَّجُلِ مِنْ صَلَاتِهِ مَا سَهَا عَنْهُ» وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا كَمَا سَيَأْتِي وَأَيْضًا فَفِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَحِقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ سَقَطَ عَنْهُ الْقِيَامُ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْلَا وُجُوبُ الْخُشُوعِ لَمَا جَازَ تَرْكُ الْقِيَامِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِأَجَلِهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا جَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ حَدًّا لِمَا يُسْقِطُ الْقِيَامَ مِنْ الْمَرَضِ وَلَا يَشْتَرِطُ فِي سُقُوطِ الْقِيَامِ عَنْ الْمَرِيضِ الْعَجْزُ عَنْهُ جُمْلَةً بَلْ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ كَافِيَةٌ فِي سُقُوطِهِ فَحَدَّ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِمَا يَذْهَبُ مَعَهُ الْخُشُوعُ وَذَهَبَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ بِحَيْثُ يَذْهَبُ خُشُوعُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَصِحُّ مَعَ اتِّفَاقِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مُدَافَعَةَ الْأَخْبَثَيْنِ لَيْسَتْ مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ فَإِذَا وَصَلَ ذَلِكَ إلَى حَدٍّ يَذْهَبُ مَعَهُ الْخُشُوعُ بَطَلَتْ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَيَقْتَضِي وُجُوبُ الْخُشُوعِ أَيْضًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَخَفَّفَهُمَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ أَرَاك خَفَّفْتَهُمَا فَقَالَ إنِّي بَادَرْتُ بِهِمَا الْوَسْوَاسَ وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ الرَّجُلَ لِيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ وَلَعَلَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْهَا إلَّا عُشْرُهَا أَوْ تُسْعُهَا أَوْ ثُمُنُهَا أَوْ سُبُعُهَا أَوْ سُدُسُهَا حَتَّى أَتَى عَلَى الْعَدَدِ» وَقَالَ أَحْمَدُ إنِّي بَادَرْتُ بِهَا السَّهْوَ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ «لَا يُقْبَلُ مِمَّنْ عَمِلَ عَمَلًا حَتَّى يَشْهَدَ قَلْبُهُ مَعَ بَدَنِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو شُجَاعٍ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ الصَّلَاةَ الْخَالِيَةَ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّمَامِ يُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ الْمُصَلِّي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُشُوعِ بِحَدِيثِ الْبَابِ إذْ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ كَمَا قَالَ الْمُهَلَّبُ. [فَائِدَة بَيَانِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ] 1 {الثَّانِيَةُ} فِي بَيَانِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] يَعْنِيَ خَائِفِينَ لِلَّهِ سَاكِنِينَ وَرَوَيْنَا فِي السُّنَنِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ وَأَنْ تَلِينَ كَتِفَك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَنْ لَا تَلْتَفِتَ فِي صَلَاتِك فَجَعَلَ الِالْتِفَاتَ الظَّاهِرَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْخُشُوعِ فِي الْبَاطِنِ كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا أَنَّهُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَفِي إسْنَادِهِ مِنْ لَمْ يُسَمَّ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو مَجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَقَدْ تَتَحَرَّكُ الْيَدُ مَعَ وُجُودِ الْخُشُوعِ كَمَا رَوَيْنَاهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا مَسَّ لِحْيَتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي» وَفِي الْكَامِلِ لِابْنِ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رُبَّمَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عَبَثٍ» وَقِيلَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَا حَكَاهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى وَقِيلَ هُوَ السُّكُونُ فِيهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» وَقِيلَ الْخُشُوعُ الْخَوْفُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ وَرَوَى عَنْ قَتَادَةَ الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ وَإِلْبَادُ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ الْخُشُوعُ إطْرَاقٌ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْأَرْضِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحِيحُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مُرْسَلٌ وَقِيلَ الْخُشُوعُ أَنْ لَا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . [فَائِدَة الْخَوَاطِرِ الْعَارِضَةِ فِي الصَّلَاةِ] 1 {الثَّالِثَةُ} إنْ قِيلَ مَا وَجْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ قَالَ إنِّي لَأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الْخُشُوعُ مَعَ هَذَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْخَوَاطِرِ الْعَارِضَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ لَا تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا قَالَ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ وَالْغَالِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْفِكْرَةُ فِيمَا يُهِمُّهُ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا عَرَضَ لَهُ تَجْهِيزُ جَيْشٍ وَنَحْوُهُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَهَمَّهُ ذَلِكَ فَرُبَّمَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاسْتَرْسَلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ تَقْيِيدُهُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ قَالَ فِيهِ «لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا» وَلَيْسَ مَا كَانَ يَعْرِضُ لِعُمَرَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بَلْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ الَّذِي يُهِمُّهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ الْخُشُوعَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ لَهُ بِحَسْبِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ بِقَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ وَيُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِمَا اعْتَرَضَهُ مِنْ الْخَوَاطِرِ. {الرَّابِعَةُ} لَمْ يُبَيِّنْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا فُلَانُ أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَك؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ إنِّي وَاَللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ» وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَدَمُ إتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مُبَادَرَتُهُ لِلْإِمَامِ بِذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَرُبَّمَا قَالَ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي» وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ذَلِكَ الصَّحَابِيَّ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ هَلْ يَعْلَمُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَرْفَعُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ قَالَ مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ تَعْلَمُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ اتَّقُوا خِدَاجَ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا» وَقِيلَ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَمَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي» قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى إتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ. [فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ نُقْصَانِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ] {الْخَامِسَةُ} قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ نُقْصَانِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِتَوَعُّدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ {السَّادِسَةُ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ نَقْلًا عَنْ الْمُهَلَّبِ أَيْضًا فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ وَالِاعْتِدَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسُنَنِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ مِنْ فُرُوضُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ «مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ» بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا مَا سَكَتَ عَنْ إعْلَامِهِمْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ الْبَيَانُ لِأُمَّتِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمْ وَلَيْسَ لِمَنْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ لَمْ يَطْمَئِنُّوا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاَلَّذِي وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ إنَّمَا هُوَ مُسَابَقَتُهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَأْمُومِينَ وَرَاءَهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْمَئِنُّ فِي صَلَاتِهِ قَطْعًا فَلَوْ تَرَكُوا الطُّمَأْنِينَةَ وَرَاءَهُ لَلَزِمَ مِنْهُ مُفَارَقَتُهُمْ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يُسَاوِقُهُ أَوْ يُبَادِرُهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ بِالْإِعَادَةِ بِقَوْلِهِ «صَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» وَبَيَّنَ لَهُ فَرْضَ الطُّمَأْنِينَةِ بِقَوْلِهِ «ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابَ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ بِالْإِعَادَةِ وَقَوْلُ الْمُهَلَّبِ إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ الَّتِي نَقَصَهَا إجْرَاءً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يُجْزِيك حَتَّى تُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنَّمَا عَلَّمَهُ كَيْفَ يُصَلِّي فِيمَا يَسْتَقْبِلُ كَلَامٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فِي آخَرِ مَرَّةٍ بِقَوْلِهِ «صَلِّ وَنَفَى صَلَاتَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» ثُمَّ عَلَّمَهُ كَيْفَ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ التَّعْلِيمِ صَلِّ هَكَذَا فَإِنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ إلَى الْآنَ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَا يُجْزِيك حَتَّى تُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ» وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا «لَا يُجْزِي صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [فَائِدَة كَرَاهِيَةِ مُبَادَرَةِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ] 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّابِعَةُ} إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَادَرَةِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ مُسَاوَقَتَهُ وَمُسَابَقَتَهُ الْيَسِيرَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ كَانَ غَيْرَ مُفْسِدٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمُسَابِقَةِ وَالْمُسَاوَقَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُسَاوَقَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ إنَّ الْمُسَاوَقَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا تُكْرَهُ وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِرُكْنٍ فَتُكْرَهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنَيْنِ عَمْدًا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَلَكِنْ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} فِيهِ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا يَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِلْمُ دُونَ الرُّؤْيَةِ كَمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرَاهُمْ بِمَا يُوحَى إلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَهَيْئَاتِهِمْ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَرَاهُمْ بِمَا خُصَّ بِهِ أَنْ زِيدَ فِي قُوَّةِ بَصَرِهِ حَتَّى يَرَى مَنْ وَرَاءَهُ وَقَدْ سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قُلْتُ لَهُ إنَّ إنْسَانًا قَالَ لِي هُوَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَرَاهُمْ كَمَا يَنْظُرُ الْإِمَامُ مِنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إدْرَاكًا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَقَّقًا انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَةُ وَخُلِقَ لَهُ وَرَاءَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِدْرَاكُ الْعَيْنِيُّ انْخَرَقَتْ لَهُ الْعَادَةُ فَكَانَ يَرَى بِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ فِي الرُّؤْيَةِ عَقْلًا هَيْئَةً مَخْصُوصَةً وَلَا مُقَابَلَةً وَلَا قُرْبًا وَلَا شَيْئًا مِمَّا يَشْتَرِطُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَأَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ إنَّمَا هِيَ شُرُوطٌ عَادِيَّةٌ يَجُوزُ حُصُولُ الْإِدْرَاكِ مَعَ عَدَمِهَا وَلِذَلِكَ حَكَمُوا بِجَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مَعَ إحَالَةِ تِلْكَ الْأُمُورِ كُلِّهَا وَلَمَّا ذَهَبَ أَهْلُ الْبِدَعِ إلَى أَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ عَقْلِيَّةٌ اسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ اللَّهِ فَأَنْكَرُوهَا وَخَالَفُوا قَوَاطِعَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي وَرَدَتْ بِإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ وَخَالَفُوا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي هَذَا زِيَادَةٌ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا فِي حُجَّتِهِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ عَلَمٍ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «فَنَظَرَ إلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَلَّقَهَا «كُنْت أَنْظُرُ إلَى عَلْمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ يَفْتِننِي» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ» .   Q {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] قَالَ كَانَ يَرَى مِنْ خَلْفِهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَقَالَ بَقِيٍّ بْنُ مَخْلَدٍ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرَى فِي الظَّلَّامِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوْءِ» . [حَدِيث صَلَّى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ عَلَمٍ] الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ عَلَمٍ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي» . فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) الْخَمِيصَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ آخِرُ الْحُرُوفِ ثُمَّ صَادٌ مُهْمَلَةٌ وَهِيَ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ لَهُ أَعْلَامٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كِسَاءُ صُوفٍ رَقِيقٌ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ عَلَمٍ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَسْوَدُ لَهُ عَلَمَانِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ مَصْبُوغٌ عَلَمُهُ حَرِيرٌ وَالْأَنْبِجَانِيَّة بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا ثُمَّ جِيمٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٌ وَفِيهَا التَّخْفِيفُ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِأَنْبِجَانِيِّ بِالتَّذْكِيرِ عَلَى إرَادَةِ الْكِسَاءِ وَهِيَ الْكِسَاءُ الْغَلِيظُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَلَمٌ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا هُوَ مَنْبَجَانِيٌّ وَلَا يُقَالُ أَنْبَجَانِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى مَنْبِجٍ وَفُتِحَتْ الْبَاءُ فِي النَّسَبِ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ جَوَازُ لُبْسِ الثَّوْبِ الَّذِي لَهُ عَلَمٌ وَكَذَلِكَ الْكِسَاءُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ نَفْيُ مَا يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ وَيُلْهِي عَنْهَا وَالْحَضُّ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْخُشُوعِ فِيهَا. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ أَنَّ اشْتِغَالَ الْفِكْرِ يَسِيرًا فِي الصَّلَاةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qغَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّتِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَة التَّزَاوِيقِ وَالنُّقُوشِ فِي الْمَسَاجِدِ] 1 {الْخَامِسَةُ} قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ كَرَاهَةُ التَّزَاوِيقِ وَالنُّقُوشِ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَوَيْنَا فِي الْمَصَاحِفِ لِابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ إذَا زَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَحَلَّيْتُمْ مُصْحَفَكُمْ فَعَلَيْكُمْ الدَّمَارُ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا «مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ إلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاَللَّهِ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. {السَّادِسَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى كَرَاهَةِ غَرْسِ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ يُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِيهِ فَإِنْ غَرَسَ قَطَعَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي الْفَتَاوَى بِالتَّحْرِيمِ وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا بَعْدَ غَرْسِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة قَبُولُ الْهَدَايَا مِنْ الْأَصْحَابِ] 1 {السَّابِعَةُ} فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ بَعَثَ بِهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ وَإِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهَا أَلْهَتْهُ عَنْ صَلَاتِهِ مَعَ قُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ لَا تَشْغَلُ أَبَا جَهْمٍ عَنْ صَلَاتِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ بِهَا إلَيْهِ لِيَلْبَسَهَا فِي الصَّلَاةِ بَلْ لِيَنْتَفِعَ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ لِعُمَرَ «إنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إلَيْك لِتَلْبَسَهَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ فِيهِ سَدُّ الذَّرَائِعِ وَالِانْتِزَاعُ عَمَّا يَشْغَلُ الْإِنْسَانَ عَنْ أُمُورِ دِينِهِ. {التَّاسِعَةُ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آنَسَ أَبَا جَهْمٍ حِينَ رَدَّهَا إلَيْهِ بِأَنْ سَأَلَهُ ثَوْبًا مَكَانَهَا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَلَا كَرَاهِيَةً لِلُبْسِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ نَحْوَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَفِيهِ قَبُولُ الْهَدَايَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَاسْتِدْعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِجَانِيَّةَ أَبِي جَهْمٍ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ وَمُبَاسَطَةً مَعَهُ وَهَذَا مَعَ مَنْ يُعْلَمُ طِيبُ نَفْسِهِ وَصَفَاءُ وُدِّهِ جَائِزٌ قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ أَنَّ الْخَمِيصَةَ وَالْأَنْبِجَانِيَّة كِلَاهُمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَى بِإِسْنَادٍ لَهُ مُرْسَلٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَلَبِسَ إحْدَاهُمَا وَبَعَثَ الْأُخْرَى إلَى أَبِي جَهْمٍ ثُمَّ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى أَبِي جَهْمٍ فِي تِلْكَ الْخَمِيصَةِ وَبَعَثَ إلَيْهِ الَّتِي لَبِسَهَا وَلَبِسَ هُوَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ أَبِي جَهْمٍ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا أَبُو جَهْمٍ لِبْسَاتٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ «أَنَّ أَبَا جَهْمٍ أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ فَشَغَلَتْهُ فِي الصَّلَاةِ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ» فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q [فَائِدَة الْوَاهِبَ وَالْمُهْدِيَ إذَا رُدَّتْ إلَيْهِ عَطِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعُ فِيهَا] الْعَاشِرَةُ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ الْوَاهِبَ وَالْمُهْدِيَ إذَا رُدَّتْ إلَيْهِ عَطِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعُ فِيهَا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا إذْ لَا عَارَ عَلَيْهِ فِي قَبُولِهَا وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [فَائِدَة عَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إخْرَاجِ مَا شَغَلَهُمْ عَنْ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ مِلْكِهِمْ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} جَرَتْ عَادَةُ الْأَنْبِيَاءٍ وَالصَّالِحِينَ بِإِخْرَاجِ مَا شَغَلَهُمْ عَنْ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ مِلْكِهِمْ رَأْسًا وَكَذَلِكَ مَا أَعْجَبَهُمْ مِنْ مِلْكِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص: 33] وَأَخْرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَمِيصَةَ عَنْ مِلْكِهِ وَرَمَى بِالْخَاتَمِ أَيْضًا لَمَّا شَغَلَهُ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا وَلَبِسَهُ قَالَ شَغَلَنِي هَذَا عَنْكُمْ مُنْذُ الْيَوْمِ إلَيْهِ نَظْرَةٌ وَإِلَيْكُمْ نَظْرَةٌ ثُمَّ أَلْقَاهُ» . «وَأَمَّا نَزْعُهُ خَاتَمَ الذَّهَبِ عِنْدَ التَّحْرِيمِ» فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ وَهْمٌ قُلْتُ وَلَعَلَّهُ كَانَ لَمَّا شَغَلَهُ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانَ فِضَّةً فَيَكُونُ لَا لِحُرْمَتِهِ وَلَكِنْ لِاشْتِغَالِهِ بِهِ عَنْهُمْ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْوَهْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَيْنَا فِي الزُّهْدِ لِابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ قَالَ «انْقَطَعَ شِرَاكُ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَصَلَهُ بِشَيْءٍ جَدِيدٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ انْزِعُوا هَذَا وَاجْعَلُوا الْأَوَّلَ مَكَانَهُ فَقِيلَ كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي كُنْت أَنْظُرُ إلَيْهِ وَأَنَا أُصَلِّي» . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ حَفِيفٍ الشِّيرَازِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَذَى نَعْلًا فَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فَدَفَعَهَا إلَى أَوَّلِ مِسْكِينٍ لَقِيَهُ ثُمَّ قَالَ اشْتَرِ لِي نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَتَيْنِ» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ فَطَارَ دُبْسِيٌّ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَتْبَعُهُ بِبَصَرِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لَك فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْت» . 1 - {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ إنَّ صَلَاتَهُ فِي الْخَمِيصَةِ لِمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَوْ لِأَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لَنَا قُلْتُ لَا يَلْزَمُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لَا أَنَّ صُوفَ الْخَمِيصَةِ كَانَ مِنْ مَيِّتَةٍ وَلَا أَنَّهُ مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّهُ مُنَاجٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلَكِنْ لِيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فَيَدْفِنُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. . وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى» وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ «فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ» .   Qوَالْحِلُّ وَكَانَ الْبَاجِيَّ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ «خَمِيصَةً شَامِيَّةً» . {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْبَاجِيَّ أَيْضًا فِيهِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا أَهْدَاهُ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ. {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} أَثْبَتَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إلْهَاءَ (الْخَمِيصَةِ) لَهُ بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي» وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ «نَظَرْتُ إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَقَعْ قَالَ وَالْفِتْنَةُ هُنَا الشُّغْلُ عَنْ خُشُوعِ الصَّلَاةِ انْتَهَى فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْفِتْنَةُ فَوْقَ الْإِلْهَاءِ فَلِهَذَا أَثْبَتَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْفِتْنَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُمَا وَاحِدٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ «أَلْهَتْنِي» أَيْ كَادَتْ وَقَارَبَتْ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَيْ قَرُبَتْ إقَامَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّهُ مُنَاجٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلَكِنْ لِيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فَيَدْفِنُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} هَذَا النَّهْيُ فِي الْبُصَاقِ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ هَلْ هُوَ يُفِيدُ كَوْنَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانُوا؟ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مُنَاجٍ لِلَّهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ صَلَّى وَالْمَلَكُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ مَعَهُ أَيَّ مَوْضِعٍ صَلَّى وَلَكِنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِدَفْنِ النُّخَامَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ إذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ» الْحَدِيثَ «وَلِيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ. {الثَّانِيَةُ} هَلْ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ الدُّخُولُ فِيهَا أَوْ النُّهُوضُ وَالِانْتِصَابُ لَهَا وَلَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ فَقَيَّدَ كَوْنَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ قَبْلَهُ بَلْ دُخُولُ الْمَسْجِدِ كَانَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبُزَاقِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا إلَى الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ» . [فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ بُصَاقِ الْمُصَلِّي أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ] 1 {الثَّالِثَةُ} هَذَا النَّهْيُ عَنْ بُصَاقِ الْمُصَلِّي أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ هَلْ هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ إقْبَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ مُغْضَبًا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْبُصَاقِ فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِدَفْنِهِ وَلَا بِحَكِّهِ كَمَا قَالَ فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» قُلْت وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْبُصَاقِ فِي الْقِبْلَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ «أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ حِينَ فَرَغَ لَا يُصَلِّي لَكُمْ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ «إنَّك آذَيْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَرَاهَةَ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ بِتَحْرِيمِهِ وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ خَطِيئَةٌ» قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ فَأَمَّا مَنْ بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ وَسَتَرَ بُصَاقَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَكِّيٍّ أَنَّهُ يَكُونُ خَطِيئَةً لِمَنْ تَفَلَ فِيهِ وَلَمْ يَدْفِنْهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَيْ عِنْدَ مُسْلِمٍ «وَوَجَدْت فِي مُسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ» فَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ السَّيِّئَةِ بِمُجَرَّدِ إيقَاعِهَا فِي الْمَسْجِدِ بَلْ بِذَلِكَ وَبِبَقَائِهَا غَيْرَ مَدْفُونَةٍ. (قُلْت) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا إذْنُهُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فَيَدْفِنُهُ إنْ حَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَى إرَادَةِ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ. {الرَّابِعَةُ} عَلَّلَ النَّهْيَ عَنْ الْبُصَاقِ أَمَامَهُ بِكَوْنِهِ مُنَاجِيًا لِلَّهِ وَعَلَّلَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بَعْدَهُ بِأَنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى وَفِي حَدِيثِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «مَا بَال أَحَدُكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلًا رَبَّهُ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ» وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُرَادَ إقْبَالُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الْقِبْلَةِ وَإِكْرَامِهَا قَالَ وَقَدْ نَوَّعَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَان وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ يَبْصُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ يَنْقُضُ مَا أَصَّلُوهُ فِي أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَان. هَذَا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ أَحَدُ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ فَأَخَذُوهُ وَإِنَّمَا ذَكَرْته لِأُنَبِّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ بِدَلِيلِ مَا لِلْقَاضِي إسْمَاعِيل بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ أَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ فِي قِبْلَتِهِ» الْحَدِيثَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ إنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُصَلِّي يَتَوَجَّهُ بِوَجْهِهِ وَقَصْدِهِ وَكُلِّيَّتِهِ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ نَزَّلَهَا فِي حَقِّهِ وُجُودَ مَنْزِلَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ كَمَا قَالَ «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» أَيْ بِمَنْزِلَةِ يَمِينِ اللَّهِ قُلْت. وَقَدْ أَوَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ مُسْتَقْبِلَ قِبْلَةَ رَبِّهِ أَوْ رَحْمَةَ رَبِّهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَلَا تَبْصُقْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» قُلْت وَلَا أَحْفَظُ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْبُصَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَسْحِ الْحَصَا كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَا فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» . {الْخَامِسَةُ} هَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَوْ الْمَسْجِدِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْمُصَلِّي نَفْسُ الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ فَحَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بَعْدَهُ «فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} عُلِّلَ النَّهْيُ عَنْ الْبُصَاقِ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَيُقَالُ عَلَى هَذَا إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ لَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْزُقَ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَلَكًا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] قَالَ وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ عَلَى شِمَالِهِ مَلَكًا أَنَّ مَلَكَ الْيَمِينِ أَعْلَى وَأَفْضَلُ فَاحْتُرِمَ بِمَا لَمْ يُحْتَرَمْ بِهِ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْإِذْنُ فِي أَنْ يَبْصُقَ المصلي عَنْ شِمَالِهِ] 1 {السَّابِعَةُ} أُطْلِقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِذْنُ فِي أَنْ يَبْصُقَ عَنْ شِمَالِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ جِهَةُ شِمَالِهِ فَارِغًا مِنْ الْمُصَلَّيْنَ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ «وَلَكِنْ تِلْقَاءَ يَسَارِهِ إنْ كَانَ فَارِغًا أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» أَيْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جِهَةَ شِمَالِهِ فَارِغًا قُلْت وَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي مَثَلًا فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسَارِهِ مُصَلٍّ آخَرُ حَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ وَدَفْنِهِ احْتِرَامًا لِجِهَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَهَذَا وَاضِحٌ. {الثَّامِنَةُ} اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْإِذْنِ فِي الْبُصَاقِ عَلَى جِهَةِ الشِّمَالِ أَوْ تَحْتَ الرِّجْلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْإِذْنُ فِي الْبُصَاقِ خَلْفَهُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي حَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ وَفِيهِ «وَابْصُقْ خَلْفَك أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِك إنْ كَانَ فَارِغًا» الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَمْ يَقُلْ إنْ كَانَ فَارِغًا. {التَّاسِعَةُ} وَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ «أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ» هَكَذَا بِالتَّثْنِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ «أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا» هَكَذَا بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرِّجْلُ الْيُسْرَى كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى» وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي مَعَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَهَكَذَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي لَمْ يَقُلْ فِيهَا أَوْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ. {الْعَاشِرَةُ} وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْ تَحْتَ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِ أَوْ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ وَبَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ وَكَذَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ» وَكَذَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِجِهَةِ الشِّمَالِ كَوْنَهُ تَحْتَ قَدَمِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْيُسْرَى قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَظَاهِرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّخْيِيرُ فَفِي أَيِّهِمَا بَصَقَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ قَالَ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ مَعْنَى قَوْلِهِ «عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ» . [فَائِدَة الْبُصَاقِ عَلَى الْيَمِينِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبُصَاقِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْيَمِينِ] {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ إنَّ هَذَا النَّهْيَ أَيْ فِي الْبُصَاقِ عَلَى الْيَمِينِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبُصَاقِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْيَمِينِ فَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ جَازَ انْتَهَى وَمَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بِالِاضْطِرَارِ إلَى ذَلِكَ هَلْ أَرَادَ بِكَوْنِ الْيَسَارِ مَشْغُولَةً بِمُصَلٍّ أَوْ بِمُحْتَرَمٍ وَعَلَى هَذَا فَيَقْتَضِي تَقْدِيمَ مُرَاعَاةِ الْمُصَلِّي عَلَى جِهَةِ الْمَلَكِ مَعَ مَا فِي جِهَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشَّرَفِ وَأَيْضًا فَمَعَهُ أَيْضًا تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى فَمَا الَّذِي يَصْرِفُهُ عَنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِهَا مُصْحَفٌ أَوْ أَحَدٌ جَالِسٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَأَمَامِهِ إذَا كَانَ يَسْتُرُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ «وَرَأَى أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَعَلَيْهِ نَعْلَاهُ قَالَ وَرَأَيْته يَبْصُقُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ» قُلْت وَالْحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مُقْتَصِرًا عَلَى الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ دُونَ الْبُصَاقِ عَلَى الْيَمِينِ. [فَائِدَة التَّرْخِيصَ فِي الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ] 1 {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} فِي قَوْلِهِ «فَيَدْفِنُهُ» مَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْخِيصَ فِي الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ مَا إذَا كَانَ فِرَاشُ الْمَسْجِدِ حَصًى أَوْ تُرَابًا دُونَ مَا إذَا كَانَ رُخَامًا أَوْ بَلَاطًا أَوْ بِسَاطًا أَوْ حَصِيرًا وَقَدْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَقَالَ وَقَدْ سَمِعْنَا مِنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا التُّرَابُ أَوْ الرَّمْلُ كَمَا كَانَتْ مَسَاجِدُهُمْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ بُسُطٌ وَمَا لَهُ بَالٌ مِنْ الْحَصِيرِ مِمَّا يُفْسِدُهُ الْبُصَاقُ وَيُقْذِرُهُ فَلَا يَجُوزُ احْتِرَامًا لِلْمَلَائِكَةِ. قُلْت قَدْ وَرَدَ وَلَكِنَّهَا بِالنَّقْلِ عِوَضًا عَنْ الدَّفْنِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ «قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْته تَنَخَّعَ فَدَلَكَهَا بِنَعْلِهِ» وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي تُرَابٍ أَوْ حَصْبَاءَ فَيَحْصُلُ بِدَلْكِهَا دَفْنُهَا فِي التُّرَابِ وَقَالَ الْبَاجِيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْصُقَ فِي الْأَرْضِ وَيَحُكَّهُ بِرِجْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْذِرُ الْمَوْضِعَ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِ. قُلْت قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «رَأَيْت وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ يَبْصُقُ عَلَى الْبُورِيِّ ثُمَّ مَسَحَهُ بِرِجْلِهِ فَقِيلَ لَهُ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ لِأَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» وَالْبُورِيُّ الْحَصِيرُ الْمَعْمُولَةُ مِنْ الْقَصَبِ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَهِيَ لَا تَفْسُدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِذَلِكَ وَالْحَدِيثُ أَيْضًا لَا يَصِحُّ. [فَائِدَة بَيَانُ طَهَارَةِ الْبُصَاقِ] 1 {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ بَيَانُ طَهَارَةِ الْبُصَاقِ لِنُخَامَةٍ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا لَمَا أَمَرَ بِدَفْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا بِأَنْ يَبْصُقَ فِي ثَوْبِهِ وَيُدَلِّكَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي طَهَارَةِ الْبُصَاقِ إلَّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ سَلْمَانَ وَالسُّنَنُ الثَّابِتَةُ تَرُدُّهُ وَحَكَاهُ الذَّكِيُّ عَبْدُ الْعَظِيمِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى السُّنَنِ عَنْ النَّخَعِيّ أَيْضًا. [فَائِدَة تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا يُسْتَقْذَرُ] {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} فِي أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِد دَلِيلٌ عَلَى تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا يُسْتَقْذَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» . {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي حُكْمِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ تَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ يُؤْكَلَ فِيهِ مِثْلُ الْبَلُّوطِ وَالزَّبِيبِ لِعُجْمِهِ وَمَا لَهُ دَسَمٌ وَتَلْوِيثٌ وَحَبٌّ رَقِيقٌ مَا يَكْنِسُهُ الْمَرْءُ مِنْ بَيْتِهِ {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَلَا يُفْسِدُهَا إذَا غَلَبَهُ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ وَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ أَلْبَتَّةَ. {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} فِي إبَاحَةِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ غَلَبَهُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ وَالتَّنَحْنُحَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ صَاحِبُهُ اللَّعِبَ وَالْعَبَثَ وَكَانَ يَسِيرًا لَا يَضُرُّ الْمُصَلِّيَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُفْسِدُ شَيْئًا مِنْهَا لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَكُونُ بُصَاقٌ إلَّا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّفْخِ وَالنَّحْنَحَةِ وَالْبُصَاقُ وَالنُّخَاعَةُ وَالنُّخَامَةُ كُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ قَالَ وَالتَّنَخُّمُ وَالتَّنَخُّعُ ضَرْبٌ مِنْ التَّنَحْنُحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِلتَّنَخُّمِ صَوْتًا كَالتَّنَحْنُحِ وَرُبَّمَا كَانَ مَعَهُ ضَرْبٌ مِنْ النَّفْخِ عِنْدَ الْقَذْفِ بِالْبُصَاقِ فَإِنْ قَصَدَ النَّافِخُ أَوْ الْمُتَنَحْنِحُ فِي الصَّلَاةِ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ اللَّعِبَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْعَبَثِ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ نَفْخُهُ تَأَوُّهًا مِنْ ذِكْرِ النَّارِ إذَا مَرَّ بِهِ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ النَّفْخُ وَالتَّنَحْنُحُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَقْطَعُ النَّفْخُ إنْ سُمِعَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا يَقْطَعُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ حُرُوفُ الْهِجَاءِ فَلَيْسَ بِكَلَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَوْلُ مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ»   Qرَاعَى حُرُوفَ الْهِجَاءِ وَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي النَّحْنَحَةِ وَالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّفْخِ وَالْأَنِينِ أَنَّهُ إنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا بِغَلَبَةٍ أَوْ تَعَذُّرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَا لَمْ يُكْثِرْ الضَّحِكَ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَإِنَّهُ يَضُرُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمْر «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَضُرُّهَا فَمَا أَدْرَى هَلْ أَرَادَ بِالْعَمَلِ الْقَلِيلِ نَفْسَ الْبُصَاقِ أَوْ أَرَادَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مِنْ كَوْنِهِ يَبْصُقُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ أَرَادَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَّهُ مِنْ الْقِبْلَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَة اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُصَلِّي فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ» الْحَدِيثَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ كَمَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمًا إذْ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَتَغَيَّظَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَكَّهَا قَالَ وَأَحْسَبُهُ قَالَ قَدْ دَعَا بِزَعْفَرَانٍ فَلَطَّخَهُ بِهِ» . [فَائِدَة الْبُصَاقِ الَّذِي وَجَدَهُ النَّبِيُّ فِي الْقِبْلَةِ] 1 {الثَّانِيَةُ} اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا فِي الْبُصَاقِ الَّذِي وَجَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِبْلَةِ هَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ؟ فَقِيلَ إنَّهُ كَانَ فِي مَسْجِدِ الْأَنْصَارِ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 بَاب صَلَاة الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ بَيْن يَدَيْهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْل وَأَنَا مُعْتَرِضَة بَيْنه وَبَيْن الْقِبْلَة كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَة» وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ «عَلَى الْفِرَاش الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ»   Qقَالَ «أَتَيْنَا جَابِرًا وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ فَقَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِنَا هَذَا وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنُ خَطَّابٍ فَنَظَرَ فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا فَحَتَّهَا بِالْعُرْجُونِ» الْحَدِيثَ لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ كَانَ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ أَوْ وَقَائِعُ فَفِي قِصَّةِ مَسْجِدِ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ حَتَّهَا بِالْعُرْجُونِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ حَكَّهَا بِحَصَاةٍ وَفِي قِصَّةِ مَسْجِدِ الْأَنْصَارِ «أَرُونِي عَبِيرًا فَقَامَ فَتًى مِنْ الْحَيِّ يَشْتَدُّ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِخَلُوقٍ فِي رَاحَتِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ الْعُرْجُونِ ثُمَّ لَطَّخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ» . وَعِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَغَضِبَ حَتَّى أَحْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْسَنَ هَذَا وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ» كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ وَاقِعَتَيْنِ أَوْ وَقَائِعَ مِنْ غَيْرِ تَعَارُضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} فِي تَغْلِيظِهِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ تَحْرِيمُ الْبُصَاقُ فِي الْقِبْلَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ تَنْظِيفُ الْمَسَاجِدِ وَطَهَارَةُ الْبُصَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ أَيْضًا. [بَاب صَلَاة الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ بَيْن يَدَيْهِ] [حَدِيث عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ] بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ إلَى النَّائِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّي إلَى نَائِمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُونَهُ سُتْرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ كَرِهَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الصَّلَاةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَلْفَ النَّائِمِ خَوْفَ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَيَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ أَوْ يُضْحِكُهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ قَالَ مُجَاهِدٌ أُصَلِّي وَرَاءَ قَاعِدٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ وَرَاءَ نَائِمٍ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ» فَإِنَّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا يَصِحُّ قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ لَمْ يُسَمِّ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ رَجُلَانِ كِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ تَمَّامُ بْنُ زُرَيْعٍ وَعِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. (قُلْت) قَدْ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا أَبُو الْمِقْدَامِ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، انْتَهَى. وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ حَيْثُ اُشْتُغِلَ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَأَمَّا الصَّلَاةُ لِلْمُتَحَدِّثِينَ فَقَدْ كَرِهَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ كَلَامَهُمْ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ رَجُلٍ يَتَكَلَّمُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ. [فَائِدَة الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي] 1 {الثَّانِيَةُ} وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي لَا تَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْأَحْوَصِ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ أَحْمَدُ وَفِي قَلْبِي مِنْ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» قُلْت يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلَتْنِي فَقَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ مِثْلُ مُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ» . وَأَجَابَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَنْ الْمَرْأَةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَعَنْ الْحِمَارِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ «أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارِ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمئِذٍ قَدْ نَاهَزْت الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْت فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ» وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجِدَارِ نَفْيُ السُّتْرَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ الْبَزَّارِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ الْكَلْبِ بِحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ يَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَا ذَلِكَ» وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَأَجَابَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْفَضْلِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عَمَّهُ الْفَضْلَ انْتَهَى ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ صِفَةَ الْكَلْبِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلْبُ لَيْسَ بِأَسْوَدَ وَبِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَدْ اخْتَلَطَ أَخِيرًا وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْهُ وَهُوَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ إنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا صَلَّى بِمِنًى وَرُكِزَتْ لَهُ الْعَنَزَةُ كَانَ الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ يَمُرَّانِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُمْنَعَانِ قَالَ وَظَاهِرُ هَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَنَزَةِ انْتَهَى. وَكَأَنَّ الْقُرْطُبِيَّ أَخَذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ هَذَا وَرَأَيْت النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَنَزَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ كَمَا تَقُولُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُتَّفِقِ عَلَيْهَا يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. {الثَّالِثَةُ} فِي قَوْلِ عَائِشَةَ «وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ» مَا يُوهِمُ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «بِئْسَ مَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ قَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ تَعْنِي رِجْلِي فَضَمَمْتهَا إلَيَّ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «كُنْت بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلَيَّ وَإِذَا قَامَ بَسَطْتهمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» .   Qمُخَالِفٌ لِقَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ «وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ» . فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ رِجْلَيْهَا كَانَتَا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا «وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ» أَنَّهُ كَانَ مُسْتَقْبِلَ أَسْفَلِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَرِضَةً وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَسْفَلَ رِجْلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ كَانَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنَامُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ جِهَةُ أَرْجُلِهِمَا إلَى الْقِبْلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَقِيَّةُ فَوَائِدِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ. [حَدِيث بِئْسَ مَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ قَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ. تَعْنِي رِجْلِي فَضَمَمْتهمَا إلَيَّ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ إلَى النَّائِمِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ {الثَّانِيَةُ} ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا نَاسِخٌ أَوْ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّسْخِ وَاضِحٌ لِأَنَّ النَّسْخَ وَإِنْ كَانَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَزْوَاجَهُ خُصُوصًا عَائِشَةَ مَا حَكَيْنَهُ عَنْهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ هُوَ النَّاسِخُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَوْ حَدَّثَ شَيْءٌ عَلِمْنَ بِهِ وَقَدْ عُلِمَ التَّارِيخُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَوْنَهُ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ صَرِيحًا فِي مُخَالَفَةِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِيهِ «فَمَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْأَتَانِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَالْإِمَامُ سُتْرَةٌ لِلْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ (سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ فَيَقْتَضِي) أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ إلَى غَيْرِ جِدَارٍ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ سُتْرَةٌ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ «إلَى غَيْرِ جِدَارٍ» أَنَّ الْمُرَادَ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. {الثَّالِثَةُ} إذَا قُلْنَا لَا يُصَارُ لِلنَّسْخِ حَتَّى يُعْرَفَ التَّارِيخُ وَيَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَمْ يُنْقَلُ تَارِيخُ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ تَأَخُّرَهُ فَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُتَأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي قَطَعَتْهُ عَنْ الذِّكْرِ وَشَغَلَتْ قَلْبَهُ عَنْ مُرَاعَاةِ الصَّلَاةِ فَذَلِكَ مَعْنَى قَطْعِهَا لِلصَّلَاةِ دُونَ إبْطَالِهَا مِنْ أَصْلِهَا حَتَّى يَكُونَ فِيهَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ. وَمَا حَكَاه الْخَطَّابِيُّ احْتِمَالًا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْقَطْعَ عَلَى قَطْعِ الذِّكْرِ وَالْخُشُوعِ. وَحَكَى صَاحِبَ الْمُفْهِمِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي الْخَوْفِ عَلَى قَطْعِهَا وَإِفْسَادِهَا بِالشُّغْلِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتِنُ وَالْحِمَارَ يَنْهَقُ وَالْكَلْبَ يُرَوِّعُ فَيُشَوَّشُ الْفِكْرُ فِي ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَطِعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَتَفْسُدَ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ آيِلَةً إلَى الْقَطْعِ جَعَلَهَا قَاطِعَةً كَمَا قَالَ لِلْمَادِحِ قَطَعْت عُنُقَ أَخِيك أَيْ فَعَلْت بِهِ فِعْلًا يُخَافُ هَلَاكُهُ مِنْهُ كَمَنْ قُطِعَ عُنُقُهُ. {الرَّابِعَةُ} حَمَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ قَطْعِ الْمَرْأَةِ الصَّلَاةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْحَائِضُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ 3 الْمُفْهِمِ فِي الْحَائِضِ بِمَا تَسْتَصْحِبُهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ شُعْبَةُ قَالَ «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ» لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَصَرَّحَ ابْنُ مَاجَهْ بِقَوْلِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَفَهُ سَعِيدٌ وَهِشَامٌ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ «كُنْت بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسَبُهَا قَالَتْ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد أَحَدَ عَشَرَ رَوَوْهُ لَمْ يَذْكُرُوا «وَأَنَا حَائِضٌ» وَهَذَا وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَيْمُونَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ «كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ (إذَا صَلَّى إلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضِ) لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي اتَّفَقْنَا عَلَى لَفْظِهَا «وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ» . [فَائِدَة الْعِلَّة فِي قَطْعِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ الصَّلَاة] 1 {الْخَامِسَةُ} جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعِلَّةَ فِي قَطْعِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَالْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ وَصْفِ الشَّيْطَانِ فَأَمَّا الْكَلْبُ فَقَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» قَالَهُ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْأَسْوَدِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الْحِمَارُ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا «إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الْحَمَائِرِ فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «إذَا سَمِعْتُمْ نِبَاحَ الْكَلْبِ وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ بِاللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ» وَيُعَارِضُ هَذَا صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْبَعِيرِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِبِلِ «أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْجِنِّ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَلَى ذُرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ» وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَلَّى إلَيْهَا بَلْ قَدْ مَرَّ نَفْسُ الشَّيْطَانِ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ بَلْ خَنَقَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اتِّقَاءُ مَا يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ. {السَّادِسَةُ} قَدْ وَرَدَ مِمَّا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّذِينَ وُصِفُوا بِوَصْفِ الشَّيْطَانِ أَوْ بِكَوْنِهِ مَعَهُمْ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمَرْأَةُ» الْحَدِيثُ تَكَلَّمُ فِيهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ فِيهِ نَكَارَةٌ وَأَحْسَبُ الْوَهْمَ مِنْ ابْنِ أَبِي سَمِينَةَ قَالَ وَالْمُنْكَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْمَجُوسِيُّ وَذِكْرُ الْخِنْزِيرِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ذَكَرَ الْكَافِرَ فِيمَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَسَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. {السَّابِعَةُ} أَشَارَ ابْنُ بَطَّالٍ إلَى كَوْنِ الصَّلَاةِ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الْخَصَائِصِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ «وَأَيُّكُمْ كَانَ يَمْلِكُ إرْبَهُ» الْحَدِيثَ فَقَالَ وَوَجْهُ كَرَاهِيَتِهِمْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ وَالْمُصَلِّي خَلْفَ الْمَرْأَةِ النَّاظِرُ إلَيْهَا تُخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ بِهَا وَالِاشْتِغَالُ بِنَظَرِهِ إلَيْهَا لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّاسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يَقْدِرُونَ مِنْ مِلْكِ آرَابِهِمْ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ صَلَّى هُوَ خَلْفَ الْمَرْأَةِ حِينَ أَمِنَ مِنْ شَغْلِ بَالِهِ بِهَا وَلَمْ تَشْغَلْهُ عَنْ صَلَاتِهِ انْتَهَى. وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَصِحَّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَأَمَّا كَوْنُ الْمَرْأَةِ كَالسُّتْرَةِ لِلْمُصَلِّي فَلَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُسْتَتَرُ بِالْمَرْأَةِ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ السُّتْرَةُ بِالصَّبِيِّ وَاسِعَةً قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُسْتَتَرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى أَنَّ مُرُورَ الْمَرْأَةِ أَخَفُّ مِنْ الصَّلَاةِ إلَيْهَا فَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ وَكَيْفَ تُقْطَعُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ اعْتِرَاضَهَا فِي الْقِبْلَةِ نَفْسِهَا لَا يَضُرُّ؟ قُلْت فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرُورَ أَشَدُّ فَإِنَّهَا قَالَتْ «فَأَكْرَه أَنْ أَسْنَحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ السَّرِيرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْسَلَّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ» أَيْ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْ السَّرِيرِ. {التَّاسِعَةُ} لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُتْرَةٌ بَلْ كَانَ السَّرِيرُ الَّذِي عَلَيْهِ عَائِشَةُ هُوَ السُّتْرَةُ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ لِأَنَّ قَوَائِمَ السَّرِيرِ الَّتِي تَلِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «لَقَدْ رَأَيْتنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي» الْحَدِيثَ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا يُنَافِي حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَطْعِ الْمَرْأَةِ الصَّلَاةَ لِوُجُودِ السُّتْرَةِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْعَاشِرَةُ} إنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي قَطْعِ الْمَرْأَةِ لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُنَا تَعْمِيمٌ لِكَوْنِ النِّسَاءِ لَا يَقْطَعْنَ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ خَوْفَ الِافْتِتَانِ بِهَا فَأَمَّا زَوْجَتُهُ وَمَحْرَمُهُ فَلَا يَضُرُّ وَإِنَّمَا نُقِلَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَائِشَةُ وَمَيْمُونَةُ» كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ «كَانَ فِرَاشُهَا بِحِيَالِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَ أَحْمَدُ وَكَانَ يُصَلِّي وَأَنَا حِيَالَهُ» وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ مُرُورُ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جِئْت أَنَا وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَنَزَلَ وَنَزَلْت وَتَرَكْنَا الْحِمَارَ أَمَامَ الصَّفِّ فَمَا بَالَاهُ وَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَخَلَتَا بَيْنَ الصَّفِّ فَمَا بَالَا ذَلِكَ» وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يُصَلِّي وَبَيْنَ يَدَيْهِ امْرَأَةٌ وَإِنْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُونَهَا سُتْرَةٌ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُ عَائِشَة بِئْسَ مَا عَدَلْتُمُونَا أَرَادَتْ بِخِطَابِهَا ذَلِكَ ابْنَ أُخْتِهَا عُرْوَةَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ قَالَ قُلْت الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ فَقَالَتْ إنَّ الْمَرْأَةَ لَدَابَّةُ سُوءٍ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ قَالَ بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ ذَكَرَ الْمَرْأَةَ مَعَ الْحِمَارِ وَالْكَلْبِ فِيمَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَهِيَ قَدْ رَوَتْ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ بِلَفْظِ «لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ إلَّا الْحِمَارُ وَالْكَافِرُ وَالْكَلْبُ وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُرِنَّا بِدَوَابِّ سُوءٍ» . وَالْجَوَابُ إنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُنْكِرْ وُرُودَ الْحَدِيثِ وَلَمْ تَكُنْ لِتُكَذِّبَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا ذَرٍّ وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ كَوْنَ الْحُكْمِ بَاقِيًا هَكَذَا فَلَعَلَّهَا كَانَتْ تَرَى نَسَخَهُ بِحَدِيثِهَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ أَوْ كَانَتْ تَحْمِلُ قَطْعَ الصَّلَاةِ عَلَى مَحْمَلٍ غَيْرِ الْبُطْلَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رَأَتْ تَغْيِيرَ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْحِمَارِ أَيْضًا فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَهَذَا كَقَوْلِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مطلق اللَّمْسِ لَيْسَ بِنَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ] 1 {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِغَمْزِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجْلَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ اللَّمْسِ لَيْسَ بِنَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَغْمِزَهَا عَلَى الثَّوْبِ أَوْ يَضْرِبَهَا بِكُمِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ حَكَى اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَنْقُضُ اللَّمْسُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَسَّهَا لِشَهْوَةٍ وَانْتَشَرَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بِنَقْضِ اللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ وَأَرَادَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَلَوْ كَانَ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ يَنْقُضُ اللَّمْسُ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ. قُلْت وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ النَّقْضَ بِمُطْلَقِ اللَّمْسِ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ مُسْتَتِرَةً مُغَطَّاةً بِاللِّحَافِ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا «فَأَنْسَلَّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي» . [فَائِدَة مِقْدَارُ الْمَسَافَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَحْذُورُ] {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} إذَا قُلْنَا بِقَطْعِ الْمَرْأَةِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهَا الصَّلَاةَ بِمُرُورِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ فَمَا مِقْدَارُ الْمَسَافَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَحْذُورُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَلَى دُونِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّهُ مِقْدَارُ السُّتْرَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَلَا يَضُرُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَذْفَةٌ بِحَجَرٍ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحْسَبُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَيُجْزِي عَنْهُ إذَا مَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ» قَالَ أَبُو دَاوُد فِي نَفْسِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ وَأَحْسَبُ الْوَهْمَ مِنْ ابْنِ أَبِي سَمِينَةَ وَالْمُنْكَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْمَجُوسِيِّ وَفِيهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ وَذِكْرُ الْخِنْزِيرِ وَفِيهِ نَكَارَةٌ وَلَيْسَ كَلَامُ أَبِي دَاوُد هَذَا ثَابِتًا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ. [فَائِدَة الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ] 1 {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} فِي غَمْزِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِجْلَيْ عَائِشَةَ أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَفِي بَعْضِ طُرُقِ أَبِي دَاوُد «غَمَزَنِي فَقَالَ تَنَحِّي» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَمْزَهُ لَهَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ مَعَ الْغَمْزَةِ تَنَحِّي وَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَمْزَ مَعَ قَوْلِهِ تَنَحِّي إنَّمَا هُوَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ بَيْنَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّهَجُّدِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا قَالَتْ «فَيُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أَمَامَهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ» زَادَ عُثْمَانُ غَمَزَنِي ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ تَنَحِّي وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ حَتَّى «إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ» . {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ عَائِشَةَ أَوْ مَنْ بَعْدَهُ تَعْنِي رِجْلِي هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ بِزِيَادَةِ تَعْنِي وَالْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِدُونِهَا «غَمَزَ رِجْلِي» وَفَائِدَةُ زِيَادَةِ تَعْنِي هُنَا أَنَّهُ سَقَطَ ذِكْرُ رِجْلِي عِنْدَ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَعَلِمَ مَنْ بَعْدَهُ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ أَتَى بِهَا وَإِنَّمَا سَقَطَتْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ بَعْدَهُ وَقَدْ رَوَى الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ أَنَا أَسْتَعِينُ فِي الْحَدِيثِ بِيَعْنِي وَفَعَلَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ الْقَاضِي الْمَحَامِلِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ يَعْنِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ» . قَالَ الْخَطِيبُ كَانَ فِي أَصْلِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ» فَأَلْحَقْنَا فِيهِ ذِكْرَ عَائِشَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ وَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ كَذَلِكَ رَوَاهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ مِنْ كِتَابِ شَيْخِنَا أَبِي عَمْرٍو قُلْنَا فِيهِ يَعْنِي عَنْ عَائِشَةَ لِأَجْلِ أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ لَمْ يَقُلْ لَنَا ذَلِكَ قَالَ الْخَطِيبُ وَهَكَذَا رَأَيْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا إذَا كَانَ شَيْخُهُ قَدْ رَوَاهُ لَهُ عَلَى الْخَطَأِ أَمَّا إذَا وَجَدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ لَا مِنْ شَيْخِهِ فَيُتَّجَهُ هُنَا إصْلَاحُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ تَحْدِيثِهِ بِهِ مَعًا. [فَائِدَة وُقُودُ الْمَصَابِيحِ فِي الْيَوْمِ] 1 {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُ عَائِشَةَ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ أَرَادَتْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْهَدُ وُقُودُ الْمَصَابِيحِ فِي الْيَوْمِ وَهُوَ النَّهَارُ وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ بِالْيَوْمِ عَنْ الْحِينِ وَالْوَقْتِ كَمَا تُعَبِّرُ بِهِ عَنْ النَّهَارِ وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ. {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ بَيَانٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ضَيِّقِ الْعَيْشِ إذْ لَمْ يَكُونُوا يُسْرِجُونَ فِي بُيُوتِهِمْ مَصَابِيحَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِيهِ أَنَّهَا إذْ حَدَّثَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَتْ فِي بُيُوتِهِمْ الْمَصَابِيحُ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدُّنْيَا فَوَسَّعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ إذْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَعَلْتُمْ أَنَّ قَوْلَهَا يَوْمَئِذٍ الْمُرَادُ بِهِ الْحِينُ وَالزَّمَنُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آخَرِ اللَّيْلِ لَا كُلِّ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا كَانُوا يُطْفِئُونَ مَصَابِيحَهُمْ عِنْدَ النَّوْمِ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحِ «وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ» فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَجْلِسُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ حَتَّى يُوقَدَ لَهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] الْآيَةَ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَتَعَالِي فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مَصَابِيحُ فِي بُيُوتِهِمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ تُطْفَأُ عِنْدَ النَّوْمِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إلَّا أَنَّ قَوْلَهَا لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ ظَاهِرٌ فِي مُطْلَقِ النَّفْيِ وَإِنْ حَدَّثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إذْ سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ لَنَا مِصْبَاحٌ لَأَكَلْنَاهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَقْعُدُ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ فَهَذَا لَا يَثْبُتُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ} ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ قِصَّةَ عَائِشَةَ فِي كَوْنِهَا فِي قِبْلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ رَاقِدَةٌ لَيْسَ يُبَيِّنُ مُسَاوَاتَهَا لِمُرُورِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ الْبُيُوتَ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ فَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الْحُكْمِ عَدَمُ الْمُشَاهَدَةِ لَهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 بَابُ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تُقْصَرْ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَنْسَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا نَعَمْ فَصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» قَالَ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ أَبِي كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجْدَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ» قَالَ مُسْلِمٌ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ   Q [بَابُ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ] [حَدِيث سُجُود السَّهْو] ِ} عَنْ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تُقْصَرْ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَنْسَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» . قَالَ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ جَوْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجْدَتَيْنِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} فِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الصَّلَاةَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ رَوَاهَا مُرْسَلَةً وَلَمْ يَشْهَدْهَا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ الْمَذْكُورَ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ «وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا» وَقَالَ مُسْلِمٌ «ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «الْعَصْرَ» مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَفِيهَا «فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ» وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَأَوْمَئُوا أَيْ نَعَمْ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» . وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ   Qعَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ قَالُوا وَهَذَا الزُّهْرِيُّ مَعَ عِلْمِهِ بِالسِّيَرِ وَالْأَثَرِ وَهُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ فِي ذَلِكَ يَقُولُ: إنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ حَكَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ اسْتَحْكَمَتْ الْأُمُورُ بَعْدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مَعْشَرٍ إنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَإِنَّمَا الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَسْنَا نُدَافِعُهُمْ أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ مَقْتُولٌ بِبَدْرٍ لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ ذَكَرُوهُ فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَذُو الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ خُزَاعِيٌّ وَذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي شَهِدَ سَهْوَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَمِيٌّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ذُو الشِّمَالَيْنِ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَيْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَقْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ خُزَاعَةَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. وَرَوَى عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ خَمْسَةُ رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَدَّ مِنْهُمْ ذَا الشِّمَالَيْنِ وَإِنَّمَا عَدَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ لِكَوْنِهِ حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ وَذُو الْيَدَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 «فَسَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ نَسِيتَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَخَرَجَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَةً» وَذُكِرَ أَنَّ الرَّجُلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّتَيْنِ وَلِعِمْرَانَ قِصَّةً أُخْرَى وَلِمُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ قِصَّةً أُخْرَى قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ الْكَلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَقَالَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامُ» وَلِلتِّرْمِذِيِّ «بَعْدَ السَّلَامِ» وَلِلنَّسَائِيِّ «سَلَّمَ ثُمَّ تَكَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» وَلِلْبُخَارِيِّ «صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ» .   Qاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَجُلَانِ وَثَلَاثَةٌ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَكِنَّ الْمَقْتُولَ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الَّذِي تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِذْقِ وَالْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إلَى مُسَدَّدٍ قَالَ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عُمَرَ وَحَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَهَذَا ذُو الْيَدَيْنِ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ فَيَجِيءُ فَيُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ إنَّهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ قَالَ وَقَدْ اضْطَرَبَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ تَرْكَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ خَاصَّةً ثُمَّ ذَكَرَ اضْطِرَابَهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الْمُصَنَّفِينَ فِيهِ عَوَّلَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِاضْطِرَابِهِ فِيهِ وَإِنَّهُ لَمْ يُقِمْ لَهُ إسْنَادًا وَلَا مَتْنًا وَإِنْ كَانَ إمَامًا عَظِيمًا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ وَالْكَمَالُ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ إنَّهُ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ حُجَّةً لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ غَلَطُهُ فِي ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثُمَّ ذَكَرَ مَنْ رَوَى عَنْ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَقَّبَهُ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَنَّهُ بَقِيَ إلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ بِذِي خَشَبٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَدَعْوَاهُمْ اتِّفَاقَ أَهْلِ السِّيَرِ عَلَى ذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ خَالَفَهُمَا جُمْهُورُ أَهْلِ السِّيَرِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ ذِي الْيَدَيْنِ وَذِي الشِّمَالَيْنِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْحَاكِمُ كُلُّ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَقَدْ أَخْطَأَ فَإِنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ وَلَمْ يُعَقِّبْ وَلَيْسَ لَهُ رَاوٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ هَذَا قَوْلُ الْحُفَّاظِ كُلِّهِمْ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ إلَّا الزُّهْرِيَّ فَقَالَ هُوَ هُوَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيطِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ الثِّقَاتِ صَرَّحُوا عَنْهُ بِحُضُورِهِ لِلْوَاقِعَةِ فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ» الْحَدِيثَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْهُ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ» الْحَدِيثَ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ» وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اهـ وَحَمَلُوا قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» عَلَى أَنَّهُ عَنَى صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ قَالُوا وَهَذَا جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَإِنَّمَا أَنْكَرَ مَنْ أَنْكَرَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ شُهُودَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْقِصَّةِ لِيَجْعَلُوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ نَاسِخًا لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي ذِكْرِ الْمَذَاهِبِ. {الثَّانِيَةُ} فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْجَزْمُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ الظُّهْرُ وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ هَكَذَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي لَفْظٍ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِي هُرَيْرَةَ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا الْعَصْرُ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الشَّكِّ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ أَيْ ابْنُ سِيرِينَ وَأَكْبَرُ ظَنِّي الْعَصْرُ. وَقَدْ أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِمَا حَكَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ وَقَدْ تَبِعْته عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ قِصَّةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاحِدَةٌ وَأَنَّ الشَّكَّ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنِّي نَسِيت قَالَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ» فَبَيَّنَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ أَنَّ الشَّكَّ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُقَالُ هُمَا وَاقِعَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَإِنَّمَا الْجَمْعُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَاهُ كَثِيرًا عَلَى الشَّكِّ وَمَرَّةً غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الظُّهْرُ فَجَزَمَ بِهَا وَمَرَّةً أُخْرَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَجَزَمَ بِهَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَكْبَرُ ظَنِّي فَهُوَ شَكٌّ آخَرُ مِنْ ابْنِ سِيرِينَ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ بِهَا مُعَيَّنَةً كَمَا عَيَّنَهَا لِغَيْرِهِ وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ عَيَّنَهَا لَهُ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنِّي نَسِيت أَنَا. {الثَّالِثَةُ} فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ» وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ بَلْ هُمَا قِصَّتَانِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ رَبَاعِيَةٌ فَلَمَّا صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكْتَفِ ذُو الْيَدَيْنِ بِالشَّكِّ هَلْ قَصُرَتْ أَمْ لَا وَاحْتِمَالِ ذَلِكَ بَلْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَتَحَقَّقَ الْحَالَ وَيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ. {الْخَامِسَةُ} فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَكَتَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِذَا وَسِعَهُمْ السُّكُوتُ وَتَرْكُ السُّؤَالِ فَهَلَّا وَسِعَ ذَلِكَ ذَا الْيَدَيْنِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِسُؤَالٍ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ وَقَدْ وَقَعَ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمَّا حَضَرَا وَلَمْ يَتَكَلَّمَا سَكَتَ النَّاسُ إلَّا ذَا الْيَدَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ الْعِلَّةَ فِي سُكُوتِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِأَنَّهُمَا هَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعَ عِلْمِهِمَا بِأَنَّهُ سَيُبَيِّنُ أَمْرَ مَا وَقَعَ قَالَ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ السُّؤَالِ انْتَهَى. وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ جَوَازَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا «أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ إلَّا ذُو الْيَدَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ بَقِيَتْ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَصْرَ فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَيَكُونَ قَدْ سَأَلَهُ طَلْحَةُ مَعَ الْخِرْبَاقِ أَيْضًا وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الصَّحَابَةِ جُرْأَةٌ وَإِقْدَامٌ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ السَّاكِتِ بِهِ كَمَا قَالَ أَنَسٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلَهُ الْحَدِيثَ» . {السَّادِسَةُ} وَقَوْلُهُ «أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ» هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ وَقِيَاسُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ لَمْ تَقْصُرْ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ «وَلَمْ أَنْسَهُ» هُوَ بِالْهَاءِ السَّاكِنَةِ فِي آخِرِهِ لِلسَّكْتِ وَلَيْسَتْ ضَمِيرًا. {السَّابِعَةُ} اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذِي الْيَدَيْنِ فَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا تَقَدَّمَ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَيَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ نَفْيَ الْقَصْرِ وَالنِّسْيَانِ رَأْسًا بَلْ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ» وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا إشْكَالَ فِيهَا وَأَمَّا رِوَايَةُ نَفْيِ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهَا بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرَانِ مَعًا وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ الْعَامِلُ فِي النَّفْيِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا فِي ظَنِّهِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا. (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ أَرَادَ لَمْ أَنْسَ السَّلَامَ بَلْ سَلَّمْت قَصْدًا عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا. (وَالرَّابِعُ) أَنَّ السَّهْوَ لَيْسَ نِسْيَانًا بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَكَانَ يَسْهُو وَلَا يَنْسَى لِأَنَّ النِّسْيَانَ غَفْلَةٌ وَالسَّهْوَ قَدْ يَقَعُ عَنْ بَعْضِ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ اشْتِغَالًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ الصَّلَاةِ أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاسْتُبْعِدَ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلُغَةً وَيَرُدُّهُ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» . (وَالْخَامِسُ) وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ نَفَى كَوْنَهُ نَسِيَ بِالتَّخْفِيفِ قَاصِرًا وَلَمْ يَنْفِ كَوْنَهُ نُسِّيَ بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ كَمَا قَالَ «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيت» أَنَّهُ كَذَا بَلْ هُوَ نُسِّيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ أَنْسَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي غَفْلَةً عَنْ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ نَسَّانِي لِأَنْسَى وَيَرُدُّهُ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ نَسَبَ النِّسْيَانَ إلَى نَفْسِهِ وَفَرَّقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بَيْنَ إضَافَةِ نِسْيَانِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ إضَافَةِ نِسْيَانِ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَاصِّ النَّهْيُ عَنْ الْعَامِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسُ) مَا أَجَابَ بِهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ السَّكَنْدَرِيُّ أَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا دُونَ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَقَدْ أَبْهَمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِقَوْلِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (السَّابِعُ) أَنَّ النِّسْيَانَ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا خِلَافُ الْعَمْدِ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَالْمَعْنَى الثَّانِي التَّرْكُ وَأَرَادَ هُنَا الْمَعْنَى الثَّانِي هَكَذَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَلَيْسَ هَذَا بِكَافٍ لِأَنَّ السُّؤَالَ بَاقٍ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَا تَرَكَ وَقَدْ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ إخْبَارَهُ عَلَى ظَنِّهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَا نَسِيَ عَلَى ظَنِّهِ فَلَا حَاجَةَ لِتَأْوِيلِهِ بِالتَّرْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَجْوَدُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي. [فَائِدَة مَنْ قَالَ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ نَاسِيًا] 1 {الثَّامِنَةُ} قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَنَّهُ غَيْرُ كَاذِبٍ انْتَهَى وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ هَلْ الْكَذِبُ الْإِخْبَارُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ أَوْ تَعَمُّدُ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَهَذَا الْخِلَافُ هُوَ فِي حَقِيقَتِهِ مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُتَعَمِّدِ لَيْسَ بِآثِمٍ وَإِنْ انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ ذَهَلَ. {التَّاسِعَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ لَاغِيَةٌ لَا حِنْثَ فِيهَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ إنَّهُ صَارَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ خِلَافُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَغَيْرُهُ نَعَمْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة جَوَازُ السَّهْوِ فِي الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ] 1 {الْعَاشِرَةُ} «قَوْلُ ذِي الْيَدَيْنِ إنَّمَا صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ» أَرَادَ بِهِ إثْبَاتَ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالَ بَلَى قَدْ نَسِيت» وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ «قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ» أَرَادَ بِهِ أَيْضًا إثْبَاتَ النِّسْيَانِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ النَّسْخُ بَعْدَ إخْبَارِهِ أَنَّهَا لَمْ تَقْصُرْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ فِيهِ لِكَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا بِخِلَافِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ طَرِيقِ الْبَلَاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ جَوَازُ السَّهْوِ فِي الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ «كَانَتْ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا» . فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى مِنْ النِّسْيَانِ كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ جَوَازَ السَّهْوِ وَإِنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ صُورَةُ النِّسْيَانِ قَصْدًا لِيَسُنَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ مَالَ إلَى هَذَا عَظِيمٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَهُوَ أَبُو الْمُظَفَّرِ الْإسْفَرايِينِيّ وَلَمْ يَرْتَضِهِ غَيْرُهُ مِنْهُمْ وَلَا أَرْتَضِيهِ انْتَهَى. وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَمْدًا لَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَتَمَسَّكُوا بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَدِيثِ «إنِّي لَا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ» وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ بَلَاغَاتِهِ فَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا وَلَمْ يُوجَدُ لَهَا إسْنَادٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْقَطِعٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ إنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ فِيهِ عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا عَلَى النَّفْيِ «إنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ» . أَيْ إنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ هَلْ قَالَ أَنْسَى أَوْ أُنَسَّى وَلَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ عَلَى النَّفْيِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» فَأَثْبَتَ لَهُ وَصْفَ النِّسْيَانِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ نِسْيَانَهُ لَيْسَ كَنِسْيَانِنَا فَقَالَ «كَمَا تَنْسَوْنَ» . وَأَثْبَتَ أَوَّلًا الْعِلَّةَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ» وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَنُسِّيَ آدَم فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَسَّمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَفْعَالَ إلَى نَوْعَيْنِ مَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَتَقْرِيرُ الشَّرْعِ وَتَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ وَمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ وَلَا بَيَانَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَفْعَالِهِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَذَهَبَ إلَى مَنْعِ جَوَازِ السَّهْوِ عَلَيْهِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى جَوَازِهِ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَكْثَرُ مِنْ طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِيهِ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَبَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَنِهِ وَقَالُوا إنَّ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ وَإِقْرَارَهُ كُلَّهُ بَلَاغٌ مِنْ حَيْثُ التَّأَسِّي بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي ذَلِكَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ عَمْدٍ أَوْ سَهْوٍ قَالَ الشَّيْخُ فَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ السَّهْوَ وَالْعَمْدَ سَوَاءٌ فِي الْأَفْعَالِ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمْ السَّهْوَ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي طَرِيقُهَا الْبَلَاغُ يَشْتَرِطُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقَرُّ عَلَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ بَلْ يُنَبَّهُونَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْهُمْ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عَلَى التَّرَاخِي فِي بَقِيَّةِ الْعُمْرِ وَإِلَيْهِ مَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَفْعَالِ فَأَمَّا الْأَقْوَالُ فَهِيَ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ مَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ مِنْ السَّهْوِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ مِنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا مُسْتَنَدَ لَهَا إلَى الْأَحْكَامِ وَلَا أَخْبَارِ الْمَعَادِ وَلَا تُضَافُ إلَى وَحْيٍ بَلْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ نَفْسِهِ. قَالَ الْقَاضِي فَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْحَلِفِ فِيهَا لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا غَلَطًا وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ رِضَاهُ وَفِي حَالِ سَخَطِهِ وَجِدِّهِ وَمَزْحِهِ وَصِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ قَالَ وَدَلِيلُ ذَلِكَ اتِّفَاقُ السَّلَفِ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ فَلْيُقْطَعْ عَنْ يَقِينٍ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. لَا بِقَصْدٍ وَلَا بِغَيْرِ قَصْدٍ وَلَا يُتَسَامَحُ مَعَ مَنْ سَامَحَ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَالَ السَّهْوِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلَاغَ وَمَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ خَالَفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ السَّهْوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ مُطْلَقًا إذْ هُوَ وَاحِدٌ مِنْ نَوْعِ الْبَشَرِ فَيَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي حَالِهِ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ حَيْثُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» . غَيْرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ فِيمَا طَرِيقُهُ بَلَاغُ الْأَحْكَامِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لَا يُقَرُّ عَلَى نِسْيَانِهِ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ الْمُبَلِّغِ فَإِنْ أُقِرَّ عَلَى نِسْيَانِهِ لِذَلِكَ فَذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 7] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ «لَمْ تَقْصُرْ وَلَمْ أَنْسَهُ» فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ] {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ «أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ» عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ إذْ لَمْ يَكْتَفِ فِي ذَلِكَ بِخَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا قَوْلٌ حَكَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي شُرُوطِ الْأَئِمَّةِ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُصُولِ الَّتِي أَمْلَاهَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَهَذَا قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَتْرُكُ اعْتِقَادَهُ وَظَنَّهُ لِقَوْلِ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا إذْ هُوَ يُخْبِرُ عَنْ خِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُخْبِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمُحَدِّثَ إذَا خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فِي نَقْلِهِ] 1 {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا ادَّعَى شَيْئًا كَانَ فِي مَجْلِسِ جَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ فِي مِثْلِ مَا ادَّعَاهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعِلْمِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَقْطَعْ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَخْبِرَ الْجَمَاعَةَ فَإِنْ خَالَفُوهُ سَقَطَ قَوْلُهُ أَوْ نُظِرَ فِيهِ بِمَا يَجِبُ وَإِنْ تَابَعُوهُ ثَبَتَ قُلْت إنَّمَا اسْتَخْبَرَ الْحَاضِرِينَ لِكَوْنِهِ أَخْبَرَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُ أَوْ يَظُنُّ خِلَافَهُ وَإِلَّا فَقَدْ حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ التَّابِعِينَ رَوَاهُ عَنْهُ إلَّا عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَرُدَّهُ أَحَدٌ لِانْفِرَادِ عَلْقَمَةَ بِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مُخَالِفَةٌ لِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الْمُحَدِّثَ إذَا خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فِي نَقْلِهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّ الْقَلْبَ إلَى رِوَايَتِهِ أَشَدُّ سُكُونًا مِنْ رِوَايَةِ الْوَاحِدِ. [فَائِدَة لَا يُقْبَلُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي غَيْرِ الْغَيْمِ إلَّا الْجَمُّ الْغَفِيرُ] 1 {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي غَيْرِ الْغَيْمِ إلَّا الْجَمُّ الْغَفِيرُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ إذْ حَضَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ حَتَّى يُوَافِقَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَدِيثِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ أَخْبَرَهُ عَمَّا يُخَالِفُ ظَنَّهُ وَاعْتِقَادَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَلَيْسَ عِنْدَ الْحَاضِرِينَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَعَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَبْصَارَ مُتَفَاوِتَةً فَيَرَى الْوَاحِدُ مَا لَا يَرَاهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ قَوْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ ثِقَةً إلَّا حَيْثُ انْفَرَدَ وَاشْتَرَطْنَا الْعَدَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خَبَرَ الصَّادِقِ يُوجِبُ الْيَقِينَ] {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الشَّكَّ قَدْ يَعُودُ يَقِينًا بِخَبَرِ أَهْلِ الصِّدْقِ وَأَنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ يُوجِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْيَقِينَ انْتَهَى. قُلْت وَإِنَّمَا يَعُودُ يَقِينًا إذَا بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا صَارَ يَقِينًا بِتَذَكُّرِهِ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَعْضِ طُرُقِهِ قَالَ «وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ» . وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ يُوجِبُ الْيَقِينَ فَإِنْ أَرَادَ خَبَرَ الْوَاحِدِ فَلَا يَسْلَمُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْيَقِينَ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مَحْكِيٌّ عَنْ حُسَيْنٍ الْكَرَابِيسِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحَكَى الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ مَنْ لَا يُحَصِّلُ عِلْمَ هَذَا الْبَابِ. [فَائِدَة الْحَاكِمَ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِحُكْمِهِ] 1 {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَيْضًا فِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الْحَاكِمَ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ بِحُكْمِهِ أَمْضَاهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُمْضِيهِ حَتَّى يَذْكُرَهُ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ لِمَالِكٍ إذَا سَلِمَ لَهُ أَنَّ رُجُوعَهُ لِلصَّلَاةِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ لَا لِأَجْلِ تَيَقُّنِهِ مَا كَانَ قَدْ نَسِيَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَيَقَّنَ ذَلِكَ حِينَ أَخْبَرُوهُ فَرَجَعَ مِنْ شَكِّهِ إلَى يَقِينِهِ وَهَذَا الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ. . [فَائِدَة تَكَلَّمَ غَيْرَ عَالَمٍ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أوتكلم فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا] 1 {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ غَيْرَ عَالَمٍ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَخَالَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ النَّخَعِيّ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْعَمَلِ فِيهَا وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ النَّاسِخَ لَا يَكُونُ مُتَقَدِّمًا وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَفِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَكَانَ إمَّا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِأَنَّ إسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَقَدْ شَهِدَ الْقِصَّةَ وَكَانَ إسْلَامُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَتِهِ وَقَدْ شَهِدَ مُعَاوِيَةُ هَذَا قِصَّةً أُخْرَى فِي السَّهْوِ كَقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَكَلَامُهُمْ كَمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ تَأَخُّرِ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَشُهُودِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِي هُرَيْرَةَ لَهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَوْ صَحَّ لِلْمُخَالِفِينَ مَا ادَّعُوهُ مِنْ نَسْخِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى الْعَامِدِ الْقَاصِدِ لَا إلَى النَّاسِي لِأَنَّ النِّسْيَانَ مُتَجَاوَزٌ عَنْهُ وَالنَّاسِي وَالسَّاهِي لَيْسَا مِمَّنْ دَخَلَ تَحْتَ النَّهْيِ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي النَّظَرِ. {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ إلَى الْآنَ فِي الصَّلَاةِ بِإِخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَقْصُرْ وَقَدْ كَانُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ سَأَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نَعَمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «قَالُوا نَعَمْ لَمْ تُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ» فَأَجَابُوهُ بِالْكَلَامِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِقَوْلِهِمْ نَعَمْ وَإِنَّمَا أَوْمَئُوا بِالْجَوَابِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَذْكُرْ فَأَوْمَئُوا إلَّا حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهُمْ قَالُوا نَعَمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعَةِ فِي الْكَلَامِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ قُلْت بِيَدِي وَقُلْت بِرَأْسِي قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ إيمَاءً وَبَعْضُهُمْ كَلَامًا أَوْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ كَلَامَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ لَفْظًا كَانَ إجَابَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ. (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ غَيْرَ ذِي الْيَدَيْنِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ فَيَكُونَ مِثْلَهُ يَعْنِي مِثْلَ ذِي الْيَدَيْنِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّدَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْمَعْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي مَعْنَى ذِي الْيَدَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَدْرِ أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيَ فَأَجَابَهُ وَمَعْنَاهُ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِمْ جَوَابُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرُوهُ فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا حَتَّى بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَاهَتْ الْفَرَائِضُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ. [فَائِدَة إجَابَةَ النَّبِيِّ إذَا دَعَاهُ أَوْ سَأَلَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ] (الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ إجَابَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَاهُ أَوْ سَأَلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَانَ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ قَدْ قُصِرَتْ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ بَقَائِهِ فِي الصَّلَاةِ وَكَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَوَابِ لَهُ كَانَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّلَاةَ انْقَضَتْ. وَكَلَامُ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَكَذَا كَلَامُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي قَوْلِهِ «بَلَى قَدْ نَسِيت أَوْ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ» عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُقْصَرْ بِإِخْبَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُ كَانَ جَوَابًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَأَلَهُمْ وَجَوَابُهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ إجَابَتَهُ وَاجِبَةٌ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ «كُنْت أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْت ثُمَّ أَتَيْته فَقَالَ مَا مَنَعَك أَنْ تَأْتِيَنِي؟ أَوْلَمَ يَقُلْ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] » وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَقَالَ إنِّي لَا أَعُودُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ وَعَدَمِ الْبُطْلَانِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا تَجِبُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ قَالَ إنَّ الْإِجَابَةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَوْلِ فِيهَا فَيَكْفِي فِيهَا الْإِيمَاءُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَجِبَ الْقَوْلُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ تَجِبَ الْإِجَابَةُ وَيَلْزَمَهُمْ الِاسْتِئْنَافُ انْتَهَى قُلْت فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَجَابُوهُ بِاللَّفْظِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَأَكْمَلَ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالِاسْتِئْنَافِ فَتَرَجَّحَ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة تَعَمُّدَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ لِإِصْلَاحِهَا] 1 {الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ لِإِصْلَاحِهَا لَا يُبْطِلُهَا وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الِاسْتِفْسَارِ وَالسُّؤَالِ عِنْدَ الشَّكِّ وَأَجَابَهُ الْمَأْمُومُونَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ تَامَّةٌ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِيَّاهُ تَقَلَّدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاق وَاحْتَجَّ لَهُ فِي كِتَابِ رَدِّهِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا تَبْطُلُ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ ذِي الْيَدَيْنِ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ يَأْبَوْنَهُ وَيَقُولُونَ إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ عَرَفَ النَّاسُ صَلَاتَهُمْ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَعَادَهَا انْتَهَى. وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَالِكًا رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ الزُّبَيْدِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ إلَيْهِ قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَسْتَحِبُّ إذَا تَكَلَّمَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَعُودَ لَهَا وَلَا يَبْنِيَ قَالَ وَقَالَ لَنَا مَالِكٌ إنَّمَا تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ قُصِرَتْ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ الْيَوْمَ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَبَلَغَكَ أَنَّ رَبِيعَةَ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَأَطَالَ التَّشَهُّدَ فَخَافَ رَبِيعَةُ أَنْ يُسَلِّمَ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ فَكَلَّمَهُ رَبِيعَةُ وَقَالَ لَهُ إنَّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ فَقَالَ مَا بَلَغَنِي وَلَوْ بَلَغَنِي مَا تَكَلَّمْت بِهِ أَتَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْتَمِلُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ رَجَعَ فِيهَا عَنْ قَوْلِهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى مَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو قُرَّةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنْكَرَ هَذَا مِنْ فِعْلِ رَبِيعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ الْكَلَامُ فِيمَا تَكَلَّمَ فِيهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ مَا جَازَ لِمَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ ظَنَّ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ قُصِرَتْ فَاسْتَفْهَمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ الْيَوْمَ أَنَّ قَصْرَهَا لَا يُتْرَكُ فَعَلَى مَنْ تَكَلَّمَ الْإِعَادَةُ قَالَ عِيسَى فَقَرَأْتُهُ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَا أَرَى فِي هَذَا حُجَّةً. وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالُوا لَهُ بَلَى» فَقَدْ كَلَّمُوهُ عَمْدًا بَعْدَ عِلْمِهِمْ أَنَّهَا لَمْ تُقْصَرْ وَبَنَوْا مَعَهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَيْضًا اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيهِ. {الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ الْبَغْدَادِيِّينَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْكَلَامِ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ وَقَدْ ذَكَرَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ صَلَّى وَحْدَهُ فَفَرَغَ عِنْدَ نَفْسِهِ مِنْ الْأَرْبَعِ فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُ إنَّكَ لَمْ تُصَلِّ إلَّا ثَلَاثًا فَالْتَفَتَ إلَى آخَرَ فَقَالَ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَلَا يَلْتَفِتَ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَكَأَنَّ غَيْرَ هَؤُلَاءِ يَحْمِلُونَ جَوَابَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذِهِ عَلَى خِلَافِ مِنْ قَوْلِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا اخْتَلَفَ كَلَامُ مَالِكٍ فِيهِ وَيَذْهَبُونَ إلَى جَوَازِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْكَلَامِ فِي إصْلَاحِ الصَّلَاةِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ. {الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ} فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحْمَدَ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ الْإِمَامُ خَاصَّةً فَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَمَتَى تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَا حَكَاهُ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ حَكَاهُمَا الْأَثْرَمُ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالثَّانِيَةُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ إنَّمَا تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ. وَهُوَ يَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ قُصِرَتْ وَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ دَافِعٌ لِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فَكَلَّمَ الْقَوْمَ فَأَجَابُوهُ لِأَنَّهُمْ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُجِيبُوهُ. [فَائِدَة السَّهْوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا] 1 {الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ} فِيهِ أَنَّ السَّهْوَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا بَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ بِهِ. {الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ} فِيهِ أَنَّ نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلَاةِ عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ لَا يُفْسِدُهَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَة إيقَاعَ السَّلَامِ سَهْوًا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ] {السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ} وَفِيهِ أَنَّ إيقَاعَ السَّلَامِ سَهْوًا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يُبْطِلُهَا السَّلَامُ سَاهِيًا كَالْكَلَامِ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ السَّلَامَ فِيهَا عَامِدًا قَبْلَ تَمَامِهَا يُفْسِدُهَا. [فَائِدَة كَلَامِ السَّاهِي أَوْ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ قَلِيلِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِهِ] 1 {السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ} فَرَّقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كَلَامِ السَّاهِي أَوْ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ قَلِيلِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِهِ وَقَالُوا إنَّ مَا لَا يُبْطِلُ مِنْهُ هُوَ الْيَسِيرُ فَأَمَّا الْكَثِيرُ فَيُفْسِدُهَا وَحَّدَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ مِنْهُمْ الْقَلِيلَ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَحَّدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْيَسِيرَ بِثَلَاثِ كَلِمَاتٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّمْثِيلِ أَصْلَحُ مِنْهُ لِلتَّحْدِيدِ قَالَ وَالْأَظْهَرُ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ. [فَائِدَة الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ فِي الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ] 1 {الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ} اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا تُبْطِلُهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَفِي بَعْضِهَا أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَرَجَعَ النَّاسُ وَبَنَى بِهِمْ» وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ كَثِيرَةٌ وَلِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْكَثِيرَ يُبْطِلُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ غَيْرُ كَثِيرَةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْكَلَامِ وَقَدْ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَالرُّجُوعُ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ إلَى الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّاسِيَ فِي ذَلِكَ كَالْعَامِدِ فَيُبْطِلُهَا الْفِعْلُ الْكَثِيرُ سَاهِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا تَرَكَ بَعْضَهَا سَهْوًا] {التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ} اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا تَرَكَ بَعْضَهَا سَهْوًا وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ رَبِيعَةَ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا نُسَلِّمُ طُولَ الْفَصْلِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ رَبِيعَةَ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا نُسَلِّمُ طُولَ الْفَصْلِ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهِ. {الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ} اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الزَّمَنِ الَّذِي يَجُوزُ الْبِنَاءُ مَعَهُ فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ قَدْرُ الصَّلَاةِ فَمَا زَادَ فَطَوِيلٌ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَنَصَّ الْبُوَيْطِيُّ عَلَى أَنَّ الطَّوِيلَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ رَكْعَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ أَنَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ. [فَائِدَة الْإِمَامَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ عِنْدَ الشَّكِّ] 1 {الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ} اُسْتُدِلَّ بِرُجُوعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَبَرِ أَصْحَابِهِ حِينَ صَدَّقُوا ذَا الْيَدَيْنِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ وَعِنْدَهُمْ خِلَافٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ أَوْ الرِّوَايَةِ وَكَذَا عِنْدَهُمْ خِلَافٌ آخَرُ بَيْنَ أَنْ يَكْثُرُوا أَوْ يَقِلُّوا فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى شَكٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ جَازِمًا فِي اعْتِقَادِهِ بِحَيْثُ يُصَمِّمُ إلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُفِيدَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ فَيَرْجِعَ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ فَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِهِمْ وَعَدَمَهُ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَصُّهُ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِرَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى يَقِينِ مَنْ وَرَاءَهُ وَيَدَعُ يَقِينَ نَفْسِهِ قَالَ الْمَشَايِخُ يُرِيدُ الِاعْتِقَادَ وَبِالثَّانِي قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَنَصُّ مَا حُكِيَ عَنْهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ إنْ كَثُرُوا وَلَا يَرْجِعُ إنْ قَلُّوا فَيَنْصَرِفُ وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ انْتَهَى. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ اعْتِقَادَهُ لِقَوْلِ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبِي سَلَمَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ «وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ» . {الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ} فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ اضْطَرَبَ فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِسْنَادِهِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرْكَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ أَيْ يَقَّنَهُ بِإِخْبَارِ مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَسْتَحِيلُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ لِبُلُوغِهِمْ حَدَّ التَّوَاتُرِ لَا بِتَذَكُّرِهِ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الصَّلَاةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ فَاتِّفَاقُ أَصْحَابِهِ أَوْجَبَ حُصُولَ الشَّكِّ عِنْدَهُ وَحُصُولُ الشَّكِّ يَقْتَضِي إعَادَةَ مَا شَكَّ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ حُصُولَ الشَّكِّ يُؤَثِّرُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُرَجِّحِ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فَعَلَهُ احْتِيَاطًا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَفَعَلَهُ مَعَهُ غَيْرُهُ وُجُوبًا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَتِمَّ. وَهَذَا بَعِيدٌ لِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْكَلَامِ مِمَّنْ جَوَّزَ السَّهْوَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُقِرُّهُ عَلَيْهِ بَلْ يُنَبَّهُ عَلَيْهِ وَيُبَيَّنُ لَهُ وَلَكِنَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَالَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَنْبِيهُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ فَلَعَلَّهُ يَبِينُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَقْرَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الْمُخْبِرُ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ صَلَاتُهُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ وَجَبَ رُجُوعُهُ إلَيْهِمْ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ أَيْضًا عَنْ صَاحِبِ الْمُفْهِمِ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الْحَدِيثِ. [فَائِدَة قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ] 1 {الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ ادَّعَى الْمُخَالِفُ أَنَّ فِيهِ حُجَّةً عَلَى مَنْ قَالَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا فِي رَدِّهِ. [فَائِدَة مَشْرُوعِيَّةُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ] {الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ} لَمْ يَذْكُرْ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَلْ رَوَاهُمَا عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ رَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ وَرِوَايَةُ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْهُ وَفِيهَا إثْبَاتُ السَّجْدَتَيْنِ وَزِيَادَةُ كَوْنِهِمَا بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ «ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» . وَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَجَدَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ» انْتَهَى وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ وَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ عَنْهُ وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ خَطَأٌ وَغَلَطٌ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ فِي إنْكَارِهِ فَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ «وَلَمْ يَسْجُدْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُسْجَدَانِ إذَا شَكَّ حِينَ تَلَقَّاهُ النَّاسُ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ» وَلَيْسَ فِي هَذَا نَفْيُ السُّجُودِ مُطْلَقًا وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ شِهَابٍ أَيْضًا نَفْيُ السَّجْدَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ «ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» وَمَنْ أَثْبَتَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَكْثَرُ وَأَوْلَى إذْ مَعَهُمْ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَقَدْ اضْطَرَبَ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ إذَا عَرَفَ الرَّجُلُ مَا نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَأَتَمَّهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَانَ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا. {السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ} فِيهِ أَنَّ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَانِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِمَا وَلَا نَقْصٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَة حِكْمَةَ سُجُودِ السَّهْوِ] 1 {السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ} ذَكَرَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ حِكْمَةَ سُجُودِ السَّهْوِ فَقَالَ إنَّهُ فِي الزِّيَادَةِ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ لِيَشْفَعَ لَهُ مَا زَادَ إنْ كَانَتْ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً قَلِيلَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ الَّذِي أَسْهَى وَشَغَلَ حَتَّى زَادَ فِي الصَّلَاةِ فَأُغِيظَ الشَّيْطَانُ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ الَّذِي اسْتَحَقَّ إبْلِيسُ بِتَرْكِهِ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ فَلَا شَيْءَ أَرْغَمُ مِنْهُ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقُلْت وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِرْغَامِ فِي الزِّيَادَةِ الْقَلِيلَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» فَجَعَلَ الشَّفْعَ لِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ وَالتَّرْغِيمَ عِنْدَ عَدَمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ فِيمَا إذَا شَكَّ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَقَالَ الْقَفَّالُ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ سَبَبُهُ احْتِمَالُ أَنَّ الَّتِي أَتَى بِهَا خَامِسَةٌ فَيَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُهُ وَالْغَزَالِيُّ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ النَّصُّ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ. [فَائِدَة السَّجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ مَحَلُّهُمَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ] 1 {الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ} فِيهِ أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ مَحَلُّهُمَا فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ حِكْمَةً وَهُوَ احْتِمَالُ طُرُوءِ سَهْوٍ آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ السُّجُودُ جَائِزًا لِلْكُلِّ. {التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ} لَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لِلسَّهْوِ ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ آخِرَ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ فِي آخِرِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْجُدَ فِي الْجُمُعَةِ لِسَهْوٍ ثُمَّ يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي السُّجُودِ الْأَخِيرِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ فَيَلْزَمَهُ إتْمَامُ الظُّهْرِ وَيُعِيدَ السُّجُودَ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَصَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ وَسَهَا فِيهَا فَسَجَدَ فِي آخِرِهَا لِلسَّهْوِ وَتَصِلُ السَّفِينَةُ بِهِ إلَى الْوَطَنِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ وَيُعِيدُ السُّجُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة السَّهْوَ يَتَدَاخَلُ وَيَكْتَفِي لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ] {الْفَائِدَةُ الْأَرْبَعُونَ} فِيهِ أَنَّ السَّهْوَ يَتَدَاخَلُ وَيَكْتَفِي لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ وَمَشَى وَهَذِهِ كُلُّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِلسُّجُودِ وَاقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَتَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ هَذَا وَقِيلَ يَسْجُدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَتَّحِدَ الْجِنْسُ فَيَتَدَاخَلَ أَوْ لَا يَتَّحِدَ فَلَا وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لِتَعَدُّدِ السَّهْوِ وَاخْتِلَافِ جِنْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة سَجْدَتَيْ السَّهْوِ هَلْ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ] 1 {الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ هَلْ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ» وَهَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الْآتِي بَعْدَ هَذَا وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلُهُ وَصَحَّحَهُ وَكَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ ضَعَّفُوهُ. وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ» . وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ مِنْ التَّابِعِينَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالُوا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إنَّمَا جُعِلَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَطْرَأَ سَهْوٌ آخَرُ بَعْدَهُ وَمِنْ الْجَائِزِ طُرُوءُ السَّهْوِ فِي السَّلَامِ فَكَانَ السُّجُودُ بَعْدَهُ أَوْلَى. (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) : أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَحُجَّتُهُمْ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ» وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» . وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فِي الَّذِي لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ» كَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا ابْنُ أَخِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ وَفِي الْأُخْرَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ فِيهَا حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا مَوْضِعَ السُّجُودِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» . (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ بِأَنْ صَلَّى خَمْسًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِنَقْصٍ كَتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَحَمَلُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ لَوْ سَلِمَ لَهُمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ لَكِنْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ اسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَاسْتِعْمَالُ الْأَخْبَارِ عَلَى وُجُوهِهَا أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ النَّسْخِ فِيهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السُّجُودَ لِلنَّقْصِ جُبْرَانٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ. (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) اسْتِعْمَالُ كُلِّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ زِيَادَةً كَانَ أَوْ نَقْصًا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَبَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِذَا سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكَذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِي التَّحَرِّي بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَفِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَفِي الشَّكِّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَوْفٍ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ عَنْهُ قَالَ قُلْت لَهُ فَمَا كَانَ سِوَاهَا مِنْ السَّهْوِ قَالَ يَسْجُدُ فِيهِ كُلِّهِ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ وَمَا قَالَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ اسْتِعْمَالِ كُلِّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ بِهِ دَاوُد إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَيْضًا لِلشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُ كُلِّ إمَامٍ مِنْهُمْ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا غَيْرُ إمَامِهِ بِوُجُوهٍ: (مِنْهَا) دَعْوَى النَّسْخِ لِمَا وَقَعَ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ قَالَ الزُّهْرِيُّ إنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَوْ كَانَ مُسْنَدًا فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فِي مَاذَا؟ فَلَعَلَّهُ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ فِي مَحَلِّ النَّقْصِ فَلَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَالِكٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ سُجُودَ السَّهْوِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى صُورَةٍ مِنْهُ. (وَمِنْهَا) أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَهُوَ بَعِيدٌ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» فَحَمَلْنَا السَّلَامَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ سَهَا فِي السَّلَامِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ بِإِعَادَةِ السَّلَامِ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ يُقَابِلُهُ الْحَنَفِيُّ بِمِثْلِهِ فَيَقُولُ سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَهْوٌ وَلَا تَثْبُتُ الْحُجَجُ بِالِاحْتِمَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَمِنْهَا) التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ لِلْقَائِلَيْنِ بِهِ بَعْدَ السَّلَامِ أَكْثَرُ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَنَّ طَرِيقَةَ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ طَرِيقَةِ التَّرْجِيحِ وَأَيْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي مَحَلِّ التَّعَارُضِ وَاِتِّخَاذِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. (وَمِنْهَا) مَا أَجَابَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ أَيْ سُجُودَ الصَّلَاةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. (وَمِنْهَا) مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِيمَنْ شَكَّ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَيَزِيدُهُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَذَا سَهْوٌ لِلزِّيَادَةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مُحَقَّقَةً فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الزِّيَادَةُ الْمُحَقَّقَةُ وَعِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رِوَايَتَانِ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا عَلَيْهِمْ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ قَدْ نَقَصَ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَجَدَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ أَتَى بِمَا نَقَصَهُ وَهُوَ الرَّكْعَتَانِ وَزَادَ السَّلَامَ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ وَالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ فَسَجَدَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا لِكَوْنِهِ نَقَصَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَتَى بِهِمَا وَرَجَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ بِظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ وَإِذَا ظَهَرَتْ الْمُنَاسَبَةُ وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا كَانَتْ عِلَّةً وَإِذَا كَانَتْ عِلَّةً عَمَّ الْحُكْمُ جَمِيعَ مَحَالِّهَا فَلَا يَتَخَصَّصُ ذَلِكَ بِمَوْرِدِ النَّصِّ انْتَهَى. وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَحَلِّ السُّجُودِ قِيلَ هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فِيمَا قَالُوا فِيهِ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ فِيمَا قَالُوا فِيهِ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ وَالسَّلَفِ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا أَشَدُّ اسْتِثْقَالًا لِوَضْعِ السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى اتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَشْهُورٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ فِي الْإِجْزَاءِ لَا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة سَهْوَ الْإِمَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْمُومِينَ] 1 {الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَسْهُوا فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ السُّجُودُ مَعَهُ بِدَلِيلِ سُجُودِ الصَّحَابَةِ مَعَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ تَخَلَّفَ عَنْ السَّلَامِ مَعَهُ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا قَصْرَ الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمَسْبُوقِ السُّجُودُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ حَضَرَ سَهْوَ الْإِمَامِ وَلَوْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مُتَابَعَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي آخِرِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. [فَائِدَة اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ تَمَامِهَا] {الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ الصَّحِيحَةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَالْمَدِّ وَهُوَ وَهْمٌ وَالْعَشِيُّ هُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. {الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا» فِيهِ حُجَّةٌ لِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ تَمَامِهَا لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ فَقَالَ: إنَّ اسْتِدْبَارَهَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَيُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ. {الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} وَقَوْلُهُ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا مُغْضَبًا يُوَضِّحُ أَنَّ غَضَبَهُ لَمْ يَكُنْ لِكَلَامِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْغَضَبَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذُو الْيَدَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ إنْكَارًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ إذْ قَدْ نَسَبَهُ إلَى مَا كَانَ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ «قُصِرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» فَخَرَجَ مُغْضَبًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ لَمْ يَذْكُرْهُ الرَّاوِي قَالَ وَكَأَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا فَإِنَّ وَاقِعَةَ عِمْرَانَ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي رَآهَا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ إلَى هَذَا بَعْدَ ذِكْرِ شَرْحِهِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ. [فَائِدَة سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ] 1 {السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} وَقَوْلُهُ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ» الْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَأَوَّلَهُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَرَادَ السَّلَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قَوْلُهُ «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. [فَائِدَة يُكَبِّرُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُمَا] 1 {السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} فِيهِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُمَا كَسُجُودِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ. {الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ» إلَى آخِرِهِ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُكَبِّرُ لَهَا تَكْبِيرَةً قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي السَّجْدَتَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ فَظَاهِرُ تَقَدُّمِ التَّكْبِيرِ عَنْ السُّجُودِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّجُودِ وَقَالَ فِي يَقِينِهَا ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ فَأَتَى هُنَا بِالْفَاءِ وَهُنَاكَ بِثُمَّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا تَخْلُو السَّجْدَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأُولَى عَنْ تَكْبِيرٍ لَهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ كَسَائِرِ الصَّلَاةِ. [فَائِدَة نَسِيَ بَعْضَ الصَّلَاةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَبَنَى] {التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ} يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّ مَنْ نَسِيَ بَعْضَ الصَّلَاةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَبَنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إحْرَامٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْمُتَقَدِّمَ شَمَلَهَا كُلَّهَا وَقَطْعُهَا سَهْوًا لَا يَقْطَعُهَا وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ يَرْجِعُ إلَيْهَا بِإِحْرَامٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَيْضًا فِي وُجُوبِ التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَيَجِبَ الْإِحْرَامُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقُومَ فَلَا يَجِبَ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ: إنْ سَلَّمَ سَهْوًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِحْرَامِ؛ وَإِنْ سَلَّمَ قَصْدًا عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ أَحْرَمَ لِعَوْدِهِ وَإِلَّا كَانَ بِنَاؤُهُ عَارِيًّا عَنْ الْإِحْرَامِ. [فَائِدَة التَّكْبِير لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ] 1 {الْفَائِدَةُ الْخَمْسُونَ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ (قُلْت) وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِهَا إذَا كَانَ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ أَمَّا لَوْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَلَا لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّكْبِيرِ وَلَكِنَّهُ كَانَ لِلْقِيَامِ فَأَتَى بِهِ لِلْجُلُوسِ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ أَتَى بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي تَلِيهَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي الْجُلُوسِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ. [فَائِدَة عَوْدِ السَّاهِي إلَى بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ] 1 {الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ} اشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي عَوْدِ السَّاهِي إلَى بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَقُومَ وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَكَانَ قِيَامُهُ لَا لِذَلِكَ فَيَجْلِسُ لِيَكُونَ قِيَامُهُ لِلصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجْلِسُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ يُكَرِّرُ التَّكْبِيرَ لِلْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ فَحَكَى أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَجْلِسُ وَعَنْ ابْنِ شَبْلُونٍ يَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الطُّلَيْطِلِيِّ إنْ سَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ كَبَّرَ لِلرُّجُوعِ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ كَبَّرَ أُخْرَى يَقُومُ بِهَا وَحَكَى ابْنُ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَجْلِسُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَاجِيَّ وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ دَخَلَ بِإِحْرَامٍ وَلَمْ يَجْلِسْ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا يَجْلِسُ مُطْلَقًا وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لِلرَّكْعَتَيْنِ قَدْ انْقَضَى وَالْقِيَامُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَالْقِيَامِ مِنْ سُجُودِ رَكْعَةٍ. [فَائِدَة الْبِنَاءُ فِيمَا إذَا سَلَّمَ سَهْوًا مِنْ اثْنَتَيْنِ] {الثَّانِيَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْخَمْسُونَ} فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حُجَّةٌ عَلَى سَحْنُونٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا يَكُونُ الْبِنَاءُ فِيمَا إذَا سَلَّمَ سَهْوًا مِنْ اثْنَتَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ دُونَ مَا إذَا سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الْبِنَاءَ بَعْدَ قَطْعِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَرْعُ مُسَاوِيًا لِلْأَصْلِ يُلْحَقُ بِهِ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ (قُلْت) وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ مَعَ وُرُودِهِ نَصًّا فِي الثَّلَاثِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَيْضًا نَعَمْ إنْ قَالَهُ فِي السَّلَامِ مِنْ رَكْعَةٍ فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ} فِيهِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْ السَّهْوِ وَإِنْ أَوْقَعَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَحِلَّهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِنَاءً عَلَيْهِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي السَّلَامِ مِنْهُمَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصَّحِيحُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ السَّلَامُ مِنْهَا وَعَلَى هَذَا فَيُحْرِمُ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ بِتَكْبِيرٍ لَهُ غَيْرِ تَكْبِيرِ الْهُوِيِّ كَالتِّلَاوَةِ سَوَاءٌ وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِحْرَامِ لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ رِوَايَتَيْنِ الْإِحْرَامُ وَنَفْيُهُ انْتَهَى. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَلَكِنْ أَخَّرَهُمَا السَّاهِي سَهْوًا أَيْضًا فَلَا يَحْتَاجُ لِتَحْرِيمٍ وَسَلَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - {الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ} فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي سَأَلَهُ قَالَ لَهُ نَسِيت مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَجَزَمَ بِنِسْيَانِهِ وَلَمْ يُرَدِّدْ الْقَوْلَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ قُصِرَتْ أَوْ يَكُونَ نَسِيَ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ غَيْرُ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّ السَّائِلَ فِي هَذِهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْحَدِيثِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ كَمَا سَأَلَ غَيْرُهُ وَقَدْ كَانَ هَذَا بَعْدَ أَنْ وَقَعَ النِّسْيَانُ مِنْهُ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ تِلْكَ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهْرَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فَلَمَّا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّهْوُ جَزَمَ بِهِ وَهَذَا مَعَ تَقَدُّمِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ «لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمُوهُ» فَلَمَّا لَمْ يُنْبِئْهُمْ بِنُقْصَانِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ جَزَمَ طَلْحَةُ بِالنِّسْيَانِ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ كَلَامَ طَلْحَةَ لَيْسَ خَبَرًا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِفْهَامٌ وَحَذْفُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ كَثِيرٌ شَائِعٌ فَلَيْسَ فِيهِ الْجَزْمُ بِوُقُوعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنِّسْيَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ} لَمْ يُنْقَلْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ الصَّحَابَةَ عَمَّا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَهُ هَلْ هُوَ كَمَا قَالَ لَهُ كَمَا فَعَلَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْأَخْبَارِ مُتَفَاوِتَةٌ بِاخْتِلَافِ حَالِ مَنْ أَخْبَرَ بِهَا فَلَمَّا كَانَ السَّائِلُ هُنَا طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ الَّذِي أَخْبَرَ الصَّادِقُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ خَبَرُهُ فَعَمِلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ بِخِلَافِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ أَعْرَابِيٌّ لَا يَبْلُغُ مَرْتَبَةَ طَلْحَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مُسَدَّدٍ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ فَيَجِيءُ فَيُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحْتَاجَ فِي خَبَرِهِ إلَى مَنْ يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ فَمَرَاتِبُ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفَةٌ وَيَكُونُ فِي هَذَا حُجَّةٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَذَكَّرَ نِسْيَانَهُ لِلرَّكْعَةِ حِينَ أَخْبَرَهُ طَلْحَةُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَسْتَفْهِمَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَأْمُومِينَ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَقْلِ سُؤَالِهِ لِلْحَاضِرَيْنِ عَدَمُ وُقُوعِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَهُمْ كَمَا فَعَلَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَاخْتَصَرَهُ الرَّاوِي فَذَكَرَ مِنْهُ مَا آلَ إلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ إعَادَةِ الرَّكْعَةِ دُونَ تَمَامِ بَقِيَّةِ الْقِصَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ خَبَرَ طَلْحَةَ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ عَوْدَهُ لِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ شَكًّا فِي إكْمَالِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا أَنْ يَجِبَ الْإِتْمَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِهِ وَلَوْ وَقَعَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ فَعَلَهُ احْتِيَاطًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ. {السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ} قَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ إذَا كَانَ لَمْ يُنْقَلْ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ سُؤَالُهُ لِلْحَاضِرَيْنِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ خَبَرَ طَلْحَةَ أَوْ تَذَكَّرَ أَوْ شَكَّ فَأَعَادَ وُجُوبًا أَوْ احْتِيَاطًا فَمَا وَجْهُ مَشْيِهِ فِي خُرُوجِهِ وَدُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَهَذَا كُلُّهُ يُنَافِي الْبِنَاءَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَتِمَّ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَذَكُّرَهُ عَقِبَ خَبَرِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّتِهِ وَلَا الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ الْحَاضِرِينَ فَلَعَلَّهُ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَتَذَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ نَسِيَ أَوْ خَرَجَ فَسَأَلَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ اعْتَمَدَ خَبَرًا يَبْلُغُ التَّوَاتُرَ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ كَمَا تَقَدَّمَ. {السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ} فَإِنْ قِيلَ فَأَمْرُهُ بِلَالًا بِالْإِقَامَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَجْهُ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إقَامَةُ بِلَالٍ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ لَمْ تَتِمَّ وَفِيهَا مَا لَيْسَ بِذِكْرٍ وَهُوَ قَوْلُهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَهَذَا كَلَامٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ فَمَا وَجْهُهُ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى النُّطْقِ فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِيمَاءِ أَوْ الْإِشَارَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالنُّطْقِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ لَا يُفْسِدُهَا وَأَمَّا إقَامَةُ بِلَالٍ الصَّلَاةَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةَ الْمَشْرُوعَةَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ إعْلَامُهُمْ بِعَوْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ نُطْقٍ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَقَامَ الصَّلَاةَ كَمَا يُقِيمُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ يُبْطِلُهَا فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَوْ نَذَرَ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ قَالَ نَذَرْت كَذَا وَكَذَا وَسَمَّى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَعَلَّلُوهُ بِكَوْنِهِ قُرْبَةً فَإِقَامَةُ بِلَالٍ لِلصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَا يَجْتَمِعُ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ إتْمَامِ الصَّلَاةِ إلَّا بِذَلِكَ مَعَ وُجُوبِ الْبَيَانِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ} قَدْ يَسْتَدِلُّ الْمَالِكِيَّةُ بِإِقَامَةِ بِلَالٍ الصَّلَاةَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَوْدَ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ يَحْتَاجُ إلَى تَحَرُّمٍ كَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مُشْعِرَةٌ بِابْتِدَاءٍ وَتَحَرُّمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ بَاقٍ لَا يُبْطِلُهُ النِّسْيَانُ بِخِلَافِ جَمْعِ مَنْ تَفَرَّقَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَقَدْ لَا يَجْمَعُهُمْ إلَّا الْإِقَامَةُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْإِقَامَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْإِقَامَةِ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ طُرُقِ أَحَادِيثِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ فَهِيَ شَاذَّةٌ وَحُكْمُهُ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. {التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ} قَوْلُهُ فِي الْأَحْكَامِ وَذَكَرَ أَنَّ الرَّجُلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْ وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِ مَنْ عَرَّفَ مُعَاوِيَةَ بِأَنَّهُ هُوَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي آخِرِهِ فَأَخْبَرْت بِهِ النَّاسَ فَقَالُوا لِي أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ قُلْت لَا إلَّا أَنْ أَرَاهُ فَمَرَّ بِي فَقُلْت هَذَا هُوَ فَقَالُوا هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ انْتَهَى. وَاَلَّذِينَ عَرَّفُوهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ فَإِنَّهُمْ الصَّحَابَةُ وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. {الْفَائِدَةُ السِّتُّونَ} مَا ذُكِرَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي   Qعَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ وَعِمْرَانَ وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ أَنَّ السَّائِلَ لَهُ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ طَلْحَةُ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ الْخِرْبَاقُ وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِجَمْعٍ آخَرَ فَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مِنْ ذِكْرِ طَلْحَةَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طَلْحَةُ أَيْضًا كَلَّمَهُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي أَنْ يُكَلِّمَهُ طَلْحَةُ وَغَيْرُهُ مَا يَدْفَعُ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ كَلَّمَهُ أَيْضًا فَأَدَّى كُلٌّ مَا سَمِعَ عَلَى حَسَبِ مَا سَمِعَ وَكُلُّهُمْ اتَّفَقُوا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْبِنَاءُ بَعْدَ الْكَلَامِ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْجَمْعِ أَنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّتَيْنِ قَلَّدْت فِيهِ النَّوَوِيَّ فَقَدْ حَكَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ] [حَدِيث ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ استحباب عَشْر رَكَعَات] {بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ} الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ التَّطَوُّعَ مَا رَجَّحَ الشَّرْعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ وَجَازَ تَرْكُهُ فَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنْدُوبُ وَالنَّافِلَةُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْحَسَنُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ مَا عَدَا الْفَرِيضَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (سُنَّةٌ) وَهُوَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمُسْتَحَبٌّ) وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْكَافِي وَمِثَالُهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ (وَتَطَوُّعٌ) وَهُوَ مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ فِيهِ نَقْلٌ مِنْ الشَّرْعِ وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ وَضَابِطُهُ عِنْدَهُمْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ كُلَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرًا لَهُ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ وَعَدَّهُ فِي نَوَافِلِ الْخَيْرِ فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُظْهِرْهُ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَفِي كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ فَضِيلَةً قَوْلَانِ. (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ» وَلِمُسْلِمٍ «صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ» .   Qبَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} حَكَى السَّيْفُ الْآمِدِيُّ خِلَافًا فِي دَلَالَةِ كَانَ عَلَى التَّكْرَارِ وَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ قَالَ وَلِهَذَا اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ حَاتِمُ يَقْرِي الضَّيْفَ وَصَحَّحَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيه لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ أَنَّهَا تَقْتَضِيه عُرْفًا فَعَلَى هَذَا فَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَكَرُّرِ فِعْلِ هَذِهِ النَّوَافِلِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ كَانَ هَذَا دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ] 1 {الثَّانِيَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَهَذِهِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ إلَّا لِعَارِضٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَسُنَّتَهَا الَّتِي بَعْدَهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ فَسَادَهَا فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَيُصَلِّيَ بَعْدَهَا سَنَتَهَا قُلْته تَفَقُّهًا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «حَفِظْت مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ رَكَعَاتٍ» فَذَكَرَهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا رَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ «سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» وَفِي آخِرِهِ «وَكَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» فَهَذِهِ ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةِ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» وَفَسَّرَهَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ «أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ ذِكْرُ «رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ» وَفِيهِ «وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ «وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ» وَقَالَ كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْمَتْنَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ أَظُنُّهُ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَظُنُّهُ قَالَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ تَعْدَادِهَا وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ضَعِيفٌ هُوَ ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ هَذَا خَطَأٌ وَالْحَدِيثُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ أَشْبَهُ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى النَّارِ» وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ لِلْعَصْرِ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَأَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ هُمَا سُنَّةٌ لِلْعَصْرِ قَبْلَهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ» . فَهُمَا هَاتَانِ لِيَتَّفِقَ الْحَدِيثَانِ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا قَبْلَ الْعَصْرِ انْتَهَى وَكَأَنَّ النَّوَوِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ذِكْرُ سُنَّةِ الْعَصْرِ صَرِيحًا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» . وَالْمُرَادُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا فَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ» الْحَدِيثَ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» الْحَدِيثَ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك: 1] وَ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] السَّجْدَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ فَرُّوخَ الْمِصْرِيُّ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ يَعْلَمُ مَا يَقْتَرِئُ فِيهِنَّ فَإِنَّ لَهُ أَوْ كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا عَدَا السِّتَّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْأَرْبَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَاسْتَحَبُّوا جَمِيعَ هَذِهِ النَّوَافِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ اسْتِحْبَابُهُمَا لِحَدِيثَيْ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَلِحَدِيثِ «ابْتِدَارِهِمْ السَّوَارِيَ بِهِمَا» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي أَعْدَادِهَا مَحْمُولٌ عَلَى تَوْسِعَةِ الْأَمْرِ فِيهَا وَأَنَّ لَهَا أَقَلَّ وَأَكْمَلَ فَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْأَقَلِّ وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ الْأَكْمَلِ اهـ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُؤَكَّدِ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَحَبَّاتِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ الْمُؤَكَّدُ مِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَصَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ الْخُضَرِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ فَصَيَّرَهُنَّ أَرْبَعًا وَعَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي لِلشَّافِعِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَيَّرَهُنَّ أَرْبَعًا أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ فَرَأَى جَمِيعَ ذَلِكَ مُؤَكَّدًا قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَجَمَاعَةٌ أَدْنَى الْكَمَالِ عَشْرُ رَكَعَاتٍ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَأَتَمُّ الْكَمَالِ ثَمَانِ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَزَادَ عَلَى هَذَا الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَاسْتَحَبَّا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» . وَعَدَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ مِنْ الرَّوَاتِبِ أَرْبَعًا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَالْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَزَادَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ فِي الْمُؤَكَّدَةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَقَوْلُهُ «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» تَرْغِيبٌ فِيهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ بِدَلِيلِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِيهِ وَلَمْ يَحْفَظْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ جَائِزَتَانِ وَلَيْسَتَا سُنَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا رَوَاتِبَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَوْقِيتَ إلَّا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا تَوَقَّتَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْحَقُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ أَعْنِي مَا وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّطَوُّعَاتِ وَالنَّوَافِلِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ دَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ عَدَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ وَهَيْئَةٍ مِنْ الْهَيْئَاتِ أَوْ نَافِلَةٍ مِنْ النَّوَافِلِ يُعْمَلُ بِهِ فِي اسْتِحْبَابِهِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ فَمَا كَانَ الدَّلِيلُ دَالًّا عَلَى تَأَكُّدِهِ إمَّا بِمُلَازَمَتِهِ فِعْلَهُ أَوْ بِكَثْرَةِ فِعْلِهِ وَإِمَّا بِقُوَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى تَأَكُّدِ حُكْمِهِ. وَإِمَّا بِمُعَاضَدَةِ حَدِيثٍ آخَرَ أَوْ أَحَادِيثَ فِيهِ تَعْلُوا مَرْتَبَتَهُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَا يَنْتَهِي إلَى الصِّحَّةِ فَإِنْ كَانَ حَسَنًا عُمِلَ بِهِ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ أَقْوَى مِنْهُ وَكَانَتْ مَرْتَبَتُهُ نَاقِصَةً عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي الصَّحِيحَ الَّذِي لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ اللَّفْظُ فِي طَلَبِهِ وَمَا كَانَ ضَعِيفًا لَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الْمَوْضُوعِ فَإِنْ أَحْدَثَ شِعَارًا فِي الدِّينِ مُنِعَ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْعُمُومَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتُ بِالْوَقْتِ وَبِالْحَالِ وَالْهَيْئَةِ وَاللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَهُ بِخُصُوصِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. [فَائِدَة الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهَا] 1 {الثَّالِثَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهَا تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِهَا إنْ عَرَضَ نَقْصٌ كَمَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ. «إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِذَا صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» وَفِي النَّوَافِلِ الَّتِي قَبْلِ الْفَرِيضَةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرِيَاضَةُ النَّفْسِ بِالدُّخُولِ فِي النَّافِلَةِ وَتَصْفِيَتُهَا عَمَّا هِيَ مُكْتَفِيَةٌ بِهِ مِنْ الشَّوَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلْفَرِيضَةِ أَكْمَلَ فَرَاغٍ وَيَحْصُلَ لَهُ النَّشَاطُ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالنَّوَافِلِ الَّتِي بَعْدَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ وَأَمَّا السُّنَنُ الْمُتَأَخِّرَةُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّوَافِلَ جَابِرَةٌ لِنُقْصَانِ الْفَرَائِضِ فَإِذَا وَقَعَ الْفَرْضُ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَا يَجْبُرُ خَلَلًا فِيهِ إنْ وَقَعَ انْتَهَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ حُصُولُ الْجَبْرِ بِالنَّوَافِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَعُمُّ سَائِرَ التَّطَوُّعَاتِ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة آكَدُ هَذِهِ الرَّوَاتِبِ] {الرَّابِعَةُ} آكَدُ هَذِهِ الرَّوَاتِبِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَّا مَا لَمْ يَدَعْ صَحِيحًا وَلَا مَرِيضًا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ غَائِبًا وَلَا شَاهِدًا تَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِمَا وَقَوْلِي هَذِهِ الرَّوَاتِبَ احْتَرَزْت بِهِ عَنْ الْوِتْرِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ تَفْضِيلُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِآكَدِ الرَّوَاتِبِ بَعْدَهُمَا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ آكَدُهَا بَعْدَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ قَالَ بِوُجُوبِهِمَا أَيْضًا فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاجِبَتَيْنِ وَيَرَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَاجِبَتَيْنِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَوْ تَرَكْت الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَخَشِيت أَنْ لَا يُغْفَرَ لِي. وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلًا قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» وَأَمَّا الْآكَدُ بَعْدَهُمَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَهِيَ أَفْضَلُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سُنَّةُ الظُّهْرِ لِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ» . وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ كَانُوا لَا يَتْرُكُونَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى حَالٍ. [فَائِدَة فِعْلِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْبَيْتِ] 1 {الْخَامِسَةُ} كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبُو مُصْعَبٍ وَيَحْيَى بْنِ بُكَيْر قَوْلُهُ «فِي بَيْتِهِ» فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْآخَرُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَالْقَعْنَبِيِّ ذَكَرَهَا فِي الْمَغْرِبِ فَقَطْ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ ذَكَرَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ انْصِرَافَهُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ «فِي بَيْتِهِ» مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالظَّرْفِ يَعُودُ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَصَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ» . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ فِعْلِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْبَيْتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّوَاتِبِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ رَاتِبَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ انْتَهَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ فَفِي نَفْيِ الْخِلَافِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ الِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا كُلِّهَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ الْأَفْضَلُ فِعْلُ نَوَافِلِ النَّهَارِ الرَّاتِبَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَاتِبَةِ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ «صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ» . وَهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ اسْتِحْبَابَ فِعْلِ السُّنَنِ فِي الْبَيْتِ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ أَيْنَ تُصَلَّيَانِ فَقَالَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَفِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ اهـ فَكَأَنَّ التَّفْصِيلَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَدْ فَصَلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ بَعْضِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ وَبَعْضِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَكَرِهَهَا قَوْمٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ فِيهَا آخَرُونَ انْتَهَى وَالْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ أَخْفَى وَأَقْرَبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَى الْإِخْلَاصِ وَأَصْوَنُ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ وَلِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِي الْبَيْتِ بِذَلِكَ وَتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَةُ وَيَنْفِرَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ مَعْنَى غَرِيبٌ وَهُوَ كَرَاهَةُ التَّفَرُّقِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ وَلَفْظُهُ إنِّي لَا أَكْرَهُهُ يَعْنِي التَّطَوُّعَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بَيَّنَّاهُمْ جَمِيعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا اخْتَلَفُوا وَهَذَا قَدْ يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ النَّافِلَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ تَطَوُّعُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ النَّاسِ كَفَضْلِ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَبَالَغَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَرَأَى أَنَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ لَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ عَقِبَ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَقَالَ قُلْت لِأَبِي إنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذِهِ مِنْ صَلَوَاتِ الْبَيْتِ» . قَالَ مَنْ هَذَا؟ قُلْت مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَوْ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا نَقَلَ أَوْ انْتَزَعَ وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ قِيلَ لِأَحْمَدَ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِعْلَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُ الرَّجُلِ بَعِيدًا قَالَ لَا أَدْرِي وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فَرَآهُمْ يَتَطَوَّعُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ «أَتَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ فِي مَسْجِدِنَا ثُمَّ قَالَ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَفْصِيلِ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ مَا شُرِعَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَلِكَ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ فَفِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِاسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ لِلْجُمُعَةِ حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ. فَقَالَ وَجَمِيعُ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهَا طَاهِرًا إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى. وَكَذَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي الْحَجِّ وَكَذَا مَا يَتَعَيَّنُ لَهُ الْمَسْجِدُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» . وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ وَآخَرِينَ اسْتِحْبَابَ أَرْبَعٍ بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِرَكْعَتَيْنِ انْتَهَى وَهُمَا نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى أَرْبَعٍ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ رَكْعَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّصَّيْنِ مَحْمُولَانِ عَلَى الْأَكْمَلِ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهَا فِي ذَلِكَ كَالظُّهْرِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا أَكْثَرَ الْمُصَلِّي مِنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَحَبُّ إلَيَّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُمْ اخْتَارُوا الرُّكُوعَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتًّا أَوْ أَرْبَعًا وَصَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْكَافِي فَقَالَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا سِتًّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي قَالَ أَحْمَدُ إنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» . وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا» . وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا. وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ إلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ إنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاحْتَجَّ «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ» . وَبِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ أَرْبَعًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ الَّذِي رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ» وَابْنُ عُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّى بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَرْبَعًا ثُمَّ رَوَاهُ كَذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ آخِرُ الْحَدِيثِ فَقَطْ وَهُوَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْمَدِينَةِ دُونَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ بِمَكَّةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي زَمَنِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ صَغِيرًا فَإِنْ أُرِيدَ رَفْعَ فِعْلِهِ بِمَكَّةَ أَيْضًا وَهُوَ بَعِيدٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي بِمَكَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ يُسْأَلُ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي كَوْنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّيهَا بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَدِينَةِ بِمَنْزِلِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ كَانَ يُرِيدُ التَّأَخُّرَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَيَكْرَهُ أَنْ يَفُوتَهُ بِمُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ لِصَلَاةِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ زَمَنٌ مِمَّا يَغْتَنِمُهُ فِي الطَّوَافِ أَوْ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَى مَنْزِلِهِ ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَى الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَرَى النَّوَافِلَ تُضَاعَفُ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ دُونَ بَقِيَّةِ مَكَّةَ فَكَانَ يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ لَهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِأَحَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي أَوْلَوِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمَرْفُوعَ آخِرُ الْحَدِيثِ فَقَطْ لَكِنْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّ تَفْرِيقَ ابْنِ عُمَرَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ فِي ذَلِكَ فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الِاتِّبَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سِتًّا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ صَلَّيْت أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا فَحَسَنٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سِتًّا وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَحَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ السُّلَمِيُّ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ فَكَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ سِتًّا فَأَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَتَرَكْنَا قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْأَرْبَعِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ أَنَّهَا تَكْمِلَةَ الرَّكْعَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فَيَكُونَ ظُهْرًا وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ فَقَالَ وَكُلُّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى تَرْكِ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ الْجُمُعَةُ بِالظُّهْرِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعٌ عَلَى الْجَاهِلِ أَوْ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْبِدَعِ إلَى صَلَاتِهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ لِفَضْلِهَا وَفِعْلُهُ لِلرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَاتٍ بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا عَلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ «إذْ صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» . وَهُوَ أَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ وَأَوْلَى بِهِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَمَرَ بِهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَفْعَ فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ حَسْبُ، كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بِمَكَّةَ مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ نَادِرٌ وَرُبَّمَا كَانَتْ الْخَصَائِصُ فِي حَقِّهِ بِالتَّخْفِيفِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ» الْحَدِيثَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرُبَّمَا لَحِقَهُ تَعَبٌ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ يُطِيلُهُمَا كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ أَيْ الْقِيَامِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ أَرْبَعٍ خِفَافٍ أَوْ مُتَوَسِّطَاتٍ وَكَمَا تَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَامَ حَتَّى أَصْبَحَ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ بِعَرَفَةَ مِنْ وُقُوفِهِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الدُّعَاءِ وَسَيْرِهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَصْرًا وَرَقَدَ بَقِيَّةَ لَيْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ يَقُومُ فِي اللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ وَلَكِنَّهُ أَرَاحَ نَفْسَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي عَرَفَةَ وَلِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَوْنِهِ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَذَهَبَ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَجَعَ إلَى مِنًى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. [فَائِدَة فِي استحباب الصَّلَاة قَبْل الْجُمُعَةَ] {السَّابِعَةُ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ شَيْئًا إذْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ لَضُبِطَ كَمَا ضُبِطَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا وَكَمَا ضُبِطَتْ صَلَاتُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا أَيْ بَابُ حُكْمِ ذَلِكَ وَهُوَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا لِوُرُودِهِ وَالتَّرْكُ قَبْلَهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ فَيَكُونُ بِدْعَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ يَجِيئَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا وَاخْتَصَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى احْتِمَالٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فِي تَبْوِيبِهِ لِمَا حَكَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ كَوْنَ الْجُمُعَةِ لَهَا سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَبَالَغُوا فِي إنْكَارِهِ وَجَعَلُوهُ بِدْعَةً وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ انْقَطَعَتْ الصَّلَاةُ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا وَجَعَلَهُ مِنْ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اسْتِحْبَابَ سُنَّةٍ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ لَهَا سُنَّةً قَبْلَهَا مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ إنَّهُ يُسَنُّ قَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ وَالْمُؤَكَّدُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ. وَنَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ وَآخَرِينَ اسْتِحْبَابَ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الظُّهْرِ وَيَسْتَأْنِسُ بِحَدِيثِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا {قُلْت} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ وَهُمْ ضُعَفَاءُ، وَمُبَشِّرٌ وَضَّاعٌ صَاحِبُ أَبَاطِيلَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ مُوَثَّقٌ وَلَكِنَّهُ مُدَلِّسٌ وَحَجَّاجٌ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ وَعَطِيَّةَ مَشَّاهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ فِيهِ صَالِحٌ وَلَكِنْ ضَعَّفَهُمَا الْجُمْهُورُ انْتَهَى وَالْمَتْنُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْخُلَعِيِّ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلَيْت قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ قَالَ لَا، قَالَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» قَالَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْأَحْكَامِ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالُوا فَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا لَيْسَتْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ لِمُجَرَّدِ هَذَا إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تَقْتَرِبَ مِنِّي لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَكَيْفَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ السَّعْيُ إلَى مَكَانِ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطَالَتِهِ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سُنَّةً لِلْجُمُعَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي انْتِظَارِهِ لِلصَّلَاةِ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْفُوعِ مِنْهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَمَّا إطَالَةُ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَيُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَخْطُبُ انْتَهَى. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِقَائِلٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُتَعَذِّرًا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ الْخُطْبَةُ فَلَا صَلَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا نَعَمْ بَعْدَ أَنْ جَدَّدَ عُثْمَانَ: الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَيْنِ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ يَضْعُفُ الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عُمُومٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَثَوْبَانَ «فِي صَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا سَاعَةٌ يُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ» وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ سُنَّةُ الزَّوَالِ فَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ» وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُ أَرْبَعٍ بَعْدَ الزَّوَالِ كُلَّ يَوْمٍ سَوَاءٌ فِيهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي اُسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا إنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ نَظَرٌ فَمَجْمُوعُهَا قَوِيٌّ يَضْعُفُ مَعَهُ إنْكَارُهَا وَأَقْوَى مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ فِي زَمَنِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ أَذَانٍ وَاحِدٍ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْأَذَانُ يَعْقُبُهُ الْخُطْبَةُ ثُمَّ الصَّلَاةُ فَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ وَبَوَّبَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَأَوْرَدَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَهْجُرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَلَّى قَبْلَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا أَرْبَعًا. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْتِي الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي لَا أَعْلَمُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ إلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ «كَانَ يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا» وَرَوَى عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت أَتْقَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ قَامُوا فَصَلَّوْا أَرْبَعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ كُنَّا نَكُونُ مَعَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ أَزَالَتْ الشَّمْسُ بَعْدُ؟ أَوْ يَلْتَفِتُ فَيَنْظُرُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْأَرْبَعَ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ انْتَهَى. وَخَلَطَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ بِالصَّلَاةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَوَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْهَامٌ عَدِيدَةٌ نَبَّهَ عَلَيْهَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَبَسَطَ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ هَذَا التَّخْلِيطُ لِابْنِ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا وَأَمَّا الصَّلَاةُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ انْتَهَى وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ الَّتِي هِيَ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَسُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ وَقْتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَفْضَلَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ] 1 {الثَّامِنَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بِأَثَرِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ وَوَجَّهَ ابْنُ بَطَّالٍ فِعْلَهُمَا فِي الْبَيْتِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا صَلَاةً مِثْلَهَا خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا الَّتِي حُذِفَتْ مِنْهَا وَأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَمَّا زَالَ عَنْ مَوْطِنِ الْفَرْضِ صَلَّى فِي بَيْتِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ إذَا صَلَّيْت الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَتَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ» قُلْت وَهَذَا التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَتْ حِكَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ رَاتِبَةِ النَّهَارِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ فَكُلُّ نَافِلَةٍ كَذَلِكَ فِي اسْتِحْبَابِ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَبِتَقْدِيرِ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ فِي الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ تَقِيَّةً يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَفْعَلُونَ الْجُمُعَةَ وَإِنَّمَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَيَقُومُونَ إلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا لِيُتِمُّوا ظُهْرَهُمْ فَإِذَا سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ مَوَّهُوا بِأَنَّهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا نُجَيْدٍ مَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ وَمَا يَقُولُونَ قَالَ يَقُولُونَ إنَّك تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إلَى الْجُمُعَةِ فَتَكُونُ أَرْبَعًا فَقَالَ لَأَنْ تَخْتَلِفَ النَّيَازِكُ بَيْنَ أَضْلَاعِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْمُقْبِلَةُ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ احْتَبَى فَلَمْ يُصَلِّ شَيْئًا حَتَّى أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنْ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مُقَامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ أَتُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا؟ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى فِعْلِ التَّطَوُّعِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ حَافِظُ الْحَنَفِيَّةِ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {التَّاسِعَةُ} قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ هُمَا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَكَرَّرَ ابْنُ عُمَرَ ذِكْرَهُمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي بَيْتِهِ قُلْت وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ رَاتِبَةَ النَّهَارِ تُفْعَلُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ الظُّهْرِ اسْمًا وَحُكْمًا وَصُورَةً لَا سِيَّمَا مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ لَمْ يُسْتَفَدْ حُكْمُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا وَقَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ. {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ وَأَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ فِيهِ رِوَايَةُ أَحَدِ الْأَخَوَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَرِوَايَةُ بَعْضِ الْأَقْرَانِ عَنْ بَعْضٍ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَحَفْصَةَ ابْنَيْ عُمَرَ صَحَابِيَّانِ فَاضِلَانِ مَعْرُوفَانِ وَهُمَا فَتَيَانِ مُسْتَحْسَنَانِ. [فَائِدَة لَا يُصَلِّي مَا دَامَ يُؤَذَّنُ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ لَعَلَّهُ ضَمَّنَ سَكَتَ مَعْنَى فَرَغَ فَإِنَّهُ يُقَالُ سَكَتَ عَنْ كَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ سَكَتَ مِنْ كَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِالْأَذَانِ وَالْبَاءُ تَكُونُ بِمَعْنَى عَنْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] أَيْ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مَا دَامَ يُؤَذَّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ وَسَكَتَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ سَكَتَ بِالتَّاءِ ثَالِثِ الْحُرُوفِ وَرَوَاهُ سُوَيْد عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ سَكَبَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَكَتَ وَسَكَبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِمَعْنًى وَقَالَ غَيْرُهُ سَكَبَ يُرِيدُ أَذِنَ قَالَ وَالسَّكْبُ الصَّبُّ وَأَصْلُهُ فِي الْمَاءِ يُصَبُّ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَوْلِ اسْتِعَارَةً كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَفْرَغَ فِي أُذُنِي كَلَامًا لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهُ انْتَهَى. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَدْ يُسْتَأْنَسُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ وَهَذَا الِاسْتِئْنَاسُ ضَعِيفٌ. {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ وَبَدَا لَهُ الصُّبْحُ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ وَاسْتَبَانَ. [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلِذَلِكَ بَالَغَ بَعْضُ السَّلَفِ فَقَالَ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا شَيْئًا أَصْلًا وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْرَأُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64] وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْته ابْنُ الْعَرَبِيِّ هُنَا وَعَلَّلَ تَرْجِيحَ السُّورَةِ بِأَنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِسُورَةٍ وَلَمْ يَقَعْ بِآيَةٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَاَلَّذِي عَلَّلَ بِهِ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ صَحِيحٌ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَقْفُ فِيهِ فَيَقِفُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَذَهَبَ النَّخَعِيّ إلَى جَوَازِ إطَالَةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ أَنْ يَقْرَأَهُ فِيهِمَا وَإِنْ طَوَّلَ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مِنْ مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ وَيُحْسِنُ فِيهِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَطْوِيلِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) اسْتِحْبَابُ التَّغْلِيسِ فِي الصُّبْحِ وَاسْتِحْبَابُ الْإِبْرَادِ فِي الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ تُفْعَلَانِ بَعْدَ طُولِ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ فَنَاسَبَ تَخْفِيفَهُمَا وَسُنَّةُ الظُّهْرِ لَيْسَ قَبْلَهَا إلَّا سُنَّةُ الضُّحَى وَلَمْ يَكُنْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُوَاظِبُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُرِدْ تَطْوِيلَهَا فَهِيَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ رَاحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خُرُوجِ وَقْتِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِفِعْلِ فَرْضِ الصُّبْحِ] 1 {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخُرُوجِ وَقْتِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِفِعْلِ فَرْضِ الصُّبْحِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَّنَ بِفِعْلِهِ وَقْتَهُمَا فَلَا يُتَعَدَّى وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَصْحَابُنَا يَمْتَدُّ وَقْتُهُمَا إلَى خُرُوجِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَاتِبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ يَسْتَمِرُّ وَقْتُهَا بَعْدَ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ فِعْلَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ بَلْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَجْهٌ عِنْدَنَا أَنَّ وَقْتَهُمَا يَمْتَدُّ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَجَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمَا قَبْلَ الْفَرْضِ فِعْلٌ لِلْأَفْضَلِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ خُرُوجُ وَقْتِهِمَا بِفِعْلِ الْفَرْضِ وَالْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَذَانَ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ] 1 {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ الْأَذَانَ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُؤَذِّنَ الثَّانِيَ وَلِأَنَّ حَدِيثَ «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» يَرْفَعُ الِاحْتِمَالَ مَعَ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهَا رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ قَوْلِ أَصْحَابِهِ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ حِينَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَنَاظَرَهُ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ [فَائِدَة هَلْ يَمْتَنِعُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ غَيْرَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هُوَ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ لِمَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ حَتَّى أَصْبَحَ أَوْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَثُرَ لِئَلَّا تُؤَخَّرَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَاَلَّذِي فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ تَعْلِيقُ النَّهْيِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ امْتِنَاعُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ. [فَائِدَة كَيْفَ يَكُونُ فَضْلُ النَّفْلِ مُقَدَّمًا عَلَى فَضْلِ الْفَرْضِ فِي الصَّلَاة] 1 {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ النَّوَافِلُ تُفْعَلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَفِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَضْلُ النَّفْلِ مُقَدَّمًا عَلَى فَضْلِ الْفَرْضِ؟ فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ الثَّانِي أَنْ يُرِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَذِهِ بِقَدْرِ مَا يَنْتَظِرُهَا انْتَهَى وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ بَعِيدٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ» . وَ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَقْرَبُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَذِهِ النَّوَافِلِ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ لِلْجَمَاعَةِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهَا إذَا لَمْ يَنْتَظِرْ جَمَاعَةً بِأَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ اجْتَمَعَ الْجَمَاعَةَ فَالْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الرَّوَاتِبَ مِنْ مُقَدَّمَاتِ الصَّلَاةِ وَسَوَابِقِهَا فَالِاشْتِغَالُ بِهَا لَا يُخْرِجُ الْفَرْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَفْعُولًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ صَارَ هَذَا كَالِاشْتِغَالِ بِالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَإِزَالَةِ الْجُوعِ بِالْأَكْلِ وَإِزَالَةِ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَعِدُّ بِهِ لِلدُّخُولِ فِي الْفَرْضِ فَفِعْلُ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ الصَّلَاةَ عَنْ كَوْنِهَا مَفْعُولَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي سَبْقِ النَّافِلَةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ جَلْبُ الْخُشُوعِ إلَيْهَا وَجَبْرُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ نَقْصٍ فَهُوَ مِنْ هَيْئَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ] 1 {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ لَمَا قُدِّمَ قَبْلَ الْمُخَاطَبَةِ بِالصَّلَاةِ شَيْءٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ اتِّسَاعَ الْوَقْتِ وَامْتِدَادَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْخِلَافُ فِي دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْفَوْرِ مَعْرُوفٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ تَكُونَ مَثْنَى] {الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ تَكُونَ مَثْنَى أَيْ يُسَلِّمُ مِنْ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ النَّوَافِلَ بَعْضُهَا لَيْلِيَّةٌ وَبَعْضُهَا نَهَارِيَّةٌ وَكُلُّهَا رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَقْدِيمُ الِاضْطِجَاعِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ..   Qمِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَقَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} أَوْرَدَ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيَّ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْعُمْدَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَلَيْسَ يَظْهَرُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَاهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوِيَّةً فَإِنَّ الْمَعِيَّةَ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ الْمَعِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا انْتَهَى. وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْمَعِيَّةُ الَّتِي فِيهِ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: {أَحَدُهَا} أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَعِيَّةُ فِي جَمَاعَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعِيَّةُ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا مُنْفَرِدِينَ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ الْمَعِيَّةُ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ زَمَانُ الْفِعْلِ وَمَكَانُهُ وَلَعَلَّ هَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث كَانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) قَوْلُهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالظَّاهِرُ فِي (مِنْ) أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ اللَّيْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَيْ يُصَلِّي فِي بَعْضِ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَحْصُورٌ وَلَكِنْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ «قِيَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ» وَحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «بِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْهُنَّ الْوِتْرُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إذَا جَاءَ الْمُؤَذِّنُ» وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا «ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَعَنْهَا «كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَرْبَعًا وَأَرْبَعًا وَثَلَاثًا» وَعَنْهَا «كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثَمَانِيًا ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَقَدْ فَسَّرَتْهَا فِي الْحَدِيثِ «مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ» وَعَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّيْلِ سَبْعٌ وَتِسْعٌ» . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةَ الْفَجْرِ» وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ طَوِيلَتَيْنِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ» قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إخْبَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ وَعَائِشَةَ بِمَا شَاهَدَ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقِيلَ هُوَ مِنْهَا وَقِيلَ هُوَ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ إخْبَارَهَا بِإِحْدَى عَشْرَةَ هُوَ الْأَغْلَبُ وَبَاقِي رِوَايَتِهَا إخْبَارٌ مِنْهَا بِمَا كَانَ يَقَعُ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَأَكْثَرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَقَلُّهُ سَبْعٌ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِطُولِ الْقِرَاءَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ كِبَرِ السِّنِّ كَمَا قَالَتْ «فَلَمَّا أَسَنَّ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ» أَوْ تَارَةً تَعُدُّ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ فِي أَوَّلِ قِيَامِ اللَّيْلِ كَمَا رَوَاهَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَرَوَتْهَا عَائِشَةُ أَيْضًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَتَعُدُّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ تَارَةً وَتَحْذِفُهُمَا أُخْرَى أَوْ تَعُدُّ أَحَدَهُمَا وَقَدْ يَكُونُ عَدَّتْ رَاتِبَةَ الْعِشَاءِ مَعَ ذَلِكَ تَارَةً وَحَذَفَتْهَا أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنْ الطَّاعَاتِ الَّتِي كُلَّمَا زَادَ فِيهَا زَادَ الْأَجْرُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ (قُلْت) لَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ الْوِتْرَ هُوَ التَّهَجُّدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْوِتْرَ أَكْثَرُهُ مَعْلُومًا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَكْثَرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ التَّهَجُّدِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «فَإِذَا فَجَرَ الْفَجْرُ» كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْجِيمِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَلَمَّا شَقَّ الْفَجْرُ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ» قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ شَقَّ الْفَجْرُ وَانْشَقَّ إذَا طَلَعَ كَأَنَّهُ شَقَّ مَوْضِعَ طُلُوعِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ انْتَهَى وَالْفَجْرُ ضَوْءُ الصُّبْحِ وَهُوَ حُمْرَةُ الشَّمْسِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْفُجُورُ الْعِصْيَانُ وَأَصْلُهُ الِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي وَالِانْهِمَاكُ كَانْفِجَارِ الْمَاءِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَجْرُ لِانْبِعَاثِ النُّورِ فِي سَوَادِ الظُّلْمَةِ. [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفُهُمَا] 1 . (الرَّابِعَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَتَخْفِيفُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «ثُمَّ اتَّكَأَ» مَهْمُوزٌ أَيْ اضْطَجَعَ وَالتَّاءُ فِيهِ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى سَرِيرٍ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ فِي جَنْبِهِ» وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ لِذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» وَقَالَ الْمُتَّكِئُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كُلُّ مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا عَلَى وِطَاءٍ مُتَمَكِّنًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «هَذَا الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ الْمُرْتَفِقُ» يُرِيدُ الْجَالِسَ الْمُتَمَكِّنَ فِي جُلُوسِهِ قَالَ وَالْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ الْمُتَّكِئَ إلَّا مَنْ مَالَ فِي قُعُودِهِ مُعْتَمَدًا عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاتِّكَاءِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ الْمُتَّكِئِ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ فَلَمْ أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَ الِاتِّكَاءِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا فَسَّرُوا الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ «عَلَى شِقِّهِ» بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ جَنْبِهِ وَالشِّقُّ نِصْفُ الشَّيْءِ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِعْلَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ حَكَاهُ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ أَفْصِلُ بِضُجَعَةٍ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُجُوبُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا رَوَى الْأَمْرَ بِهَا قَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ مَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ لَا مَعْرِفَةَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا رَآهُ يَفْعَلُهَا عَائِشَةُ وَلَمْ يَرَهُ غَيْرُهَا وَلَوْ رَآهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ مَا اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً قُلْت مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْأَمْرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد سَاكِتًا عَلَيْهِ وَالتِّرْمِذِيُّ مُصَحِّحًا لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ» . وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا غُلُوٌّ فَاحِشٌ وَهَبْهُ تَرَكَ فَرِيضَةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ هَلْ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بَلْ نَفْسُ الصَّلَوَاتِ قَدْ رَتَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْقَاتِهَا وَعِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ إنَّهُ إذَا تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ صَحَّتْ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ الْمَتْرُوكَةُ عَمْدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَكَذَا يَصِحُّ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْمَقْضِيَّةِ وَإِنَّمَا يُخَالِفُ فِي صِحَّتِهَا مَنْ يَرَى إعَادَةَ الْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا وَيَرَى وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَلَوْ قَالَ إنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ الْحَاضِرَةُ وَقَدْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي قَبْلَهَا عَمْدًا لَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ عَلَى اضْطِجَاعٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الْقُرْبَةُ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَأَيْضًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ لِأَنَّ كُلَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَوْمٍ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الصَّوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَعَلَقَةُ الصِّيَامِ بِالصِّيَامِ أَمَسُّ مِنْ عَلَقَةِ الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَرَكَ صِيَامَ رَمَضَانَ جُمْلَةً فِي سَنَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ الْمُتَقَدِّمَ قَبْلَ إيجَابِ صَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي يَلِيهِ وَأَيْضًا فَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّسَحُّرِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ تَسَحَّرُوا» . فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ مَنْ تَرَكَ التَّسَحُّرَ عَمْدًا أَوْ نَسِيَانَا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَالسُّحُورُ أَعْلَقُ بِالصَّوْمِ مِنْ الِاضْطِجَاعِ بِالصَّلَاةِ وَأَيْضًا فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَمَّا أَوْرَدْنَا عَلَيْهِ فِي السُّحُورِ بِأَنْ قَالَ لَا يَضُرُّ الصَّوْمَ تَعَمُّدُ تَرْكِ السُّحُورِ لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامُ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ وَلَا يَبْطُلُ عَمَلٌ بِتَرْكِ عَمَلٍ غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفَ عِنْدَهُ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلِ اللَّيْلِ وَكَيْفَ يَقُولُ فِي تَرْكِ صَلَاةٍ مِنْ النَّهَارِ بِصِحَّةِ مَا بَعْدَهَا مِنْ النَّهَارِ أَيْضًا وَهَلْ وَرَدَ نَصٌّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الضَّجْعَةِ أَوْ نَسِيَهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ؟ هَذَا مَا لَا يُوجَدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنْ أَسْوَأِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَارَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الضَّجْعَةِ وَعَدَّهَا مِنْ الْبِدَعِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَفْعَلُهَا وَقَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَقَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا تَلَعَّبَ بِكُمْ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَمَّا رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُهَا احْصِبُوهُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا هَذَا التَّمَرُّغُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَتَمَرُّغِ الْحِمَارِ إذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا وَقَالَ هِيَ ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ إذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَمَرَّغُ يَكْفِيهِ التَّسْلِيمُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ النَّهْيُ عَنْهَا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ احْتَبَى. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْكَارَ الضَّجْعَةِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالضَّجْعَةِ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَلَوْ قَصَدَ الْفَصْلَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ فَصَلَهَا صُورَةً وَوَضْعًا وَوَصْفًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْأَثْرَمُ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَقَالَ مَا أَفْعَلُهُ أَنَا فَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ ثُمَّ سَكَتَ كَأَنَّهُ لَمْ يَعِبْهُ قِيلَ لَهُ لِمَ لَمْ تَأْخُذْ بِهِ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ وَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْكَرَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ خَالَفَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ انْتَهَى فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: وَهِيَ الِاسْتِحْبَابُ وَالْوُجُوبُ وَالْكَرَاهَةُ وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ وَلَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعَ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَضْطَجِعُ بِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ» . وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ إمَّا بِاضْطِجَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ ثُمَّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَصْلُ بِالِاضْطِجَاعِ أَوْ التَّحَدُّثِ أَوْ التَّحْوِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَالِاضْطِجَاعُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ» . وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ فِعْلِهَا بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) إنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ إذَا اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ وَالْحَدِيثُ مَخْرَجُهُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ الْمَذْكُورَ فِيهِ قَبْلَهُمَا وَأَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا إنَّهُ سُنَّةٌ فَكَذَا بَعْدَهُمَا قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَجَوَابُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ.: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ فِي هَذَا هِيَ الْمَرْجُوحَةُ فَإِنَّ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّمَا ذَكَرُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَكَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لِأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيق مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ ذِكْرِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقِيمُ عُرْوَةَ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بِإِثْبَاتِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ كَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَنْكَرُوا عَلَى مَالِكٍ رِوَايَتَهُ الِاضْطِجَاعَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ فَجَعَلُوا الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَا بَعْدَ الْوِتْرِ. (ثَانِيهِمَا) بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَضْطَجِعُ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْوِتْرِ لِلِاسْتِرَاحَةِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِلنَّشَاطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَالتَّطْوِيلِ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اضْطِجَاعُهُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا. (الْجَوَابُ الثَّانِي) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ أَنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ فِعْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْجِبِلِّيَّةِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَإِجْمَامِ الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً وَأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَتَارَةً بَعْدُ وَتَارَةً لَا يَضْطَجِعُ انْتَهَى. وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا لِلْقُرْبَةِ وَالتَّشْرِيعِ لَا سِيَّمَا مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ بَلْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ تَارَةً يُحَدِّثُ عَائِشَةَ وَتَارَةً يَضْطَجِعُ وَأَخْذُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْفَصْلُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ مُسْتَحَبًّا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُخَيَّرَ كَالْمُسْتَحَبِّ الْمُعَيَّنِ فِي الْحُكْمِ عَلَى كُلٍّ مِنْ خِصَالِهِ بِالِاسْتِحْبَابِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كُلٌّ مِنْ خِصَالِهِ وَاجِبَةٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالِاضْطِجَاعِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّصْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُحَدِّثُنِي حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ» وَقَدْ أَوَّلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ» عَلَى مَعْنَيَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَضْطَجِعُ يَسِيرًا وَيُحَدِّثُهَا وَإِلَّا فَيَضْطَجِعُ كَثِيرًا. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْقَلِيلَةِ يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ بَيَانًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا كَانَ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَنَظَائِرُهُ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَاتِ عَائِشَةَ السَّابِقَةِ أَيْ فِي الْجَزْمِ بِاضْطِجَاعِهِ بَعْدَهُمَا وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِيهِ بُعْدٌ، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَقْرَبُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الِاضْطِجَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ» لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاضْطِجَاعَ رَأْسًا لَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِي حَدِيثِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ذَكَرَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَفِيهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ لَمْ يَذْكُرْ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَجَابَ الْمُنْكِرُونَ لِهَذِهِ الضَّجْعَةِ عَنْ الْأَمْرِ بِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ خَاصَّةً أَيْضًا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا رَأَيْته يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ قَطُّ وَكُنْت أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ حَدِيثَ الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا بِقَوْلِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ فِي كَذَا وَكَذَا وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ (ثَانِيهِمَا) إنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَثْرَمِ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ فَقُلْت لَهُ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا (ثَالِثُهَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو صَالِحٍ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَبَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ كَلَامٌ (رَابِعُهَا) أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْمَتْنَ الْمَذْكُورَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مِنْ قَوْلِهِ فَرَجَعَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَى مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْهِ مِنْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الصُّبْحِ بِضَجْعَةٍ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لِمُوَافَقَتِهِ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ضَعْفَهُ فَإِنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى تَضْعِيفِ مَنْ ضَعَّفَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سُكُوتِ أَبِي دَاوُد عَلَيْهِ وَتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ وَأَمَّا الْإِرْسَالُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْوَصْلِ فَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُ الْوَصْلِ عَلَى الْإِرْسَالِ وَكَوْنُهُ رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُنَافِي كَوْنَهُ رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ وَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَانِ رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو صَالِحٍ. (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ. (وَالْآخَرُ) وَهُوَ فِعْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَلَعَلَّ أَبَا صَالِحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرَيْنِ فَرَوَى لِكُلٍّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدَهُمَا أَوْ رَوَى لِلْكُلِّ الْأَمْرَيْنِ مَعًا لَكِنْ رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مَا حَفِظَهُ مَعَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفِعْلِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا صَحِيحَةٌ بِلَا شَكٍّ وَهِيَ كَافِيَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُنْكِرِينَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِرْشَادِ إلَى الرَّاحَةِ وَالتَّنَشُّطِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ وَأَوَامِرُ الشَّارِعِ مَحْمُولَةٌ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الْبَدَنِيَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ سُنَّةٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ بِالِاضْطِجَاعِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَهَا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهَا أَنْ لَا يَضْطَجِعَ بَعْدَهَا وَلَعَلَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَوْ ثَبَتَ التَّرْكُ وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا مَعَ رِوَايَاتِ الْفِعْلِ الْمُوَافِقَةِ لِلْأَمْرِ بِهِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَجُزْ رَدُّ بَعْضِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ بِطَرِيقِينَ أَشَرْنَا إلَيْهِمَا. (أَحَدُهُمَا) إنَّهُ اضْطَجَعَ قَبْلُ وَبَعْدُ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. [فَائِدَة الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] 1 (السَّابِعَةُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ» انْتَهَى. وَقَوْلُهُ «فِي بَيْتِهِ» لَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ سِيَاقَ حَدِيثِهَا دَالٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي اللَّيْلِ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ وَلَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ إلَى أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُمَا فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِخِلَافِ الِاضْطِجَاعِ فِي الْمَسْجِدِ خُصُوصًا مَعَ تَرْصِيصِ الصُّفُوفِ لِلصَّلَاةِ فَرُبَّمَا اُسْتُقْبِحَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حَصَبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يُنْكِرُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِعْلَهُ لِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَذْكُرُ هَذَا فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَوْ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَفْعَلُهُ لَوْ ثَبَتَ وَلَوْ عَرَفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ الَّذِينَ فَعَلُوهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِمْ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يُنْقَلْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ فِيمَا عَلِمْت إنَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنَّ عُرْوَةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَسَّ جَنْبَهُ الْأَرْضَ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَعَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ. [فَائِدَة الِاضْطِجَاعَ الْمُسْتَحَبَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ] (الثَّامِنَةُ) فِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ الْمُسْتَحَبَّ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَكُونُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَلْ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمَّا مَعَ الْقُدْرَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ لِعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَمْرِ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ فِي الرَّوْضَةِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الِاضْطِجَاعَ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ حُصُولَ السُّنَّةِ بِالْأَمْرَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ ذُهُولٌ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ يَرَى أَنَّ الْأَيْسَرَ غَيْرُ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ أَوْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ فَالظَّاهِرُ الِانْتِقَالُ لِلْأَيْسَرِ وَهُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ لِلشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَلَا يَضْطَجِعُ عَلَى الْأَيْسَرِ انْتَهَى. [فَائِدَة اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ] 1 (التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَقْلَقُ حِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَغْرِقُ وَإِذَا نَامَ عَلَى الْيَسَارِ كَانَ فِي دَعَةٍ وَرَاحَةٍ فَيَسْتَغْرِقُ انْتَهَى قُلْت وَقَدْ اعْتَدْت النَّوْمَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَصِرْت إذَا فَعَلْت ذَلِكَ كُنْت فِي دَعَةٍ وَرَاحَةٍ وَاسْتِغْرَاقٍ وَإِذَا نِمْت عَلَى الشِّقِّ الْأَيْسَرِ حَصَلَ عِنْدِي قَلَقٌ لِذَلِكَ وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقٍ فِي النَّوْمِ فَلَعَلَّ تَعْلِيلَ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْمَنِ تَشْرِيفُهُ وَتَكْرِيمُهُ وَإِيثَارُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهَا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ دَلِيلٌ عَلَى اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا يُؤْذِنُهُ لِلصَّلَاةِ، فِيهِ جَوَازُ إعْلَامِ الْمُؤَذِّنِ الْإِمَامَ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا وَاسْتِدْعَائِهِ لَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 صَلَاةُ الضُّحَى عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ» قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ فِيهِ قَالَتْ «وَكَانَ يُحِبُّ» ، وَلِمُسْلِمٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» وَلَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ «قُلْت لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ لَا، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» ..   Q [صَلَاةُ الضُّحَى] [حَدِيث مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ] (صَلَاةُ الضُّحَى) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ» قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» قَالَتْ «وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ فِيهِ قَالَتْ، «وَكَانَ يُحِبُّ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِدُونِ قَوْلِهَا «وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ» وَبِزِيَادَةِ «وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ «مَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِيهِ «وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهُ» . (الثَّانِيَةُ) التَّسْبِيحُ فِي الْأَصْلِ التَّنْزِيهُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّبْرِئَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَمِنْهُ قَوْلُنَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ مَجَازًا كَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ يُقَالُ لَهَا تَسْبِيحٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَسُبْحَةٌ وَالسُّبْحَةُ مِنْ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنْ التَّسْخِيرِ وَتَسْمِيَةُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِذَلِكَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ النَّافِلَةُ بِالسُّبْحَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَقِيلَ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالْأَذْكَارِ فِي أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اخْتِصَاصِ النَّافِلَةِ بِالسُّبْحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَزِمَتْ السُّبْحَةُ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي الْأَغْلَبِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَغْلَبِ إلَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْفَرِيضَةِ نَادِرًا وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] الْآيَةَ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَاَلَّتِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ الْعِشَاءُ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ الْمَغْرِبُ وَالظُّهْرُ انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ سَبِّحْ فِي الْفَرِيضَةِ اسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّسْبِيحُ وَاسْمُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ السُّبْحَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) سُبْحَةُ الضُّحَى صَلَاةُ الضُّحَى وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَهُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالضُّحَى بِضَمِّ الضَّادِ مَقْصُورٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ بَعْدَهُ الضُّحَى وَهُوَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ مَقْصُورَةٌ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ فَمَنْ أَنَّثَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا جَمْعُ ضَحْوَةٍ وَمَنْ ذَكَّرَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ اسْمٌ عَلَى فِعْلٍ مِثْلُ صُرَدٍ وَنُغَرٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ الضَّحَاءُ مَمْدُودٌ مُذَكَّرٌ وَهُوَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ الْأَعْلَى وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الضَّحْوُ وَالضَّحْوَةُ وَالضَّحِيَّةُ عَلَى مِثَالِ الْعَشِيَّةِ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى فُوَيْقُ ذَلِكَ أُنْثَى وَتَصْغِيرُهَا بِغَيْرِ هَاءٍ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِتَصْغِيرِ ضَحْوَةٍ وَالضَّحَاءُ إذَا امْتَدَّ النَّهَارُ وَقَرُبَ أَنْ يَنْتَصِفَ وَقِيلَ الضُّحَى مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَتَبْيَضَّ الشَّمْسُ جِدًّا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّحَاءُ إلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الضَّحْوَةُ ارْتِفَاعُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ فَوْقَهُ وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةَ الضُّحَى وَالضَّحَاءِ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ إذَا عَلَتْ الشَّمْسُ إلَى رُبْعِ السَّمَاءِ فَمَا بَعْدَهُ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الضَّحَاءُ بِفَتْحِ الضَّادِ مَمْدُودٌ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ مَقْصُورٌ قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى، وَإِضْحَاءُ النَّهَارِ ضَوْءُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقِيلَ الْمَقْصُورُ الْمَضْمُومُ هُوَ أَوَّلُ ارْتِفَاعِهَا وَالْمَمْدُودُ حِينَ حَرِّهَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَقِيلَ الْمَقْصُورُ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَالْمَمْدُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ وَقِيلَ الضَّحْوُ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى فَوْقَ ذَلِكَ وَالضَّحَاءُ إذَا امْتَدَّ النَّهَارُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الضُّحَى مَقْصُورٌ مَضْمُومُ الضَّادِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالضَّحَاءُ مَمْدُودٌ مَفْتُوحُ الضَّادِ إشْرَاقُهَا وَضِيَاؤُهَا وَبَيَاضُهَا. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ» ، مُعَارَضٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الضُّحَى وَأَوْصَى بِهَا» وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَلَكِنَّ الَّذِي يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ «قُلْت لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ لَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» . وَعَنْ مُعَاذَةَ «أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ كَمْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» وَاَلَّذِي ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) تَضْعِيفُ الرِّوَايَةِ عَنْهَا بِنَفْيِ صَلَاةِ الضُّحَى وَتَوْهِيمُ رَاوِيهَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَلَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى وَهْمِ الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسَبِّحْ سُبْحَةَ الضُّحَى» إلَّا هَذِهِ الْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا فَكَيْفَ وَفِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ مَغِيبِهِ انْتَهَى وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ حَدِيثَ النَّفْيِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرِوَايَةِ أَعْلَامٍ حُفَّاظٍ لَا يَتَطَرَّقُ احْتِمَالُ الْخَلَلِ إلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَانِيهَا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا رَأَيْته دَاوَمَ عَلَى سُبْحَةِ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا أَيْ أُدَاوِمُ عَلَيْهَا وَكَذَا قَوْلُهَا وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ شَيْئًا تَعْنِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ وَقَالَ فِي هَذَا إثْبَاتُ فِعْلِهَا إذَا جَاءَ مِنْ مَغِيبِهِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ مُعَاذَةَ وَقَالَ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ قَالَ وَقَدْ بَيَّنَتْ الْعِلَّةَ فِي تَرْكِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا «وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» انْتَهَى وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا وَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَيْنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: حَمْلُهُ عَلَى إرَادَةِ عَدَمِ الْمُدَاوَمَةِ فِيهِ بُعْدٌ، وَقَدْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَلَمْ يَرْتَضِهِ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ قَوْلَهَا «مَا سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى» أَيْ مَا رَأَيْته يُسَبِّحُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الَّتِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَوْلُهَا «إنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا إذَا جَاءَ مِنْ مَغِيبِهِ» عَلِمَتْهُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهَا لَهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِذَا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَصِحُّ قَوْلُهَا مَا رَأَيْته يُصَلِّيهَا وَتَكُونُ قَدْ عَلِمَتْ بِخَبَرِهِ أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا انْتَهَى. وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ تَنْفِي صَلَاتَهُ لِلضُّحَى وَتُرِيدُ نَفْيَ رُؤْيَتِهَا لِذَلِكَ مَعَ أَنَّ عِنْدَهَا عِلْمًا مُسْتَنِدًا لِغَيْرِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا؟ وَهَلْ يَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مُؤَدِّيًا لِأَمَانَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِذَا كَانَتْ مَا كَتَمَتْ فِعْلَهَا وَعَقَّبَتْ النَّفْيَ بِقَوْلِهَا «وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» مَعَ كَوْنِ فِعْلِهَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ أَمَانَةً يَجِبُ أَدَاؤُهَا فَكَيْف تَكْتُمُ مَا عِنْدَهَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهَا ثُبُوتًا صَحِيحًا جَزَمَتْ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَتَأْتِي بِلَفْظٍ يُوهِمُ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ؟ إنَّ ذَلِكَ لَبَعِيدٌ مِنْ فِعْلِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (رَابِعُهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْجَوَابَ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْهَا أَنْ تَكُونَ إنَّمَا أَنْكَرَتْ صَلَاةَ الضُّحَى الْمَعْهُودَةَ حِينَئِذٍ عِنْدَ النَّاسِ عَلَى الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْ صَلَاتِهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ وَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا كَمَا قَالَتْ ثُمَّ يَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّيهَا وَتَقُولُ لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهُمَا. (خَامِسُهَا) أَنَّهَا أَرَادَتْ نَفْيَ إعْلَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا سَبَقَ عَنْ الطَّبَرِيِّ فِي التَّضْعِيفِ وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْمَلُ قَوْلُهَا «مَا رَأَيْته يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى» يَعْنِي مُوَاظِبًا عَلَيْهَا وَمُعْلِنًا بِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ النَّاسُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُغْلِقُ عَلَى نَفْسِهَا بَابًا ثُمَّ تُصَلِّي الضُّحَى وَقَالَ مَسْرُوقٌ كُنَّا نَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَنَبْقَى بَعْدَ قِيَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ نَقُومُ فَنُصَلِّي الضُّحَى فَبَلَغَ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَلِكَ فَقَالَ لِمَ تُحَمِّلُوا عِبَادَ اللَّهِ مَا لَمْ يُحَمِّلْهُمْ اللَّهُ إنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَفِي بُيُوتِكُمْ. وَكَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو مِجْلَزٍ يُصَلِّي الضُّحَى فِي مَنْزِلِهِ وَكَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الِاسْتِتَارُ بِهَا وَتَرْكُ إظْهَارِهَا لِلْعَامَّةِ لِئَلَّا يَرَوْهَا وَاجِبَةً انْتَهَى. (سَادِسُهَا) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَنْكَرَتْ وَنَفَتْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ اجْتِمَاعَ النَّاسِ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَهَا كَذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ إنَّهُ بِدْعَةٌ انْتَهَى وَحَاصِلُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ تَضْعِيفُ النَّفْيِ أَوْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ أَوْ عَلَى رُؤْيَتِهَا أَوْ عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَوْ عَلَى إعْلَانِهَا أَوْ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِيهَا. (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَنْكَرَ صَلَاةَ الضُّحَى وَعَدَّهَا بِدْعَةً وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ قَالَ: " قُلْت لِابْنِ عُمَرَ تُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ لَا قُلْت فَعُمَرُ قَالَ لَا قُلْت فَأَبُو بَكْرٍ قَالَ لَا قُلْت فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا إخَالُهُ " وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَا صَلَّيْت الضُّحَى مُنْذُ أَسْلَمْت إلَّا أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى فَقَالَ وَلِلضُّحَى صَلَاةٌ،، وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ. وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ لَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ مَسْعُودٍ يُصَلِّي الضُّحَى وَعَنْ عَلْقَمَةَ إنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى. وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الضُّحَى فَقَالَ الصَّلَوَاتُ خَمْسٌ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الضُّحَى وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا يَغُوصُ عَلَيْهَا الْأَغْوَاصَ ثُمَّ قَرَأَ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهِيَ كَانَتْ صَلَاةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ دَاوُد {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص: 18] فَأَبْقَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ الْعَصْرَ صَلَاةَ الْعَشِيِّ وَنَسَخَ صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِعْلَ صَلَاةِ الضُّحَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى هِيَ بِدْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّظَاهُرَ بِهَا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ أَصْلَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا مَذْمُومٌ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ بِدْعَةٌ أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ وَهَذَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُ الْمُحَافَظَةِ فِي حَقِّنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ أَوْ يُقَالُ إنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضُّحَى وَأَمْرُهُ بِهَا وَكَيْفَ كَانَ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى وَإِنَّمَا نُقِلَ التَّوَقُّفُ فِيهَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ انْتَهَى. (السَّادِسَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ عَدَّ صَلَاةَ الضُّحَى بِدْعَةً لَا يَرَاهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ مَحْمُودَةٌ فَإِنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَلَيْسَ فِيهَا ابْتِدَاعُ أَمْرٍ يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ وَلِذَلِكَ عَقَّبَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - النَّفْيَ بِقَوْلِهَا وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ بِدْعَةٌ وَنِعْمَتْ الْبِدْعَةُ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّيهَا وَإِذَا رَآهُمْ يُصَلُّونَهَا قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا أَحْدَثُوا سُبْحَتَهُمْ هَذِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ سُنَّةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ مِنْ عُمُومَاتِ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فَتَوَقَّفَ هَذَا الْقَائِلُ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ هَذَا الِاسْمِ الْخَاصِّ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ الْأَفْضَلُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى] 1 (السَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا أَوْ فِعْلُهَا فِي وَقْتٍ وَتَرَكَهَا فِي وَقْتٍ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَبُّ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدْعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَنَوْمٌ عَلَى وِتْرٍ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَتْرُكُ صَلَاةَ الضُّحَى فِي سَفَرٍ وَلَا غَيْرِهِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى الثَّانِي حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ بِالْأَوَّلِ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الضُّحَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ كَانَ يُصَلِّيهَا الْيَوْمَ وَيَدَعُهَا الْعَشْرَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانُوا يُصَلُّونَ الضُّحَى وَيَدَعُونَ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُدِيمُوهَا مِثْلَ الْمَكْتُوبَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الضُّحَى إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» «وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مَا أَخْبَرَنِي أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى إلَّا أُمُّ هَانِئٍ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَدَعُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» وَقَدْ أُمِنَ هَذَا بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِاسْتِقْرَارِ الشَّرَائِعِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الزِّيَادَةِ فِيهَا وَالنَّقْصِ مِنْهَا فَيَنْبَغِي الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اشْتَهَرَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَحْصُلُ لَهُ عَمًى فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يُصَلُّونَهَا خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِهَذَا أَصْلٌ أَلْبَتَّةَ لَا مِنْ السُّنَّةِ وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ لِكَيْ يَتْرُكُوا صَلَاةَ الضُّحَى دَائِمًا لِيَفُوتَهُمْ بِذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَنَّهُمَا تَقُومَانِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ انْتَهَى. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهَا «وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ أَيْ لَأَفْعَلُهَا وَفِي الْمُوَطَّإِ لَأَسْتَحِبُّهَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّيهَا. [فَائِدَة إذَا ظَنَّ الْمُجْتَهِدُ حِلَّ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ] 1 (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهَا لَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَإِنَّهُ لَيُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ مَعْنَاهُ يَظُنُّونَهُ فَرْضًا لِلْمُدَاوَمَةِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَظُنُّهُ لِذَلِكَ كَمَا إذَا ظَنَّ الْمُجْتَهِدُ حِلَّ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَقِيلَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقُرَبِ وَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَثُمِائَةِ مَفْصِلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا أَوْ الشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَرَكْعَتَيْ الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْكَ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ هَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ   Qفِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ «لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجَزُوا عَنْهَا» قُلْت الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ بِعِيدَانِ وَالظَّاهِرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ النَّاسَ يَسْتَحِلُّونَ مُتَابَعَتَهُ وَيَسْتَعْذِبُونَهَا وَيَسْتَسْهِلُونَ الصَّعْبَ فِيهَا فَإِذَا فَعَلَ أَمْرًا سَهُلَ عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ لِمُتَابَعَتِهِ فَقَدْ يُوجِبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا تُوُفِّيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَالَ عَنْهُمْ ذَلِكَ النَّشَاطُ وَحَصَلَ لَهُمْ الْفُتُورُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا اسْتَسْهَلُوهُ لَا أَنَّهُ يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي وَغَايَتُهُ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُرْتَقَبًا مُتَوَقَّعًا قَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا يَقَعُ وَاحْتِمَالُ وُقُوعِهِ هُوَ الَّذِي مَنَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ وَنَظَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَتَانِ قَدَّمَ أَهَمَّهُمَا] (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَتَانِ قَدَّمَ أَهَمَّهُمَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّ صَلَاةَ الضُّحَى وَيَفْعَلُهَا أَحْيَانًا وَلَكِنْ لَمَّا عَارَضَهُ خَوْفُ افْتِرَاضِهَا عَلَى النَّاسِ تَرَكَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يَخْشَاهَا مِنْ تَرْكِهِمْ لِلْفَرْضِ عِنْدَ عَجْزِهِمْ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَأْفَتِهِ بِأَمَتِهِ وَفِي التَّنْزِيلِ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] [حَدِيث فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَثُمِائَةِ مَفْصِلٍ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: فِي الْإِنْسَانِ سِتُّونَ وَثَلَثُمِائَةِ مَفْصِلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا صَدَقَةً، قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا أَوْ الشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 بِهَا أَهْلُ مَرْوَ وَالْبَصْرَةِ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ أَهْلِ مَرْوَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ هَذَا وَبِحَدِيثِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» ..   Qتَقْدِرْ فَرَكْعَتَيْ الضُّحَى تُجْزِئُ عَنْكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كُرَيْبٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ قَالَ وَهَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ مَرْوَ وَالْبَصْرَةِ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ أَهْلِ مَرْوَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ هَذَا وَبِحَدِيثِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ. وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ تَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّهُ «خُلِقَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَثِمِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي حِينَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ» . (الثَّانِيَةُ) الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ كُلُّ مُلْتَقَى عَظْمَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ أَمَّا الْمِفْصَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ اللِّسَانُ وَالسُّلَامَى الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْصِلِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَهِيَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَأَصْلُهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِظَامُ الْأَصَابِعِ وَسَائِرُ الْكَفِّ خَاصَّةً ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي جَمِيعِ عِظَامِ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ السُّلَامَى كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغَارِ الْعِظَامِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا أَيْ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَكَّدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ كَمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ وَمِنْهُ حَدِيثُ لِلْمُسْلِمِ «عَلَى الْمُسْلِمِ سِتُّ خِصَالٍ» . (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «صَدَقَةٌ» كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «بِصَدَقَةٍ» وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَصْدَرُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمُتَصَدَّقُ بِهِ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «قَالُوا فَمَنْ الَّذِي يُطِيقُ ذَلِكَ» كَأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّدَقَةِ هُنَا مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَبَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الْحَسَنَةِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مِنْهَا نَفْعٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ» . [فَائِدَة دَفْنَ النُّخَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَسْجِدِ] 1 (السَّادِسَةُ) النُّخَاعَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هِيَ بِمَعْنَى النُّخَامَةِ بِالْمِيمِ وَهُمَا مَعًا مَا يَطْرَحُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ فِيهِ مِنْ رُطُوبَةِ صَدْرِهِ أَوْ رَأْسِهِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّدْرِ بِالْعَيْنِ وَمِنْ الرَّأْسِ بِالْمِيمِ حَكَاهُمَا فِي الْمَشَارِقِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ النُّخَاعَةُ الْبَزْقَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْفَمِ مِمَّا يَلِي أَصْلَ النُّخَاعِ وَالنُّخَامَةُ الْبَزْقَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الْحَلْقِ وَمِنْ مَخْرَجِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ النُّخَاعَةَ وَالنُّخَامَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. (السَّابِعَةُ) الْمُرَادُ أَنَّ دَفْنَ النُّخَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَسَنَةٌ وَصَدَقَةٌ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ النُّخَاعَةُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَحْسَنَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ دَفْنُ النُّخَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ مُتَعَلِّقٌ بِالدَّفْنِ وَأَنَّ الْمُرَادَ دَفْنُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَعَهَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَحَلِّ الصِّفَةِ لِلنُّخَاعَةِ أَيْ النُّخَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَحَلِّ دَفْنِهَا أَهُوَ الْمَسْجِدُ أَمْ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ تَدْفِنُهَا بِتَاءِ الْخِطَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ «تُنَحِّيهِ» وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ النُّخَاعَةُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ الشَّيْءُ تُنَحِّيهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ وَالرَّفْعُ فِيهِمَا أَرْجَحُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا تَقْدِيرُهُ صَدَقَةٌ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «أَوْ الشَّيْءُ» كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِأَوْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالشَّيْءُ بِالْوَاوِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَأَوْ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ جَاءَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا وَقَدْ أَثْبَتَ لَهَا هَذَا الْمَعْنَى الْأَخْفَشُ وَالْجَرْمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ هُنَا الْأَذَى الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَابًا فِي إمَاطَةِ الْأَذَى. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ «فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ» لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَسَنَةً. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ فَرَكْعَتَيْ الضُّحَى كَذَا فِي أَصْلِنَا بِالْيَاءِ وَلَا وَجْهَ لِنَصْبِهِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى الرَّفْعِ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِالْأَلِفِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي فِي أَصْلِنَا تَسَاهُلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «تُجْزِئُ عَنْك» يَجُوزُ فَتْحُ أَوَّلِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ فِي آخِرِهِ وَضَمُّ أَوَّلِهِ بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ فَالْفَتْحُ مِنْ جَزَى يَجْزِي أَيْ كَفَى وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لا تَجْزِي نَفْسٌ} [البقرة: 48] وَالضَّمُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ وَقَدْ ضُبِطَ بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «يَجْزِيك» . (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت مَا وَجْهُ قَوْلِهِ «تُجْزِئُ عَنْك» وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ مَثْنَى وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقُولَ تَجْزِيَانِ عَنْك قُلْت كَأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا فِي انْتِظَامِهِمَا كَرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ الْإِخْبَارُ عَنْهُمَا بِالْمُفْرَدِ وَكَانَ التَّقْدِيرُ فَرَكْعَتَا الضُّحَى شَيْءٌ يُجْزِئُ عَنْك. [فَائِدَة مِنْ الْحَسَنَاتِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَ) إنْ قُلْت قَدْ عَدَّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ الْحَسَنَاتِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ فَكَيْفَ أَجْزَأَ عَنْهُمَا رَكْعَتَا الضُّحَى وَهُمَا تَطَوُّعٌ، وَكَيْفَ أَسْقَطَ هَذَا التَّطَوُّعُ ذَلِكَ الْفَرْضَ قُلْت الْمُرَادُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَيْثُ قَامَ الْفَرْضُ بِغَيْرِهِ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَكَأَنَّ كَلَامَهُ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ أَوْ الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْمَعْرُوفِ لِيُفْعَلَ وَالْمُنْكَرِ لِيُجْتَنَبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ وَاقَعَهُ فَإِذَا فَعَلَهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنَاتِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ الثَّلَثِمِائَةِ وَالسِّتِّينَ وَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ وَيَقُومُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ رَكْعَتَا الضُّحَى أَمَّا إذَا تَرَكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ عِنْدَ فِعْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ فَقَدْ أَثِمَ وَلَا يَرْفَعُ الْإِثْمَ عَنْهُ رَكْعَتَا الضُّحَى وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة فَضْلِ صَلَاةِ الضُّحَى] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِصَلَاةِ الضُّحَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَسَنَةً قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَبْلَغُ شَيْءٍ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الضُّحَى انْتَهَى وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الرَّوَاتِبِ لَكِنَّ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَدَّمَ عَلَيْهَا صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فَجَعَلَهَا فِي الْفَضْلِ بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَالضُّحَى وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الضُّحَى لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهَا وَسِرٍّ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ أَوْ يَقُومُ مَقَامَهَا رَكْعَتَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَمَلٌ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِذَا صَلَّى فَقَدْ قَامَ كُلُّ عُضْوٍ بِوَظِيفَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ مَعْنًى. [فَائِدَة أَقَلَّ صَلَاةِ الضُّحَى وَأَكْثَرُهَا] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ أَقَلَّ صَلَاةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَكْثَرِهَا فَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ بِأَنَّ أَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إنْ صَلَّيْت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا أَرْبَعًا كُتِبْت مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا سِتًّا كُتِبْت مِنْ الْقَانِتِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا ثَمَانِيًا كُتِبْت مِنْ الْفَائِزِينَ وَإِنْ صَلَّيْتهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَك ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ وَإِنْ صَلَّيْتهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَنَى اللَّهُ لَك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى ضَعْفِهِ بِقَوْلِهِ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قِيلَ لَهُمَا أَيُّهُمَا أَشْبَهُ قَالَ جَمِيعًا مُضْطَرِبِينَ لَيْسَ لَهُمَا فِي الرِّوَايَةِ مَعْنًى. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ فُلَانِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» وَقَالَ سَأَلْت مُحَمَّدًا فَقَالَ هَذَا حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر وَلَمْ يَعْرِفْهُ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَكْثَرُهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ وَكُلَّمَا زَادَ كَانَ أَفْضَلَ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ الْأَمْرُ فِي مِقْدَارِهَا إلَى الْمُصَلِّي كَسَائِرِ التَّطَوُّعِ وَهُمَا غَرِيبَانِ فِي مَذْهَبِنَا وَبِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ اخْتِلَافَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ الصَّوَابُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَذَا أَنْ يُصَلِّيَهَا مَنْ أَرَادَ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ قَوْمٍ مِنْ السَّلَفِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ الْأَسْوَدَ سُئِلَ كَمْ أُصَلِّي الضُّحَى قَالَ كَمَا شِئْت وَلَمَّا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ قَالَ وَأَفْضَلُهَا ثَمَانٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَكْمَلُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْسَطُهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتٌّ. [فَائِدَة وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَدْ عُرِفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الضُّحَى اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَأُضِيفَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لِذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا فَوَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّهَارِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقْتُهَا مِنْ حِينِ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ إلَى الِاسْتِوَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ارْتِفَاعِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنْ لَا يَخْلُوَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَقْتُهَا إذَا عَلَتْ الشَّمْسُ وَاشْتَدَّ حَرُّهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيَانُ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِشَارَةُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِدَاوُد فِي قَوْلِهِ {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص: 18] فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ كَانَتْ إذَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ فَأَثَّرَ حَرُّهَا فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَجِدَهَا الْفِصَالُ حَارَّةً لَا تَبْرُكُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا تَصْنَعُ الْغَفْلَةُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ يَزِيدُ الْجَاهِلُونَ فَيُصَلُّونَهَا وَهِيَ لَمْ تَطْلُعْ قَيْدَ رُمْحٍ وَلَا رُمْحَيْنِ يَعْتَمِدُونَ بِجَهْلِهِمْ وَقْتَ النَّهْيِ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ اُضْحُوَا عِبَادَ اللَّهِ بِصَلَاةِ الضُّحَى. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُمْ رَآهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَ هَلَّا تَرَكُوهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ صَلَّوْهَا؟ فَذَلِكَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَهُمْ نَحَرُوهَا نَحَرَهُمْ اللَّهُ فَهَلَّا تَرَكُوهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ بِالْجَبِينِ صَلَّوْا فَتِلْكَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَعَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ لِي سَقَطَ الْفَيْءُ؟ فَإِذَا قُلْت نَعَمْ قَامَ فَسَبَّحَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 صَلَاةُ الْوِتْرِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ كَيْفَ نُصَلِّي بِاللَّيْلِ قَالَ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ» وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ النَّسَائِيّ هَذَا عِنْدِي خَطَأٌ.   Q [صَلَاةُ الْوِتْرِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ] [حَدِيث ابْن عمر أَنْ صَلَاة اللَّيْل مَثْنَى مَثْنَى] (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ كَيْفَ نُصَلِّي بِاللَّيْلِ قَالَ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ» وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ فَأَوْتِرُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ بِلَفْظِ «فَإِذَا كَانَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَوْتِرُوا قَبْلَ الْفَجْرِ» وَلِأَصْلِ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ. (الثَّانِيَةُ) لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا السَّائِلِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا أَدْرِي هُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَعِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ مَثْنَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ النُّونِ أَيْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَثْنَى مَثْنَى؟ فَقَالَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ مَدْلُولُ مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا فَائِدَةُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ؟ قُلْت هُوَ مُجَرَّدُ تَأْكِيدٍ وَقَوْلُهُ مَثْنَى مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْجُمْهُورِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا وَإِنْ شَاءَ ثَمَانِيًا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ. [فَائِدَة الزِّيَادَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي الْخَبَرِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ حَصْرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِيمَا هُوَ مَثْنَى وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ إلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لَا أَنَّ غَيْرَهُ مُمْتَنِعٌ فَقَدْ صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهَا «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» الْحَدِيثَ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْقَوْلَ إذَا عَارَضَهُ الْفِعْلُ قُدِّمَ الْقَوْلُ لِاحْتِمَالِ الْفِعْلِ التَّخْصِيصَ وَيَرُدُّ احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «مَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ وَمَنْ شَاءَ أُوَتِّر بِثَلَاثٍ وَمَنْ شَاءَ أُوَتِّر بِوَاحِدَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ أَيْ جُلُوسَ قِيَامٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِنَّ قَائِمًا إلَّا الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ فَيَجْلِسُ فِي مَحَلِّ الْقِيَامِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة نَوَافِلَ النَّهَارِ لَا يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ] 1 (السَّادِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ لَا يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَاهُ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ أَيْضًا التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ تَرْجِيحُ أَرْبَعٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى هَذَا أَصَحِيحٌ هُوَ؟ فَقَالَ نَعَمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُضَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَأَلَتْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَقَالَ صَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَقَالَ بِأَيِّ حَدِيثٍ؟ فَقُلْت بِحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» فَقَالَ وَمَنْ عَلِيٌّ الْأَسَدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ هَذَا،، أَدَعُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَآخُذُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ،، لَوْ كَانَ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ وَكَانَ شُعْبَةُ يَنْفِي هَذَا الْحَدِيثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ لَا نَكَارَةَ فِيهِ وَلَا مَدْفَعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ ذَكَرَ فِي مُوَطَّآتِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَقَدْ رُوِيَ «قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَقَالَ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» . «وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَصَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَجَبَ رَدُّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَيْهِ قِيَاسًا وَنَظَرًا انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَافِعٌ وَطَاوُسٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَحَدٌ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَّا أَنَّ سَبِيلَ الزِّيَادَاتِ أَنْ تُقْبَلَ وَقَدْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ سَلَّمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَإِنَّمَا تُعْرَفُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَخَالَفَهُ نَافِعٌ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ انْتَهَى. وَأَجَابُوا عَنْ مَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لَيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ لَا لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهَا كَيْفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهُوَ صَلَاةُ النَّهَارِ مِثْلُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَهُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَأَمَّا فِعْلُ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ صَلَاتُهُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ «إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ إنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابَةُ لَا بِمَا رَآهُ وَفَعَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ أَيْضًا مَثْنَى فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا مَثْنَى بَلْ الْأَفْضَلُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي النَّافِلَةِ فَقَالَ أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فَمَثْنَى مَثْنَى وَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ يَثْبُتُ وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي تَطَوُّعِهِ بِالنَّهَارِ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ لَا عَلَى تَفْضِيلِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَارِقِيِّ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ لَفَظَّةِ النَّهَارِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ مَعَ جَوَازِ غَيْرِهِ انْتَهَى. [فَائِدَة التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ] (الثَّامِنَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ جَوَازُهُ قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَكَعْت إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً قَالَ هُوَ التَّطَوُّعُ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ. [فَائِدَة الْوِتْرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْعِهِ الْوِتْرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورُ جَوَازُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي حَلِيمَةَ مُعَاذِ بْنِ الْحَارِثِ الْقَارِئِ قِيلَ إنَّ لَهُ صُحْبَةً وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَكْثَرِ هَؤُلَاءِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَمِمَّنْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيُ قُلْت وَلَيْسَ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَعْجَبُ إلَيَّ ثَلَاثٌ وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَبِثَلَاثٍ وَبِخَمْسٍ وَبِسَبْعٍ وَبِتِسْعٍ وَبِإِحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ زَادَ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَهَلْ الْأَفْضَلُ فَصْلُهَا بِسَلَامَيْنِ أَوْ وَصْلُهَا بِسَلَامٍ؟ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْفَصْلُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي الْوَصْلُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَصْلُ وَإِنْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ فَالْوَصْلُ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهَلْ الثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَةٍ مُفْرَدَةٍ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ. (وَالثَّانِي) الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ مِنْ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مَوْصُولَةً. (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَرْدَةُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثٌ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ الْحَسَنِ وَرَاوِيهِ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْمُبْتَدَعُ الضَّالُّ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ سَمِعْت وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ ذَلِكَ. [فَائِدَة الْوِتْرَ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَتَقَدَّمَهُ نَافِلَةٌ] 1 (الْعَاشِرَةُ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ «تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَتَقَدَّمَهُ نَافِلَةٌ فَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَنَفَّلَ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لَا شَفْعَ قَبْلَهَا فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ صِحَّةُ الْوِتْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُوتِرَ بِهَا نَفْلًا فَقَدْ يُوتِرُ بِهَا فَرْضًا وَهُوَ الْعِشَاءُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوبَ «وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَةً. وَإِنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أَوْتَرَ بِهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِشَاءِ قَالَ لِرَجُلٍ أَلَا أُعَلِّمُك الْوِتْرَ؟ فَقَالَ بَلَى فَقَامَ فَرَكَعَ رَكْعَةً. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَصَابَ. [فَائِدَة وُجُوبِ الْوِتْرِ] (الْحَادِيَة عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ «فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ» عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ لِلْأَمْرِ بِهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَرِدْ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا وَرَدَ بَعْدَ سُؤَالٍ فَلَا يَكُونُ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ أُمِرَ قَبْلَهُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِهَا [فَائِدَة خُرُوجُ وَقْتِ الْوِتْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ» دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْوِتْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا إنَّمَا يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ وَيَبْقَى وَقْتُهُ الضَّرُورِيُّ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو مَصْعَبٍ كَالْجُمْهُورِ يَنْتَهِي وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَيْسَ لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ الْوِتْرُ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَرَوَى الْوِتْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَعَائِشَةَ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُوتِرُ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ وَرَخَّصَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَالَ النَّخَعِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ فَلَا يُوتِرُ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَحُمَيْدَ الطَّوِيلُ إنَّ أَكْثَرَ وِتْرَنَا لَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قُلْت مَا حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ عَنْهُ لُكْنَهُ يَرَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ سُئِلَ أَلَا يُوتِرُ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ تَرْكَ الْوِتْرِ حَتَّى يُصْبِحَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ وَقْتَ ضَرُورَتِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ امْتِدَادَهُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي مُرَاعَاةِ طُلُوعِ الْفَجْرِ أُرِيدَ بِهِ مَا لَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ قَصَدَهُ وَاعْتَمَدَهُ وَأَمَّا مَنْ نَامَ عَنْهُ حَتَّى انْفَجَرَ الصُّبْحُ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَعَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَيْسَ مِمَّنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْخِطَابِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ وَإِنْ صَلَّى الصُّبْحَ هَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْوِتْرِ وَإِنْ صَلَّى الْفَجْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ وَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ النَّافِلَةِ وَهَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ قَضَاءً وَمَا أَرَادَ قَائِلُوهَا اسْتِمْرَارَ وَقْتِهَا إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ أَدَاءً وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مِنْهُمْ فَعِبَارَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» . قَالَ وَهَذَا الظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْضَى دَائِمًا كَالْفَرْضِ وَلَمْ أَرَ قَائِلًا بِهِ قُلْت هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَائِدَة التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ] 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَلَى امْتِنَاعِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِغَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، قَالَ: إذْ لَوْ كَانَ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْفَجْرِ مُبَاحًا لَمَا كَانَ لِخَشْيَةِ الصُّبْحِ مَعْنًى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَلْ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنْ يُوقِعَ الْوِتْرَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَلَا يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «وَاجْعَلْ آخَرَ صَلَاتِك وِتْرًا» . [فَائِدَة الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِفِعْلِهِ عِنْدَ خَشْيَةِ الصُّبْحِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ فَتَعْجِيلُهُ قَبْلَ النَّوْمِ أَفْضَلُ كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ مُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَهَجُّدَ لَهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ وَرَاتِبَتِهَا فَيُقَالُ مَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْوِتْرَ وَتَهَجُّدَ اللَّيْلِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْوِتْرَ وَتَهَجُّدَ اللَّيْلِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا أَيَّهَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ قَالَ وَأَفْضَلُهَا أَنْ يُصَلِّيَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً وَيُسَلِّمَ إلَى أَنْ قَالَ وَالتَّاسِعُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» فَفُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فِي هَذَا الْعَدَدِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ مِنْ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ السَّلَامُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الصُّبْحَ فَيَضِيقَ حِينَئِذٍ وَقْتُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَيَتَعَيَّنَ الْإِتْيَانُ بِآخِرِهَا وَخَاتِمَتِهَا وَهُوَ الْوِتْرُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ جَمِيعُ النَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَوْ أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ التَّنَفُّلَ لَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُصَلِّي وَإِذَا لَمْ يَشْفَعْهُ فَهَلْ يُعِيدُ الْوِتْرَ آخِرًا؟ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يُعِيدُهُ لِحَدِيثِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» .   Q [حَدِيث يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ] الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا فَارْقُدْ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسَ كَسْلَانَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِاللَّيْلِ بِحَبْلٍ فِيهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِذَا قَامَ فَتَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَيُصْبِحُ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْبَحَ كَسِلًا خَبِيثَ النَّفْسِ لَمْ يُصِبْ خَيْرًا» . (الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا عُقَدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ ابْنِ آدَمَ إذَا رَقَدَ فَلَا يُوصَلُ إلَى كَيْفِيَّتِهِ وَأَظُنُّهُ مَجَازًا كِنَايَةً عَنْ حَبْسِ الشَّيْطَانِ وَتَثْبِيطِهِ لِلْإِنْسَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَمَلِ الْبِرِّ وَقِيلَ إنَّهَا كَعُقَدِ السِّحْرِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ قَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ «عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ» فَكَأَنَّهُ يَقُولُهَا إذَا أَرَادَ النَّائِمُ الِاسْتِيقَاظَ إلَى حِزْبِهِ فَيَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ بَقِيَتْ مِنْ اللَّيْلِ بَقِيَّةٌ طَوِيلَةٌ حَتَّى يَرُومَ بِذَلِكَ إتْلَافَ سَاعَاتِ لَيْلِهِ وَتَفْوِيتَ حِزْبِهِ فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ أَيْ عَلِمَ إنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَدْ مَرَّ مِنْ اللَّيْلِ طَوِيلٌ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ طَوِيلٌ فَإِذَا قَامَ فَتَوَضَّأَ اسْتَبَانَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَانْحَلَّ مَا كَانَ عَقَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْغُرُورِ وَالِاسْتِدْرَاجِ فَإِذَا صَلَّى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ انْحَلَّتْ الْعُقْدَةُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصْغِ إلَى قَوْلِهِ وَيَئِسَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ وَالْقَافِيَةُ هِيَ مُؤَخِّرُ الرَّأْسِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ فَعَقْدُهُ فِيهِ إثْبَاتُهُ فِي فَهْمِهِ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ لَيْلٌ طَوِيلٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَرَأَيْت لِبَعْضِ مَنْ فَسَّرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْعُقَدُ الثَّلَاثُ هِيَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ أَنَّهُ يَكْثُرُ نَوْمُهُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَبِمَا أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْعُقَدِ فَقِيلَ هُوَ عَقْدٌ حَقِيقِيٌّ بِمَعْنَى عُقَدِ السِّحْرِ لِلْإِنْسَانِ وَمَنْعِهِ مِنْ الْقِيَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ يُؤَثِّرُ فِي تَثْبِيطِ النَّائِمِ كَتَأْثِيرِ السِّحْرِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا يَفْعَلُهُ كَفِعْلِ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ وَيُحَدِّثُهُ بِأَنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا فَتَأَخَّرْ عَنْ الْقِيَامِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ كُنِّيَ بِهِ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَعْنَى الْمَحْكِيَّ عَنْ الْمُهَلَّبِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْعُقَدَ بِثَلَاثٍ لِأَنَّ أَغْلَبَ مَا يَكُونُ انْتِبَاهُ النَّائِمِ فِي السَّحَرِ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ وَيَرْجِعَ إلَى النَّوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُنْقَضْ النَّوْمَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْغَالِبِ إلَّا وَالْفَجْرُ قَدْ طَلَعَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ تَثْقِيلَهُ فِي النَّوْمِ وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شِدَادًا وَعَقَدَهُ ثَلَاثَ عُقَدٍ. (الثَّالِثَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْطَانِ هُنَا جِنْسُ الشَّيْطَانِ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ إبْلِيسُ. (الرَّابِعَةُ) ذَكَرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ الْقَافِيَةَ الْقَفَا ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ قَافِيَةُ الرَّأْسِ مُؤَخِّرُهُ وَقِيلَ وَسَطُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْقَافِيَةُ آخِرُ الرَّأْسِ وَقَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشَّعْرِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْقَافِيَةُ مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ وَفِيهِ الْعَقْلُ وَالْفَهْمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ وَيَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَضْرِبْ بِيَدِهِ عَلَى مَكَانِ الْعُقَدِ تَأْكِيدًا لَهَا وَإِحْكَامًا أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ سِحْرِهِ وَفِي فِعْلِهِ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ وَلَهُ تَأْثِيرٌ يَعْلَمُهُ هُوَ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ الضَّرْبَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحِجَابٍ يَصْنَعُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَمْنَعُ وُصُولَ الْحِسِّ إلَى ذَلِكَ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «فَضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ» قَالُوا فِيهِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ النَّوْمِ وَمَعْنَاهُ حَجْبُ الصَّوْتِ وَالْحِسِّ أَنْ يَلِجَا آذَانَهُمْ فَيَنْتَبِهُوا فَكَأَنَّهَا قَدْ ضُرِبَ عَلَيْهَا حِجَابٌ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ مُوَطَّإِ أَبُو مُصْعَبٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ» بِالرَّفْعِ أَيْ بَقِيَ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ وَرَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَالَ رِوَايَتُنَا الصَّحِيحَةُ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «عَلَيْك لَيْلًا طَوِيلًا» عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ الْأَمْكَنُ فِي الْغُرُورِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخْبِرُهُ عَنْ طُولِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالرُّقَادِ بِقَوْلِهِ فَارْقُدْ وَإِذَا نُصِبْ عَلَى الْأَغْرَاءِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ طُولِ الرُّقَادِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ فَارْقُدْ ضَائِعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْمُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَقُولُ الشَّيْطَانُ لِلنَّائِمِ هَذَا الْكَلَامَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَيْلًا طَوِيلًا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ فِي لَيْلٍ طَوِيلٍ وَقَوْلُهُ عَلَيْك يَحْتَمِلُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ يَضْرِبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِكُلِّ عُقْدَةٍ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ لَيْلًا طَوِيلًا» أَيْ اُرْقُدْ [فَائِدَة الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ مَخْصُوصَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» وَلَا يَتَعَيَّنُ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْأَذْكَارَ الْمَأْثُورَةَ فِيهِ أَفْضَلُ [فَائِدَة التَّحْرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ وَكَوْنُهُ تَنْحَلُّ بِهِ إحْدَى عُقَدِ الشَّيْطَانِ] 1 (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ تَنْحَلُّ بِهِ إحْدَى عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَإِنْ لَمْ تَنْضَمَّ إلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ صَلَاةٌ. (التَّاسِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِشَرْطِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ. (الْعَاشِرَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلٌ لَمْ تَنْحَلَّ عُقْدَةُ الشَّيْطَانِ بِمُجَرَّدِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ الْوُضُوءِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْوُضُوءِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجَنَابَةِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ» رُوِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْجَمْعِ وَبِإِسْكَانِهَا عَلَى الْإِفْرَادِ كَاللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الَّذِي ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «الْعُقَدُ» وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «الْعُقَدُ كُلُّهَا» وَنَقَلَ ` ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الثَّانِي وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْحَلَّ بِالصَّلَاةِ تَمَامُ عُقَدِهِ فَإِنَّهُ قَدْ انْحَلَّ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ اثْنَانِ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ وَحَصَلَ حِينَئِذٍ تَمَامُ انْحِلَالِ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. [فَائِدَة فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ لَكِنْ هَلْ يَحْصُلُ انْحِلَالُ عُقْدَةِ الشَّيْطَانُ الْأَخِيرَةِ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِتَمَامِهَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ أَفْسَدَهَا قَبْلَ تَمَامِهَا لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ غَرَضٌ وَرَأَيْت وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ اسْتِعْجَالُ حَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ بَدِيعٌ وَمُقْتَضَاهُ مَا رَجَّحْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْدِشُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ تَشْرِيعًا لِأُمَّتِهِ لِيَقْتَدُوا بِهِ فَيَحْصُلَ لَهُمْ هَذَا الْمَقْصُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الشَّيْطَانُ يَعْقِدُ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ عَقْدِ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِهِ وَإِنْ صَلَّى بَعْدَهُ وَإِنَّمَا تَنْحَلُّ عُقَدُهُ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ قَالَ وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْعَقْدِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَجَعَلَ مَنْ صَلَّى وَانْحَلَّتْ عُقَدُهُ كَمَنْ لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ أَثَرِهِ قُلْت مَا أُوِّلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَاضِحٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّيْطَانَ إنَّمَا يَعْقِدُ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ وَصَلَّى الْعِشَاءَ انْحَلَّتْ الْعُقَدُ وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ أَمَّا مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فَقَدْ قَامَ بِمَا عَلَيْهِ فَلَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَعْقِدُ عَلَى قَافِيَتِهِ شَيْئًا وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ حَمَلَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِيمَنْ نَامَ لَيْلَهُ كُلَّهُ حَتَّى أَصْبَحَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» ، عَلَى أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى انْقَضَى اللَّيْلُ كُلُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْ السَّلَفِ قَوْمًا كَانُوا يَنَامُونَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَيُصَلُّونَهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ حَكَى عَنْ الْحَكَمِ قَالَ كَانُوا يَنَامُونَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْقُدْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يُوقِظُهُ. وَعَنْ سُرِّيَّةٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رُبَّمَا أَغْفَى قَبْلَ الْعِشَاءِ وَرُوِيَ إنَّهُ مَا كَانَتْ نَوْمَةٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَوْمَةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَذَكَرَ إبَاحَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ سِيرِينَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا أَوْ مَعَ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُخَالِفُ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْته فِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِحَمْلِهِ عَلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الصَّلَاةِ الَّتِي تَنْحَلُّ بِهَا عُقْدَةُ الشَّيْطَانِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَالَ الْبُخَارِيُّ إلَى وُجُوبِهَا وَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَعْقِدْ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ» الْحَدِيثَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذِهِ الْعُقْدَةُ تَنْحَلُّ بِصَلَاتِهِ الصُّبْحَ وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَيَّنَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْأَمْرَ غَايَةَ الْبَيَانِ فَقَالَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ قِيَامَ اللَّيْلَ مَنْسُوخٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فِيهِ «أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ تَعْنِي الْمُزَّمِّلَ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْفَرِيضَةِ» انْتَهَى. وَهُنَا أُمُورٌ: (أَحَدُهَا) مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِنْ مِيلِهِ إلَى الْوُجُوبِ وَتَعَلُّقُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّ التَّبْوِيبَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَقَدْ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ عَقْدَ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْسِ النَّائِمِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ صُنْعٌ وَلَا تَسَبُّبٌ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ حَدِيثُ سَمُرَةَ: «أَمَّا الَّذِي يَثْلَغُ رَأْسَهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» وَهَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ أَيْضًا بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ الذَّمَّ عَلَى نَوْمِهِ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. (ثَانِيهَا) مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ حَمْلِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَنْحَلُّ بِهَا عُقْدَةُ الشَّيْطَانُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ «فَإِنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ» الْحَدِيثَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ مَنْ لَمْ يَقُمْ إلَى صَلَاتِهِ وَضَيَّعَهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْقِيَامُ إلَى صَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ إلَى نَافِلَتِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاتِهِ وَنَوْمِهِ صَدَقَةً عَلَيْهِ» وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] الْآيَةَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا وَقَالَ لَهُ بِلَالٌ أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك» وَفِي هَذَا كُلِّهِ الْعُذْرُ الْبَيِّنُ وَالْمَخْرَجُ الْوَاسِعُ لِمَنْ غَلَبَهُ نَوْمُهُ عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّ الْحَدِيثَ نَدَبَ إلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا إلَى أَنْ لَا يَطْلُعَ الْفَجْرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ إلَّا وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ وَتَأَهَّبَ بِالْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُرَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوْ الصُّبْحُ أَوْ تَهَجُّدُ اللَّيْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَالِثُهَا) أَطْلَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ بِأَهْلِ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا قِيَامُ اللَّيْلِ عَلَى أَصْحَابِ الْقُرْآنِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ أَنَّهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَا يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدْ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلَا يَقُومُ بِهِ إنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ ذَاكَ، إنَّمَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ قِيلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] قَالَ نَعَمْ وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ فَرْضًا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] خَبَرُنَا عَنْهُ إذَا لَمْ يَخِفَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ أَنْ يَقْرَأَ بِشَيْءٍ هَلْ يُوجَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَخِفَّ وَيَتَيَسَّرْ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكَلُّفُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ وَلَمْ يَخَفْ فَقَدْ أَسْقَطَ فَرْضَهُ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ خَفَّ أَوْ لَمْ يَخِفَّ كَمَا قَالَ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] قَالَ وَقَوْلُ مَا تَيَسَّرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَدَّدَ بَعْضُ التَّابِعِينَ فَأَوْجَبَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. [فَائِدَة هَلْ الَّذِي يُصْبِح خَبِيث النَّفْس كَسْلَان هُوَ الَّذِي يَتْرُك جَمِيع الْخِصَال أَوْ بَعْضهَا] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ «فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ» مَعْنَاهُ لِسُرُورِهِ بِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ لَهُ مِنْ الطَّاعَةِ وَوَعَدَهُ بِهِ مِنْ ثَوَابِهِ مَعَ مَا يُبَارَكُ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ مَعَ مَا زَالَ عَنْهُ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَتَثْبِيطِهِ وَقَوْلُهُ «وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَآثَارِ تَثْبِيطِهِ وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَشِيطًا لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِكَوْنِهِ أَلِفَهَا طَيِّبَ النَّفْسِ لِرَجَاءِ ثَوَابِ مَا فَعَلَ وَقَوْلُهُ خَبِيثَ النَّفْسِ أَيْ بِشُؤْمِ تَفْرِيطِهِ وَتَمَامِ خَدِيعَةِ الشَّيْطَانِ لَهُ كَسْلَانَ أَيْ مُتَثَاقِلٌ عَنْ الْخَيْرَاتِ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى تَضْيِيعِ الْوَاجِبَاتِ انْتَهَى وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّهُ أَحْسَنُ بَيَانًا وَإِيضَاحًا. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) كَوْنُهُ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ، هَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي هِيَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ أَوْ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَجْمُوعِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِبَعْضِهِ لَا يَنْفِي عَنْهُ خَبُثَ النَّفْسِ وَالْكَسَلَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَنْ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ انْتَفَى عَنْهُ خُبْثُ النَّفْسِ وَالْكَسَلُ انْتِفَاءً كَامِلًا وَإِذَا أَتَى بِبَعْضِهَا انْتَفَى عَنْهُ بَعْضُ خُبْثِ النَّفْسِ وَالْكَسَلِ بِقَدْرِ مَا أَتَى بِهِ مِنْهَا فَلَيْسَ عِنْدَ مَنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَالْكَسَلِ مَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ وَصْفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَاعِلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ خَبِيثَ النَّفْسِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي؟» قُلْت ذَلِكَ الْحَدِيثُ نُهِيَ الْإِنْسَانَ أَنْ يَقُولَ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «كَسْلَانَ» غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْأَلْفِ وَالنُّونِ الْمَزِيدَتَيْنِ وَهُوَ مُذَكَّرُ كَسْلَى وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ كَسْلَانًا مَصْرُوفًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ قَلَم يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ» .   Q [حَدِيث صَلَاة الْإِنْسَان وَهُوَ نَاعِس وَالْأَمْر بِالرُّقَادِ حَتَّى يذهب النوم] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَأَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ» وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَعَسَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ» يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقِيَامَ هُنَا عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ الْقِيَامُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقِيَامُ لِلصَّلَاةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ» . (ثَانِيهِمَا) أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ مِنْ اللَّيْلِ نَفْسُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ قِيَامُ اللَّيْلِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ» بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ «فَاسْتَعْجَمَ» وَرَفْعِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ «الْقُرْآنُ» عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ اسْتَغْلَقَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِسَانُهُ لِغَلَبَةِ النُّعَاسِ كَأَنَّهُ صَارَتْ بِهِ عُجْمَةٌ لِاخْتِلَاطِ حُرُوفِ النَّاعِسِ وَعَدَمِ بَيَانِهَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ: اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ اسْتَبْهَمَ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ اسْتَعْجَمَ الرَّجُلُ سَكَتَ وَاسْتَعْجَمَتْ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقِرَاءَتُهُ انْقَطَعَتْ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ نُعَاسٍ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَمْ يُفْصِحْ بِهِ لِسَانُهُ ثُمَّ قَالَ اسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ أَيْ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ كَالْأَعْجَمِيِّ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: اسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ أَيْ ارْتَجَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقْرَأَ كَأَنَّهُ صَارَ بِهِ عُجْمَةٌ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ» ، يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَوْجُهًا: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لِنُعَاسِهِ صَارَ لَا يَفْهَمُ مَا يَنْطِقُ بِهِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَدْرِي لِشِدَّةِ نُعَاسِهِ مَا بَعْدَ اللَّفْظِ الَّذِي نَطَقَ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لِشِدَّةِ نُعَاسِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ أَصْلًا وَهَذِهِ مَرَاتِبُ أَخَفُّهَا الْأَوَّلُ وَأَشَدُّهَا الْأَخِيرُ. (الْخَامِسَةُ) الْأَمْرُ بِالِاضْطِجَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ؟ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ النُّعَاسُ خَفِيفًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي النَّاعِسُ أَنَّهُ أَتَى بِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَصَلَاتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا ثُمَّ إنْ ذَهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ بِأَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ الِاضْطِجَاعِ مِنْ تَبَرُّدٍ بِمَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى ذَهَابِ النَّوْمِ وَقَدْ ذَهَبَ فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصِدُ سَقَطَتْ الْوَسَائِلُ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ذَلِكَ إلَّا بِالِاضْطِجَاعِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمَة لِلْوَاجِبِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّ مَنْ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَكَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَنَامَ حَتَّى يَتَفَرَّغَ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى فَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا وَمَا دَامَ النُّعَاسُ خَفِيفًا فَلَا وَجْهَ لِلْوُجُوبِ وَإِذَا اشْتَدَّ النُّعَاسُ انْقَطَعَتْ الصَّلَاةُ لِشِدَّتِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إيجَابِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُصَلِّي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنَّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْقِيَامِ مِنْ اللَّيْلِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النُّعَاسُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ دُونَ صَلَاةِ النَّهَارِ وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِصَلَاةِ النَّفْلِ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى صَلَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّيْلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ غَلَبَةُ النَّوْمِ إنَّمَا هِيَ فِي اللَّيْلِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. 1 - (السَّابِعَةُ) مَحَلُّ هَذَا الْأَمْرِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَرِيضَةٍ قَدْ ضَاقَ وَقْتُهَا فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ زَمَنٌ يَسَعُ صَلَاةَ الْفَرْضِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا كَذَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ إنَّهُ يُصَلِّي عَلَى مَا أَمْكَنَهُ وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ وَيُدَافِعُ النَّوْمَ جُهْدَهُ ثُمَّ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَدَّاهَا وَعَقِلَهَا أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا أَعَادَهَا، قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي يَمْشِي عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ قَدْرَ الصَّلَاةِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَأْكُلُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ لَا تُؤَدِّي إلَى حَالَةِ النَّاعِسِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَأَنَّ مَنْ أَدَّاهُ النُّعَاسُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَمِرُّ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يُسْرِعُ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ عَلَى حَالَةٍ يَدْرِي أَنَّهُ أَتَى بِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الضَّحَّاكِ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] قَالَ سُكْرُ النَّوْمِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ الضَّحَّاكِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَمَنْ أَدَّاهُ غَلَبَةُ النَّوْمِ إلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الدُّخُولِ فِيهَا وَمِنْ إتْمَامِهَا بَعْدَ الشُّرُوعِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ انْتَهَى. (الثَّامِنَةُ) عَلَى تَقْرِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ فَإِذَا أُمِرَ بِإِبْطَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا عِنْدَ طُرُوءِ النُّعَاسِ فَعَدَمُ الدُّخُولِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. (التَّاسِعَةُ) عَلَّلَ الْأَمْرَ فِي الرُّقَادِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ» وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ خَشْيَةَ التَّخْلِيطِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَالْأَمْرُ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدُّ لِوُجُوبِهَا وَلِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِي تَغْيِيرِ الْقُرْآنِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِمَا لَا يَقْصِدُ النُّطْقَ بِهِ مِنْ تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ أَوْ دُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ نَاعِسٌ؟ قُلْت قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالنَّهْيِ. (وَالْوَجْه الثَّانِي) إنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِ وَذَلِكَ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الصَّلَاةِ أَدَاؤُهَا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ وَتَحْصِيلُ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ بِكَوْنِهِ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ إجَابَةُ مَا قَصَدَ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ تَكْلِيفِ نَفْسِهِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) قَدْ يُدَّعَى أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ لِأَنَّ عَدَمَ دِرَايَتِهِ لِمَا يَقُولُ قَدْ يَكُونُ لِنُعَاسٍ وَقَدْ يَكُونُ لِشَغْلِ فِكْرٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ لَكِنَّ الْأَغْلَبَ كَوْنُهُ النُّعَاسَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ الْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ فَفِي مَنْعِ النَّاعِسِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا يَحْذَرُ مِنْ تَغْيِيرِهِ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قَدْرٌ زَائِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا قَرَأَ مِنْ الْوَاجِبِ لَمْ يُؤَدِّ فَرْضَهُ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) أَمْرُهُ بِالِاضْطِجَاعِ لِأَنَّهُ الْهَيْئَةُ الْمَحْمُودَةُ فِي النَّوْمِ وَالْمَعْهُودَةُ غَالِبًا فَلَوْ اسْتَلْقَى أَوْ نَامَ قَاعِدًا حَصَلَ الْغَرَضُ بِذَلِكَ. [فَائِدَة النُّعَاسَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ النُّعَاسَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ قَطْعَ صَلَاةِ النَّاعِسِ بِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ وَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِتَوَقُّعِ الْغَلَطِ مِنْهُ وَالنُّعَاسُ دُونَ النَّوْمِ وَحَقِيقَةُ النَّوْمِ اسْتِرْخَاءُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ وَخَفَاءُ الْكَلَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي النُّعَاسِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ إنَّ النُّعَاسَ النَّوْمُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّاعِرُ بِأَنَّهُ دُونَهُ فِي قَوْلِهِ وَسْنَانُ أَثْقَلَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ... فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيلَ مُقَارَبَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عِلَّةَ نَقْضِ طَهَارَتِهِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِي الْحَدِيثِ لِلنَّوْمِ وَقَدْ يُؤَدِّي النُّعَاسُ إلَى النَّوْمِ وَقَدْ لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ الْمُصَلِّي عَلَى صِفَةِ النَّاعِسِ حَتَّى يَفْرُغَ. [فَائِدَة الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ بِخُشُوعٍ وَفَرَاغِ قَلْبٍ وَنَشَاطٍ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْحَضِّ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ بِخُشُوعٍ وَفَرَاغِ قَلْبٍ وَنَشَاطٍ وَتَعَقُّلٍ لِمَا يَقْرَأهُ وَيَدْعُو بِهِ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِّ نَفْسِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ الدُّعَاءُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 بَابُ قِيَامِ رَمَضَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَعَهُ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ فَاجْتَمَعَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ مِنْ الْأُولَى فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَةُ أَوْ الرَّابِعَةُ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ حَتَّى اغْتَصَّ بِأَهْلِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ   Qإذَا ذَهَبَ يَسْتَغْفِرُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ رُبَّمَا قَلَبَ الدُّعَاءَ فَدَعَا عَلَى نَفْسِهِ أَمَّا الشَّتْمُ فَلَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» قَالَهُ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ حِينَ ضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ. وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ «وَلَا عَلَى خَدَمِكُمْ» وَقَالَ فِي آخِرِهِ «فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ إجَابَةً» وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِيمَنْ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِقَصْدِ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الْبَابِ فِيمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لِغَلَبَةِ النُّعَاسِ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِذَلِكَ. [فَائِدَة لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسُبَّ نَفْسَهُ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسُبَّ نَفْسَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى سَبِّ نَفْسِهِ هُنَا الدُّعَاءُ عَلَيْهَا ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ «فَيَسُبَّ» الرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى يَذْهَبُ وَالنَّصْبُ جَوَابًا لِلتَّرَجِّي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} [غافر: 36 - 37] عَلَى قِرَاءَةِ حَفْصٍ بِالنَّصْبِ. [بَابُ قِيَامِ رَمَضَانَ] [حَدِيث صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة فِي الْمَسْجِد فِي شَهْر رَمَضَان وَمَعَهُ نَاس] بَابُ قِيَامِ رَمَضَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَعَهُ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ فَاجْتَمَعَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ مِنْ الْأُولَى فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَةُ أَوْ الرَّابِعَةُ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ حَتَّى اغْتَصَّ بِأَهْلِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 النَّاسُ يُنَادُونَهُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا زَالَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَكَ الْبَارِحَةَ قَالَ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ أَمْرُهُمْ وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْهِمْ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» .   Qإلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ النَّاسُ يُنَادُونَهُ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا زَالَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَك الْبَارِحَةَ قَالَ أَمَا إنَّهُمْ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ أَمْرُهُمْ وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَفِي رِوَايَتَيْ عُقَيْلٍ وَيُونُسَ الْجَزْمُ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ الرَّابِعَةُ وَرِوَايَةُ النَّسَائِيّ هَذِهِ أَوْرَدَهَا فِي الصَّوْمِ وَزَادَ فِيهَا «وَكَانَ يُرَغِّبُهُمْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ» الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ هَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا كُلُّهَا عِنْدِي خَطَأٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَكَانَ يُرَغِّبُهُمْ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يُفْعَلَ فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِمَعْنًى قَدْ أُمِنَ بِوَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ خَشْيَةُ الِافْتِرَاضِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِعْلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ وَزَاذَانَ وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُمْ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ فَقَالَ عُمَرُ نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقِيلَ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ أَصَابُوا وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا» قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ، مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ضَعِيفٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ السَّهَرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَتْ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَتْ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ قَالَ الرَّاوِي قُلْت وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ السَّحُورُ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ جَائِزٌ أَنْ يُضَافَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَضِّهِ عَلَيْهِ وَعَمَلِهِ بِهِ وَأَنَّ عُمَرَ إنَّمَا سَنَّ مِنْهُ مَا قَدْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ فِعْلَهَا فُرَادَى فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيَالِي وَبَعْدَهَا وَتُوُفِّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَإِنَّمَا وَقَعَ تَغْيِيرُهُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَاعْتَرَفَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهَا مَفْضُولَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَيْرَةً بِخُصْفَةٍ أَوْ حَصِيرَةٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِيهَا فَتَتَبَّعَ إلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا فَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمْ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ مَا زَالَ لَكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» : لَفْظُ مُسْلِمٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِهِ سَالِمٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقُومُونَ مَعَ النَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَكُونُ أَنْتَ تَفُوهُ بِالْقُرْآنِ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُفَاهَ عَلَيْك بِهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ تَنْصَبُّ كَأَنَّك حِمَارٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي إلَّا سُورَةٌ أَوْ سُورَتَانِ لَأَنْ أُرَدِّدَهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفَصَّلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ إنْ كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَلَا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا وَلَا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِتَخَلُّفِهِ فَالِانْفِرَادُ، وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُ هَذَا فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ آمِنًا مِنْ الْكَسَلِ لَا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِتَخَلُّفِهِ فَإِنْ فَقَدَ بَعْضَ هَذِهِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ قَطْعًا وَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ تَرْكَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي التَّرَاوِيحِ إنَّمَا كَانَ لِمَعْنًى وَقَدْ زَالَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالُوا لَمْ يَعْتَرِفْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهَا مَفْضُولَةٌ وَقَوْلُهُ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيحُ الِانْفِرَادِ وَلَا تَرْجِيحُ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْجِيحُ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّاوِي بِقَوْلِهِ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكُلُّ مَنْ اخْتَارَ التَّفَرُّدَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أَلَّا يَنْقَطِعَ مَعَهُ الْقِيَامُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَّا الَّذِي يَنْقَطِعُ مَعَهُ الْقِيَامُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا، قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْمَسَاجِدِ عَنْ قِيَامِ رَمَضَانَ فَصَارَ هَذَا الْقِيَامُ وَاجِبًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَمَنْ فَعَلَهُ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ انْفَرَدَ كَالْفُرُوضِ الَّتِي عَلَى الْكِفَايَةِ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا هُوَ السُّنِّيَّةُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَعِبَارَتُهُ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَامَ النَّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ وَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَنْبَغِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ يَخْرُجُوا إلَيْهِ حَتَّى يَقُومُوا فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ قَدْ قَامَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ فِي بَيْتِهِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَمَلَ الصَّحَابَةِ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي جَمَاعَةٍ وَمَالِكٌ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّمَسُّكِ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّمَسُّكِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا يَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ قُلْت فَيَكُونُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة عَدَدُ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيح الَّتِي صَلَّاهُنَّ النَّبِيُّ] 1 (الثَّالِثَةُ) لَمْ يُبَيَّنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ الَّتِي صَلَّاهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ اللَّيَالِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا زَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَعَلَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَكِنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا جَمَعَ النَّاسَ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مُقْتَدِينَ بِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ صَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَفِي رِوَايَةٍ بِإِحْدَى عَشْرَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ قَامُوا بِعِشْرِينَ وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ وَشُكَيْلِ بْنِ شَكَلٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَالْحَارِثِ الْهَمْدَانِيُّ وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا انْتَهَى وَعَدُّوا مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَالْإِجْمَاعِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ» ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِرِوَايَةِ أَبِي شَيْبَةَ جَدِّ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَاخْتَارَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُصَلِّيَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ وَقَالَ إنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالْمَدِينَةِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ أَدْرَكْت النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُصَلُّونَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَقَالَ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقُومُونَ بِإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِخَمْسٍ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَصَالِحٌ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَا يَدْرِي مَنْ النَّاسُ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ فَلَعَلَّهُ قَدْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْ النَّاسِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ فَعَلُوهُ لَكَانَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فِي عَصْرِهِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا مُسَاوَاةَ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يَطُوفُونَ سَبْعًا بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مَكَانَ كُلِّ سَبْعٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مِنْهَاجِهِ فَمَنْ اقْتَدَى بِأَهْلِ مَكَّةَ فَقَامَ بِعِشْرِينَ فَحَسَنٌ وَمَنْ اقْتَدَى بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَامَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا بِمَا صَنَعُوا الِاقْتِدَاءَ بِأَهْلِ مَكَّةَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الْفَضْلِ لَا الْمُنَافَسَةَ كَمَا ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ قَالَ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى عِشْرِينَ وَقَرَأَ فِيهَا بِمَا يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قِيلَ وَالسِّرُّ فِي الْعِشْرِينَ أَنَّ الرَّاتِبَةَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ انْتَهَى وَلَمَّا وَلِيَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمَامَةَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَحَيًّا سُنَّتَهُمْ الْقَدِيمَةَ فِي ذَلِكَ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فَكَانَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً عَلَى الْمُعْتَادِ ثُمَّ يَقُومُ آخِرَ اللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ بِسِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً فَيَخْتِمُ فِي الْجَمَاعَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَتْمَتَيْنِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْدَهُ فَهُمْ عَلَيْهِ إلَى الْآنَ وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ يُصَلِّي أَرْبَعِينَ رَكْعَةً يُوتِرُ بِسَبْعٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ضِيقٌ وَلَا حَدٌّ يُنْتَهَى إلَيْهِ لِأَنَّهُ نَافِلَةٌ فَإِنْ أَطَالُوا الْقِيَامَ وَأَقَلُّوا السُّجُودَ فَحَسَنٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ أَكْثَرُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَحَسَنٌ. [فَائِدَة اسْتِحْبَاب الْجَمَاعَةِ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «اغْتَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ» أَيْ امْتَلَأَ بِهِمْ وَضَاقَ عَنْهُمْ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ غَصَّ الْبَيْتُ امْتَلَأَ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْمَنْزِلُ غَاصٌّ بِالْقَوْمِ أَيْ مُمْتَلِئٌ بِهِمْ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ غَصَّ الْمَكَانُ بِأَهْلِهِ ضَاقَ وَاعْلَمْ أَنَّا كُنَّا ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ اغْتَصَّ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ثُمَّ لَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ أَصْلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي اللُّغَةِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَمْ تُسْتَعْمَلْ إلَّا مَبْنِيَّةً لِلْمَفْعُولِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِيهَا الِانْفِرَادُ إلَّا فِي نَوَافِلَ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ. [فَائِدَة جَوَازُ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ] (السَّادِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ أَفْضَلَ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِدْلَالُ الْجُمْهُورِ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ] 1 (السَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهُمْ بَعْدَ اقْتِدَائِهِمَا حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَلَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَلَا تَحْصُلُ لِلْإِمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَقَدْ نَوَوْهَا قُلْت هَذِهِ وَاقِعَةٌ مُحْتَمَلَةٌ فَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ حِينَ أَحَسَّ بِاقْتِدَائِهِمْ بِهِ وَالنِّيَّةُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَخَوْفُ مَفْسَدَةٍ أَوْ مَصْلَحَتَانِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَخَوْفُ مَفْسَدَةٍ أَوْ مَصْلَحَتَانِ اُعْتُبِرَ أَهَمُّهُمَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ رَأَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَصْلَحَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَمَّا عَارَضَهُ خَوْفُ الِافْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ تَرَكَهُ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي تُخَافُ مِنْ عَجْزِهِمْ وَتَرْكِهِمْ لِلْفَرْضِ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ تَقْدِيمُ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُمْ ثَوَابَ الْعِبَادَةِ مَصْلَحَةٌ وَتَرْكَهُمْ الْفَرْضَ مَفْسَدَةٌ وَفِي هَذَا الْفِعْلِ جَلْبُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ وَفِي تَرْكِهِ دَرْءُ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ فَقُدِّمَ دَرْءُ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ عَلَى جَلْبِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ وَالنَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرَدَّدَ هَلْ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَوْ مِنْ تَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْإِمَامَ وَكَبِيرَ الْقَوْمِ إذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا يَتَوَقَّعُهُ أَتْبَاعُهُ] (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ وَكَبِيرَ الْقَوْمِ إذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا يَتَوَقَّعُهُ أَتْبَاعُهُ وَكَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ يَذْكُرُهُ لَهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنِ لِئَلَّا يَظُنُّوا خِلَافَ هَذَا وَرُبَّمَا ظَنُّوا ظَنَّ السُّوءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «وَلَكِنِّي خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْهِمْ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَقَّعَ تَرَتُّبَ افْتِرَاضِ قِيَامِ رَمَضَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 بَابُ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ الْقِرَاءَةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا   Qفِي جَمَاعَةٍ عَلَى مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَيْهِ وَفِي ارْتِبَاطِ افْتِرَاضِ الْعِبَادَةِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا إشْكَالٌ وَلَعَلَّ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى غَيْرَ ظَاهِرِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ كَشَفَ الْغِطَاءَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا يُؤَذَّنُ وَلَا يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ وَإِنْ فُعِلَتْ فِي جَمَاعَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَنُقِلَ وَهُوَ إجْمَاعٌ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ فِي الصِّيَامِ وَمَعْنَاهُ وَالْأَمْرُ عَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُصَلِّي قِيَامَ رَمَضَانَ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا حَتَّى جَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ تَشَهَّدَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمْ اللَّيْلَةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّهُ يُقَالُ جَرَى اللَّيْلَةَ كَذَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَهَكَذَا يُقَالُ اللَّيْلَةُ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ يُقَالُ الْبَارِحَةُ انْتَهَى لَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَا زَالَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَك الْبَارِحَةَ» وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَرَى بَعْدَ الزَّوَالِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ الْكَلَامَ بَعْدَ الصُّبْحِ ثُمَّ كَرَّرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُؤَالَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ تَجَوَّزَ فِي إحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ إمَّا اللَّيْلَةُ أَوْ الْبَارِحَةُ هَذَا إنْ سَلِمَ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ التَّفْرِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ الْقِرَاءَةِ] [حَدِيث إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ] (بَابُ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ الْقِرَاءَةِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ»   Qفِيهِ) فَوَائِدُ:. (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَمُسْلِمٍ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ «وَإِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» ذَكَرَهُ «وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ» . (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى صَاحِبِ الْقُرْآنِ أَيْ الَّذِي أَلِفَهُ وَالْمُصَاحَبَةُ الْمُؤَالَفَةُ وَمِنْهُ صَاحِبُ فُلَانٍ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَصْحَابُ الصُّفَّةِ وَأَصْحَابُ إبِلٍ وَغَنَمٍ وَصَاحِبُ كِبْرٍ وَصَاحِبُ عِبَادَةٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ الَّذِي أَلِفَهُ يَصْدُقُ بِأَنْ يَأْلَفَ تِلَاوَتَهُ فِي الْمُصْحَفِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ حَافِظٍ لَهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الْقُرْآنِ حَافِظُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ وَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَأَمْكَنَ دُخُولُ تِلْكَ الصُّورَةِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ غَيْرَ الْحَافِظِ الَّذِي أَلِفَ التِّلَاوَةَ فِي الْمُصْحَفِ مَا دَامَ مُسْتَمِرًّا عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ لِسَانُهُ بِهِ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ فَإِذَا هَجَرَ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَيْهِ وَصَارَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِاعْتِبَارِ الْحِفْظِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَصَاحِبُ الْقُرْآنِ هُوَ الْحَافِظُ لَهُ الْمُشْتَغِلُ بِهِ الْمُلَازِمُ لِتِلَاوَتِهِ. (الثَّالِثَةُ) الْمُعَقَّلَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَتَشْدِيدِهَا هِيَ الْمَشْدُودَةُ بِالْعُقُلِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَهُوَ جَمْعُ عِقَالٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَبْلُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ رُكْبَةُ الْبَعِيرِ شَبَّهَ دَرْسَ الْقُرْآنِ وَاسْتِمْرَارَ تِلَاوَتِهِ بِالْعِقَالِ الَّذِي يَمْنَعُ الْبَعِيرَ مِنْ الشِّرَادِ فَمَا دَامَ الدَّرْسُ مَوْجُودًا فَالْحِفْظُ مُسْتَمِرٌّ وَمَا دَامَ الْعِقَالُ مَوْثُوقًا فَالْبَعِيرُ مَحْفُوظٌ وَخَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ الْحَيَوَانَاتِ الْإِنْسِيَّةِ شِرَادًا وَنُفُورًا وَتَحْصِيلُهَا بَعْدَ نُفُورِهَا أَشَقُّ وَأَصْعَبُ مِنْ تَحْصِيلِ غَيْرِهَا بَعْدَ نُفُورِهِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ» وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ «إنَّ عَلَى ذِرْوَةِ سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانَ» . (الرَّابِعَةُ) الْمُعَاهَدَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الشَّيْءِ وَالتَّعَاهُدُ عَلَيْهِ الِاحْتِفَاظُ بِهِ وَالْمُلَازَمَةُ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «إنْ تَعَاهَدَ عَلَيْهَا وَمِنْهُ أَشَدُّ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» . (الْخَامِسَةُ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ بِالتِّلَاوَةِ وَالدَّرْسِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ بِإِهْمَالِ تِلَاوَتِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيت آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسِّيَ. اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا» ، تَكَلَّمَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ» ، قِيلَ مَعْنَاهُ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَقِيلَ مَقْطُوعُ الْحُجَّةِ وَقِيلَ مُنْقَطِعُ السَّبَبِ وَقِيلَ خَالِي الْيَدِ مِنْ الْخَيْرِ صِفْرَهَا مِنْ الثَّوَابِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ أَبُو الْمَكَارِمِ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ مِنْ الْكَبَائِرِ. [فَائِدَة تَقْدِيرُ مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لِلزَّمَنِ الَّذِي يَخْتِمُ فِيهِ الْقُرْآنَ] 1 (السَّادِسَةُ) لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيرُ مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لِلزَّمَنِ الَّذِي يَخْتِمُ فِيهِ الْقُرْآنَ لَكِنْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَتْلُوهُ عَلَى وَجْهٍ لَوْ نَقَصَ عَنْهُ لَأَدَّى إلَى نِسْيَانِهِ أَوْ نِسْيَانِ شَيْءٍ مِنْهُ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي تَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْحِفْظِ وَفِي سُرْعَةِ النِّسْيَانِ وَبُطْئِهِ وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَخْتِمُونَهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ قَالَ إنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنْ الْقُرْآنِ فَكَرِهْت أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أَخْتِمَهُ» . قَالَ أَوْسٌ سَأَلْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا ثَلَاثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَةَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَاقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْت إنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ» وَمِمَّنْ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَامْرَأَةُ ابْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَسْعُودٍ وَاسْتَحْسَنَهُ مَسْرُوقٌ وَمِمَّنْ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي ثَمَانٍ أُبَيٌّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَمِمَّنْ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي سِتٍّ الْأَسْوَدِ بْنُ يَزِيدَ وَمِمَّنْ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي خَمْسٍ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَمِمَّنْ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي ثَلَاثٍ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَهُوَ رَاجِزٌ. وَكَرِهَ ذَلِكَ مُعَاذٌ وَكَانَ الْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ ثُمَّ يُصْبِحُ الْيَوْمَ الَّذِي يَخْتِمُ فِيهِ صَائِمًا رَوَاهَا كُلَّهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَ فِي شَهْرَيْنِ خَتْمَةً وَاحِدَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَتْمَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ فِي كُلِّ عَشْرِ لَيَالٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْثَرُ مَا سَمِعْت أَنَّهُ يُخْتَمُ الْقُرْآنُ فِي أَرْبَعِينَ وَكَرِهَ الْحَنَابِلَةُ تَأْخِيرَهُ عَنْ ذَلِكَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَفِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ قَالَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ فِي شَهْرٍ ثُمَّ قَالَ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ قَالَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثُمَّ قَالَ فِي عَشْرٍ ثُمَّ قَالَ فِي سَبْعٍ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ سَبْعٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالُوا وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى النِّسْيَانِ وَالتَّهَاوُنِ بِهِ قَالُوا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَأَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَوَاسِعٌ لَهُ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَخْتِمَهُ فِي سَبْعٍ وَقَالُوا إنْ قَرَأَهُ فِي ثَلَاثٍ فَحَسَنٌ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرُو قَالَ قُلْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ بِي قُوَّةً قَالَ اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَجَعَلَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ قِرَاءَتَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ حَرَامًا فَقَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِمَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا فَعَلَ فَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» . وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا وَمُرَادُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعَ قِرَاءَتِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ التَّفَقُّهُ فِيهِ وَالتَّدَبُّرُ لِمَعَانِيهِ وَلَا يَتَّسِعُ الزَّمَانُ لِذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَتَمِيمٌ الدَّارِيِّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ وَعَلْقَمَةَ قِرَاءَتُهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ رَوَاهَا كُلَّهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ صَوْتَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فَقَالَ لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرِ   Qيَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِذَا كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَتَمَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ الْأَسْوَدُ يَخْتِمُهُ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَتَيْنِ وَفِي سِوَاهُ فِي سِتٍّ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ يَخْتِمُونَ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ فِي لَيْلَةٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَأَكْثَرُ مَا بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْكَاتِبِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَمَانِ خِتْمَاتٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ وَالتَّرْتِيلُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَجَلَةِ. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لَأَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَهُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ وَلَأَنْ أَقْرَأَهُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَهُ فِي عَشْرٍ وَلَأَنْ أَقْرَأَهُ فِي عَشْرٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَهُ فِي سَبْعٍ أَقِفُ وَأَدْعُو. (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِإِيضَاحِ الْمَقَاصِدِ. (الثَّامِنَةُ) إنْ قُلْت مُقْتَضَى الْحَدِيثِ عَلَى الْقَوْلِ بِدَلَالَةِ إنَّمَا عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا مَثَلَ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ سِوَى الْمَثَلِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ ضَرَبَ لَهُ أَمْثَالًا أُخْرَى فَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ» . قُلْت الْمُرَادُ حَصْرُ مَثَلِهِ فِي هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرٍ مَخْصُوصِ وَهُوَ دَوَامُ حِفْظِهِ بِالدَّرْسِ وَنِسْيَانِهِ بِالتَّرْكِ فَهُوَ فِي حِفْظِهِ بِالدَّرْسِ كَحَافِظِ الْبَعِيرِ بِالْعَقْلِ وَفِي نِسْيَانِهِ بِالتَّرْكِ كَمُضَيِّعِ الْبَعِيرِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى أُمُورٍ أُخْرَى فَلَهُ أَمْثِلَةٌ أُخْرَى وَالْحَصْرُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْعُمُومَ فَهُوَ حَصْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ صَوْتَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فَقَالَ لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 آلِ دَاوُد» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «إنَّ الْأَشْعَرِيَّ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد» . وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا» الْحَدِيثَ زَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ «لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاءَتَك الْبَارِحَةَ» .   Qآلِ دَاوُد» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) قَوْلُهُ «مِنْ مَزَامِيرِ نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ» لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد وَالْمُرَادُ بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَأَصْلُهُ الْآلَةُ الَّتِي يُزَمَّرُ بِهَا شَبَّهَ حُسْنَ صَوْتِهِ وَحَلَاوَةَ نَغْمَتِهِ بِصَوْتِ الْمِزْمَارِ. (الثَّانِيَةُ) آلُ دَاوُد هُنَا هُوَ دَاوُد نَفْسُهُ وَآلُ فُلَانٍ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَفْظُ الْآلِ مُقْحَمٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ هُنَا الشَّخْصُ وَدَاوُد هَذَا هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كَانَ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَذَلِكَ يَكُونُ بِالتَّرْتِيلِ وَهُوَ التَّأَنِّي فِي التِّلَاوَةِ وَبِالْحَدْرِ وَالتَّحْزِينِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحَدْرُ أَنْ يَرْفَعَ الصَّوْتَ مَرَّةً وَيَخْفِضَهُ أُخْرَى وَالتَّحْزِينُ أَنْ يُلَيِّنَ الصَّوْتَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ ذِكْرَ الْحَدْرِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّازُ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ حَدَرَ فِي قِرَاءَتِهِ وَفِي أَذَانِهِ أَسْرَعَ [فَائِدَة تحسين الصوت بِالْقِرَاءَةِ وَحُكْم الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَقَالَ بِكَرَاهَتِهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا وَنَقَلَ عَنْهُ الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافُ قَوْلٍ وَلَكِنْ مَوْضِعُ الْكَرَاهَةِ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْمَدِّ وَفِي إشْبَاعِ الْحَرَكَاتِ حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنْ الْفَتْحَةِ أَلِفٌ وَمِنْ الضَّمَّةِ وَاوٌ وَمِنْ الْكَسْرَةِ يَاءٌ أَوْ تُدْغَمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا كَرَاهَةَ وَكَذَا حَمَلَ الْحَنَابِلَةُ نَصَّ إمَامِهِمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ إنَّهُ إذَا أَفْرَطَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَرَامٌ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ هُوَ حَرَامٌ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 بَابُ الدُّعَاءِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ» فَذَكَرَا نَحْوَهُ وَزَادَا «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» ..   Qالْقَوِيمِ وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ تَصْحِيحَ النَّوَوِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ إنَّ الْقَوْلَ بِالتَّفْسِيقِ بِتَقْدِيرِ التَّحْرِيمِ مُشْكِلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الصَّوَابُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَغِيرَةً انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ لَفْظَ الْقُرْآنِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ يُبْهِمْ مَعْنَاهُ بِتَرْدِيدِ الْأَصْوَاتِ فَلَا يُفْهَمُ مَعْنَى الْقُرْآنِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِي تَحْرِيمِهِ فَأَمَّا إذَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَحَذَا بِهِ حَذْوَ أَسَالِيبِ الْغِنَاءِ وَالتَّطْرِيبِ وَالتَّحْزِينِ فَقَطْ فَقَالَ مَالِكٌ يَنْبَغِي أَنْ تُنَزَّهَ أَذْكَارُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَحْوَالِ الْمُجُونِ وَالْبَاطِلِ فَإِنَّهَا حَقٌّ وَجِدٌّ وَصِدْقٌ وَالْغِنَاءُ هَزْلٌ وَلَهْوٌ وَلَعِبٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى. (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى جَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِحُصُولِ الْعُجْبِ لِلْمَمْدُوحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الدُّعَاءِ] [حَدِيث الاستعاذة مِنْ عَذَاب النَّار وَالْقَبْر] بَابُ الدُّعَاءِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِلَفْظِ «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْآخَرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ» فَذَكَرَهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «عَوِّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَوِّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ عَوِّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ عَوِّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» ، وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ طُرُقٌ أُخْرَى. (الثَّانِيَةُ) اسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ أَنَّهُ مُعَاذٌ مِنْهَا قَطْعًا فَائِدَتُهُ إظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَالِافْتِقَارِ وَلِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَيُشَرِّعَ لِأُمَّتِهِ. (الثَّالِثَةُ) لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَحَلَّ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي فِيهِ بِهَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو بِذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالْأَخِيرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِتْيَانِ بِهَذَا الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ بِوُجُوبِهِ وَلَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَقَالَ وَيَلْزَمُهُ فَرْضًا أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي كِلْتَا الْجِلْسَتَيْنِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك فَذَكَرَهَا قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ صَلَّى ابْنُهُ بِحَضْرَتِهِ فَقَالَ لَهُ ذَكَرْت هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ لَا، فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ انْتَهَى وَهَذَا الْآثَرُ عَنْ طَاوُسٍ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. بَلَاغًا بِغَيْرِ إسْنَادٍ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ طَاوُسٍ أَنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ فَأَمَرَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِفَوَاتِهِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَعَلَّ طَاوُوسًا أَرَادَ تَأْدِيبَ ابْنِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَتَأْكِيدَ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ بِتِلْكَ الدَّعَوَاتِ فَيَتْرُكَهَا فَيُحْرَمَ فَائِدَتَهَا وَثَوَابَهَا انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ وُجُوبِ ذَلِكَ عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ثُمَّ إنَّهُ تَرُدُّهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ الَّتِي فِيهَا تَقْيِيدُ التَّشَهُّدِ بِالْأَخِيرِ فَوَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا سِيَّمَا وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حَزْمٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ فَهَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ وَزِيَادَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ زِيَادَةُ عَدْلٍ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ فَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَقَطْ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَحْدَهُ لَكَانَ مَا ذَكَرْت لَكِنَّهُمَا حَدِيثَانِ كَمَا أَوْرَدْنَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَإِنَّمَا زَادَ الْوَلِيدُ عَلَى وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَبَقِيَ خَبَرُ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ تَشَهُّدٍ انْتَهَى وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي عَائِشَةَ وَأَبَا سَلَمَةَ كِلَاهُمَا يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ لَا حَدِيثَانِ ثُمَّ إنَّ سُنَّةَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ التَّخْفِيفُ فِيهِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ» قُلْنَا حَتَّى يَقُومَ قَالَ حَتَّى يَقُومَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مَنْ زَادَ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ، عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ بِمَا بَدَا لَهُ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْأَخِيرِ فَقَالَ قَوْلُهُ «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ» . عَامٌّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ وَقَدْ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ التَّخْفِيفُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَعَدَمُ اسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ بَعْدَهُ حَتَّى سَامَحَ بَعْضُهُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ فِيهِ وَالْعُمُومُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي الطَّلَبَ لِهَذَا الدُّعَاءِ فَمَنْ خَصَّهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ رَاجِحٍ وَإِنْ كَانَ نَصًّا فَلَا بُدَّ مِنْ صِحَّتِهِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت الْمُخَصِّصَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَدْ ظَهَرَتْ الْعِنَايَةُ بِالدُّعَاءِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ حَيْثُ أُمِرْنَا بِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَهِيَ حَقِيقَةٌ لِعِظَمِ الْأَمْرِ فِيهَا وَشِدَّةِ الْبَلَاءِ فِي وُقُوعِهَا وَلِأَنَّ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أُمُورٌ ثَمَانِيَةٌ غَيْبِيَّةٌ فَتَكَرُّرُهَا عَلَى الْأَنْفُسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَجْعَلُهَا مَلَكَةً لَهَا انْتَهَى. [فَائِدَة الْمُرَادِ بِفِتْنَةِ الْمَوْتِ] 1 (الْخَامِسَةُ) الْمَحْيَا مَفْعَلُ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ مَفْعَلُ مِنْ الْمَوْتِ وَيَقَعُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِفِتْنَةِ الْمَوْتِ فَقِيلَ فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْفِتْنَةُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ قَالَ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ فَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الْإِنْسَانُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنْ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَأَشَدُّهَا وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إلَى الْمَوْتِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَتَكُونُ فِتْنَةُ الْمَحْيَا عَلَى هَذَا مَا يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ وَتَصَرُّفِهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ أُعْطِيَ حُكْمَهُ فَحَالَةُ الْمَوْتِ تُشْبِهُ الْمَوْتَ وَلَا تُعَدُّ مِنْ الدُّنْيَا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِفِتْنَةِ الْمَمَاتِ فِتْنَةُ الْقَبْرِ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِتْنَةِ الْقَبْرِ كَمَثَلٍ أَوْ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قُلْت الْمَعْرُوفُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مُتَكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْعَذَابَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْفِتْنَةِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبِّبِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَقْصُودَ زَوَالُ عَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ نَفْسَهَا أَمْرٌ عَظِيمٌ وَهُوَ شَدِيدٌ يُسْتَعَاذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوئِهِ انْتَهَى قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَأَمَّا إنْ حُمِلَتْ الْفِتْنَةُ عَلَى الْعَذَابِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: 10] أَيْ عَذَّبُوهُمْ فَتَتَّحِدُ فِتْنَةُ الْقَبْرِ مَعَ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْفِتْنَةِ عَلَى الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ لِيَحْصُلَ التَّغَايُرُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا هُوَ أَصْلُ مَدْلُولِ الْفِتْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) الْمَشْهُورُ فِي لَفْظِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِهَا وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا أَنَّهُ مَسِيحُ الْهُدَى وَذَاكَ مَسِيحُ الضَّلَالَةِ سُمِّيَ بِهِ لِمَسْحِ إحْدَى عَيْنَيْهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَقِيلَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ فَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَقِيلَ التَّمَسُّحُ وَالتِّمْسَاحُ الْمَارِدُ الْخَبِيثُ فَقَدْ يَكُونُ فَعِيلًا مِنْ هَذَا وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي نَوَادِرِهِ التَّمَسُّحُ وَالْمُمَسَّحُ الْكَذَّابُ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا أَيْضًا وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْمِيمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَتَشْدِيدِ السِّينِ حُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مَرْوَانَ بْنِ سِرَاجٍ وَأَنْكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَضُبِطَ بِوَجْهَيْنِ آخَرِينَ هُمَا بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ تَخْفِيفِ السِّينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَعَ تَشْدِيدِ السِّينِ مَعَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا يُقَالُ مُسِخَ خَلْقُهُ أَيْ شُوِّهَ وَقِيلَ هُوَ الْمَمْسُوخُ الْعَيْنِ وَالْمَسِيخُ الْأَعْوَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَصْلُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مُشِيحٌ أَيْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَعُرِّبَ كَمَا عُرِّبَ مُوسَى وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الْكَذَّابُ وَقِيلَ الْمُمَوِّهُ بِبَاطِلِهِ وَسِحْرِهِ الْمُلَبِّسُ بِهِ وَالدَّجْلُ طَلْيُ الْبَعِيرِ بِالْقَطِرَانِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِضَرْبِهِ نَوَاحِيَ الْأَرْضِ وَقَطْعِهِ لَهَا يُقَالُ دَجَلَ الرَّجُلُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَبِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ شَرْحِ مُسْلِمٍ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ مِنْ التَّغْطِيَةِ لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْأَرْضَ بِجُمُوعِهِ وَالدَّجْلُ التَّغْطِيَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ دِجْلَةُ لِتَغْطِيَةِ مَا فَاضَتْ عَلَيْهِ [فَائِدَة الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ] 1 (السَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيّ وَطَاوُوسٍ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ لَكِنْ فِيمَا حَكَوْهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَرُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ بَلْ يَلْحَقُ بِهِ فِي الْجَوَازِ الْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ الدُّعَاءُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَهُوَ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ] (الثَّامِنَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَاءَ دُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا جُمْلَةً كَقَوْلِهِ «فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» فَقَدْ أَدْخَلَ فِيهِ جَمِيعَ دُعَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَجَاءَ تَفْصِيلًا كَقَوْلِهِ «أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» وَهَذَا دَاخِلٌ فِي فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَجَاءَ دُعَاؤُهُ بِالتَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي فِتْنَةِ الْمَمَاتِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ بِالْوَجْهَيْنِ وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِالْجَوَامِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَسُؤَالِ الْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ اهـ. [فَائِدَة إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ ذِكْرُ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ لِأَنَّ عَذَابَ النَّارِ وَعَذَابَ الْقَبْرِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَمَاتِ وَذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِأَنَّ شَرَّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ مِنْ فِتْنَةِ انْمَحْيَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وَعَنْ جَابِرٍ «لَمَّا نَزَلَتْ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعُوذُ بِوَجْهِك، فَلَمَّا نَزَلَتْ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعُوذُ بِوَجْهِك؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] قَالَ هَذِهِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ..   Q (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ اشْتَهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ [حَدِيث الاستعاذة عِنْد تِلَاوَة آيَة قل هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ جَابِرٍ «لَمَّا نَزَلَتْ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعُوذُ بِوَجْهِك فَلَمَّا نَزَلَتْ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعُوذُ بِوَجْهِك فَلَمَّا نَزَلَتْ {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] قَالَ هَذِهِ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) هَذِهِ الْقِصَّةُ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَكَّةَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْهَا آيَاتٍ فَجَعَلَهَا مَدَنِيَّةً وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ جَابِرٌ حَاضِرًا وَقْتَ نُزُولِهَا حَتَّى يَسْمَعَ اسْتِعَاذَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُورُ. (الثَّانِيَةُ) التَّأْنِيثُ فِي قَوْلِهِ «لَمَّا نَزَلَتْ» لِأَنَّ الْمُرَادَ الْآيَةُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ الْآيَةُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ نَزَلَ بِتَذْكِيرِ الْفَصْلِ. (الثَّالِثَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ كَانَ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ جَاءَ أَنَّ جَمِيعَ السُّورَةِ نَزَلَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَبَادَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَابِ مِنْ فَوْقِهِ قَبْلَ نُزُولِ بَقِيَّةِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] ثُمَّ بَادَرَ لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَابِ مِنْ تَحْتُ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65] فَإِنْ قُلْت فَفِي هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ مَا يُنَافِي الْإِنْصَاتَ لِتِلَاوَةِ الْمَلَكِ قُلْت هِيَ كَلِمَةٌ خَفِيفَةٌ لَا تُنَافِي الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ سُكُوتُ الْمَلَكِ عَنْ التِّلَاوَةِ بِقَدْرِ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ وَيُحْتَمَلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنُزُولُ أَجْزَاءِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي دَفَعَاتٍ وَفِيهِ بُعْدٌ. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِتَالِي الْقُرْآنِ وَمُسْتَمِعِهِ إذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ. [فَائِدَة الِاسْتِعَاذَةُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى] 1 (الْخَامِسَةُ) : فِيهِ الِاسْتِعَاذَةُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ وَلَعْنَةُ مَنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ فِي جَانِبِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الشَّيْءِ أَمَّا جَانِبُ دَفْعِ الشَّرِّ وَرَفْعِ الضُّرِّ فَلَعَلَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَعَلَّ ذِكْرَ الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَلَمْ يَرِدْ تَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ النَّهْيُ عَنْ سُؤَالِ الْمَخْلُوقِينَ بِذَلِكَ وَكَذَا عَنْ سُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَجْهِهِ فِي الْأُمُورِ الْهَيِّنَةِ أَمَّا طَلَبُ الْأُمُورِ الْعِظَامِ تَحْصِيلًا وَدَفْعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ نَهْيٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَائِدَة تَكَرُّرُ ذِكْرِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ] 1 (السَّادِسَةُ) تَكَرُّرُ ذِكْرِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ. (أَحَدُهُمَا) إمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ فَنُؤْمِنُ بِهَا وَنَكِلُ عِلْمَهَا إلَى عَالِمِهَا مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَأَنَّ صِفَاتِهِ لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ (وَثَانِيهِمَا) تَأْوِيلُهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ فَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْمَوْجُودِ (السَّابِعَةُ) اُحْتُجَّ بِاسْتِعَاذَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهَا فِي الْكُفَّارِ بِقَرِينَةِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا لَا سِيَّمَا قَوْلُهُ مُتَّصِلًا بِهَا {ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 64] وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ مِنْ نَسَقِ الْآيَاتِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَوَّذَ لِأُمَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَوَعَّدَ بِهَا الْكُفَّارَ وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَهَا لِلْكُفَّارِ وَبَعْضَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْثُ الْعَذَابِ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ لِلْكُفَّارِ وَبَقِيَّتُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْآيَةُ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْفَرِيقَيْنِ بِلَا شَكٍّ قُلْت إخْبَارُهُ تَعَالَى بِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ تَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ بِهِ فَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ خُوطِبُوا بِذَلِكَ وَتُوُعِّدُوا بِهِ، أَوْ إنَّمَا تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ الْكُفَّارَ خَاصَّةً. 1 - (الثَّامِنَةُ) اُسْتُدِلَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِاسْتِعَاذَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى أَمْنِ أَمَتِهِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسُوا آمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالِاسْتِعَاذَةُ إنَّمَا كَانَتْ لِأَهْلِ عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوْ لِمَجْمُوعِ الْأُمَّةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ لِبَعْضِهَا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْآيَةِ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا إنَّهَا كَائِنَةٌ وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ أَوْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ الْفَقِيرُ لِحَاجَتِهِ فَيَقُولُونَ ارْجِعُوا إلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعِلْمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ هِيَ أَرْبَعُ خِلَالٍ وَكُلُّهُنَّ عَذَابٌ وَكُلُّهُنَّ وَاقِعٌ قَبْلُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَضَتْ اثْنَتَانِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً لُبِسُوا شِيَعًا وَأُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ وَثِنْتَانِ وَاقِعَتَانِ لَا مَحَالَةَ الْخَسْفُ وَالرَّجْمُ [فَائِدَة الْمُرَادِ بِالْعَذَابِ مِنْ فَوْقِ وَمِنْ تَحْتِ الْأَرْجُلِ] 1 (التَّاسِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْعَذَابِ مِنْ فَوْقِ وَمِنْ تَحْتِ الْأَرْجُلِ فَتَقَدَّمَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِ الرَّجْمُ وَمِنْ تَحْتِ الْأَرْجُلِ الْخَسْفُ وَكَذَا حَكَى السُّدِّيَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَكَذَا حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ فَوْقِكُمْ وُلَاةُ الْجَوْرِ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ سَفَلَةُ السُّوءِ وَخَدَمَةُ السُّوءِ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذِهِ كُلُّهَا أَمْثِلَةٌ لَا أَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودُ إذْ هَذِهِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْقُحُوطِ وَالْعَرَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ اللَّفْظِ قُلْت لَا عُمُومَ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَكَأَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ وَالْمُرَادُ نَوْعٌ مِنْ الْعَذَابِ لَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ قَوْلُهُ {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] يَعْنِي الصَّيْحَةَ وَالْحِجَارَةَ وَالرِّيحَ وَالطُّوفَانَ كَمَا فُعِلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ وَقَوْمِ لُوطٍ وَقَوْمِ نُوحٍ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَئِذٍ الْأَنْوَاعَ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً مِنْ اللَّفْظِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّا عُذِّبَ بِهِ مَنْ تَقَدَّمَ أَوْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُعَذَّبْ بِهِ أَحَدٌ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) إنْ قُلْت مَا مَوْقِعُ {أَوْ} [الأنعام: 65] فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْجَمِيعِ؟ قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّوَعُّدُ بِهِ فَلَمْ يُتَوَعَّدُوا بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَإِنَّمَا تُوُعِّدُوا بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَذَلِكَ مِنْ كَرْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ أَنْ لَا يَجْمَعَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأُمُورَ وَلَمَّا وَقَعَتْ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ لِبْسُهُمْ شِيَعًا وَإِذَاقَةُ بَعْضِهِمْ بَأْسَ بَعْضٍ حَصَلَ الْأَمْنُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِمَا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ {يَلْبِسَكُمْ} [الأنعام: 65] بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَخْلِطَكُمْ وَاللَّبْسُ الْخَلْطُ وَقَوْلُهُ شِيَعًا بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ جَمْعُ شِيعَةٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ وَالْمَعْنَى يَخْلِطَكُمْ فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ وَقَوْلُهُ شِيَعًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ يَخْلِطَكُمْ بِالْأَجْسَامِ مَعَ افْتِرَاقِكُمْ بِالْقُلُوبِ أَوْ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ أَيْ يَخْلِطَكُمْ خَلْطَ اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَافٍ لَا خَلْطَ سُكُونٍ وَاتِّفَاقٍ فَيَكُونُونَ شِيَعًا عَدِيدَةً لَا شِيعَةً وَاحِدَةً وَقُرِئَ شَاذًّا يُلْبِسَكُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ اللُّبْسِ فَهِيَ عَلَى هَذَا اسْتِعَارَةٌ مِنْ اللِّبَاسِ وَالْمَعْنَى أَنْ يُلْبِسَكُمْ الْفِتْنَةَ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ شِيَعًا مَا تَقَدَّمَ وَالْبَأْسُ الْقَتْلُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ وَاسْتَعَارَ لَهُ لَفْظَ الْإِذَاقَةِ لِأَنَّ الذَّوْقَ مِنْ أَعْظَمِ الْحَوَاسِّ وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَتَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ افْتِرَاقُ الْأَهْوَاءِ وَالْقِتَالُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ هَذِهِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ بِإِفْرَادِ الْإِشَارَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ هَاتَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ وَهُوَ اللَّبْسُ شِيَعًا وَإِذَاقَةُ الْبَعْضِ بَأْسَ الْبَعْضِ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّا خَصْلَتَيْنِ خِلَافَ مَدْلُولِهِمَا فَإِنَّ اخْتِلَاطَهُمْ مُفْتَرَقِي الْقُلُوبِ غَيْرُ إذَاقَةِ الْبَعْضِ بَأْسَ الْبَعْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّا خَصْلَةً وَاحِدَةً لِتَلَازُمِهِمَا غَالِبًا فَإِنَّ الْقُلُوبَ إذَا افْتَرَقَتْ حَصَلَ لِأَصْحَابِهَا بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ بَأْسٌ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَذَلِكَ نَادِرٌ فَأَفْرَدَ الْإِشَارَةَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَثَنَّاهَا بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ» الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَقَارُبِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْتَعِذْ عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] وَكَأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت أَوْ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت أَوْ اُرْزُقْنِي إنْ شِئْت لِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «إنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» وَقَالَ مُسْلِمٌ «فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ وَلِيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ» .   Qسَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ عَرَفَ وُقُوعَ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْته أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْته أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» فَلَمَّا عَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُقُوعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ فَائِدَةٌ وَسَهَّلَ الْأَمْرَ عَلَى أُمَّتِهِ وَسَلَّاهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذِهِ أَهْوَنُ وَأَيْسَرُ [حَدِيث لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت أَوْ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت أَوْ اُرْزُقْنِي إنْ شِئْت لِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا مُكْرِهَ لَهُ» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ لَا مُكْرِهَ لَهُ» وَمِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ اللَّهُمَّ إنْ شِئْت وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ وَلِيُعَظِّمْ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ عَزْمُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَدُّ فِيهَا وَالْقَطْعُ بِهَا وَالْجَزْمُ لَهَا فَلَا يُعَلِّق ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَا يَعِدُ بِهِ الْمُؤْمِنُ نَفْسَهُ يَنْبَغِي لَهُ تَعْلِيقُهُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] أَمَّا مَا يَطْلُبُهُ مِنْ اللَّهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَعْلِيقُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ بَلْ يَجْزِمُ بِطَلَبِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى عَزْمِ الْمَسْأَلَةِ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَةِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَوَّلَ عَنْ الْعُلَمَاءِ. (الثَّالِثَةُ) عَلَّلَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا مُكْرِهَ لَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ يَتَأَتَّى إكْرَاهُهُ عَلَى الشَّيْءِ فَيُخَفِّفُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ وَيَعْلَمُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِرِضَاهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَاهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِهَذَا التَّعْلِيقِ مَعْنًى فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا يَشَاءُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَبَبُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ صُورَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ. (الرَّابِعَةُ) ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ «سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» وَزَادَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ «الرِّزْقِ» وَهِيَ أَمْثِلَةٌ فَسَائِرُ الْأَدْعِيَةِ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ» فَتَنَاوَلَ سَائِرَ الْأَدْعِيَةِ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ التَّقْيِيدُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحْيِنِي مَا عَلِمْت الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا عَلِمْت الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي» ، قُلْت إنَّمَا قَيَّدَ هُنَاكَ طَلَبَ الْحَيَاةِ بِكَوْنِهَا خَيْرًا لَهُ وَطَلَبَ الْوَفَاةِ بِكَوْنِهَا خَيْرًا لَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَدِّرُ لَهُ الْحَيَاةَ مَعَ كَوْنِ الْخَيْرَةِ فِي قُرْبِ وَفَاتِهِ لِمَا يَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَدْ يُقَدِّرُ لَهُ الْوَفَاةَ مَعَ كَوْنِ الْخَيْرَةِ لَهُ فِي طَلَبِ الْحَيَاةِ لِمَا فِيهَا مِنْ اكْتِسَابِ الْخَيْرَاتِ وَهَذَا مِثْلُ الِاسْتِخَارَةِ فِي الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَةِ وَقَدْ وَرَدَ بِهَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَمَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ فَلَا تَقَعُ ذَرَّةٌ فِي الْوُجُودِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ تُسْتَجَابُ لَهُ فَأُرِيدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَدَّخِرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا» ..   Qإلَّا بِهَا فَلَا مَعْنَى لِتَعْلِيقِ الطَّلَبِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيهِ وَالْكَرَاهَةِ وَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كَذَا إنْ شِئْت وَارْحَمْنِي إنْ شِئْت وَتَجَاوَزْ عَنِّي إنْ شِئْت وَهَبْ لِي مِنْ الْخَيْرِ كَذَا إنْ شِئْت مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَحِيلٌ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ لَا شَرِيكَ لَهُ انْتَهَى وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَقَدْ يُؤَوَّلُ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ. [حَدِيث لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ تُسْتَجَابُ لَهُ فَأُرِيدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَدَّخِرَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ هَكَذَا عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَهُمَا إسْنَادَانِ صَحِيحَانِ لِمَالِكٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ هَذِهِ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ مِنْ صَحِيحِهِ وَرَوَى الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَأَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ «فَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ» وَفِيهَا «فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا» . (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُقَالُ وَكَمْ مِنْ دَعْوَةٍ اُسْتُجِيبَتْ لِلرُّسُلِ وَلِنَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَا مَعْنَى هَذَا؟ فَيُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهُمْ دَعْوَةً هُمْ مِنْ اسْتِجَابَتِهَا عَلَى يَقِينٍ وَعِلْمٍ بِإِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ذَلِكَ. وَغَيْرُهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ بِمَعْنَى الطَّمَعِ فِي الِاسْتِجَابَةِ وَبَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَيُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي» الْحَدِيثَ أَوْ تَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ لِكُلِّ نَبِيٍّ مَخْصُوصَةٌ بِأُمَّتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَتْ لَهُ» الْحَدِيثَ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ. انْتَهَى وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ فَقَالَ مَعْنَاهَا أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُتَيَقَّنَةُ الْإِجَابَةِ وَعَلَى يَقِينٍ مِنْ إجَابَتِهَا وَأَمَّا بَاقِي دَعَوَاتِهِمْ فَهُمْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ إجَابَتِهَا وَبَعْضُهَا يُجَابُ وَبَعْضُهَا لَا يُجَابُ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِي احْتِمَالًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ. (الثَّالِثَةُ) إنْ قُلْت قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّفَاعَاتِ الْأُخْرَوِيَّةَ خَمْسٌ: (أَحَدُهَا) فِي الْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَتَعْجِيلِ الْحِسَابِ. (الثَّانِيَةُ) فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. (الثَّالِثَةُ) الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا. 3 (الرَّابِعَةُ) الشَّفَاعَةُ فِي إخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهَا. (الْخَامِسَةُ) الشَّفَاعَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا وَزِيدَ قِسْمٌ سَادِسٌ وَهُوَ الشَّفَاعَةُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ النَّارِ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي طَالِبٍ فَأَيُّ شَفَاعَةٍ ادَّخَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّتِهِ؟ أَمَّا الْأُولَى فَلَا تَخْتَصُّ بِهِمْ بَلْ هِيَ لِإِرَاحَةِ الْجَمْعِ كُلِّهِمْ وَهِيَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَكَذَلِكَ بَاقِي الشَّفَاعَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأُمَمِ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى الَّتِي لِلْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَكِنْ هُمْ الْأَصْلُ فِيهَا وَغَيْرُهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ وَلِهَذَا كَانَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا أَنَّهُ «قَالَ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي» فَدَعَا فِيهِمْ فَأُجِيبَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَكَانَ غَيْرُهُمْ تَبَعًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الَّتِي فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ تَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهَا «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا» الْحَدِيثَ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْأُمَمِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الشَّفَاعَةِ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الشَّفَاعَاتِ الْخَمْسَةِ، وَكَوْنُ غَيْرِ هَذِهِ الْأَمَةِ يُشَارِكُونَهُمْ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ادَّخَرَ دَعْوَتَهُ شَفَاعَةً لِأُمَّتِهِ فَلَعَلَّهُ لَا يَشْفَعُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ بَلْ تَشْفَعُ لَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الشَّفَاعَةُ لِغَيْرِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَشْفَعَ لِغَيْرِهِمْ لَا تَبَعًا لَهُمْ وَلَا تَضْيِيقَ فِي ذَلِكَ فَإِذَا شَفَعَ لَهُمْ فَقَدْ حَصَلَ ادِّخَارُ الشَّفَاعَةِ لَهُمْ وَإِنْ شَفَعَ لِغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي إنْكَارِهِمْ الشَّفَاعَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ وَإِنَّمَا اعْتَرَفُوا بِالْأُولَى وَالْخَامِسَةِ فَقَطْ وَهُمْ يُجِيبُونَ بِحَمْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا لَكِنْ قَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ بِإِثْبَاتِ مَا أَنْكَرُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ عَلَى أُمَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ] 1 (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ وَاعْتِنَائِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَصَالِحِهِمْ الْمُهِمَّةِ فَأَخَّرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ إلَى أَهَمِّ أَوْقَاتِ حَاجَتِهِمْ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَالِامْتِثَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] [فَائِدَة يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْآخِرَةِ] 1 (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ «فِي الْآخِرَةِ» وَفِي الْأُخْرَى «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْآخِرَةِ وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ قَالَ كَتَبَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ: سَلْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَمِنَ الدُّنْيَا هُوَ أَوْ مِنْ الْآخِرَةِ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عِكْرِمَةُ صَدْرُ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ الدُّنْيَا وَآخِرُهُ مِنْ الْآخِرَةِ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْوَقْتَ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الشَّفَاعَةُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ هُوَ آخِرُهُ الَّذِي هُوَ مِنْ الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة كُلَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ] . (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «فَهِيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا» فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَدِلَّةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةُ. (التَّاسِعَةُ) إنْ قُلْت مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَك أَوْ قَالَ لَيْسَ ذَاكَ إلَيْك وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ بِالْقَائِلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَنْ مَاتَ عَلَيْهَا مُعْتَقِدًا لَهَا فَهُوَ الَّذِي مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ قَالَ إنَّ هَؤُلَاءِ تَنَالُهُمْ شَفَاعَتُهُ؟ قُلْت قَدْ قَيَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ تَنَالُهُ شَفَاعَتُهُ مَعَ كَوْنِهِ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ مِنْ أُمَّتِهِ وَاَلَّذِي جَاءَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُهُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الَّذِي تَنَالُهُ شَفَاعَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمْ مُوَحِّدُو هَذِهِ الْأَمَةِ وَاَلَّذِي اسْتَأْثَرَ بِهِ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ مُوَحِّدُو غَيْرِ هَذِهِ الْأَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَّرَ الدُّعَاءَ وَالشَّفَاعَةَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ يَدْعُو وَيَشْفَعُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ثَمَرَةُ تِلْكَ الدَّعْوَةِ وَمَنْفَعَتُهَا وَأَمَّا طَلَبُهَا فَحَاصِلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّنْيَا. [فَائِدَة سُؤَالُ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) كَرِهَ بَعْضُهُمْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُذْنِبِينَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ جَابِرٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَلِلشَّفَاعَةِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ «أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِمَّنْ تَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَخْمِشُكَ النَّارُ فَإِنَّ شَفَاعَتِي لِكُلِّ هَالِكٍ مِنْ أُمَّتِي تَخْمُشُهُ النَّارُ» وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ قَدْ تَكُونُ لِتَخْفِيفِ الْحِسَابِ وَزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ ثُمَّ كُلُّ عَاقِلٍ مُعْتَرِفٍ بِالتَّقْصِيرِ مُحْتَاجٌ إلَى الْعَفْوِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِعَمَلِهِ مُشْفِقٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ قَالَ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ لَا يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِأَنَّهَا لِأَصْحَابِ الذُّنُوبِ وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافَ مَا عُرِفَ مِنْ دُعَاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فَقَدْ عُرِفَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ سُؤَالُهُمْ شَفَاعَةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَغْبَتُهُمْ فِيهَا انْتَهَى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 بَابُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» .   Q [بَابُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ] [أَحَادِيث الْجَمْع بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء وَبَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر فِي السَّفَر] ِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ بِلَفْظِ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ ثَلَاثَتُهُمْ» عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَأَخْرَجَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ قَاوَنْدَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حِينَ كَانَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حِينَ اشْتَبَكَتْ النُّجُومُ وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْأَمْرُ الَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ فَلِيُصَلِّ هَذِهِ الصَّلَاةَ» وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ «أَنْ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَقُولُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ اُسْتُغِيثَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ فَجَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَسَارَ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَبَدَتْ النُّجُومُ فَقَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ أَمْرٌ فِي سَفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَوْ حَزَبَهُ أَمْرٌ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي خُرُوجِهِ مَعَهُ إلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَفِيهِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى بِنَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ هَكَذَا» وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حِينَ ذَهَبَ بَيَاضُ الْأُفُقِ وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَالْجِهَادِ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ إنِّي رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى «جَدَّ بِهِ السَّيْرُ» أَيْ اشْتَدَّ بِهِ السَّيْرُ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ جَدَّ بِهِ الْأَمْرُ أَيْ اشْتَدَّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَيْ أَسْرَعَ وَعَجَّلَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرْته أَوْلَى لِأَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ نِسْبَةُ الْجَدِّ إلَى السَّيْرِ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي نِسْبَةُ الْجَدِّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاللَّفْظُ الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الِاشْتِدَادُ كَمَا نَقَلْته عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ وَإِمَّا أَنْ يُنْسَبَ الْجَدُّ إلَى السَّيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ، وَالْإِسْرَاعُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ هَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ نَهَارُهُ صَائِمٌ وَلَيْلُهُ قَائِمٌ فَيُنْسَبُ الصِّيَامُ إلَى النَّهَارِ وَالْقِيَامُ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّيْلِ لِوُقُوعِهِ فِيهِمَا وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْفَاعِلِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ «جَدَّ بِهِ السَّيْرُ» جَدَّ فِي السَّيْرِ وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «إذَا جَدَّ فِي السَّيْرِ» قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْجَدَّ الِاجْتِهَادُ فِي الْأُمُورِ تَقُولُ مِنْهُ جَدَّ فِي الْأَمْرِ يَجِدُّ وَيَجُدُّ أَيْ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَأَجَدَّ فِي الْأَمْرِ مِثْلُهُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ إنَّ فُلَانًا لَجَادٌّ مُجِدٌّ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ جَدَّ فِي أَمْرِهِ يَجِدُّ وَيَجُدُّ جَدًّا وَأَجَدَّ حَقَّقَ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْجَدُّ الْمُبَالَغَةُ فِي الشَّيْءِ انْتَهَى. وَيَأْتِي هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ إمَّا أَنْ يُضَمِّنَ عَجَّلَ مَعْنَى اشْتَدَّ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ الْعَجَلِ إلَى السَّيْرِ مَجَازًا وَتَوَسُّعًا وَالْأَصْلُ عَجَّلَ فِي السَّيْرِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ الْجَدُّ فِي السَّفَرِ وَالِاسْتِعْجَالُ فِيهِ وَتَقَدَّمَ مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيّ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَيْضًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا عَجَّلَ عَلَيْهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ مَوْصُولًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ «إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ» وَزَادَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ أُمَّتَهُ فَزَادَ فِي حَدِيثَيْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَمَّا اقْتِصَارُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ عَلَى ذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَضِيَّةٍ وَقَعَتْ لَهُ فَإِنَّهُ اُسْتُصْرِخَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَذَهَبَ مُسْرِعًا وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِأَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» زَادَ فِي الْمُوَطَّإِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتُ الْإِسْنَادِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ عَجَّلَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَحْفُوظٌ صَحِيحٌ انْتَهَى فَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَيْضًا وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِأَنْ يُعَجِّلَ بِهِ السَّفَرُ بَلْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا بِالْجَمْعِ وَهُوَ غَيْرُ سَائِرٍ بَلْ نَازِلٌ مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَهَذَا وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ «دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ» لَا يَكُونُ إلَّا وَهُوَ نَازِلٌ فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ نَازِلًا وَمُسَافِرًا انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا التَّصْرِيحُ بِجَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَدْ كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْجُمْهُورُ إلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ اخْتِصَاصُ الْجَمْعِ بِحَالَةِ الْجَدِّ فِي السَّيْرِ لِخَوْفِ فَوَاتِ أَمْرٍ أَوْ لِإِدْرَاكِ مُهِمٍّ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ إنَّ الْجَدَّ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِلْجَمْعِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ الْجَمْعُ بَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي السَّفَرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعُذْرِ السَّفَرِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - مَعَ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَرَبِيعَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَأَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ جَمَاعَةِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِحَالَةِ الْجَدِّ فِي السَّفَرِ لِخَوْفِ فَوَاتِ أَمْرٍ أَوْ لِإِدْرَاكِ مُهِمٍّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَجَوَابُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ زِيَادَةً يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا وَهِيَ الْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ جَدٍّ فِي السَّفَرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ مُعَاذٍ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ: فِي هَذَا أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ وَأَقْوَى الْحُجَجِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» مَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ الْجَمْعُ نَازِلًا غَيْرَ سَائِرٍ فَاَلَّذِي يَجِدُّ بِهِ السَّيْرُ أَحْرَى بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَعَارَضَانِ لَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قَالَ لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا أَنْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَفِي الْآخَرِ أَنَّهُ جَمَعَ نَازِلًا غَيْرَ سَائِرٍ فَإِمَّا أَنْ يَجْمَعَ وَقَدْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَجْمَعَ وَهُوَ نَازِلٌ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ فَلَيْسَ هَذَا بِمُتَعَارِضٍ عِنْدَ أَحَدٍ لَهُ فَهْمٌ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَكُلُّ مَا اخْتَلَفْت فِيهِ مِنْ مِثْلِهِ فَمَرْدُودٌ إلَيْهِ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ أَلَمْ تَرَ إلَى صَلَاةِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ؟ فَهَذَا سَالِمٌ قَدْ نَزَعَ بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَصْلٌ صَحِيحٌ لِمَنْ أُلْهِمَ رُشْدَهُ وَلَمْ تَمِلْ بِهِ الْعَصَبِيَّةُ إلَى الْمُعَانَدَةِ انْتَهَى. وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَدَمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاشْتِرَاطِ الْجَدِّ فِي السَّفَرِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الِاخْتِصَاصِ بِحَالَةِ الْجَدِّ فِي السَّفَرِ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْجَدِّ خَوْفَ فَوَاتِ أَمْرٍ أَوْ إدْرَاكِ مُهِمٍّ بَلْ كَانَ الْجَدُّ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَوْله تَعَالَى عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَعَجَّلَنِي سَيْرٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ إلَّا مَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إنْ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السَّفَرَ نَفْسَهُ إنَّمَا هُوَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ انْتَهَى وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَاكِثَ فِي الْمَنْزِلَةِ لَيْسَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ سَائِرٌ إلَّا أَنَّهُ لَا اسْتِعْجَالَ بِهِ بَلْ هُوَ يَسِيرُ عَلَى هِينَتِهِ فَهُوَ أَنْ يُجَوِّزَ الشَّافِعِيُّ لَهُمَا الْجَمْعَ وَلَا يُجَوِّزُهُ لَهُمَا ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ وَلَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَسْعَدُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ اعْتِبَارُ الْجَدِّ فِي السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مَخْصُوصٍ لِذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا يَكُونُ الْجَدُّ لِخَوْفِ فَوَاتِ أَمْرٍ أَوْ إدْرَاكِ مُهِمٍّ فَقَدْ يَكُونُ الْجَدُّ لِمُجَرَّدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ مِنْ مَتَاعِبِ السَّفَرِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» لَكِنْ زَادَ حَدِيثُ مُعَاذٍ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ الْجَمْعِ فِي زَمَنِ الْإِقَامَةِ الَّتِي لَا تَقْطَعُ اسْمَ السَّفَرِ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ» ، قَالَ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ نَحْوُ هَذَا وَعَنْهُ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ السَّيْرُ انْتَهَى وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا مِنْ أَمْرٍ فَجَعَلَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ الْجَدَّ فِي السَّيْرِ مِثَالًا لِلْعُذْرِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْعُذْرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَيَقُولُ الْجُمْهُورُ السَّفَرُ نَفْسُهُ عُذْرٌ وَمَظِنَّةٌ لِلرُّخْصَةِ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) مَنْعُ الْجَمْعِ بِعُذْرِ السَّفَرِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلنُّسُكِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى صَاحِبِيهِ وَقَالَ لَا يَجْمَعُ لِلنُّسُكِ إلَّا إذَا صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْمُنْفَرِدُ فِي ذَلِكَ كَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي هَذَا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتِيَارِهِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ كَانَ الْأَسْوَدُ وَأَصْحَابُهُ يَنْزِلُونَ عِنْدَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ فَيُصَلُّونَ الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ يَتَعَشَّوْنَ ثُمَّ يَمْكُثُونَ سَاعَةً ثُمَّ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا مَا نَعْلَمُ مِنْ السُّنَّةِ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ إلَّا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ وَعَنْ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى أَنَّهُمَا قَالَا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ وَرُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَمْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهَذَا مَرْدُودٌ بِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ وَرَدَتْ الرِّوَايَاتُ مُصَرِّحَةً بِالْجَمْعِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا فَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَحَدِيثُ مُعَاذٍ صَرِيحٌ فِي جَمْعَيْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا يُمْكِنُ مَعَهَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرُوهُ. (الثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ أَشَدَّ ضِيقًا وَأَعْظَمَ حَرَجًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَوْسَعُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ الْوَقْتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى إلَّا قَدْرُ فِعْلِهَا وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَجَدَهُ وَاضِحًا كَمَا وَصَفْنَا ثُمَّ لَوْ كَانَ الْجَمْعُ هَكَذَا لَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَالْعَمَلُ بِالْأَحَادِيثِ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ هَذَا التَّكَلُّفِ الَّذِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى جَمَعَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَصَلَّى الصُّبْحَ قَبْلَ الْفَجْرِ» وَقَالُوا إنَّ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ تَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِخَبَرِ وَاحِدٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا الْحَصْرُ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِظَاهِرِهِ فِي إيقَاعِ الصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَالَغَ فِي التَّعْجِيلِ حَتَّى قَارَبَ ذَلِكَ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ إنَّ غَيْرَ ابْنِ مَسْعُودٍ حَفِظَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ بِغَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَلَمْ يَشْهَدْ وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يُتْرَكُ الْمُتَوَاتِرُ بِالْآحَادِ بِأَنَّا لَمْ نَتْرُكْهَا وَإِنَّمَا خَصَّصْنَاهَا وَتَخْصِيصُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إجْمَاعًا فَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ عُمَرَ جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَالَ الْعُذْرُ يَكُونُ بِالسَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا عَنْ عُمَرَ وَهُوَ مُرْسَلٌ. (الْقَوْلُ السَّادِسُ) جَوَازُ التَّأْخِيرِ وَمَنْعُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِشَرْطِ الْجَدِّ فِي السَّفَرِ وَاعْتِمَادُ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ جَمْعَ التَّقْدِيمِ لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثَيْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِمَا جَمْعُ التَّأْخِيرِ وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «فَإِنْ زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِهَا أَنْ لَا يَكُونَ صَلَّاهَا مَعَ الظُّهْرِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِجَمْعِ التَّقْدِيمِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَالَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا كَانَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ إذَا لَمْ تَزُغْ الشَّمْسُ فَكَذَلِكَ يُقَدِّمُ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ إنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ وَلَفْظُهُ «إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ» وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ اللُّؤْلُؤِيَّ حَكَى عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ اهـ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِنَا لِسُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَضَعَّفَ ابْنُ حَزْمٍ حَدِيثَ مُعَاذٍ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَقَدْ بَسَطْت الرَّدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِي كُرَّاسَةٍ كَتَبْتهَا قَدِيمًا سَمَّيْتهَا الدَّلِيلُ الْقَوِيمُ عَلَى صِحَّةِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ. [فَائِدَة الْجَمْع فِي السَّفَر أَفْضَلَ مِنْ إيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) غَايَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ جَوَازُ الْجَمْعِ فَأَمَّا رُجْحَانُهُ وَكَوْنُهُ أَفْضَلَ مِنْ إيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيَّنَ بِذَلِكَ الْجَوَازَ أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّرَخُّصِ وَالتَّوَسُّعِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافَهُ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ بِذَلِكَ وَقَالُوا إنَّ تَرْكَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ وَعَلَّلُوهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةً مِنْ التَّابِعِينَ لَا يُجَوِّزُونَهُ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَزَادَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ الْجَمْعِ فَقَالَ إنَّ الْجَمْعَ مَكْرُوهٌ رَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَعَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ جَمْعَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى إيثَارِ الْفَضْلِ لِئَلَّا يَتَسَهَّلَ فِيهِ مَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ كَرِهَ الْجَمْعَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ الْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ يَكْرَهَانِ الْجَمْعَ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ انْتَهَى فَإِنْ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ الْقَوْلُ الْخَامِسُ الْمَحْكِيُّ فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ أَرَادَ التَّنْزِيهَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَحْكِيِّ عَنْ مَالِكٍ. [فَائِدَة الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ] 1 (الْخَامِسَةُ) لَمْ يُبَيِّنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ هَلْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَفَرٍ أَوْ كَانَ يَخُصُّ بِهِ السَّفَرَ الطَّوِيلَ وَهُوَ سَفَرُ الْقَصْرِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَدِّ فِي السَّفَرِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّوِيلِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ مُحْتَمَلَةٌ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ مَعَ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالطَّوِيلِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا اخْتِصَاصُهُ بِالطَّوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي لَهُمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ كَذَا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَالصَّوَابُ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ فَيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ فَإِنْ كَانَ الْخَوْفُ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»   Q [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] [حَدِيث بَيَان كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف] ِ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي لَهُمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَتَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ كَذَا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَالصَّوَابُ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَلَى الصَّوَابِ وَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا» لَمْ يَشُكَّ فِي رَفْعِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا الْأُخْرَى فِي مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَّنَا لَهُمْ» .   Qقَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الصَّوَابِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَكَاهُ عَنْ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا السَّقْطُ الَّذِي وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا فَلَعَلَّهُ مِنْ النَّاسِخِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الرِّوَايَةِ لَمْ يُمْكِنْ لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرُهُ إلَّا مَعَ الْبَيَانِ مَعَ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ قَضَتْ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً» زَادَ مُسْلِمٌ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَلَّى رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا يُومِئُ إيمَاءً وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ إذَا اخْتَلَطُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ وَالتَّكْبِيرُ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ مَعَهُ فَيَسْجُدُونَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يَنْصَرِفُ الَّذِينَ سَجَدُوا السَّجْدَةَ مَعَ أَمِيرِهِمْ ثُمَّ يَكُونُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَ أَمِيرِهِمْ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ أَمِيرُهُمْ وَقَدْ صَلَّى صَلَاتَهُ وَيُصَلِّي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ بِصَلَاتِهِ سَجْدَةً لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا قَالَ يَعْنِي بِالسَّجْدَةِ الرَّكْعَةَ» وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَلَفْظُ الْآخَرِينَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ «غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَّنَا لَهُمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي لَنَا فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» وَلَفْظُ النَّسَائِيّ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَالِمٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الزُّهْرِيِّ مِنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ السُّنِّيِّ الزُّهْرِيُّ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَيْنِ وَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا مِنْهُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ إثْبَاتُ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَاسْتِمْرَارُهَا وَأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَتْوَى ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ بِهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهُمْ لَهَا فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْمُزَنِيِّ وَالْحَسَنُ اللُّؤْلُؤِيُّ فَقَالُوا إنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] الْآيَةَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَصْلُ فِي الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّخْصِيصِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ فَالْحُكْمُ بَعْدَهُ بَاقٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَنْ يُفَرِّقَ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً يَنْحَازُ بِهِمْ إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ فَيَفْتَتِحُ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَفِرْقَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ فَإِذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ يَذْهَبُونَ إلَى مَكَانِ إخْوَانِهِمْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَيَقِفُونَ سُكُوتًا وَتَجِيءُ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَتُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ صَلَّتْ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الرَّكْعَةُ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَشْهَبُ صَاحِبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهَا وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ لَكِنَّهُمْ اخْتَارُوا كَيْفِيَّةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ خَرَجَ الْمُقْتَدُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَاقْتَدُوا بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُطِيلُ الْإِمَامُ الْقِيَامَ إلَى لُحُوقِهِمْ فَإِذَا لَحِقُوهُ صَلَّى بِهِمْ الثَّانِيَةَ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا الثَّانِيَةَ وَهُوَ يَنْتَظِرُهُمْ فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ بِهِمْ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَاخْتَارَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ مَعَ تَجْوِيزِهِمْ الْكَيْفِيَّةَ الْأُخْرَى وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِيَارَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ وَدَاوُد وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَشَرَطَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى خِلَافِهِ فَقِيلَ لَهُ حَدِيثُ سَهْلٍ نَسْتَعْمِلُهُ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ كَانُوا أَوْ مُسْتَدْبِرَيْنِ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ إنْكَارٌ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَادَّعَى نَاصِرُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ إذْ النَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَقَالَ بَعْضُ الْآخِذِينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مُخَالِفُ سُنَّتَيْنِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسُنَنِ الصَّلَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ وَتُسَلِّمُ قَبْلَ إمَامِهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا أَشْهَبَ إلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ إجَازَةِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ إنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِالرَّكْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَقُولُونَ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يَأْتُوا بِالرَّكْعَةِ فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا وَلَمْ يَجِدُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ إلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. [فَائِدَة كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ تُصَلِّي الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ] 1 (الرَّابِعَةُ) دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ تُصَلِّي الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ أَمْرِ الْحَرْبِ بِاشْتِغَالِ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا بِالصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تُصَلِّيَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ بَعْدَ الْأُخْرَى وَلَا سَبِيلَ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ وَهُمْ فِي مُوَاجِهَةِ الْعَدُوِّ إذْ لَا يُمْكِنُهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَجِيئِهِمْ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ لِيُتِمُّوهَا هُنَاكَ لَكِنْ أَيُّ الْفِرْقَتَيْنِ تُتِمُّ صَلَاتَهَا أَوَّلًا الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةُ؟ . لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إفْصَاحٌ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ وَهَذَا صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْأُولَى تَعُودُ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَتُتِمُّ صَلَاتَهَا ثُمَّ تَذْهَبُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَجْيِيءُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَتُتِمُّ صَلَاتَهَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ تَفْرِيعًا عَلَى إجَازَةِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَشْهَبُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تُكْمِلُ صَلَاتَهَا وَتَذْهَبُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَجِيءُ حِينَئِذٍ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَتَأْتِي بِمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهَا وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوَّ وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَشَارَ بِأُولَئِكَ الَّتِي هِيَ إشَارَةُ الْبَعِيدِ إلَى الْفِرْقَةِ الَّتِي كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْ الْإِمَامِ وَقْتَ سَلَامِهِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ الْأُولَى وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبَا حَنِيفَةَ أَخَذَ بِهَذَا وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ مَا قَدَّمْته وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الَّتِي بَدَأَتْ بِقَضَاءِ الرَّكْعَةِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ لَا أَصْلَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا لَمْ يَصِحَّ قَالَ وَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَضَاءِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَرَاءَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَفْعَالًا فِي صَلَاتِهِمْ مِنْ رُجُوعِهِمْ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ عَوْدِهِمْ إلَى مُصَلَّاهُمْ لِقَضَاءِ الرَّكْعَةِ. قَالَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي كَوْنِ الَّذِينَ صَلَّوْا خَلْفَهُ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ قَامُوا وَرَاءَهُ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قِيلَ إنَّ الطَّائِفَتَيْنِ قَضَوْا رَكْعَتَهُمْ الْبَاقِيَةَ مَعًا وَقِيلَ مُفْتَرِقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَوَّلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَالثَّانِي عَنْ أَشْهَبُ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ مِثْلَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إلَّا قَوْلَهُ إنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَا تَقْرَأُ فِي رَكْعَتِهَا الَّتِي تَقْضِيهَا كَمَا سَنَحْكِيهِ عَنْهُ فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ. [فَائِدَة شُرُوطُ الطَّائِفَةِ فِي صَلَاة الْخَوْف] 1 (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ الطَّائِفَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَسَاوَى عَدَدُ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ تَكُونَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَكْثَرَ عَدَدًا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَحْرُسُ يَحْصُلُ بِهَا الثِّقَةُ فِي التَّحَصُّنِ مِنْ الْعَدُوِّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مُقَاوَمَةٌ لِلْعَدُوِّ. (السَّادِسَةُ) ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ فَمَا زَادَ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَيْضًا فَقَدْ عَبَّرَ عَنْ الطَّائِفَةِ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يُصَلُّوا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الضَّمَائِرِ قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي مِنْهُمْ إنْ كَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَرِهْنَاهُ لِأَنَّ أَحْمَدَ ذَهَبَ إلَى ظَاهِرِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ هَذَا لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُصَلِّينَ عَدَدَ الصَّحَابَةِ وَلِذَلِكَ اكْتَفَيْنَا بِثَلَاثَةٍ وَلَمْ تَكُنْ الصَّحَابَةُ كَذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ مِنْ حَضَرَهُ خَوْفٌ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا فَأَمِيرُهُمْ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَاعْتَبَرَ الثَّلَاثَةَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا فِي كُلِّ فِرْقَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمْ فِرْقَتَيْنِ مَعَ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ ثَلَاثَةٌ الْإِمَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَعَهُ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ وَاحِدٌ وَفِي الْأُخْرَى آخَرُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَكْثَرُونَ لِذَلِكَ عَدَدًا وَقَالُوا الطَّائِفَةُ لُغَةً الْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَاحِدٌ فَمَا فَوْقَهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] فَالْفِرْقَةُ ثَلَاثَةٌ فَمَا زَادَ وَالطَّائِفَةُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ لَكِنْ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ كَوْنَ الطَّائِفَةِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ فِي الْأُمِّ فَإِنْ حَرَسَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ أَقَلَّ اسْمِ الطَّائِفَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَلَا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِهَذَا الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا أَجْزَأَ الطَّائِفَةَ أَجْزَأَ الْوَاحِدَ إنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى. [فَائِدَة أَتَتْ الطَّائِفَة الْأُولَى بِالرَّكْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا هَلْ يَأْتِي فِيهَا بِقِرَاءَةِ] (السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِيمَا إذَا أَتَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِالرَّكْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا هَلْ يَأْتِي فِيهَا بِقِرَاءَةٍ أَمْ لَا، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِقِرَاءَةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فِي رَكْعَتِهَا الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأُولَى لَاحِقَةٌ وَالثَّانِيَةَ مَسْبُوقَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا بُدَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ «فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً» إذْ الرَّكْعَةُ الْمَعْهُودَةُ شَرْعًا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قِرَاءَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهَا زَادَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ قَبْلَهُ. [فَائِدَة هَلْ يَجُوز صَلَاةَ الْخَوْفِ لِبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ] 1 (الثَّامِنَةُ) تَسْمِيَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ يَقْتَضِي فِعْلَهَا عِنْدَ كُلِّ خَوْفٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْقِتَالُ مَعْصِيَةً فَيَجُوزُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَالرُّفْقَةِ فِي قِتَالِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَلَا يَجُوزُ لِلْبُغَاةِ وَالْقُطَّاعِ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةً يَرْتَكِبُونَ فِيهَا مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخَوْفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إعَانَتِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ أَمَّا مَا يُبَاحُ فِي حَالَةِ الْأَمْنِ مِنْ كَوْنِ الْإِمَامِ يُصَلِّي بِكُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعَ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْعُصَاةُ إذْ لَا تَرَخُّصَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مَشْرُوعِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ] 1 (التَّاسِعَةُ) مَشْرُوعِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُغْتَفَرُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ سَبَبُهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَلَوْ صَلَّوْا مُنْفَرِدِينَ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي جِهَتِهَا وَبِهِ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يُفَرِّقُوا وَلَمَّا قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي غَيْرِ جِهَتِهَا وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ إلَى حَمْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَكِنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُمْ لَوْ هَجَمُوا فَإِنْ كَانُوا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِلَا حَائِلٍ فَالْمَشْرُوعُ حِينَئِذٍ صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِعُسْفَانَ وَهُوَ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ وَيُحْرِمَ بِالْجَمِيعِ فَيُصَلُّوا مَعَهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الِاعْتِدَالِ عَنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَيَسْجُدَ مَعَهُ صَفٌّ وَيَحْرُسَ آخَرُ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ وَالسَّاجِدُونَ سَجَدَ أَهْلُ الصَّفِّ الْآخَرِ وَلَحِقُوهُ فَقَرَأَ الْجَمِيعُ مَعَهُ وَرَكَعُوا وَاعْتَدَلُوا فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الْحَارِسُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَحَرَسَ الْآخَرُونَ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ سَجَدُوا وَلَحِقُوهُ وَتَشْهَدُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَهَذِهِ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إخْوَانَهُمْ وَأَتَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «أَنَّهُمْ رَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحِرَاسَةُ فِي السُّجُودِ» وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «صَفَّنَا صَفَّيْنِ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ قَالَ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرْنَا وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَقَامَ مَقَامَ أُولَئِكَ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَبَّرْنَا وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَقَامَ الثَّانِي فَلَمَّا سَجَدُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا» الْحَدِيثَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ الْأَخْذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ صَلَاةُ عُسْفَانَ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الثَّوْرِيَّ مَرَّةً أَخَذَ بِهَذَا وَمَرَّةً أَخَذَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحِرَاسَةَ فِي السُّجُودِ خَاصَّةٌ دُونَ الرُّكُوعِ وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ تَفَاصِيلُ وَتَفَارِيعُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِثْلَ صَلَاةِ الْخَوْفِ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَمَنْ مَعَهُ كَرِهْت لَهُ وَلَمْ يَبِنْ أَنَّ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ خَلْفَهُ إعَادَةً وَلَا عَلَيْهِ انْتَهَى. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ نَفْيُ مَا عَدَاهَا مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا جَازَ أَنْ تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى خِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا كَيْفَ تَيَسَّرَ لَهُمْ وَبِقَدْرِ حَالَاتِهِمْ وَحَالَاتِ الْعَدُوِّ إذَا أَكْمَلُوا الْعَدَدَ فَاخْتَلَفَتْ صَلَاتُهُمْ وَكُلُّهَا مُجْزِئَةٌ عَنْهُمْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى بِالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُتَابَعَتِهِ الْحَدِيثَ إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَهُ وَجْهُ اتِّبَاعٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى أَوْجُهٍ وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثًا صَحِيحًا وَاخْتَارَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ثَبَتَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَرَأَى أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا عَلَى قَدْرِ الْخَوْفِ قَالَ وَلَسْنَا نَخْتَارُ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَحَرَّى فِي كُلِّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ فَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَحَادِيثَ صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَقَالَ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالطَّبَرِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِجَوَازِ كُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا قَالَ وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ مِنْ هَذَا الْبَابِ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عِنْدِي مَنْ صَلَّى بِغَيْرِهِ مِمَّا قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِنَقْلِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ لَمْ يَقْضُوا الرَّكْعَةَ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ سُنَنِهِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ وَأَمَّا صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتُهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا إمَامُهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمّ بِهِ» . قَالَ وَالْحُجَّةُ فِي اخْتِيَارِنَا هَذَا الْوَجْهَ أَنَّهُ أَصَحُّهَا إسْنَادًا وَأَشْبَهُهَا بِالْأُصُولِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا انْتَهَى وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ ثَمَانِي صُوَرٍ وَذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا كُلُّهَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَجْهًا آخَرَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ جَمَعْت طُرُقَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَبَلَغَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ وَرَقَاتٍ فَلْتُرَاجَعْ مِنْهُ. [فَائِدَة هَلْ يَجُوز فِي صَلَاة الْخَوْف أَنْ يُفَرِّقهُمْ الْإِمَام بِعَدَدِ الرَّكَعَات] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) كَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتْ ثُنَائِيَّةً أَوْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً لَكِنَّهَا مَقْصُورَةٌ فَلَوْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً وَهِيَ الْمَغْرِبُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَبَيْنَ أَنْ يَعْكِسَ فَيُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ وَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَحَادِيثِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي تَفْرِيقِهِمْ فِرْقَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَيُصَلِّي بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةً وَلَمْ تُقْصَرْ وَلَا أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِي الْمَغْرِبِ فَيُصَلِّيَ بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً إذْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَالرُّخَصُ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ بَاطِلَةٌ لِزِيَادَتِهِ عَلَى انْتِظَارَيْنِ وَلَمْ يُعْهَدُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سِوَاهُمَا وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِهِ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَصَلَاتُهُمْ صَحِيحَةٌ لِمُفَارَقَتِهِمْ الْإِمَامَ قَبْلَ طَرَيَان الْمُبْطِلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِمْ قَوْلًا الْمُفَارَقَةُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَإِنَّهُ قَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَفِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا صِحَّتُهَا أَيْضًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ فَاسِدَةٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ خَاصَّةً وَصَلَاةُ غَيْرِهِمَا صَحِيحَةٌ. [فَائِدَة صَلَاةَ الْخَوْفِ لَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ السَّفَرِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ السَّفَرِ بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْحَضَرِ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ كُلَّهَا كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِ فِعْلِهَا فِي الْحَضَرِ عِنْدَ حُصُولِ الْخَوْفِ وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِعُمُومِ الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ فَلَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِسَفَرٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ كَانَتْ بِبَعْضِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ لَكِنْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَعْرُوفُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِبَطْنِ نَخْلٍ هِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ انْتَهَى وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ وَقَالَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] إنَّ هَذَا لَيْسَ قَصْرُ السَّفَرِ وَإِنَّمَا هُوَ قَصْرُ الْخَوْفِ فَيُرَدُّ إلَى رَكْعَةٍ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى اخْتِصَاصِ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِالسَّفَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) كَوْنُ الْإِمَامِ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ بَعْضَ الصَّلَاةِ وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا مَا بَقِيَ لَيْسَ لَازِمًا فَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ جَمِيعَ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُفْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى وَمُتَنَفِّلًا فِي الثَّانِيَةِ جَازَ وَهِيَ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَطْنِ نَخْلٍ وَقَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ «جَابِرٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيهِ «وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَفِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّصْرِيحُ «بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَحَكَوْهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَدَاوُد وَجَمَاعَةٍ انْتَهَى وَلَمْ تَقُلْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ لِمَنْعِهِمْ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إذْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى الْفَرِيضَةُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ قَدْ ادَّعَى مَا لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ قَطُّ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إذْ لَا دَلِيلَ لِنَسْخِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ إنَّمَا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ قَالَ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي نَسَخَهُ؟ فَإِنْ أَرَادَ بِالنَّاسِخِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَيْسَ هَذَا نَاسِخًا فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ وَأَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّوْهَا مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَزِيدُ بْنُ عَامِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِحْجَنُ بْنُ أَبِي مِحْجَنٍ الدِّيلِيُّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ فَأَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا قُلْنَا وَقَدْ أَمَرَ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ بِإِعَادَتِهَا لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُدْرِكْهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَيُّكُمْ يَأْتَجِرُ عَلَى هَذَا؟ فَقَامَ رَجُلٌ وَصَلَّى مَعَهُ» لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد «أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ» وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً بَعْدَ أَنْ صُلِّيَتْ جَمَاعَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ حِينَ صَلَّى عُمَرُ بِالنَّاسِ فَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَا تُنْكَرُ حِينَئِذٍ صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى لَمَا كَانَ بِهِ بَأْسٌ لَكِنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِالصَّلَاةِ مَعَهُ بَلْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أُمُورٌ لَا تَصْلُحُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ ذَهَابِهِمْ إلَى الْعَدُوِّ وَاسْتِدْبَارِهِمْ الْقِبْلَةَ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ كُلُّ ذَلِكَ لِحِرْصِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَهُ وَأَلَّا يَفُوزَ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَأَمَّا صَلَاتُهُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُخَالِفُ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ. هَذَا كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَاهُ رَجَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَى صَلَاتِهَا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَوْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَقَالَ فِيهَا تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالتَّمَامِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِيحُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ لِأَنَّهَا أَعْدَلُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ صَلَاةُ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ لِلْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ تصلى الْجُمُعَةَ بِهَيْئَةِ صَلَاة الْخَوْف] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ تَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا إذَا وُجِدَ الْخَوْفُ فِيهَا وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ عُسْفَانَ بِأَنْ يُرَتِّبَهُمْ صَفَّيْنِ وَيَحْرُسَ فِي سُجُودِ كُلِّ رَكْعَةٍ صَفٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَيْضًا عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَخْطُبَ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ وَيَجْعَلَ مِنْهَا مَعَ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى لَمْ يَجُزْ (الثَّانِي) أَلَّا يُنْقِصَ الْفِرْقَةَ الْأُولَى عَنْ أَرْبَعِينَ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُ الثَّانِيَةِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ صَلَاةَ الْخَوْفِ إذَا كَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِلِاشْتِغَالِ بِمُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) أَحَادِيثُ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَاسِخَةٌ لِجَمْعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَيْنَ صَلَوَاتٍ عَدِيدَةٍ فَكَانَ حُكْمُ الشَّرْعِ أَوَّلًا جَوَازُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِلِاشْتِغَالِ بِمُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ الشُّغْلُ فَيَأْتِيَ بِمَا فَاتَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ سَنَةٍ كَانَتْ؟ فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ خَمْسٍ وَذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَمْسٍ أَوْ أَوَائِلِ سَنَةِ سِتٍّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ وَهَذَا مُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ سَنَةَ سَبْعٍ لَكِنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَ خَيْبَرَ عَنْ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ بِخَمْسِ غَزَوَاتٍ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْغَزْوَةُ السَّابِعَةُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَتِهِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ» . وَمُقْتَضَى كَوْنِهَا بَعْدَ خَيْبَرَ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْغَزْوَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ فَحَصَلَ خِلَافٌ هَلْ هِيَ سَنَةُ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ الْأَوَّلُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا آخِرُ الْغَزَوَاتِ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكَلِ الْوَسِيطِ وَقَالَ لَيْسَتْ آخِرُهَا وَلَا مِنْ أَوَاخِرِهَا وَإِنَّمَا آخِرُ غَزَوَاتِهِ تَبُوكُ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ كَمَا ذُكِرَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السِّيَرِ وَإِنْ أَرَادَ أَيْ الْغَزَالِيُّ أَنَّهَا آخِرُ غَزَاةٍ صَلَّى فِيهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا. فَقَدْ «صَلَّى مَعَهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَبُو بَكْرَةَ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ» تَدَلَّى بِبَكْرَةٍ فَكُنِّيَ بِهَا وَلَيْسَ بَعْدَ غَزْوَةِ الطَّائِفِ غَزْوَةٌ إلَّا غَزْوَةَ تَبُوكَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّ صِفَةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَفْضَلُ صِفَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُ آخِرُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا انْتَهَى. وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لَقَدْ أَصَبْنَا لَهُمْ غَزْوَةً وَلَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غَفْلَةً فَنَزَلَتْ يَعْنِي صَلَاةَ الْخَوْفِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ «فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» . (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي عَشْرَةِ مَوَاطِنَ» وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ «أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ ذَاتِ الرِّقَاعِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ «أَنَّهُ صَلَّاهَا بِعُسْفَانَ وَيَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ» وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي غَزَاةِ جُهَيْنَةَ وَفِي غَزَاةِ بَنِي مُحَارِبَ بِنَخْلٍ وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّاهَا فِي غَزْوَةٍ بِنَجْدٍ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ نَجْدٍ وَغَزْوَةُ غَطَفَانَ» قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ صَلَاتَهُ إيَّاهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِبَطْنِ نَخْلٍ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ صَلَاتَهَا بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ لَكِنَّ مُسْلِمٌ قَدْ ذَكَرَهَا فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا يَوْمَ ذِي قَرَدٍ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَالَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ لَمَّا رَأَى اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ فِي تَسْمِيَةِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى بِهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْهَا عَشَرَةٌ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ سُمِّيَتْ بِخَمْسَةِ أَسْمَاءٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ حَفْصَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ فَنَزَلَ نَخْلًا وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْإِكْلِيلِ حِينَ ذَكَرَ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الْغَزْوَةُ غَزْوَةَ مُحَارَبٍ وَيُقَالُ غَزْوَةُ حَفْصَةَ وَيُقَالُ غَزْوَةُ ثَعْلَبَةَ وَيُقَالُ غَطَفَانُ قَالَ الْحَاكِمُ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذِهِ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ هَكَذَا حَكَى الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي السِّيرَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَتَّى نَزَلَ نَخْلًا وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ ذَكَرَ ذَاتَ الرِّقَاعِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَغَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الَّتِي) - صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى بِهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ مِنْ الْغَزَوَاتِ ذَاتُ الرِّقَاعِ وَذُو قَرَدٍ وَعُسْفَانُ وَكَذَلِكَ صَلَّاهَا فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ لِصِحَّةِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَلَيْسَ بَعْدَهَا إلَّا تَبُوكَ وَلَيْسَ فِيهَا لِقَاءٌ لِلْعَدُوِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَزَاةَ نَجْدٍ مَرَّتَانِ وَأَنَّ الَّتِي شَهِدَهَا أَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ هِيَ غَزْوَةُ نَجْدٍ الثَّانِيَةُ لِصِحَّةِ حَدِيثَيْهِمَا فِي شُهُودِهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «وَسُئِلَ عَنْ إقْصَارِ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَيْنَ أُنْزِلَ وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ خَرَجْنَا نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ أَتَتْ مِنْ الشَّامِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِنَخْلٍ» الْحَدِيثَ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ بِأَسَانِيدَ إلَى جَابِرٍ «أَنَّ خَالَنَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ أَنْمَارًا وَثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقَعُ فِيهَا قِتَالٌ وَصَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ» وَهَذَا كَمَا تَرَى السَّبَبُ مُخْتَلِفٌ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُمْ قَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا» وَفِي هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حُضُورُهُ غَزْوَةَ نَجْدٍ وَصَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى حُضُورُهُ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَيْهَا مَرَّتَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهَا فِي السَّادِسَةِ كَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيِّ فَكَأَنَّهُ حَسَبَ السَّنَةِ مُلَفَّقَةٌ بِأَنَّهَا أَوَّلُ السَّابِعَةِ وَهِيَ آخِرُ السَّادِسَةِ إذَا عَدَدْنَا مِنْ شَهْرِ الْهِجْرَةِ وَهُوَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ فَوَهْمٌ قَطْعًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَرَّاتٍ فِي غَزَاةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ صَلَّى بِذَاتِ الرِّقَاعِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ» وَكَذَا «صَلَّى بِعُسْفَانَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ صَلَاتُهُ فِي الْخَوْفِ بِالْقَوْمِ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَأَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [فَائِدَة أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اقْتِصَارُ كُلّ طَائِفَة عَلَى رَكْعَةٍ مِنْ غَيْر قَضَاء] 1 (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي مَنْعَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مَا يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى رَكْعَةٍ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ قَالَ «كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي بِطَبَرِسْتَانَ فَقَامَ فَقَالَ أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا فَصَلَّى لِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا» لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ بَعْدَ قَوْلِ حُذَيْفَةَ أَنَا فَوَصَفَ فَقَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً صَفَّ خَلْفَهُ وَطَائِفَةٍ أُخْرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّتِي تَلِيهِ رَكْعَةً ثُمَّ نَكَصَ هَؤُلَاءِ إلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً» . وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ صَلَاةِ حُذَيْفَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَسَاقَ لَفْظَهُ بِمَعْنَاهُ وَفِي آخِرِهِ «فَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ» وَالْقَاسِمُ بْنُ حَسَّانَ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَلَا يُعْرَفُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِذِي قَرَدٍ» فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ «وَلَمْ يَقْضُوا» وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَفِي آخِرِهِ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَانِ وَلَهُمْ رَكْعَةٌ» فَأَخَذَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَجَوَّزَ لِكُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الِاقْتِصَارَ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ رَكْعَةٍ أُخْرَى وَقَالَ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ وَقَالَ بِهَا جُمْهُورُ السَّلَفِ كَمَا رَوَيْنَا عَنْ حُذَيْفَةَ أَيَّامَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَعَنْ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى بِمَنْ مَعَهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَلَّاهَا بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ وَلَا أَمَرَ بِالْقَضَاءِ ثُمَّ سَاقَ آثَارًا عَنْ السَّلَفِ يَشْهَدُ ظَاهِرُهَا لِمَا قَالَ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ قَالَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَخَرَّجَ ابْنُ قُدَامَةَ جَوَازَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ صَلَاةِ كُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ فَهَذِهِ الصَّلَاةُ يَقْتَضِي عُمُومُ كَلَامِ أَحْمَدَ جَوَازَهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ سِتَّةَ أَوْجُهٍ وَلَا أَعْلَمُ وَجْهًا سَادِسًا سِوَاهَا قَالَ وَأَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ لَا يُجِيزُونَ رَكْعَةً وَاَلَّذِي قَالَ مِنْهُمْ رَكْعَةً إنَّمَا جَعَلَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الْقِتَالِ وَاَلَّذِينَ رَوَيْنَا عَنْهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُهُمْ لَمْ يَنْقُصُوا عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَحْضُرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ فَصَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَيْسَ يَثْبُتُ حَدِيثٌ رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِذِي قَرَدٍ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَقْضُوا فِي عِلْمِ الرَّاوِي لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى غَيْرُهُ أَنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ مُرَادَهُ لَمْ يَقْضُوا إذَا أَمِنُوا فَلَا يَقْضِي الْخَائِفُ إذَا أَمِنَ مَا صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ «صَلَّوْا فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» أَيْ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَكَتَ عَنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْهَا أَفْرَادًا انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ مِنْ طَرِيقٍ وَفِيهِ فَذَكَرَ صَلَاةً مِثْلَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ وَقَالَ فَقَوْلُ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ ثَعْلَبَةَ وَصَفٌّ يُوَازِي الْعَدُوَّ يُرِيدُ بِهِ حَالَةَ السُّجُودِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ أُولَئِكَ يُرِيدُ بِهِ تَقَدُّمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ وَتَأَخُّرَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي ذَلِكَ قَضَاءُ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى قَضَاءِ شَيْءٍ بَعْدَهُ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَوَجَبَ حَمْلُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَةٌ أُخْرَى يَأْتِي بِهَا مُنْفَرِدًا كَمَا جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا قَصْرَ فِيهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ] 1 (الْعِشْرُونَ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَأَمَّا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بِحَالٍ لِقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَلْتَحِمْ لَكِنْ لَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ لَوْ انْقَسَمُوا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةُ مَا عَجَزُوا عَنْهُ مِنْ الْأَرْكَانِ وَقَدْ أَشَارَ فِي الْحَدِيثِ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ فَنَبَّهَ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ بِقَوْلِهِ رُكْبَانًا وَعَلَى تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ بِقَوْلِهِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا وَالْمُرَادُ إذَا عَجَزُوا عَنْ الِاسْتِقْبَالِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيُمَكِّنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَشَارَ إلَى تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْإِيمَاءِ بِهِمَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَوْ قِيَامُهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ فِي كُلِّ حَالَاتِ الصَّلَاةِ حَتَّى فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِرَادَةِ الْقِيَامِ عَلَى الْأَقْدَامِ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ فَإِنَّ الْمُصَلِّي فِي حَالَةِ السَّعَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَوْطِئَةً لِحَالَةِ الرُّكُوبِ كَمَا ذَكَرَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ تَوْطِئَةً لِحَالَةِ تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ «تُومِئُ إيمَاءً» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا يُؤَخِّرُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّلَاةَ حَتَّى يَخَافُوا فَوْتَ الْوَقْتِ فَحِينَئِذٍ يُصَلُّونَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ فَكَلَامُ أَصْحَابِنَا يُنَافِيهِ وَإِنْ أَرَادُوا اسْتِحْبَابَهُ فَلَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُهُمْ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ يُؤَخِّرُهَا حَتَّى تَزُولَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهُمَا اسْتَدَلَّا «بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَوَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَغَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فَنَسِيَ الصَّلَاةَ فَقَدْ نَقَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَكَّدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا فِي مُسَابِقَةٍ تُوجِبُ قَطْعَ الصَّلَاةِ انْتَهَى وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَعَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الصَّلَاةَ مَعَ اخْتِلَالِ الْأَرْكَانِ إلَّا فِي حَالَةِ الِاحْتِيَاجِ لِلْفِعْلِ الْكَثِيرِ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَغْتَفِرُوا ذَلِكَ وَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ لِأَجْلِهِ فَخَالَفُوا الْجُمْهُورَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَطْ لَا مُطْلَقًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُصَلُّونَ إيمَاءً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ وَيَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَقَالَ أَنَسٌ حَضَرْت مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إضَاءَةِ الْفَجْرِ وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُصَلُّوا إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى حَكَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَاتَّفَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى اغْتِفَارِ الْقِتَالِ وَالْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ اغْتِفَارُ ذَلِكَ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ وَحَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ فِي شَخْصٍ وَلَا تَبْطُلُ فِي أَشْخَاصٍ وَالشَّافِعِيَّةُ تَفْرِيعًا عَلَى الرَّأْي الثَّانِي عِنْدَهُمْ لَا يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُوجِبُونَ التَّمَادِي فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ حُكْمِهِمْ بِبُطْلَانِهَا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ فِيمَا إذَا تَابَعَ الضَّرْبَ أَوْ الطَّعْنَ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَيَمْضِي فِيهَا قَالَ وَلَا يَدَعُهَا فِي هَذَا الْحَال إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَافَ ذَهَابَ وَقْتِهَا وَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ مُنْفَرِدُونَ مِنْ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ بِالْقَوْلِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ إنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِيمَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِيمَاءِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ إلَّا أَنْ تَقْوَى الدَّهْشَةُ فَتَمْنَعَ اسْتِحْضَارَ ذَلِكَ فَيَكُونَ نِسْيَانًا وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ مَعْنَى قَوْلِ أَنَسٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا السَّبِيلَ إلَى الْوُضُوءِ مِنْ شِدَّةِ الْقِتَالِ فَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا الْمَاءَ اسْتَعْمَلُوا التُّرَابَ وَإِذَا فَقَدُوا التُّرَابَ صَلَّوْا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اخْتَارَ مِنْ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ هَذَا الْوَجْهَ يَعْنِي صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ مِنْ ذَهَابِهِمْ إلَى الْعَدُوِّ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَشْيِ الْكَثِيرِ وَالْعَمَلِ الطَّوِيلِ وَالِاسْتِدْبَارِ مَعَ الْغَنَاءِ عَنْهُ وَإِمْكَانِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ ثُمَّ مَنَعَهُ فِي حَالٍ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَيْهِ وَكَانَ الْعَكْسُ أَوْلَى لَا سِيَّمَا مَعَ نَصِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الرُّخْصَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ عَمَدَ كَلِمَةً يُحَذِّرُ بِهَا مُسْلِمًا أَوْ يَسْتَرْهِبُ بِهَا عَدُوًّا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ فَقَدْ نُقِضَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَتَى أَمْكَنَهُ انْتَهَى وَفِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ وَلَا يَتْرُكُونَ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْتَهَى وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ خِلَافُ الْمَالِكِيَّةِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأَقْوَالِ وَأَنَّهُمْ يَغْتَفِرُونَهَا كَالْأَفْعَالِ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَغْتَفِرُهَا وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَلَى قَوْلِهِ وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الصِّيَاحِ بِكُلِّ حَالٍ بِلَا خِلَافٍ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ انْتَهَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةُ النُّطْقِ بِلَا صِيَاحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) إنْ قُلْت لَمْ يُضْبَطْ الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ بِضَابِطٍ قُلْت ضَابِطُهُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا مِنْ انْقِسَامِهِمْ فِرْقَتَيْنِ مَعَ اسْتِيفَاءِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا بَلْ يُضْطَرُّونَ لِمَا هُمْ فِيهِ لِلْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْأَرْكَانِ أَوْ الشَّرَائِطِ. [فَائِدَة صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِلْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ] (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) إطْلَاقُ الْخَوْفِ يَتَنَاوَلُ مَا يَخْرُجُ إلَى الْمُقَاتَلَةِ وَمَا يَخْرُجُ إلَى الْهَرَبِ وَالشَّرْطُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَا مُبَاحَيْنِ فَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِلْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِارْتِكَابِهِمْ بِذَلِكَ مَعْصِيَةً وَلَا لِلْمُنْهَزِمِ مِنْ الْكُفَّارِ لَا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ حَيْثُ حَرُمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِذَلِكَ، بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى ضِعْفِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي كُلِّ هَرَبٍ مُبَاحٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ حَرِيقٍ إذَا لَمْ يَجِدْ مَعْدِلًا عَنْهُ أَوْ مِنْ سَبْعٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ لِحَبْسِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ يَرْجُو الْعَفْوَ عَنْهُ إذَا سَكَنَ الْغَضَبُ بِتَغَيُّبِهِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ هَرَبِهِ بِهَذَا التَّوَقُّعِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيمَا إذَا انْهَزَمَ الْكُفَّارُ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَالصُّورَةُ أَنَّهُمْ لَوْ ثَبَتُوا وَكَمَّلُوا الصَّلَاةَ فَاتَهُمْ الْعَدُوُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا إنْ خَافُوا كَمِينًا أَوْ كَرَّتَهُمْ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ خَوْفِ مَعَرَّتِهِمْ إنْ تَرَكُوا وَعَدَمِ ذَلِكَ وَفِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا نَظَرٌ لِمَا رَوَى. أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ عَرَفَاتٍ فَقَالَ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ قَالَ فَرَأَيْته وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَقُلْتُ إنِّي لَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إنْ أُؤَخِّرْ الصَّلَاةَ فَانْطَلَقْت أَمْشِي وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إيمَاءً نَحْوَهُ فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ قَالَ لِي مَنْ أَنْتَ قُلْتُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بَلَغَنِي أَنَّك تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجِئْتُك فِي ذَاكَ قَالَ إنِّي لَفِي ذَاكَ فَمَشَيْت مَعَهُ سَاعَةً حَتَّى إذَا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِسَيْفِي حَتَّى بَرَدَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ أَطْوَلَ مِنْهُ وَقَدْ يُقَالُ لَهُ لَيْسَ هَذَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْرِيرِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لَكِنَّ أَصْحَابَنَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَأَقَامُوهُ رَدًّا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي مَنْعِهِمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَعَ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ وَالْمَشْيِ الْكَثِيرِ وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا كَيْفِيَّةَ صُوَرِ اتِّبَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُشْرِكَيْنِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ الْخَاصِّ فِيهِ وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَيَّنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ لِقَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ وَجَعَلَ لَهُ عَلَامَةً عَلَيْهِ وَهِيَ قُشَعْرِيرَةٌ تَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ وَكَانَ مُعْجِزَةً وَعَلَمًا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اغْتِفَارِ الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي تَبَعِيَّتِهِ اغْتِفَارُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَكِنْ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَحْسُنُ رَدُّ أَصْحَابِنَا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ بِهِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٌ فِي مَعْنَى الطَّالِبِ الَّذِي يَخْشَى كَرَّةَ الْعَدُوِّ إذْ لَا يَأْمَنُ شَرَّ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ لَوْ عَرَفَهُ قَبْلَ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى   Qحَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إنْ كَانَ هُوَ الطَّالِبُ نَزَلَ فَصَلَّى عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَطْلُوبُ صَلَّى عَلَى ظَهْرٍ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرٍ وَإِنْ كَانَ طَالِبًا وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا. (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ (فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا) يَقْتَضِي فِعْلَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ مُطْلَقِ الْخَوْفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا إنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ كَحَالَةِ الْأَمْنِ وَاقْتَصَرَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ وَأَوْجَبُوا الِانْفِرَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ قَالَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ انْتَهَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَالْمُصَلِّينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَفِيهَا، وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ احْتِمَالًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] [حَدِيث نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] {بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ} (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 بَعْدَ غَدٍ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمَ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَهَذَا يَوْمُهُمْ وَقَالَ فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ فَالْيَهُودُ غَدًا» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ وَزَادَ فِيهَا ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» .   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَهَذَا يَوْمُهُمْ وَقَالَ فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ فَالْيَهُودُ غَدًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ الْكِتَابَ» وَفِيهَا «ثُمَّ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَعَلَّ عَلَيْهِمْ أَصَحُّ لِمُوَافَقَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اُفْتُرِضَ عَلَيْهِمْ» وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا مِنْ صَحِيحَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «نَحْنُ الْآخِرُونَ» بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ فِي الزَّمَانِ وَالْوُجُودِ وَإِعْطَاءِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ «السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ بِالْفَضْلِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ فَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَائِرِ الْأُمَمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ» وَالتَّقَيُّدُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ سَبْقُهُمْ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَيَّامِ بَعْدَهُ الَّتِي هِيَ تَبَعٌ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ سَبْقُهُمْ بِالْقَبُولِ وَالطَّاعَةِ الَّتِي حُرِمُوهَا وَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَصَحَّ وَصْفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْآخِرِيَّةِ وَالسَّبْقِ بِاعْتِبَارَيْنِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الِاعْتِبَارُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَنَافٍ فَإِنْ قُلْت كَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ آخِرَ الْأُمَمِ أَمْرٌ وَاضِحٌ فَمَا فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِهِ؟ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِوَصْفِهِمْ بِالسَّبْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ مِنْ تَأَخُّرِهِمْ فِي الزَّمَنِ تَأَخُّرُهُمْ فِي الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ بَلْ سَابِقُونَ فِيهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَنَّ شَرِيعَتَهُمْ بَاقِيَةٌ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ مَا دَامَ التَّكْلِيفُ مَوْجُودًا فَسَائِرُ الْأُمَمِ وَإِنْ سَبَقُوا لَكِنْ انْقَطَعَتْ شَرَائِعُهُمْ وَنُسِخَتْ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ شَرِيعَتَهَا بَاقِيَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي وَصْفِهِمْ بِالْآخِرِيَّةِ شَرَفٌ كَمَا أَنَّ فِي وَصْفِهِمْ بِالسَّبْقِ شَرَفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ذِكْرُهُ مُجَرَّدَ تَوْطِئَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ بَيْدَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مَيْدَ بِالْمِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ يُقَالُ هُوَ كَثِيرُ الْمَالِ بَيْدَ أَنَّهُ بَخِيلٌ وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ السِّكِّيتِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى عَلَى حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَوَّلُ أَعْلَى وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا بِمَعْنَى إلَّا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى وَأَنْشَدُوا عَلَى مَجِيئِهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ قَوْلَ الشَّاعِرِ عَمْدًا فَعَلْت ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي ... أَخَافُ إنْ هَلَكْت أَنْ تَزِنِّي وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ أَنَّ بَيْدَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» بِمَعْنَى غَيْرَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا اسْتَبْعَدَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَوْنَ بَيْدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ السَّابِقُونَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ سَبْقِنَا كَوْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَيَتَّحِدُ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى عَلَى وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى إلَّا أَمَّا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجَعَلْنَاهُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ الْآخِرُونَ اتَّجَهَ كَوْنُهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ أَيْ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ لِبُعْدِهِ فِي اللَّفْظِ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْجِيهِ كَوْنِنَا الْآخِرِينَ بِهَذَا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ إنَّمَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى تَوْجِيهِهِ كَوْنُنَا السَّابِقِينَ وَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَهُ وَهُوَ السَّبْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ مِنْ الْإِرَاحَةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ السَّبْقُ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُسْتَثْنَى إيتَاؤُهُمْ الْكِتَابَ قَبْلَنَا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا فَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَهُوَ سَبْقُنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إيتَاؤُهُمْ الْكِتَابَ قَبْلَنَا فِي الدُّنْيَا يَظْهَرُ لَهُ ثَمَرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ سَبْقِنَا إلَى الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ أَيْ إلَّا ثَمَرَةَ إيتَائِهِمْ قَبْلَنَا الْكِتَابَ يَظْهَرُ فِيهِ سَبْقُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى زِيَادَةِ نَظَرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ بِأَيْدٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] أَيْ بِقُوَّةٍ أَعْطَانَاهَا اللَّهُ وَفَضَّلَنَا بِهَا لِقَبُولِ أَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ قَالَ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ إنَّهُمْ مَكْسُورَةً لِابْتِدَاءِ الْكَلَامِ وَاسْتِئْنَافِ التَّفْسِيرِ قَالَ وَقَدْ صَحَّتْ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ بَيْدَ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ بِأَيْدٍ وَاخْتَلَفَتْ النُّسَخُ فِي ضَبْطِهِ فَفِي بَعْضِهَا مَفْتُوحُ الْآخِرِ مِثْلُ بَيْدَ إلَّا أَنَّهُ زَادَ أَلِفًا بِكَسْرِ الْبَاءِ فَكَسَرَ لِذَلِكَ الْيَاءَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِأَيْدٍ وَمَعْنَاهُ بِقُوَّةٍ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِأَيْدٍ أَنَّهُمْ وَلَمْ أَرَهُ فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا بِأَيْدٍ أَيْ بِقُوَّةٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ بِأَيْدٍ وَهُوَ مَضْبُوطٌ فِي الْأَصْلِ بِفَتْحِ آخِرِهِ وَالشَّافِعِيُّ لِمَا رَوَاهُ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ. 1 - (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ أُوتُوا الْكِتَابَ أَيْ أُعْطُوهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالْكِتَابُ التَّوْرَاةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا الْيَهُودَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالنَّصَارَى قُلْت وَهَذَا أَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ جِنْسُ الْكُتُبِ لِيَتَنَاوَلَ الزَّبُورَ وَغَيْرَهُ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا» وَالْمُرَادُ الْأُمَمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكُتُبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِكُلِّ أُمَّةٍ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى خَاصَّةً بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ «الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» وَيَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ جِنْسِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ حَيْثُ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَأُوتِينَاهُ عَلَى الْكِتَابِ فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ التَّوْرَاةُ لَمَا صَحَّ الْإِخْبَارُ بِأَنَّا أُوتِينَاهُ حَيْثُ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ وَلَعَلَّ هَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَى الْيَهُودِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُرِضَ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ فَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنَّمَا يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمٌ مِنْ الْجُمُعَةِ وُكِّلَ إلَى اخْتِيَارِهِمْ لِيُقِيمُوا فِيهِ شَرِيعَتَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الْأَيَّامِ يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَلَمْ يَهْدِهِمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّخَرَهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَدَاهُمْ لَهُ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ فَفُضِّلَتْ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ إذْ هُوَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ وَفَضَّلَهُ اللَّهُ بِسَاعَةٍ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ انْتَهَى. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَجَاءَ النَّوَوِيُّ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَحَكَاهُ عَنْ الْقَاضِي نَفْسِهِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا أَبْرَدُ قَوْلَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُمْ تَرَكُوا وَفَعَلُوا مَا لَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ ذُمُّوا ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَأَخْبَرَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ دَعْهُمْ وَمَا اخْتَارُوا قَالَ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ «الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا» . وَقَوْلُهُ «فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ» وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُهُمْ بَلْ كَانَ يَقُولُ خَالَفُوا فِيهِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَجَّحَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا عَلَيْهِمْ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَجْعَلَ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تَرْجِيحًا عَلَى الْأُخْرَى فَهُمَا مَعًا صَحِيحَتَانِ وَقَدْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُهُمْ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ اخْتَلَفُوا بِحَقٍّ بَلْ بَعْضُهُمْ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَبَعْضُهُمْ حَادَ عَنْهُ فَصَحَّ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة: 253] . عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ بِحَقٍّ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ وَإِذَا يُعْلَمُ أَحَدُ الْمُخْتَلِفِينَ بِالنَّصِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنِهِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ بِعَيْنِهِ أَمْ لَهُمْ إبْدَالُهُ فَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إبْدَالِهِ؟ قُلْت وَهَذَا كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي الصَّوْمِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَيْنِهِ فَأَبْدَلُوهُ بِغَيْرِهِ وَنَقَلُوا إلَى فَصْلٍ مُعْتَدِلٍ مَعَ زِيَادَةِ أَيَّامٍ، فَالظَّاهِرُ الْأَرْجَحُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهِ فَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، مَا نَدْرِي بِالْإِبْدَالِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ أَوْجُهَ الْغَلَطِ وَالْمُخَالَفَةِ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى افْتِرَاضِ الْيَوْمِ عَلَيْهِمْ وَكَيْفَ يَصِحُّ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ فُرِضَ؟ قُلْت لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَذْفٍ؛ إمَّا افْتِرَاضُ تَعْظِيمِهِ وَإِمَّا افْتِرَاضُ عِبَادَةٍ فِيهِ، إمَّا هَذِهِ الْعِبَادَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمَشْرُوعَةُ لَنَا وَإِمَّا غَيْرُهَا [فَائِدَة فَرْضِيَّة صَلَاة الْجُمُعَةِ] (السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا هَدَانَا لَهُ وَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى فَرْضِ الْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّ لَفْظَهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قُلْت إنْ أَرَادُوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ فَكَيْفَ صَحَّ الِاسْتِدْلَال لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ شَيْءٍ؟ قُلْت لَمَّا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ عَلَيْنَا هُدِينَا لَهُ وَاَلَّذِي عَرَفْنَا مِنْ شَرْعِنَا هِدَايَتَنَا لَهُ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَعَ مَا لِذَلِكَ مِنْ سَوَابِقَ وَلَوَاحِقَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. [فَائِدَة ظُرُوفَ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ إخْبَارًا عَنْ الْجُثَثِ] 1 (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ الْيَهُودُ غَدًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ أَيْ عِيدُ الْيَهُودِ غَدًا لِأَنَّ ظُرُوفَ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ إخْبَارًا عَنْ الْجُثَثِ فَيُقَدَّرُ فِيهِ مَعْنًى لِيُمْكِنَ كَوْنُهُ خَبَرًا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ تَقْدِيرُهُ الْيَهُودُ يُعَظِّمُونَ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ انْتَهَى وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَأَوْفَقُ لِكَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَقَلُّ تَقْدِيرًا وَتَكَلُّفًا (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كَوْنِ الْيَوْمِ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى أَيْ بَعْدَ الْتِزَامِ الْمَشْرُوعِيَّةِ بِالتَّعْيِينِ لَنَا وَبِالِاخْتِيَارِ لَهُمْ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنَّ كَوْنَ الْغَدِ لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ الْغَدِ لِلنَّصَارَى بِفِعْلِهِمْ وَزَعْمِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ لَا بِمَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ بِتَفْوِيضِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 وَعَنْ عُمَرَ «بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ إنِّي شُغِلْت الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْت النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت فَقَالَ عُمَرُ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتُمْ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ   Qقَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ تَعَلُّقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْقِيَاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الْيَهُودَ عَظَّمَتْ السَّبْتَ لَمَّا كَانَ فِيهِ فَرَاغُ الْخَلْقِ وَظَنَّتْ ذَلِكَ فَضِيلَةً تُوجِبُ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ وَعَظَّمَتْ النَّصَارَى الْأَحَدَ لَمَّا كَانَ فِيهِ ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ وَاتَّبَعَ الْمُسْلِمُونَ الْوَحْيَ وَالشَّرْعَ الْوَارِدَ بِتَعْظِيمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَعَظَّمُوهُ [فَائِدَة أَوَّلُ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْجُمُعَةِ وَأَقَامَ أَمْرَهَا وَعَظَّمَ حُرْمَتَهَا] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت مَا مَعْنَى قَوْلِهِ «فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ» ؟ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ إنَّا أَوَّلُ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْجُمُعَةِ وَأَقَامَ أَمْرَهَا وَعَظَّمَ حُرْمَتَهَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ تَبَعٌ لَنَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ فَلِذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ بَيْنَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ «الْمَغْفُورِ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ أَوَّلُ الْأُسْبُوعِ وَلَا أَعْلَمُ قَائِلًا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} وَعَنْ عُمَرَ «بَيْنَا هُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ فَقَالَ إنِّي شُغِلْت الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْت النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت فَقَالَ عُمَرُ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتُمْ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 الدَّاخِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَفِيهَا: «أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «إذَا رَاحَ» ..   Qعَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُ «أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «إذَا رَاحَ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ بَيْنَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُهَا بَيْنَ فَأُشْبِعَتْ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا يُقَالُ بَيْنَا وَبَيْنَمَا وَهُمَا ظَرْفَا زَمَانٍ بِمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ وَيُضَافَانِ إلَى جُمْلَةٍ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَيَحْتَاجَانِ إلَى جَوَابٍ يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَصَحَّ فِي جَوَابِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إذْ وَإِذَا وَقَدْ جَاءَ فِي الْجَوَابِ كَثِيرًا يَقُولُ بَيْنَا زَيْدٌ جَالِسٌ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرٌو وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُرَقَةِ بِنْتِ النُّعْمَانِ بَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا ... إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ انْتَهَى وَقَدْ اقْتَرَنَ جَوَابُهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْفَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهَا وَهُوَ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ وَأَنْكَرَهُ سِيبَوَيْهِ. (الثَّالِثَةُ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى أَشْهُرُهُنَّ وَبِهَا قَرَأَ السَّبْعَةُ وَالْإِسْكَانُ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ وَهُوَ تَخْفِيفٌ مِنْ الضَّمِّ وَفَتْحُ الْجِيمِ حَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ وَوَجْهُهُ بِأَنَّهَا الَّتِي تَجْمَعُ النَّاسَ كَثِيرًا كَمَا قَالُوا رَجُلٌ لَعْنَةٌ يُكْثِرُ لَعْنَ النَّاسِ وَرَجُلٌ ضَحْكَةٌ يُكْثِرُ الضَّحِكَ وَحَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ سَبَبَ تَسْمِيَتِهَا جُمُعَةً اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خُلِقَ آدَم حَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ جَاءَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِهِ لِذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَمْ أَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا انْتَهَى. وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ اجْتَمَعَ خَلْقُهَا وَفُرِغَ مِنْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ وَقِيلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِاجْتِمَاعِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَلْمَانُ مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قُلْت اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا سَلْمَانُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جُمِعَ فِيهِ أَبُوكُمْ وَأُمُّكُمْ» . وَقِيلَ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَجْتَمِعُ فِيهِ إلَى قُصَيٍّ فِي دَارِ النَّدْوَةِ حَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ عَنْ ثَعْلَبٍ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اسْمًا لَهُ أَوْ حَدَثَتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ ثَعْلَبٌ وَقَالَ إنَّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إلَى الثَّانِي حَكَى هَذَا الْخِلَافَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ وَالسُّهَيْلِيُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَهُ أَسْمَاءٌ أُخَرُ. (الْأَوَّلُ) يَوْمُ الْعَرُوبَةِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَانَ هُوَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةِ الْكِتَابِ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ إلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إلَّا شَاذًّا قَالَ وَمَعْنَاهُ الْيَوْمُ الْبَيِّنُ الْمُعَظَّمُ مِنْ أَعْرَبَ إذَا بَيَّنَ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مُعَظَّمًا عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ قُلْت لَمْ تَعْرِفْهُ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَأَوَّلُ مَنْ هُدِيَ لَهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِهِ عَلَى الْغَرِيبَيْنِ وَإِلَّا فَصَحَّ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَالَ وَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. (الثَّانِي) مِنْ أَسْمَائِهِ حَرْبَةُ حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ أَيْ مُرْتَفِعٌ عَالٍ كَالْحَرْبَةِ قَالَ وَقِيلَ وَمِنْ هَذَا اُشْتُقَّ الْمِحْرَابُ (الثَّالِثُ) يَوْمُ الْمَزِيدِ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ» ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ. (الرَّابِعُ) حَجُّ الْمَسَاكِينِ سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَكَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الضَّحَّاكُ سَمِعَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ لَمْ يُشَافِهْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ زَعَمَ أَنَّهُ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ وَهَمَ انْتَهَى. (الرَّابِعَةُ) هَذَا الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ أَيْ قَدْ انْقَضَتْ سَاعَاتُ التَّبْكِيرِ الَّتِي حَضَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ الْمُهَجِّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً الْحَدِيثَ فَأَيَّةُ سَاعَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذِهِ مِنْهَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ عَدَمَ تَبْكِيرِهِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَفِيهِ أَمْرُ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ بِمَصَالِح دِينِهِمْ وَحَثُّهُمْ عَلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ وَفِيهِ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَإِنْ عَظُمَ مَحِلُّهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَإِنَّ الْحَقَّ أَعْظَمُ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْأَكَابِرِ بِجَمْعٍ مِنْ النَّاسِ إذَا اقْتَرَنَتْ بِذَلِكَ نِيَّةٌ حَسَنَةٌ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَحْرِيمُ الْكَلَامِ وَوُجُوبُ الْإِنْصَاتِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ [فَائِدَة الِاعْتِذَارُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَتَرْكُ الْمُشَاقَقَةِ لَهُمْ] 1 (السَّابِعَةُ) فِي قَوْلِهِ إنِّي شُغِلْت الْيَوْمَ إلَى آخِرِهِ الِاعْتِذَارُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَتَرْكُ الْمُشَاقَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ هُنَا الْأَذَانُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «حَتَّى سَمِعْت التَّأْذِينَ» وَالنِّدَاءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَهُوَ مَمْدُودٌ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ الْوُضُوءَ أَيْضًا مَنْصُوبٌ أَيْ تَوَضَّأْت الْوُضُوءَ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ أَوْ خَصَّصْت الْوُضُوءَ بِالْفِعْلِ دُونَ الْغُسْلِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَوَّزَ فِيهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الرَّفْعَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْوُضُوءُ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْوُضُوءَ بِزِيَادَةِ وَاوٍ فِي أَوَّلِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالْوَاوُ عِوَضٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (قَالَ فِرْعَوْنُ وَآمَنْتُمْ) فِي قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ انْتَهَى وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةٌ فِي رِوَايَتِنَا. [فَائِدَة غُسْلِ الْجُمُعَةِ] 1 (التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ وَعَطَاءٍ وَكَعْبٍ وَالْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ وَأَوْضَحَهُ ثُمَّ قَالَ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إسْقَاطُ فَرْضِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لِابْنٍ لَهُ هَلْ اغْتَسَلْت؟ قَالَ لَا: تَوَضَّأْت ثُمَّ جِئْت فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا كُنْت أَحْسِبُ أَنَّ أَحَدًا يَدَعُ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَدَعُ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ الْكَثِيرِ مَعَ خِفَّةِ مُؤْنَتِهِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ قَاوَلَ عَمَّارٌ رَجُلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَاسْتَطَالَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّا إذًا أَنْتَنُ مِنْ الَّذِي لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا يَرَى أَنَّ لَهُ طَهُورًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرَ الْغُسْلِ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ قَالَ عُمَرُ فِي شَيْءٍ لَأَنْتَ أَشَرُّ مِمَّنْ لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ إذَا حَلَفَ قَالَ إنَّا إذًا أَشَرُّ مِنْ الَّذِي لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحُكِيَ إيجَابَهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَمَّا مَالِكٌ فَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَأَبَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَجَزَمُوا عَنْهُ الِاسْتِحْبَابَ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَمُعْظَمِ أَصْحَابِهِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ فِي شَرْحِ الْغُنْيَةِ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَفِي الْجَدِيدِ أَيْضًا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ وَهِيَ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ فَقَالَ فِيهَا فَكَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَأَمْرُهُ بِالْغُسْلِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالْغُسْلِ كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي طَهَارَةِ الْجُنُبِ غَيْرُ الْغُسْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الِاخْتِيَارِ وَكَرَمِ الْأَخْلَاقِ وَالنَّظَافَةِ ثُمَّ اُسْتُدِلَّ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي بِقِصَّةِ عُثْمَانَ الَّتِي نَحْنُ فِي شَرْحِهَا وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي تَصَانِيفِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمْ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى النَّصِّ السَّابِقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي الرِّسَالَةِ الظَّاهِرُ أَرَادَ بِهِ الظَّاهِرَ مِنْ جَوْهَرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَكِنْ صَدَّ عَنْهُ الدَّلِيلُ فَلَا يَكُونُ أَرَادَ تَرْجِيحَ ذَلِكَ حَتَّى يُعَدَّ لَهُ قَوْلًا وَأَمَّا أَحْمَدُ فَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْهُ الْوُجُوبَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَيْضًا الِاسْتِحْبَابُ وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ قُدَامَةَ كَلَامَهُ وَقَالَ بِوُجُوبِهِ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَنَقَلَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِهِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ قَالَ وَكَانَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ فَقَالَ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَاجِبٍ انْتَهَى وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا حَكَيْته مِنْ الْخِلَافِ وَبَوَّبَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُجْزِئُ مِنْهُ ثُمَّ بَوَّبَ مَنْ كَانَ لَا يَغْتَسِلُ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَوَى فِيهِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَغْتَسِلُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَغْتَسِلُ وَأَنَا أَرَى لَك أَنْ لَا تَغْتَسِلَ وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَإِيرَادُهُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ مُفَصَّلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِلِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَغْتَسِلْ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ عُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَلَأَلْزَمُوهُ بِهِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَلَمَّا عَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَدْ عَلِمَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِذِكْرِ عُمَرَ عِلْمَهُ وَعِلْمَ عُثْمَانُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ عُثْمَانُ وَلَمْ يَخْرُجْ فَيَغْتَسِلَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِذَلِكَ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَدْ عَلِمَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ عَلَى الْأَحَبِّ لَا عَلَى الْإِيجَابِ وَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَلَّ أَنَّ عِلْمَ مَنْ سَمِعَ مُخَاطَبَةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مِثْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ انْتَهَى نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ فَفِي هَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَقَالَ يُقَالُ لَهُمْ مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ؟ فَإِنْ قَالُوا وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ قُلْنَا هَبْكُمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عِنْدَنَا بِهَذَا وَلَا دَلِيلَ عِنْدَكُمْ بِخِلَافِهِ فَمَنْ جَعَلَ دَعْوَاكُمْ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى غَيْرِكُمْ فَالْحَقُّ أَنْ يَبْقَى الْخَبَرُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ اغْتَسَلَ فِي صَدْرِ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى عُثْمَانَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ وَلَمْ يَعْتَذِرْ عُثْمَانُ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ اغْتَسَلَ لَاعْتَذَرَ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إنْكَارٌ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ فَمَنْ ادَّعَاهُ فَلْيُقِمْ الدَّلِيلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ سَقَطَ الدَّلِيلُ لِلِاحْتِمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَكَافُؤِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَأَمَّا مَعَ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ فَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ وَقَدْ تَرَجَّحَ عَدَمُ أَمْرِهِ بِذَلِكَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَحْتَاجُ مُثْبِتُهُ إلَى بَيَانٍ وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا مُخْتَلِفًا ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ أَجَابَ عُمَرُ فِي إنْكَارِهِ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِ أَمْرَ الْغُسْلِ بِأَحَدِ أَجْوِبَةٍ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهَا إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ كُنْت اغْتَسَلْت قَبْلَ خُرُوجِي إلَى السُّوقِ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ بِي عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْغُسْلِ أَوْ يَقُولَ لَهُ نَسِيت وَهَأَنَذَا أَرْجِعُ وَأَغْتَسِلُ، فَدَارُهُ كَانَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَشْهُورَةً إلَى الْآنَ أَوْ يَقُولَ لَهُ سَأَغْتَسِلُ فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا أَوْ يَقُولَ لَهُ هَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَلَيْسَ فَرْضًا وَهَذَا الْجَوَابُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ خُصُومِنَا فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ التَّعَلُّقَ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ مِنْ جُمْلَةِ خَمْسَةِ أَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مُمْكِنٌ وَكُلُّهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا انْتَهَى قُلْت الِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأَصْلِ وَالِاحْتِمَالُ الرَّابِعُ سَيَأْتِي رَدُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ نُقَرِّرُ أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ نَاظَرَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ بِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغُسْلِ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْعُمُومِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَهْلِ الْخُصُوصِ الْمُحَافِظِينَ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِ الْبِرِّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ اغْتَسَلْت؟ قَالَ لَا، قَالَ لَقَدْ عَلِمْت أَنَّا أُمِرْنَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ الرَّجُلُ بِمَ أُمِرْتُمْ؟ قَالَ بِالْغُسْلِ؛ قَالَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَمْ النَّاسُ؟ قَالَ لَا أَدْرِي، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ قَالَ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَسَاقَهُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ أَنَّ عُمَرَ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ الْآنَ حِينَ تَوَضَّأْت فَقَالَ مَا زِدْت حِينَ سَمِعْت الْأَذَانَ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت ثُمَّ جِئْت فَلَمَّا دَخَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ذَكَّرْته فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا سَمِعْت مَا قَالَ؟ قَالَ وَمَا قَالَ؟ قُلْت قَالَ مَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت حِينَ سَمِعْت النِّدَاءَ ثُمَّ أَقْبَلْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ أَمَا إنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّا أُمِرْنَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، قُلْت وَمَا هُوَ قَالَ الْغُسْلُ؛ فَقُلْت أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ أَمْ النَّاسُ جَمِيعًا؟ قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْأُمَّةُ أَنَّ صَلَاتَهُ مُجْزِئَةٌ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا دَلَّ أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ كَالِاغْتِسَالِ لِلْعِيدِ وَالْإِحْرَامُ الَّذِي يَقَعُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ مُتَقَدِّمًا لِسَبَبِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ سَبَبِهِ كَالِاغْتِسَالِ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ انْتَهَى وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَهْلَ الظَّاهِرِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُجِيزُونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ دُونَ غُسْلٍ لَهَا انْتَهَى وَلَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّصْرِيحُ بِتَرْجِيحِ كَوْنِهِ وَاجِبًا لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ إلَّا إنْ أَوَّلَنَا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا صَدَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ عَنْ الْقَوْلِ بِشَرْطِيَّتِهِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ لِلْيَوْمِ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ فِعْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِدُونِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ دُونَ الْوُجُوبِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ فَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ الِاغْتِسَالَ مَعَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِالِاغْتِسَالِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَامَتْ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ اقْتَضَتْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ [فَائِدَة شُهُودُ خُطْبَةِ الْجُمُعَة] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوْلِ عُثْمَانَ سَمِعْت النِّدَاءَ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَجِبُ لِسَمَاعِهِ وَأَنَّ شُهُودَ الْخُطْبَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قُلْت أَمَّا الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَّا بِسَمَاعِ النِّدَاءِ فَظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَرْفُوعِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْخُطْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَمَحَلُّ نَظَرٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّأَخُّرِ إلَى سَمَاعِ النِّدَاءِ فَوَاتُ الْخُطْبَةِ فَإِنْ قُلْت هَذَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ فَاتَهُ بَعْضُ الْخُطْبَةِ قُلْت لَعَلَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ لِعُثْمَانَ فَقَدْ حَضَرَهَا خَلْقٌ زَائِدُونَ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فَلَمْ يُفَوَّتْ سَمَاعُ بَعْضِ الْأَرْكَانِ حَيْثُ لَمْ يَحْضُرْ عَدَدُ الْجُمُعَةِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ شُهُودِ الْخُطْبَةِ بَلْ يُقَالُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شُهُودُهَا عَلَى مَنْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلِمُسْلِمٍ «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.   Qقَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمْ يُخْرِجْ عُمَرُ عُثْمَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلْغُسْلِ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَأَنَا أَقُولُ إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِالْعِبَادَةِ بِشَرْطِهَا فَلَا يَتْرُكُهَا لِأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَخَرَجَ وَاغْتَسَلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ قُلْت كِلَا الْأَمْرَيْنِ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ الْخُرُوجَ لِلِاغْتِسَالِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، فَضَيَّقَ جُزْءُ عِلَّةٍ وَلَيْسَ عِلَّةً كَامِلَةً مُنْفَرِدَةً بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَفَعَلَهُ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا سِيَّمَا إنْ قِيلَ إنَّهُ شَرْطٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ تَلَبَّسَ بِالْعِبَادَةِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَشْرَعْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدُ. [فَائِدَة عَجَزَ عَنْ غُسْل الْجُمُعَة] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ لِفَرَاغِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ لِقُرُوحٍ فِي بَدَنِهِ تَيَمَّمَ وَحَازَ الْفَضِيلَةَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ الظَّاهِرُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمَّا فَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ النَّظَافَةُ قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَهَذَا نَظَرُ مَنْ رَدَّهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ وَنَسِيَ حَظَّ التَّعَبُّدِ فِي التَّعْيِينِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ الْغَرَضُ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ غَيْظُ الشَّيْطَانِ فَيَكُونُ بِالْمَطَارِدِ وَنَحْوِهَا وَنَسِيَ حَظَّ التَّعَبُّدِ بِتَعْيِينٍ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَعْقُولًا انْتَهَى. [حَدِيث مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ] {الْحَدِيثُ الثَّالِثُ} وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ»   Qفِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ سَالِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . (الثَّانِيَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّ ظَاهِرَهُ إيجَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ هُوَ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فَلْيَغْتَسِلْ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ كَانَ يَأْمُرُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالِاسْتِحْبَابَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى لَفْظِ الرِّوَايَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ لَفْظٌ آخَرُ: أَوَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا فَهُوَ مُسَاوٍ لِلَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (الثَّالِثَةُ) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْتهَا أَنَّ قَوْلَهُ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ» مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْمَجِيءَ لِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاغْتِسَالُ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ وَلَوْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] أَوْ مَعَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَوْ قَبْلَ الرَّوَاحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ قُلْت لَوْلَا رِوَايَةُ إذَا أَرَادَ لَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الِاغْتِسَالَ بَعْدَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q/ لَكِنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ صَرَّحَتْ بِكَوْنِهِ قَبْلَهُ وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا إذَا أَرَادَ فِيهَا بَعْضُ الصُّوَرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهَا بَيَّنَتْ الْمُرَادَ وَقَدْ تَعَلَّقُوا بِإِضَافَةِ الْغُسْلِ إلَى الْيَوْمِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِبُطْلَانِهِ قَالَ وَقَدْ بَيَّنَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْغُسْلَ لِأَجْلِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ أَقُولُ: لَوْ قَدَّمَهُ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَالْمَعْنَى إذَا كَانَ مَعْلُومًا كَالنَّصِّ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا مُقَارِبًا لِلْقَطْعِ فَاتِّبَاعُهُ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَالَ وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي عُلِّقَ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى تَوَجُّهِ الْأَمْرِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْيَوْمِ لَا تَتَنَاوَلُ تَعْلِيقَهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَهُوَ إذَا تَمَسَّكَ بِتِلْكَ أَبْطَلَ دَلَالَةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَنَحْنُ إذَا قُلْنَا بِتَعْلِيقِهِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ عَلِمْنَا بِهَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ إبْطَالٍ لِمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَإِنْ قَالُوا مَنْ قَالَ قَبْلَكُمْ إنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ قُلْنَا كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَغَيْرُهُ انْتَهَى قُلْت أَمَّا الصَّحَابَةُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَكْسُ مَا فَهِمَهُ هُوَ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ الْمُؤْذِيَةِ لِلْحَاضِرَيْنِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِيمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ حَكَى عَنْهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى انْفِرَادِ الظَّاهِرِيَّةِ بِمَا ذَكَرُوهُ وَخَرْقِهِمْ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِغُسْلٍ لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا فَاعِلٍ مَا أُمِرَ بِهِ. (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مُتَّصِلًا بِالذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ بِهِ بَلْ مَتَى اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَالْحَكَمِ وَالشَّعْبِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَاحِبُ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَقَوْلِ مَالِكٍ لَا يُجْزِئُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ إلَّا مُتَّصِلًا بِالرَّوَاحِ قَالَ إلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَنَهَضَ إلَى الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ كَغُسْلِ الْعِيدِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ عَلَى إرَادَةِ إتْيَانِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِإِرَادَةِ ذَلِكَ فَقَدْ يُرِيدُ عَقِبَ الْفَجْرِ إتْيَانَهَا وَيَتَأَخَّرُ الْإِتْيَانُ إلَى بَعْدِ الزَّوَالِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ مُوَاظِبٌ عَلَى الْوَاجِبَاتِ إذَا خَطَرَ لَهُ عَقِبَ الْفَجْرِ أَمْرُ الْجُمُعَةِ أَرَادَ إتْيَانَهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِتْيَانُ زَمَنًا طَوِيلًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَدَارُ عَلَى نَفْسِ الْإِتْيَانِ بَلْ عَلَى إرَادَتِهِ لِيُحْتَرَزَ بِهِ عَمَّنْ هُوَ مُسَافِرٌ أَوْ مَعْذُورٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْقَاطِعَةِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ الِاغْتِسَالِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاغْتِسَالِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ إتْيَانَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُبَيْدَةَ ابْنَةِ نَابِلٍ قَالَتْ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ وَابْنَةَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ لِلنِّسَاءِ: مَنْ جَاءَ مِنْكُنَّ الْجُمُعَةَ فَلْتَغْتَسِلْ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ يَغْتَسِلْنَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ شَقِيقٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ لَازِمٌ لِكُلِّ بَالِغٍ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَنَا وَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ غُسْلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مُعَلَّقًا إنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا   Qلِقَوْلِهِ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ» وَهَذَا خِطَابٌ لِلذُّكُورِ فَإِنْ قِيلَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِنَاثِ تَغْلِيبًا قِيلَ هُوَ مَجَازٌ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الَّتِي لَفْظُهَا مَنْ جَاءَ وَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ الْمُتَنَاوِلَةِ لِلْإِنَاثِ فَقَدْ خَصَّصَ الْعُمُومَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ مِنْكُمْ لَكِنْ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ اللَّفْظُ الْإِنَاثَ فَحُكْمُهُنَّ كَالرِّجَالِ قِيَاسًا لَهُنَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِوَاءُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة حُكْمُ الْغُسْلُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُر الْجُمُعَة] 1 (السَّادِسَةُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ» وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَحَكَى عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا كَالْعَبْدِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَجْهًا أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِعُذْرٍ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ لِلْيَوْمِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَلُزُومِهِ لِغَيْرِهِمَا انْتَهَى وَقَدْ أَبْعَدَ فِي ذَلِكَ جِدًّا. (السَّابِعَةُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَجِيءِ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ مَسَافَةٌ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهَا بَلْ الْمُقِيمُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ حُكْمُهُ كَذَلِكَ فَالْمَجِيءُ مِنْ مَكَان آخَرَ لَيْسَ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ فَقَالَ لَهُمْ لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْآتِيَ مِنْ بُعْدٍ وَمِنْ قُرْبٍ وَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ فِي مَكَانِ الْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث التَّبْكِير إلَى الْجُمُعَةَ] {الْحَدِيثُ الرَّابِعُ} وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ» وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُهَجِّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ» وَلِلشَّيْخَيْنِ «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ خَمْسَ سَاعَاتٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «قَالَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «قَالَ فِي الرَّابِعَةِ كَالْمُهْدِي بَطَّةً ثُمَّ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً» ..   Qكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ» وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُهَجِّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) هَذَانِ الْحَدِيثَانِ إسْنَادُهُمَا وَاحِدٌ وَهُمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا مُنْفَصِلَيْنِ فَتَبِعَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فَجَعَلُوهُمَا حَدِيثًا وَاحِدًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَعَمْرٍو النَّاقِدِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ زَادَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَحَدِ شَيْخَيْهِ سَهْلٍ «فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِتَمَامِهِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَطَّةً ثُمَّ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الْقِطْعَةَ الْأُولَى مِنْهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالْأَغَرِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ مِنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مَثَّلَ الْجَزُورَ ثُمَّ نَزَّلَهُمْ حَتَّى صَغَّرَ إلَى مِثْلِ الْبَيْضَةِ فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَحَضَرُوا الذِّكْرَ» وَرَوَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمِنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٌّ وَفِيهِ «وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ دَجَاجَةً وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ عُصْفُورًا وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَيْضَةً» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ فَضْلُ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِنَاءِ الْمَلَائِكَةِ بِكِتَابَةِ السَّابِقِ وَأَنَّ الْأَسْبَقَ أَكْثَرُ ثَوَابًا لِتَشْبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ بِمُهْدِي الْبَدَنَةَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِمُهْدِي مَا هُوَ دُونَهَا وَهِيَ الْبَقَرَةُ وَهَكَذَا وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْجُمْهُورُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ابْتِدَاءِ ذَلِكَ طُلُوعُ الْفَجْرِ أَوْ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَكِنْ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنْ يُبَكِّرَ لِلْجُمُعَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِيهِ طُولٌ يُؤَدِّي إلَى انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ التَّبْكِيرَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِيَكُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ زَمَانُ غُسْلٍ وَتَأَهُّبٍ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُؤْذِنُ بِهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُجْزِئُهُ غُسْلُهُ لَهَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَهْلُ عِلْمِ الْمِيقَاتِ يَجْعَلُونَ ابْتِدَاءَ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَجْعَلُونَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ حِسَابِ اللَّيْلِ وَاسْتِوَاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عِنْدَهُمْ إذَا تَسَاوَى مَا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِهَا وَمَا بَيْنَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا انْتَهَى وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ إلَى الزَّوَالِ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّ التَّبْكِيرَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَزَعَمَ قَائِلُهُ أَنَّ هَذَا وَقْتُ التَّهْجِيرِ وَمِمَّا يَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ» وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ لَمْ يَكْتُبُوا أَحَدًا بَلْ يَطْوُونَ الصُّحُفَ وَيَجْلِسُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ كِتَابَةُ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ خُرُوجَهُ مُقَارِنٌ لِلزَّوَالِ وَمَا كَانَ يُؤَذَّنُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ؟ . (الثَّالِثَةُ) تَعَلَّقَ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ فِيهِ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَأَتَى بِالْفَاءِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ فَاقْتَضَى تَعْقِيبَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُهُ الْجُمْهُورُ مِنْ اعْتِبَارِ أَوَّلِ النَّهَارِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى سِتِّ سَاعَاتٍ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ الْآتِي فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ يَعْقُبُهُ الْآتِي فِي أَوَّلِ الَّتِي تَلِيهَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ أَوَّلًا وَمَنْ جَاءَ عَقِبَهُ وَهَكَذَا وَهُوَ إنَّمَا أَتَى بِالْفَاءِ فِي كِتَابَةِ الْآتِينَ وَأَمَّا مِقْدَارُ الثَّوْبِ فَلَمْ يَأْتِ فِيهِ بِالْفَاءِ (ثَانِيهِمَا) قَوْلُهُ الْمُهَجِّرُ وَالتَّهْجِيرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ كَوْنَ التَّهْجِيرِ مَعْنَاهُ الْإِتْيَانُ فِي الْهَجِيرِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ قَوْلٌ مَحْكِيٌّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ التَّهْجِيرَ التَّبْكِيرُ فَإِنْ ثَبَتَ اشْتِرَاكُ اللَّفْظِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي أَوْلَى لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ (ثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُهَجِّرِ مَنْ هَجَرَ مَنْزِلَهُ وَتَرَكَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَقْوَى مُعْتَمَدِ مَالِكٍ فِي كَرَاهِيَةِ الْبُكُورِ إلَيْهَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَّصِلُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَسَعْيُهُمْ إلَيْهَا قُرْبَ صَلَاتِهَا وَهَذَا نَقْلٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ عِنْدَهُمْ وَلَا مَعْمُولَ بِغَيْرِهِ وَمَا كَانَ أَهْلُ عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ يَتْرُكُ الْأَفْضَلَ إلَى غَيْرِهِ وَيَتَمَالَئُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِأَقَلِّ الدَّرَجَاتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَشْهَدُ لَهُ انْتَهَى وَمَا أَدْرِي أَيْنَ الْعَمَلُ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ وَعُمَرُ يُنْكِرُ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّخَلُّفَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْدُبُ إلَى التَّبْكِيرِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَحَادِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ بَكْرٍ وَابْتَكَرَ وَفِي آخِرِهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا وَهُوَ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَصَحِيحَيْ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَقَدْ أَنْكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَحْمَدَ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لَا يَنْبَغِي التَّهْجِيرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ هَذَا خِلَافُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إلَى أَيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَيْءٍ ذَهَبَ فِي هَذَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كَالْمُهْدِي جَزُورًا» وَأَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ أَيْضًا ابْنُ حَبِيبٍ إنْكَارًا بَلِيغًا فَقَالَ هَذَا تَحْرِيفٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَمُحَالٌ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ سَاعَاتٌ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَشَرْحُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ فِي لَفْظِهِ وَلَكِنَّهُ حُرِّفَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَشُرِحَ بِالْخُلْفِ مِنْ الْقَوْلِ وَزُهِدَ فِيمَا رَغَّبَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّهْجِيرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا يَجْتَمِعُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قُرْبَ زَوَالِ الشَّمْسِ حَكَاهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ هَذَا مِنْهُ تَحَامُلٌ عَلَى مَالِكٍ. [فَائِدَة مَا الْمُرَاد لِإِمَامِ الْجُمُعَةَ مِنْ وَقْت الذَّهَاب] 1 (الرَّابِعَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ لِلْخَطِيبِ أَيْضًا لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ التَّبْكِيرِ الْمُسْتَحَبِّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يُخْتَارُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَلَا يُبَكِّرُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ قَالَ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ أَقْرَبِ أَبْوَابِهِ إلَى الْمِنْبَرِ انْتَهَى. [فَائِدَة مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِي الْجُمُعَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ أَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ «خَرَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ ثَلَاثَةً قَدْ سَبَقُوهُ فَقَالَ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنْ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلَى الْجُمُعَةِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ ثُمَّ قَالَ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ» . (السَّادِسَةُ) هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ وَهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ كَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِقَوْلِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ صُحُفُ الْمُتَسَابِقِينَ الْمُبَكِّرِينَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ قُلْت يَا أَبَا أُمَامَةَ لَيْسَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ جُمُعَةٌ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِمَّنْ يُكْتَبُ فِي الصُّحُفِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «فَمَنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ» . (السَّابِعَةُ) رَتَّبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ السَّابِقِينَ إلَى الْجُمُعَةِ عَلَى خَمْسَةِ مَرَاتِبَ أَوَّلُهَا كَمُهْدِي الْبَدَنَةِ وَالثَّانِي كَمُهْدِي الْبَقَرَةِ وَالثَّالِثُ كَمُهْدِي الْكَبْشِ وَالرَّابِعُ كَمُهْدِي الدَّجَاجَةِ وَالْخَامِسُ كَمُهْدِي الْبَيْضَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْفَائِدَةِ الْأُولَى تَرْتِيبُ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ السَّاعَاتِ الْأَجْزَاءُ الزَّمَانِيَّةُ الَّتِي يُقَسَّمُ النَّهَارُ مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ الشَّمْسِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْمُتَبَادِرِ إلَى الْفَهْمِ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ السَّاعَاتُ الْمَعْرُوفَةُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمُ «الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» الْحَدِيثَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ هَكَذَا نَعَمْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» الْحَدِيثُ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ وَفِيهِ «فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» لَكِنْ لَا فِي مَعْرِضِ التَّبْكِيرِ بَلْ فِي مَعْرِضِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ لَكِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي التَّبْكِيرِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّا إذَا خَرَجْنَا عَنْ السَّاعَاتِ الزَّمَانِيَّةِ لَمْ يَبْقَ لَنَا مُرَادٌ يَنْقَسِمُ فِيهِ الْحَالُ إلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ بَلْ يَكُونُ مُقْتَضَاهُ تَفَاوُتُ الْفَضْلِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ السَّبَقِ وَيَتَأَتَّى مِنْ هَذَا مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ جِدًّا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِمَعْنَاهُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت يُجْعَلُ الْوَقْتُ مِنْ التَّهْجِيرِ مُقَسَّمًا عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُرَادًا قُلْت يُشْكِلُ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ تَقْسِيمِ السَّاعَاتِ إلَى اثْنَيْ عَشْرَ أَوْلَى. (الثَّانِي) أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّهْجِيرَ أَفْضَلُ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ يَقُولُ بِتَرْتِيبِ مَنَازِلِ السَّابِقِينَ عَلَى غَيْرِ تَقْسِيمِ الْأَجْزَاءِ الْخَمْسَةِ وَقَائِلٌ يَقُولُ بِتَقْسِيمِ الْأَجْزَاءِ سِتَّةً إلَى الزَّوَالِ فَالْقَوْلُ بِتَقْسِيمِ هَذَا الْوَقْتِ إلَى خَمْسَةٍ إلَى الزَّوَالِ مُخَالِفٌ لِلْكُلِّ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ فَلْيُكْتَفَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَاعْتَرَضَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى السَّاعَاتِ الِاثْنَيْ عَشْرَةَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَتَطْوِي الْمَلَائِكَةُ الصُّحُفَ لِاسْتِمَاعِ الذِّكْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّادِسَةِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ وَرَدَ ذِكْرُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بَعْدَ الْكَبْشِ دَجَاجَةٌ ثُمَّ عُصْفُورٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بَعْدَ الْكَبْشِ بَطَّةٌ ثُمَّ دَجَاجَةٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُهُمَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ وَإِنْ صَحَّ إسْنَادُهُمَا فَقَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ انْتَهَى قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْبَطَّةِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُتَوَحِّشٌ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِصَيْدٍ وَكُلْفَةٍ فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الدَّجَاجَةِ فِي التَّقَرُّبِ بِهِ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَفْضُلْ بِالْكُلْفَةِ فِي صَيْدِهِ بَلْ بِكَوْنِهِ أَكْبَرَ وَأَكْثَرَ لَحْمًا وَجَمَعَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَيْنَ الْبَطَّةِ وَالْعُصْفُورِ فَقَالَ جَعَلَ مَرَاتِبَ الرَّوَاحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبْعَةً بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ شَاةٌ ثُمَّ بَطَّةٌ ثُمَّ دَجَاجَةٌ ثُمَّ عُصْفُورٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهَا هَكَذَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَطَّةَ فِي حَدِيثٍ وَالْعُصْفُورَ فِي آخَرَ لَكِنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ لَمْ يَعْزُ هَذَا لِلنَّسَائِيِّ فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ آخَرَ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ وَقَدْ رَأَيْت فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ بَكَّارَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الْقَوْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ فَإِذَا بَلَغُوا السَّابِعَةَ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَرَّبَ الْعَصَافِيرَ» وَبَكَّارُ بْنُ تَمِيمٍ مَجْهُولٌ وَبِشْرُ بْنُ عَوْنٍ رُوِيَ عَنْهُ نُسْخَةً بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوُ مِائَةِ حَدِيثٍ كُلُّهَا مَوْضُوعَةٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَتَكُونُ الْمَلَائِكَةُ تَكْتُبُ الْآتِي فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ أَيْضًا لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ يَطْوُونَ الصُّحُفَ عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَقَدْ كَانَ خُرُوجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا تَصِحَّ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ الَّتِي تَقْتَضِي السَّاعَةَ السَّادِسَةَ فَلَا مَحْذُورَ فِي أَنْ لَا تَكْتُبَ أَهْلَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ فِي السَّابِقِينَ وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ (الْأَمْرُ الثَّانِي) قَالُوا مُقْتَضَى الْحَمْلِ عَلَى السَّاعَاتِ الزَّمَانِيَّةِ أَنْ تَتَسَاوَى مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَمَنْ أَتَى فِي السَّاعَةِ الْأُولَى كَانَ كَمَنْ قَرَّبَ بَدَنَةً سَوَاءٌ أَكَانَ مَجِيئُهُ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ أَوْ فِي آخِرِهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ أَنَّ السَّابِقَ لَا يُسَاوِيهِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي تَحْصِيلِ الْبَدَنَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَثَلًا لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ فَيَكُونُ التَّفَاوُتُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «وَالنَّاسُ فِيهِ كَرَجُلٍ قَدَّمَ بَدَنَةً وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَدَنَةً» وَكَذَا كَرَّرَ سَائِرَ الْمَذْكُورَاتِ بَعْدَ الْبَدَنَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْآتِيَيْنِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي التَّقَرُّبِ بِمُسَمَّى الْبَدَنَةِ اخْتَلَفَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَدَنَةَ السَّابِقِ أَعْظَمُ مِنْ بَدَنَةِ الْمُتَأَخِّرِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ تُضَاعَفُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً مَعَ صِدْقِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَبِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَذَاتُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ» فَفَضْلُ ذَاتِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ عَلَى ذَاتِ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ بِكِبَرِ الدَّرَجَةِ مَعَ اشْتِرَاكِ الْكُلِّ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا تَرْتِيبُ السَّابِقِينَ عَلَى خَمْسِ سَاعَاتٍ بِقَوْلِهِ ثُمَّ رَاحَ وَالرَّوَاحُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الرَّوَاحَ يُسْتَعْمَلُ لُغَةً فِي الذَّهَابِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ هُنَا أَرْجَحُ لِتَعْدَادِهِ هَذِهِ السَّاعَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الزَّوَالِ خَمْسٌ مِنْهَا وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ اخْتِصَاصُ الرَّوَاحِ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى الْقَاصِدُ إلَى الْجُمُعَةِ رَائِحًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَصَدَ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ وَقْتُ الرَّوَاحِ كَمَا يُقَالُ لِقَاصِدِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ حَاجٌّ وَلِلْمُتَسَاوِمَيْنِ مُتَبَايِعَانِ وَمِثْلُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَا يُنْكَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي ابْتِدَاءِ زَمَنِ التَّبْكِيرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي قُسِّمَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ وَفَضْلُ السَّابِقِ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ وَاحْتَجَّ الْقَفَّالُ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ السَّاعَاتِ الْمَذْكُورَةَ لَاسْتَوَى الْجَائِيَانِ فِي الْفَضْلِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ تَعَاقُبِهِمَا فِي الْمَجِيءِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ بِالْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ وَلِتَفَاوُتِ الْجُمُعَةِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي لِمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ فِيهِ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ السَّاعَاتُ الْمَعْرُوفَةُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الثَّانِي كَمَا يَقُولُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً إنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى مُسَمَّى الْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّ دَرَجَاتِ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً تَكُونُ أَكْمَلَ مِنْ الْأَقَلِّ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ جَوَابٌ عَنْ احْتِجَاجِ الْقَفَّالِ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِ الثَّانِي مَا أَجَابَ بِهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَقَالَ أَهْلُ الْمِيقَاتِ لَهُمْ اصْطِلَاحَانِ فِي السَّاعَاتِ فَالسَّاعَاتُ الزَّمَانِيَّةُ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً وَالسَّاعَاتُ الْآفَاقِيَّةُ يَخْتَلِفُ قَدْرُهَا بِاخْتِلَافِ طُولِ الْأَيَّامِ وَقِصَرِهَا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فَالنَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَمِقْدَارُ السَّاعَةِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَشْهَدُ لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فَهُوَ دَائِمًا اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَعَلَى هَذَا الثَّانِي تُحْمَلُ السَّاعَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ وَمِنْ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فِي الشِّتَاءِ لِمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ بَعْدَ أَنْ خَطَرَ لِي هَذَا الْجَوَابُ رَأَيْته فِي كَلَامِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ فَحَكَى الْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي حِيَازَةِ الْفَضِيلَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا الشَّرْعُ تَجْعَلُ النَّهَارَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً صَيْفًا كَانَ أَوْ شِتَاءً وَالْمُقَدَّمُ يَكُونُ فِي إدْرَاكِ خَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْهَا طَالَتْ فِي الصَّيْفِ أَوْ قَصُرَتْ فِي الشِّتَاءِ أَوْ الِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالسَّاعَاتِ الزَّمَانِيَّةِ وَإِنْ تَعَاقَبَتْ لَحَظَاتٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ الَّتِي قُسِّمَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَيْهَا شِتَاءً وَصَيْفًا عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْحِسَابِ فَيَكُونُ نَهَارُ الشِّتَاءِ مِنْهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ وَشَيْئًا وَنَهَارُ الصَّيْفِ مِنْهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَشَيْئًا فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَزِمَ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. (الثَّامِنَةُ) أَطْلَقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُهَجِّرَ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَقَيَّدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً» فَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ التَّهْجِيرَ إلَى الْجُمُعَةِ إنَّمَا يَكُونُ كَإِهْدَاءِ الْبَدَنَةِ وَكَذَا الْمَذْكُورَاتُ بَعْدَهُ بِشَرْطِ تَقَدُّمِ الِاغْتِسَالِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالْقَاعِدَةُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. [فَائِدَة الْأَفْضَلَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ] (التَّاسِعَةُ) ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ أَنَّ الْبَدَنَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ مَا أُهْدِيَ إلَى مَكَّةَ وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّهَا تُطْلَقُ عَلَيْهِمَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهِيَ بِالْإِبِلِ أَشْبَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَخَصَّهَا جَمَاعَةٌ بِالْإِبِلِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ انْتَهَى قَالُوا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمِّنُونَهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْبَدَنَةُ فِي اللُّغَةِ الْإِبِلُ ثُمَّ الشَّرْعُ قَدْ يُقِيمُ مَقَامَهَا بَقَرَةً وَسَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْهَاءُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ كَقَمْحَةٍ وَشَعِيرَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَلَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ وَأَمَّا الْكَبْشُ؟ فِي الْمُحْكَمِ هُوَ فَحْلُ الضَّأْنِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ وَقِيلَ هُوَ كَبْشٌ إذَا أَثْنَى وَقِيلَ إذَا أَرْبَعَ وَالْجَمْعُ أَكْبُشٌ وَكِبَاشٌ وَالدَّجَاجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ الْهَاءَ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَالْجَمْعُ دَجَاجٌ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَدَجَائِجُ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِقْبَالِهَا وَإِدْبَارِهَا. (الْعَاشِرَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْإِبِلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ الْإِبِلَ وَجَعَلَ الْبَقَرَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَالْغَنَمَ فِي الثَّالِثَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْهَدْيِ وَقَالَ بِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ الْأَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْإِبِلَ عَلَى الْبَقَرِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالُوا وَالْمَقْصُودُ فِي الْأَضَاحِيّ طِيبُ اللَّحْمِ وَفِي الْهَدَايَا كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَاحْتَجُّوا بِأُمُورٍ: (أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَكَانَ كَبْشًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ حَيَوَانًا أَفْضَلَ مِنْ الْكَبْشِ لَفَدَى بِهِ إِسْحَاقُ وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ عَلِيٍّ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْمَعْزِ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ ذِبْحًا خَيْرًا مِنْهُ لَفَدَى بِهِ إبْرَاهِيمُ ابْنَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا غَيْرَ هَذَا انْفَرَدَ بِهِ الْجُنَيْنِيُّ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ (ثَانِيهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فَلَوْ كَانَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ أَفْضَلُ لَمَا عَدَلَ عَنْهُمَا إلَى الْغَنَمِ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكَبْشِ عَظِيمًا أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا أَعْظَمَ مِنْهُ الثَّانِي لَوْ سَلِمَ ذَلِكَ فَهَذَا أَمْرٌ خَاصٌّ بِذَلِكَ الْكَبْشِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَأَنَّهُ الَّذِي قَرَّبَهُ ابْنُ آدَمَ فَتُقُبِّلَ مِنْهُ وَرُفِعَ إلَى الْجَنَّةِ فَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهِ عَظِيمٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَضْحِيَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَبْشَيْنِ تَرْجِيحُ الْغَنَمِ لِأَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» فَلَوْ دَلَّ تَضْحِيَتُهُ بِالْغَنَمِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا لَدَلَّتْ تَضْحِيَتُهُ بِالْبَقَرِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا وَيَتَعَارَضُ الْخَبَرَانِ (ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْدَى غَنَمًا» فَلَوْ دَلَّتْ تَضْحِيَتُهُ بِالْغَنَمِ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ لَدَلَّ إهْدَاؤُهُ لَهَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا فِي الْهَدَايَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ضَحَّى بِالضَّأْنِ وَمَا كَانَ لِيَتْرُكَ الْأَفْضَلَ كَمَا لَمْ يَتْرُكْهُ فِي الْهَدَايَا فِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ ضَحَّى بِغَيْرِ الضَّأْنِ وَأَنَّهُ تَرَكَ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّنَا فِي الْهَدَايَا فَأَهْدَى الْغَنَمَ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا فَعَلَ الْعِبَادَةَ الْمَفْضُولَةَ كَانَتْ فِي حَقِّهِ فَاضِلَةً لِكَوْنِهِ يُبَيِّنُ بِذَلِكَ شَرْعِيَّتَهَا وَقَدْ تُحْمَلُ تَضْحِيَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْكَبْشَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ الْوَقْتَ إلَّا الْغَنَمَ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ وَهُوَ أَقْوَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَفْضِيلِ الْكَبْشِ عَلَى مُسَاوِيهِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَإِنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ كُلُّ مِنْهُمَا يُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ تَفْضِيلَ الْكَبْشِ عَلَى سُبْعِ بَدَنَةٍ وَسُبْعِ بَقَرَةٍ أَوْ تَفْضِيلَ سُبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ عَلَى الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ لِتَتَّفِقَ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ مُوَافِقٌ لِلْجُمْهُورِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ بِالْغَنَمِ الْكَبْشُ قَالَ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ انْتَهَى وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِقِيَاسِ الضَّحَايَا عَلَى الْهَدَايَا وَأَيْضًا فَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَنَّ الْمُرَادَ شَاةٌ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ مَرْتَبَتِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ النَّعَمِ وَأَيْضًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ فَقَالَ أَعْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ أَنْفَسُ عِنْدَ النَّاسِ وَأَغْلَى ثَمَنًا مِنْ الْغَنَمِ. [فَائِدَة مَنْ الْتَزَمَ هَدْيًا هَلْ يَكْفِيهِ إخْرَاج دَجَاجَة أَوْ بَيْضَة] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ هَدْيًا يَكْفِيهِ أَنْ يُخْرِجَ نَاقَةً أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَقَرَةً أَوْ شَاةً لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَطْلَقَ لَفْظَ الْهَدْيِ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي الْغَنَمِ أَيْضًا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجَازَ مَالِكٌ مَرَّةً الشَّاةَ وَمَرَّةً لَمْ يُجِزْهَا إلَّا أَنَّ مَنْ قَصَرَ النَّفَقَةَ عَلَى تَضْعِيفٍ مِنْهُ فِيهَا وَبَنَى الْقَاضِي الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ الْغَنَمَ هَلْ هِيَ مِنْ الْهَدْيِ أَمْ لَا. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ هَدْيًا مُطْلَقًا يَكْفِيهِ إخْرَاجُ الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَيُنْسَبُ إلَى الْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمُ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ النَّعَمُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَيَحْتَجُّ لِهَذَا بِأَنَّ مَعْنَى الْإِهْدَاءِ هُنَا التَّصْدِيقُ لَا بِقَيْدِ الصَّدَقَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالصَّدَقَةُ تَنْطَلِقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ أَوْ وَاجِبِ الشَّرْعِ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ النَّذْرُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَقَلُّ مُجْزِئٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصُورَةُ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ فَأَمَّا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْخِلَافَ بَلْ جَزَمُوا بِانْصِرَافِ النَّذْرِ إلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا وَهُوَ الْمُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَمَّا عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْهَدَايَا أَعْطَاهُ حُكْمَهُ فِي اللَّفْظِ كَقَوْلِهِمْ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا أَيْ وَحَامِلًا رُمْحًا فَكَأَنَّهُ قَالَ كَالْمُتَقَرِّبِ بِالصَّدَقَةِ بِدَجَاجَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ وَأُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ الْهَدْيِ لِتَقَدُّمِهِ وَتَجْنِيسِ الْكَلَامِ بِهِ انْتَهَى. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِبِلَ لَفْظًا وَلَا نَوَاهَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْإِبِلُ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ فِي مُقَابَلَتِهَا الْبَقَرَةَ وَالْكَبْشَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ قَسِيمَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) تَعَيُّنُ الْإِبِلِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَثَانِيهَا) إجْزَاءُ بَقَرَةٍ وَسَبْعٍ مِنْ الْغَنَمِ أَيْضًا (وَثَالِثُهَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ تَعَيُّنُ الْإِبِلِ عِنْدَ وُجُودِهَا وَإِجْزَاءُ الْبَقَرَةِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَإِجْزَاءُ الْغَنَمِ عِنْدَ عَدَمِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الْبَدَنَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْبُدْنَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ وَحْدَهَا وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرَى الْبَقَرَ؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ صَلَّيْت؟ قَالَ لَا، قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الرَّكْعَتَيْنِ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» وَلَهُ «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ» : وَلِابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَصْلَيْت رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ» ..   Qمِنْ الْبُدْنِ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) أَطْلَقَ فِي الْأُولَى ذِكْرَ الْبَدَنَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ ذِكْرَ الْبَقَرَةِ وَلَمْ يُطْلِقْ فِي الثَّالِثَةِ ذِكْرَ الشَّاةِ بَلْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْكَبْشِ وَتَقَدَّمَ مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيّ وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ شَاةً فَأَطْلَقَهَا كَمَا أَطْلَقَ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ مَثَلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ التَّبْكِيرِ كَتَاجِرِ الْبَدَنَةِ كَتَاجِرِ الْبَقَرَةِ كَتَاجِرِ الشَّاةِ حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْآتِينَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مُتَفَاوِتُونَ فَبَعْضُهُمْ كَمَنْ قَرَّبَ كَبْشًا وَبَعْضُهُمْ كَمَنْ قَدَّمَ دُونَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَنَمِ. [فَائِدَة الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ إجْزَاءُ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّ الْكَبْشَ فَحْلُ الضَّأْنِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا الثَّنِيَّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَعْزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ كَبْشٌ إلَّا إذَا أَثْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ صَلَّيْت قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ» وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ «قُمْ فَارْكَعْ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ بِلَفْظِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ خَمْسَتُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَكَعْت رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ بِمَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ وَيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَاجَهْ «أَصْلَيْت رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ» وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «دَخَلَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلَا تَعُودَنَّ لِمِثْلِ هَذَا فَرَكَعَهُمَا ثُمَّ جَلَسَ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ أَرَادَ بِهِ الْإِبْطَاءَ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلْيُخَفِّفْهُمَا» وَمَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَنَسَبَهُ لِلتَّشَيُّعِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. (الثَّانِيَةُ) قَدْ عَرَفْت اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الرَّجُلِ الْمُبْهَمِ هَلْ هُوَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ أَوْ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ وَحَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ أَبُو هُدْبَةَ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سُلَيْكٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَانِ وَاقِعَتَيْنِ فَمَرَّةً مَعَ سُلَيْكٍ وَمَرَّةً مَعَ النُّعْمَانِ بْنِ قَوْقَلٍ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِلدَّاخِلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَكْحُولٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَسُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْمُقْرِئِ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحُمَيْدِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو الْقَاسِمِ السُّيُورِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَالزُّهْرِيِّ وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقُرْطُبِيِّ قَالَ أَدْرَكْت عُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانَ الْإِمَامُ إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ، وَبَيَّنَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ الْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَصِحَّ وَأَنَّهُ هُوَ وَالْمَذْكُورِينَ بَعْدَهُ لَيْسَ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِي تَرْكِ التَّحِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ تَرْكُ الصَّلَاةِ لِمَنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَشُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ إنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اقْتَصَرَ أَكْثَرُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي نَاقِلًا لَهُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّلَاةَ حَرَامٌ إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ وَالدَّلِيلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَسَنَحْكِيهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَهَبَ أَبُو مِجْلَزٍ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ إلَّا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِ التَّحِيَّةِ وَتَرْكِهَا فَقَالَ إنْ شِئْت رَكَعْت رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شِئْت جَلَسْت رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّخْيِيرُ. (الرَّابِعَةُ) الْقَائِلُونَ بِسُقُوطِ التَّحِيَّةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُحْتَاجُونَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ أَنْ اسْتَدَلَّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ: (أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] قَالَ فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْفَرْضَ الَّذِي شَرَعَ الْإِمَامُ فِيهِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَشْتَغِلُ بِغَيْرِ فَرْضٍ. (الثَّانِي) قَالَ صَحَّ عَنْهُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت» فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ الْأَصْلَانِ الْمَفْرُوضَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرُّكْنَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ يَحْرُمَانِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَالنَّفَلُ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ. (الثَّالِثُ) قَالَ لَوْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرْكَعْ، وَالْخُطْبَةُ صَلَاةٌ إذْ يَحْرُمُ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْعَمَلِ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْكٍ فَلَا تُعَارَضُ بِهِ هَذِهِ الْأُصُولُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدهَا) أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ تُعَارِضُهُ أَخْبَارٌ أَقْوَى مِنْهُ وَأُصُولٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالشَّرِيعَةِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُهُ فَكَانَ مُبَاحًا فِي الْخُطْبَةِ فَلَمَّا حَرُمَ فِي الْخُطْبَةِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ آكَدُ فَرِيضَةٍ مِنْ الِاسْتِمَاعِ فَأَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ. (الثَّالِثُ) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّمَ سُلَيْكًا وَقَالَ لَهُ قُمْ فَصَلِّ فَلَمَّا كَلَّمَهُ وَأَمَرَهُ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ قَوْلُ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُخَاطَبَتُهُ لَهُ وَسُؤَالُهُ وَأَمْرُهُ وَهَذَا أَقْوَى فِي الْبَابِ. (الرَّابِعُ) أَنَّ سُلَيْكًا كَانَ ذَا بَذَّةٍ وَفَقْرٍ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُشْهِرَهُ لِيَرَى فَيُغَيِّرَ مِنْهُ قَالَ وَأَمَّا فِعْلُ الْحَسَنُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَطَبَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ فَبَادَرَ الْحَسَنُ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ رَأَيْنَا الزُّهَّادَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ وَالْكُوفَةِ إذَا بَلَغَ الْإِمَامُ إلَى الدُّعَاءِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا قَامُوا فَصَلَّوْا وَرَأَيْتهمْ أَيْضًا يَتَكَلَّمُونَ مَعَ جُلَسَائِهِمْ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ أَوْ فِي عِلْمٍ وَلَا يَصْغَوْنَ إلَيْهِمْ حِينَئِذٍ فَالِاشْتِغَالُ بِالطَّاعَةِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَيْسَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْأَوْجُهِ السَّبْعَةِ حُجَّةٌ لَهُ. (الْأَوَّلُ) احْتِجَاجُهُ بِالْآيَةِ وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِوُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ سِرًّا مُنْصِتٌ بَلْ وَرَدَ وَصْفُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ سَاكِتٌ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سُكُوتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ فِيهِ فَقَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَسَمَّاهُ سَاكِتًا لِكَوْنِهِ مُسِرًّا. (الثَّانِي) أَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ بِقَارِئٍ لِلْقُرْآنِ إلَّا فِي الْآيَةِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا فِي الْخُطْبَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ يَأْتِي بِالتَّحِيَّةِ فِي حَالَةِ قِرَاءَةِ الْخَطِيبِ الْآيَةَ مَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ عَلَى الْجَمْعِ فَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِمَاعِهِ وَإِنْصَاتِهِ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ سِرًّا. (الثَّالِثُ) بِتَقْدِيرِ حَمْلِ الْقُرْآنِ عَلَى جَمِيعِ الْخُطْبَةِ فَيَجُوزُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) اُسْتُدِلَّ لَهُ بِحَدِيثِ إذَا قُلْت لِصَاحِبِك الْحَدِيثَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُتَكَلِّمِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ التَّشْوِيشُ عَلَى السَّامِعِينَ وَالْمُتَكَلِّمُ سِرًّا كَالدَّاعِي سِرًّا فَهُوَ مُنْصِتٌ بَلْ سَاكِتٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَمِعٍ وَغَيْرَ مُنْصِتٍ فَحَدِيثُ الْبَابِ مُخَصِّصٌ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرْكَعْ وَالْخُطْبَةُ صَلَاةٌ مَرْدُودٌ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّحِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ شَغْلُ الْبُقْعَةِ بِالصَّلَاةِ وَقَدْ حَصَلَ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. (الثَّانِي) مَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ مِنْ الْفَرْقِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَأَمَرَ الدَّاخِلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ الشَّرْعِ وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً إجْمَاعًا وَنِهَايَةُ مَا قِيلَ إنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْعَمَلِ كَمَا زَعَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْخَطِيبُ فِي أَثْنَائِهَا بِأَمْرٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْهَا وَيَنْزِلَ عَنْ الْمِنْبَرِ وَيَمْشِيَ وَيَشْرَبَ وَيَأْكُلَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّفْرِيقُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رِفَاعَةَ قَالَ «انْتَهَيْت إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكَ الْخُطْبَةَ حَتَّى انْتَهَى فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ خِلْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا فَقَعَدَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا» فَإِنْ قَالَ فَلَعَلَّ مَا عَلَّمَهُ لِلْأَعْرَابِيِّ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ قُلْنَا نَعَمْ يَجُوزُ لَكِنْ لَا تَجُوزُ الْمُخَاطَبَةُ بِالتَّعْلِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا النُّزُولُ وَالْمَشْيُ وَالصُّعُودُ عَلَى كُرْسِيٍّ آخَرَ مَعَ تُوَالِي ذَلِكَ فَهُوَ فِعْلٌ كَثِيرٌ وَجَوَّزَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخُطْبَةَ مُحْدِثًا وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا بَلْ جَوَّزَ أَحْمَدُ أَنْ يَخْطُبَ جُنُبًا ثُمَّ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّي بِهِمْ وَالصَّلَاةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْخُطْبَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا اسْتِدْبَارُهَا فَكَيْفَ يَسْتَوِيَانِ. (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ إنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ عَارَضَهُ أَقْوَى مِنْهُ جَوَابُهُ أَنَّ الْكُلَّ أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الَّذِي يُعَارِضُهُ أَقْوَى مِنْهُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَابِتٌ غَايَةَ الثُّبُوتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي هَذَا الْبَابِ وَلَوْ كَانَ أَقْوَى مِنْهُ لَمْ يُتْرَكْ بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ. (الْخَامِسُ) قَوْلُهُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُبَاحًا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُهُ فَكَانَ مُبَاحًا فِي الْخُطْبَةِ جَوَابُهُ أَنَّ سُلَيْكًا لَمْ يُنْقَلْ تَقَدُّمُ إسْلَامِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ ذِكْرٌ إلَّا فِي هَذَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ إسْلَامَهُ مُتَأَخِّرٌ مَعَ قَبِيلَتِهِ غَطَفَانَ وَلَوْ قُدِّرَ تَقَدُّمُ إسْلَامِهِ فَالْجُمُعَةُ إنَّمَا صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ بِمَكَّةَ حِينَ قَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِيهِ «فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ إنَّ فِي الصَّلَاةِ شَغْلًا» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» وَابْنُ مَسْعُودٍ إنَّمَا هَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الْأُولَى بِاتِّفَاقِ السِّيَرِ وَرَجَعُوا وَهُوَ بِمَكَّةَ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَانَ رُجُوعُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ. (السَّادِسُ) قَوْلُهُ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا كَلَّمَ سُلَيْكًا وَقَالَ لَهُ قُمْ فَصَلِّ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ كَلَامٌ عَجِيبٌ أَلَيْسَ الَّذِي أَمَرَ سُلَيْكًا بِالصَّلَاةِ أَمَرَ جَمِيعَ مَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» فَمَا الَّذِي خَصَّصَ سُلَيْكًا بِهَذَا الْحُكْمِ؟ فَإِنْ قَالَ سَكَتَ لَهُ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قُلْنَا هَذَا لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُسَوِّغُ لِلصَّلَاةِ إمْسَاكُهُ عَنْ الْخُطْبَةِ لَقَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيُمْسِكْ لَهُ الْخَطِيبُ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَرْكَعَ وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَمَرَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (السَّابِعُ) أَنَّ قَوْلَهُ كَانَ سُلَيْكًا ذَا بَذَّةٍ وَفَقْرٍ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُشْهِرَهُ لِيَرَى فَيُغَيِّرَ مِنْهُ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ ذَلِكَ لَقَالَ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ ذُو بَذَّةٍ فَلْيَقُمْ فَلْيَرْكَعْ حَتَّى يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ النَّاسُ بَلْ لَيْسَ لِذِكْرِ التَّحِيَّةِ فَائِدَةٌ بَلْ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إذَا رَأَيْتُمْ ذَا بَذَّةٍ فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ قَالَ وَالِدِي وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ صَلَاةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِمَامَ خَطَبَ بِمَا لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الزُّهَّادَ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ وَالْكُوفَةِ كَانُوا يَقُومُونَ إذَا بَلَغَ الْإِمَامُ لِلدُّعَاءِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا فَيُصَلُّونَ فَمِنْ أَعْجَبِ الْأُمُورِ، فَبِالِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَخْرُجُ الْحَسَنُ عَنْ كَوْنِهِ فَعَلَهُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ وَالِدِي وَرَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ سُلَيْكٍ كَمَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَرْسَلَهُ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يُدْعَى لَهُمْ عَلَى الْمَنَابِرِ إنَّمَا يُدْعَى لِلسُّلْطَانِ بِالصَّلَاحِ وَالتَّوْفِيقِ وَعِزِّ الْإِسْلَامِ بِهِ وَقَدْ كَانَ يُدْعَى لِلْأَئِمَّةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَأَمَّا فِعْلُ زُهَّادِ مَدِينَةِ السَّلَامِ وَالْكُوفَةِ عَلَى رَأْيِهِ فَلَيْسُوا أَهْلًا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ خُصُوصًا عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَا رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ إلَّا جَهَلَةَ الْعَوَامّ فَيَتْرُكُ أَحَدُهُمْ السُّنَّةَ عِنْدَ إتْيَانِهِ وَيَجْلِسُ يَسْمَعُ فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ قَامَ فَصَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْ صَلَاةِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ تَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ جَابِرٍ تَأْوِيلَاتٍ فِي بَعْضِهَا بُعْدٌ وَأَوْلَى مُعْتَمَدِ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ عَارَضَهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إلَى زَمَنِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْعَمَلِ أَوْلَى وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَرُدُّ الْعَمَلَ بِهِ عَلَى أَصْلِهِ فِي رَدِّ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا أَدْرِي مَا عُمُومُ الْبَلْوَى فِي ذَلِكَ؟ قُلْت وَأَمَّا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنْ كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عَمَلٌ فَإِنَّمَا غَيَّرَ السُّنَّةَ فِيهِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنُو أُمَيَّةَ فَتَرَكَ النَّاسُ ذَلِكَ مُدَارَاةً لَهُمْ وَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ فَقَامَ فَصَلَّى فَجَاءَ الْحَرَسُ لِيُجْلِسُوهُ فَأَبَى حَتَّى صَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا رَحِمَك اللَّهُ إنْ كَادُوا لَيَقَعُوا بِك فَقَالَ مَا كُنْت لِأَتْرُكَهَا بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ] 1 (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ يَسْقُطْ اسْتِحْبَابُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَغَيْرُهَا مِنْ الْأَحْوَالِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ بِأَقَلِّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَحْصُلُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَبِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إكْرَامُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحْقِيقِهَا فِي هَذِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَالَةِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ. [فَائِدَة دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ] 1 (السَّابِعَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَا إذَا دَخَلَ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَلَا يَفْعَلُهَا وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِي الْأُمِّ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَهُمَا قَالَ وَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِمَا وَيَزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ إكْمَالُهُمَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخَطِيبَ أَيْ لَمْ يَأْمُرْ الدَّاخِلَ وَلَا زَادَ فِي كَلَامِهِ لِيُتِمَّ الدَّاخِلُ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلَ بِأَنْ أَمَرَهُ الْخَطِيبُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ هَكَذَا فَصَّلَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ. [فَائِدَة تُكْرَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِي حَالَيْنِ] (الثَّامِنَةُ) اسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنْ اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَقَالُوا إنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ فَالدَّاخِلُ إلَيْهِ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ تُكْرَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِي حَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي الْمَكْتُوبَةِ (وَالثَّانِي) إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا عَنْ الطَّوَافِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَأَوَّلُ مَا يَدْخُلُهُ الْحَاجُّ يَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ فَهُوَ تَحِيَّتُهُ وَيُصَلِّي بَعْدَهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ انْتَهَى وَعِبَارَةُ الْمَحَامِلِيِّ تَقْتَضِي أَنَّ سَائِرَ مَرَّاتِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِأَوَّلِ دُخُولِ الْحَاجِّ وَبِطَوَافِ الْقُدُومِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى تَقْدِيمَ الطَّوَافِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ عَلَى التَّحِيَّةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّحِيَّةَ لَمْ تَسْقُطْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَإِنَّمَا قُدِّمَ الطَّوَافُ عَلَيْهَا وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالطَّوَافِ بِمَكَّةَ وَلَوْ كَانَ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ هَذِهِ الْحَالَةَ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ وَيُقَالُ الِاشْتِغَالُ بِالتَّحِيَّةِ لَا يَطُولُ زَمَنُهُ وَقَدْ لَا يُنَافِي اسْتِعْمَالَ الْخُطْبَةِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَيَطُولُ زَمَنُهُ وَيَبْعُدُ عَنْ الْخَطِيبِ لِدَوَرَانِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ فَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إفْصَاحًا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة تَحِيَّة الْمَسْجِد لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ] 1 (التَّاسِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَمْرُهُ بِالتَّحِيَّةِ بَعْدَ قُعُودِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذَا كَانَ جَاهِلًا بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّحِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا فَوَاتَهَا بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَالِمِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَتَدَارَكُهَا عَلَى قُرْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ. (الْعَاشِرَةُ) فِي مَعْنَى الْجَاهِلِ النَّاسِي فَلَوْ جَلَسَ نَاسِيًا وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الْمُخْتَارُ الْمُتَعَيَّنُ انْتَهَى وَأَطْلَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا فَوَاتَهَا بِالْجُلُوسِ وَقَضِيَّةُ سُلَيْكٍ مُحْتَمِلَةٌ لِهَذَا الْأَمْرِ وَلِلَّذِي قَبْلَهُ يَحْتَمِلُ جُلُوسُهُ الْجَهْلَ بِسُنِّيَّتِهَا وَالنِّسْيَانَ لَهَا فَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى إحْدَى الْحَالَتَيْنِ نَصًّا وَعَلَى الْأُخْرَى قِيَاسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلدَّاخِلِ صَلَّيْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَصْلَيْت حِينَ دَخَلْت الْمَسْجِدَ أَوْ صَلَّيْت فِي بَيْتِك قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «قُمْ فَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الرَّكْعَتَانِ الْمَعْهُودَتَانِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَهُمَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إنَّمَا تُفْعَلُ فِيهِ لَا فِي الْبَيْتِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ مَاجَهْ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ إلَى قُرْبِ الْمِنْبَرِ بِأَنْ يَكُونَ صَلَّى فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ أَوَّلَ دُخُولِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَا حُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ إنَّمَا يَرْكَعُ الرَّكْعَتَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا فِي بَيْتِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ هَذِهِ عَلَى سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ زَوَالُ الشَّمْسِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَذَّنُ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَمَتَى تَمَكَّنَ سُلَيْكٌ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ تَأَخَّرَ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الْخُطْبَةِ (ثَانِيهَا) أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا الرَّوَاتِبُ فَإِنَّهَا لَا تُفْعَلُ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ بِلَا خِلَافٍ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهَا سُنَّةَ الْجُمُعَةِ بِتَقْدِيرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ التَّحِيَّةُ فَلَعَلَّهَا سُنَّةُ الْوُضُوءِ. [فَائِدَة الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِأَمْرٍ يَحْدُثُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الْخُطْبَةَ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إذَا " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت» يُرِيدُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ زَادَ فِيهِ الشَّيْخَانِ «يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَقَدْ لَغِيت» قَالَ أَبُو الزِّنَادِ هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت لِلنَّاسِ أَنْصِتُوا وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فَقَدْ أَلْغَيْت عَلَى نَفْسِك» ..   Qتَكَلَّمَ أَعَادَ الْخُطْبَةَ قَالَ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى مَا اُتُّبِعَ. [فَائِدَة تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تُفْعَلُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تُفْعَلُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا ذَاتَ سَبَبٍ فَإِنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ فِي حَالٍ لَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالُ أَوْلَى الْأَحْوَالِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ فِيهِ بِالْإِنْصَاتِ لِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تَرَكَ لَهَا اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُطْبَةَ لِأَجْلِهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَكَرِهَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ. [فَائِدَة إقَامَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) مَذْهَبُنَا أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ بَلْ تُقَامُ فِي خُطَّةِ الْأَبْنِيَةِ فَلَوْ فَعَلُوهَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ الدَّاخِلُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ إذْ لَيْسَتْ لَهُ تَحِيَّةٌ فَلَا يَتْرُكُ اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا أَخَفُّ وَزَمَنَهُمَا أَقْصَرُ مِنْ زَمَنِ التَّحِيَّةِ مَعَ وُجُوبِ رَدِّ السَّلَامِ وَكَوْنِ التَّحِيَّةِ نَفْلًا وَسَيَأْتِي إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ [حَدِيث إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت] الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت يُرِيدُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ يُرِيدُ، وَعَنْ هَمَّامٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت لِلنَّاسِ أَنْصِتُوا وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فَقَدْ أَلْغَيْت عَلَى نَفْسِك» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْقَائِلُ يُرِيدُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ هُوَ مَالِكٌ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَجُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ تَامًّا «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْت» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغِيتَ» قَالَ أَبُو الزِّنَادِ هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فَقَدْ لَغَوْتَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ لَغَوْتَ وَعَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ لَغِيتَ وَقَالَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَغِيتَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجِلَانِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِزِيَادَةِ لَفْظَةٍ فِي آخِرِهِ عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» لَفْظُ الشَّيْخَيْنِ إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا قَدَّمَ قَوْلَهُ أَنْصِتْ عَلَى قَوْلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا» وَلَمْ يَقُلْ التِّرْمِذِيُّ لِصَاحِبِهِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَالِاسْتِمَاعُ لِلْحَدِيثِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ السُّكُوتُ الِاسْتِمَاعُ لِمَا يُقَالُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَنْصِتْ سَكَتَ سُكُوتَ مُسْتَمِعٍ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَاقْتَصَرَ فِي الْمُحْكَمِ عَلَى أَنَّهُ السُّكُوتُ وَيُوَافِقُهُ عَطْفُهُ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى الِاسْتِمَاعِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ وَالْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ وَالِاسْتِمَاعُ شَغْلُ السَّمْعِ بِالسَّمَاعِ وَيُسْتَعْمَلُ رُبَاعِيًّا وَهُوَ أَفْصَحُ وَثُلَاثِيًّا فَيُقَالُ أَنْصَتَ وَنَصَتَ فَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنْصِتْ قَطْعُ الْهَمْزَةِ وَوَصْلُهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالصَّادُ مَكْسُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ لَغَا يَلْغُوَا لَغْوًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْ قَالَ بَاطِلًا وَلَغِيَ بِالْكَسْرِ يَلْغَى لَغًا وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ اللَّغْوُ وَاللِّغَاءُ السَّقْطُ وَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَغَوْت فِي الْقَوْلِ أُلْغِي لَغْوًا وَلَغِيت لَغًا أَخْطَأْتُ وَكَلِمَةٌ لَاغِيَةٌ فَاحِشَةٌ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ لَغْوُ الْكَلَامِ لَغَطُهُ وَمَا لَا مَحْصُولَ لَهُ، يُقَالُ لَغَوْت أَلْغُو وَأَلْغَى لَغْوًا وَلَغِيت أَيْضًا وَأَلْغَيْت أَتَيْت بِلَغْوٍ مِثْلُ أَفْحَشْت إذَا أَتَيْت بِفُحْشٍ وَصَرَّحَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ فَقَدْ لَغِيت بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ لَغَا يَلْغُو أَفْصَحُ مِنْ لَغَا يَلْغَى ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي هَذِهِ اللُّغَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] قَالَ وَهَذَا مِنْ لَغَا يَلْغَى وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ لَقَالَ وَالْغُوا فِيهِ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَغَا الْإِنْسَانُ يَلْغُو وَلَغَا يَلْغَى وَلَغِيَ يَلْغَى إذَا تَكَلَّمَ بِالْمُطْرَحِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا يَعْنِي انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَاللَّغْوُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ لَيْسَ يَحْسُنُ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَلْغَتْ بِهَمْزِ أَوَّلِهِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ أَلْغَيْت الشَّيْءَ أَبْطَلْته وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ طَرَحْته وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ كُلُّ مَا أَسْقَطْته فَلَمْ تَعْتَدَّ بِهِ فَقَدْ أَلْغَيْته وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَلْغَى إذَا أَسْقَطَ وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا فَالْمَفْعُولُ الْمَحْذُوفُ الْجُمُعَةُ فِيمَا يَظْهَرُ فَقَوْلُهُ أَلْغَيْت أَيْ جُمُعَتَك وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَشَارِقِ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُقَالُ أَلْغَيْت أَتَيْت بِلَغْوٍ فَعَلَى هَذَا الثَّانِي يَكُونُ لَازِمًا بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ. (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ وَتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِيهَا إذَا لَمْ تُغْتَفَرْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَعَ خِفَّتِهَا وَكَوْنِهَا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَمَا عَدَاهَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ نَهَى عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ عَنْ الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا رَأَيْته يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَأَقْرِعْ رَأْسَهُ بِالْعَصَا وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُتَقَدِّمُونَ يُطْلِقُونَ كَثِيرًا الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا التَّحْرِيمَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: جَمَاعَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَئِمَّةِ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ عَلِمْته بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا انْتَهَى. (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ وَالْكَلَامَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ حَكَاهَا ابْنُ قُدَامَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ النَّخَعِيّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو بُرْدَةَ يَتَكَلَّمُونَ وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّا لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْإِشَارَةُ لِلْحَجَّاجِ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ الظُّلْمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ لِهَذَا الْأَمْرِ قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إلَى كَلَامٍ بِعَيْنِهِ أَتَى بِهِ الْحَجَّاجُ لَا يَنْبَغِي سَمَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سَبِّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْ الْأَمْرِ بِالظُّلْمِ وَمَا لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ أَوْ عِنْدَ قِرَاءَةِ كُتُبٍ وَرَدَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ فِيهَا مَا لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَالِدٍ قَالَ رَأَيْت الشَّعْبِيَّ وَأَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ يَتَكَلَّمَانِ وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ حِينَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ وَلَعَنَ اللَّهُ فَقُلْت أَتَتَكَلَّمَانِ فِي الْخُطْبَةِ؟ فَقَالَا لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ زَمَنَ الْحَجَّاجِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ كَانَ الْحَجَّاجُ وَخُطَبَاؤُهُ يَلْعَنُونَ عَلِيًّا وَابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُرْوَةَ كَانَ يُنْصِتُ لِلْخَطِيبِ فَإِذَا شَتَمَ عَلِيًّا تَكَلَّمَ وَيَقُولُ إنَّا لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنْصِت لِهَذَا وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ وَالصُّحُفُ تُقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَكَلَّمَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إنَّمَا كَانَ السُّكُوتُ قَبْلَ الْيَوْمِ إذَا وُعِظُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالُوا فِيهِ: فَنَسْكُت لِصُحُفِهِمْ هَذِهِ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْكَلَامَ وَالصُّحُفُ تُقْرَأُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إنَّ الْكُتُبَ تَجِيءُ مِنْ قِبَلِ قُتَيْبَةَ فِيهَا الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ فَأُكَلِّمُ صَاحِبِي أَوْ أُنْصِت؟ قَالَ لَا بَلْ أَنْصِتْ يَعْنِي فِي الْجُمُعَةِ فَطَرَدَ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنُ مَنْعَ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ وَسَدَّا الْبَابَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَابْنُ قَانِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَغَا وَشَتَمَ النَّاسَ فَعَلَى النَّاسِ الْإِنْصَاتُ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا خَطَبَ فِي أَمْرٍ لَيْسَ مِنْ الْخُطْبَةِ مِنْ أَمْرِ كِتَابٍ يَقْرَؤُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ الْإِنْصَاتُ وَرَأَى اللَّيْثُ إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْمَوْعِظَةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلَا يُنْصِتَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَإِنْ أَدْخَلَ الْخَطِيبُ فِي خُطْبَتِهِ مَا لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَالْكَلَامُ مُبَاحٌ حِينَئِذٍ فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ آخَرَانِ مُفَصَّلَانِ إمَّا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَغَيْرِهِمْ وَإِمَّا بَيْنَ إمَامِ الْوَعْظِ وَغَيْرِهِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا خَامِسًا أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ خَاصَّةً قَالَ رَوَى عَنْ الشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي بُرْدَةَ قَالَ وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ مَرْدُودٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَا عِلْمَ لِمُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ وُجُوبُهُ سُنَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فَرِيضَةً انْتَهَى وَهَذَا عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ وُجُوبِ السُّنَنِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ فَيَكُونُ ابْنُ بَطَّالٍ نَقَلَ اسْتِحْبَابَ الْإِنْصَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَمَنْ أَوْجَبَ الْإِنْصَاتَ أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ اللَّغْوَ الْبَاطِلُ وَمَنْ اسْتَحَبَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ السَّقَطُ وَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَغَطُ الْكَلَامِ وَمَا لَا مَحْصُولَ لَهُ أَوْ الْمُطْرَحُ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا يُعْنِي فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَمُقْتَضَاهَا أَنَّ قَائِلَ اللَّغَطِ غَيْرُ مُرْتَكِبٍ حَرَامًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لَغَوْت تَكَلَّمْت فِي مَوْضِعٍ الْأَدَبُ فِيهِ أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ؛ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي «الرَّجُلِ الَّذِي قَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ؛» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِحَدِيثِ عُثْمَانَ حَيْثُ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ يَخْطُبُ فَكَلَّمَهُ وَأَجَابَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ هَذَا فِي سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ عَنْ كَوْنِهِ صَلَّى وَإِجَابَتِهِ لَهُ بِقَوْلِهِ لَا وَقَوْلِهِ لَهُ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَلَّمَ الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَلَّمُوهُ وَتَدَاعَوْا قَتْلَهُ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَشْهُورٌ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ انْتَهَى وَمَنْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ الْكَلَامِ أَجَابَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ فِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ فَلَا يُشْتَغَلُ بِذَلِكَ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ بِخِلَافِ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ. [فَائِدَة هَلْ يَفْصِل فِي وُجُوب الْإِنْصَات يَوْم الْجُمُعَةَ بَيْن الْأَرْبَعِينَ وَالزِّيَادَة] 1 (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْكَلَامِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ بِأَنَّهُ لَغْوٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا مِنْ الْعَدَدِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَصِّلُوا وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ مَحَلَّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ أَمَّا الْأَرْبَعُونَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِنْصَاتُ قَطْعًا وَتَعَقَّبَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَهُ بِاسْتِبْعَادِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِنَقْلِ الْأَصْحَابِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِي السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ وَإِذَا حَضَرَ جَمَاعَةٌ يَزِيدُونَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ قَطْعًا وَالْخِلَافُ فِي الْبَاقِينَ، بَلْ الْوَجْهُ الْحُكْمُ بِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِمْ أَوْ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ فَلِأَنَّك لَا تَجِدُ لِلْجُمْهُورِ إلَّا إطْلَاقَ قَوْلَيْنِ فِي السَّامِعِينَ وَوَجْهَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وَتَبِعَ النَّوَوِيُّ الرَّافِعِيَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ إلَى طَرِيقَةِ الْغَزَالِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَنَا وَكَذَا رَجَّحَهَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ وَوَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ إنَّ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ سَبَقَهُ إلَيْهِ شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحَكَاهُ عَنْ وَالِدِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَرْبَعِينَ مُتَعَيَّنِينَ مِنْ خَلْقٍ يَزِيدُونَ عَلَيْهِمْ بَلْ إنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَقَطْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِصْغَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ وَعَلَى الْخَطِيبِ رَفْعُ الصَّوْتِ لِيُسْمِعَهُمْ وَانْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِهِمْ وَإِنْ كَانُوا أَزَيْدَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَلَوْ بَلَغُوا أُلُوفًا وَجَبَ عَلَى أَرْبَعِينَ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ الْإِصْغَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ غَيْرُهُمْ انْعَقَدَتْ بِهِمْ وَإِنْ سَمِعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ انْعَقَدَتْ بِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ إسْمَاعِ أَرْبَعِينَ وَعَدَمِ وُجُوبِ إنْصَاتِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ وَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ وَكَانَ عَدَمُ سَمَاعِهِمْ بِسَبَبِ الْكَلَامِ كَانْقِضَاضِهِمْ انْتَهَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَحَاصِلُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى الْجَزْمِ بِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفُرُوضُ الْكِفَايَةِ تَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ لَا بِطَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى الْقَطْعِ بِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَإِنْكَارِ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْخَطِيبِ وَالْمُسْتَمِعِ فِي الْكَلَام أَثْنَاء الْخُطْبَة] 1 (السَّادِسَةُ) لَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَطِيبَ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْإِنْصَاتِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاعِظِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَبِهَذَا قَطَعَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَحَكَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْخَطِيبِ وَالْمُسْتَمِعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ. [فَائِدَة مَنْ سَأَلَهُ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْجُمُعَة] (السَّابِعَةُ) اسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ مَنْ سَأَلَهُ الْخَطِيبُ فَأَخْرَجُوهُ عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَأَبَاحُوا لَهُ الْكَلَامَ جَوَابًا لِلْخَطِيبِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَيَدُلُّ لَهُ قَضِيَّةُ سُلَيْكٍ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَوْا مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِالْكَلَامِ لِحَاجَةٍ أَوْ سُؤَالٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ لِحَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ. [فَائِدَة لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ وَمَنْ لَا يَسْمَعُهَا فِي الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ] 1 (الثَّامِنَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ وَمَنْ لَا يَسْمَعُهَا فَكِلَاهُمَا مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ أَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ فَالْإِنْصَاتُ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ السَّامِعِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَسْمَعُ وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْكَلَامِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ أَمَّا الذِّكْرُ وَالتِّلَاوَةُ سِرًّا فَلَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْهُمَا قَطْعًا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَهَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَوْ الْإِنْصَاتُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِنْصَاتُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو فَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ مُسْلِمًا فَهِيَ كَفَّارَةٌ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِ عُثْمَانَ مَنْ كَانَ قَرِيبًا يَسْمَعُ وَيُنْصِتُ وَمَنْ كَانَ بَعِيدًا يُنْصِتُ فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنْ الْحَظِّ مَا لِلسَّامِعِ وَالثَّانِي الذِّكْرُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي صُورَةِ الْبُعْدِ لَهُ الْمُذَاكَرَةُ فِي الْفِقْهِ وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ مَنْعُ ذَلِكَ. [فَائِدَة الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ] 1 (التَّاسِعَةُ) التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يُخْرِجُ مَا قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَمَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فَلَا مَنْعَ مِنْ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَالْأَكْثَرِينَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى مَنْعِ الْكَلَامِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَا يَكْرَهَانِ الْكَلَامَ وَالصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ انْتَهَى وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ التَّرْخِيصُ فِي ذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ قُدَامَةَ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ التَّرْخِيصَ فِي الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ وَعَنْ الْحَكَمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلَامِ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَكَرِهَهُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ يَتَكَلَّمُ مَا لَمْ يَجْلِسْ وَهَذَا مَذْهَبٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ لَا كَلَامَ بَعْدَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنْ الْمِنْبَرِ حَتَّى يَقْضِيَ الصَّلَاةَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَرِهَهُ. (الْعَاشِرَةُ) وَيُخْرِجُ أَيْضًا مَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْطُبُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَجْرَى فِيهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَذَكَرَ فِيهِ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ احْتِمَالَيْنِ وَجَّهَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ خَاطِبٍ وَلَا مُتَكَلِّمٍ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا وَوَجَّهَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ سُكُوتٌ يَسِيرٌ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ أَشْبَهَ سُكُوتَ النَّفَسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَمْ أَرَ الْحَنَفِيَّةَ اسْتَثْنَوْا عَنْ صَاحِبِيهِ إلَّا مَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ مُوَافَقَةَ صَاحِبِيهِ لَهُ عَلَى مَنْعِ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ إلَى الدُّعَاءِ هَلْ يُشْرَعُ الْكَلَامُ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) سَوَّى الشَّافِعِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي حَالَةِ الدُّعَاءِ فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ إذَا بَلَغَ الْخَطِيبُ إلَى الدُّعَاءِ فَهَلْ يُشْرَعُ الْكَلَامُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَشَرَعَ فِي غَيْرِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْخُطْبَةِ فَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُتُ لَهَا كَالتَّطْوِيلِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ دُعَاءً مَشْرُوعًا كَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِلْإِمَامِ الْعَادِلِ أَنْصَتَ لَهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِنْصَاتُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ وَقَوْلُهُ فِي تَوْجِيهِ الْجَوَازِ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ فِيهَا وَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِهَذِهِ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة حُكْمُ الْكَلَامِ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ أَوْ كَرَاهِيَةَ الدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ فَقَالُوا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَا بَعْدَ قُعُودِهِ وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِالدَّلِيلِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَنَاوَلَهَا وَالْمَعْنَى الَّذِي اقْتَضَى مَنْعَ الْكَلَامِ وَهُوَ تَفْوِيتُ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَسَامِعِهِ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَهِيَ كَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ مَحَلُّ الْمَنْعِ مِنْ الْكَلَامِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَأَمَّا إذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا يَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لَكِنْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَلَا يَتَكَلَّمَ مَا أَمْكَنَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ فَإِنَّ الصُّورَةَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ تَعَلَّقَ بِهَا غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ تَعَاطَاهُ الْمُتَكَلِّمُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِكَلِمَةٍ خَفِيفَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهُ لَغْوٌ وَقَدْ فَصَّلَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ فَجَوَّزُوا إنْذَارَ الْأَعْمَى وَمَنْ قَصَدَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ خُشِيَ عَلَيْهِ حَرِيقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَعَ إفْسَادِهَا بِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَمَنَعُوا نَهْيَ الْمُتَكَلِّمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا وَلَكِنْ يُشِيرُ إلَيْهِ فَيَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى فِيهِ وَمَا ذَكَرُوهُ فِي ذَلِكَ وَاضِحٌ وَتَجْوِيزُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَلَا كَرَاهَةٍ مُصَادِمٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَرَ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا هَذِهِ الْأَحْوَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ غَيْرُهُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْإِشَارَةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ حِينَئِذٍ أَنْصِتْ لَكِنْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ يَغْمِزُهُ أَوْ يَحْصِبُهُ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَإِذَا خَافَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا إذَا لَمْ يَفْهَمْ عَنْهُ بِالْإِيمَاءِ أَنْ يَتَكَلَّمَ انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النُّطْقُ إنْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْإِشَارَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ عَلِمْته بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِمَنْ سَمِعَهُ مِنْ الْجُهَّالِ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ أَوْ صَهٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَخْذًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاسْتِعْمَالًا لَهُ وَتَقَبُّلًا لِمَا فِيهِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ الْإِشَارَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمَجْزَأَةِ بْنِ زَاهِرٍ عَنْ أَبِيهِ وَحَكَاهُ الْمُنْذِرُ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ بِهِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تُشِرْ إلَى أَحَدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا تَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ. [فَائِدَة ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَة] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَرَدِّهِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْقَدِيمِ فَيَنْبَغِي لِلدَّاخِلِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ فَإِنْ سَلَّمَ حُرِّمَتْ إجَابَتُهُ بِاللَّفْظِ وَيُسْتَحَبُّ بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ جَازَ رَدُّ السَّلَامِ قَطْعًا وَهَلْ يَجِبُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْبَغَوِيّ وَالنَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وُجُوبُهُ (وَالثَّانِي) اسْتِحْبَابُهُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الصَّغِيرِ (وَالثَّالِثُ) جَوَازُهُ بِلَا اسْتِحْبَابٍ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الرَّدِّ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رَدِّ السَّلَامِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَرُدُّ لِوُجُوبِهِ وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ رَدَّ السَّلَامَ وَإِنْ سَمِعَ لَمْ يَفْعَلْ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقِيلَ لِأَحْمَدَ الرَّجُلُ يَسْمَعُ لُغَةَ الْإِمَامِ بِالْخُطْبَةِ وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ يَرُدُّ السَّلَامَ؟ فَقَالَ لَا إذَا سَمِعَ شَيْئًا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ قُدَامَةَ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ انْتَهَى وَمَنَعَ الْمَالِكِيَّةُ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ وَرَدَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَمَّا ابْتِدَاءُ السَّلَامِ فَهُوَ سُنَّةٌ فَكَيْفَ يَفُوتُ بِهِ الْإِنْصَاتُ الْمَأْمُورُ بِهِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ مَعَ وُجُوبِهِ وَخِفَّتِهِ لَغْوًا فَمَا ظَنُّكَ بِالسَّلَامِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا جَوَابُهُ فَلِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِابْتِدَاءِ حَيْثُ اُسْتُحِبَّ الِابْتِدَاءُ وَجَبَ الرَّدُّ وَحَيْثُ كَانَ الِابْتِدَاءُ غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ كَانَ الرَّدُّ غَيْرَ وَاجِبٍ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْقَدِيمِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ تَحْرِيمُهُ كَرَدِّ السَّلَامِ وَالثَّانِي اسْتِحْبَابُهُ وَالثَّالِثُ جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْبَابٍ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْجَدِيدِ جَازَ قَطْعًا وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَطَرَدَ الْمَالِكِيَّةُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَقَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ خَافِضًا صَوْتَهُ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ سَائِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَالْقَوْلُ بِمَنْعِ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِمَنْعِ رَدِّ السَّلَامِ لِوُجُوبِ الرَّدِّ وَاسْتِحْبَابِ التَّشْمِيتِ وَلِذَلِكَ كَانَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجْهٌ أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ إطْبَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنْ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ غَيْرُ وَاجِبٍ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ سُرَاقَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ (الدُّرَّةَ) وُجُوبَ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَرُدُّ السَّلَامَ وَيُشَمِّتُهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا فَكَانَ بِالْعِرَاقِ يَنْهَى عَنْهُ إلَّا بِإِيمَاءٍ وَقَالَ بِمِصْرَ رَأَيْت أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ وَقَالَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ أَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا تُشَمِّتْهُ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَكَانَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَرَيَانِ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَلَا رَدَّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ اسْتَحَبُّوا مَا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ عَطَاءٌ إذَا كُنْت تَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ فِي نَفْسِك وَإِذَا كُنْت لَا تَسْمَعُ فَأَرْدُدْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَسْمِعْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ تَسْمَعْ الْخُطْبَةَ شَمِّتْ وَرُدَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qانْتَهَى وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَحَمْدِ الْعَاطِسِ وَتَشْمِيتِهِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُشَمِّتِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ الْخَطِيبُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّأْمِينِ عَلَى دُعَائِهِ. [فَائِدَة صَلَاةَ مَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الْخُطْبَةِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَصْحَابُنَا حَيْثُ حَرَّمْنَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَ أَثِمَ وَلَا تَبْطُلُ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قُلْت فَقَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ وَآثَارَ أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي الْخُطْبَةِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَوْ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ سَمِعَ أَحَدُهُمَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَةً يَقْرَؤُهَا عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ جُمُعَةٍ قَالَ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا جُمُعَةَ لَك فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ صَدَقَ عُمَرُ» . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِيهِمَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ «قَالَ سَعْدٌ لِرَجُلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا صَلَاةَ لَك قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سَعْدًا قَالَ لَا صَلَاةَ لَك فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ إنَّهُ تَكَلَّمَ وَأَنْتَ تَخْطُبُ قَالَ صَدَقَ سَعْدٌ» . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " جَلَسْت قَرِيبًا مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي فَجَعَلَ يُحَدِّثُنِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَمَّا أَكْثَرَ قُلْت لَهُ اُسْكُتْ فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ ذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَمَّا أَنْتَ فَلَا جُمُعَةَ لَك وَأَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ ". وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ جُمُعَةِ فَذَكَرَ سُورَةً فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِأُبَيٍّ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ أُبَيٌّ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَا لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا لَغَيْتَ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَدَقَ» لَفْظُ الْبَزَّارِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ بِمَعْنَاهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِمَعْنَاهُ أَنَّ الْقِصَّةَ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُبَيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْقِصَّةَ جَرَتْ لَهُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ أَوْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الْقِصَّةَ جَرَتْ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ وَالْمُنْكِرُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا أُبَيٌّ، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْقِصَّةَ جَرَتْ لِأَبِي ذَرٍّ مَعَ أُبَيٍّ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَحَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَذَا حَظُّك مِنْ الصَّلَاةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَلْغَيْت عَلَى نَفْسِك عَلَى أَحَدِ التَّقْرِيرَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ قُلْت قَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةً وَأَخَذَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا ذَاكِرًا عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ ثُمَّ حَكَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمَ وَأَثَرَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ كُلُّهُمْ يُبْطِلُ صَلَاةَ مَنْ تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الْخُطْبَةِ وَبِهِ نَقُولُ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ قَالَ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ بَطَلَ أَجْرُهُ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَإِذَا بَطَلَ أَجْرُهُ بَطَلَ عَمَلُهُ بِلَا شَكٍّ انْتَهَى وَهُوَ مَرْدُودٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْأَجْرِ لِمُقَارَنَةِ مَعْصِيَةٍ سَاوَى إثْمُهَا أَجْرَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ بُطْلَانُ الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ قَدْ وَقَعَتْ مُسْتَجْمِعَةً لِلشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ «أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُتَكَلِّمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا جُمُعَةَ لَك فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ لَا أَجْرَ لِلْجُمُعَةِ لَك حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ جَمَاعَةَ الْفُقَهَاءِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ جُمُعَتَهُ مُجْزِئَةٌ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي أَرْبَعًا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ مَنْ لَغَا كَانَتْ جُمُعَتُهُ ظُهْرًا وَلَمْ تَكُنْ جُمُعَةً وَحُرِمَ فَضْلَهَا وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ كَانَتْ صَلَاتُهُ ظُهْرًا يَعْنِي فِي الْفَضْلِ. [فَائِدَة حُكْم الْإِنْصَات لِخُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) تَقْيِيدُ الْخُطْبَةِ بِكَوْنِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُخْرِجُ خُطْبَةَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَلَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهَا وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ فِيهَا وَاسْتِمَاعُهَا مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُنَا فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] نَظَرْت إلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْت حَدِيثِي فَرَفَعْتهمَا» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ..   Qعَنْ عَطَاءٍ قَالَ يَحْرُمُ الْكَلَامُ مَا كَانَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَالْعِيدَيْنِ كَذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ. [فَائِدَة تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ] (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَرْكِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِنْصَاتِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَأَصْلُهُ الْوُجُوبُ فَإِذَا مُنِعَ مَعَ قِصَرِ زَمَانِهِ وَقِلَّةِ شَغْلِهِ فَلَأَنْ تُمْنَعَ الرَّكْعَتَانِ مَعَ سُنِّيَّتِهِمَا وَطُولِ زَمَانِهِمَا وَالِاشْتِغَالِ بِهِمَا أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ [حَدِيث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ] (الْحَدِيثُ السَّابِعُ) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُنَا فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] نَظَرْت إلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْت حَدِيثِي فَرَفَعْتهمَا» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى وَأَبِي تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنِ وَاضِحٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِيهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ يَعْثُرَانِ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى فِيهِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ كَسْرَهَا أَيْضًا وَحَكَى عَنْ اللِّحْيَانِيِّ فِي الْمَاضِي الْفَتْحَ وَالْكَسْرَ وَمَعْنَاهُ كَبَا كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ عَثَرَ فِي ثَوْبِهِ مِثَالٌ فَقَدْ يَكُونُ سَبَبُ الْكَبْوَةِ غَيْرُ هَذَا. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ جَوَازُ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ «فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ» مَعَ أَنَّ الْحَسَنَيْنِ كَانَا إذْ ذَاكَ صَغِيرَيْنِ لَمْ يَبْلُغَا سِنَّ التَّكْلِيفِ فَيَجُوزُ إلْبَاسُهُمَا الْحَرِيرَ فَكَيْفَ بِالْأَحْمَرِ الَّذِي لَيْسَ بِحَرِيرٍ؟ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّمَا يَجُوزُ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ الْحَرِيرَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) تَعَثُّرُهُمَا فِي الْمَشْيِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ الْإِسْرَاعَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ ضَعْفَ الْبَدَنِ لِصِغَرِهِمَا وَعَدَمِ اسْتِحْكَامِ قُوَّتِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ طُولَ الثِّيَابِ وَهُوَ بَعِيدٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ فِيهِمَا» وَلَا قَوْلُهُ عِنْدَ النَّسَائِيّ أَيْضًا: «رَأَيْت هَذَيْنِ يَعْثُرَانِ فِي قَمِيصَيْهِمَا» لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَصْدُقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الْعِثَارِ طُولَ الثِّيَابِ. [فَائِدَة الْمُوَالَاةَ فِي الْخُطْبَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مَنْ لَا يُوجِبُ الْمُوَالَاةَ فِي الْخُطْبَةِ لَكِنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُهَا فَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ اشْتِرَاطُهَا وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْمَرْجِعُ فِيمَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ مِنْ كَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ إلَى الْعُرْفِ وَحَيْثُ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ اسْتَأْنَفَ الْأَرْكَانَ وَقَدْ يُقَالُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْخُطْبَةُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَكِنَّ النَّسَائِيّ بَوَّبَ عَلَيْهِ نُزُولَ الْإِمَامِ عَنْ الْمِنْبَرِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ أَصْلٌ فِي قَطْعِ الْخُطْبَةِ وَالنُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ جَوَازُ كَلَامِ الْخَطِيبِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ   Qفِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. 1 - (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَنَاقِبِهِمَا وَلَوْلَا شِدَّةُ مَحَبَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَا فَعَلَ مَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ «رَأَيْت وَلَدَيَّ هَذَيْنِ» [فَائِدَة بَيَانُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لِلْعِيَالِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِهِ بِهِمْ] (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ بَيَانُ رَحْمَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْعِيَالٍ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِهِ بِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُبَادَرَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَخْذِهِمَا لِإِعْيَائِهِمَا بِالْمَشْيِ وَحُصُولِ الْمَشَقَّةِ لَهُمَا بِالْعِثَارِ فَرَفَعَ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ عَنْهُمَا بِحَمْلِهِمَا [فَائِدَة تَقْدِيمِ الْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ عَلَى الْأَمْرِ الرَّاجِحِ] 1 (التَّاسِعَةُ) إنْ قُلْتَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَطْعَ الْخُطْبَةِ وَالنُّزُولَ لَأَخْذِهِمَا فِتْنَةٌ دَعَا إلَيْهَا مَحَبَّةُ الْأَوْلَادِ وَكَانَ الْأَرْجَحُ تَرْكُهُ وَالِاسْتِمْرَارُ فِي الْخُطْبَةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ عَنْ الْعِبَادَةِ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ وَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَكْمَلُ قُلْتُ قَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَ مِثْلِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فَكَانَ رَاجِحًا فِي حَقِّهِ لِتَضَمُّنِهِ بَيَانَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْبَيَانِ وَكَوْنِهِ نَشَأَ عَنْ إيثَارِ مَصْلَحَةِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّ الْعِبَادَةِ وَنَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى حَالِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ لَا عَلَى حَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى مَصْلَحَةِ الْخُطْبَةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ مَرْجُوحَةٍ فَذَلِكَ الْفِعْلُ فِي حَقِّهِ رَاجِحٌ عَلَى التَّرْكِ لِكَوْنِهِ بَيَّنَ بِهِ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ عَلَى الْأَمْرِ الرَّاجِحِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرٍ] 1 (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ فَعَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ [حَدِيث فِي سَاعَة الْإِجَابَة يَوْم الْجُمُعَةَ] (الْحَدِيثُ الثَّامِنُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ إيَّاهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ قَالَ: «يُصَلِّي» وَلِمُسْلِمٍ «يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ» قَالَ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ..   Qيُقَلِّلُهَا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ يَسْأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ إيَّاهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَامَّةَ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ قَالُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» إلَّا قُتَيْبَةَ وَأَبَا مُصْعَبٍ فَلَمْ يَقُولَا وَهُوَ قَائِمٌ قَالَ وَلَا قَالَهُ ابْنُ أُوَيْسٍ وَلَا مُطَرِّفٌ وَلَا التِّنِّيسِيُّ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ هَذَا قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وَرْقَاءُ فِي نُسْخَتِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَالشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» يُزَهِّدُهَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا فَفِي قَوْلِهِ قُلْنَا زِيَادَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ هَذِهِ الْإِشَارَةِ التَّقْلِيلَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَالَ بِيَدِهِ وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ قَالَ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ» . وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِلَفْظِ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَذَكَرْت لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ تِلْكَ السَّاعَةَ فَقُلْت أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضِنَّ بِهَا عَلَيَّ قَالَ هِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ قُلْت وَكَيْفَ تَكُونُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» ؟ قُلْت بَلَى قَالَ فَهُوَ ذَاكَ " لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِينَاءَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ» الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ «وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ» . (الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهَا قَدْ رُفِعَتْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ زَعَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَدْعُو فِيهَا مُسْلِمٌ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ قَدْ رُفِعَتْ فَقَالَ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ فَهِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ اسْتَقْبَلَهَا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى هَذَا تَوَاتَرَتْ الْآثَارُ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَدَّ السَّلَفُ هَذَا عَلَى قَائِلِهِ. (الثَّانِي) أَنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن سَلَامٍ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ قَالَ «قُلْت: وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ: إنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَأَشَارَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ فَقُلْت صَدَقْت أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ، قُلْت أَيُّ سَاعَةٍ؟ قَالَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ، قُلْت إنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ قَالَ بَلَى إنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَمْ يَحْبِسْهُ إلَّا الصَّلَاةُ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» وَهَذَا ظَاهِرُهُ الرَّفْعُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ الْقَائِلَ أَيُّ سَاعَةٍ هُوَ أَبُو سَلَمَةَ وَالْمُجِيبُ لَهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ نَعَمْ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ. قُلْت إنَّمَا قَالَ وَهُوَ يُصَلِّي وَلَيْسَتْ تِلْكَ سَاعَةَ صَلَاةٍ قَالَ أَمَا سَمِعْت أَوْ أَمَا بَلَغَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْجُلَاحِ مَوْلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ يُرِيدُ سَاعَةً لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ احْتَجَّ بِالْجُلَاحِ أَبِي كَثِيرٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ كَلَامِ أَبِي سَلَمَةَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رَوَى عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ يُضَعَّفُ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَيُقَالُ لَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَفَاطِمَةَ صَحَّ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَطَاوُسٍ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَكْثَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى قَالَ الْمُهَلَّبُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ إنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ» . فَهُوَ وَقْتُ الْعُرُوجِ وَعَرْضُ الْأَعْمَالِ عَلَى اللَّهِ فَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَغْفِرَتَهُ لِلْمُصَلِّينَ مِنْ عِبَادِهِ وَلِذَلِكَ شَدَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَتِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ تَعْظِيمًا لِلسَّاعَةِ وَفِيهَا يَكُونُ اللِّعَانُ وَالْقَسَامَةُ وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] أَنَّهَا الْعَصْرُ انْتَهَى وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا إجَابَةُ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَثْبَتُ شَيْءٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرِهَا أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ مَعَ الصَّلَاةِ الْمُتَوَسِّطَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ دُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ فَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ ظَنَّهَا «أَنَّهَا قَالَتْ قُلْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ إذَا تَدَلَّى نِصْفُ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ» فَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَقُولُ لِغُلَامٍ لَهَا اصْعَدْ عَلَى الظِّرَابِ فَإِذَا رَأَيْت الشَّمْسَ قَدْ تَدَلَّى نِصْفُ عَيْنِهَا فَأَخْبِرْنِي حَتَّى أَدْعُوَ وَقَدْ غَايَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ يَجْعَلُهَا مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَهَذَا يُضَيِّقُ الْأَمْرَ فِيهَا وَيَجْعَلُهَا قُبَيْلَ الْغُرُوبِ وَلَسْت أُرِيدُ أَنَّ صَاحِبَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجْعَلُهَا مُسْتَغْرِقَةً مِنْ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَكِنَّهَا سَاعَةٌ لَطِيفَةٌ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ يُعَيِّنُ لَهَا الْجُزْءَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا الْكَلَامِ هِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي آخِرِ سَاعَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهَا جَعَلَتْ ابْتِدَاءَهَا تَدَلِّي نِصْفِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّاعَةَ الْمَذْكُورَةَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا يَنْقَسِمُ النَّهَارُ عَلَيْهَا وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةَ الْأَخِيرَةَ بِكَمَالِهَا بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَحْظَةٌ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ السَّاعَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّحْظَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَحْكِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ فَإِنَّ فِيهِ تَعْيِينُ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْهَا فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَيَكُونُ هَذَا (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّهَا مِنْ حِينِ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَغْرُبَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ. (الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَحْرُمَ الْبَيْعُ إلَى أَنْ يَحِلَّ وَحَكَاهُ وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي أُمَامَةَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا إنَّهُ الصَّوَابُ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْر عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْت أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ نَعَمْ سَمِعْته يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ» قَالَ مُسْلِمٌ هَذَا أَجْوَدُ حَدِيثٍ وَأَصَحُّهُ فِي بَيَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ عِلَّتَانِ: (إحْدَاهُمَا) أَنَّ مَخْرَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ قَالَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي شَيْئًا. (الثَّانِيَةُ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ بَلَغَ بِهِ أَبَا مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بُرْدَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَتَابَعَهُ وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ وَمُجَالِدٌ رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفٌ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الَّذِي اسْتَدْرَكَهُ بَنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ وَلِأَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَقْفٌ وَرَفْعٌ أَوْ إرْسَالٌ وَاتِّصَالٌ حَكَمُوا بِالْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ ضَعِيفَةٌ مَمْنُوعَةٌ. قَالَ وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالرَّفْعِ وَالِاتِّصَالِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ أَصَحُّ وَبِهِ أَقُولُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلَاةٌ فَيَنْتَظِمُ بِهِ الْحَدِيثُ لَفْظًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَعْنًى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِ. (الْقَوْلُ السَّابِعُ) أَنَّهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ حَصِيرَةَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنَّهُ أَوْسَعُ مِنْهُ لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ. (الْقَوْلُ الثَّامِنُ) أَنَّهَا مِنْ حِينِ يَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ أَضْيَقُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْخُطْبَةِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِمَا يَقَعُ بَعْدَ الْجُلُوسِ مِنْ الْأَذَانِ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ مِنْ حِينِ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَالْمَحْفُوظُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ. (الْقَوْلُ التَّاسِعُ) أَنَّهَا مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْت عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ فَقُلْت هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لَهَا أَوْ فِيهَا الصَّلَاةُ فَمَسَحَ رَأْسِي وَبَرَّكَ عَلَيَّ وَأَعْجَبَهُ مَا قُلْت وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ حَصِيرَةَ. وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى انْصِرَافِهِ مِنْهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِهِ فِيمَا عَلِمْت إلَّا كَثِيرٌ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ انْتَهَى. وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ «قُلْت أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ ذَلِكَ حِينَ يَقُومُ الْإِمَامُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَضَعَّفَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ قِيَامُ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ فَيَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْقَوْلِ الثَّامِنِ. (الْقَوْلُ الْعَاشِرُ) أَنَّهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّادِسَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بَعْدَ الزَّوَالِ الزَّوَالَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ تَتِمَّةَ كَلَامِهِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ. (الْقَوْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهَا وَقْتُ الْأَذَانِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي بِالصَّلَاةِ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ. (الْقَوْلُ الثَّانِي عَشَرَ) أَنَّهَا عِنْدَ الْأَذَانِ أَوْ الْخُطْبَةِ أَوْ الْإِقَامَةِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ إحْدَى هَذِهِ السَّاعَاتِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنْ قُلْت هَذَا هُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ وَقَدْ نَقَلْتُمْ هُنَاكَ عَنْ وَالِدِكُمْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالسَّادِسِ لَا يَقُولُ بِاسْتِيعَابِهَا لِلزَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَهِيَ سَاعَةٌ لَطِيفَةٌ فِي أَثْنَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَهِيَ إمَّا فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ الْأَذَانُ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَهُوَ الْخُطْبَةُ أَوْ فِي آخِرِهِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ قُلْت بَلْ هُوَ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ حَالَةَ الصَّلَاةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا عَكْسُ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهَا مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَبِي السُّوَارِ الْعَدَوِيِّ قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابًا مَا بَيْنَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ. (الْقَوْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ) أَنَّهَا عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى أَيْضًا. (الْقَوْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ) أَنَّهَا مِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. (الْقَوْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ) أَنَّهَا مَعَ زَيْغِ الشَّمْسِ بِشِبْرٍ إلَى ذِرَاعٍ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَمَّا سَأَلَتْهُ وَقَالَ لَهَا فَإِنْ سَأَلْتنِي بَعْدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ بَلْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْعَشَرَةُ مِنْ السَّادِسِ إلَى هُنَا مُتَقَارِبَةٌ وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ بِهَا عَنْ شَيْءِ وَاحِدٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَالَةَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ أَوْ الْخُطْبَةِ خَاصَّةً أَوْ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَهِيَ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَتَأَخُّرِهِ لَكِنْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهَا هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقْتَضِي ذَلِكَ انْضِبَاطَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقْتِهَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْطُبُ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يُؤَذَّنُ إلَّا وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَمْ تَكُنْ خُطْبَتُهُ طَوِيلَةً. (الْقَوْلُ السَّادِسَ عَشَرَ) أَنَّهَا عِنْدَ أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَعَلَّ الَّذِي جَعَلْنَاهُ الْقَوْلَ الْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ هَذَا إلَّا أَنَّهَا أَطْلَقَتْ النِّدَاءَ مَرَّةً وَقَيَّدَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِالْأَذَانِ لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ فَحُمِلَ مُطْلَقُ كَلَامِهَا عَلَى مُقَيَّدِهِ لَكِنَّا فَهِمْنَا مِنْ كَلَامِهَا ذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ الصَّلَاةَ الْمَعْهُودَةَ وَهِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَلِذَلِكَ عَدَدْنَاهُ قَوْلًا آخَرَ وَقَدْ فَهِمَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَحَكَى عَنْهَا أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَعَلَّهُ وَقَفَ عَنْهَا عَلَى تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ. (الْقَوْلُ السَّابِعَ عَشَرَ) أَنَّهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى الْغُرُوبِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَلِذَلِكَ أَتَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي نَقْلِي هَذَا عَنْهُ بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ. (الْقَوْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ) أَنَّهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. (الْقَوْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ) أَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ النَّهَارِ حَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي. (الْقَوْلُ الْعِشْرُونَ) أَنَّهَا مُخْتَفِيَةٌ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ لَا يُعْلَمُ وَقْتُهَا مِنْهُ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (الْقَوْلُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ) أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ سَاعَةً بِعَيْنِهَا بَلْ تَنْتَقِلُ فِي سَاعَاتِ الْيَوْمِ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فَقَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ وَقَدْ اجْتَمَعَ لَنَا فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى سَبْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا قَدَّمْنَاهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَكَذَا كَانَ اجْتَمَعَ لَنَا فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ هَذَا الْعَدَدُ الْمَخْصُوصُ ثُمَّ عَثَرْنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أُخْرَى فَبَلَغَتْ الْأَقْوَالُ وَاحِدًا وَعِشْرِينَ قَوْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَدْ عَرَفْت فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتِدْلَالَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى أَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ لَيْسَتْ بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ وَجَوَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ يُصَلِّي انْتِظَارُ الصَّلَاةِ وَسُكُوتُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ذَلِكَ يَقْتَضِي قَبُولَ هَذَا الْجَوَابِ مِنْهُ لَكِنْ أَشْكَلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» فَقَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الصَّلَاةُ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ حَمَلَ الْقِيَامَ عَلَى الْمُلَازَمَةِ وَالْمُوَاظَبَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] أَيْ مُلَازِمًا مُوَاظِبًا مُقِيمًا وَاعْلَمْ أَنَّ حَمْلَ الصَّلَاةِ عَلَى انْتِظَارِهَا حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى مَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ لَكِنَّهُ لَيْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَدْلُولَ الْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ وَيَحْتَمِلُ حَمْلَ الصَّلَاةِ عَلَى مَدْلُولِهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الدُّعَاءُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَالَةَ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ بِالصَّلَاةِ مَدْلُولُهَا الشَّرْعِيُّ الْحَقِيقِيُّ وَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَوْلَهُ قَائِمٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَحَالَةُ الْجُلُوسِ وَالسُّجُودِ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا أَلْيَقُ بِالدُّعَاءِ مِنْ حَالَةِ الْقِيَامِ وَإِذَا حَمَلْنَا الصَّلَاةَ عَلَى الدُّعَاءِ فَالْمُرَادُ الْإِقَامَةُ عَلَى انْتِظَارِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَطَلَبِ فَضْلِهَا وَالدُّعَاءِ فِيهَا. [فَائِدَة الْحِكْمَةُ فِي إخْفَاءِ سَاعَةِ الْإِجَابَة يَوْمِ الْجُمُعَةَ] 1 (الرَّابِعَةُ) الْحِكْمَةُ فِي إخْفَاءِ هَذِهِ السَّاعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَنْ يَجْتَهِدَ النَّاسُ فِيهِ وَيَسْتَوْعِبُوهُ بِالدُّعَاءِ وَلَوْ عُرِفَتْ لَخَصُّوهَا بِالدُّعَاءِ وَأَهْمَلُوا مَا سِوَاهَا وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى أَخْفَى اسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى لِيُسْأَلَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَأَخْفَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ لِيَجْتَهِدَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وَأَخْفَى أَوْلِيَاءَهُ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى لَا يَخُصُّ بِالْإِكْرَامِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا مَا وَرَدَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ أَنَّهُ أُعْلِمَ بِهَا ثُمَّ أُنْسِيَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا فَقَالَ إنِّي كُنْت أُعْلِمْتهَا ثُمَّ أُنْسِيتهَا كَمَا أُنْسِيت لَيْلَةَ الْقَدْرِ» وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَكُونُ خَيْرًا لِلْأَمَةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي سَائِرِ الْيَوْمِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ حِينَ أُنْسِيتهَا وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِنَّ مَنْ كَانَ مَطْلَبُهُ خَطِيرًا عَظِيمًا كَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَرِضَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ لَجَدِيرٌ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ عُمْرِهِ بِالطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ فَكَيْفَ لَا يَسْهُلُ عَلَى طَالِبِ مِثْلِ ذَلِكَ سُؤَالُ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنْ طَلَبَ حَاجَةٍ فِي يَوْمٍ يَسِيرٌ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِاسْتِيعَابِ الْيَوْمِ بِالدُّعَاءِ وَأَرَادَ حُصُولَ ذَلِكَ فَطَرِيقُهُ كَمَا قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَوْ قَسَّمَ الْإِنْسَانُ جُمُعَةً فِي جُمَعٍ أَتَى عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُسْتَقِرَّةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمِ لَا تَنْتَقِلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاَللَّه أَعْلَمُ [فَائِدَة مَاذَا يَسْأَل فِي سَاعَة الْإِجَابَة يَوْم الْجُمُعَةَ] 1 (الْخَامِسَةُ) أُطْلِقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَسْئُولُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا وَهِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الْأُولَى إنَّ فُسِّرَ الْخَيْرُ بِخَيْرِ الْآخِرَةِ وَإِنْ فُسِّرَ بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ خَيْرَ الدُّنْيَا فَيُحْتَمَلُ مُسَاوَاتُهَا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا أَخَصُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِشَيْءٍ لَيْسَ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ بِهِ سُوءُ الْخُلُقِ وَالْحَرَجُ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَقَدْ وَرَدَ التَّقْيِيدُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَخْبِرْنَا عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَاذَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ؟ قَالَ فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا إلَّا أَتَاهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَمًا أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَعَطَفَ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ عَلَى الْمَأْثَمِ وَإِنْ دَخَلَ فِي عُمُومِهِ لِعِظَمِ ارْتِكَابِهِ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ «مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «عُرِضَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو عَبْدٌ رَبَّهُ بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قُسِمَ إلَّا أَعْطَاهُ أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ» . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَّا فِيمَا قُسِمَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لَا يُلْهَمُ الدُّعَاءَ إلَّا فِيمَا قُسِمَ لَهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أُطْلِقَ فِيهِ أَنَّهُ يُعْطَى مَا سَأَلَهُ وَلَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُسِمَ لَهُ دَخَرَ لَهُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ دَفَعَ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ إنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ دَفْعَ مَا تَعَوَّذَ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ (أَوْ) وَأَنَّهُ كَانَ إلَّا دَفَعَ عَنْهُ أَوْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَإِنَّ نُسَخَ الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ يَقَعُ فِيهَا الْغَلَطُ كَثِيرًا لِعَدَمِ تَدَاوُلِهَا بِالسَّمَاعِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ «إنَّ الدَّاعِيَ لَا يُخْطِئُهُ إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ أَوْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ أَوْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنْ سُوءٍ مِثْلُهَا» وَلَكِنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِلدُّعَاءِ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ وَقَدْ يُقَالُ ذُكِرَ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلُهَا وَذُكِرَ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ دَفْعُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَهَذِهِ هِيَ الْمَزِيَّة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ] (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ هَذِهِ الْإِشَارَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أُنْمُلَةُ الْإِبْهَامِ وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ وَضَعَهَا عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ وَبَيْنَ هَذَيْنِ الْأُصْبُعَيْنِ أُصْبُعٌ أُخْرَى وَهِيَ الْبِنْصِرُ وَلَعَلَّهُ عَرَضَ الْإِبْهَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَصَابِعِ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْبِنْصِرِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْإِبْهَامَ عَرْضًا عَلَى الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا عَلَى الْبِنْصِرِ أَيْضًا فَسَكَتَ عَنْهُ لِفَهْمِهِ مِمَّا ذُكِرَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِبْهَامُ مَوْضُوعًا عَلَى اسْتِقَامَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا عَلَى الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) فِيهِ الْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ إذَا فُهِمَ الْمُرَادُ بِهَا وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأُمُورِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى أَصْحَابُنَا بِالْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعُقُودِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَخْرَسِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَمَّا النَّاطِقُ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِإِشَارَتِهِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا اكْتَفَوْا بِهَا فِي الْأُمُورِ الْخَفِيفَةِ. (الثَّامِنَةُ) قَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ لَفْظًا بِقَوْلِهِ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ابْتَغُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَهِيَ قَدْرُ هَذَا يَعْنِي قَبْضَةً» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ «أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ زَمَانِهَا وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَغْرِقَةً لِمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَآخِرِ الصَّلَاةِ وَلَا لِمَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ بَلْ الْمُرَادُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ أَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ وَأَنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ قُلْت لَكِنْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ يُرِيدُ سَاعَةً لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَتَاهُ اللَّهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْقَسِمُ النَّهَارُ مِنْهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا لِكَوْنِهِ صَدَّرَ الْحَدِيثَ بِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ «فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ» أَيْ مِنْ السَّاعَاتِ الِاثْنَيْ عَشَرَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 بَابُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ ثُمَّ نَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» .   Qالْمَذْكُورَةُ أَوَّلَ الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِمَاسِهَا آخِرَ سَاعَةٍ أَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ آخِرَ سَاعَةٍ بَلْ هِيَ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ فِي آخِرِ سَاعَةٍ فَتُلْتَمَسُ تِلْكَ اللَّحْظَةُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهَا وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (التَّاسِعَةُ) فِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنْهُ فِيهِ رَجَاءَ مُصَادَفَةِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَهُمَا مِنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ. 1 - (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ فَضْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ تَفْضِيلُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ] [أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجُ حَرِيرٍ] (بَابُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ) (الْحَدِيثُ) الْأَوَّلُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ ثُمَّ نَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَتِهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ «ثُمَّ صَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ» . (الثَّانِيَةُ) الْفَرُّوجُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَآخِرُهُ جِيمٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَحُكِيَ ضَمُّ الْفَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ تَخْفِيفَ الرَّاءِ وَتَشْدِيدَهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالتَّخْفِيفُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ قَالُوا وَهُوَ قَبَاءٌ مَشْقُوقٌ مِنْ خَلْفِهِ وَاعْتَبَرَ فِيهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ كَوْنَهُ ضَيِّقَ الْكُمَّيْنِ ضَيِّقَ الْوَسَطِ وَأَغْرِبْ بِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَعْرُوفَ ضَمُّ الْفَاءِ، وَجَعَلَ الْفَتْحَ غَرِيبًا، وَالْمَعْرُوفُ عَكْسُ مَا قَالَ أَمَّا الصَّغِيرُ مِنْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الدَّجَاجِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَضَبَطَهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ بِالْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ فِيهِ رَوَاهُ اللِّيحَانِيُّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ فَرُّوجُ حَرِيرٍ بِالْإِضَافَةِ، وَنَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ غَيْرِ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ فَرُّوجٌ حَرِيرٌ أَيْ بِرَفْعِهِمَا عَلَى تَرْكِ الْإِضَافَةِ، وَأَنَّ الثَّانِيَ تَابِعٌ لِلْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ قَبُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْهَدِيَّةِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ عَادَتِهِ أَمَّا الْعُمَّالُ بَعْدَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَبُولُ الْهَدَايَا إلَّا مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ. [فَائِدَة لُبْسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَذَا الْفَرُّوجِ] 1 (الرَّابِعَةُ) لُبْسُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَا الْفَرُّوجِ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ وَاضِحٌ لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ، وَنَزْعُهُ لَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِوُرُودِ تَحْرِيمِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «لَبِسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْته يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ» الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَعَلَّ أَوَّلَ النَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ كَانَ حِينَ نَزَعَهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ» فَيَكُونُ هَذَا أَوَّلَ التَّحْرِيمِ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ انْتَهَى. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ الْمُفَرَّجَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكْرَهْهُ لِهَذِهِ الْهَيْئَةِ بَلْ لِكَوْنِهِ حَرِيرًا طَرَأَ تَحْرِيمُهُ، وَعَلَى الثَّانِي فَفِيهِ كَرَاهَةُ لُبْسِهَا لِأَنَّهُ كَرِهَهُ حِينَئِذٍ لِهَيْئَتِهِ الْخَاصَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مِنْ صَلَّى فِي فُرُوج حَرِير] 1 (الْخَامِسَةُ) بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ صَلَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ صَلَّى بِثَوْبِ حَرِيرٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يُجْزِئُهُ، وَنَكْرَهُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ جُلُّ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَاسْتَخَفَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِبَاسَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ وَالصَّلَاةِ بِهِ لِلتَّرْهِيبِ عَلَى الْعَدُوِّ وَالْمُبَاهَاةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ صَلَّى بِثَوْبِ حَرِيرٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَعَادَ الصَّلَاةَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَمَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ فِيهِ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ أَخَذَ بِعُمُومِ تَحْرِيمِ لِبَاسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ قَالَ هَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ قَبِيحٌ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ فِي حَالَةِ كَوْنِ لُبْسِهِ حَرَامًا لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا إذَا صَلَّى فِيمَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ مُخْتَصًّا بِحَالَةِ الصَّلَاةِ كَالْحَرِيرِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَنَحْوِهِمَا، وَالْجُمْهُورُ صَحَّحُوا الصَّلَاةَ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِإِبْطَالِهَا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ خَاصٍّ بِالْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ حِينَ كَانَ لُبْسُهُ مُبَاحًا فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ بِلَا شَكٍّ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهَا إعَادَةٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَيْسَتْ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهَا لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ فِي كَلَامِهِ خَلَلٌ آخَرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ، وَمَنْ أَجَازَ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَلَا أَحَدَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ يُجِيزُ الصَّلَاةَ فِيهِ الْآنَ مُطْلَقًا، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ يُصَحِّحُهَا لَوْ وَقَعَتْ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ، وَمَنْ صَحَّحَ الصَّلَاةَ فِيهِ أَوْ مَنْ لَمْ يُوجِبْ إعَادَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَصْلِهِ فَاسِدٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَزَعَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ حُرِّمَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْإِعَادَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ دَالٌّ عَلَى جَوَازِهِ، وَنَزْعُهُ مُحْتَمِلٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَلِغَيْرِ التَّحْرِيمِ فَإِنْ قُلْت قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَبْوِيبِهِ النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ يَقْتَضِي وُرُودَ نَهْيٍ خَاصٍّ عَنْ لُبْسِهِ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَرَّرْتُمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ حَالَةَ الصَّلَاةِ قُلْت لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ بَلْ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَرَدَ النَّهْيُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحَالَةٍ، وَقُلْنَا إنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الْأَحْوَالِ فَلَنَا أَنْ نَسْتَدِلَّ بِالنَّهْيِ فِي كُلِّ حَالَةٍ لِتَنَاوُلِهِ لَهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ التَّبْوِيبُ مُلَائِمًا لِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أُهْمِلَ هَذَا الْقَيْدُ لَكَانَ تَبْوِيبًا أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّلَاةِ، وَكَانَ حَقُّهُ حِينَئِذٍ إيرَادَهُ فِي اللِّبَاسِ فَإِنْ قُلْت أَيُّ نَهْيٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت مَجْمُوعُ مَا وَقَعَ مِنْ النَّزْعِ الْعَنِيفِ، وَإِظْهَارِ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ فِي مَعْنَى النَّهْيِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَأُقِيمَ مَقَامَ النَّهْيِ فِي إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا أَيْ بِشِدَّةٍ وَقُوَّةٍ وَمُبَادَرَةٍ لِذَلِكَ لَا بِرِفْقٍ وَتَأَنٍّ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْأُمُورِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ طَرَأَ تَحْرِيمُهُ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَالْكَارِهِ لَهُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ خَافُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاتَّقَوْهُ بِإِيمَانِهِمْ، وَطَاعَتِهِمْ لَهُ كَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا مِنْ خِطَابِ التَّهْيِيجِ لِأَنَّ فِيهِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ لَا يَلْبَسُهُ، وَيَسْتَخِفُّ بِأَمْرِهِ إلَّا غَيْرُ الْمُتَّقِينَ فَيَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ لُبْسِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُتَّقٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَفِيهِ تَهْيِيجُ الْمُكَلَّفِ عَلَى امْتِثَالِ ذَلِكَ، وَالْأَخْذِ بِهِ، وَحَمْلُ التَّقْوَى عَلَى تَقْوَى الْكُفْرِ خَاصَّةً بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مُطْلَقِ التَّقْوَى بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي ذَكَرْته، وَهَذَا دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَدْخُلْنَ فِي هَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لَهُنَّ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْأُصُولِ فَلَا يُقَالُ فِي حَقِّهِنَّ إلَّا الْمُتَّقِيَاتُ، وَدُخُولُهُنَّ بِتَغْلِيبِ لَفْظِ الرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ مَجَازٌ صَدَّ عَنْهُ وُرُودُ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ، وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَحُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ لَكِنْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ إبَاحَتَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ تَحْرِيمُهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ، وَتَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ. [لَبِسَ الْحَرِير لِلنِّسَاءِ] 1 (السَّابِعَةُ) قَدْ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ لِلْمُتَّقِينَ الصِّبْيَانُ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ تَكْلِيفٍ، وَغَيْرَ مَأْمُورِينَ بِالتَّقْوَى، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ إلْبَاسُهُمْ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَفِي جَوَازِ إلْبَاسِهِمْ ذَلِكَ فِي بَاقِي السَّنَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيِّ جَوَازُهُ وَ. (الثَّانِي) تَحْرِيمُهُ وَ (الثَّالِثُ) جَوَازُهُ قَبْلَ سِنِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّمْيِيزِ، وَهُوَ سَبْعُ سِنِينَ، وَتَحْرِيمُهُ بَعْدَهَا، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا. [فَائِدَة الِافْتِرَاش بِالْحَرِيرِ] 1 (الثَّامِنَةُ) الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا هَلْ هِيَ إلَى اللُّبْسِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ أَوْ إلَى الْحَرِيرِ، فَنُقَدِّرُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ اللُّبْسِ، وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ لِأَنَّ الذَّوَاتَ لَا تُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ، وَلَا تَحْلِيلٍ؟ مُحْتَمَلٌ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَدِيثَ هَلْ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الِافْتِرَاشِ أَمْ لَا؟ إنْ قُلْنَا بِالثَّانِي دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الِافْتِرَاشَ لَيْسَ لُبْسًا، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لُبْسٌ لِلْمَقَاعِدِ، وَنَحْوِهَا، وَلُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَقَدْ قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، وَإِنَّمَا يُلْبَسُ الْحَصِيرُ بِالِافْتِرَاشِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ الِافْتِرَاشِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ فَجَوَّزَهُ، وَقَالَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ قَطَعَ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ «نَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا صَحَّحَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُنَّ لُبْسُهُ قَطْعًا، لَكِنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُهُ لَهُنَّ أَيْضًا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْمُتَوَلَّى، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. [فَائِدَة لَبِسَ مَا بَعْضه حَرِير وَبَعْضه صُوف] (التَّاسِعَةُ) التَّحْرِيمُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّوْبِ الَّذِي كُلُّهُ حَرِيرٌ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَرِيرًا، وَبَعْضُهُ كَتَّانَا أَوْ صُوفًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ وَزْنًا حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ وَزْنًا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوَيَا لَا تَحْرِيمَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَفَّالُ الْوَزْنَ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الظُّهُورَ فَقَالَ إنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ حَرُمَ، وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ، وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ، وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ. [فَائِدَة يُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ مَوَاضِعُ مَعْرُوفَةٌ (مِنْهَا) مَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَمِنْهَا مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَجَرَبٍ، وَقُمَّلٍ، وَمِنْهَا مَا إذَا فَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ مِنْهُ مَا هُوَ وِقَايَةٌ لِلْقِتَالِ كَالدِّيبَاجِ الصَّفِيقِ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي الْحَرْبِ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْهَيْئَةِ، وَزِينَةِ الْإِسْلَامِ كَتَحْلِيَةِ السَّيْفِ، وَالصَّحِيحُ تَخْصِيصُهُ بِحَالَةِ الضَّرُورَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ دَلِيلٌ يَخُصُّهُ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا، وَقُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا. فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «حُلَّةٌ مِنْ إسْتَبْرَقٍ» ..   Q [حَدِيث رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حُلَّة سِيَرَاء عِنْد بَاب الْمَسْجِد] الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ» يَعْنِي تُبَاعُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ خَمْسَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ، وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ «إنَّمَا بَعَثْت إلَيْك لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا» وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ «رَأَى عُمَرُ عُطَارِدَ التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ، وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ، وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، وَفِيهَا إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَفِيهَا أَيْضًا فَبَعَثَ إلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ، وَبَعَثَ إلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ، وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً، وَقَالَ شَقَقْتهَا خُمُرًا بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنِسَائِك فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحْمِلُهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَ إلَيَّ بِهَذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ بِالْأَمْسِ فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ مَا قُلْت؟ قَالَ إنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إلَيْك لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنِّي بَعَثْت بِهَا إلَيْك لِتُصِيبَ بِهَا وَأَمَّا أُسَامَةُ فَرَاحَ فِي حُلَّتِهِ فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَظَرًا عَرَفَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَنْكَرَ مَا صَنَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَنْظُرُ إلَيَّ فَأَنْتَ بَعَثْتَ إلَيَّ بِهَا فَقَالَ إنِّي لَمْ أَبْعَثْ لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنِّي بَعَثْت بِهَا تَشَقُّقُهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِك» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «قَالَ وَجَدَ عُمَرَ حُلَّةَ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ» الْحَدِيثُ وَفِيهِ «فَتَحِلُّ بِهَا لِلْعِيدِ، وَلِلْوَفْدِ، وَفِيهِ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، وَفِيهِ تَبِيعُهَا، وَتُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِك» وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِمَعْنَاهُ أَخْصَرَ مِنْهُ، وَفِيهِ «إنَّمَا بَعَثْت بِهَا إلَيْك لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا» زَادَ الْبُخَارِيُّ يَعْنِي تَبِيعُهَا، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا الْإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ مَا غَلُظَ مِنْ الدِّيبَاجِ، وَخَشُنَ مِنْهُ، قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ إنَّمَا بَعَثْت بِهَا إلَيْك لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ كَمَا اتَّفَقَ لَهُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَالِ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْبُيُوعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْجِهَادِ، وَاللِّبَاسِ، وَالْأَدَبِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ. (الثَّانِيَةُ) الْحُلَّةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ اسْمٌ لِثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا إزَارٌ، وَالْآخَرُ رِدَاءٌ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ ثَوْبَانِ غَيْرُ لَفِيقَيْنِ رِدَاءٌ وَإِزَارٌ سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحَلُّ عَلَى الْآخَرِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ الْحُلَّةُ وَاحِدَةُ الْحُلَلِ، وَهِيَ بُرُودُ الْيَمَنِ، وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ انْتَهَى فَقَيَّدَهَا بِقَيْدَيْنِ أَنْ تَكُونَ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ، وَأَنْ يَكُونَ الثَّوْبَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَيُطْلَقُ اسْمُ الْحُلَّةِ عَلَى الثَّوْبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ بُرْدًا وَغَيْرَهُ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحُلَلُ بُرُودُ الْيَمَنِ، وَالْحُلَّةُ إزَارٌ وَرِدَاءٌ اهـ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرِكٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَيْنَ بُرُودِ الْيَمَنِ وَبَيْنَ إزَارٍ وَرِدَاءٍ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَا، وَحَكَى الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِي السُّنَنِ قَوْلًا أَنَّ أَصْلَ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّوْبَانِ جَدِيدَيْنِ كَمَا حَلَّ طَيُّهُمَا فَقِيلَ لَهُمَا حُلَّةً لِهَذَا ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِمَا الِاسْمُ. (الثَّالِثَةُ) السِّيَرَاءُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ مَمْدُودٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ بُرْدٌ فِيهِ خُطُوطٌ صُفْرٌ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ ضَرْبٌ مِنْ الْبُرُودِ، وَقِيلَ ثَوْبٌ مُسَيَّرٌ فِيهِ خُطُوطٌ تُعْمَلُ مِنْ الْقَزِّ وَقِيلَ ثِيَابٌ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ انْتَهَى. وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فَهُوَ بُرْدٌ فِيهِ خُطُوطٌ يُعْمَلُ بِالْيَمَنِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ، وَالسِّيَرَاءُ الذَّهَبُ، وَالسِّيَرَاءُ ضَرْبٌ مِنْ النَّبْتِ، وَهِيَ أَيْضًا الْقِرْفَةُ اللَّازِقَةُ بِالنَّوَاةِ، وَالسِّيَرَاءُ الْجَرِيدَةُ مِنْ جَرَائِدِ النَّخْلِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ السِّيَرَاءُ الْحَرِيرُ الصَّافِي، وَقَالَ مَالِكٌ الْوَشْيُ مِنْ الْحَرِيرِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ السِّيَرَاءُ أَيْضًا الذَّهَبُ، وَقِيلَ هُوَ نَبْتٌ ذُو أَلْوَانٍ وَتَخْطِيطٍ شُبِّهَتْ بِهِ بَعْضُ الثِّيَابِ قَالَ الطُّوسِيُّ. وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ ثَوْبٌ مُضَلَّعٌ بِالْحَرِيرِ، وَقِيلَ هُوَ مُخْتَلِفُ الْأَلْوَانِ، وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد السِّيَرَاءُ الْمُضَلَّعُ بِالْقَزِّ، وَقِيلَ هُوَ ثَوْبٌ ذُو أَلْوَانٍ وَخُطُوطٍ مُمْتَدَّةٍ كَأَنَّهَا السُّيُورُ يُخَالِطُهَا حَرِيرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى حُلَّةُ سُنْدُسٍ، وَهُوَ الْحَرِيرُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ نَوْعٌ مِنْ الْبُرُودِ يُخَالِطُهُ حَرِيرٌ كَالسُّيُورِ فَهُوَ فَعَلَاءُ مِنْ السَّيْرِ الْقَدِّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إنَّهَا كَانَتْ حُلَّةً مِنْ حَرِيرٍ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ هِيَ الَّتِي يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ السِّيَرَاءُ هِيَ الَّتِي يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ ضَرْبٌ مِنْ الْوَشْيِ وَالْبُرُودِ انْتَهَى. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ حُلَّةٌ سِيَرَاءُ بِتَنْوِينِ حُلَّةٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " سِيَرَاءُ " تَابِعٌ لَهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ نَعْتٌ كَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ، وَالنَّوَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ الرِّوَايَةُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالُوا حُلَّةٌ سِيَرَاءُ كَمَا قَالُوا نَاقَةٌ عُشَرَاءُ انْتَهَى وَآخَرُونَ يَتْرُكُونَ التَّنْوِينَ فِي ذَلِكَ وَيَجْعَلُونَ حُلَّةً مُضَافًا إلَى سِيَرَاءَ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ سِرَاجٍ، وَمُتْقِنِي الْحَدِيثِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَمُتْقِنِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلَهُ تَوْجِيهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى صِفَتِهِ كَقَوْلِهِمْ ثَوْبُ خَزٍّ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَالثَّانِي أَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ لَمْ يَأْتِ فِعَلَاءُ صِفَةً لَكِنْ اسْمًا، وَهُوَ الْحَرِيرُ الصَّافِي فَمَعْنَاهُ حُلَّةُ حَرِيرٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَغَيْرُهُ، وَحُكِيَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعَلَاءُ بِالْكَسْرِ مَمْدُودُ الْآخِرِ إلَّا حَوْلَاءُ أَيْ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ، وَعِنَبَاءُ أَيْ لُغَةٌ فِي الْعِنَبِ، وَسِيَرَاءُ. (الْخَامِسَةُ) إنْ فَسَّرْنَا السِّيَرَاءَ بِأَنَّهَا الْحَرِيرُ الْمَحْضُ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ حُلَّةٌ مِنْ حَرِيرٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «حُلَّةٌ مِنْ إسْتَبْرَقٍ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ، وَفِي أُخْرَى حُلَّةُ سُنْدُسٍ قَالَ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحُلَّةَ كَانَتْ حَرِيرًا مَحْضًا فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ، وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءٍ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلَكِنِّي بَعَثْت بِهَا تُشَقِّقُهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِك، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْيَوْمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (السَّادِسَةُ) وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا الثَّوْبُ الَّذِي يُخَالِطُهُ حَرِيرٌ كَالسُّيُورِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ الْخَزِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّرَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرُ الْحَرِيرِ أَكْثَرَ وَزْنًا أَوْ اسْتَوَيَا، وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ مِنْهُمَا، وَعِنْدَهُمْ فِيمَا إذَا اسْتَوَيَا، وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَشْبَهُ التَّحْرِيمُ انْتَهَى. وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَالَتَيْ الِاسْتِوَاءِ أَوْ نَقْصِ الْحَرِيرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ حَرِيرِهَا كَانَ أَكْثَرَ، وَهَذِهِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ مُحْتَمِلَةٌ فَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال هَذَا إنْ لَمْ نُفَسِّرْ السِّيَرَاءَ بِالْحَرِيرِ الْمَحْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْخَزِّ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَقَيْسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَغَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ وَشِبْلِ بْنِ عَوْفٍ وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمْ لَبِسُوا الْخَزَّ، وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ أَتَتْ مَرْوَانَ مَطَارِفُ مِنْ خَزٍّ فَكَسَاهَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَسَا أَبَا هُرَيْرَةَ مُطْرَفًا مِنْ خَزٍّ أَغْبَرَ فَكَانَ يُثْنِيهِ مِنْ سَعَتِهِ، وَكَسَتْ عَائِشَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ مُطْرَفًا مِنْ خَزٍّ كَانَتْ تَلْبَسُهُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ «رَأَيْت رَجُلًا بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ خَزٍّ سَوْدَاءُ فَقَالَ كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ لُبْسَ الْخَزِّ لِأَنَّ سَدَاهُ حَرِيرٌ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا كَانَ رَبِيعَةُ يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ بِطَانَتُهَا وَظِهَارَتُهَا خَزٌّ، وَكَانَ إمَامًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَيُذْكَرُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهُ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يَجُوزُ لُبْسُهُ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ لِأَجْلِ السَّرَفِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ، وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ، وَمِنْهُ الْخَزُّ، وَأَمَّا الْعَكْسُ، وَهُوَ مَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ، وَسَدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْكَرَاهَةُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ حَرَامٌ لِعَدَمِ وُجُودِ النَّصِّ الْقَاطِعِ فِيهِ. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْخَزِّ مَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ شُهْرَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ شُهْرَةٌ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّوَوِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ إنَّ السَّدَى هُوَ الْمُسْتَتِرُ، وَاللُّحْمَة هِيَ الَّتِي تُشَاهَدُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الَّذِي نَعْرِفُهُ الْعَكْسُ. [فَائِدَة بَيْعِ الْحَرِيرِ] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْحَرِيرِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الرِّجَالِ لِوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ النِّسَاءِ لَهُ، وَقَدْ بِيعَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شِرَاءَهُ، وَأَقَرَّهُ، وَقَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جُبَّةِ دِيبَاجٍ تَبِيعُهَا، وَتُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِك، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. [فَائِدَة تَذْكِيرُ الْمَفْضُولِ الْفَاضِلَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ] 1 (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ تَذْكِيرُ الْمَفْضُولِ الْفَاضِلَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ، وَدُنْيَاهُ إذَا ذَهِلَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ. (التَّاسِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ التَّجَمُّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْمَلَابِسِ الْحَسَنَةِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَرَّ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ اسْتِعْمَالَ السِّيَرَاءِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَرْفُوعًا «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ؟» ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ لِلْعِيدِ بَدَلُ الْجُمُعَةِ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ عُمَرَ ذَكَرَ الْأَمْرَيْنِ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ فِي سَائِرِ مَجَامِعِ الْخَيْرِ إلَّا مَا يَنْبَغِي فِيهِ إظْهَارُ التَّمَسْكُنِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْخَوْفِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ. (الْعَاشِرَةُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّجَمُّلِ لِوُرُودِ الْوُفُودِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِرْهَابِ الْعَدُوِّ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ لَا خَلَاقَ لَهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا نَصِيبَ لَهُ، وَقِيلَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَقِيلَ لَا دِينَ لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ، وَالْكَافِرَ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) عُطَارِدُ هُوَ ابْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عَدْسٍ التَّمِيمِيُّ كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَزَعِيمَهُمْ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الزِّبْرِقَانِ بْنِ بَدْرٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَغَيْرِهِمَا سَنَةَ تِسْعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. [فَائِدَة يَهَب لِلرَّجُلِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوهِبَ لِلرَّجُلِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْمَوْهُوبِ اللُّبْسُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ هُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ» كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ السُّلَمِيُّ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ عَنْ ابْنِ الْحَذَّاءِ فِي التَّعْرِيفِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «أَرْسَلَ بِهَا عُمَرَ إلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت لَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِيهِمْ، وَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ صِلَةٌ الْأَقَارِبِ الْكُفَّارِ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ، وَجَوَازُ الْإِهْدَاءِ لِلْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا فَإِنَّ مَكَّةَ لَمْ يَبْقَ فِيهَا بَعْدَ الْفَتْحِ مُشْرِكٌ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ حَرْبًا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ وُفُودَ عُطَارِدَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ فِي التَّاسِعَةِ أَوْ الْعَاشِرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ إرْسَالُ هَذِهِ الْهَدِيَّةِ بَعْدَ وُفُودِهِ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِ فَرْقٌ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا فِيهِ الْهَدِيَّةُ إلَى كَافِرٍ، وَلَيْسَ فِيهِ الْإِذْنُ لَهُ فِي لُبْسِهَا. وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ إلَى عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إبَاحَةُ لُبْسِهَا لَهُمْ بَلْ صَرَّحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا بِغَيْرِ اللُّبْسِ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَيَحْرُم عَلَيْهِمْ الْحَرِيرُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُلْت قَدْ يُقَالُ إهْدَاءُ الْحَرِيرِ لِلْمُسْلِمِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ لُبْسُهُ لَهُ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نُهِيَ عَنْ مَيَاثِرِ الْأُرْجُوَانِ، وَلُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ. قَالَ مُحَمَّدٌ فَذَكَرْت لِأَخِي يَحْيَى بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ هَذَا؟ نَعَمْ، وَكَفَافُ الدِّيبَاجِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخْتِمْ الذَّهَبِ» ، وَعَلَّقَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ " قُلْت لِعَلِيٍّ مَا الْقَسِّيَّة؟ قَالَ ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنْ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ، وَفِيهَا أَمْثَالُ الْأُتْرُنْجِ، وَالْمِيثَرَةُ كَانَتْ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلُ الْقَطَائِفِ "، وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «نَهَانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَالْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ» ..   Qالْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّ كُفْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى لُبْسِهِ فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ مَا يَكُفُّهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْلَا إبَاحَةُ لُبْسِهِ لَهُ لَمَا أُعِينَ عَلَى تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِإِهْدَائِهِ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ فَاسِقًا مُتَهَاوِنًا بِأَمْرِ الدِّينِ يَعْتَادُ لُبْسَ الْحَرِيرِ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ إهْدَائِهِ لَهُ لُبْسُهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ يَحْرُمُ إهْدَاؤُهُ لَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَمَا رَجَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ غَلَبَ كُرِهَ فَقَطْ. [حَدِيث نُهِيَ عَنْ مَيَاثِرِ الْأُرْجُوَانِ وَلُبْسِ الْقَسِّيِّ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «نُهِيَ عَنْ مَيَاثِرِ الْأُرْجُوَانِ، وَلُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَذَكَرْت لِأَخِي يَحْيَى بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ هَذَا؟ نَعَمْ، وَكَفَافُ الدِّيبَاجِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَرَّحَ مُسْلِمٌ بِرَفْعِهِ دُونَ ذِكْرِ الْمَيَاثِرِ، وَلِلشَّيْخَيْنِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ إلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُد اقْتَصَرَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَلَوْ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلنَّسَائِيِّ لَكَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَشْعَثَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «نَهَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقَسِّيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْحَرِيرِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَأَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا» ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمَيْ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ نُهِيَ مَحْمُولٌ عَلَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ بِرَفْعِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ هُبَيْرَةَ بْنِ مَرْيَمَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ» لَفْظُ أَبِي دَاوُد. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمِيثَرَةَ بِكَوْنِهَا حَمْرَاءَ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ، وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخْتِمْ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ» ، وَمِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «نَهَانِي يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا» لَمْ يَدْرِ عَاصِمٌ فِي أَيِّ الثِّنْتَيْنِ «، وَنَهَانِي عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ جُلُوسٍ عَلَى الْمَيَاثِرِ» قَالَ فَأَمَّا الْقَسِّيُّ فَثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ، وَالشَّامِ فِيهَا شَبَهُ كَذَا. وَأَمَّا الْمَيَاثِرُ فَشَيْءٌ كَانَتْ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ كَالْقَطَائِفِ الْأُرْجُوَانِ، وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْمَوْقُوفِ مِنْهُ تَعْلِيقًا فَقَالَ، وَقَالَ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ قُلْت لِعَلِيٍّ مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنْ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ، وَفِيهَا أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ، وَالْمِيثَرَةُ كَانَتْ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلُ الْقَطَائِفِ. وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِي حَدِيثِهِ الْقَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الْحَرِيرُ، وَالْمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ قَالَ الْبُخَارِيُّ عَاصِمٌ أَصَحُّ وَأَكْثَرُ فِي الْمِيثَرَةِ أَيْ مَا رَوَاهُ عَاصِمٌ فِي تَفْسِيرِ الْمِيثَرَةِ أَصَحُّ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ. الْحَدِيثَ، وَفِيهِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِر وَعَنْ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالْإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْمَيَاثِرُ الْحُمْرُ. (الثَّانِيَةُ) الْمَيَاثِرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَبِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ، وَبَعْدَ الْأَلْفِ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ مِيثَرَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الْيَاءِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ، وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ شَيْءٌ كَانَتْ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَزْوَاجِهِنَّ مِثْلُ الْقَطَائِفِ، وَهِيَ جَمْعُ قَطِيفَةٍ: دِثَارُ مُخْمَلٍ يَضَعُونَهُ فَوْقَ الرِّحَالِ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ مِيثَرَةُ الْفَرَسِ لُبْدَتُهُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَالْجَمْعُ مَيَاثِرُ وَمَوَاثِرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَأَمَّا الْمَيَاثِرُ الْحُمْرُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا النَّهْيُ فَإِنَّهَا كَانَتْ مِنْ مَرَاكِبِ الْأَعَاجِمِ مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا أَنَّهَا سُرُوجٌ تُتَّخَذُ مِنْ الدِّيبَاجِ، وَقَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا أَغْشِيَةُ السُّرُوجِ مِنْ الْحَرِيرِ، وَقَوْلًا آخَرَ؛ أَنَّهَا شَيْءٌ يُحْشَى رِيشًا أَوْ قُطْنًا يَجْعَلُهُ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَوْقَ الرَّحْلِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْمَحْكِيِّ أَوَّلًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَاكَ أَنَّهُ مَحْشُوٌّ بِشَيْءٍ، وَفِي هَذَا أَنَّهُ مَحْشُوٌّ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَثَارَةِ يُقَالُ، وَثُرَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَثَارَةً بِفَتْحِ الْوَاوِ فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ، وَأَصْلُهَا مَوْثُورَةٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِلْكِسْرَةِ قَبْلَهَا كَمَا فِي مِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ وَمِيعَادٍ مِنْ الْوَزْنِ وَالْوَقْتِ وَالْوَعْدِ، وَأَصْلُهُ مِوْزَانٌ وَمِوْقَاتٌ وَمِوْعَادٌ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَزِيدَ، وَهُوَ ابْنُ رُومَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِيثَرَةِ جُلُودُ السِّبَاعِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ جَعَلَهُ قَوْلًا مَرْجُوحًا. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَهَذَا عِنْدِي وَهْمٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ، وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) الْأُرْجُوَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَضَمِّ الْجِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ، وَفِي كُتُبِ الْغَرِيبِ وَاللُّغَةِ، وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ، وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ مِنْ النُّسَّاخِ لَا مِنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمَشَارِقِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ قُلْت، وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَصَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْجُوَانَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ صِبْغٌ أَحْمَرُ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ قَالَ كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْجُمْهُورُ انْتَهَى. وَصَدَّرَ فِي الْمَشَارِقِ كَلَامَهُ بِأَنَّهُ الصُّوفُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْحُمْرَةُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الشَّدِيدُ الْحُمْرَةُ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ صِبْغٌ أَحْمَرُ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ، وَهُوَ شَجَرٌ لَهُ نَوْرٌ أَحْمَرُ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ، وَكُلُّ لَوْنٍ يُشْبِهُهُ فَهُوَ أُرْجُوَانُ قَالَ، وَيُقَالُ هُوَ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أُرْغُوَانُ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ حَكَى السِّيرَافِيُّ أَحْمَرُ أُرْجُوَانٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِهِ كَمَا قَالُوا أَحْمَرُ قَانٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإنَّمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الصِّفَةِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا السِّيرَافِيُّ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ الْأُرْجُوَانَ الَّذِي هُوَ الْأَحْمَرُ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ حَدِيثَ عُثْمَانَ أَنَّهُ غَطَّى وَجْهَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِقَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ أُرْجُوَانَ، وَقَالَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ يُقَالُ ثَوْبُ أُرْجُوَانَ، وَقَطِيفَةُ أُرْجُوَانَ، وَالْأَكْثَرُ فِي كَلَامِهِمْ إضَافَةُ الثَّوْبِ أَوْ الْقَطِيفَةِ إلَى الْأُرْجُوَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ أَهْلُ اللُّغَةِ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ وَالْوَاوِ، وَلَا يَغْتَرُّ بِذَكَرِ الْقَاضِي لَهُ فِي الْمَشَارِقِ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَالْجِيمِ، وَلَا بِذِكْرِ ابْنِ الْأَثِيرِ لَهُ فِي بَابِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ قُلْت، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي آخَرِ كَلَامِهِ، وَقِيلَ إنَّ الْكَلِمَةَ عَرَبِيَّةٌ، وَالْأَلِفُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمِيثَرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْحَرِيرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فَهِيَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ عَلَى حَرِيرٍ، وَاسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مِيثَرَةً مِنْ غَيْرِ حَرِيرٍ فَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً أَيْضًا فَإِنَّ الثَّوْبَ الْأَحْمَرَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ حَمْرَاءَ أَمْ لَا، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ» ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهَا لِئَلَّا يَظُنَّهَا الرَّائِي مِنْ بَعْدُ حَرِيرًا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ الْمِيثَرَةُ مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ فَوَجْهُ النَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَوْ لِأَنَّهَا لَا تُذْكَى غَالِبًا قُلْت لَكِنَّهَا تَطْهُرُ بِالدَّبَّاغِ إلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ الشَّعْرِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ إذَا دُبِغَ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ طَهَارَتِهِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِطَهَارَتِهِ، وَالْأَغْلَبُ فِي الْمَيَاثِرِ أَنَّهَا لَا شَعْرَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَيَاثِرِ مَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَشُقُّ تَرْكُهَا عَلَى مَنْ اعْتَادَهَا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ إرْشَادًا نَهَى عَنْهُ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَهِيَ تَرْكُ التَّشَبُّهِ بِعُظَمَاءِ الْفُرْسِ لِأَنَّهُ كَانَ شِعَارَهُمْ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَمَّا لَمْ يَصِرْ شِعَارًا لَهُمْ، وَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمِيثَرَةَ قُيِّدَتْ تَارَةً بِكَوْنِهَا حَمْرَاءَ، وَأُطْلِقَتْ تَارَةً فَمَنْ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ يَخُصُّ النَّهْيَ بِالْحَمْرَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَنْ يَأْخُذُ بِالْمُطْلَقِ، وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ، وَالظَّاهِرِيَّةُ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِمْ طَرْدُ النَّهْيِ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَمْرَاءَ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ مَيَاثِرُ الْأُرْجُوَانِ يَنْبَنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأُرْجُوَانِ فَإِنْ فَسَّرْنَاهُ بِمُطْلَقِ الْأَحْمَرِ سَاوَى الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا الْمَيَاثِرُ الْحُمْرُ، وَإِنْ فَسَّرْنَاهُ بِالْمَصْبُوغِ بِصِبْغٍ مَخْصُوصٍ فَمُقْتَضَاهُ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَصْبُوغِ بِذَلِكَ الصِّبْغِ الْمَخْصُوصِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى لِمَا سِوَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَعَدِّيَتُهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (السَّادِسَةُ) الْقَسِّيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَآخِرُهُ يَاءٌ مُشَدَّدَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَهْلُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا، وَأَهْلُ مِصْرَ يَفْتَحُونَهَا، وَتَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَفْسِيرُهُ بِأَنَّهُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ، وَالشَّامِ فِيهَا شَبَهُ كَذَا، وَقَوْلُهُ مُضَلَّعَةٌ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ فِيهَا خُطُوطٌ عَرِيضَةٌ كَالْأَضْلَاعِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا فِيهَا حَرِيرٌ أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ، وَكَانَ الْمَكْنِيُّ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِكَذَا هُوَ الْأُتْرُجُّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ هِيَ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْحَرِيرِ تُعْمَلُ بِالْقَسِّ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ قَرِيبَةٌ مِنْ تُنِيس، وَقِيلَ هِيَ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِحَرِيرٍ، وَقِيلَ هِيَ ثِيَابٌ مِنْ الْقَزِّ، وَأَصْلُهُ الْقَزِّيُّ بِالزَّايِ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَزِّ، وَهُوَ رَدِيءٌ الْحَرِيرِ فَأَبْدَلَ مِنْ الزَّايِ سِينًا انْتَهَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَقِيلَ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَسِّ، وَهُوَ الصَّقِيعُ لِبَيَاضِهِ انْتَهَى. (السَّابِعَةُ) إنْ صَحَّ أَنَّ الْقَسِّيَّ مِنْ الْقَزِّ الْخَالِصِ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا مِنْ الْحَرِيرِ، وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ حَرِيرُهُ أَكْثَرَ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ كَتَّانُهُ أَكْثَرَ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّنْزِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْقَسِّيِّ حَرِيرُهُ أَكْثَرُ، وَبَعْضُهُ كَتَّانُهُ أَكْثَرُ فَالنَّهْيُ فِيمَا حَرِيرُهُ أَكْثَرُ لِلتَّحْرِيمِ، وَفِيمَا كَتَّانُهُ أَكْثَرُ لِلْكَرَاهَةِ، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ الْجَمْعُ فِي لَفْظِ النَّهْيِ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَهُمَا التَّحْرِيمُ، وَالْكَرَاهَةُ فَإِنْ قُلْت بَلْ فِيهِ حِينَئِذٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ لِأَنَّ النَّهْيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ مَجَازٌ فِي الْكَرَاهَةِ قُلْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْوَارِدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صِيغَةُ النَّهْيِ، وَهِيَ مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَالصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ هِيَ صِيغَةُ لَا تَفْعَلْ كَمَا قَرَّرْت ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة التَّخَتُّم بِالذَّهَبِ] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِكَوْنِ جَمِيعِهِ ذَهَبًا فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ ذَهَبًا، وَبَعْضُهُ فِضَّةٌ حَرُمَ أَيْضًا حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَتْ سِنُّ الْخَاتَمِ ذَهَبًا أَوْ كَانَ مُمَوَّهًا بِذَهَبٍ يَسِيرٍ فَهُوَ حَرَامٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ «إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» فَإِنْ قُلْت قَدْ فَصَّلْتُمْ فِي الْمِيثَرَةِ، وَالْقَسِّيِّ، وَقُلْتُمْ بِتَحْرِيمِهَا فِي حَالَةٍ، وَعَدَمِ تَحْرِيمِهَا فِي أُخْرَى، وَجَزَمْتُمْ بِتَحْرِيمِ خَاتَمِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ مُطْلَقًا فَكَيْفَ صَحَّ ذَلِكَ مَعَ قَرْنِهِ بِهِمَا قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ قَرْنِهِ بِهِمَا أَنْ يُسَاوِيَهُمَا فِي حُكْمِهِمَا فَقَدْ يَقْرِنُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ، وَدَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَالْمُزَنِيِّ. [فَائِدَة لَبِسَ كَفَاف الدِّيبَاج] (التَّاسِعَةُ) قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سِيرِينَ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ هَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ كَأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَخِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ مِنْهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ التَّعَجُّبَ، وَقَالَ أَوَ لَمْ تَسْمَعْ هَذَا؟ وَالْوَاوُ مَفْتُوحَةٌ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَقْدِرَةٍ لَكِنْ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلَامِ، وَأَصْلُهُ أَلَمْ تَعْرِفْ هَذَا، وَلَمْ تَسْمَعْ هَذَا. وَقَوْلُهُ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ، وَقَوْلُهُ، وَكَفَافُ الدِّيبَاجِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فَهُوَ مَجْرُورٌ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ يَحْيَى بْنُ سِيرِينَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ بِوَاسِطَةِ عُبَيْدَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ نَهَى عَنْ كَفَافِ الدِّيبَاجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّاهِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَوْ قَالَهُ الصَّحَابِيُّ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا إلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى فِي مِثْلِ ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ مُتَّصِلٌ، وَجَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعِدَّةِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحْنَاهُ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ، وَلَا أَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمُكَفَّفَ بِالْحَرِيرِ» . وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَشْرِ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ أَوْ يُجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلُ الْأَعَاجِمِ» ، وَالدِّيبَاجُ بِكَسْرِ الدَّالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَفَتْحِهَا نَوْعٌ مِنْ الْحَرِيرِ، وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْمُرَادُ بِكِفَافِهِ الثَّوْبُ الْمَكْفُوفُ بِهِ، وَكِفَافُ الثَّوْبِ بِكَسْرِ الْكَافِ طُرَّتُهُ، وَحَوَاشِيهِ، وَأَطْرَافُهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا كُفَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ قَالُوا، وَكُلُّ مُسْتَطِيلٍ كِفَّة بِالضَّمِّ، وَكُلُّ مُسْتَدِيرٍ كِفَّةٌ بِالْكَسْرِ كَكِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الَّذِي كُفَّ طَرَفُهُ بِحَرِيرٍ فَأَمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا زَادَ الْحَرِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ حَرَامًا، وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَدَبِ، وَالتَّنْزِيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِمَنْ يَرَى مَنْعَ اسْتِعْمَالِ مَا فِيهِ حَرِيرٌ، وَإِنْ قَلَّ مُطْلَقًا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَسْمَاءَ أَرْسَلَتْ إلَى ابْنِ عُمَرَ بَلَغَنِي أَنَّك تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ، وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ، وَصَوْمَ رَجَبَ كُلِّهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَإِنِّي سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاق لَهُ فَخِفْت أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ الْحَدِيثُ، وَفِيهِ فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجَتْ إلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ فَقَالَتْ هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَمْ يَعْتَرِفْ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُحَرِّمُ الْعَلَمَ بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَوَرَّعَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْحَرِيرِ. وَأَمَّا إخْرَاجُ أَسْمَاءَ جُبَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَكْفُوفَةَ بِالْحَرِيرِ فَقَصَدَتْ بِهِ بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحَرَّمًا، وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ إنَّ الثَّوْبَ، وَالْجُبَّةَ، وَالْعِمَامَةَ، وَنَحْوَهَا إذَا كَانَ مَكْفُوفَ الطَّرَفِ بِالْحَرِيرِ جَازَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَإِنْ زَادَ فَهُوَ حَرَامٌ انْتَهَى. وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ لُبْسُ شَيْءٍ مِنْ الْحَرِيرِ لَا قَلِيلَ، وَلَا كَثِيرَ قَالَ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْكِفَافَ الَّذِي فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أُحْدِثَ بَعْدَهُ قَصَدُوا صِيَانَتَهَا عَنْ التَّمَزُّقِ بِكَفِّ أَطْرَافِهَا بِحَرِيرٍ. [فَائِدَة لُبْسِ الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمُعَصْفَرِ، وَهُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحَمَلُوهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيَةِ، وَالنَّهْيُ مُحْتَمَلٌ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّحْرِيمِ بِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَبِسَ جُبَّةً حَمْرَاءَ» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّهْيُ مُنْصَرِفٌ إلَى مَا صُبِغَ مِنْ الثِّيَابِ بَعْدَ النَّسْجِ فَأَمَّا مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي النَّهْيِ، وَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا النَّهْيَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي «نَهْيِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ» ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إبَاحَةَ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ لَكِنَّهُ قَالَ غَيْرُهَا أَفْضَلُ مِنْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ لُبْسَهَا فِي الْبُيُوتِ، وَأَفْنِيَةِ الدُّورِ، وَأَكْرَهُهُ فِي الْمَحَافِلِ وَالْأَسْوَاقِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ نَهَى الشَّافِعِيُّ الرَّجُلَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ، وَأَبَاحَ لَهُ الْمُعَصْفَرَ، وَقَالَ إنَّمَا رَخَّصْت فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْهُ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَانِي، وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ «أُمُّك أَمَرَتْك بِهَذَا؟ قُلْت أَغْسِلُهُمَا قَالَ بَلْ أَحْرِقْهُمَا» ، وَاللَّفْظَانِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ أُخَرُ ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَقَالَ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إذَا صَحَّ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ، وَدَعُوا قَوْلِي، وَفِي رِوَايَةٍ فَهُوَ مَذْهَبِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَنْهَى الرَّجُلَ الْحَلَالَ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ، وَآمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَتَبِعَ السُّنَّةَ فِي الْمُزَعْفَرِ فَمُتَابَعَتُهَا فِي الْمُعَصْفَرِ أَوْلَى بِهِ، وَقَالَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُعَصْفَرَ بَعْضُ السَّلَفِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ اهـ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ كَلَامَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ إنَّهُ أَتْقَنَ الْمَسْأَلَةَ، وَسَوَّى ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ بَيْنَ الْمُزَعْفَرِ، وَالْمُعَصْفَرِ فِي كَرَاهَتِهِمَا لِلرَّجُلِ. [فَائِدَة لَبِسَ الْإِسْتَبْرَق مِنْ الْحَرِير] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الدِّيبَاجُ نَوْعٌ مِنْ الْحَرِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْإِسْتَبْرَقُ الْغَلِيظُ مِنْهُ فَذَكَرَهُمَا فِي حَدِيثِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 كِتَابُ الْجَنَائِزِ) (ثَوَابُ الْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، أَوْ النَّكْبَةُ يَنْكُبُهَا» .   Qالْبَرَاءِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَرِيرِ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ بَيْنَ جَيِّدِهِ، وَهُوَ الدِّيبَاجُ وَرَدِيئِهِ، وَهُوَ الْإِسْتَبْرَقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [ثَوَابُ الْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ] [حَدِيث مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ] (كِتَابُ الْجَنَائِزِ) (ثَوَابُ الْمَرَضِ وَالْمُصِيبَةِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا أَوْ النَّكْبَةُ يُنْكَبُهَا» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَرَضِ مِنْ صَحِيحِهِ، وَهُوَ قَبِيلُ الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٍ فِي الْأَدَبِ الثَّانِي مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بِلَفْظِ «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا» إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «قَالَ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ» ، وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ حَصِيفَةَ عَنْ عُرْوَةَ بِلَفْظٍ «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ حَتَّى الشَّوْكَةُ إلَّا قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ أَوْ كَفَّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ لَا يَدْرِي يَزِيدُ أَيَّتَهُمَا» قَالَ عُرْوَةُ، وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» ، وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِلَفْظِ، وَحَطَّ بِالْوَاوِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَكَفَّرَ عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ» فِيهِ رَوْحُ بْنُ مُسَافِرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «مَا ضَرَبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ إلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً» . (الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْوَجَعَ الْمَرَضَ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْوَجَعُ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ عَطْفُهُ عَلَيْهِ بِأَوْ وَكَيْفَ يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْوَجَعَ أَعَمُّ مِنْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ مَرَضٍ، وَقَدْ يَكُونُ عَنْ غَيْرِهِ كَضَرْبٍ، وَنَحْوِهِ تَقُولُ أَوْجَعَنِي الضَّرْبُ أَيْ آلَمَنِي، وَإِنْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ ذَلِكَ الْأَلَمِ مَرَضٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْإِيجَاعُ الْإِيلَامُ، وَضَرْبٌ وَجِيعٌ أَيْ مُوجِعٌ مِثْلُ أَلِيمٍ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَرَضٍ وَجَعًا انْتَهَى. وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْوَجَعَ أَعَمُّ فَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الْمَرَضِ عَظُمَ أَوْ خَفَّ يُسَمَّى وَجَعًا، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْوَجَعَ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَرَضِ، وَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي مُوَافَقَةِ مَا قُلْته قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا رَأَيْت رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجَعُ هُنَا الْمَرَضُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَرَضٍ وَجَعًا فَقَوْلُهُ الْوَجَعُ هُنَا الْمَرَضُ يَقْتَضِي أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ الْوَجَعِ عَلَى الْمَرَضِ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ فَخَصَّ الْمَرَضَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَلَمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَرَضٍ كَذَلِكَ. (الثَّالِثَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ رَتَّبَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَرَضِ وَالْوَجَعِ لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ لِذَنْبِهِ فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الْكَبَائِرِ بَلْ قَالُوا إنَّ تَكْفِيرَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، وَطَرَدُوا ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُكَفِّرَاتِ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَالْمَشَاقِّ، وَأَصْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وُرُودُهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ الْوَارِدَةَ فِي التَّكْفِيرِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَالْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ الْمَرَضِ وَإِنْ خَفَّ، وَالْوَجَعِ وَإِنْ خَفَّ لِجَمِيعِ الصَّغَائِرِ فِيهِ بَعْدُ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ بَلْ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «قَصَّ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ» صَرِيحٌ فِي تَكْفِيرِ الْبَعْضِ، وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُكَفَّرَ خَطِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ فَيُحْمَلُ لَفْظُ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ صَالِحٌ لِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَيُكَفِّرُ اللَّه بِهِ مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَتَكُونُ كَثْرَةُ التَّكْفِيرِ، وَقِلَّتُهُ بِاعْتِبَارِ شِدَّةِ الْمَرَضِ وَخِفَّتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ بِمَرَضِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَوَرَدَ بِحُمَّى لَيْلَةٍ، وَكِلَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الْأَوْسَطِ، وَالصَّغِيرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَفِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَرَضِ وَالْكَفَّارَاتِ عَنْ الْحَسَنِ رَفَعَهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُكَفِّرُ عَنْ الْمُؤْمِنِ خَطَايَاهُ كُلَّهَا بِحُمَّى لَيْلَةٍ» قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ هَذَا مِنْ جَيِّدِ الْحَدِيثِ قُلْت لَكِنَّ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. (الرَّابِعَةُ) الْمُرَادُ بِتَكْفِيرِ الذَّنْبِ سَتْرُهُ، وَمَحْوُ أَثَرِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ التَّكْفِيرُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَالْإِحْبَاطِ فِي الثَّوَابِ أَيْ إنَّ مَعْنَى تَكْفِيرِ الْمَعْصِيَةِ مَحْوُ أَثَرِهَا الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْعُقُوبَةُ كَمَا أَنَّ مَعْنَى إحْبَاطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالطَّاعَةِ مَحْوُ أَثَرِهَا الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الثَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُهُ تَرَتُّبُ تَكْفِيرِ الذَّنْبِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَرَضِ أَوْ الْوَجَعِ سَوَاءٌ انْضَمَّ إلَيْهِ صَبْرٌ أَمْ لَا، وَاعْتَبَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي حُصُولِ ذَلِكَ وُجُودُ الصَّبْرِ فَقَالَ لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا صَبَرَ الْمُصَابُ، وَاحْتَسَبَ، وَقَالَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَصَلَ إلَى مَا وَعَدَهُ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِالصَّبْرِ فَجَوَابُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي صَحَّ مِنْهَا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِثَوَابٍ مَخْصُوصٍ فَاعْتَبَرَ فِيهَا الصَّبْرَ لِحُصُولِ ذَلِكَ الثَّوَابِ الْمَخْصُوصِ، وَلَنْ تَجِدَ حَدِيثًا صَحِيحًا رَتَّبَ فِيهِ مُطْلَقُ التَّكْفِيرِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَرَضِ مَعَ اعْتِبَارِ الصَّبْرِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ فَتَحَرَّرَ لِي مَا ذَكَرْته، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ صَبَرَ أَوْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةُ» ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَيُنَاقِشُ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} [البقرة: 156] الْآيَةُ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَمْرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) لَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا التَّكْفِيرَ، وَفِي إحْدَى طَرِيقَيْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَهُوَ إمَّا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَإِمَّا تَنْوِيعٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاعْتِبَارِ النَّاسِ فَالْمُذْنِبُ يَحُطُّ عَنْهُ خَطِيئَةً، وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ كَالْأَنْبِيَاءِ، وَمَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُرْفَعُ لَهُ دَرَجَةٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَصَائِبِ فَبَعْضُهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حَطُّ الْخَطِيئَةِ، وَبَعْضُهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الدَّرَجَةِ، وَفِي طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ الْآخَرِ الْجَمْعُ بَيْنَ رَفْعِ الدَّرَجَةِ، وَحَطِّ الْخَطِيئَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ كِتَابَةُ عَشْرِ حَسَنَاتٍ، وَتَكْفِيرُ عَشْرِ سَيِّئَاتٍ، وَرَفْعُ عَشْرِ دَرَجَاتٍ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ إذَا صَحَّ سَنَدُهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُصُولَ الْأُجُورِ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالُوا إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَصَائِبِ التَّكْفِيرُ دُونَ الْأَجْرِ، رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفٍ قَالَ «دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ نَعُودُهُ مِنْ شَكْوَى أَصَابَتْهُ، وَامْرَأَتُهُ قَاعِدَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِنْدَ رَأْسِهِ فَقُلْت كَيْفَ بَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالَتْ، وَاَللَّهِ لَقَدْ بَاتَ بِأَجْرٍ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَا بِتّ بِأَجْرٍ، وَكَانَ مُقْبِلًا بِوَجْهِهِ عَلَى الْحَائِطِ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ، وَقَالَ أَلَا تَسْأَلُونِي عَمَّا قُلْتُ قَالُوا مَا أَعْجَبَنَا مَا قُلْتَ نَسْأَلُك عَنْهُ؟ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ» ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ الْأَزْدِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ أَلَا إنَّ السُّقْمَ لَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرٌ فَسَاءَنَا ذَلِكَ، وَكَبُرَ عَلَيْنَا فَقَالَ، وَلَكِنْ تُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا فَسَرَّنَا ذَلِكَ وَأَعْجَبَنَا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَة بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَكَتْبِ الْحَسَنَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا. [فَائِدَة حُصُول الْأَجْر عَلَى الْمَصَائِب] 1 (السَّابِعَةُ) وَافَقَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حُصُولِ الْأَجْرِ، وَلَكِنَّهُ قَالَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُصِيبَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيِّ فِي اعْتِبَارِهِ الصَّبْرَ فِي حُصُولِ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ كِتَابَةِ الْحَسَنَةِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمُصِيبَةِ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرُهُ فِي الْفَائِدَةِ الْخَامِسَةِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «اسْتَأْذَنَتْ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ أُمُّ مِلْدَمٍ فَأَمَرَ بِهَا إلَى أَهْلِ قُبَاءَ فَلَقُوا مِنْهَا مَا يَعْلَمُ اللَّهُ فَأَتَوْهُ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَقَالَ مَا شِئْتُمْ إنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكُمْ فَيَكْشِفُهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ طَهُورًا؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَفْعَلُ قَالَ نَعَمْ قَالُوا فَدَعْهَا فَقَدْ يُقَالُ جَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَهُورًا لَهُمْ مَعَ شَكْوَاهُمْ، وَذَلِكَ يُنَافِي الصَّبْرَ» ، وَفِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَبَسَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ تَبَسَّمْت قَالَ عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ وَجَزَعِهِ مِنْ السَّقَمِ، وَلَوْ يَعْلَمُ مَا لَهُ فِي السَّقَمِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ سَقِيمًا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ» ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الْأَجْرَ مَعَ حُصُولِ الْجَزَعِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. 1 - (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ حَتَّى الشَّوْكَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ الْمَرَضِ، وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّهِ فَإِنَّ مِنْ زَائِدَةٌ، وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ أَوْ النَّكْبَةُ، وَقَدْ نَقُلْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْوَجْهَيْنِ عَنْ تَقْيِيدِ الْمُحَقِّقِينَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنَّ رَفْعَ الشَّوْكَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ لَا يَجُوزُ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qلِأَنَّ مَا قَبْلَهَا لَيْسَ لَهُ مَوْضِعُ رَفْعٍ قُلْت: وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ الْمَرَضُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ فَالْعَطْفُ عَلَيْهِ سَائِغٌ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى تَقْدِيرِ خَبَرٍ فَهَذَا الْوَجْهُ إنْ جَازَ فَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَمَا ذَكَرْته رَاجِحٌ أَوْ مُتَعَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ) النَّكْبَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ مِثْلُ الْعَثْرَةِ يَعْثُرُهَا بِرِجْلِهِ، وَرُبَّمَا جُرِحَتْ أُصْبُعُهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ النَّكْبِ، وَهُوَ الْقَلْبُ وَالْكَبُّ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هِيَ الْعَثْرَةُ وَالسَّقْطَةُ، وَقَوْلُهُ يُنْكَبُهَا بِضَمِّ الْيَاءِ، وَفَتْحِ الْكَافِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ قُلْت، وَمَا ذَكَرُوهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّكْبَةِ هُنَا الْمُصِيبَةُ، وَهُوَ مَعْنَاهَا الْمَشْهُورُ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ أَمْرًا حِسِّيًّا، وَهُوَ الشَّوْكَةُ، وَأَمْرًا مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ الْمُصِيبَةُ لَكِنَّ النَّكْبَةَ بِمَعْنَى الْمُصِيبَةِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الْمَرَضُ، وَالْوَجَعُ وَشَرْطُ الْمَعْطُوفِ بِحَتَّى أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيمَا سَبَقَ، وَلِهَذَا ضُبِطَ الْعَطْفُ بِهَا بِأَنَّهَا تَدْخُلُ حَيْثُ يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَمْتَنِعُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوَجَعُ عَلَى الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ فَيَدْخُلَ فِيهِ النَّكْبَةُ لَكِنْ يَبْقَى فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِحَتَّى لَا يَكُونُ إلَّا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا إمَّا فِي زِيَادَةٍ نَحْوُ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ أَوْ فِي نَقْصٍ نَحْوُ زَارَكَ النَّاسُ حَتَّى الْحَجَّامُونَ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ هُنَا أَنْ تَكُونَ غَايَةً فِي النَّقْصِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَجَعَ وَإِنْ خَفَّ وَهَانَ أَمْرُهُ مُكَفِّرٌ، وَمَتَى حُمِلَ الْوَجَعُ عَلَى مَدْلُولِهِ الْمَعْنَوِيِّ لَمْ تَكُنْ النَّكْبَةُ بِمَعْنَى الْمُصِيبَةِ غَايَةً لَهُ فِي النَّقْصِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ حَمْلُ النَّكْبَةِ عَلَى الْعَثْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّوْكَةُ وَالْعَثْرَةُ غَايَتَانِ لِلْوَجَعِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَنْشَأُ عَنْهُمَا مَرَضٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ، وَإِنْ خَفَّ فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ. [حَدِيث لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 «لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ..   Qفَيَلِجَ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِلَفْظِ «فَتَمَسَّهُ النَّارُ» بَدَلَ فَيَلِجَ النَّارَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ إلَّا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ أَوْ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَوْ اثْنَيْنِ» ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ «ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَأَحَالَا بِبَقِيَّتِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَلَفْظُهُ «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةَ مِنْ وَلَدِهَا إلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ فَقَالَ وَاثْنَيْنِ» ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، وَعَزَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ قَالَ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ فَلَمْ يَطَّلِعْ إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ ذَكَرَ فِيهَا «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَهُوَ وَهْمٌ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) الْوَلَدُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَعَلَى الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ، وَفِي الْجَمْعِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ فَتْحُ اللَّامِ وَالْوَاوِ وَفَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا مَعَ إسْكَانِ اللَّامِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ فَيَلِجَ أَيْ يَدْخُلَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِالْفَاءِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ، وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالسِّينِ الْيَمِينُ، وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَا يَنْحَلُّ بِهِ الْقَسَمُ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَلَّلَ الْيَمِينَ أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَفَّرَهَا، وَيُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ تَحْلِيلٌ، وَتَحِلُّ أَيْضًا بِغَيْرِهَا، وَهُوَ شَاذٌّ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ إذْ لَا مَنْزِلَةَ بَيْنَهُمَا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا تَلْقَوْهُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ دَخَلَ» ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُطْلَقِ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُوَافِقُهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ أَتُحِبُّهُ فَقَالَ أَحَبَّك اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ فَمَاتَ فَفَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ مَا يَسُرُّك أَنْ لَا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَهُ عِنْدَهُ يَسْعَى يَفْتَحُ لَك» . (الرَّابِعَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قِيلَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاثْنَانِ فَقَالَ وَاثْنَانِ» ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِمَا الْجَنَّةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِك فَقَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ قَالَتْ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ؟ قَالَ أَنَا فَرَطُ أُمَّتِي لَنْ يُصَابُوا بِمِثْلِي» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ بَارِقٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى، وَعَبْدُ رَبِّهِ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ مَا بِهِ بَأْسٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدَّمَتْ اثْنَيْنِ قَالَ، وَاثْنَيْنِ فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ قَدَّمَتْ وَاحِدًا قَالَ، وَوَاحِدٌ، وَلَكِنَّ إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَرَوَى ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْحَى إلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ سُؤَالِهِمْ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَعَنْ الْوَاحِدِ إنْ صَحَّ، وَلَا يُمْتَنَعُ نُزُولُ الْوَحْيِ عَلَيْهِ فِي أَسْرَعِ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ كَمَا فِي نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] «لَمَّا قَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qضَرِيرُ الْبَصَرِ» . فَنَزَلَتْ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] هَذَا عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي مَفْهُومِ الْعَدَدِ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُجَّةً لَا تَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ، وَيَقُولُ ذِكْرُ هَذَا الْعَدَدِ لَا يُنَافِي حُصُولَ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مِنْهُ بَلْ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ حُجَّةً فَلَيْسَ نَصًّا قَاطِعًا بَلْ دَلَالَتُهُ دَلَالَةٌ ضَعِيفَةٌ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا عِنْدَ مُعَارِضَتِهَا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ مَا قُلْنَاهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ شِدَّةِ وَجْدِ الْوَالِدَةِ وَقُوَّةِ صَبْرِهَا فَقَدْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فَقَدَتْ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَشَدَّ مِمَّنْ فَقَدَتْ ثَلَاثَةً أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا فَتَلْحَقُ بِهَا فِي دَرَجَتِهَا قُلْت ظَاهِرُ الْحَدِيثِ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ فَاقِدِ اثْنَيْنِ، وَعَلَى كُلِّ فَاقِدِ وَاحِدٍ فَالتَّقْيِيدُ بِشِدَّةِ الْوَجْدِ الَّذِي يُصَيِّرُهُ كَفَاقِدِ ثَلَاثَةٍ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَهُ ابْتِدَاءً لِأَتَمِّ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ ثَلَاثًا أَوَّلُ الْكَثْرَةِ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّكِلَ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ عَلَى وَلَدِهِ فِي شَفَاعَتِهِ، وَسَكَتَ عَمَّا وَرَاءَهُ فَلَمَّا سُئِلَ أَعْلَمَ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ، وَفِي قَوْلِهَا أَوْ اثْنَانِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَدَدٍ مَا لَا يُنَافِيهِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ عَمَّا عَدَاهُ مِنْ الْعَدَدِ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا بِنَصٍّ انْتَهَى. (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّمَا خُصَّ الْوَلَدُ بِثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ فَبِعِظَمِ الْمَصَائِبِ تَكْثُرُ الْأُجُورُ فَأَمَّا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَقَدْ يُخَفَّفُ أَجْرُ الْمُصِيبَةِ بِالزَّائِدِ لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا صَارَتْ عَادَةً، وَدَيْدَنًا كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي أَنْكَرْت طَارِقَةَ الْحَوَادِثِ مَرَّةً ... ثُمَّ اعْتَرَفْت بِهَا فَصَارَتْ دَيْدَنًا وَقَالَ آخَرُ رُوِّعْت بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ ... وَبِالْمَصَائِبِ فِي أَهْلِي وَجِيرَانِي ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَحْرَى وَالْأَوْلَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ كَثُرْت مَصَائِبُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ قُلْت إذَا جَعَلْنَا لِمَفْهُومِ الْعَدَدِ دَلَالَةً فَدَلَالَتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي مَنْعِ النُّقْصَانِ لَا فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعَةٌ فَبِالضَّرُورَةِ قَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَلِجْ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَمَاتَ لِشَخْصٍ ثَلَاثَةٌ فَحَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْبُشْرَى ثُمَّ مَاتَ لَهُ أَرْبَعُ انْقَطَعَتْ هَذِهِ الْبُشْرَى بِمَوْتِ هَذَا الرَّابِعِ، وَصَارَ عَلَى خَطَرٍ دُخُولُهُ النَّارَ بَعْدَ تِلْكَ الْبُشْرَى، وَهَبَ أَنَّ حُزْنَهُ بِهَذَا الرَّابِعِ خَفِيفٌ لِاعْتِيَادِهِ الْمَصَائِبَ فَهَلْ يَزِيدُ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ تَحْدُثْ لَهُ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ أَصْلًا، وَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى إحْبَاطِ ثَوَابِ مَا مَضَى مِنْ الْمَصَائِبِ بِهَذِهِ الْمُصِيبَةِ الرَّابِعَةِ هَذَا مَا لَا يَتَخَيَّلُهُ ذُو فَهْمٍ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مَاتُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى خِلَافِ مَا أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ تَرَتَّبَتْ الْبُشْرَى بِعَدَمِ دُخُولِ النَّارِ عَلَى مَوْتِ ثَلَاثَةٍ، وَيُثِيبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَوْتِ الرَّابِعِ بِمَا يَشَاءُ، وَقَدْ دَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ صَدَقَ أَنَّهُ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) أُطْلِقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ الْوَلَدِ، وَقَيَّدَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ بِقَوْلِهِ «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» أَيْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْحِنْثُ، وَهُوَ الْإِثْمُ، وَمُقْتَضَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ دُونَ الْبَالِغِينَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِهَذَا الْحَدِّ لِأَنَّ الصَّغِيرَ حُبُّهُ أَشَدُّ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ قُلْت قَدْ يُعْكَسُ هَذَا الْمَعْنَى، وَيُقَالُ التَّفَجُّعُ عَلَى فَقْدِ الْكَبِيرِ أَشَدُّ، وَالْمُصِيبَةُ بِهِ أَعْظَمُ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ نَجِيبًا يَقُومُ عَنْ أَبِيهِ بِأُمُورِهِ، وَيُسَاعِدُهُ فِي مَعِيشَتِهِ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ، وَالْمَعْنَى الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَأُمِّ سُلَيْمٍ، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ، وَأُمِّ مُبَشِّرٍ، وَمَنْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ إثْمٌ فَرَحْمَتُهُ أَعْظَمُ، وَشَفَاعَتُهُ أَبْلَغُ. [فَائِدَة عَرَضَ لثلاثة مِنْ الْوَلَد الْعَتَه وَالْجُنُون قَبْل الْبُلُوغ] 1 (السَّابِعَةُ) فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ بَالِغِينَ مَعْتُوهِينَ عَرَضَ لَهُمْ الْعَتَهُ وَالْجُنُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِحَيْثُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ تَكْلِيفٌ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِمْ إثْمٌ هَلْ يَكُونُونَ كَغَيْرِ الْبَالِغِينَ؟ هَذَا يَحْتَمِلُ، وَالْأَرْجَحُ إلْحَاقُهُمْ بِهِمْ، وَقَدْ يُدَّعَى دُخُولُهُمْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ» ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَقَدَّمِ ذَكَرُهُمَا فَإِنْ عَلَّلْنَا بِمَا فِي الْحَدِيثِ كَانَ حُكْمُ الْمَجَانِينِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ لَهُمْ وَاسِعَةٌ كَثِيرَةٌ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِثْمِ مِنْهُمْ فَصَارُوا فِي ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَالْأَطْفَالِ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَطَّرِدْ ذَلِكَ فِي الْمَجَانِينِ الْبَالِغِينَ لِأَنَّ مَحَبَّتَهُمْ تُخَفَّفُ أَوْ تَزُولُ، وَيَتَمَنَّى الْأَبُ مَوْتَهُمْ لِمَا بِهِمْ مِنْ الْعَاهَةِ وَالضَّرَرِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِمَوْتِهِمْ تَفَجُّعٌ، وَلَا مَشَقَّةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) قَدْ يُقَالُ إنَّ سَائِرَ الْأَوْلَادِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِغِ مِنْهُمْ، وَغَيْرِ الْبَالِغِ، وَذَلِكَ بِأَحَدِ أَوْجُهٍ (أَوَّلُهَا) أَنْ نَقُولَ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ لَا يُقْتَضَى أَنَّ الْبَالِغِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ (ثَانِيهَا) أَنْ نَأْخُذَ بِقَوْلِ مَنْ يَأْخُذُ بِالْمُطْلَقِ، وَيَرَى الْمُقَيَّدَ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ (ثَالِثُهَا) أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ هُنَا لَيْسَ حُجَّةً لِكَوْنِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي مَوْتِ الْأَوْلَادِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي صِغَرِهِمْ، وَمَنْ تَأَخَّرَ أَجَلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَالْغَالِبُ أَنَّ أَبَاهُ يَتَقَدَّمُهُ فِي الْوَفَاةِ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ، وَالْقَاعِدَةُ أَنْ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ (رَابِعُهَا) أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ حُجَّةً بِتَقْرِيرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ بِأَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِمَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ فَجَاءَ بِهَذَا الْقَيْدِ مُطَابِقًا لِحَالِهِ لَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ (خَامِسُهَا) قَدْ يَدَّعِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَأَنَّهُمْ إذَا بَلَغُوا كَانَ التَّفَجُّعُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ بِهِمْ أَشَدَّ فَكَانُوا أَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ مِنْ الصِّغَارِ، وَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِالصِّغَرِ إشْعَارًا لَعِظَمِ الثَّوَابِ، وَإِنْ خَفَّتْ الْمُصِيبَةُ بِهِمْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِالْأُمُورِ فَمَا ظَنُّك بِبُلُوغِهِمْ، وَكَمَالِهِمْ فَعَلَيْك بِالنَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرْتهَا، وَهَلْ تَقْوَى فَيُعْمَلُ بِهَا أَوْ تَضْعُفُ فَتَطْرَحُ فَلَسْت عَلَى ثِقَةٍ مِنْهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ عَنْ شَرَاحِيلَ الْمُنْقِرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تُوُفِّيَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى دَخَلَ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ حِسْبَتِهِمْ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبًا. (التَّاسِعَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لِأَوْلَادِهِ أَوْ خَفِيفَهَا أَوْ خَالِيًا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ أَوْ كَارِهًا لَهُمْ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَظِنَّةُ الْمَحَبَّةِ، وَالشَّفَقَةِ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ يُحِبُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّخْصُ بَعْضَ أَقَارِبِهِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّةِ وَلَدِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَرِدْ تَرْتِيبُ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى مَوْتِ الْقَرِيبِ وَالصِّدِّيقِ، وَلَا عَلَى مَوْتِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ لَكِنْ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ إلَّا تَصْرِيدًا قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِكُلِّنَا فَرَطٌ قَالَ أَوَ لَيْسَ مِنْ فَرَطِ أَحَدِكُمْ أَنْ يَفْقِدَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» . وَقَوْلُهُ تَصْرِيدًا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَلِيلًا، وَأَصْلُهُ السَّقْيُ دُونَ الرَّيِّ، وَمِنْهُ صَرِدَ لَهُ الْعَطَاءَ قَلَّلَهُ. [فَائِدَة هَلْ أَوَّلًا الْأَوْلَاد كَالْأَوْلَادِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَدْ يُقَالُ إنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ فِي ذَلِكَ كَالْأَوْلَادِ سَوَاءٌ كَانُوا أَوْلَادَ الْبَنِينَ أَوْ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْتَحِقُونَ فِي ذَلِكَ بِهِمْ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْأَوْلَادِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ حَقِيقَةً، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَوْلَادِ الْبَنِينَ فَيَكُونُونَ كَالْأَوْلَادِ، وَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ فَلَا يَكُونُونَ كَالْأَوْلَادِ قَالَ الشَّاعِرُ: بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ وَقَدْ يُقَالُ يَنْزِلُونَ مَنْزِلَتَهُمْ عِنْدَ فَقْدِهِمْ لَا مَعَ وُجُودِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ، وَأَوْلَادُ أَوْلَادٍ فَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يَدْخُلُونَ، وَالثَّانِي يَدْخُلُونَ، وَالثَّالِثُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنِينَ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَقَدْ وَرَدَ تَقْيِيدُ الْأَوْلَادِ بِكَوْنِهِمْ مِنْ صُلْبِهِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ فَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ اسْتَجَنَّ بِجُنَّةٍ حَصِينَةٍ مِنْ النَّارِ رَجُلٌ سَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ صُلْبِهِ فِي الْإِسْلَامِ» فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو شَيْبَةَ الْقُرَشِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «مَنْ أُثْكِلَ ثَلَاثَةً مِنْ صُلْبِهِ فَاحْتَسَبَهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» إسْنَادُ الطَّبَرَانِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي إسْنَادِهِ أَحْمَدُ بْنُ لَهِيعَةَ. [فَائِدَة الِاحْتِسَاب فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَات وَعِنْد الْمَكْرُوهَات] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ تَقْيِيدَ ذَلِكَ بِالِاحْتِسَابِ، وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالِاحْتِسَابُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَعِنْدَ الْمَكْرُوهَاتِ هُوَ الْبِدَارُ إلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَتَحْصِيلِهِ، وَبِالتَّسْلِيمِ وَالصَّبْرِ أَوْ بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقِيَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْسُومِ فِيهَا طَالِبًا لِلثَّوَابِ الْمَرْجُوِّ مِنْهَا وَالِاحْتِسَابِ مِنْ الْحَسَبِ كَالِاعْتِدَادِ مِنْ الْعَدِّ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ يَنْوِي بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ احْتَسَبَهُ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْتَدَّ عَمَلَهُ فَجُعِلَ فِي حَالِ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ انْتَهَى. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ دَفَنَ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ فَصَبَرَ عَلَيْهِمْ وَاحْتَسَبَهُمْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ لِابْنِ قَانِعٍ عَنْ حَوْشَبِ بْنِ طَخْمَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ قِيلَ لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ مَا أَخَذْنَا مِنْك» فَمَنْ يَحْمِلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ يَخُصُّ ذَلِكَ بِالصَّابِرِ دُونَ الْجَازِعِ، وَقَدْ مَشَى عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي مُطْلَقِ الْمَصَائِبِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ صَبَرَ أَوْ لَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةَ» ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُ ابْنٌ يَرُوحُ إذَا رَاحَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ فَقَالَ أَتُحِبُّهُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ نَعَمْ فَأَحَبَّك اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشَدُّ لِي حُبًّا مِنْك لَهُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ ابْنُهُ ذَاكَ فَرَاحَ إلَى نَبِيِّ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بَثُّهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَزِعْت؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَوَ مَا تَرْضَى أَنْ يَكُونَ ابْنُك مَعَ ابْنِي إبْرَاهِيمَ يُلَاعِبُهُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ؟ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ» إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ الدِّمْيَاطِيُّ الْحَافِظُ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قُلْت، وَلَا يَحْتَاجُ عَلَى طَرِيقَةِ مُسْلِمٍ إلَى ثُبُوتِ مَعْرِفَةِ السَّمَاعِ لَكِنَّ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ هَذَا لَا يُعْرَفُ فَاقْتَضَى أَنَّهُ الَّذِي عِنْدَهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ. وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِكَوْنِ هَذَا الرَّجُلُ اعْتَرَفَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَزَعِ، وَذَلِكَ يُنَافِي الصَّبْرَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ فِيهِ الْحُكْمُ لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْبُشْرَى لِابْنِهِ الْمُتَوَفَّى، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِحَالَةِ الصَّبْرِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِيهَا هَذَا التَّقْيِيدُ، وَبَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْمُقَيَّدَةِ بِالصَّبْرِ ضَعِيفَةٌ. وَأَمَّا التَّقْيِيدُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ فَتَحْتَسِبُهُ فَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ لِقِلَّةِ الصَّبْرِ عِنْدَهُنَّ، وَكَثْرَةِ الْجَزَعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِنَّ مَعَ إظْهَارِ التَّفْجِيعِ بِفِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُنَّ فَرَدَعَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ بِهَذَا الْكَلَامِ لِيَحْصُلَ انْكِفَافُهُنَّ عَمَّا يَتَعَاطَيْنَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ فَكَانَ فَائِدَةُ هَذَا التَّقْيِيدِ ارْتِدَاعَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ لَا تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِهِ. وَقَدْ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ فَائِدَةٌ سِوَى تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ. [فَائِدَة هَلْ الْكَافِر مِنْ أَهْل الْأُجُور] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ لِمُسْلِمٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ وَاضِحٌ فَإِنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأُجُورِ لَكِنْ لَوْ مَاتَ لَهُ الْأَوْلَادُ فِي حَالِ الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَنْفَعُهُ مَا مَضَى مِنْ مَوْتِهِمْ فِي زَمَنِ كُفْرِهِ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُمْ فِي حَالَةِ إسْلَامِهِ؟ قَدْ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» لَمَّا قَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْت أَتَحْنَثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ هَلْ لِي فِيهَا مِنْ شَيْءٍ؟ لَكِنْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِيهَا تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَالرُّجُوعُ إلَيْهَا أَوْلَى فَتَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْعَاشِرَةِ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ لِي وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَيْضًا عَنْ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا رَجَاءُ قَالَتْ: «كُنْت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ لِي فِيهِ بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ لِي ثَلَاثَةٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمُنْذُ أَسْلَمْتِ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُنَّةٌ حَصِينَةٌ فَقَالَ لِي رَجُلٌ اسْمَعِي يَا رَجَاءُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ وُلِدَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ فَمَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ وِلَادَتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ وُلِدُوا لَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، وَمَاتُوا بَعْدَ إسْلَامِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ. [فَائِدَة هَلْ للسقط حُكْم الْأَوْلَاد الثَّلَاثَة] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَتَنَاوَلُ السِّقْطَ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَلَدًا لَكِنْ وَرَدَ ذِكْرُ السِّقْطِ فِي أَحَادِيثَ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهَا عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرْفُوعًا «إنَّ السِّقْطَ لَيُرَاغِمُ رَبَّهُ إذَا أَدْخَلَ أَبَوَيْهِ النَّارَ فَيُقَالُ أَيُّهَا السِّقْطُ الْمَرَاغِمُ رَبَّهُ أَدْخِلْ أَبَوَيْك الْجَنَّةَ فَيَجُرُّهُمَا بِسُرَرِهِ حَتَّى يُدْخِلَهُمَا الْجَنَّةَ» ، وَأَسْمَاءُ هَذِهِ لَا تُعْرَفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ السِّقْط لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسُرَرِهِ إلَى الْجَنَّةِ إذَا احْتَسَبَتْهُ» ، وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لَا يُعْرَفُ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ أَيْضًا، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مَرْفُوعًا «تَزَوَّجُوا فَإِنَّى مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ، وَإِنَّ السِّقْطَ يَظَلُّ مُحْبَنْطِئًا بِبَابِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ اُدْخُلْ يَقُولُ حَتَّى يُدْخَلَ أَبَوَايَ» كَذَا، وَفِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفٌ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ فَيُقَالُ، وَأَنْتَ، وَأَبَوَيْك قَالَ ابْنُ حِبَّانَ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ. [فَائِدَة الْمُرَاد بِتَحِلَّةِ الْقَسْم] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ قَسَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وُرُودِ جَمِيعِ الْخَلْقِ النَّارَ فَيَرِدُهَا بِقَدْرِ مَا يَبَرُّ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمَهُ ثُمَّ يَنْجُو ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْقَسَمِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالْجُمْهُورُ هُوَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، وَالْقَسَمُ مُقَدَّرٌ أَيْ، وَاَللَّهِ إنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ زَبَّانُ بْنُ فَايِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَرَسَ لَيْلَةً وَرَاءَ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ تَطَوُّعًا لَمْ يَرَ النَّارَ تَمَسُّهُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَفِي هَذَا مَا يَقْطَعُ بِصِحَّةِ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَسَمُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] . وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ حَتْمًا مَقْضِيًّا قَسَمًا، وَاجِبًا، وَحَكَى ابْنُ مَسْعُودٍ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَوْضِعِ الْقَسَمِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ قَسَمًا حَقِيقِيًّا، وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ تَقْلِيلِ الْمُدَّةِ فَتَقُولُ الْعَرَبُ مَا يُقِيمُ فُلَانٌ عَنْهُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ أَيْ مُدَّةً يَسِيرَةً، وَمَا يَنَامُ الْعَلِيلُ إلَّا كَتَحْلِيلِ الْأَلْيَةِ شَبَّهُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ بِمُدَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ يُحَلِّلُ بِهَا الْقَسَمَ فَيَقُولُ الْقَائِلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ النَّارَ يَكُونُ مُكْثُهُ فِيهَا قَلِيلًا كَمُدَّةِ تَحْلِيلِ الْيَمِينِ ثُمَّ يُنْجِيهِ اللَّهُ تَعَالَى. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، وَأَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ بَعْضُهُمْ الْخِطَابُ فِي قَوْله تَعَالَى، {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] رَاجِعٌ إلَى الْكُفَّارِ فَقَطْ، وَيَكُونُ فِيهِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْغَيْبَةِ إلَى الْحُضُورِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ، وَبَقِيَّةُ الْآيَةِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرُورَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى جَهَنَّمَ حَكَى ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لَمْ يَرِدْ عَلَى النَّارِ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ» يَعْنِي الْجِوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا حَقِيقَةً، وَلَكِنْ تَكُونُ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أُدْخِلَ نَارَ النُّمْرُودِ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (الرَّابِعُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِوُرُودِهَا مَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْحُمَّى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَا مَعَهُ مَرِيضًا كَانَ يَتَوَعَّكُ فَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ» . [فَائِدَة مَعْنَى الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله إلَّا تَحِلَّة الْقَسْم] 1 {السَّابِعَةَ عَشْرَ} الْجُمْهُورُ عَلَى حَمْلِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ أَيْ لَا تَمَسُّهُ قَلِيلًا، وَلَا مِثْلَ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْفَرْقَدَانِ أَيْ، وَلَا الْفَرْقَدَانِ انْتَهَى. وَالْبَيْتُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ: وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيك إلَّا الْفَرْقَدَانِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لِإِلَّا، وَهُوَ كَوْنُهَا عَاطِفَةً بِمَنْزِلِهِ الْوَاوِ فِي التَّشْرِيكِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ، وَالْفَرَّاءُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَجَعَلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] وقَوْله تَعَالَى {لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10] {إِلا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 11] أَيْ، وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَلَا مَنْ ظَلَمَ، وَتَأَوَّلَهُمَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   Qوَهَذَا الْمَعْنَى إنْ صَحَّ فَهُوَ مَرْجُوحٌ فَالْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ الْمَعْرُوفِ مُتَعَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ أَوْلَاد الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّة] 1 {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} اُسْتُدِلَّ بِتَعْلِيلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُخُولَ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ الْأَوْلَادِ، وَشَفَاعَتِهِمْ فِي آبَائِهِمْ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّتْ الْجَبْرِيَّةُ فَجَعَلُوهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] الْآيَةَ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لِآبَائِهِمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ، وَهُمْ غَيْرُ مَرْحُومِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «تُوُفِّيَ صَبِيٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُلْت لَهُ طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ السُّوءَ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ» . وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَنْكَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قَوْلِهِ إنِّي لِأُرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ أَوْ مُسْلِمًا الْحَدِيثُ. (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ أُعْلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَمَّا أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ، وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَالْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقٌ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ. [فَائِدَة هَلْ تِبْر الْيَمِين بِفِعْلِ الْقَلِيل] {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} اسْتَدَلَّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَنَّهُ تَبِرُّ يَمِينُهُ بِفِعْلِ الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ. [بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ] [حَدِيث لَا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ] (بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 «لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنَّيَا، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» .   Qعُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ {فِيهِ} فَوَائِدُ {الْأُولَى} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ أَنَّ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَمَّنِي الْمَوْتِ وَعَنْ الدُّعَاءِ بِهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا حَكَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَقَالَ إنَّ هَذَا هُوَ الصَّارِفُ عَنْ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ قُلْت لَكِنْ صَرَّحَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِالتَّحْرِيمِ فَقَالَ الْمُتَمَنِّي لِلْمَوْتِ لَيْسَ بِمُحِبٍّ لِلِقَاءِ اللَّهِ بَلْ هُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَمَنِّيه لِلْمَوْتِ إذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا ثُمَّ قَالَ وَالِدِي: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدُّعَاءَ بِالْمَوْتِ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ قَدْ ضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَكَبُرَتْ سِنِّي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إلَيْك غَيْرَ مُضَيِّعٍ، وَلَا مُقَصِّرٍ فَمَا جَاوَزَ ذَلِكَ الشَّهْرَ حَتَّى قُبِضَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لِخَوْفِ فِتْنَةٍ قُلْت بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِخَوْفِ فِتْنَةِ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ خَائِفٌ لِضَعْفِ قُوَّتِهِ، وَانْتِشَارِ رَعِيَّتِهِ، وَكَثْرَتِهِمْ أَنْ يَقَعَ تَضْيِيعٌ مِنْهُ لِأُمُورِهِمْ، وَتَقْصِيرٌ فِي الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ فَلَمَّا خَشَى هَذِهِ الْفِتْنَةَ دَعَا بِالْمَوْتِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَدْ جَاءَ تَمَنِّي الْمَوْتِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ خَوْفًا مِنْ إظْهَارِ أَحْوَالِهِمْ الَّتِي بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُحِبُّونَ اطِّلَاعَ الْخَلْقِ عَلَيْهَا قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الدِّينِ أَيْضًا خَشُوا مِنْ ظُهُورِ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَخُرُوجِهَا مِنْ السِّرِّ إلَى الْعَلَانِيَةِ تَطَرُّقُ الْمُفْسِدَاتِ إلَيْهَا مِنْ الرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ، وَكَانُوا فِي رَاحَةٍ بِالِاخْتِفَاءِ فَطَلَبُوا الْمَوْتَ خَوْفًا مِنْ مَفْسَدَةِ الظُّهُورِ فَإِنْ قُلْت دَعَا السَّيِّدُ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ بِالْمَوْتِ فِي قَوْلِهِ {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] قَالَ قَتَادَةُ لَمْ يَتَمَنَّ الْمَوْتَ أَحَدٌ إلَّا يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ تَكَامَلَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ، وَجُمِعَ لَهُ الشَّمْلُ اشْتَاقَ إلَى لِقَاءِ رَبِّهِ قُلْت الْمُخْتَارُ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَةِ أَنَّ مُرَادَهُ تَوَفَّنِي عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِي مُسْلِمًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ اسْتِعْجَالَ الْمَوْتِ، وَبِتَقْدِيرِ حَمْلِهَا عَلَى الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ فِي أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا أَمْ لَا، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ شَرْعًا لَنَا فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَرِدَ فِي شَرْعِنَا مَا يَنْسَخُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي شَرْعنَا نَسْخُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ قُلْت فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْتِ حَيْثُ قَالَ فِي آخَرِ مَرَضِ مَوْتِهِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى» ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ تَمَنِّي الْمَرِيضِ الْمَوْتَ قُلْت لَيْسَ هَذَا دُعَاءً بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ رِضًى بِهِ عِنْدَ مَجِيئِهِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَا يُقْبَضُونَ عِنْدَ انْتِهَاءِ آجَالِهِمْ حَتَّى يُخَيَّرُوا إكْرَامًا لَهُمْ، وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ، وَلَنْ يَخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ إلَّا مَا يَخْتَارُهُ اللَّهُ لَهُمْ فَلَمَّا خُيِّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ انْتِهَاءِ أَجَلِهِ اخْتَارَ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُ وَرَضِيَ بِالْمَوْتِ وَأَحَبَّهُ وَطَلَبَهُ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لَا ابْتِدَاءً، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ، «وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ» ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي طَلَبِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ مَجِيئِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِمَا يَرِدُ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَكِنَّ الْآحَادَ لَا سَبِيلَ إلَى تَحْقِيقِ هَذَا، وَأَنْ يُخَيَّرُوا عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ مُشَافَهَةً صَرِيحَةً، وَغَايَةُ مَا يَقَعُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَنَامٌ أَوْ خَاطِرٌ صَحِيحٌ لَا يَصِلُ بِهِ إلَى الْقَطْعِ بِهِ، وَلَوْ اسْتَبْشَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَلْبِهْ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَكَانَ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت إذَا مَنَعْتُمْ لَأَنْ يَكُونَ لِلْآحَادِ طَرِيقٌ إلَى تَحْقِيقِ هَذَا، وَحَسَمْتُمْ الْبَابَ فِيهِ فَمَا مَعْنَى هَذَا التَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ قُلْت فِيهِ، وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى حَالَةِ نُزُولِ الْمَوْتِ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ تَكُونَ حَالُهُ فِيهَا حَالَ الْمُتَمَنِّي لِلْمَوْتِ الدَّاعِي بِهِ رَاضِيًا بِهِ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ إلَى مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ جَازِعٍ، وَلَا قَلِقٍ (ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ؟ إلَى أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِهِ نَوْعَ اعْتِرَاضٍ وَمُرَاغَمَةٍ لِلْمَقْدُورِ الْمَحْتُومِ فَإِنْ قُلْت، وَسَائِرُ الْأَدْعِيَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا إمَّا مُقَدَّرَةٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي سُؤَالِهَا لِوُقُوعِهَا لَا مَحَالَةَ أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَفِي سُؤَالِهَا اعْتِرَاضٌ، وَمُرَاغَمَةٌ لِلْقَدَرِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الدُّعَاءِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، قُلْت: إمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْأُمُور الْأُخْرَوِيَّة فَفِيهِ إظْهَارُ الِافْتِقَارِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ وَالِاحْتِيَاجِ. وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا احْتِيَاجَ لِلْعَبْدِ إلَيْهَا، وَظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، وَقَدْ تَكُونُ قُدِّرَتْ لَهُ إنْ دَعَا بِهَا دُونَ مَا إذَا لَمْ يَدْعُ بِهَا فَالْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ الْمُسَبِّبَاتِ مُقَدَّرَةٌ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ طَلَبِ إزَالَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْفَوَائِدِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ. (الثَّالِثَةُ) أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَالدُّعَاءِ بِهِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْأَعْمَالِ بِالْمَوْتِ فَفِي الْحَيَاةِ زِيَادَةُ الْأُجُورِ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَال، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْتِمْرَارُ الْإِيمَانِ فَأَيُّ عَمَلٍ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إيمَانٌ بِاَللَّهِ فَبَدَأَ بِهِ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُسْلَبُ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قُلْت إنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ خَاتِمَةُ السُّوءِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ طَالَ عُمُرُهُ أَوْ قَصُرَ، وَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فَزِيَادَةُ عُمُرِهِ زِيَادَةٌ فِي حَسَنَاتِهِ، وَرَفْعٌ فِي دَرَجَاتِهِ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «جَلَسْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَّرَنَا، وَرَقَّقَنَا فَبَكَى سَعْدٌ فَأَكْثَرَ الْبُكَاءَ فَقَالَ يَا لَيْتَنِي مِتُّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا سَعْدُ أَعْنَدِي تَتَمَنَّى الْمَوْتَ؟ فَرَدَّدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ يَا سَعْدُ إنْ كُنْت خُلِقْت لِلْجَنَّةِ فَمَا طَالَ مِنْ عُمْرِك أَوْ حَسُنَ مِنْ عَمَلِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك» . فَإِنْ قُلْت فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا فَقَدْ يَزِيدُهُ شَرًّا بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ قُلْت إنْ حُمِلَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْإِيمَانِ فَوَاضِحٌ فَإِنَّ ذَاكَ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ إلَّا خَيْرٌ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْمُؤْمِنِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْمُخَلِّطَ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَزِيدُهُ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا لِكَثْرَةِ الْمُكَفِّرَاتِ، وَالْمُضَاعَفَةِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَمَا دَامَ مَعَهُ أَصْلُ الْأَعْمَالِ فَحَسَنَاتُهُ مَقْبُولَةٌ مُضَاعَفَةٌ، وَسَيِّئَاتُهُ مَحْفُوفَةٌ بِالْمُكَفِّرَاتِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَّا الْيَسِيرُ يَمْحُوهُ الْكَرْمُ الْمَحْضُ، وَالْعَفْوُ الْعَظِيمُ فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ يَسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ لَمْ تَنْحَصِرْ الْقِسْمَةُ فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فَلَعَلَّهُ بِكَوْنِهِ مُسِيئًا يَزْدَادُ إسَاءَةً فَيَكُونُ زِيَادَةُ الْعُمُرِ زِيَادَةً لَهُ فِي السَّيِّئَاتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «شَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ» . أَوْ لَعَلَّهُ يَكُونُ مُحْسِنًا فَتَنْقَلِبُ حَالُهُ إلَى الْإِسَاءَةِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قُلْت تَرَجَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ زِيَادَةَ الْإِحْسَانِ أَوْ الِانْكِفَافِ عَنْ السُّوءِ فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَدُومَ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَخِفَّ إحْسَانُهُ فَذَاكَ الْإِحْسَانُ الْخَفِيفُ الَّذِي دَامَ عَلَيْهِ مُضَاعَفٌ لَهُ مَعَ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنْ زَادَتْ إسَاءَتُهُ فَالْإِسَاءَةُ كَثِيرٌ مِنْهَا يُكَفَّرُ، وَمَا لَا يُكَفَّرُ يُرْجَى الْعَفْوُ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَمَا دَامَ مَعَهُ الْإِيمَانُ فَالْحَيَاةُ خَيْرٌ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الرَّجَاءِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْمُحْسِنَ يَرْجُو مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الزِّيَادَةَ فِي تَوْفِيقِهِ لِلزِّيَادَةِ فِيهِ، وَأَنَّ الْمُسِيءَ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْقُنُوطُ بَلْ لَا يُقْطَعُ رَجَاؤُهُ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] انْتَهَى. {الرَّابِعَةُ} أُطْلِقَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَنِّيه لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَقَالَ لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرِّ نَزَلَ بِهِ، وَمُطْلَقُ الضُّرِّ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ لَكِنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا هُوَ الضُّرُّ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فَاقَةٍ أَوْ مِحْنَةٍ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاقِّ الدُّنْيَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ، وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ «لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا» ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ أَيُّوبُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] ، وَإِخْوَةُ يُوسُفَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِمْ {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف: 88] فَأَمَّا الضُّرُّ فِي الدِّينِ فَهُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ مَعَهُ بِالدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ، وَتَمَنِّيه، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إلَّا الْبَلَاءُ» ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت قَدْ عُرِفَ أَنَّ تَمَنِّيَ الْمَوْتِ لِلضُّرِّ الدُّنْيَوِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالضُّرُّ الْأُخْرَوِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِذَا كَانَ تَمَنِّيه لِغَيْرِ ضُرٍّ دُنْيَوِيٍّ، وَلَا أُخْرَوِيٍّ كَيْفَ حُكْمُهُ؟ قُلْت مُقْتَضَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِالضُّرِّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَفْهُومُ غَيْرُ الْمَعْمُولِ بِهِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ النَّاسَ لَا يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ إلَّا لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِمْ فَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ ضِيقًا وَضَجَرًا، وَسُخْطًا لِلْمَقْدُورِ، وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ النَّاسِ بِتَمَنِّي الْمَوْتِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَلَعَلَّ هَذَا أَرْجَحُ فَيَكُونُ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي صُورَةِ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَيْضًا، وَقَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ النَّهْيِ صُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ شَوْقًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، وَرَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَأْتِي الرَّجُلُ إلَى الْقَبْرِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَ هَذَا لَيْسَ بِهِ حُبُّ اللَّهِ، وَلَكِنَّ مِنْ شِدَّةِ مَا يَرَى مِنْ الْبَلَاءِ "، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَالدُّعَاءَ بِهِ جَائِزٌ إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَهُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِ أَوْ الشَّوْقُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَمَكْرُوهٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا «، وَإِذَا أَرَدْت بِالنَّاسِ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ» ، وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23] . [فَائِدَة الْحِكْمَة مِنْ لِنَهْيِ عَنْ تمني الْمَوْت] 1 {الْخَامِسَةُ} إنْ قُلْت إذَا كَانَتْ الْآجَالُ مَقْدِرَةً لَا يَزْدَادُ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا فَمَا الَّذِي يُؤَثِّرُ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ، وَمَا الْحِكْمَةُ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ قُلْت هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَفِيهِ مُرَاغَمَةُ الْمَقْدُورِ، وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُؤْمِنِ لَا يَزِيدُهُ عُمُرُهُ إلَّا خَيْرًا فَإِنْ قُلْت إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّمَنِّي لِلْمَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْأَعْمَالِ لِتَقْدِيرِهَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَهُودِ أَنَّهُمْ لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَمَاتُوا جَمِيعًا قُلْت ذَاكَ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَحْيٍ خَاصٍّ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي حَقِّ أُولَئِكَ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ لَوْ تَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَمَاتُوا فَرُتِّبَتْ آجَالُهُمْ عَلَى وَصْفٍ إنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَاتُوا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَقُوا إلَى وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ هَلْ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ فَتَقْرُبَ آجَالُهُمْ أَوْ لَمْ يَتَمَنَّوْنَهُ فَتَبْعُدَ آجَالُهُمْ، وَالْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ الْمُسَبِّبَاتِ مُقَدَّرَةٌ، وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَأَيْت رُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ هِيَ مِنْ قَدَرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 بَابُ تَمَنِّيه لِمُصِيبَةِ الدِّينِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْر فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ   Qاللَّهِ تَعَالَى» . [فَائِدَة الدُّعَاء بِالْمَوْتِ] 1 {السَّادِسَةُ} قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْأَمْرِ اسْتِحْبَابَ الدُّعَاءِ بِهِ لِهَذَا بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ بِهِ فَأَنَّهُ رَتَّبَ الْأَمْرَ بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمُتَمَنِّي لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ صُورَةُ تَمَنٍّ مَعَ نَهْيِهِ أَوَّلًا عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَفْضَلُ الصَّبْرُ وَالسُّكُونُ لِلْقَضَاءِ. {السَّابِعَةُ} إنْ قُلْت قَدْ دَلَّ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْوَفَاةَ قَدْ تَكُونُ خَيْرًا لِلْعَبْدِ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، «وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنُ مِنْ عُمُرِهِ إلَّا خَيْرًا» ؟ قُلْت إنْ حُمِلَ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْكَامِلِ فِي الْإِيمَان فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاضِحٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الَّذِي تَكُونُ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَهُ لَيْسَ كَامِلَ الْإِيمَانِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْإِيمَانِ فَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ الْحَيَاةُ خَيْرًا لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي تَكُونُ الْوَفَاةُ فِيهَا خَيْرًا لَهُ نَادِرَةٌ فَلَا يَدْعُو بِهَا، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا عَلَى ظَنِّ نَفْسِهِ فِيهَا إلَّا إنْ وَكَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. {الثَّامِنَةُ} قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ فِي «الْحَيَاةِ مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ» وَقَالَ فِي «الْوَفَاةِ إذَا كَانَتْ» ، وَلَمْ يَأْتِ بِإِذَا فِيهِمَا، وَلَا بِمَا فِيهِمَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْحَيَاةُ حَاصِلَةً، وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا حَسُنَ الْإِتْيَانُ بِمَا أَيْ مَا دَامَتْ الْحَيَاةُ مُتَّصِفَةً بِهَذَا الْوَصْفِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْوَفَاةُ مَعْدُومَةً فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَقُولَ مَا كَانَتْ بَلْ أَتَى بِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ فَقَالَ: إذَا كَانَتْ أَيْ إذَا آلَ الْحَالُ إلَى أَنْ تَكُونَ الْوَفَاةُ بِهَذَا الْوَصْفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ تَمَنِّيه لِمُصِيبَةِ الدِّينِ] [حَدِيث لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْر فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ] {بَابُ تَمَنِّيه لِمُصِيبَةِ الدِّينِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدَّيْنُ إلَّا الْبَلَاءُ» .   Qالرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْفِتَنِ مِنْ صَحِيحَيْهِمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى قَبْرِ الرَّجُلِ فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ وَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي كُنْت مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إلَّا الْبَلَاءُ» . {الثَّانِيَةُ} فِيهِ أَنَّ «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا مُرُورُ الرَّجُلِ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ وَقَعَ فَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ، وَلَا فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ، وَلَا لِجَمِيعِ النَّاسِ بَلْ يَصْدُقُ هَذَا بِأَنْ يَتَّفِقَ لِبَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ. [فَائِدَة مِنْ أَسْبَاب تمني الْمَوْت] 1 {الثَّالِثَةُ} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ هَذَا التَّمَنِّي مَا يُرَى مِنْ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ وَالشَّدَائِدِ وَالْفِتَنِ فَيَرَى الْمَوْتَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ أَهْوَنَ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَيَتَمَنَّى الْمُصِيبَةَ الْهَيِّنَةَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَا يَرَى مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ وَتَبْدِيلِ الدِّينِ فَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِسَلَامَةِ دِينِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا مَرْدُودٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إلَّا الْبَلَاءُ أَيْ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ الدِّينِ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الْبَلَاءُ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ الْمَرْدُودِ فَقَالَ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَقَالَ فِي هَذَا إبَاحَةُ تَمَنِّيه، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرُ أَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ بِالنَّاسِ مِنْ فَسَادِ الْحَالِ فِي الدِّينِ، وَضَعْفِهِ، وَخَوْفِ ذَهَابِهِ لَا لِضَرَرٍ يَنْزِلُ بِالْمُؤْمِنِ فِي جِسْمِهِ اهـ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ تَرُدُّهُ فَإِنْ قُلْت إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ؟ قُلْت لَا مُعَارِضَةَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى جَمْعٍ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إخْبَارٌ عَنْ شِدَّةٍ تَحْصُلُ يَنْشَأُ عَنْهَا هَذَا التَّمَنِّي، وَلَيْسَ فِيهِ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا التَّمَنِّي بِشَيْءٍ لَا بِتَحْرِيمٍ وَلَا كَرَاهَةِ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإبَاحَةٍ فَالْحَدِيثُ إنَّمَا سِيقَ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا سَيَقَعُ. وَأَمَّا حُكْمُ التَّمَنِّي فَمَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ، وَجَزَمَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ ثُمَّ قَالَ، وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْفِتَنِ وَالْمَشَقَّاتِ وَالْأَفْكَارِ قَدْ أَذْهَبَتْ الدِّينَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ أَوْ أَقَلَّتْ الِاعْتِنَاءَ بِهِ فَمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالدِّينِ عِنْدَ هُجُومِ الْفِتَنِ؟ وَلِذَلِكَ عَظُمَ قَدْرُ الْعِبَادَةِ فِي حَالَةِ الْفِتَنِ حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ» اهـ. {الرَّابِعَةُ} تَبْوِيبُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافَقَةً لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْهِ أَنَّ سَبَبَ هَذَا التَّمَنِّي مُصِيبَةُ الدِّينِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مَرْدُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ الدِّينُ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ ذَلِكَ، وَلَا مَدْحِهِ، وَإِنَّمَا سَبَقَ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الشَّدَائِدِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِحَيْثُ يَصِلُ الْحَالُ إلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ بِسَبَبِهَا، وَهَذَا النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمَّا الْحُكْمُ، وَهُوَ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي عَبْسٍ الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ خَلَائِقُ مِنْ السَّلَفِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ» الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا التَّمَنِّي لِلرِّجَالِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ يُبْتَلَوْنَ بِالشَّدَائِدِ وَالْمِحَنِ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ ثَمَرَةُ الْفِتَنِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ مَحْجُوبَاتٌ فِي الْأَغْلَبِ لَا يَصْلَيْنَ نَارَ الْفِتَنِ قَالَ الشَّاعِرُ كُتِبَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ عَلَيْنَا ... وَعَلَى الْغَانِيَّاتِ جَرُّ الذُّيُولِ. [فَائِدَة بِمَا يُؤَكِّد تمني الْمَوْت] 1 {السَّادِسَةُ} قَدْ يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا التَّمَنِّي لَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ إلَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْقَبْرِ، وَذَلِكَ قَدْ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ هَذَا التَّمَنِّي، وَعَدَمِ تَأَكُّدِهِ فَلَوْ تَأَكَّدَ لَاسْتَحْضَرَهُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْقَبْرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هَذَا أَبْلَغُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارٍ لِهَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَهُ وَتَصَوَّرَهُ، وَشَاهَدَ الْمَوْتَى، وَرَأَى الْقُبُورَ نَفَرَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَحَبَّ الْحَيَاةَ، وَلَمْ يَعُدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 بَابُ لَيْسَ مِنْ التَّمَنِّي مَحَبَّةُ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ عَبْدِي لِقَائِي كَرِهْت لِقَاءَهُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ لَمْ يُحِبَّ لِقَاءَ اللَّهِ لَمْ يُحِبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَزَادَتْ «فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ   Qيَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَمِرًّا عَلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ مَعَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ هَذَا الْأَمْرِ وَقُوَّتِهِ عِنْدَهُ، إذْ لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهُ مَا شَاهَدَ مِنْ وَحْشَةِ الْقُبُورِ، وَفِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ مُبَالَغَةٌ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَرَّغُ عَلَى الْقَبْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ تَمَنِّيه وَشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ لَيْسَ مِنْ التَّمَنِّي مَحَبَّةُ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى] [حَدِيث قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ] {بَابُ لَيْسَ مِنْ التَّمَنِّي مَحَبَّةُ لِقَاءِ اللَّهِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا أَحَبَّ الْعَبْدُ لِقَائِي أَحْبَبْت لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ الْعَبْدُ لِقَائِي كَرِهْت لِقَاءَهُ " وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ لَمْ يُحِبَّ لِقَاءَ اللَّهِ لَمْ يُحِبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ «وَلَكِنْ إذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتْ الْأَصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»   Qمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «فَأَتَيْت عَائِشَةَ فَقُلْت يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا، فَقَالَتْ إنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَاكَ قُلْت قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَتْ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْسَ بِاَلَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ إذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتْ الْأَصَابِعُ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ لِقَاءَهُ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي آخِرِهِ «وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ «عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ فَقُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ يُوهِمُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِهَا مُسْنَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى الصَّوَابِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَيَقْطَعُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ ذَلِكَ كُشِفَ لَهُ» . {الثَّانِيَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَالْمُعَايَنَةِ فَحِينَئِذٍ يُكْشَفُ الْغِطَاءُ فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُبَشَّرُونَ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُمْ وَأَرَادَهُ فِيهِمْ وَهُوَ مَعْنَى مَحَبَّتِهِ لِقَاءَهُمْ فَيَغْتَبِطُونَ وَيُسَرُّونَ بِذَلِكَ وَيُحِبُّونَ الْمَوْتَ لِتَحْصِيلِ تِلْكَ الْكَرَامَةِ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ كُشِفَ لَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ فَكَرِهُوا الْوُرُودَ عَلَى رَبِّهِمْ لَمَّا تَيَقَّنُوا مِنْ تَعْذِيبِهِ لَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبْعَدَهُمْ عَنْهُ وَأَرَادَ بِهِمْ الْعَذَابَ وَهُوَ مَعْنَى كُرْهِهِ لِقَاءَهُمْ فَمَنْ هُنَا خَبَرِيَّةٌ غَيْرُ شَرْطِيَّةٍ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ سَبَبَ حُبِّ اللَّهِ لِقَاءَ هَؤُلَاءِ حُبُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ اللَّهِ لِقَاءَ هَؤُلَاءِ كَرَاهَتُهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ صِفَةُ حَالِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَعِنْدَ رَبِّهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ فَيُسْتَدَلُّ بِاسْتِبْشَارِ الْمُحْتَضَرِ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَبِانْكِمَاشِهِ بَعْدَهَا عَلَى الشَّرِّ، وَقَدْ فَسَّرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْحَدِيثَ بِذَلِكَ وَرَوَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي كَرَاهَةَ الْمَوْتِ وَشِدَّتَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَكِنْ الْمَكْرُوهُ مِنْ ذَلِكَ إيثَارُ الدُّنْيَا وَالرُّكُونُ إلَيْهَا وَكَرَاهَتُهُ أَنْ يَصِيرَ إلَى اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ قَالَ وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَابَ قَوْمًا فِي كِتَابِهِ بِحُبِّ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: 7] وَقَالَ {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96] وَقَالَ {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الجمعة: 7] قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ بِالْكَرَاهِيَةِ لِلْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَرَاهِيَةُ لِلنَّقْلَةِ مِنْ الدُّنْيَا إلَى الْآخِرَةِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَنْ قُضِيَ بِمَوْتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لِقَاءَ اللَّهِ وَلَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَوْتَهُ مَا مَاتَ وَلَا لَقِيَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْغُفْرَانَ لَهُ وَإِرَادَتِهِ لِإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْغُفْرَانِ لِمَنْ كَرِهَ الْمَوْتَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ قَائِلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. {الثَّالِثَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ مَحْمُودَةٌ وَهِيَ عَلَامَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ فَإِنْ قُلْت قَدْ حَمَلْتُمْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَالَةِ النَّزْعِ وَالِاحْتِضَارِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لَا تَمَنِّي فِيهَا؟ قُلْت مَا الْمَانِعُ مِنْ التَّمَنِّي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَوْلَا وُرُودُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ لَكَرِهْنَا تَمَنِّي الْمَوْتِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلِمْنَا أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَحْمُودٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي زَمَنِ الصِّحَّةِ أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ وَلَا يَتَمَنَّاهُ بِلِسَانِهِ فَتَكُونُ هَذِهِ بُشْرَى لِلْعَبْدِ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ الْعَارِفَ بِالْأُمُورِ لَا يُحِبُّ الْمَوْتَ إلَّا إذَا أَعَدَّ لَهُ الْأُهْبَةَ وَتَخَلَّصَ مِنْ التَّبَعَاتِ وَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ لِقَاءَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُرِيدُ لَهُ الْخَيْرَ وَيَعُدُّهُ لَهُ فَإِنْ قُلْت هَذَا يُنَافِي الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الِاحْتِضَارِ قُلْت تِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي لِاخْتِلَالٍ فِيهَا وَلَا شَكَّ مَنْ أَحَبَّ فِيهَا لِقَاءَ اللَّهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ وَمَنْ كَرِهَ فِيهَا لِقَاءَ اللَّهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى كَرَاهَةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ كَرَاهَةُ اللَّهِ لِلِقَائِهِ وَلَا مِنْ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ إذَا نَشَأَ عَنْ ضَجَرٍ وَاخْتِلَالِ عَقْلٍ وَعَدَمِ إحْكَامٍ لِلْأُمُورِ مَحَبَّةُ اللَّهِ لِلِقَائِهِ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا كَوْنَ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلْمَوْتِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاحْتِضَارِ دَلِيلًا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ لِلِقَائِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُحْكِمٍ لِلْأُمُورِ قَدْ اسْتَعَدَّ لِلْأُمُورِ وَأَخَذَ لَهَا أُهْبَتَهَا وَقَامَ لِلَّهِ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ الْمَوْتِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى خَيْرٍ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إرَادَةُ الْخَيْرِ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ، وَبُغْضُهُ إرَادَتَهُ عِقَابَهُ وَشَقَاوَتَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. {الْخَامِسَةُ} قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ الْمَصِيرُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتُ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 بَابُ لَيْسَ خَوْفُ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ لِأَهْلِهِ إذَا مَاتَ فَأَحْرِقُوهُ، ثُمَّ أَذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، قَالَ فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَالْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ   Qكُلًّا يَكْرَهُهُ فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا أَوْ أَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِلُ إلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَقَوْلُهُ «وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ» يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ اللِّقَاءِ، وَلَكِنَّهُ مُعْتَرَضٌ دُونَ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ فَيَجِبُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلَ مَشَاقَّهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْفَوْزِ بِاللِّقَاءِ انْتَهَى. {السَّادِسَةُ} قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «شَخَصَ الْبَصَرُ» بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ ارْتِفَاعُ الْأَجْفَانِ إلَى فَوْقَ وَتَحْدِيدُ النَّظَرِ وَقَوْلُهَا «وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ» بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ وَمَعْنَاهُ تَرَدُّدُ النَّفَسِ فِي الصَّدْرِ وَقَوْلُهَا «وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ» بِرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ فِي آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ قِيَامُ شَعْرِهِ وَقَوْلُهَا «وَتَشَنَّجَتْ الْأَصَابِعُ» بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَتَشْدِيدِهَا وَالْجِيمِ وَالْمُرَادُ تُقَيِّضُهَا وَتَقَلُّصُهَا وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ حَالَةُ الِاحْتِضَارِ [بَابُ لَيْسَ خَوْفُ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى] [حَدِيث رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ لِأَهْلِهِ] {بَابُ لَيْسَ خَوْفُ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ كَرَاهِيَةً لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ لِأَهْلِهِ إذَا مَاتَ فَأَحْرِقُوهُ، ثُمَّ أَذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، قَالَ فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَالْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ فَغَفَرَ لَهُ» وَلِأَحْمَدَ «لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إلَّا التَّوْحِيدَ» ..   Qيَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ فَغَفَرَ لَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَمْ يَعْمَلْ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ إلَّا التَّوْحِيدَ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ نَبَّاشًا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَكْثَرَ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ رَفَعُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَوَقَفَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْت وَالْمُرَادُ وَقْفُ لَفْظِهِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُوَحِّدًا؛ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ أَعْظَمُ الْخَيْرِ لَكِنْ إخْبَارُهُ بِأَنَّهُ فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَكَيْفَ يَخْشَى اللَّهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بَلْ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، وَقَدْ رَفَعَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلْتهَا مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ الْإِشْكَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيهَا «لَمْ يَعْمَلْ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ إلَّا التَّوْحِيدَ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إنْ صَحَّتْ رَفَعَتْ الْإِشْكَالَ فِي إيمَانِ هَذَا الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْأُصُولِ تَعْضُدُهَا وَالنَّظَرُ يُوَجِّهُهَا؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَغْفِرَ لِلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا سَائِغٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظِ الْكُلِّ وَالْمُرَادُ الْبَعْضُ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «إذَا مَاتَ فَأَحْرِقُوهُ» أَتَى بِهِ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَلَمْ يَحْكِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ لَهُمْ وَهُوَ إذَا مِتّ فَاحْرُقُونِي وَهَذَا سَائِغٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ لِعَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْرَمَهُ وَلَوْ حَكَى الْقَوْلَ لَقِيلَ قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْرَمَك وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ مُسْتَعْمَلَانِ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «، ثُمَّ أَذْرُوا» بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ فِي هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَالْقَطْعِ يُقَالُ ذَرَتْهُ الرِّيحُ وَأَذْرَتْهُ تَذْرُوهُ وَتُذْرِيهِ إذَا أَطَارَتْهُ وَمِنْهُ تَذْرِيَةُ الطَّعَامِ كَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَكَرَ فِي الْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ ذَرَيْتُ وَأَذْرَيْتُ بِمَعْنًى وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ ذَرَوْته طَيَّرْته وَأَذْهَبْته وَذَرَتْ الرِّيحُ التُّرَابَ وَغَيْرَهُ تَذْرُوهُ وَتُذْرِيهِ ذَرْوًا وَذَرْيًا أَيْ سَفَّتْهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ذَرَّى النَّاسُ الْحِنْطَةَ، ثُمَّ قَالَ وَأَذْرَيْتُ الشَّيْءَ إذَا أَلْقَيْته كَإِلْقَائِك لِحَبٍّ لِلزَّرْعِ؛ وَطَعَنَهُ فَأَذْرَاهُ عَنْ ظَهْرِ دَابَّتِهِ أَيْ أَلْقَاهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ نَحْوَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الثُّلَاثِيِّ وَالرُّبَاعِيِّ وَأَنَّ مَا يُلْقَى فِي غَيْرِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الثُّلَاثِيُّ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُلْقَى فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الرُّبَاعِيُّ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ» ظَاهِرُهُ نَفْيُ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى إحْيَائِهِ وَإِعَادَتِهِ وَفِي الْقَوْلِ بِهِ إشْكَالٌ فَإِنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ وَالشَّاكُّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَافِرٌ مَعَ كَوْنِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إخْبَارُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَا يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى وَالثَّانِي إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ اللَّهَ غَفَرَ لَهُ وَالْكَافِرُ لَا يُغْفَرُ لَهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّهُ كَانَ مُوَحِّدًا فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَيَكُونُ لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَأَنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَى الْعَذَابِ أَيْ قَضَاهُ يُقَالُ مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالثَّانِي أَنْ قَدَرَ بِمَعْنَى ضَيَّقَ فَقَوْلُهُ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ أَيْ لَئِنْ ضَيَّقَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 16] وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] وَقَالَ آخَرُونَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَذَكَرُوا لَهُ تَأْوِيلَاتٍ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِكَلَامِهِ وَلَا قَاصِدٍ لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ وَمُعْتَقِدٍ لَهَا بَلْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهَشُ وَالْخَوْفُ وَالْجَزَعُ الشَّدِيدُ بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظُهُ وَتَدَبُّرُهُ مَا يَقُولُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِلِ وَالنَّاسِي وَهَذِهِ الْحَالَةُ لَا يُؤَاخَذُ فِيهَا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ الْآخَرَ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ حِينَ وَجَدَ رَاحِلَتَهُ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك فَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ لِلدَّهَشِ وَالْغَلَبَةِ وَالسَّهْوِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ فَلَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ أَيْ أَغِيبُ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ «لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَى» ظَاهِرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. (الثَّانِي) أَنَّ هَذَا مِنْ مَجَازِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَبَدِيعِ اسْتِعْمَالِهَا يُسَمُّونَهُ مَزْجُ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] فَصُورَتُهُ شَكٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينُ [فَائِدَة مِنْ جَهْل صفة مِنْ صفات اللَّه تَعَالَى] 1 (الثَّالِثُ) أَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ جَاهِلِ الصِّفَةِ فَمَنْ كَفَّرَهُ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَوَّلًا وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَكْفُرُ بِجَهْلِ الصِّفَةِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ اسْمِ الْإِيمَانِ بِخِلَافِ جَحْدِهَا وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ، قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ اعْتِقَادًا نَقْطَعُ بِصَوَابِهِ وَيَرَاهُ دِينًا وَشَرْعًا، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَتَهُ حَقٌّ؛ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ عَنْ الصِّفَاتِ لَوُجِدَ الْعَالِمُ بِهَا قَلِيلًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَجَمَاعَةً مِنْ «الصَّحَابَةِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقَدَرِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ وَهُمْ جَاهِلُونَ بِهِ وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا بِسُؤَالِهِمْ عَنْ ذَلِكَ كَافِرِينَ انْتَهَى. (الرَّابِعُ) أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ فَتْرَةٍ حِينَ يَنْفَعُ مُجَرَّدُ التَّوْحِيدِ وَلَا تَكْلِيفَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . (الْخَامِسُ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِشَرِيعَةٍ فِيهَا جَوَازُ الْعَفْوِ عَنْ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي شَرْعِنَا فَإِنَّهُ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ فِي شَرْعِنَا بِالشَّرْعِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة كَبِيرَة الْيَأْس مِنْ رَحْمَة اللَّه] 1 {السَّادِسَةُ} إنْ قُلْت ظَاهِرُ حَالِ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَبِيرَةٍ وَهُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَكَانَ هَذَا خَاتِمَةُ أَمْرِهِ فَكَيْفَ كَانَتْ هَذِهِ الْكَبِيرَةُ سَبَبَ الْمَغْفِرَةِ لَهُ؟ قُلْت إنْ صَرَفْنَا اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ يُحْمَلُ قَدَرَ عَلَى قَضَى أَوْ ضَيَّقَ فَلَيْسَ فِيهِ الْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَرْجُو الرَّحْمَةَ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ أَوْ لَا يُضَيِّقَ عَلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ أَخَذْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ اصْطَلَمَتْهُ وَأَذْهَلَتْهُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّكْلِيفِ فَنَفَعَهُ خَوْفُهُ وَنَجَّاهُ مَعَ التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَضُرَّهُ يَأْسُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ حَالَةٌ انْقَطَعَ عَنْهُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى حَالَةٍ أَخْرَجَتْهُ عَنْ حَيِّزِ الْمُكَلَّفِينَ فَالْخَوْفُ الْحَاصِلُ لَهُ كَفَّرَ عَنْ سَيِّئَاتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بَلْ كَفَّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ الَّتِي كَانَ يَرْتَكِبُهَا طُولَ عُمْرِهِ، وَقَدْ يَشْتَمِلُ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ عَلَى طَاعَةٍ مِنْ وَجْهٍ وَمَعْصِيَةٍ مِنْ وَجْهٍ فَرُبَّمَا غَلَبَتْ الطَّاعَةُ فَكَفَّرَتْ الْمَعْصِيَةَ وَرُبَّمَا غَلَبَتْ الْمَعْصِيَةُ فَأَحْبَطَتْ ثَوَابَ الطَّاعَةِ، وَفِي هَذَا الْمَحِلِّ غَلَبَتْ الطَّاعَةُ فَكَفَّرَتْ الْمَعْصِيَةَ وَعَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ سَمِعَ بِآلَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَأَحْدَثَتْ لَهُ أَحْوَالًا صَالِحَةً يَحْصُلُ لَهُ اسْمُ السَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ وَثَوَابُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَإِنْ غَلَبَ الثَّوَابُ رَبِحَ وَإِنْ غَلَبَ الْإِثْمُ خَسِرَ وَإِنْ اسْتَوَيَا تَكَافَأَ هَذَا مَعْنَاهُ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ فَعَلْت كَذَا، وَكَذَا قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلْت فَقَالَ بَلَى قَدْ فَعَلْت، وَلَكِنْ غُفِرَ لَك بِالْإِخْلَاصِ» وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. {السَّابِعَةُ} إنْ قُلْت فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَهَذَا قَدْ ظَنَّ بِرَبِّهِ تَعْذِيبَهُ وَعَدَمَ الْمَغْفِرَةِ لَهُ فَكَيْفَ غُفِرَ لَهُ؟ قُلْت قَدْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّجَاءُ وَتَأْمِيلُ الْعَفْوِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ بِالْغُفْرَانِ لَهُ إذَا اسْتَغْفَرَ وَالْقَبُولِ لَهُ إذَا تَابَ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَا وَالْكَفَّارِيَّةِ إذَا طَلَبَ الْكَفَّارِيَّةَ فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ وَلَوْلَا نَدَمُهُ لَمَا أَمَرَ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَكَانَ تَائِبًا فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَغُفِرَ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قِيلَ إنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ وَعُقُوبَةً لَهَا لِعِصْيَانِهَا وَإِسْرَافِهَا رَجَاءَ أَنْ يَرْحَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ رَجَا الْعَفْوَ وَأَمَلَهُ فَكَانَ اللَّهُ عِنْدَ ظَنِّهِ بِهِ فَعَفَا عَنْهُ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوْلِهِ «إنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ» إنْ لَمْ يُؤَوِّلْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خَوْفَ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ لَيْسَ كَرَاهِيَةً لِلِّقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى] {الثَّامِنَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ خَوْفَ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ لَيْسَ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْخَائِفَ مِنْ ذَنْبِهِ يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ مَصِيرُهُ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ عَلَى وَجْهِ مَرْضِيٍّ يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَكَرِهَ حَالَةَ نَفْسِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكْرَهْ لِقَاءَ اللَّهِ مُطْلَقًا بَلْ أَحَبَّ لِقَاءَهُ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ [فَائِدَة فَضِيلَةُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَلَبَتُهَا عَلَى الْعَبْدِ] 1 {التَّاسِعَةُ} فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَلَبَتُهَا عَلَى الْعَبْدِ وَأَنَّهَا مِنْ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَبِهَا انْتَفَعَ هَذَا الْمُسْرِفُ وَحَصَلَتْ لَهُ الْمَغْفِرَةُ وَفِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 بَابُ الْكَفَنِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُفِّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بِيضٍ، وَزَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ   Qدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي غَلَبَةِ الْخَوْفِ وَإِنْ كَانَتْ بِقُرْبِ الْوَفَاةِ وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ رَجَّحُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تَغْلِيبَ جَانِبِ الرَّجَاءِ عَلَى جَانِبِ الْخَوْفِ [فَائِدَة الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَنْظُرْ إلَى هَذَا الْعَمَلِ بَلْ إلَى الْقَصْدِ فَقَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْت هَذَا وَلَمَّا كَانَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ الْخَشْيَةَ كَانَ سَبَبَ الْمَغْفِرَةِ وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ سَبَبٌ آخَرُ فَاسِدٌ لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَة سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَغْفِرَتِهِ] {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} وَفِيهِ بَيَانُ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَغْفِرَتِهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَيْأَسُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى [بَابُ الْكَفَنِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا] [حَدِيث كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بِيضٍ] بَابُ الْكَفَنِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُفِّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بِيضٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِزِيَادَةِ «مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» وَلَيْسَ قَوْلُهُ «مِنْ كُرْسُفٍ» عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ زَادَ مُسْلِمٌ أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَأَحْبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي، ثُمَّ قَالَ لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ. فِي حُلَّةٍ يَمَنِيَّةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ نُزِعَتْ مِنْهُ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ فَقَالَتْ قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ، وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ جُدُدٍ» . {الثَّانِيَةُ} السَّحُولِيَّةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ فَالْفَتْحُ مَنْسُوبٌ إلَى السَّحُولِ وَهُوَ الْقِصَارُ؛ لِأَنَّهُ يُسْحِلُهَا أَيْ يَغْسِلُهَا أَوْ إلَى سُحُولَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ وَأَمَّا الضَّمُّ فَهُوَ جَمْعٌ سَحْلٍ وَهُوَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ النَّقِيُّ وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قُطْنٍ وَفِيهِ شُذُوذٌ؛ لِأَنَّهُ نَسَبٌ إلَى الْجَمْعِ وَقِيلَ إنَّ اسْمَ الْقَرْيَةِ بِالضَّمِّ أَيْضًا اهـ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ السَّحْلُ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْكُرْسُفِ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ وَالْجَمْعُ سُحُولٌ وَسُحُلٍ مِثْلُ سَقْفٍ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ وَيُقَالُ سُحُولٌ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ وَهِيَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: السَّحْلُ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الثَّوْبَ مِنْ الْقُطْنِ وَقِيلَ السَّحْلُ ثَوْبٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ وَجَمْعُ كُلِّ ذَلِكَ أَسْحَالٌ وَسُحُولٌ وَسُحُلٌ اهـ وَالْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْفَاءِ الْقُطْنُ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَهُوَ الْكُرْسُفُ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ تَكْفِينُ الْمَيِّتِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ سَيِّدٍ وَقَرِيبٍ وَنَحْوِهِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَرِيبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِلْزَامُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَفْيُهُ لِأَصْبَغَ وَالثَّالِثُ وُجُوبُ تَكْفِينِ الْوَلَدِ دُونَ الْأَبِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَزَوِّجَةِ إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ هَلْ تَكْفِينُهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ عَلَى زَوْجِهَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِيهِ قَيَّدَ الْغَزَالِيُّ وُجُوبَ الْكَفَنِ عَلَى الزَّوْجِ بِشَرْطِ إعْسَارِ الْمَرْأَةِ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ اهـ وَمَتَى كَانَتْ مُعْسِرَةً فَتَكْفِينُهَا عَلَى زَوْجِهَا قَطْعًا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً فَفِي مَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُعَسِّرَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَعَلَى الزَّوْجِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ بِحَالٍ اهـ وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ بِتَكْفِينِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُوَزِّعُهُ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْيَسَارِ عَلَى مَا يَرَاهُ. [فَائِدَة السُّنَّةَ لِلرَّجُلِ فِي الْكَفَنِ] 1 {الرَّابِعَةُ} فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لِلرَّجُلِ فِي الْكَفَنِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ فِي كَفَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْحَاكِمَ: تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ «فِي تَكْفِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ التَّكْفِينُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرٍو وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ثَوْبٌ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيْ هَذَيْنِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدًا فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَقَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ وَعَنْ ثُوَيْبِ بْنِ عَقْلٍ قَالَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ يُكَفَّنَانِ فِي ثَوْبَيْنِ وَكُفِّنَ أَبُو بَكْرٍ فِي ثَوْبَيْنِ. وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ كُنَّا نُكَفِّنُ فِي الثَّوْبَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعَةِ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِي كُفِّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ» ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْوَهْمُ فِيهِ مِنْ ابْنِ عَقِيلٍ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَلْقَمَةَ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَجْزِي ثَوْبَانِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا وَقَالَ النُّعْمَانُ يُكَفَّنُ الرَّجُلُ فِي ثَوْبَيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَفِّنُ أَهْلَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَعِمَامَةٍ وَقَمِيصٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ اهـ. {الْخَامِسَةُ} التَّكْفِينُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْوَاجِبُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَنْفُذُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ بِإِسْقَاطِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وَلِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ نَجْرَانِيَّةِ الْحُلَّةِ وَقَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ "..   Qبِخِلَافِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّهُمَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِمَا فَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ فَالْمَذْهَبُ التَّكْفِينُ بِثَلَاثَةٍ وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى ثَوْبٍ قَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ أَقْيَسُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ نُكَفِّنُهُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ أُجِيبُوا عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ هُوَ فِي نَفَقَةِ غَيْرِهِ أَوْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمُسْلِمِينَ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَدْرِ الثَّوْبِ الْوَاجِبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالثَّانِي مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ خَاصَّةً وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ عَوْرَةِ الْمُكَفَّنِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَقَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ لَا يَجْزِي أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَوْبَيْنِ وَيُكْرَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ. [فَائِدَة الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ كَالْكَبِيرِ فِي اسْتِحْبَابِ تَكْفِينِهِ] 1 {السَّادِسَةُ} مَذْهَبُنَا أَنَّ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ كَالْكَبِيرِ فِي اسْتِحْبَابِ تَكْفِينِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ قَالَ أَحْمَدُ يُكَفَّنُ الصَّبِيُّ فِي خِرْقَةٍ وَإِنْ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَلِكَ إِسْحَاقُ وَنَحْوُهُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ ثَوْبًا يُجْزِئُهُ وَأَنَّهُ إنْ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ فَأَشْبَهَ الرَّجُلَ انْتَهَى. [فَائِدَة كَفَنُ الْمَرْأَةِ] {السَّابِعَةُ} قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ فِي حَيَاتِهَا عَلَى الرَّجُلِ فِي السِّتْرِ لِزِيَادَةِ عَوْرَتِهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي تَكْفِينِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ الْخَمْسَةُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَالثَّلَاثَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ حَتَّى نَقُولُ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا كَمَا يُخَيَّرُونَ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَى الْخَمْسَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُسْتَحَبَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهِيَ فِي حَقِّهِنَّ آكَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ عَطَاءٌ: تُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَثَوْبٌ تَحْتَ الدِّرْعِ تُلَفُّ بِهِ وَثَوْبٌ فَوْقَهُ تُلَفُّ فِيهِ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ تُدْرَجُ فِيهَا انْتَهَى. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْجَارِيَةِ إذَا لَمْ تَبْلُغْ: تُكَفَّنُ فِي لِفَافَتَيْنِ وَقَمِيصٍ لَا خِمَارَ فِيهِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَا تَصِيرُ كَالْمَرْأَةِ فِي الْكَفَنِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعٍ يُصْنَعُ بِهَا مَا يُصْنَعُ بِالْمَرْأَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَثْوَابِ الْخَمْسَةِ الَّتِي تُكَفَّنُ بِهَا الْمَرْأَةُ فَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهَا إزَارٌ وَخِمَارٌ وَثَلَاثُ لَفَائِفَ وَعَنْ الْقَدِيمِ إزَارٌ وَخِمَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَتَانِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا يُفْتَى فِيهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَأَنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا قَمِيصٌ وَأَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ لَا يُعْرَفُ إلَّا عَنْ الْمُزَنِيّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ إثْبَاتُ الْقَمِيصِ مُخْتَصًّا بِالْقَدِيمِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ عَلَى أَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْهُمْ: قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَمُقَنَّعَةٌ وَلِفَافَةٌ وَخَامِسَةٌ يُشَدُّ بِهَا فَخِذَاهَا فَجَعَلَ بَدَلَ اللِّفَافَةِ الْأُخْرَى خِرْقَةً تُشَدُّ عَلَى فَخِذَيْهَا وَأَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّ الْأَثْوَابَ الْخَمْسَةَ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَةٌ لَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْخَامِسِ خِرْقَةٌ تُرْبَطُ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا وَهُوَ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْخَامِسَةَ الْخِرْقَةُ تُشَدُّ بِهَا فَخِذَاهَا إلَّا أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَلِفَافَةٍ وَمِنْطَقَةٍ وَخِرْقَةٍ تَكُونُ عَلَى بَطْنِهَا وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تُشَدُّ عَلَيْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَدَلُ الْمِنْطَقَةِ الْإِزَارُ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَاهُ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِي الدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَالرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ وَالْخِرْقَةِ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا تُوضَعُ الْخِرْقَةُ عَلَى بَطْنِهَا أَوْ يُعَصَّبُ بِهَا فَخِذَاهَا وَعَنْهُ أَيْضًا يُلَفُّ بِهَا الْفَخِذَانِ تَحْتَ الدِّرْعِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ تُشَدُّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الثِّيَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِ الْأَثْوَابِ الْخَمْسَةِ أَنَّهَا دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَلِفَافَتَانِ وَثَوْبٌ لَطِيفٌ يُشَدُّ عَلَى وَسَطِهَا يَجْمَعُ ثِيَابَهَا. [فَائِدَة مَا يُسْتَحَبّ فِي لَوْن الْكَفَن] 1 {الثَّامِنَةُ} فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي لَوْنِ الْكَفَنِ الْبَيَاضُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالُوا وَيَجُوزُ التَّكْفِينُ فِي سَائِرِ الْأَلْوَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مِمَّا يَجُوزُ لُبْسُهُ فِي حَيَاتِهِ. [فَائِدَة مَا يُسْتَحَبّ فِي جنس الْكَفَن] 1 {التَّاسِعَةُ} فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ كُرْسُفٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْكَفَنِ الْقُطْنَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ كَفَنِ الْقُطْنِ انْتَهَى. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْكَفَنِ كَتَّانًا وَقَالَ أَصْحَابُنَا جِنْسُهُ فِي حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ مَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَرِيرِ لَكِنْ يُكْرَهُ وَيَحْرُمُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ بِهِ فَأَمَّا الْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ فَلَا يَحْرُمُ تَكْفِينُهَا فِيهِ لَكِنْ يُكْرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ مَا جَازَ لِلْإِنْسَانِ لُبْسُهُ فِي حَيَاتِهِ جَازَ تَكْفِينُهُ بِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُكَفَّنَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَرِيرِ وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُ وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي جَوَازِ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ احْتِمَالَيْنِ وَقَالَ أَقْيَسُهُمَا الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ تَكْفِينُهَا بِالْمُعَصْفَرِ وَنَحْوِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَصَبِ يَعْنِي مَا صُبِغَ بِالْعَصَبِ وَهُوَ نَبْتٌ يَنْبُتُ بِالْيَمَنِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي التَّكْفِينِ بِالْحَرِيرِ أَقْوَالٌ (الْجَوَازُ مُطْلَقًا) لِسُقُوطِ الْمَنْعِ بِالْمَوْتِ لَكِنْ يُكْرَهُ وَ. (الْمَنْعُ مُطْلَقًا) إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهُمَا مَحْكِيَّانِ عَنْ مَالِكٍ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَرِهَ مَالِكٌ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ التَّكْفِينَ فِي الْحَرِيرِ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا أَحْفَظُ خِلَافَهُ. {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ أَصْلًا وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْأَوَّلَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِبهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ إنَّ الثَّانِيَ ضَعِيفٌ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qانْتَهَى. وَتَرَتَّبَ عَلَى هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي زِيَادَةِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى اللَّفَائِفِ الثَّلَاثَةِ لِتَصِيرَ خَمْسَةً فَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنَّهُ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهُوَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ آكَدُ، قَالُوا وَالزِّيَادَةُ إلَى السَّبْعَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا سَرَفٌ وَقَالَ الْحَنِيفَةُ إنَّ الْأَثْوَابَ الثَّلَاثَةَ إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ كُفِّنَ فِي إزَارٍ وَقَمِيصٍ وَلِفَافَةٍ لَمْ يُكْرَهْ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْأَوَّلُ وَهَذَا جَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ يَجْزِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَلِفَافَةٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَفَائِفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إنْ شِئْت فِي قَمِيصٍ وَلِفَافَتَيْنِ وَإِنْ شِئْت فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَمِيصًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مَعًا وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ فِي اسْتِحْبَابِ الْقَمِيصِ بِإِلْبَاسِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَمِيصًا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّهُ الَّذِي يُعْتَادُ لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَقْتَضِي اخْتِلَافَهُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ فِيمَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسْتَحَبُّ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ الْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا زَائِدَانِ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَجْعَلُونَ الْقَمِيصَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ كَوْنَ الْمَيِّتِ لَا يُعَمَّمُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ يُعَمَّمُ كَمَا يُعَمَّمُ الْحَيُّ وَعَنْ الْحَسَنِ بِوَضْعِ الْعِمَامَةِ وَسَطَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا هَكَذَا عَلَى جَسَدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ أَنْ يُعَمَّمَ عِنْدَنَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ» زَادَ الشَّيْخَانِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا» قَالَ سُفْيَانُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَك الَّذِي يَلِي جِلْدَك» . قَالَ سُفْيَانُ فَيَرَوْنَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ» كَذَا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَبُو هَارُونَ وَلِلنَّسَائِيِّ فِي   Qلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا يَعْنِي بِقَمِيصِ الْمَيِّتِ. [فَائِدَة كفن النَّبِيّ] {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُزِعَ عَنْهُ عِنْدَ تَكْفِينِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبْقِيَ مَعَ رُطُوبَتِهِ لَأَفْسَدَ الْأَكْفَانَ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانَ وَقَمِيصُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ خَالَفَ بِرِوَايَتِهِ الثِّقَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ مَا سَبَقَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ انْفَرَدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِضَعْفِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي نَفَتْ عَنْهُ الْقَمِيصَ أَصَحُّ انْتَهَى. [حَدِيث أَنَّ النَّبِيَّ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ] . {الْحَدِيثُ الثَّانِي} عَنْ جَابِرٍ «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَزَادُوا فِي رِوَايَتِهِمْ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «وَكَانَ الْعَبَّاسُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 حَدِيثُ جَابِرٍ " وَكَانَ الْعَبَّاسُ بِالْمَدِينَةِ فَطَلَبَتْ الْأَنْصَارُ ثَوْبًا يَكْسُونَهُ فَلَمْ يَجِدُوا قَمِيصًا يَصْلُحُ عَلَيْهِ إلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَكَسَوْهُ إيَّاهُ وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَك أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ» الْحَدِيثَ..   Qبِالْمَدِينَةِ فَطَلَبَتْ الْأَنْصَارُ ثَوْبًا يُلْبِسُونَهُ فَلَمْ يَجِدُوا قَمِيصًا يَصْلُحُ عَلَيْهِ إلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَكَسَوْهُ إيَّاهُ» وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي الْجَنَائِزِ وَكَانَ «كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَك الَّذِي يَلِي جِلْدَك» قَالَ سُفْيَانُ فَيَرَوْنَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَذَا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَبُو هَارُونَ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِأَسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ. {الثَّانِيَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْفِينِ فِي قَمِيصٍ وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ يَقُولُونَ هَذِهِ وَاقِعَةٌ لَمْ نَدْرِ كَيْفَ اتَّفَقَ الْحَالُ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَمِيصُ أَحَدَ الْأَكْفَانِ الثَّلَاثَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ أَحَدَهَا فَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ وَلَا كَرَاهَتِهِ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ خِلَافُهُ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا جَوَازَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَفْضُولًا بَلْ هُوَ فَاضِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِهِ الْجَوَازَ وَلِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَهُوَ شَيْئَانِ (أَحَدُهُمَا) مُكَافَأَتُهُ إيَّاهُ عَنْ كِسْوَتِهِ لِلْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَمِيصًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَجَازَاهُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ (وَثَانِيهِمَا) إكْرَامُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَدَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إلَّا بِسُؤَالِهِ وَاقْتِرَاحِهِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُلْبِسَهُ الْقَمِيصَ الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَفَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكَافَأَةً لَهُ وَإِكْرَامًا لِأَبِيهِ وَبَيَانًا لِلْجَوَازِ وَكَانَ الْأَفْضَلُ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ خَالِيَةٍ عَنْ قَمِيصٍ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَمِيصُ زَائِدًا عَلَى الْأَكْفَانِ الثَّلَاثَةِ فَالْحَنَابِلَةُ الْقَائِلُونَ بِكَرَاهَتِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُجِيبُونَ بِمِثْلِ مَا أَجَبْنَا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهَا وَالشَّافِعِيَّةُ لَا يَرَوْنَ كَرَاهِيَتَهُ بَلْ يَقْتَصِرُونَ فِيهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْمَالِكِيَّةُ يَسْتَحِبُّونَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة قَصْر أَوْ طول الْكَفَن] 1 {الثَّالِثَةُ} بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْكَفَنِ بِالْقَمِيصِ الَّذِي تَكْفِ أَوْ لَا يَكْفِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ صَوَابُهُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَمَعْنَاهُ طَوِيلًا كَانَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ أَوْ قَصِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْكَفَنُ فِيهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ طَوِيلًا وَلِذَلِكَ كَسَا الْعَبَّاسُ قَمِيصَهُ وَكَانَ الْعَبَّاسُ بَائِنَ الطُّولِ اهـ وَكَانَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهِمَ مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يَجِدُوا لِلْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَوْبًا يَصْلُحُ لَهُ لِطُولِهِ إلَّا ثَوْبَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي كَسَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ أُبَيٍّ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مُعْتَدِلَ الْخِلْقَةِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِينِ بِالْقَمِيصِ النَّاقِصِ عَنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ كَافٍ لَهُ فِي طُولِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُفِّنَ إلَّا فِي هَذَا الْقَمِيصِ لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مُسْتَوْعِبًا لِبَدَنِ الْمَيِّتِ كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَنَا لَكِنْ ظَاهِرٌ أَنَّهُ كُفِّنَ فِي غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَاهُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ وَمَا كَانَ لِيَدْخُلَ حُفْرَتَهُ إلَّا بَعْدَ تَكْفِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خُرُوج الْمَيِّت مِنْ الْقَبْر لِعِلَّةِ] 1 {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ» لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دُفِنَ فَنُبِشَ الْقَبْرُ وَأَخْرَجَهُ بَلْ كَانَ هَذَا قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ وَهَذَا اللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ فِي قَبْرِهِ وَلَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ وَالْوَاقِعُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَأَخْرَجَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ» ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «فَأَخْرَجَهُ مِنْ قَبْرِهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ مَا دُفِنَ فَلَيْسَ مُتَعَيِّنًا لِإِهَالَةِ التُّرْبِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ صَادِقٌ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ فِي اللَّحْدِ فَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ هَلْ يَخْرُجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ وَهَذَا التَّبْوِيبُ أَيْضًا لَا يَقْتَضِي النَّبْشَ وَتَكَلَّمَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى النَّبْشِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيِّ مَعَهُ فِي نَبْشِهِ إيَّاهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ بَعْدَ إدْخَالِهِ حُفْرَتَهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَك أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ» الْحَدِيثَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ أَوَّلَ وَفَاتِهِ قَبْلَ دَفْنِهِ وَإِدْخَالِهِ فِي حُفْرَتِهِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِصَرْفِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ ظَاهِرِهِ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ إنَّمَا طَلَبَ الْقَمِيصَ بَعْدَ تَكْفِينِهِ وَإِدْخَالِهِ حُفْرَتَهُ أَوْ طَلَبَهُ مِنْ أَوَّلِ مَوْتِهِ لَكِنْ تَأَخَّرَ إعْطَاؤُهُ لَهُ حَتَّى أُدْخِلَ قَبْرَهُ وَالْفَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ لَا تُنَافِي هَذَا؛ لِأَنَّ زَمَنَ تَجْهِيزِهِ زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا يُنَافِي التَّعْقِيبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ» مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ «فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ» فَالْمَفْعُولُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي حُفْرَتِهِ إنَّمَا هُوَ وَضْعُهُ عَلَى الرُّكْبَةِ وَنَفْثِ الرِّيقِ عَلَيْهِ وَأَمَّا إلْبَاسُهُ الْقَمِيصَ فَكَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ حِكَايَةٌ عَمَّا فَعَلَهُ مَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبِ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ فِي الزَّمَانِ، وَفِي هَذَا بُعْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هِيَ إكْرَامٌ لِوَلَدِهِ وَقَضَاءٌ لِحَقِّهِ وَتَطْيِيبٌ لِقَلْبِهِ فَإِنَّهُ كَانَ صَحِيحَ الْإِسْلَامِ مَعَ الْيَدِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لَهُ فِي كِسْوَةِ الْعَبَّاسِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ النَّاسِ مُكَافَأَةً وَرَجَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ النَّفْعَ وَتَرْكَ الْعَذَابِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَتَحَقَّقْ حِينَئِذٍ كُفْرُهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ نُزُولِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ زَادَ النَّسَائِيّ (وَعُثْمَانُ) وَصَحَّحَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ   Qهَذِهِ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة حُكْم رِيقِ ابْنِ آدَمَ وَنُخَامَتَهُ] {السَّابِعَةُ} النَّفْثُ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَالثَّاءِ شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ التَّفْلِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالنِّهَايَةِ زَادَ فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ التُّفْل لَا يَكُونُ إلَّا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّيقِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ أَوَّلُهُ الْبَزْقُ، ثُمَّ التَّفْلُ، ثُمَّ النَّفْثُ، ثُمَّ النَّفْخُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَقِيلَ هُوَ التَّفْلُ بِعَيْنِهِ وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ كَوْنَ التَّفْلِ لَا يَكُونُ إلَّا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الرِّيقِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ يَكُونُ مَعَهُمَا رِيقٌ وَقِيلَ بِعَكْسِ الْأَوَّلِ. {الثَّامِنَةُ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ رِيقَ ابْنِ آدَمَ وَنُخَامَتَهُ نَجَسٌ وَهُوَ قَوْلٌ يُرْوَى عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَالْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ وَالسُّنَنُ وَرَدَتْ بِرَدِّهِ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ رِيقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَجَسًا وَنَفْثُهُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِهِ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَنَا النَّظَافَةَ وَالطَّهَارَةَ وَبِهِ طَهَّرَنَا اللَّهُ مِنْ الْأَدْنَاسِ اهـ. [فَائِدَة الشَّكّ فِي إسلام عَبْد اللَّه بْن أَبِي] 1 {التَّاسِعَةُ} فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ إشَارَةٌ إلَى الشَّكِّ فِي إسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ لَا تُفْعَلُ إلَّا مَعَ مُسْلِمٍ وَكَانَ يَظْهَرُ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لَكِنْ جَوَابُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَمَدَ مَا كَانَ يُظْهِرُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَعْرَضَ عَمَّا كَانَ يَتَعَاطَاهُ مِمَّا يُقْتَضَى خِلَافَ ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَبِسَ الْقَمِيص] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِيهِ لُبْسُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقَمِيصِ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ عَادَتِهِ وَعَادَةِ سَائِرِ الْعَرَبِ لُبْسَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ [حَدِيث مَشْي الرَّسُول وَأَبُو بكر وعمر أَمَام الْجِنَازَة] {الْحَدِيثَ الثَّالِثُ} وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 الزُّهْرِيُّ مُرْسَلًا، وَاخْتَارَ الْبَيْهَقِيُّ تَرْجِيحَ الْمَوْصُولِ. .   Qأَمَامَ الْجِنَازَةِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَنْصُورٍ وَبَكْرٍ الْكُوفِيِّ وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانُ وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ عُثْمَانُ، ثُمَّ قَالَ بَكْرٌ وَحْدَهُ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ، ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا أُتِيَ هَذَا عِنْدِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَقَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الْحُفَّاظُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ثَلَاثَةٌ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِذَا اتَّفَقَ اثْنَانِ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهُمَا الْآخَرُ تَرَكْنَا قَوْلَ الْآخَرِ. اهـ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، ثُمَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَى مَعْمَرٌ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ» وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ، ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَرَى ابْنُ جُرَيْجٍ أَخَذَهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هُوَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ كَأَنَّهُ وَهْمٌ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُسْنَدًا وَفِيهِ عُثْمَانُ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ لَا أَحْفَظُهُ قِيلَ لَهُ كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُهُ كَمَا تَقُولُهُ وَيَزِيدُ فِيهِ عُثْمَانُ قَالَ سُفْيَانُ لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ عُثْمَانُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ فَقُمْت إلَيْهِ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إنَّ مَعْمَرًا وَابْنَ جُرَيْجٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُخَالِفَانِك فِي هَذَا يَعْنِي أَنَّهُمَا يُرْسِلَانِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اسْتَقَرَّ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِيهِ سَمِعْته مِنْ فِيهِ يُعِيدُهُ وَيُبْدِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إنَّ مَعْمَرًا وَابْنَ جُرَيْجٍ يَقُولَانِ فِيهِ وَعُثْمَانُ قَالَ فَصَدَقَهُمَا وَقَالَ لَعَلَّهُ قَدْ قَالَهُ هُوَ وَلَمْ أَكْتُبْهُ إنِّي كُنْت أَمِيلُ إذْ ذَاكَ إلَى الشِّيعَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ فِي وَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَرُوِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْصُولًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَقَدْ قِيلَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ هَمَّامٍ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ هَمَّامٌ وَهُوَ ثِقَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُقَيْلٍ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فَقِيلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا وَقِيلَ مُرْسَلًا قَالَ: وَمَنْ وَصَلَهُ وَاسْتَقَرَّ عَلَى وَصْلِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حُجَّةٌ ثِقَةٌ اهـ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَرْسَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَذَكَرُوا فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلِ سَالِمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهُ بِذِكْرِ أَبِيهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَنَّ خَبَرَ هَمَّامٍ هَذَا خَطَأٌ وَلَكِنْ لَا يُلْتَفَتُ إلَى دَعْوَى الْخَطَإِ فِي رِوَايَةِ الثِّقَاتِ إلَّا بِبَيَانٍ لَا يُشَكْ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي إرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَلَيْهِ فِي تَوْصِيلِهِ مُسْنَدًا، وَتَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ سَائِرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِأَصْحَابِ مَالِكٍ رُوَاةَ الْمُوَطَّإِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ وَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ الْخَرَّازُ وَحَاتِمُ بْنُ سَالِمٍ الْقَزَّازُ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِمْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: الصَّحِيحُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ: الْإِرْسَالُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَةٌ ثِقَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْهُمْ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ وَزِيَادُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبَّاسُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَزَرِيُّ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِينَ يَرْوُونَهُ عَنْهُ مُرْسَلًا أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ انْتَهَى وَكَذَا ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ مُسْنَدًا لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُمْ وَهَمُوا فِيهِ عَلَى مَالِكٍ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ الْإِرْسَالُ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَزِيَادٌ عَنْ سَعْدٍ وَمَنْصُورٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا، وَكَذَا رَوَاهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَصَحُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: الَّذِي وَصَلَهُ سُفْيَانُ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ إمَامٌ وَاخْتَارَ الْبَيْهَقِيُّ تَرْجِيحَ الْمَوْصُولِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى. ثُمَّ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ» ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَخْطَأَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، وَإِنَّمَا يَرْوِي هَذَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا أَصَحُّ انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ ثِقَةٌ مِمَّنْ إذَا انْفَرَدَ بِشَيْءٍ قُبِلَ مِنْهُ كَيْفَ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ وَأَبُو زُرْعَةَ وَهِبَةُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِزِيَادَةِ وَخَلْفَهَا، وَقَالَ: وَقَوْلُهُ وَخَلْفَهَا لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ فِيهِ لَا يَقُولُهَا أَحَدٌ مِنْ رُوَاتِهِ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ قُدَّامَهَا وَفِيهِ مَذَاهِبُ: (أَحَدُهَا) هَذَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَمَا قَدْ عَرَفْته وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ الْمَشْيَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي أُسَيْدِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ. وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ انْتَهَى. وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَكَانَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُونَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْفُقَهَاءِ الْمَدَنِيِّينَ السَّبْعَةِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ: " أَتَيْت الْمَدِينَةَ فَرَأَيْت أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ ". (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُوَيْد بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ يَمْشُونَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ مِنْ تَمَامِ أَجْرِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُشَيِّعَهَا مَعَ أَهْلِهَا وَالْمَشْيَ خَلْفَهَا. وَعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جِنَازَةِ أَبِي مَيْسَرَةَ: امْشُوا خَلْفَ جِنَازَةِ أَبِي مَيْسَرَةَ فَإِنَّهُ كَانَ مَشَّاءً خَلْفَ الْجَنَائِزِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أَبْزَى قَالَ: كُنْت فِي جِنَازَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمَامَهَا وَعَلِيٌّ يَمْشِي خَلْفَهَا فَجِئْت إلَى عَلِيٍّ فَقُلْت لَهُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ أَوْ أَمَامَهَا؛ فَإِنِّي أَرَاك تَمْشِي خَلْفَهَا وَهَذَانِ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا؟ فَقَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ عُلِّمْنَا أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ مِنْ أَمَامِهَا مِثْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْفَذِّ، وَلَكِنَّهُمَا مُيَسِّرَانِ يُحِبَّانِ أَنْ يُيَسِّرَا عَلَى النَّاسِ وَحَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي إسْنَادِهِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَا تَتْبَعُ لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ أُمَّةٍ قُرْبَانٌ وَإِنَّ قُرْبَانَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَوْتَاهَا فَاجْعَلُوا مَوْتَاكُمْ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ» . وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَأَنْ لَا أَخْرُجَ مَعَهَا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ أَمَامَهَا وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَتَكْرَهُ الْمَشْيَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ قَالَ لَا إنَّمَا يُكْرَهُ السَّيْرُ أَمَامَهَا وَعَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَسِيرَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَاسْتَدَلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ «الْبَرَاءِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ» . وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً» أُجِيبَ عَنْهُمَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّبَاعِهَا أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْآثَارُ فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا أَكْثَرُ وَأَصَحُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَحَادِيثُ الْمَشْيِ خَلْفَهَا كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَشْيَ أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا كِلَاهُمَا سَوَاءٌ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَتْ طَائِفَةٌ إنَّمَا أَنْتُمْ مُتَّبِعُونَ فَكُونُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجِنَازَةِ أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ لَهَا تَمْشُونَ أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ خَلْفَهَا قَرِيبٌ وَأَمَامَهَا قَرِيبٌ وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيبٌ وَعَنْ يَمِينِهَا قَرِيبٌ وَعَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ قَالَ رَأَيْت أَبَا قِلَابَةَ غَيْرَ مَرَّةٍ يَجْعَلُ الْجِنَازَةَ عَنْ يَمِينِهِ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْمَاشِي أَنْ يَكُونَ أَمَامَهَا، وَلِلرَّاكِبِ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَيُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ وَأَنْ يَكُونَ أَمَامَهَا فَإِنْ رَكِبَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا وَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسِيرَ الرَّاكِبُ أَمَامَهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَأَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ الرَّاكِبَ عَنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَقَالَ فَأَمَّا الرَّاكِبُ فَلَا أَعْلَمُهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الرَّاكِبَ يَكُونُ خَلْفَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَكُونُ قُدَّامَهَا مُطْلَقًا وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ الرُّكُوبَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَا يَقْتَضِي قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ أَنَّ الرَّاكِب يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ خَلْف الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي مُخَيَّرٌ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا» الْحَدِيثُ لَفْظُ النَّسَائِيّ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَقَالَ أَحَبُّ ذَلِكَ إلَيْنَا خَلْفَهَا. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ شَدَّدَ فِيهِ وَكَرِهَ الرُّكُوبَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ: " لِلْمَاشِي فِي الْجِنَازَةِ قِيرَاطَانِ وَلِلرَّاكِبِ قِيرَاطٌ " وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا الرُّكُوبَ فِي الْجِنَازَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَأَبِي وَائِلٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ زِيدَ بْنِ أَرْقَمَ " لَوْ يَعْلَمُ رِجَالٌ يَرْكَبُونَ فِي الْجِنَازَةِ مَا لِرِجَالٍ يَمْشُونَ مَا رَكِبُوا ". وَعَنْ ثَوْبَانَ " أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا رَاكِبًا فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ فَجَعَلَ يَكْبَحُهَا فَقَالَ تَرْكَبُ وَعِبَادُ اللَّهِ يَمْشُونَ ". وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " الرَّاكِبُ فِي الْجِنَازَةِ كَالْجَالِسِ فِي بَيْتِهِ " قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْأَثْرَمِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ثَوْبَانَ رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فَقَالَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الْجِنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ؛ فَقَالَ إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْت» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّ الْمَحْفُوظَ وَقْفُهُ وَحُكِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ وَرَوَى حَدِيثَ «جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يَسْعَى وَنَحْنُ حَوْلَهُ نَتَوَقَّصُ بِهِ» لَكِنَّهُ رَوَاهُ عُقْبَةُ بِلَفْظِ «إنَّ النَّبِيَّ اتَّبَعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ» فَتَبَيَّنَ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الرُّكُوبَ إنَّمَا كَانَ فِي الرُّجُوعِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْأَخِيرِ وَلَفْظُهُ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَرَسٍ مُعْرَوْرًى فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جِنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ» وَأَعْلَمُ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا اقْتَصَرُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِكَرَاهَةِ الرُّكُوبِ، وَكَذَا فَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَرَاهَةَ الرُّكُوبِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ حَالَةُ الْعُذْرِ. {الرَّابِعَةُ} فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْمَاشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ يَكُونُ بِقُرْبِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا وَلَا صَدَقَ فِي الْعُرْفِ كَوْنُهُ أَمَامَهَا وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فَقَالُوا الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَ رَآهَا وَلَا يَتَقَدَّمُهَا إلَى الْمَقْبَرَةِ قَالُوا فَلَوْ تَقَدَّمَ لَمْ يُكْرَهْ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَامَ مُنْتَظِرًا لَهَا وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ حَتَّى إذَا تَبَاعَدُوا عَنْهَا قَامُوا يَنْتَظِرُونَهَا. {الْخَامِسَةُ} ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذِكْرِ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَعْدَ ذِكْرِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةُ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِفِعْلِهِمَا فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِي فِعْلِهِ وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَحَدٍ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةُ «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنْ كَانَ صَالِحًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ يَكُونَ صَالِحًا فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ» .   Q [حَدِيث أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ} وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةُ «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنْ كَانَ صَالِحًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ يَكُ صَالِحًا خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَتِهِمْ التَّصْرِيحُ بِرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ اللَّفْظُ الْأَخِيرُ هُنَا وَقَوْلُهُ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ هُنَا رِوَايَةُ كِنَايَةٍ عَنْ الرَّفْعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ لَعَلَّهُ قَالَ «تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ» ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ السُّنَنِ إلَيْهِ وَسَقَطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ قَالَ لَا أَعْلَمُهُ إلَّا رَفَعَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ لِلزُّهْرِيِّ فِيهِ إسْنَادَانِ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا وُضِعَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ يَعْنِي السُّوءَ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ يَا وَيْلِي أَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَذْهَبُونَ بِي» وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ «إنَّ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ» وَقَالَ فِي آخِرِهِ يُرِيدُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيّ الصُّغْرَى رِوَايَةُ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ وَهُوَ وَهْمٌ، وَهُوَ فِي الْكُبْرَى رِوَايَةُ ابْنِ الْآخَرِ عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ «إذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ» . {الثَّانِيَةُ} فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سُرْعَةُ الْمَشْيِ بِهَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِهَا إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ؛ انْتَهَى. {الثَّالِثَةُ} هَذَا الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي اسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى وُجُوبِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ شَاذٌّ. {الرَّابِعَةُ} حَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْإِسْرَاعَ بِالْجِنَازَةِ هُوَ فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُ سَجِيَّةُ الْمَشْيِ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَهَذِهِ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ: الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ دُونَ الْخَبَبِ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ. وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إسْرَاعٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُخَبُّ وَيُرَمَّلُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْرَعُ بِالْجِنَازَةِ إسْرَاعَ السَّجِيَّةِ مَشْيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَاشِي، وَقَدْ حَكَيْتُ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ قَرِيبًا قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: الْعَجَلَةُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ الْإِبْطَاءِ بِهَا وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْوَصِيَّةَ بِالْإِسْرَاعِ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلْقَمَةَ وَأَبِي وَائِلٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي " إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَقَطَّعُ شِسْعُهُ فِي الْجِنَازَةِ فَمَا يُدْرِكُهَا وَمَا يَكَادُ أَنْ يُدْرِكَهَا " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " لَتُسْرِعَنَّ بِهَا أَوْ لَأَرْجِعَنَّ " وَعَنْ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ (أَنَّهُمَا كَانَا يُعْجِبُهُمَا أَنْ يُسْرِعَ بِالْجِنَازَةِ) وَكَانَ الْحَسَنُ إذَا رَأَى مِنْهُمْ إبْطَاءً قَالَ (امْضُوا لَا تَحْبِسُوا مَيِّتَكُمْ) . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ فَقَالَ: إذَا أَنْتَ حَمَلْتنِي عَلَى السَّرِيرِ فَامْشِ بِي مَشْيًا بَيْنَ الْمِشْيَتَيْنِ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا فَحَكَى عَنْ قَوْمٍ أَنَّ السُّرْعَةَ بِالْجِنَازَةِ أَفْضَلُ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ وَقَالُوا الْمَشْيُ بِهَا مَشْيًا لَيِّنًا أَفْضَلُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى هَذَا الْإِسْرَاعِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ تَرْكُ التَّرَاخِي فِي الْمَشْيِ بِهَا وَالتَّبَاطُؤِ وَالزَّهْوِ فِي الْمَشْيِ وَيُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى مَنْ تَبِعَهَا وَيُحَرِّكُ الْمَيِّتَ وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبَ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا حَمَلُوا نَهْيَ مَنْ نَهَى عَنْ الدَّبِيبِ بِهَا دَبِيبَ الْيَهُودِ مِنْ السَّلَفِ وَأَمَرَ بِالْإِسْرَاعِ وَجَمَعُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ الْإِسْرَاعِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ مَا دُونَ الْخَبَبِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ عَنْ السَّلَفِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. فَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ مَنْ أَمَرَ بِالْإِسْرَاعِ أَرَادَ بِهِ الْمُتَوَسِّطَ وَمَنْ نَهَى عَنْهُ أَرَادَ الْمُفْرِطَ وَيُوَافِقُ هَذَا كَلَامَ النَّوَوِيِّ فَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ اسْتِحْبَابَ الْإِسْرَاعِ قَالَ وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ الْإِسْرَاعِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِسْرَاعِ الْمُفْرِطِ الَّذِي يُخَافُ مَعَهُ انْفِجَارُهَا أَوْ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهَا انْتَهَى. وَلْنَذْكُرْ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ. فَنَقُولُ: رَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ «عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَهُ وَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرْمُلُ رَمْلًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي جِنَازَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ بَدَلَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَقَالَ: «وَإِنَّا لَنَكَادُ نَرْمُلُ بِهَا رَمْلًا.» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مُخْتَصَرًا بِدُونِ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ بِلَفْظِ وَإِنَّا لَنَكَادُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَاجِدَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: «مَا دُونَ الْخَبَبِ» الْحَدِيثَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يُضَعِّفُهُ وَقَالَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ قِيلَ لِيَحْيَى مَنْ أَبُو مَاجِدَةَ هَذَا؟ قَالَ طَائِرٌ طَارَ فَحَدَّثَنَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَأَنَّ أَبَا مَاجِدَةَ مَجْهُولٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِسَرِفٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ مَيْمُونَةُ إذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهُ وَلَا تُزَلْزِلُوهُ وَارْفُقُوا، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِنَازَةِ وَهِيَ تُمْخَضُ كَمَا يُمْخَضُ الزِّقُّ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ «عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي الْمَشْيِ بِجَنَائِزِكُمْ» وَاسْتَدَلَّ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ شِدَّةِ السَّعْيِ وَبَيْنَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «وَإِنَّا لَنَكَادُ أَنْ نَرْمُلَ» . قَالَ وَمُقَارَبَةُ الرَّمَلِ بِالسَّعْيِ الشَّدِيدِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ لَفْظَ أَبِي دَاوُد يَرْمُلُ وَأَجَابَ وَالِدِي عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ الرِّفْقَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَمْلِ لَا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَشْيِ بِهَا فَإِنَّهُ خَشِيَ أَنْ تَسْقُطَ أَوْ تُكْشَفَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ وَإِنْ أَرَادَ الرِّفْقَ فِي السَّيْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ حَصَلَ مَا يَخْشَى مَعَهُ انْفِجَارَهَا إنْ أَزْعَجُوهَا فِي السَّيْرِ أَوْ أَنَّ هَذَا رَأْيٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَوْلَى بِالْإِتْبَاعِ. اهـ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ بِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ فَبَوَّبَ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَرَاهَةَ شِدَّةِ الْإِسْرَاعِ مَخَافَةَ انْفِجَارِهَا، وَكَذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ الْبَيْهَقِيُّ. {الْخَامِسَةُ} ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ مَحَلَّ الْإِسْرَاعِ الْمُتَوَسِّطُ إذَا لَمْ يُخْشَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ التَّأْخِيرِ تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ أَوْ انْتِفَاخٌ فَإِنْ خُشِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ زِيدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْإِسْرَاعِ. {السَّادِسَةُ} يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ مَا إذَا خِيفَ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ الْإِسْرَاعِ لَهُ تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ فَلَا يُسْرَعُ بِهِ، صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ بِالْمَيِّتِ عِلَّةٌ يُخَافُ أَنْ يَتَنَجَّسَ مِنْهُ شَيْءٌ أَحْبَبْت أَنْ يُرْفَقَ بِالْمَشْيِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا حَمْلُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ الْإِسْرَاعَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّابِعَةُ} فِيهِ تَعْلِيلُ الْأَمْرِ بِالْإِسْرَاعِ بِتَقْدِيمِ الصَّالِحَةِ إلَى الْخَيْرِ وَالتَّعْجِيلِ بِوَضْعِ غَيْرِ الصَّالِحَةِ عَنْ الرِّقَابِ، وَقَدْ أُشِيرَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إلَى تَعْلِيلِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ الْيَهُودِ خَاصَّةً فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اتَّبَعَ جِنَازَةً قَالَ انْبَسِطُوا بِهَا وَلَا تَدِبُّوا دَبِيبَ الْيَهُودِ بِجَنَائِزِهَا» كَذَا حَكَاهُ عَنْ الْمُسْنَدِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا أَنَا مِتَّ فَأَسْرِعُوا وَلَا تُهَوِّدُوا كَمَا تُهَوِّدُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولَ اُرْفُقُوا بِهَا رَحِمَكُمْ اللَّهُ فَقَالَ هَوِّدُوا لَتُسْرِعُنَّ بِهَا أَوْ لَأَرْجِعَنَّ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَانَ يُقَالُ انْبَسَطُوا بِجَنَائِزِكُمْ وَلَا تَدِبُّوا بِهَا دَبَّ الْيَهُودِ. وَعَنْ عَلْقَمَةَ لَا تَدِبُّوا بِالْجِنَازَةِ دَبِيبَ النَّصَارَى. 1 - {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ «فَإِنْ كَانَ صَالِحًا» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ كَانَ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً وَيَبْقَى الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إلَيْهِ عَائِدًا عَلَى مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ صَرِيحًا لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ وَالْمَعْنَى قَدَّمْتُمُوهُ إلَى جَزَاءِ عَمَلِهِ الصَّالِحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اسْمَ كَانَ ضَمِيرٌ عَلَى الْعَمَلِ أَيْ فَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ صَالِحًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْعَمَلِ ذِكْرٌ لَكِنْ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَبْقَى الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إلَيْهِ عَائِدًا عَلَى مَذْكُورٍ وَهُوَ الْعَمَلُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ سِوَى ذَلِكَ يَحْتَمِلُ تَمَامَ كَانَ وَنُقْصَانَهَا وَبِتَقْدِيرِ نُقْصَانِهَا فَيَجِيءُ فِي اسْمِهَا الِاحْتِمَالَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ وَقَوْلُهُ فَشَرٌّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ شَرٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً صَحَّ الِابْتِدَاءُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً لِاعْتِمَادِهِ عَلَى صِفَةٍ مُقَدَّرَةٍ أَيْ شَرٌّ عَظِيمٌ وَقَوْلُهُ تَضَعُونَهُ عَلَى هَذَا خَبَرٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ صِفَةٌ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «فَإِنْ يَكُ صَالِحًا» يَتَرَجَّحُ فِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ قَبْلَهُ الْجِنَازَةُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فَفِي قَوْلِهِ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ عَائِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْعَقْلُ أَوْ أَجْزَاؤُهُ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ «خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ» مَا جَوَّزْنَاهُ فِي قَوْلِهِ «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» وَحَذْفُ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَيْرٌ نَادِرٌ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ إذَا كَانَ جُمْلَةً اسْمِيَّةً يُوجِبُ اقْتِرَانَهُ بِالْفَاءِ وَنَظِيرُهُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي بَكْرِ بْنِ كَعْبٍ فِي اللُّقَطَةِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ» وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ هَذِهِ الْفَاءِ إلَّا فِي الضَّرُورَةِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرْهَا وَذَهَبَ الْمُبَرِّدُ إلَى جَوَازِ حَذْفِهَا فِي الِاخْتِيَارِ وَقَالَ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةٍ أَوْ نُذُورٍ وَمِثْلُ النُّذُورِ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ لِلْأَسْفَلِ وَيُقَالُ عَكْسُهُ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ [فَائِدَة مَعْنَى قَوْله فشر تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابكُمْ] 1 {التَّاسِعَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلُهُ «فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» يَعْنِي، الْمَيِّتَ قِيلَ لِكَوْنِهَا مَلْعُونَةً مَلْعُونًا مَنْ شَهِدَهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ لِلتَّعَبِ بِهَا وَمُؤْنَةِ حَمْلِهَا انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا بَعِيدَةٌ مِنْ الرَّحْمَةِ فَلَا مَصْلَحَةَ لَكُمْ فِي مُصَاحَبَتِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْكُ صُحْبَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَغَيْرِ الصَّالِحِينَ. [فَائِدَة هَلْ حمل الْجِنَازَة يختص بِالرِّجَالِ] {الْعَاشِرَةُ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ عَنْ رِقَابِكُمْ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لِكَوْنِهِ أَتَى فِيهِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِخُرُوجِ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَكِنَّ الْحُكْمَ مُوَافَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَقْوَى لِذَلِكَ وَالنِّسَاءُ ضَعِيفَاتٌ وَرُبَّمَا انْكَشَفَ مِنْ الْحَامِلِ بَعْضُ بَدَنِهِ. [فَائِدَة هَلْ تَتَكَلَّم الْجِنَازَة] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ: «إنَّ الصَّالِحَ يَقُولُ قَدِّمُونِي وَغَيْرُهُ يَقُولُ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي» إنَّمَا يَتَكَلَّمُ رُوحُ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ لَا تَتَكَلَّمُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَرُدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا قَالَ، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الرُّوحُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَيُجَانِسُهُ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَقَوْلُهُ يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الْإِنْسَانَ لَفْظَةُ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ مُمَيِّزٍ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ دُونَ الْحَيَوَانِ الصَّامِتِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ [حَدِيث أَنْ رَسُول اللَّه خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْل أَحَد] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ كَصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأَنْظُرُ إلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنَى قَدْ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» .   Qالْحَدِيثُ الْخَامِسُ} وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأَنْظُرُ إلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرَةً وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ بِلَفْظِ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ الْحَوْضُ» ، وَفِي آخِرِهِ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد مُخْتَصَرٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَفِيهِ «، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ» وَفِيهِ «وَإِنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إلَى الْجُحْفَةِ، وَفِي آخِرِهِ فَتَقْتَتِلُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ عُقْبَةُ فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ» ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الشُّهَدَاءِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ كَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعِكْرِمَةُ وَمَكْحُولٌ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَفِيهَا جَوَابَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الدُّعَاءُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْهُودَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ دَعَا لَهُمْ بِدُعَاءِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ قَبْلَ دَفْنِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِمْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا وَالْقَائِلُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ يُقَيِّدُونَهُ بِمُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لَعَلَّهَا فَائِتَةٌ هُنَا وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ. ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ مَعْنَاهُ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ لَكِنْ تَجُوزُ وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَالَ، فِي مَوْضِعٍ إنْ صَلَّى عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَمَا تَضُرُّهُ الصَّلَاةُ لَا بَأْسَ بِهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فَقَالَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَجْوَدُ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَجْزَأَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فَكَأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لَا فِي وُجُوبِهَا أَحَدُهُمَا تُسْتَحَبُّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: إنْ صَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَعُقْبَةَ وَقَالَ: لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ أَحَدٌ الْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْآخَرِ بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ مُبَاحٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ نَسْخٍ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا مَعًا مُمْكِنٌ فِي أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ: إنَّمَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمْ الَّذِينَ غَزَوْا الْكُفَّارَ فَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ هُمْ الَّذِينَ غَزَوْا الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ فَيُصَلَّى عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي تِلْكَ الْمَعْرَكَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَهُ الصَّلَاةُ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَإِنَّ الْكُفَّارَ هُمْ الْغَازُونَ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ بَدْرٍ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ هُنَا مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَالَ قِيَامِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّتُهُ أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ أَمْ لَا وَلِذَلِكَ تَفَارِيعُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَا نُطَوِّلُ بِهَا. 1 - وَأَمَّا تَغْسِيلُ الشَّهِيدِ فَنَفَاهُ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَغْسِيلُهُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْآثَارِ فَلَا وَجْهَ لَهُ. [فَائِدَة حوض النَّبِيّ] 1 {الثَّالِثَةُ} قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَرَطُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْفَارِطُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ رُوَّادَ الْمَاءِ لِيُصْلِحَ لَهُمْ الْحِيَاضَ وَالدِّلَاءَ وَنَحْوَهَا مِنْ أُمُورِ الِاسْتِسْقَاءِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ» أَيْ سَابِقُكُمْ إلَى الْحَوْضِ كَالْمُهَيِّئِ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «وَإِنَّ مَوْعِدَكُمْ الْحَوْضُ» وَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ «إنِّي وَاَللَّهِ لَأَنْظُرُ إلَى حَوْضِي الْآنَ» ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى قُرْبِ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَقَدُّمِ أَصْحَابِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ» وَكَانَ هَذَا قَبْلَ وَفَاتِهِ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ فَإِنَّهُ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ مِنْ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَكَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَلِهَذَا قَالَ عُقْبَةُ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ قَيْدًا بَلْ حِكَايَةً لِلْوَاقِعِ وَلَعَلَّهُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ إثْبَاتُ حَوْضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ حَوْضٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ مَخْلُوقٌ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَا يَتَأَوَّلُونَهُ وَيَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ بِهِ فَرْضًا وَأَحَادِيثُهُ قَدْ بَلَغَتْ التَّوَاتُرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ الْإِشَارَةِ إلَى كَثِيرٍ مِنْهَا، وَفِي بَعْضِ هَذَا مَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَأَنَّ عَرْضَهُ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إلَى الْجُحْفَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «عَرْضُهُ مِثْلُ صُوله مَا بَيْنَ عُمَانَ إلَى الْمَدِينَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ مَقَامِي إلَى عُمَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَدْرَ حَوْضِي مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءِ الْيَمَنِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ» وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ عَرْضِ الْحَوْضِ لَيْسَ مُوجِبًا لِلِاضْطِرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ بَلْ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةِ الرُّوَاةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ سَمِعُوهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ ضَرَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلٍّ مِنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتِهِ وَقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ الْإِفْهَامِ لِبُعْدٍ مَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ لَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَوْضُوعِ لِلتَّحْدِيدِ بَلْ لِلْإِعْلَامِ بِعِظَمِ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْمَسَافَاتِ مَنْعُ الْكَثِيرِ فَالْكَثِيرُ ثَابِتٌ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا مُعَارَضَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة أَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا عَلَى جَمِيع الْأُمَم] {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ» مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، وَقَدْ ذَكَرَ التَّفْسِيرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ كَوْنُهُ فَرَطًا لَهُمْ يَتَقَدَّمُهُمْ بِعَمَلِ مَصْلَحَتِهِمْ وَشَهِيدًا عَلَيْهِمْ يَشْهَدُ بِأَعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ مَعَهُمْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُمْ بَلْ يَبْقَى بَعْدَهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ بِأَعْمَالِ آخِرِهِمْ فَجَمَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَتَنَافَيَانِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَائِمٌ بِأَمْرِهِمْ فِي الدَّارَيْنِ فِي حَالَتَيْ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا رَأَيْت مِنْ خَيْرٍ حَمِدْت اللَّهَ عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْت مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْت اللَّهَ لَكُمْ» [فَائِدَة الْحُلْف لِتَفْخِيمِ الْأَمْر وَتَوْكِيده] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ بَلْ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَتَوْكِيدِهِ. [فَائِدَة خَوْف النَّبِيّ وَحِرْصه] {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ» هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ وَكَأَنَّهُ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِي اللَّفْظِ الْمَقُولِ وَأَشَارَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ إلَى مَا فُتِحَ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ الْمُلْكِ وَالْخَزَائِنِ وَقَوْلُهُ «وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَخَاف عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي» أَيْ مَجْمُوعُكُمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ وَقَوْلُهُ «، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا أَيْ فِي خَزَائِنِ الْأَرْضِ» الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا صَرِيحًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ أُمَّتَهُ تَمْلِكُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ وَأَنَّهَا لَا تَرْتَدُّ جُمْلَةً، وَقَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهَا تَتَنَافَسُ فِي الدُّنْيَا وَتَقْتَتِلُ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ عَصَمَنَا اللَّهُ مِنْهُ آمِينَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 بَابُ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ أَجِبْ رَبَّك قَالَ فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، قَالَ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ إنَّك أَرْسَلْتنِي إلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ إلَى عَبْدِي فَقُلْ الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَك عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ بِيَدِك مِنْ شَعْرَةٍ فَأَنَّك تَعِيشُ بِهَا سَنَةً؛ قَالَ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ تَمُوتُ، قَالَ فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ، قَالَ رَبِّ اُدْنُنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ» وَعَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» جَمَعَ الشَّيْخَانِ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَتْنٍ وَاحِدٍ.   Q [بَابُ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ] [حَدِيث جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إلَى مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ أَجِبْ رَبَّك قَالَ فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا قَالَ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ إنَّك أَرْسَلْتنِي إلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ عَيْنَيْهِ وَقَالَ ارْجِعْ إلَى عَبْدِي فَقُلْ الْحَيَاةَ تُرِيدُ فَإِنْ كُنْت تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَك عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ بِيَدِك مِنْ شَعْرَةٍ فَأَنَّك تَعِيشُ بِهَا سَنَةً قَالَ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ تَمُوتُ قَالَ فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ رَبِّ اُدْنُنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ» وَعَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» ، وَقَدْ جَمَعَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَتْنٍ وَاحِدٍ وَهُمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدِيثَيْنِ كَمَا تَرَى، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ لِمَعْمَرٍ فِيهِ إسْنَادَيْنِ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَطْعَنُ بِهِ الْمُلْحِدَةُ وَتَتَلَاعَبُ بِنَقْلِهِ الْآثَارُ لِسَبَبِهِ وَتَقُولُ كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى نَبِيٍّ مِثْلِ مُوسَى أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ مَلَكٍ وَكَيْفَ تُفْقَأُ عَيْنُ الْمَلَكِ وَلَعَلَّهُ لَمَّا جَاءَ عِيسَى أَذْهَبَ عَيْنَهُ الْأُخْرَى فَعَمِيَ وَلِأَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمَلَكَ يُتَصَوَّرُ فِي أَيِّ الصُّوَرِ شَاءَ مِمَّا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] وَقِيلَ إنَّهُ تَمَثَّلَ لَهَا فِي صُورَةِ رَجُلٍ يُسَمَّى تَقِيًّا وَلِهَذَا {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18] ، وَقَدْ تَمَثَّلَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِصُورَةِ دِحْيَةَ وَقَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ قَدْ تَكُونُ تَخَيُّلًا فَيَكُونُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَأَ عَيْنًا مُخَيَّلَةً لَا عَيْنًا حَقِيقِيَّةً وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي لَا يُقْنِعُهُمْ وَيَقُولُونَ: إنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَلَكٌ وَأَنَّ ذَلِكَ تَخَيُّلٌ فَكَيْفَ يَصُكُّهُ وَيُقَابِلُهُ بِهَذِهِ الْمُقَابَلَةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِالنَّبِيِّينَ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا) الْحَدِيثُ فِيهِ تَجَوُّزٌ إذَا حُمِلَ عَلَيْهِ انْدَفَعَ طَعْنُ الْمُلْحِدَةِ وَمَحْمَلُهُ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَاجَّهُ وَأَوْضَحَ الْحُجَّةَ لَدَيْهِ يُقَالُ فَقَأَ عَيْنَ فُلَانٍ إذَا غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَيُقَالُ عَوَّرْت هَذَا الْأَمْرَ إذَا أَدْخَلْت نَقْصًا فِيهِ وَهَذَا قَدْ يُبْعِدُ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ فَرَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ عَيْنَيْهِ فَإِنْ قَالُوا فَرَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ حُجَّتَهُ كَانَ كَذَلِكَ بَعِيدًا عَنْ مُقْتَضَى سِيَاقِ الْكَلَامِ (وَجَوَابٌ ثَالِثٌ) مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ مِثْلُ مَا قَالُوهُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي هَذِهِ اللَّطْمَةِ مِحْنَةً لِلْمَلْطُومِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَتَعَبَّدُ خَلْقَهُ بِمَا شَاءَ وَلَا أَحَدَ مِنْ عِبَادِهِ يَمْنَعُهُ فَضِيلَتُهُ مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا شَاءَ (وَيَظْهَرُ لِي جَوَابٌ رَابِعٌ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ أَتَاهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَدَافَعَهُ عَنْهَا مُدَافَعَةً أَدَّتْ إلَى فَقْءِ عَيْنِهِ وَهَذَا سَائِغٌ فِي شَرِيعَتِنَا أَنْ يُدَافِعَ الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِ الطَّالِبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ فَضْلًا عَنْ فَقْءِ عَيْنِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ إبَاحَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقْءَ عَيْنِ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ بِغَيْرِ، إذْنِهِمْ، وَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ فَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَاسْتَسْلَمَ لَهُ مُوسَى فَدَلَّ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِهِ قُلْنَا قَدْ يَكُونُ أَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِعَلَامَةٍ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ قَالَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَأَحْسَنُ مَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي ظَهَرَ لَنَا وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَعِنْدِي أَنَّ جَوَابَنَا أَرْجَحُ مِنْهُ اهـ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ لَيْسَ فِي لَطْمِ مُوسَى لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَا يُعَظَّمُ وَيُشَنَّعُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ أَخْذِهِ بِرَأْسِ أَخِيهِ وَلِحْيَتِهِ وَجَرِّهِ إيَّاهُ وَهُوَ نَبِيٌّ مُكَرَّمٌ كَمَا ذَلِكَ مَلَكٌ مُعَظَّمٌ وَالنَّبِيُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَكِ وَمُوسَى فَاعِلٌ بِاجْتِهَادِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ مَا رَآهُ مِنْ جَرِّ هَذَا إلَيْهِ وَدَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَمَّا فَقْؤُهُ عَيْنَهُ فَلَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا لَطَمَهُ حَدَثَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَقْءُ عَيْنِهِ فَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ قَالَ وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ وَحَسَنُهُ هُوَ حَسَنٌ وَهُوَ تَأْوِيلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ حَسَنٌ يَحْسِمُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ وَهُوَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ مَلَكَ الْمَوْتِ فَلَطَمَهُ فَانْفَقَأَتْ عَيْنُهُ امْتِحَانًا وَأَنَّهُ جَاءَ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ لَكِنَّهُ جَاءَ مَجِيءَ الْجَازِمِ بِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِقَبْضِ رُوحِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَعِنْدَ مُوسَى مَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبِضُ رُوحَ نَبِيٍّ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فَلَمَّا جَاءَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أُعْلِمَ بِهِ بَادَرَ بِشَهَامَتِهِ وَقُوَّةِ نَفْسِهِ إلَى أَدَبِ مَلَكِ الْمَوْتِ فَلَطَمَهُ فَانْفَقَأَتْ عَيْنُهُ امْتِحَانًا لِمَلَكِ الْمَوْتِ، إذْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِالتَّخْيِيرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ اخْتَارَ الْمَوْتَ وَاسْتَسْلَمَ هَذَا الْوَجْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَسْلَمُ اهـ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْمَازِرِيِّ هُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ بِبَاقِي الْحَدِيثِ وَهُوَ «أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَمَّا رَجَعَ إلَى اللَّهِ قَالَ يَا رَبِّ أَرْسَلْتنِي إلَيَّ عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ» فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ مُوسَى، وَإِنَّمَا دَافَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَا صَدَقَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ مَلَكِ الْمَوْتِ اهـ. فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ أَجَلُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ حَضَرَ فَكَيْفَ تَأَخَّرَ مُدَّةَ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْضُرْ فَكَيْفَ جَاءَ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61] قُلْت لَمْ يَكُنْ أَجَلُ مُوسَى قَدْ حَضَرَ وَلَمْ يُبْعَثْ إلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، وَإِنَّمَا بُعِثَ إلَيْهِ اخْتِبَارًا وَابْتِلَاءً كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلَهُ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَلَمْ يُرِدْ عَزَّ وَجَلَّ إمْضَاءَ الْفِعْلِ فَفَدَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْضَ رُوحِ مُوسَى حِينَ لَطَمَ مَلَكَ الْمَوْتِ لَكَانَ مَا أَرَادَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] ، وَقَدْ أَجَابَ بِمَا ذَكَرْته الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَهُوَ حَسَنٌ. {الثَّالِثَةُ} مَتْنُ الثَّوْرِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ ظَهْرُهُ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَوَارَتْ أَيْ تَغَطَّتْ وَقَوْلُهُ، ثُمَّ مَهْ هِيَ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّة دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَاءُ السَّكْتِ لِلْوَقْفِ عَلَيْهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ إذَا وَقَفُوا عَلَى أَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِذَا وَصَلُوا حَذَفُوهَا وَقَوْلُهُ فَالْآنَ ظَرْفُ زَمَانٍ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَهُوَ اسْمٌ لِزَمَانِ الْحَالِ الَّتِي يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَيْهَا وَهُوَ الزَّمَانُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. {الرَّابِعَةُ} فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَيَّرَهُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ اخْتَارَ الْمَوْتَ طَلَبًا لِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِعْجَالًا لِمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنْ الثَّوَابِ وَالْخَيْرِ وَاسْتِرَاحَةٍ مِنْ أَكْدَارِ الدُّنْيَا وَهَذَا كَمَا «أَنَّ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا خُيِّرَ عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى» فَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ. - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - [فَائِدَة سُؤَال مُوسَى التَّقَرُّب مِنْ أَرْض الْمَقْدِس] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ رَبِّ «اُدْنُنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ» أَيْ مِقْدَارَ رَمْيَةٍ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُ مَكَان وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ إنَّمَا سَأَلَ ذَلِكَ لِيَقْرَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى الْمَحْشَرِ وَتَسْقُطَ عَنْهُ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهُ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا سَأَلَ ذَلِكَ لِفَضْلِ مَنْ دُفِنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَأَحَبَّ مُجَاوَرَتَهُمْ فِي الْمَمَاتِ كَمَا يَسْتَحِبُّ مُجَاوَرَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ وَلِشَرَفِ الْبُقْعَةِ وَفَضْلِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا أَظْهَرُ قُلْت، وَقَدْ خَطَرَ لِي فِي ذَلِكَ وَجْهٌ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا سَأَلَ الْإِدْنَاءَ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مُسَارَعَةً لِامْتِثَالٍ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قِتَالِ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فَعَصَوْا فَعُوقِبُوا بِالتِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ فِي التِّيهِ قَبْلَ فَتْحِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَكَانَ فَتْحُهَا عَلَى يَدِ يُوشَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ كَانَ فَتَحَهَا عَلَى يَدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَعْنَى بُعْدَهُ مِنْهَا رَمْيَةً بِحَجَرٍ لِيُعْمَى قَبْرُهُ لِئَلَّا يَعْبُدَهُ جُهَّالُ أَهْلِ مِلَّتِهِ وَيَقْصِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَعَنْ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا انْتَهَى: قُلْت هَذَا الْكَلَامُ مُقْتَضَاهُ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَأَلَ الْإِدْنَاءَ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ وَلَا يَدْخُلُهَا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ أَنَّهُ سَأَلَ تَقْرِيبَهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَى جِهَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِمِقْدَارِ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ وَمَا نَدْرِي مَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ تَكُونُ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً، وَقَدْ تَكُونُ قَرِيبَةً وَإِذَا طَلَبَ التَّقْرِيبَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِمِقْدَارِ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ فَتَقْرِيبُهُ إلَيْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي مَقْصُودِهِ بَلْ اتِّصَالُهُ إلَى نَفْسِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَبْلَغُ وَأَعْظَمُ وَمَا كَانَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَطَلَبَ الْبُعْدَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا كَانَ بَعِيدًا مِنْهَا فَطَلَبَ الْقُرْبَ مِنْهَا وَذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ قَبْرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَدْيَنَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَمَدْيَنُ لَيْسَتْ قَرِيبَةً مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ قَبْرًا قَرِيبًا مِنْ أَرِيحَاءَ وَهِيَ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ يُزَارُ وَيُقَالُ إنَّهُ قَبْرُ مُوسَى وَعِنْدَهُ كَثِيبٌ أَحْمَرُ وَطَرِيقٌ، وَقَدْ حَدَّثَنَا عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ زَارَهُ انْتَهَى. {السَّابِعَةُ} إنَّمَا سَأَلَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - التَّقْرِيبَ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَيْهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا يُدْفَنُونَ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُنْقَلُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا إلَى مَدَافِنِهِمْ وَمَقَابِرِهِمْ كَمَا هِيَ عَادَةُ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ نَقْلُ الْمَيِّتِ إلَى بَلَدٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي حُكْمِهِ فَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَا أُحِبُّهُ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ يُكْرَهُ نَقْلُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي فِي وَالتَّتِمَّةِ يَحْرُمُ نَقْلُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّ فِي نَقْلِهِ تَأْخِيرَ دَفْنِهِ وَتَعْرِيضَهُ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ وَمَحِلُّ هَذَا الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ لَهُ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْقُرْبِ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ لِلدَّفْنِ بِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَا يُنْقَلُونَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ طَلَبَ الْقُرْبَ فِي حَيَاتِهِ وَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ نَقْلُ غَيْرِهِمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ اُسْتُحِبَّ النَّقْلُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لِطَلَبِ هَذَا الْفَضْلِ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ الْمَوْتِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مَنْ مَاتَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَأَنَّمَا مَاتَ فِي السَّمَاءِ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} الْكَثِيبُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قِطْعَةٌ مِنْ الرَّمْلِ مُسْتَطِيلَةٌ مُحْدَوْدِبَةٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ انْصَبَّ فِي مَكَان فَاجْتَمَعَ فِيهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ مَعْرِفَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ لِزِيَارَتِهَا وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَبْرِ السَّيِّدِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَامَةً مَوْجُودَةً فِي قَبْرٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ النَّاسِ الْآنَ بِأَنَّهُ قَبْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمَذْكُورَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حِكَايَاتٌ وَمَنَامَاتٌ وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ حَدَّثَنِي الشَّيْخُ سَالِمٌ التَّلُّ قَالَ: مَا رَأَيْت اسْتِحْبَابَهُ الدُّعَاءَ أَسْرَعَ مِنْهَا عِنْدَ هَذَا الْقَبْرِ، وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَرْمَنِيِّ أَنَّهُ زَارَ هَذَا الْقَبْرَ وَأَنَّهُ نَامَ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ قُبَّةً عِنْدَهُ وَفِيهَا شَخْصٌ أَسْمَرُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ أَوْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْت قُلْ لِي شَيْئًا فَأَوْمَى إلَيَّ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ وَوَصَفَ طُولَهُنَّ فَانْتَبَهْت فَلَمْ أَدْرِ مَا قَالَ، فَأَخْبَرْت الشَّيْخَ ذَيَّالَ بِذَلِكَ فَقَالَ: يُولَدُ لَك أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ فَقُلْت أَنَا قَدْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَلَمْ أَقْرَبِهَا فَقَالَ: تَكُونُ غَيْرَ هَذِهِ فَتَزَوَّجْت أُخْرَى فَوَلَدَتْ لِي أَرْبَعَةَ أَوْلَادٍ انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ سِوَى قَبْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا قَبْرُ مُوسَى فَمَظْنُونٌ بِالْعَلَامَةِ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ وَقَبْرُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَمَنْ مَعَهُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَيْضًا مَظْنُونٌ بِمَنَامَاتٍ وَنَحْوِهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُك حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .   Q [بَابُ عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ] [حَدِيث إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ] ِّ عَنْ نَافِعٍ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُك حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَالنَّارُ» . {الثَّانِيَةُ} فِيهِ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُك وَفِي هَذَا تَنْعِيمٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَعْذِيبٌ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِمُعَايَنَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ وَانْتِظَارِهِ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَيُوَافِقُ هَذَا فِي أَحَدِ الشِّقَّيْنِ قَوْله تَعَالَى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَرْضُ عَلَى الرُّوحِ وَحْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ، قُلْت ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَرْضُ هَذَا عَلَى جُمْلَتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إعَادَةِ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي يُدْرَكُ مِنْهُ حَالَةُ الْعَرْضِ (فَإِنْ قُلْت) وَهَلْ فِي الْقَبْرِ غَدَاةٌ وَعَشِيٌّ وَلَيْلٌ وَنَهَارٌ: قُلْت الْمُرَادُ فِي وَقْتِ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ عِنْدَ الْأَحْيَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ وَقْتَ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فِي حَالِ عَرْضِ الْمَقْعَدِ عَلَيْهِ، وَقَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَرَدَ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ أَنَّهُ يَمْثُلُ لَهُ وَقْتَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَدُنُوِّ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَرْضِ هُنَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ أَعْمَالِكُمْ وَالْجَزَاءُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَأُرِيدَ بِالتَّكْرِيرِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ تِذْكَارُهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ وَلَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ الْأَجْسَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمُسَاءَلَةِ هِيَ فِي الذَّهَابِ وَأَكْلِ التُّرَابِ لَهَا وَالْفَنَاءِ وَلَا يُعْرَضُ شَيْءٌ عَلَى فَانٍ، فَبَانَ أَنَّ الْعَرْضَ الَّذِي يَدُومُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَفْنَى وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْعِبَادُ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْعَرْضِ هُنَا الْإِخْبَارُ قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَ مُعَايَنَةِ الْمَقْعَدِ حَقِيقَةً وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَإِذَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْ الظَّاهِرِ صَارِفٌ فَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْ الْقُرْطُبِيِّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} الْأَمْرُ وَاضِحٌ فِي الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ أَمَّا الْمُخَلِّطُ الَّذِي لَهُ ذُنُوبٌ هُوَ مُؤَاخَذٌ بِهَا غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَمَاذَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْرُوضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمَّا النَّارُ فَلَيْسَ لَهُ بِهَا مَقْعَدٌ مُسْتَقِرٌّ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا لِعَارِضٍ لِيُنَقَّى وَيُطَهَّرَ وَيُمَحَّصَ، ثُمَّ يَدْخُلَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ نَقِيًّا مُخْلِصًا وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا فَقَالَ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُؤَاخَذُ بِذُنُوبِهِ فَلَهُ مَقْعَدَانِ مَقْعَدٌ فِي النَّارِ مِنْ تَعْذِيبِهِ وَمَقْعَدٌ فِي الْجَنَّةِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُعْرَضَا عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إلَّا إنْ قُلْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُهَا كَيْفَمَا كَانَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ. {الرَّابِعَةُ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ غَيْرِ الشُّهَدَاءِ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَرْضَ الْمَقْعَدِ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً فَلَا يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى عَرْضِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ تَبْشِيرُهَا بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّةِ مُقْتَرِنَةً بِجَسَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَرْضُ الْمَقْعَدِ عَلَى الْأَجْسَادِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ حِينَئِذٍ كَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ إنَّمَا هُوَ أَرْوَاحُهُمْ أَمَّا أَجْسَادُهُمْ فَهِيَ فِي قُبُورِهِمْ فَتَنْعَمُ بِعَرْضِ الْمَقْعَدِ عَلَيْهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ فِي شَجَرَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «إنَّ أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ يَعْلُقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ» وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ «إنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ» [فَائِدَة اتِّحَادُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءُ] 1 {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ظَاهِرُهُ اتِّحَادُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءُ لَكِنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ فِي التَّقْدِيرِ وَلَعَلَّ تَقْدِيرُهُ فَمِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْ فَالْمَعْرُوضُ عَلَيْهِ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمُضَافَ وَالْمَجْرُورَ بِمِنْ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنْ مُسْلِمٍ فَالْجَنَّةُ تَقْدِيرُهَا فَالْمَعْرُوضُ الْجَنَّةُ فَاقْتَصَرَ مِنْهَا عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ فَهِيَ حَذْفًا، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ «وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ» [فَائِدَة عَذَابِ الْقَبْرِ] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ عَرْضَ مَقْعَدِهِ مِنْ النَّارِ عَلَيْهِ نَوْعٌ عَظِيمٌ مِنْ الْعَذَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يُعِيدَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ فِي جُزْءٍ مِنْ الْجَسَدِ وَيُعَذِّبَهُ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ وَوَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَقَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْخَوَارِجُ وَمُعْظَمُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ وَنَفَوْا ذَلِكَ، ثُمَّ الْمُعَذَّبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْجَسَدُ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ إعَادَةِ الرُّوحِ إلَيْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَخَالَفَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِرَامٍ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا لَا يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الرُّوحِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَلَمَ وَالْإِحْسَاسَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ كَمَا نُشَاهِدُ فِي الْعَادَةِ أَوْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ أَوْ حِيتَانُ الْبَحْرِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُهُ لِلْحَشْرِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَكَذَا يُعِيدُ الْحَيَاةَ إلَى جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ أَجْزَاءٍ وَإِنْ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَالْحِيتَانُ (فَإِنْ قِيلَ) فَنَحْنُ نُشَاهِدُ الْمَيِّتَ عَلَى حَالِهِ فِي قَبْرِهِ فَكَيْفَ يُسْأَلُ وَيَقْعُدُ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ وَيُعَذِّبُهُ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ فَإِنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً وَآلَامًا لَا نُحِسُّ نَحْنُ شَيْئًا مِنْهَا، وَكَذَا يَجِدُ الْيَقْظَانُ لَذَّةً وَأَلَمًا لِمَا يَسَعُهُ أَوْ يُفَكِّرُ فِيهِ وَلَا يُشَاهِدُ ذَلِكَ جَلِيسُهُ مِنْهُ، وَكَذَا كَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُخْبِرُهُ بِالْوَحْيِ الْكَرِيمِ وَلَا يُدْرِكُهُ الْحَاضِرُونَ وَكُلُّ هَذَا وَاضِحٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ [فَائِدَة أَرْوَاحَ الْمَوْتَى عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ] {السَّابِعَةُ} قَالَ بَعْضُهُمْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 {بَابُ بَلَاءِ الْمَيِّتِ إلَّا عَجَبَ الذَّنَبِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إلَّا عَجَبَ الذَّنْبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا أَيُّ عَظْمٍ هُوَ؟ قَالَ عَجَبُ الذَّنَبِ» .   Qالْمَوْتَى عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ وَهَذَا أَصَحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةِ الرُّوحِ وَالنَّفْسِ أَنَّهُمَا لَا يَفْنَيَانِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وَالْإِمْسَاكُ لَا يَقَعُ عَلَى الْفَانِي انْتَهَى. {الثَّامِنَةُ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِعَدَمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَمُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْبَدَنَ [بَابُ بَلَاءِ الْمَيِّتِ إلَّا عَجَبَ الذَّنَبِ] [حَدِيث كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إلَّا عَجَبَ الذَّنْبِ] (بَابُ بَلَاءِ الْمَيِّتِ إلَّا عَجَبَ الذَّنَبِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إلَّا عَجَبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا أَيُّ عَظْمٍ هُوَ؟ قَالَ عَجَبُ الذَّنَبِ» {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ يَبْلَى إلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجَبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «يَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ إلَّا عَجَبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ» أَوْرَدَهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ. {الثَّانِيَةُ} عَجَبُ الذَّنَبِ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحْكَمِ ضَمَّهَا أَيْضًا وَإِسْكَانُ الْجِيمِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ لَهُ عَجَمُ الذَّنَبِ بِالْمِيمِ أَيْضًا وَفِي عَيْنِهِ الْوَجْهَانِ وَحُكِيَ فِي الْمُحْكَمِ عَنْ اللِّحْيَانِيِّ أَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْقَعْنَبِيِّ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ الْعَظْمُ اللَّطِيفُ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ وَأَعْلَى مَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ وَهُوَ رَأْسُ الْعُصْعُصُ وَهُوَ مَكَانُ رَأْسِ الذَّنَبِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَكَأَنَّهُ لِهَذَا أُضِيفَ إلَى الذَّنَبِ وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُد فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ «قِيلَ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْهُ تُنْشَئُونَ» وَعَزَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِكِتَابِ الْبَعْثِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِغَرِهِ جِدًّا. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «يَأْكُلُهُ التُّرَابُ» يَحْتَمِلُ أَنْ تُعْدَمَ أَجْزَاؤُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَكِنْ زَالَتْ أَعْرَاضُهَا الْمَعْهُودَةُ، وَقَدْ جَوَّزَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عَقْلًا قَالَ وَلَمْ يَدُلَّ قَاطِعٌ سَمْعِيٌّ عَلَى نَفْيِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَصِيرَ أَجْسَامُ الْعِبَادِ عَلَى صِفَةِ أَجْسَامِ التُّرَابِ، ثُمَّ تُعَادُ بِتَرْكِيبِهَا إلَى مَا عُهِدَ وَلَا يُحِيلُ أَنْ يُعْدَمَ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ يُعَادَ. {الرَّابِعَةُ} كَوْنُ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَبْلَى أَجْسَامُهُمْ الْكَرِيمَةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعَهُمْ الشُّهَدَاءَ قَالَ وَحَسْبُك مَا جَاءَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ لِمَا نَقَلَ أَبَاهُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ حِينَ أَرَادَ إجْرَاءَ الْعَيْنِ الَّتِي فِي أَسْفَلِ أُحُدٍ وَقَوْلُهُ «فَأَخْرَجْنَاهُمْ رِطَابًا يُتَسَنَّوْنَ فَأَصَابَتْ الْمِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَتَقَطَّرَ الدَّمُ» وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ بَعْضَ الشُّهَدَاءِ قَدْ تَأْكُلُ الْأَرْضُ جَسَدَهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْمَبْطُونِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُلْحَقِينَ بِالشُّهَدَاءِ وَضَمَّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إلَى الصِّنْفَيْنِ الْمُؤَذِّنَ الْمُحْتَسِبَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدَوَّدْ فِي قَبْرِهِ» قَالَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَ الْمُؤَذِّنِينَ الْمُحْتَسِبِينَ فَلِلْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَنْ تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ فَإِنَّهُ لَا تَأْكُلُ مِنْهُ عَجَبَ الذَّنَبِ قَالَ: وَإِذَا جَازَ أَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ عَجَبَ الذَّنَبِ جَازَ أَنْ لَا تَأْكُلَ الشُّهَدَاءَ. (الثَّانِي) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ الْإِنْسَانِ مِمَّا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَأْكُلُ أَجْسَامًا كَثِيرَةً كَالْأَنْبِيَاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ [فَائِدَة عَجَبَ الذَّنَبِ لَا يَبْلَى وَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ] 1 {الْخَامِسَةُ} وَفِيهِ أَنَّ عَجَبَ الذَّنَبِ لَا يَبْلَى وَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ بَلْ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ وَإِنْ بَلِيَ جَمِيعُ جَسَدِ الْمَيِّتِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُزَنِيّ فَقَالَ: إنَّ عَجَبَ الذَّنَبِ يَبْلَى أَيْضًا فَلَمْ يُجْعَلْ إلَّا فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِثْنَاءِ بَلْ عَاطِفَةٌ كَالْوَاوِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعَجَبُ الذَّنَبِ، وَقَدْ حَكَى إثْبَاتَ هَذَا الْمَعْنَى لِأَلَّا عَنْ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَأَوَّلُوا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَيَرُدُّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَوْنُهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ أَيْ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ مِنْ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْخَلْقِ عَلَيْهِ فَلَوْ سَاوَى عَجَبُ الذَّنَبِ غَيْرَهُ فِي الْبَلَاءِ لَمْ يَبْقَ لِهَذَا الْكَلَامِ مَحَلٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة عَجَبَ الذَّنَبِ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ مِنْ الْآدَمِيِّ] 1 {السَّادِسَةُ} ظَاهِرُهُ أَنَّ عَجَبَ الذَّنَبِ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ مِنْ الْآدَمِيِّ وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ آدَمَ رَأْسَهُ فَجَعَلَ يَنْظُرُ وَهُوَ يُخْلَقُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ فَاتِّبَاعُ الْحَدِيثِ أَوْلَى، وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي ابْنِ آدَمَ وَالْأَثَرُ عَنْ سَلْمَانَ فِي آدَمَ نَفْسِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ مِنْ آدَمَ رَأْسَهُ وَمِنْ بَنِيهِ عَجَبَ الذَّنَبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ مِنْ آدَمَ عَجَبَ الذَّنَبِ كَبَنِيهِ وَيَكُونُ مَعْنَى كَلَامِ سَلْمَانَ إنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ أَوَّلَ مَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ مِنْ آدَمَ رَأْسُهُ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ جُرَيْجٍ يَقُولُونَ إنَّ أَوَّلَ مَا نُفِخَ فِي يَافُوخِ آدَمَ [فَائِدَة الْإِيمَانُ بِالْمَعَادِ الْجُسْمَانِيِّ] {السَّابِعَةُ} ، وَفِي قَوْلِهِ «فِيهِ يُرَكَّبُ الْبَعْثُ وَالنَّشْأَةُ الْآخِرَةُ» وَالْإِيمَانِ بِالْمَعَادِ الْجُسْمَانِيِّ وَاجِبٌ، وَجَحْدُهُ كُفْرٌ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 كِتَابُ الزَّكَاةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا» . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ قَالَ يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ قَالَ وَاَللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِمُسْلِمٍ «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهُ إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ   Q [كِتَابُ الزَّكَاةِ] [حَدِيث إذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ قَالَ يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ أَنَا كَنْزُك قَالَ وَاَللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟ قَالَ وَلَا صَاحِبُ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا كُلَّمَا   Qيُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ؛ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟ قَالَ وَلَا صَاحِبُ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْخَيْلُ؟ قَالَ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْخَيْلُ؟ قَالَ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ. فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدُ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٍ وَكُتِبَ لَهُ عَدَدُ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٍ وَلَا   Qفَهِيَ لَهُ سِتْرٌ. وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدُ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٍ وَكُتِبَ لَهُ عَدَدُ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٍ وَلَا يَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحُمُرُ؟ قَالَ مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] » . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْحُمُرَ وَأَخْرَجَ ذِكْرَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَصَرًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا قَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ جُمْلَةً أُخْرَى» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 يَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحُمُرُ؟ قَالَ مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] » . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ ذِكْرَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ، وَأَخْرَجَ ذِكْرَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَأَخْرَجَا ذِكْرَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ..   Qعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَنْ أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي شِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُك أَنَا كَنْزُك ثُمَّ تَلَا {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] » الْآيَةَ. وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى تَرَكْت ذِكْرَهَا اخْتِصَارًا وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ ذِكْرَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ» . لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» أَوْ «وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ» أَوْ كَمَا حَلَفَ «مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ إبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا» وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا» مَا هُنَا زَائِدَةٌ وَالرَّبُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَالِكِ وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُضَافًا كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ مَعَ الْإِطْلَاقِ إلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّعَمُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَحَكَى فِي الْمُحْكَمِ أَنَّ إسْكَانَهَا لُغَةٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ وَاحِدُ الْأَنْعَامِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِبِلِ وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُحْكَمِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَلَيْسَتْ الْأَنْعَامُ جَمْعًا لَهُ فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. صَدَّرَ بِهِ فِي الْمَشَارِقِ كَلَامَهُ وَحَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَيُوَافِقُهُ اقْتِصَارُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَخْفَافِ وَهِيَ الْإِبِلُ دُونَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَقَوْلُهُ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا أَيْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ إيضَاحٍ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ أَطْلَقَ رَبَّ النَّعَمِ هَذَا عَلَى مَالِكِهَا مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يَقُلْ الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ رَبِّي» ، وَمِثْلُ هَذَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» (قُلْت) أَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْبَهَائِمَ غَيْرُ مُتَعَبِّدَةٍ وَلَا مُخَاطَبَةٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَجُوزُ إضَافَةُ مَالِكِيهَا إلَيْهَا وَجَعْلُهُمْ أَرْبَابًا لَهَا، قَالَ فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] فَإِنَّهُ خَاطَبَهُمْ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ بِهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلسَّامِرِيِّ {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] أَيْ الَّذِي اتَّخَذْته إلَهًا اهـ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «يُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهَا بِعَيْنِهَا لِيُعَاقِبَهُ بِهَا وَفِي ذَلِكَ مُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِمَنْعِ حَقِّ اللَّهِ فِيهَا الِارْتِفَاقَ وَالِانْتِفَاعَ بِمَا مَنَعَهُ مِنْهَا فَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي قَصَدَ الِانْتِفَاعَ بِهِ أَضَرُّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ وَسُلِّطَ عَلَيْهِ حَتَّى بَاشَرَ عُقُوبَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ تَخْبِطُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ تَضْرِبُ، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ تَضْرِبَ وَجْهَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ لَكِنْ دَلَّتْ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّهُ يُبْطَحُ لَهَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، فَإِنْ قُلْت حَقُّ الْفُقَرَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ دُونَ جَمِيعِ الْمَالِ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إلَّا بِخَبْطِ قَدْرِ الْوَاجِبِ خَاصَّةً قُلْت قَدْ أُمِرَ بِتَطْهِيرِ مَالِهِ بِالزَّكَاةِ فَلَمَّا لَمْ يُخْرِجْهَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَ مُطَهَّرٍ وَلَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ فِي جَمِيعِهِ، وَالْفُقَرَاءُ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ بَلْ حَقُّهُمْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَزِمَ أَنَّ مَانِعَ زَكَاةِ مَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُعَاقَبُ بِخَبْطِ شَيْءٍ مِنْهَا إذْ الْوَاجِبُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْغَنَمِ، وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا» . (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إنْ جَعَلْنَا اسْمَ النَّعَمِ شَامِلًا لَهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي زَادَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنُّسْخَةِ الْكُبْرَى بِذِكْرِ الثَّلَاثَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ اهـ وَقَدْ وَرَدَ تَفْصِيلُهُ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَلَهُ تَفَارِيعُ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة زَكَاة الْكَنْز] 1 (الْخَامِسَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْكَنْزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ هُوَ الْمَالُ الْمُجْتَمَعُ الْمَخْزُونُ فَوْقَ الْأَرْضِ كَانَ أَوْ تَحْتَهَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَغَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ثُمَّ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ: قَالَتْ كُنْت أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ قَالَ: مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» قَالَ وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ قُلْت قَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، رِجَالُهُ رِجَالُ الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» قُلْت رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِصْرِيِّينَ، وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى شَرْطِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إذَا أَدَّيْت زَكَاةَ مَالِك فَقَدْ أَذْهَبْت عَنْك شَرَّهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ عَلَى جَابِرٍ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَذَا صَحَّحَ أَبُو زُرْعَةَ وَقْفَهُ عَلَى جَابِرٍ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ «مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «كُلُّ مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَ الْأَرْضِ وَكُلُّ مَا لَا يُؤَدَّى زَكَاتَهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَالْمَشْهُورُ وَقْفُهُ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] قَالَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقَ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِك هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِتُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ» الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالِاسْمُ الشَّرْعِيُّ قَاضٍ عَلَى الِاسْمِ اللُّغَوِيِّ وَمَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَنْزَ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وَالضَّحَّاكِ ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ قَالُوا إنَّ فِي الْمَالِ حُقُوقًا سِوَى الزَّكَاةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَمَّا أَبُو ذَرٍّ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ مَجْمُوعٍ يَفْضُلُ عَنْ الْقُوتِ وَسَدَادِ الْعَيْشِ فَهُوَ كَنْزٌ وَأَنَّ آيَةَ الْوَعِيدِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ نَفَقَةً فَمَا كَانَ فَوْقَهَا فَهُوَ كَنْزٌ. وَأَمَّا الضَّحَّاكُ فَقَالَ: مَنْ مَلَكَ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ مِنْ الْأَكْثَرِينَ الْأَخْسَرِينَ إلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا. وَكَانَ مَسْرُوقٌ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180] هُوَ الرَّجُلُ يَرْزُقُهُ اللَّهُ الْمَالَ فَيَمْنَعُ قَرَابَتَهُ الْحَقَّ الَّذِي فِيهِ فَيُجْعَلُ حَيَّةً يُطَوَّقُهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الزَّكَاةُ. قَالَ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَنْزِ. قَالَ وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِإِنْفَاقِ الْفَضْلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ أَوْ يَكُونُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ الزَّكَاةِ وَنُسِخَ بِهَا كَمَا نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ وَعَادَ فَضِيلَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ فَرِيضَةً قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ أَبَا ذَرٍّ أَكْثَرُ مَا تَوَاتَرَ عَنْهُ فِي الْأَخْبَارِ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ السَّلَاطِينِ لِنَفْسِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ أَهْلَهُ فَهَذَا مَا لَا خِلَافَ عَنْهُ فِي إنْكَارِهِ. وَأَمَّا إيجَابُ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَمُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِيهِ وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا كَلَامَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُنْفِقُونَهُ فِي وُجُوهِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ السَّلَاطِينَ فِي زَمَنِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ صِفَتَهُمْ وَلَمْ يَخُونُوا فِي بَيْتِ الْمَالِ إنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتُوُفِّيَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ سَنَة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ اهـ. قُلْت لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالسَّلَاطِينِ بَعْضَ نُوَّابِ الْخُلَفَاءِ كَمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآيَةِ تَشَاجُرٌ أَوْجَبَ انْتِقَالَ أَبِي ذَرٍّ إلَى الْمَدِينَةِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ هِيَ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ هِيَ فِينَا وَفِيهِمْ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي أَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَى السَّلَاطِينِ كَعِبَارَةِ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَلْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِنْكَارَ عَلَى الْآحَادِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْأَمْوَالَ مِنْ السَّلَاطِينِ وَهُمْ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ إلَيْهَا فَيَجْمَعُونَهَا عِنْدَهُمْ، وَقَدْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى مَنْعِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلَ الضَّحَّاكِ قَالَ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ أَوَّلَ حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ وَمَا دُونَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَهُوَ فِقْهٌ بَالِغٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلًا وَأُصَوِّبُهُ رَأْيًا اهـ. وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْكَنْزَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ وَفِي الْمُحْكَمِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَالِ وَلِمَا يُخَزَّنُ فِيهِ وَفِي الْمَشَارِقِ أَصْلُهُ مَا أُودِعَ الْأَرْضَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَغَيَّبَهُ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ الْمَالُ الْمَدْفُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَإِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ الْوَاجِبَ لَمْ يَبْقَ كَنْزًا وَإِنْ كَانَ مَكْنُوزًا قَالَ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ تَجُوزُ فِيهِ عَنْ الْأَصْلِ. (السَّادِسَةُ) الشُّجَاعُ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَغَيْرِهِمَا الْحَيَّةُ الذَّكَرُ وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ الْحَيَّاتِ صَغِيرٌ حَكَاهُ فِي الْمُحْكَمِ وَقِيلَ الْحَيَّةُ مُطْلَقًا حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنْ الْحَيَّاتِ تُوَاثِبُ الْفَارِسَ وَالرَّاجِلَ وَيَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَرُبَّمَا بَلَغَ وَجْهَ الْفَارِسِ يَكُونُ فِي الصَّحَارَى حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ. وَالْأَقْرَعُ الَّذِي تَمَعَّطَ شَعْرُهُ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَقِيلَ الَّذِي بِرَأْسِهِ بَيَاضٌ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَهُ زَبِيبَتَانِ» وَهُمَا نُقْطَتَانِ مُنْتَفِخَتَانِ فِي شِدْقَيْهِ يُقَالُ أَنَّهُمَا يَبْدُوَانِ حِينَ يَهِيجُ وَيَغْضَبُ وَقِيلَ نُقْطَتَانِ سَوْدَاوَتَانِ عَلَى عَيْنَيْهِ وَهِيَ عَلَامَةُ الْحَيَّةِ الذَّكَرِ الْمُؤْذِي وَقِيلَ نَابَانِ لَهُ وَقِيلَ نُكْتَتَانِ عَلَى شَفَتَيْهِ حَكَاهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصَيِّرُ نَفْسَ الْمَالِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَيَكُونُ عِقَابُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى يَدَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ أَنَا كَنْزُك لِزِيَادَةِ حَسْرَتِهِ وَنَدَمِهِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ. [فَائِدَة حُكْم زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ تَفَاصِيلُ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي زَادَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى «صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ» يَجُوزُ فِيهَا الرَّفْعُ عَلَى قِيَامِهِ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّ الْمُقَامَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَكُونُ صَفَائِحُ مَفْعُولًا ثَانِيًا. (التَّاسِعَةُ) الْجَبِينُ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَوْقَ الصُّدْغِ وَهُمَا جَبِينَانِ عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ وَشِمَالِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْجَبِينَ فِي الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعِ الْجَبْهَةِ فِي الْآيَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ يُطْلِقُونَ الْجَبِينَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي حِكْمَةِ كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ إذَا جَاءَهُ الْمِسْكِينُ أَعْرَضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ عَادَ لَهُ تَحَوَّلَ عَنْهُ فَصَيَّرَ إلَيْهِ جَنْبَهُ، فَإِنْ عَادَ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَكَلُوا بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ فِي بُطُونِهِمْ فَصَارَ الْمَأْكُولُ فِي جَنُوبِهِمْ وَاكْتَسَوْا بِهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَرَمُوا الْمِسْكِينَ بِمَنْعِهِ حَقَّهُ مِنْهَا أَنْ يَأْكُلَ بِهَا فِي جَنْبِهِ أَوْ يَكْتَسِيَ بِهَا عَلَى ظَهْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَذَابُ شَامِلًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى مَا عَدَاهَا. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «كُلَّمَا بَرَدَتْ» كَذَا هُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَرَدَتْ بِالْبَاءِ وَفِي بَعْضِهَا رُدَّتْ بِحَذْفِ الْبَاءِ وَبِضَمِّ الرَّاءِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ الْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ. [فَائِدَة مَانِع الزَّكَاة] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ آخِرُ مَنْ يُقْضَى فِيهِ وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا ذُكِرَ حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ فَيُقْضَى فِيهِ بِالنَّارِ أَوْ الْجَنَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى يُشْرَعَ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ وَيَجِيءُ الْقَضَاءُ فِيهِ إمَّا فِي أَوَائِلِهِمْ أَوْ وَسَطِهِمْ أَوْ آخِرِهِمْ عَلَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ انْتَهَى. قُلْت قَدْ يُشِيرُ إلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] وَيُقَالُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي مَعْرِضِ اسْتِيعَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِتَعْذِيبِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِيهِ آخِرَ النَّاسِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَصْلُ أَمْرِهِ فِي وَسَطِهِ أَوْ أَوَّلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَيَرَى سَبِيلَهُ» قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَبِرَفْعِ لَامِ سَبِيلِهِ وَنَصْبِهَا قُلْت الْوَجْهَانِ فِي رَفْعِ لَامِ سَبِيلِهِ وَنَصْبِهَا إنَّمَا يَجِيئَانِ مَعَ ضَمِّ الْيَاءِ فَأَمَّا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فَيَتَعَيَّنُ نَصْبُ اللَّامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ الْكُفَّارِ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَإِنَّ الَّذِي يَرَى سَبِيلَهُ إلَى الْجَنَّةِ هُوَ الْمُسْلِمُ وَأَمَّا الَّذِي يَرَى سَبِيلَهُ إلَى النَّارِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ فِيهَا فَهُوَ الْكَافِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْذِيبِ وَالتَّمْحِيصِ ثُمَّ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ وَفِي دُخُولِ الْمُسْلِمِ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِسْلَامِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَشْحُونَانِ بِمَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَاعْتَذَرُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّخْوِيفُ لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ صَحَّ قَوْلُهُمْ لَارْتَفَعَ الْوُثُوقُ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ وَاحْتَمَلَ فِي كُلٍّ مِنْهَا ذَلِكَ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى هَدْمِ الشَّرَائِعِ وَسُقُوطِ فَائِدَتِهَا وَفِي دُخُولِ الْكَافِرِ فِي هَذَا الْوَعِيدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَبِهِ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَصْحَابُنَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ يُجِيبُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ دُخُولُهُ النَّارَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْذِيبِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْلِيدِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ فِي الْمَال حَقّ سِوَى الزَّكَاة] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا» . الْحَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ إسْكَانُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِيَاسُ انْتَهَى وَالْمُرَادُ حَلْبُهَا لِسَقْيِ الْفُقَرَاءِ مِنْهَا وَإِنَّمَا خَصَّ حَالَةَ وِرْدِهَا لِأَنَّهُ حَالَةُ كَثْرَةِ لَبَنِهَا وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ يَحْضُرُونَ هُنَاكَ طَلَبًا لِذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ يَرَى فِي الْمَالِ حُقُوقًا غَيْرَ الزَّكَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ» وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ «فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» وَاقْتَصَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى نَقْلِ هَذَا اللَّفْظِ الثَّانِي وَقَالَ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَرْوِيه أَصْحَابُنَا فِي التَّعَالِيقِ وَلَسْت أَحْفَظُ فِيهِ إسْنَادًا ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ لَهُ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي ذَلِكَ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا» مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَكَأَنَّ أَبَا دَاوُد أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي سُنَنِهِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ رَوَى بَعْدَهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ يَعْنِي لِأَبِي هُرَيْرَةَ «فَمَا حَقُّ الْإِبِلِ؟ قَالَ تُعْطِي الْكَرِيمَةَ وَتَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ وَتُفْقِرُ الظَّهْرَ وَتُطْرِقُ الْفَحْلَ وَتَسْقِي اللَّبَنَ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ قُلْت فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدَّى مِنْهَا حَقَّهَا» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ قُلْنَا «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ إطْرَاقُ فَحْلِهَا وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمِنْحَتُهَا وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَفْعِ هَذَا الْكَلَامِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَاحَةً لَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا الْإِدْرَاجُ (قُلْت) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَيْسَتْ مُتَّصِلَةً، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ دُونَ الزِّيَادَةِ ثُمَّ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ ثُمَّ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَسَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الْإِبِلِ؟ قَالَ حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا وَمِنْحَتُهَا وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ وَالِدِي فَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إنَّمَا سَمِعَهَا أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلَةً لَا ذِكْرَ لِجَابِرٍ فِيهَا انْتَهَى. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَصِحَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَرْفُوعَةً فَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طَهُورًا لِلْأَمْوَالِ مَا أُبَالِي لَوْ كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَبًا أَعْلَمُ عَدَدَهُ وَأُزَكِّيهِ وَأَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَوْنَ آيَةِ الْكَنْزِ مَنْسُوخَةً بِآيَةِ الزَّكَاةِ عَنْ عُمَرَ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي عُمَرَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الضَّرِيرِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَقِّ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاجِبِ وَلَا عِقَابَ بِتَرْكِهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا لَمَّا ذَكَرَ حَقَّهَا بَيَّنَ الْكَمَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ يَزُولُ الذَّمُّ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْحَقِّ الْوَاجِبِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَى شُرْبِ لَبَنِهَا فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. 1 - (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «بُطِحَ لَهَا» بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَوَّلَهُ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أُلْقِيَ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا» قَالَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبَطْحِ كَوْنُهُ عَلَى الْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْبَسْطِ وَالْمَدِّ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ بَطْحَاءُ مَكَّةَ لِانْبِسَاطِهَا وَ (الْقَاعُ) الْمُسْتَوَى الْوَاسِعُ فِي سَوَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ يَعْلُوهُ مَاءُ السَّمَاءِ فَيُمْسِكُهُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَجَمْعُهُ قِيعَةٌ وَقِيعَانٌ مِثْلُ جَارٍ وَجِيرَةٌ وَجِيرَانٌ (وَالْقَرْقَرُ) بِقَافٍ وَرَاءٍ مُكَرَّرَتَيْنِ بِفَتْحِ الْقَافَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْأُولَى الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْضِ الْوَاسِعِ أَيْضًا فَهُوَ بِمَعْنَى الْقَاعِ فَذَكَرَهُ بَعْدَهُ تَأْكِيدًا. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «أَوْفَرَ مَا كَانَتْ» أَيْ عِنْدَ مَانِعِ زَكَاتِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى حَالَاتٍ مَرَّةً هَزِيلَةٌ وَمَرَّةً ثَمِينَةٌ وَمَرَّةً صَغِيرَةٌ وَأُخْرَى كَبِيرَةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَوْفَرِ أَحْوَالِهَا عِنْدَهُ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِ بِقُوَّتِهَا وَكَمَالِ خَلْقِهَا فَتَكُونُ أَثْقَلَ فِي وَطْئِهَا وَأَيْضًا فَيَأْتِي جَمِيعُهَا لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى الْفَصِيلُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ، وَقَدْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إمَّا لِبُلُوغِهِ حَوْلًا وَإِمَّا لِبِنَاءِ حَوْلِهِ عَلَى حَوْلِ أُمِّهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ الظَّاهِرُ، وَذَكَرَ مَعَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ احْتِمَالَيْنِ آخَرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا تَأْتِي أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مُطْلَقًا فَقَدْ تَكُونُ عِنْدَ صَاحِبِهَا الَّذِي مَنَعَ زَكَاتَهَا هَزِيلَةً فِي جَمِيعِ مُدَّتِهَا عِنْدَهُ وَتَسْمَنُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ تَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا سَمِينَةً فَتُحْشَرُ عَلَى أَتَمِّ حَالَاتِهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. (الِاحْتِمَالُ الثَّانِي) أَنَّهَا تَجِيءُ عَلَى أَعْظَمِ حَالَاتِ الْإِبِلِ مُطْلَقًا هِيَ وَغَيْرُهَا وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ «لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ» وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا «لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلَا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا» وَرُبَّمَا كَانَ فِي بَقَرِهِ وَغَنَمِهِ فِي الدُّنْيَا مَا هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ النَّقْصِ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا تَأْتِي تَامَّةَ الْخِلْقَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا» كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ قَالُوا هُوَ تَغْيِيرٌ وَتَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ مَا جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ أَبِي ذَرٍّ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا وَبِهَذَا يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَقْصَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ بَعْدَهَا صَادٌ مُهْمَلَةٌ مُلْتَوِيَةُ الْقَرْنَيْنِ وَالْجَلْحَاءُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَالْعَضْبَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الَّتِي انْكَسَرَ قَرْنُهَا الدَّاخِلُ وَالثَّلَاثَةُ مَمْدُودَةٌ، وَقَوْلُهُ «تَنْطَحُهُ» بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ، وَقَوْلُهُ «وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا» الظِّلْفُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَهُوَ الْمُنْشَقُّ مِنْ الْقَوَائِمِ وَالْخُفُّ لِلْبَعِيرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْقَدَمُ لِلْآدَمِيِّ. [فَائِدَة زَكَاة الخيل] 1 (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فِي الْخَيْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ» كَذَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (الَّتِي) وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا الَّذِي وَهُوَ أَوْضَحُ وَأَظْهَرُ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَوْلُهُ وَنِوَاءً بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْمَدِّ أَيْ مُنَاوَاةً وَمُعَادَاةً، وَقَوْلُهُ «رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ أَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ وَأَصْلُهُ مِنْ الرَّبْطِ وَمِنْهُ الرِّبَاطُ وَهُوَ حَبْسُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِي الثَّغْرِ وَإِعْدَادُهُ الْأُهْبَةَ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ «ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا» اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْخَيْلُ كُلُّهَا ذُكُورًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ إنْ كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ بِحَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُجَاهِدُ بِهَا إذَا تَعَيَّنَ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي رِقَابِهَا الْإِحْسَانُ إلَيْهَا وَالْقِيَامُ بِعَلَفِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِهَا وَالْمُرَادُ بِظُهُورِهَا إطْرَاقُ فَحْلِهَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ إعَارَتُهُ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ حَقُّ اللَّهِ مِمَّا يَكْسِبُهُ مِنْ مَالِ الْعَدُوِّ عَلَى ظُهُورِهَا وَهُوَ خُمْسُ الْغَنِيمَةِ. (الْعِشْرُونَ) إنْ قُلْت قَالَ فِي كُلٍّ مِنْ السِّتْرِ وَالْأَجْرِ رَبْطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْت السِّتْرُ رَبْطُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِنَفْسِهِ وَالْأَجْرُ رَبْطُهَا فِي سَبِيلِ اللَّه لِغَيْرِهِ لَيُعِينَ بِهَا الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْأَجْرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) الْمَرْجُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ الْمَوْضِعُ الْوَاسِعُ الَّذِي فِيهِ نَبَاتٌ تَرْعَاهُ الدَّوَابُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْرُجُ فِيهِ أَيْ تَرُوحُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ كَيْفَ شَاءَتْ، وَالرَّوْضَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَكْثُرُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَكُونُ فِيهِ صُنُوفُ النَّبَاتِ مِنْ رَيَاحِينِ الْبَادِيَةِ وَغَيْرِهَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ مُعَدٌّ لِرَعْيِ الدَّوَابِّ وَلِذَلِكَ يَكُونُ وَاسِعًا لِيَتَأَتَّى لَهَا فِيهِ ذَلِكَ، وَالرَّوْضَةُ لَيْسَتْ مُعَدَّةٌ لِرَعْيِ الدَّوَابِّ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّنَزُّهِ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ أَصْنَافِ النَّبَاتِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَصَحَّ عَطْفُ الرَّوْضَةِ عَلَى الْمَرْجِ وَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَطْفُ الرَّوْضَةِ أَوَّلًا بِالْوَاوِ وَثَانِيًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَعَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ جُرْحَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ   Qبِأَوْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ أَوَّلًا بِمَعْنَى أَوْ. (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «كُتِبَ لَهُ عَدَدُ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٍ» بِرَفْعِ عَدَدٍ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْفَاعِلِ وَنَصْبِ حَسَنَاتٍ بِالْكَسْرَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَيُحْتَمَلُ رَفْعُ قَوْلِهِ حَسَنَاتٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ عَدَدٍ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ عَدَدَ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ الْعَدَدِيِّ. (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «وَلَا يَقْطَعُ طِوَلَهَا» هُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَيُقَالُ طِيَلَهَا بِالْيَاءِ وَكَذَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالطِّوَلُ وَالطِّيَلُ الْحَبْلُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ، وَقَوْلُهُ فَاسْتَنَّتْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ جَرَتْ، وَقَوْلُهُ شَرَفًا بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْعَالِي مِنْ الْأَرْضِ وَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا طَلْقًا أَوْ طَلْقَيْنِ. (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «فَشَرِبَتْ مِنْهُ» وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ. هَذَا مِنْ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْحَسَنَاتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ سَقْيَهَا فَإِذَا قَصَدَهُ فَأَوْلَى بِأَضْعَافِ الْحَسَنَاتِ. [فَائِدَة اجْتِهَاد النَّبِيّ] 1 (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ» مَعْنَى الْفَاذَّةِ الْقَلِيلَةُ النَّظِيرِ وَالْجَامِعَةِ أَيْ التَّامَّةُ الْمُتَنَاوِلَةُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ أَيْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا نَصٌّ بِعَيْنِهَا لَكِنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْعَامَّةُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِالْوَحْيِ وَيُجَابُ لِلْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ اهـ [حَدِيث الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ] الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ جَرْحُهَا. (فِيهِ فَوَائِدُ) : الْأُولَى أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 «وَالْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ. وَالْمَعْدِنُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ «النَّارُ جُبَارٌ» وَلِأَبِي دَاوُد «الرِّجْلُ جُبَارٌ» ..   Qالْأُولَى مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ذِكْرُ أَبِي سَلَمَةَ وَلَيْسَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ «جَرْحُهَا» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْن حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الرِّجْلُ جُبَارٌ» مُقْتَصِرِينَ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ أَيْضًا قَالَ وَلَيْسَ أَبُو سَلَمَةَ بِمَحْفُوظٍ وَقَالَ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَحَدِيثُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرُ مَدْفُوعٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ اثْنَانِ أَيْ رَوَيَاهُ عَنْ يُونُسَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُتَابَعْ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَلَى قَوْلِهِ «الرِّجْلُ جُبَارٌ» وَهُوَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الثِّقَاتَ خَالَفُوهُ مِثْلَ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا الرِّجْلَ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرِّجْلُ جُبَارٌ» لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، لَفْظُ النَّسَائِيّ «النَّارُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ» وَاقْتَصَرَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَلَى ذِكْرِ النَّارِ وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا عَلَى إخْرَاجِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «الْبِئْرُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَالْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَفِي الزَّكَاةِ الْخُمُسُ» . (الثَّانِيَةُ) الْعَجْمَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ مَمْدُودٌ، الْبَهِيمَةُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عَجْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَكُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ أَصْلًا فَهُوَ أَعْجَمُ قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ «جَرْحُهَا» قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ هُنَا بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا غَيْرُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ فَأَمَّا الْجُرْحُ بِالضَّمِّ فَهُوَ الِاسْمُ، وَقَوْلُهُ جُبَارٌ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَهُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ بِنَاءَ ج ب ر لِلرَّفْعِ وَالْإِهْدَارُ مِنْ بَابِ السَّلْبِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي اسْمُ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ لِسَلْبِ مَعْنَاهُ كَمَا يَأْتِي لِإِثْبَاتِ مَعْنَاهُ وَاعْتَرَضَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ مِنْ السَّلْبِ بَلْ هُوَ لِلرَّفْعِ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَاتِ الْآدَمِيِّينَ مَضْمُونَةٌ مَقْهُورٌ مُتْلِفُهَا عَلَى ضَمَانِهَا، وَهَذَا إتْلَافٌ قَدْ ارْتَفَعَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ انْتَهَى. وَيَجُوزُ فِي إعْرَابِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ «جَرْحُهَا جُبَارٌ» جُمْلَةً مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَهِيَ خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الْعَجْمَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ جَرْحُهَا بَدَلًا مِنْ الْعَجْمَاءِ وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ «جُبَارٌ» وَالْكَلَامُ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَصْدَرُ فِي قَوْلِهِ «جَرْحُهَا» مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ أَيْ كَوْنُ الْعَجْمَاءِ تَجْرَحُ غَيْرَهَا مَضْمُونٌ. [فَائِدَة جرح الْبَهِيمَة] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ جَرْحَ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْجَرْحِ عَمَّا عَدَاهُ مِنْ إتْلَافِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ لِجَرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنْ قُلْت وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِجَرْحِهَا قُلْت تِلْكَ الرِّوَايَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَقْدِيرٍ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعَجْمَاءِ نَفْسِهَا هَدَرًا، وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ هُوَ الْجَرْحُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ لَكِنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ هُوَ مِثَالٌ مِنْهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ لَمْ تَدُلَّ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ لَمْ يَكُنْ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِتَقْدِيرِ وَاحِدٍ مِنْهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْبَهِيمَةُ مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَهَا صَاحِبُهَا وَبِهَذَا قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُضَمِّنُوا صَاحِبَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا إلَّا إنْ كَانَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِأَنْ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِيهِمَا إذَا كَانَ رَاكِبًا أَوْ قَادَهَا حَتَّى أَتْلَفَتْ مَا مَشَتْ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَائِدًا أَوْ حَمَلَهَا عَلَيْهِ بِضَرْبٍ أَوْ نَخْذٍ أَوْ زَجْرٍ فِيمَا إذَا كَانَ سَائِقًا، فَإِنْ أَتْلَفَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَيْئًا بِرَأْسِهَا أَوْ بَعْضِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ نَفْحَتِهَا بِالرِّجْلِ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا فِي غَيْرِ الْمَشْيِ فَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ مَتَى كَانَ مَعَ الْبَهِيمَةِ شَخْصٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ سَوَاءٌ أَتْلَفَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَسَوَاءٌ كَانَ سَائِقَهَا أَوْ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَالِكَهَا أَوْ أَجِيرَهُ أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ غَاصِبًا وَسَوَاءٌ أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ عَضِّهَا أَوْ ذَنَبِهَا وَقَالَ مَالِكٌ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ كُلُّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ إلَّا أَنْ تَرْمَحَ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا شَيْءٌ تَرْمَحُ لَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنَّ الرَّاكِبَ وَالْقَائِدَ لَا يَضْمَنَانِ وَمَا نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا إلَّا إنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّائِقِ فَقَالَ الْقُدُورِيُّ وَآخَرُونَ إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا؛ لِأَنَّ النَّفْحَةَ بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَأَمْكَنَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَضْمَنُ النَّفْحَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهَا إذْ لَيْسَ عَلَى رِجْلِهَا مَا يَمْنَعُهَا بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْكَدْمِ لِإِمْكَانِهِ كَبْحَهَا بِلِجَامِهَا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّ الرَّاكِبَ لَا يَضْمَنُ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهِيمَةُ بِرِجْلِهَا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ نَفْيَ الضَّمَانِ مِنْ النَّفْحَةِ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعَنْ الْحَكَمِ وَالشَّعْبِيِّ: يَضْمَنُ لَا يَبْطُلُ دَمُ الْمُسْلِمِ وَتَمَسَّكَ مَنْ نَفَى الضَّمَانَ مِنْ النَّفْحَةِ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا «الرِّجْلُ جُبَارٌ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَذَكَرْنَا تَضْعِيفَ مَنْ ضَعَّفَهَا وَذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى رَمْحِهَا وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى دَفْعِهِ، وَمَنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ قَالَ بَابُ الْإِتْلَافِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ هُوَ مَعَ الْبَهِيمَةِ حَاكِمٌ لَهَا فَهِيَ كَالْآلَةِ بِيَدِهِ فَفِعْلُهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ حَمَلَهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا عِلْمَ بِهِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إتْلَافِ الْبَهِيمَةِ لِلزُّرُوعِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُد وَأَهْلُ الظَّاهِرِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى أَصْحَابِ الْبَهَائِمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا فَأَمَّا إذَا كَانَ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ حِفْظَهَا فَإِذَا انْفَلَتَتْ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَقَضَى أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ» . وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنْ ابْنَ مُحَيِّصَةُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ كَانَتْ ضَارِيَةً» فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا. قَالَ أَصْحَابُنَا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى عَادَةِ النَّاسِ فِي أَنَّ أَصْحَابَ الزُّرُوعِ وَالْبَسَاتِينِ يَحْفَظُونَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ وَلَا بُدَّ مِنْ إرْسَالِ الْمَوَاشِي لِلرَّعْيِ نَهَارًا وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَرْكِهَا بِاللَّيْلِ مُنْتَشِرَةً فَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي نَاحِيَةٍ بِالْعَكْسِ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ الْبَهَائِمَ لَيْلًا لِلرَّعْيِ وَيَحْفَظُونَهَا نَهَارًا وَكَانُوا يَحْفَظُونَ الزَّرْعَ لَيْلًا، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ إتْبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَلِلْعَادَةِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَزَارِعِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا لَوْ أَرْسَلَ دَابَّةً فِي الْبَلَدِ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الضَّارِبَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي نَاقَةٍ ضَارِبَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يَضْمَنُ مَالِكُ الضَّارِيَةَ مَا أَتْلَفَتْ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْإِفْسَادِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ رَبْطُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ (يُرَدُّ الضَّارِي إلَى أَهْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُعْقَرُ) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يَخُصَّ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَضَعَّفَ ابْنُ حَزْمٍ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ أَحْسَنُ طُرُقِهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا أُسْنِدَ مِنْ طَرِيقِ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ مَرَّةً عَنْ أَبِيهِ وَلَا صُحْبَةَ لِأَبِيهِ وَمَرَّةً عَنْ الْبَرَاءِ، وَحَرَامٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا الزُّهْرِيُّ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ. [فَائِدَة قولة وَالْمَعْدِن جُبَار] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَمَعْنَاهُ إذَا حَفَرَ مَعْدِنًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَوَقَعَ شَخْصٌ فِيهَا وَمَاتَ لَا يَضْمَنُهُ بَلْ دَمُهُ هَدَرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَعْمَلُونَ فِيهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ وَمَاتُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ كُلُّ أَجِيرٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ سَبَبَ هَلَاكِهِ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى صُعُودِ نَخْلَةٍ فَسَقَطَ مِنْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «وَالْبِئْرُ جُبَارٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْبِئْرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقِيلَ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ النَّارُ جُبَارٌ وَقَالُوا إنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ يَكْتُبُونَ النَّارَ بِالْيَاءِ وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ اسْتَوْقَدَ نَارًا بِمَا يَجُوزُ لَهُ فَتَعَدَّتْ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى تَفْصِيلٍ بَيَانُهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَالْجُبُّ جُبَارٌ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْبِئْرُ لَا النَّارُ كَمَا هُوَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ الْمَشْهُورَةِ قُلْت قَدْ جَمَعَ النَّسَائِيّ بَيْنَ ذِكْرِ النَّارِ وَالْبِئْرِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُرُودِهِمَا وَأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَصْحِيفًا مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَصْلُهُ وَالْبِئْرُ وَلَكِنَّ مَعْمَرًا صَحَّفَهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَأْتِ ابْنُ مَعِينٍ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا بِدَلِيلٍ وَلَيْسَ هَكَذَا تَرِدُ أَحَادِيثُ الثِّقَاتِ، وَالْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ «وَالْبِئْرُ جُبَارٌ» كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ «وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ» أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَيَقَعُ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ غَيْرُهُ وَيَتْلَفُ فَلَا ضَمَانَ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَفْرِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ أَمَّا إذَا حَفَرَ الْبِئْرَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَتَلَف فِيهَا إنْسَانٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ حَافِرِهَا وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْحَافِرِ وَإِنْ تَلِفَ بِهَا غَيْرُ الْآدَمِيِّ وَجَبَ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْحَافِرِ. [فَائِدَة حُكْم الرِّكَاز] (السَّابِعَةُ) الرِّكَازُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرِهِ زَايٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ دَفِينُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَأَنَّهُ رُكِّزَ فِي الْأَرْضِ أَيْ غُرِزَ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ قِطَعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الْمَعْدِنِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ الْكُنُوزُ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْمَعَادِنُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَنَّهَا رُكِّزَتْ فِي الْأَرْضِ أَيْ ثُبِّتَتْ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْقَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ أَيْ ثَابِتٌ يُقَالُ رَكَّزَهُ يُرَكِّزُهُ رَكْزًا إذَا دَفَنَهُ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْكَنْزُ الْجَاهِلِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُسُ لِكَثْرَةِ نَفْعِهِ وَسُهُولَةِ أَخْذِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ حَقِيقَةُ رَكْزِ الْإِثْبَاتِ وَالْمَعْدِنِ ثَابِتٌ خِلْقَةً وَمَا يُدْفَنُ ثَابِتٌ بِتَكَلُّفِ مُتَكَلِّفٍ، قُلْت، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَطَفَ الرِّكَازَ عَلَى الْمَعْدِنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمًا، وَلَوْ كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ لَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ «وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ» وَفِيهِ الْخُمُسُ وَقَالَ «الرِّكَازُ جُبَارٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ» فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا دَلَّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الرِّكَازُ الْمَدْفُونُ دَفْنَ الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ الْمَعَادِنِ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الرِّكَازُ الْمَالُ الْمَدْفُونُ وَالْمَعْدِنُ جَمِيعًا وَفِيهِمَا جَمِيعًا الْخُمُسُ انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الرِّكَازُ أَمْوَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمَدْفُونَةُ فِي الْأَرْضِ وَالذَّهَبُ بِعَيْنِهِ يُصِيبُهُ الرَّجُلُ فِي الْمَعْدِنِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ لِكَوْنِهِ خَصَّهُ فِي الْمَعْدِنِ بِالذَّهَبِ بِعَيْنِهِ لَكِنْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَهَبِ الْمَعْدِنِ وَفِضَّتِهِ الْخُمُسُ وَلَا شَيْءَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ غَيْرُهُمَا. (الثَّامِنَةُ) فِيهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيمَا وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ دَفِينِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُوجَدُ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ فَأَوْجَبَ الْخُمُسَ فِيهِ إذَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَإِذَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ ابْنِ الْمُنْذِرِ الْمُتَقَدِّمَ قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى ضَرْبِهِمْ أَوْ عَلَيْهِ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى ضَرْبِهِمْ كَوْنُهُ مِنْ دَفْنِهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ بِكَنْزِ جَاهِلِيٍّ فَكَنَزَهُ ثَانِيًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْحُكْمُ مَدَارٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا عَلَى كَوْنِهِ ضَرْبَهُمْ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَدْفُوعٌ بِالْأَصْلِ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ عَلَى ضَرْبِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَاجِدُ بَلْ يَرُدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ عَلِمَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَوَجْهَانِ، الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ الْوَاجِدُ سَنَةً ثُمَّ لَهُ تَمَلُّكُهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ هُوَ مَالٌ ضَائِعٌ يُمْسِكُهُ الْآخِذُ لِلْمَالِكِ أَبَدًا وَيَحْفَظُهُ الْإِمَامُ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُمْلَكُ بِحَالٍ فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ هُوَ لُقَطَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ رِكَازٌ فَيُخَمَّسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ يُجْعَلُ جَاهِلِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ انْتَهَى. [فَائِدَة زَكَاة مَا وجد فِي طَرِيق مَسْلُوق أَوْ مَمْلُوك] 1 (التَّاسِعَةُ) خَصَّ أَصْحَابُنَا الرِّكَازَ بِمَا يُوجَدُ فِي الْمَوَاتِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَوَاتُ دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ فِي طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ أَوْ مَسْجِدٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَلَوْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ إنْ وَجَدَهُ الْمَالِكُ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَالِكُ فَهُوَ لَهُ كَأَمْتِعَةِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ انْتَقَلَ إلَى مَنْ تَلَقَّاهُ الْمَالِكُ عَنْهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَصِلَ الْحَالُ إلَى مَنْ أَحْيَا تِلْكَ الْأَرْضِ، وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِمِلْكِ الرِّكَازِ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ الْقَفَّالُ وَبَنَى الْإِمَامُ ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ إذَا دَخَلَتْ دَارًا فَأَغْلَقَ عَلَيْهَا الْبَابَ صَاحِبُ الدَّارِ لَا عَلَى قَصْدِ ضَبْطِهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا لَكِنَّهُ يَصِيرُ أَوْلَى بِهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ فَهُوَ لِمَنْ فِي يَدِهِ الْأَرْضُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ أُخِذَ بِقَهْرٍ وَغَلَبَةٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ فَيْءٌ قَالَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ كَنْزِهِ لَا بِقِتَالٍ وَلَا غَيْرِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، ثُمَّ فِي الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ فَيْئًا إشْكَالٌ فَإِنَّهُ إنْ أَخَذَهُ خُفْيَةً كَانَ سَارِقًا وَإِنْ أَخَذَهُ جِهَارًا كَانَ مُخْتَلِسًا لَا جَرَمَ أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَالصَّيْدَلَانِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا الرِّكَازُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَجُعِلَ الْحُكْمُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِهَا وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِأَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَدِيثِ اهـ. [فَائِدَة بَيَان مِنْ يَصْرِف لَهُ الْخَمْس] 1 (الْعَاشِرَةُ) لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ يُصْرَفُ لَهُ الْخُمُسُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ يُصْرَفُ مَصْرِفَ خُمُسِ الْفَيْءِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالثَّانِيَةُ أَصَحُّ وَأَقْيَسُ عَلَى مَذْهَبِهِ. [فَائِدَة هَلْ يَشْتَرِط أَنْ يَبْلُغ الرِّكَاز النصاب لِوُجُوبِ الْخَمْس] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الرِّكَازِ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا دُونَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ مَا يُكْمِلُهُ مِنْ جِنْسِ النَّقْدِ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَبِهِ قَالَ جُلُّ أَهْلِ الْعِلْمِ. [فَائِدَة هَلْ يَشْتَرِط حُلُول الْحَوْل فِي الرِّكَاز لِوُجُوبِ الْخَمْس] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُ الْخُمُسِ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا غَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ فِيهِ فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّهُ كَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَرَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ يَجْرِيَا عَلَى حُكْمِهِمَا، فَرَاعَى الشَّافِعِيُّ اللَّفْظَ وَرَاعَى مَالِكٌ الْمَعْنَى وَهُوَ أَسْعَدُ بِهِ اهـ، وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّمَا حَكَى هَذَا الْخِلَافَ فِي الْمَعْدِنِ، وَالْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِن عِنْدَنَا مَعْرُوفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا فرق بَيْن أَنْ يَكُون الرِّكَاز ذهبا وَفِضَّة أَوْ غَيْرهَا] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرِّكَازُ ذَهَبًا وَفِضَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْجَوَاهِرِ وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَعَنْ إِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَالَ: وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَا أَرَى بِأَخْذِ الْخُمُسِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَأْسًا وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ وَحَكَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ بِالتَّعْمِيمِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ نَافِعٍ وَبِالتَّخْصِيصِ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصَحُّ قَوْلَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَالِكٍ مَا عَلَيْهِ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ وَحُكِيَ التَّعْمِيمُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ. [فَائِدَة هَلْ يَشْتَرِط فِي إخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ الرِّكَاز أَنْ يَكُون الْوَاجِدُ لَهُ مُسْلِمًا] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ لَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَكَادَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إنَّ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي الرِّكَازِ يَجِدُهُ الْخُمُسُ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُمُسَ الرِّكَازِ لَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إنَّمَا سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَالِ الْفَيْءِ اهـ وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ قَالَ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ أُخِذَ مِنْ الذِّمِّيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مِنْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ إخْرَاج الْخَمْس مِنْ الرِّكَاز] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِمَنْ يَتَعَاطَى إخْرَاجَ الْخُمُسِ مِنْ الرِّكَازِ أَهُوَ الْوَاجِدُ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ فَلَوْ أَخْرَجَهُ الْوَاجِدُ لَهُ وَقَعَ الْمَوْقِعُ وَإِنْ قُلْنَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ فَذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ الَّذِي أَقَامَهُ لِذَلِكَ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمَّنَهُ الْإِمَامُ، وَعَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يَسَعُهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهَذَا أَصَحُّ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ تَفْرِقَةَ الْخُمُسِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ وَاجِدَ الْكَنْزِ بِتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثُمَّ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ فَيْءٌ فَلَمْ يَمْلِكْ تَفْرِقَتَهُ بِنَفْسِهِ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ رَدُّهُ عَلَى وَاجِدِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ فَلَمْ يَجُزْ رَدُّهُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى وَاجِدِهِ وَلِأَنَّهُ فَيْءٌ فَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. [فَائِدَة هَلْ يَدْخُل الْمَعْدِن تَحْت أسم الرِّكَاز] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْمَعَادِنِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ مَعَادِنِ الْأَرْضِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَغَيْرِهَا بِنَاءً عَلَى دُخُولِ ذَلِكَ فِي اسْمِ الرِّكَازِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 بَابُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلْ صَدَقَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qفِي ذَلِكَ نِصَابًا وَلَا حَوْلًا وَجَعَلُوا مَصْرِفَهُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الرِّكَازِ وَلَا لَهُ حُكْمُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّ مَصْرِفَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ اعْتِبَارُ النِّصَابِ فِيهِ دُونَ الْحَوْلِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ تَفَاصِيلُ مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إنْ كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَعْدِنِ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا فِي وَجْهٍ شَاذٍّ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ (أَصَحُّهَا) رُبْعُ الْعُشْرِ كَزَكَاةِ النَّقْدَيْنِ (وَالثَّانِي) الْخُمُسُ (وَالثَّالِثُ) إنْ نَالَهُ بِلَا تَعَبٍ وَمُؤْنَةٍ فَالْخُمُسُ وَإِلَّا فَرُبْعُ الْعُشْرِ وَلَمْ يَخُصَّ الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بَلْ قَالُوا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ مِمَّا يُخْلَقُ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ، وَوَسَّعُوا ذَلِكَ حَتَّى قَالُوهُ فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ كَالْقَارِ وَالنِّفْطِ وَالْكِبْرِيتِ، وَالْحَنَفِيَّةُ خَصُّوا ذَلِكَ بِمَا يَنْطَبِعُ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ. قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالْوَاجِبُ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِالنَّقْدَيْنِ وَقَالُوا إنَّ الْوَاجِبَ رُبْعُ الْعُشْرِ إلَّا مَا لَا يُتَكَلَّفُ فِيهِ إلَى عَمَلٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَاعْتَبَرَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ الْحَوْلَ وَحَكَى قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالْقَصْدِيرِ وَأَنَّ طَائِفَةً قَالُوا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا عِنْدَ امْتِزَاجِهَا فِي الْمَعْدِنِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْهَا إذَا كَانَتْ صِرْفًا اهـ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ أَوْجَبُوا الْإِخْرَاجَ مِنْ سَائِرِ الْمَعَادِنِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَوْجَبُوا الْخُمُسَ وَجَعَلُوهُ فَيْئًا وَالْحَنَابِلَةَ أَوْجَبُوا رُبْعَ الْعُشْرِ وَجَعَلُوهُ زَكَاةً. [بَابُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلْ صَدَقَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ] [حَدِيث لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ] (بَابُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ صَدَقَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ. قَالَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَقْتَرِبُ الزَّمَنُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قَالُوا الْهَرْجُ أَيْمَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ» .   Qمَالِهِ، قَالَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَقْتَرِبُ الزَّمَنُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قَالُوا الْهَرْجُ أَيْمَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ» (فِيهِ فَوَائِدُ) : (الْأُولَى) أَخْرَجَ مِنْهُ مُسْلِمٌ الشَّطْرَ الْأَخِيرَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ» مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَ الشَّطْرَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَرَّقَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ ذَكَرَ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ فِي الزَّكَاةِ وَفِيهِ «حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ» ، وَذَكَرَ الشَّطْرَ الْأَخِيرَ مِنْ قَوْلِهِ «وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ فِي الْفِتَنِ» وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَطَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَقْتَرِبُ الزَّمَنُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ» وَأَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَّقَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِتَمَامِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى الشَّطْرِ الْأَخِيرِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ «وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَفْظَانِ (أَحَدُهُمَا) «وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ» (وَالْآخَرُ) «وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ» وَفِي رِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ» ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «فَيَفِيضَ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فَسَّرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ يَكْثُرُ وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ عَطْفُهُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ «حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ» وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْفَيْضِ زِيَادَةً عَلَى الْكَثْرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ فِي قَوْلِهِ «يَفِيضُ الْمَالُ» أَيْ يَكْثُرُ حَتَّى يَفْضُلَ مِنْهُ بِأَيْدِي مُلَّاكِهِ مَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِ. قَالَ وَقِيلَ بَلْ يَنْتَشِرُ فِي النَّاسِ وَيَعُمُّهُمْ وَهُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى. فَيَصْدُقُ كَثْرَةُ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا يَصْدُقُ فَيْضُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ فِي الصِّحَاحِ فَاضَ الْمَاءُ أَيْ كَثُرَ حَتَّى سَالَ عَلَى ضِفَّةِ الْوَادِي، انْتَهَى. فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَعَ الْكَثْرَةِ زِيَادَتُهُ عَنْ قَدْرِ الْوَادِي حَتَّى يَسِيلَ عَلَى ضِفَّتِهِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «حَتَّى يُهِمَّ» ضَبْطُ وَجْهَيْنِ (أَجْوَدُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُ «رَبَّ الْمَالِ» أَيْ صَاحِبَهُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ «مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنْهُ صَدَقَةَ مَالِهِ» هُوَ الْفَاعِلُ وَفِيهِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ أَمْرٌ وَالْمَعْنَى أَنْ يُقْلِقَ رَبَّ الْمَالِ وَيُحْزِنَهُ أَمْرُ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ زَكَاةَ مَالِهِ لِفَقْدِ الْمُحْتَاجِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ لِعُمُومِ الْغِنَى لِجَمِيعِ النَّاسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَهُمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ مَرْفُوعًا فَاعِلًا وَتَقْدِيرُهُ يَهُمُّ رَبُّ الْمَالِ بِمَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ أَيْ يَقْصِدُهُ، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ أَهَمَّهُ إذَا أَحْزَنَهُ وَهَمَّهُ إذَا أَذَابَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هَمَّك مَا أَهَمَّكَ، أَيْ أَذَابَك الشَّيْءُ الَّذِي أَحْزَنَك فَأَذْهَبَ شَحْمَك، قَالَ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ مِنْ هَمَّ بِهِ إذَا قَصَدَهُ انْتَهَى قَالَ فِي الصِّحَاحِ: تَقُولُ أَهَمَّنِي الْأَمْرُ إذَا أَقْلَقَك وَحَزَنَكَ وَالْهَمُّ الْحُزْنُ وَهَمَّنِي الْمَرَضُ أَذَابَنِي. [فَائِدَة الْمُبَادَرَة بِالصَّدَقَةِ وَاغْتِنَام إمْكَانهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ الْإِخْبَارُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ هَمٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَسَبَبُ عَدَمِ قَبُولِهِمْ الصَّدَقَةَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَثْرَةُ الْأَمْوَالِ وَظُهُورُ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَوَضْعُ الْبَرَكَاتِ فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَقِلَّةُ النَّاسِ وَقِلَّةُ آمَالِهِمْ وَقُرْبُ السَّاعَةِ وَعَدَمُ ادِّخَارِهِمْ الْمَالَ وَكَثْرَةُ الصَّدَقَاتِ. (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالصَّدَقَةِ وَاغْتِنَامِ إمْكَانِهَا قَبْلَ تَعَذُّرِهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الَّذِي أُعْطِيهَا لَوْ جِئْتنَا بِهَا بِالْأَمْسِ قَبِلْتهَا، فَأَمَّا الْآنَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا، فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا» . (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاضِحُ الْحُكْمِ وَالتَّعْلِيلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ وَلَا مَنْعٌ، لَكِنْ فِي اسْتِنْبَاطِ ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا سَيَقَعُ، أَمَّا كَوْنُهُ إذَا وَقَعَ يَكُونُ صَاحِبُ الْمَالِ مَأْثُومًا أَوْ غَيْرَ مَأْثُومٍ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ. (السَّابِعَةُ) الْمُرَادُ بِقَبْضِ الْعِلْمِ ذَهَابُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ انْتِزَاعُهُ مِنْ النَّاسِ بَلْ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسَأَلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ» فَهَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَنْقُصُ ثُمَّ يُقْبَضُ وَيَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ. (الثَّامِنَةُ) الْمُرَادُ بِاقْتِرَابِ الزَّمَانِ قُرْبُهُ مِنْ السَّاعَةِ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قِصَرُهُ وَعَدَمُ الْبَرَكَةِ فِيهِ وَأَنَّ الْيَوْمَ مَثَلًا يَصِيرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِقَدْرِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَعَلَّ هَذَا أَظْهَرُ وَأَوْفَقُ لِلْأَحَادِيثِ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونُ السَّاعَةِ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ» . (التَّاسِعَةُ) الْهَرْجُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ جِيمٌ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ الْقَتْلُ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهِ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ جَمْعُهَا فِي الْمُحْكَمِ شِدَّةُ الْقَتْلِ وَكَثْرَتُهُ وَالِاخْتِلَاطُ وَالْفِتْنَةُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةُ النِّكَاحِ وَكَثْرَةُ الْكَذِبِ وَكَثْرَةُ النَّوْمِ وَشَيْءٌ تَرَاهُ فِي النَّوْمِ وَلَيْسَ بِصَادِقٍ وَعَدَمُ الْإِيقَانِ بِالْأَمْرِ وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَنَّ الْهَرْجَ الْفِتْنَةُ وَالِاخْتِلَاطُ. قَالَ: وَأَصْلُ الْهَرْجِ الْكَثْرَةُ فِي الشَّيْءِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ أَبُو مُوسَى وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِلَّا فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَالْهَرْجُ الِاخْتِلَاطُ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ أَيْمَ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ مَا هُوَ، وَأَصْلُهُ أَيُّ مَا هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَبِالْأَلْفِ فِي مَا؛ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فَخُفِّفَتْ الْيَاءُ وَحُذِفَتْ أَلِفُ مَا، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أُحُدًا عِنْدِي ذَهَبًا لَأَحْبَبْت أَلَّا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنِّي لَيْسَ شَيْئًا أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ» لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ «أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ» ..   Qمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَثْرَةُ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْهَرْجَ الْقَتْلُ؛ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ بِقَتْلِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَتَخْلُفُ لَهَا هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ» [حَدِيث لَوْ أَنَّ أُحُدًا عِنْدِي ذَهَبًا] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أُحُدًا عِنْدِي ذَهَبًا لَأَحْبَبْت أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنِّي لَيْسَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّمَنِّي فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي الِاسْتِقْرَاضِ وَالرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ قَوْلُهُ «أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنِّي» . (الثَّانِيَةُ) فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» جَوَازُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ تَحْلِيفٍ قَالَ النَّوَوِيُّ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ إذَا كَانَ مَصْلَحَةً كَتَوْكِيدِ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَتَحْقِيقِهِ وَنَفْيِ الْمَجَازِ عَنْهُ؛ قَالَ، وَقَدْ كَثُرَتْ الْأَحَادِيثُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحِيحَةُ فِي حَلِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا النَّوْعِ لِهَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) فِي قَوْلِهِ (نَفْسُ مُحَمَّدٍ) تَعْبِيرُ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ بِاسْمِهِ دُونَ ضَمِيرِهِ كَقَوْلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ نَفْسِي وَفِي الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْيَمِينِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اسْتَحْضَرَ أَنَّ نَفْسَهُ الَّتِي هِيَ أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَوْفُ فَارْتَدَعَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُهُ فَكَانَ فِي الْحَلِفِ بِهَذَا زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «بِيَدِهِ» مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ: (أَحَدُهُمَا) تَأْوِيلُ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ (ثَانِيهِمَا) إمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَالْكَفُّ عَنْ تَفْسِيرِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «لَوْ أَنَّ أُحُدًا عِنْدِي» يَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ مِثْلُ أُحُدٍ فَفِيهِ مُضَافٌ حُذِفَ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ انْقِلَابَ أُحُدٍ نَفْسِهِ وَصَيْرُورَتُهُ ذَهَبًا وَيَدُلُّ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ» الْحَدِيثَ، وَيَدُلُّ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الصَّحِيحِ «فَلَمَّا أَبْصَرَ يَعْنِي أُحُدًا قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ تُحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثَ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ» الْحَدِيثَ. [فَائِدَة الْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة وَالْإِنْفَاق فِي الْقِرْبَات] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْإِنْفَاقِ فِي الْقُرُبَاتِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ يُحِبُّ أَنْ لَا يَبْقَى عِنْدَهُ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى تَفْرِيقُ جَبَلِ الذَّهَبِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَوْ اسْتَغْرَقَ فِي ذَلِكَ أَوْقَاتَهُ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِكُلِّ أُحُدٍ. [فَائِدَة الْإِنْفَاق إنَّمَا يَكُون عِنْد وجود الْقَابِلِينَ لَهُ] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ الْإِنْفَاقَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْقَابِلِينَ لَهُ فَأَمَّا مَعَ فَقْدِهِمْ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِنْفَاقُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ أَحَدُ رُكْنَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ فِي اسْتِحْبَابِهِ إنْفَاقَ جَبَلِ الذَّهَبِ فِي ثَلَاثٍ وُجُودَ الْقَابِلِ لَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ قَابِلًا أَخَّرَهُ إلَى وُجُودِ الْقَابِلِ لَهُ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَعَ الْإِمْكَانِ وَهُوَ مَفْقُودٌ مَعَ فَقْدِ الْقَابِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَة تَقْدِيم وفاء الدِّين عَلَى الصدقات] (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «لَيْسَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ» أَيْ لَيْسَ الْبَاقِي شَيْئًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 بَابُ بَيَانِ الْمِسْكِينِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قَالُوا فَمَنْ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ الَّذِي   Qوَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ وَفَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إرْصَادَهُ لِصَاحِبِ دَيْنٍ غَائِبٍ حَتَّى يَحْضُرَ فَيَأْخُذَ دَيْنَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إرْصَادَهُ لِوَفَاءِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَتَّى يَحِلَّ فَيُوَفِّيَهُ. [فَائِدَة حُكْم الِاسْتِقْرَاض وَالِاسْتِدَانَة] 1 (التَّاسِعَةُ) وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ وَقَيَّدَ ابْنُ بَطَّالٍ ذَلِكَ بِالْيَسِيرِ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إرْصَادِهِ دِينَارًا لِدَيْنِهِ قَالَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَرْصُدْ لِأَدَائِهَا دِينَارًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ قَضَاءً، قَالَ فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَسْتَغْرِقَ فِي كَثْرَةِ الدَّيْنِ خَشْيَةَ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَالْعَجْزِ عَنْ أَدَائِهِ، وَقَدْ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ضَلَعِ الدَّيْنِ وَاسْتَعَاذَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ وَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ، انْتَهَى. وَمَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَرَادَ إرْصَادَ دِينَارٍ وَاحِدٍ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ أُطْلِقَ الدِّينَارُ هُنَا فَلَا يُرَادُ بِهِ التَّوْحِيدُ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْصُدُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَفِي بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. [فَائِدَة التَّمَنِّي فِي الْخَيْر] 1 (الْعَاشِرَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ وَوَفَاءِ الدُّيُونِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّمَنِّي فِي الْخَيْرِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُولُوا لَوْ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» إنَّمَا هُوَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَأَمَّا تَمَنِّي الْخَيْرَ فَمَحْبُوبٌ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ بَيَانِ الْمِسْكِينِ] [حَدِيث لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ] (بَابُ بَيَانِ الْمِسْكِينِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قَالُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ قَالُوا فَمَنْ الْمِسْكِينُ قَالَ: «إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] » .   Qفَمَنْ الْمِسْكِينُ؟ قَالَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ قَالُوا فَمَنْ الْمِسْكِينُ وَقَالَ «إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. . (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] » لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ «إنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] » وَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأَكْلَةُ وَالْأَكْلَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إلْحَافًا» . (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمِسْكِينَ الْكَامِلَ الْمَسْكَنَةِ هُوَ الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لَا يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَسْأَلُهُمْ وَلَا يُفْطَنُ لِحَالِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنْ الطَّوَّافِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ نَفْيُ كَمَالِهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟» الْحَدِيثَ وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَدْرُونَ مَنْ الرَّقُوبُ» وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ} [البقرة: 177] الْآيَةَ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى إطْلَاقِ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ عَلَى الطَّوَّافِ بِحَدِيثِ أُمِّ بُجَيْدٍ مَرْفُوعًا «رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (إنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمِسْكِينَ لَيَقِفُ عَلَى بَابِي) الْحَدِيثَ. قَالَ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ السَّائِلَ الطَّوَّافَ الْمُحْتَاجَ مِسْكِينٌ. (الثَّالِثَةُ) الْإِشَارَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ بِهَذَا الطَّوَّافِ، تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِحُضُورِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِحَقَارَتِهِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَمَنْ الْمِسْكِينُ» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْوَجْهُ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ «فَمَا الْمِسْكِينُ» ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ وَلَهُ ثَلَاثُ تَوْجِيهَاتٍ. (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فَمَا الْحَالُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا السَّائِلُ مِسْكِينًا. وَ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مَا هُنَا بِمَعْنَى مَنْ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مَا تَأَتَّى كَثِيرًا لِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أَيْ الطَّيِّبِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. (الْخَامِسَةُ) الْغِنَى بِكَسْرِ الْغَيْنِ مَقْصُورٌ الْيَسَارُ، وَقَوْلُهُ «يُغْنِيهِ» صِفَةٌ لَهُ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْيَسَارِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْيَسَارِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْنَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْيَسَارِ وَلَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْيَسَارِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ عَلَى لَا حُبَّ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ لَا يَكْفِيهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ يَمْلِكُ مَالًا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْكُوفَةِ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً لِكَوْنِهَا لَا تَقُومُ بِجَمِيعِ حَاجَتِهِمْ وَعَكَسَ آخَرُونَ ذَلِكَ فَقَالُوا: الْفَقِيرُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَقَالَ آخَرُونَ هُمَا سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 بَابُ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ إنِّي لَأَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً إلَى فِرَاشِي أَوْ فِي بَيْتِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   Qوَإِنْ افْتَرَقَا فِي الِاسْمِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ قَوْلًا رَابِعًا أَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي يَسْأَلُ وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ مَنْصُوبَانِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ، وَهَذَا وَاضِحٌ. [فَائِدَة الصَّدَقَة عَلَى الْمُتَعَفِّف] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمُتَعَفِّفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى السَّائِلِ الطَّوَّافِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (الثَّامِنَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] أَنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ السُّؤَالِ أَصْلًا، وَقَدْ يُقَالُ لَفْظَةُ يَقُومُ تَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ فِي السُّؤَالِ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ أَصْلِ السُّؤَالِ وَالتَّأْكِيدُ فِي السُّؤَالِ هُوَ الْإِلْحَافُ. [بَابُ الصَّدَقَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [حَدِيث وَاَللَّهِ إنِّي لَأَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً إلَى فِرَاشِي] (بَابُ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ إنِّي لَأَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي أَوْ فِي بَيْتِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتهَا» وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْت أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟» لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا «إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «أَمَا شَعَرْت أَنَّا لَا نَأْكُلُ صَدَقَةً» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «أَمَا عَلِمْت أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَأَمَّا الْأُولَى فَلَا خِلَافَ فِيهَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: إنَّهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، ثُمَّ حَكَى لَفْظَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُ انْتَهَى. وَإِبَاحَةُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ دُونَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَكَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَعَكَسَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ فَقَالَ: تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ قَدْ يَقَعُ فِيهَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ مِنْهُمْ بِعَكْسِهِ: إنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْآلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ أَشْهَبُ هُمْ بَنُو غَالِبٍ وَقَالَ أَصْبَغُ هُمْ بَنُو قَصِيٍّ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا. [فَائِدَة اسْتِعْمَال الْوَرَع وَتَرَك الشُّبُهَات] 1 (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ وَهُوَ تَرْكُ الشُّبُهَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّمْرَةَ لَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَلِهَذَا رَفَعَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْكُلَهَا وَلَا يَقْدُمُ إلَّا عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَكِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْوَرَعُ وَهُوَ تَرْكُهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ» الْحَدِيثَ، وَفِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ تِلْكَ التَّمْرَةَ لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ وَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُهَا بِالِالْتِقَاطِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهَا فِي الطَّرِيقِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّمْرَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ مُحَقَّرَاتِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَلْ يُبَاحُ أَكْلُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا لِكَوْنِهَا لُقَطَةً قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا وَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَطْمَعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: «جَاءَ سَلْمَانُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابِك، قَالَ ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَرَفَعَهَا وَجَاءَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابِك، قَالَ ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَجَاءَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَحْمِلُهُ فَقَالَ مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ، فَقَالَ هَدِيَّةٌ لَك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Q [حَدِيث إنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي: وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «جَاءَ سَلْمَانُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةِ بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا رُطَبٌ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابِك، قَالَ ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَرَفَعَهَا وَجَاءَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ صَدَقَةٌ عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابِك قَالَ ارْفَعْهَا فَإِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَجَاءَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَحْمِلُهُ فَقَالَ مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ فَقَالَ هَدِيَّةٌ لَك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْشَطُوا قَالَ فَنَظَرَ إلَى الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآمَنَ بِهِ، وَكَانَ لِلْيَهُودِ فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلًا فَيَعْمَلَ سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى تُطْعِمَ قَالَ فَغَرَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَ إلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ فَحَمَلَتْ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمِلْ النَّخْلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالَ عُمَرُ أَنَا غَرَسْتهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ غَرَسَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 انْشَطُوا قَالَ فَنَظَرَ إلَى الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآمَنَ بِهِ وَكَانَ لِلْيَهُودِ فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلًا فَيَعْمَلَ سَلْمَانُ فِيهَا حَتَّى تُطْعِمَ قَالَ فَغَرَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَ إلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ فَحَمَلَتْ النَّخْلُ مِنْ عَامِهَا وَلَمْ تَحْمِلْ النَّخْلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالَ عُمَرُ أَنَا غَرَسْتهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ غَرَسَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ..   Qمَجِيئُهُ بِمِثْلِهِ ثَانِيَ يَوْمٍ، وَقَوْلُهُ «إنَّهُ صَدَقَةٌ» بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّتَيْنِ وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ «إنَّهَا هَدِيَّةٌ» وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَزَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ثِقَةٌ حَافِظٌ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: مَادَّهُمْ يُمِيدُهُمْ لُغَةٌ فِي مَارَهُمْ مِنْ الْمِيرَةِ وَمِنْهُ الْمَائِدَةُ وَهِيَ خُوَانٌ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَلَيْسَ بِمَائِدَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ خُوَانٌ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَائِدَةٌ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِثْلُ عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ بِمَعْنَى مَرْضِيَّةٍ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْمَائِدَةُ الطَّعَامُ نَفْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خُوَانٌ وَقِيلَ هِيَ نَفْسُ الْخُوَانِ قَالَ الْفَارِسِيُّ لَا تُسَمَّى مَائِدَةً حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهَا طَعَامٌ وَإِلَّا فَهِيَ خُوَانٌ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ تَفْسِيرَ الْمَائِدَةِ بِالطَّعَامِ نَفْسِهِ. (الثَّالِثَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ كَانَتْ رُطَبًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا تَمْرٌ رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي إحْدَاهُمَا ضَعِيفٌ وَفِي الْأُخْرَى مَجْهُولٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ سَلْمَانَ أَيْضًا «فَاحْتَطَبْت حَطَبًا فَبِعْته فَصَنَعْت طَعَامًا فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ «فَاشْتَرَيْت لَحْمَ جُذُورٍ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ طَبَخْته فَجَعَلْت قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ فَاحْتَمَلْتهَا حَتَّى أَتَيْتُهُ بِهَا عَلَى عَاتِقِي حَتَّى وَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَعَلَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَعَامًا وَرُطَبًا فَالْإِسْنَادُ بِهَا صَحِيحٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ التَّمْرِ فَضَعِيفَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (الرَّابِعَةُ) ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا ذَكَرَ لَهُ سَلْمَانُ أَنَّهَا صَدَقَةٌ لَمْ يَأْكُلْهَا هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ لَكِنْ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ارْفَعْهَا أَيْ عَنِّي لَا مُطْلَقًا. (الْخَامِسَةُ) هَذَا الَّذِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ جَاءَهُ بِصَدَقَةٍ مَرَّتَيْنِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا رَأَيْته فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ، فَإِنْ صَحَّ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِتَكْرِيرِ ذَلِكَ أَنْ يَتَأَكَّدَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَكْرِيرِ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ خَصَائِصِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ الصَّدَقَةِ أَمَّا أَكْلُ الْهَدِيَّةِ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِعَارِضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الصَّدَقَة عَلَى النَّبِيّ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُورُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمَنْ يَقُولُ بِإِبَاحَتِهَا لَهُ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهَا تَحْرِيمٌ وَكَذَا قَوْلُهُ «إنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ يَتْرُكُ ذَلِكَ تَنَزُّهًا عَنْهُ مَعَ إبَاحَتِهِ لَهُ، وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِيهِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الِامْتِنَاعَ عَنْ أَكْلِ الصَّدَقَةِ إمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا تَنَزُّهًا. [فَائِدَة الفرق بَيْن الصَّدَقَة والهدية] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَأَنَّهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْهَدِيَّةِ حَمْلُهَا إلَى مَكَانِ الْمُهْدَاةِ لَهُ إعْظَامًا لَهُ وَإِكْرَامًا وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الصَّدَقَةِ تَمْلِيكُ الْمُحْتَاجِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُ شُيُوخِنَا تَقْيِيدَ الصَّدَقَةِ بِالِاحْتِيَاجِ وَقَالَ: إنَّ الْإِعْطَاءَ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ صَدَقَةٌ سَوَاءٌ كَانَ لِغَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِنَفْيِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَبِحُصُولِ الثَّوَابِ فِي إعْطَاءِ الْغَنِيِّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ كَيْفَ تَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي حَمْلَهَا إلَى مَكَانِ الْمُهْدَاةِ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لَهُ وَالْإِكْرَامِ، وَكَوْنُ الْإِعْطَاءِ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا لِاسْتِمَالَةِ ذَلِكَ الْمُعْطَى بَلْ هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبْلُغُ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَهْيِئَةُ الْعَطِيَّةِ لِلْفَقِيرِ وَإِرَاحَتُهُ مِنْ التَّعَبِ وَالْحَمْلِ وَأَبْعَدُ عَنْ كَسْرِ نَفْسِهِ بِمَجِيئِهِ إلَى بَابِ الْمُتَصَدِّقِ فَيَتَهَنَّأُ وَيَنْحَفِظُ عَلَيْهِ صَوْتُهُ، وَقَدْ يُقَالُ هُمَا أَمْرَانِ مُتَنَافِيَانِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْقَصْدُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نَظَرَ إلَى خُصُوصِيَّةِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُعَظَّمَ وَيُكَرَّمَ بَلْ الْقَصْدُ إرْفَاقُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَفِي تَعْظِيمِ الْمُهْدَى لَهُ مَا يُنَافِي قَصْدَ التَّقَرُّبِ بِإِعْطَائِهِ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى خُصُوصِيَّتِهِ فَلَا يَجْتَمِعُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ مَعَ النَّظَرِ إلَى شَخْصٍ بِخُصُوصِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَةِ وَيَبْقَى النَّظَرُ وَالْحُكْمُ لِلدَّاعِيَةِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ، فَإِنْ قُلْت فَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي صِدْقَ اسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَى مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ، قُلْت لَمْ يُرِدْ بِالصَّدَقَةِ هُنَا مَدْلُولَهَا الْأَصْلِيَّ الَّذِي هُوَ الْإِعْطَاءُ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الصَّدَقَةَ فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة العبرة فِي الْعَطَاء] (الثَّامِنَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعَطَاءِ بِنِيَّةِ الدَّافِعِ فَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَدَفَعَ مَا يُؤَدِّي أَحَدَهُمَا وَقَالَ أَرَدْت الدَّفْعَ عَنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ لِيَنْفَكَّ وَقَالَ الْآخِذُ إنَّمَا أَخَذْته عَنْ الَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَرَدْت الدَّفْعَ عَنْ دَيْنِك عَلَيَّ وَقَالَ الْآخِذُ إنَّمَا أَخَذْته تَبَرُّعًا وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ سَلْمَانَ عَنْ نِيَّتِهِ فِيمَا أَحْضَرَهُ وَرَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْآخِذِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ. [فَائِدَة هَلْ يَشْتَرِط فِي كُلّ مِنْ الْهَدِيَّة وَالصَّدَقَة الْإِيجَاب وَالْقَبُول] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِاللَّفْظِ بَلْ يَكْفِي الْقَبْضُ وَتُمْلَكُ بِهِ فَإِنَّ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ وَضْعِهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سَأَلَهُ لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الْهَدِيَّةُ الْمُبَاحَةُ عَنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظٌ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَرَارُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا حَمْلُ الْهَدَايَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقْبَلُهَا وَلَا لَفْظَ هُنَاكَ قَالُوا وَعَلَى هَذَا جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَبْعَثُونَ بِهَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا عِبَارَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمُتَلَقِّينَ عَنْهُ. [فَائِدَة هَلْ يَشْتَرِط أَنْ يَكُون بَيْن المهدي والمهدى إلَيْهِ رَسُول] 1 (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْرَطْ فِي صِدْقِ اسْمِ الْهَدِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ رَسُولٌ وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُهْدِي إلَيْهِ فَوَهَبَ لَهُ خَاتَمًا أَوْ نَحْوَهُ يَدًا بِيَدٍ هَلْ يَحْنَثُ - وَجْهَيْنِ وَالْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَة العبرة فِي قَبُول الْهَدِيَّة] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهَا مِلْكُهُ اعْتِمَادًا عَلَى مُجَرَّدِ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْقِيبٍ عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ وَلَا تَحَقُّقِ مِلْكِهِ لَهَا. 1 - (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» يَحْمِلُهُ مُشْكِلُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ الْوَضْعِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَمْلُ حَالًا مِنْ الْوَضْعِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَأَصْلُهُ فَجَاءَ مِنْ الْغَدِ بِمِثْلِهِ يَحْمِلُهُ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمْ يَجْعَلْ اسْتِقْرَارَهُ عَلَى الْأَرْضِ بَلْ صَارَ مَعَ ذَلِكَ حَامِلًا لَهُ مُسْتَوْفِزًا بِهِ فَإِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ رَدُّهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا زِيَادَةٌ فِي تَأْكِيدِ كَوْنِهِ هَدِيَّةً لِحُصُولِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِكْرَامِ بِاسْتِمْرَارِ صُورَةِ الْحَمْلِ لَهُ مَعَ وَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «انْشَطُوا» بِإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ النَّشَاطِ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِالنَّشَاطِ لِلْأَكْلِ مَعَهُ وَكُلُّ مَا خَفَّ الْمَرْءُ لِفِعْلِهِ وَمَالَ إلَيْهِ وَآثَرَهُ فَقَدْ نَشِطَ لَهُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْهَدِيَّةُ خَاصَّةً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ خَصَّهُ بِهَا وَقَالَ هَدِيَّةٌ لَك بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَحْضَرَهَا فِي الْيَوْمَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا صَدَقَةٌ عَلَيْك وَعَلَى أَصْحَابِك فَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدَى لَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْحَاضِرِينَ مِمَّا أُهْدِيَ لَهُ وَذَلِكَ حَسَنٌ مَعْدُودٌ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. [فَائِدَة هَدِيَّة الْكَافِر] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْكَافِرِ فَإِنَّ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ اسْتِيعَابِ الْعَلَامَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي كَانَ عَلِمَهَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَهِيَ امْتِنَاعُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَأَكْلُهُ لِلْهَدِيَّةِ وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا رَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَعْدَ قَبُولِ هَدِيَّتِهِ. [فَائِدَة خاتم النُّبُوَّة] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) الْخَاتَمُ فِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُبَيِّنْ مَحِلَّهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَفِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي صِفَتِهِ، وَقَدْرِهِ فَفِي حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّهُ مِثْلُ ذَرِّ الْحَجَلَةِ» وَهُوَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحِيحَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «كَأَنَّهُ غُدَّةٌ حَمْرَاءُ مِثْلُ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ» . وَفِي حَدِيثِ أَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ أَنَّهُ «قِيلَ لَهُ وَمَا الْخَاتَمُ؟ قَالَ شُعَيْرَاتٌ مُجْتَمِعَاتٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ «شَعْرٌ مُجْتَمِعٌ» وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ «فَنَظَرْت إلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَاغِضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْجُمْعِ بِضَمِّ الْجِيمِ جُمْعُ الْكَفِّ أَوْ الْأَصَابِعِ وَقَالَ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَبُعٍ فِي شِفَاءِ الصُّدُورِ هُوَ شَامَةٌ سَوْدَاءُ تَضْرِبُ إلَى الصُّفْرَةِ حَوْلَهَا شَعَرَاتٌ مُتَوَالِيَاتٌ كَأَنَّهَا عُرْفُ فَرَسٍ بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي رِمْثَةَ مِثْلُ الطَّلْعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مِثْلُ التُّفَّاحَةِ وَفِي الشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِضْعَةٌ نَاشِزَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ مِنْ لَحْمٍ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَعَنْ ابْنِ هِشَامٍ تَشْبِيهُهُ بِالْمِحْجَمِ وَشَبَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِرُكْبَةِ الْعَنْزِ وَقِيلَ فِي تَشْبِيهِهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَالَ وَهَذِهِ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى مُفِيدَةٌ أَنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَانَ نُتُوءًا قَائِمًا أَحْمَرَ تَحْتَ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ قَدْرُهُ إذَا قُلِّلَ كَبَيَاضَةِ الْحَمَامَةِ وَإِذَا كُبِّرَ جُمْعُ الْيَدِ، ثُمَّ إنَّ السُّهَيْلِيَّ قَالَ لَمْ نَدْرِ هَلْ خُلِقَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ وُضِعَ فِيهِ بَعْدَ مَا وُلِدَ أَوْ حِينَ نُبِّئَ؟ فَبَيَّنَ لَنَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي ذَرٍّ فِي حَدِيثِ الْمَلَكَيْنِ «. قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اغْسِلْ بَطْنَهُ غَسْلَ الْإِنَاءِ وَاغْسِلْ قَلْبَهُ غَسْلَ الْمُلَاءِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ خِطْ بَطْنَهُ فَخَاطَ بَطْنِي وَجَعَلَ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْ كَمَا هُوَ الْآنَ» فَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَتَى وُضِعَ وَكَيْفَ وُضِعَ وَمَنْ وَضَعَهُ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ رِوَايَةً فِيهَا «وَأَقْبَلَ الثَّالِثُ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ لَهُ شُعَاعٌ فَوَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَدْيَيْهِ وَوَجَدَ بَرْدَهُ زَمَانًا» . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: " الْخَاتَمُ هَذَا شَقُّ الْمَلَكَيْنِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ فَإِنَّ الشَّقَّ إنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ وَأَثَرُهُ إنَّمَا كَانَ خَطًّا وَاضِحًا فِي صَدْرِهِ إلَى مَرَاقِّ بَطْنِهِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَمْ يَثْبُتْ قَطُّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا حَسَنَةٍ وَلَا غَرِيبَةٍ أَنَّهُ بَلَغَ بِالشَّقِّ حَتَّى نَفَذَ إلَى ظَهْرِهِ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَكُونَ مُسْتَطِيلًا مِنْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إلَى أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُحَاذِي الصَّدْرَ مِنْ مَسْرُبَتِهِ إلَى مَرَاقِّ بَطْنِهِ وَلَعَلَّ هَذَا وَقَعَ غَلَطًا مِنْ بَعْضِ النَّاسِخِينَ لِكِتَابِهِ انْتَهَى. وَعَنْ جَابِرٍ: قَالَ «أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَهُ فَالْتَقَمْت خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بِفَمِي فَكَانَ يُتِمُّ عَلَيَّ مَسْكًا» . [فَائِدَة اسْتِثْنَاءُ الْبَائِع جُزْءًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَإِبْقَاؤُهُ لِنَفْسِهِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا وَعَلَى أَنْ يَغْرِسَ نَخْلًا فَيَعْمَلَ سَلْمَانُ فِيهَا وَفِي ذَلِكَ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لِسَلْمَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ قَدْ اسْتَثْنَى جُزْءًا مِنْ مَنْفَعَتِهِ وَأَبْقَاهَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ غَرْسُهُ لِتِلْكَ النَّخْلَةِ وَعَمَلُهُ فِيهَا وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْمَعْرُوفُ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ سَلْمَانَ كَاتَبَ مَوْلَاهُ عَلَى ذَهَبٍ وَعَمَلٍ فِي نَخْلٍ، فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ فَكَاتَبْت صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقَارِ وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ أَعِينُوا أَخَاكُمْ فَأَعَانُونِي بِالنَّخْلِ الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَدِيَّةً وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَدِيَّةً وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ يُعِينُ الرَّجُلَ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ حَتَّى إذَا اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَثُمِائَةِ وَدِيَّةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا فَإِذَا فَرَغْت فَأْتِنِي فَأَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ قَالَ فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إذَا فَرَغْت مِنْهَا جِئْته فَأَخْبَرْته فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعِي إلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ إلَيْهِ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَأَدَّيْت النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ بَيْضَةِ دَجَاجَةٍ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ فَقَالَ مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ قَالَ فَدُعِيت لَهُ، قَالَ خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ، قَالَ قُلْت وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْك قَالَ فَأَخَذْتهَا فَوَزَنْت لَهُمْ مِنْهَا وَاَلَّذِي نَفْسُ سُلَيْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَأَوْفَيْتهمْ حَقَّهُمْ وَعَتَقْت فَشَهِدَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاشْتَرِ نَفْسَك قَالَ فَانْطَلَقْت إلَى صَاحِبِي فَقُلْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَزَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ «صَغِيرًا وَكَبِيرًا» وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ «فَجَعَلَ النَّاسُ   Qبِعْنِي نَفْسِي، فَقَالَ: نَعَمْ عَلَى أَنْ تُنْبِتَ لِي مِائَةَ نَخْلَةٍ فَإِذَا أَنْبَتَتْ جِئْتنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرِ نَفْسَك بِاَلَّذِي سَأَلَك وَأْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ الَّتِي كُنْت تَسْقِي مِنْهَا ذَلِكَ النَّخْلَ، قَالَ فَدَعَا لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَقَيْتهَا فَوَاَللَّهِ لَقَدْ غَرَسْت مِائَةَ نَخْلَةٍ فَمَا مِنْهَا نَخْلَةٌ إلَّا نَبَتَتْ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته أَنَّ النَّخْلَ قَدْ نَبَتَتْ فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ فَانْطَلَقْت بِهَا فَوَضَعْتهَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوُضِعَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ نَوَاةٌ قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا اسْتَقَلَّتْ الْقِطْعَةُ مِنْ الذَّهَبِ مِنْ الْأَرْضِ قَالَ وَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته فَأَعْتَقَنِي» . وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «اشْتَرَطْت لَهُمْ أَنَّك عَبْدٌ فَاشْتَرِ نَفْسَك مِنْهُمْ فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُحْيِيَ لَهُمْ ثَلَثَمِائَةِ نَخْلَةٍ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ» فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ «فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ مَضَاءَ أَمْرِهِ بِشِرَائِهِ نَفْسَهُ إمَّا بِكِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَجُعِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنًى مُشْتَرِيًا لِأَمْرِهِ بِالشِّرَاءِ» وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ فَإِنَّهُ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ قَوْلِهِ «اشْتَرِ نَفْسَك» وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَاشْتَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [فَرَضُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ] بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ وَصَحَّحَهَا " صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ ". وَلِأَبِي دَاوُد «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ   Qالْمُسْلِمِينَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ «حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ، إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» بِالْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ وَأَوْ فِي الثَّانِي وَفِي رِوَايَةِ لِلنَّسَائِيِّ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «وَفِيهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ. » وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ. » وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْمُصَلَّى» زَادَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. وَأَخْرَجُوهُ أَيْضًا خَلَا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «فَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَوْ قَالَ رَمَضَانَ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ التَّمْرُ فَأَعْطَى شَعِيرًا فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا وَكَانُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 أَوْ سَلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَانَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةٍ مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ دُونَ فِعْلِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ «أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «صَاعٍ مِنْ بُرٍّ» وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ   Qيُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَزْمُ بِقَوْلِهِ «صَدَقَةَ رَمَضَانَ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ وَمَا بَعْدَهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ» . قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ الْجُمَحِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ فِيهِ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ رِوَايَةَ سَعِيدٍ الْجُمَحِيِّ هَذِهِ وَلَفْظُهَا «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَصَحَّحَهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» وَكَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى فِي الْأَحْكَامِ يُوهِمُ انْفِرَادَ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سَلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ قَمْحٍ» ثُمَّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَوْقُوفًا (صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ هَذَا أَثْبَتُ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ قَالَ   Qمَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ» . وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ الْمَوْقُوفَ عَلَى عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ» . وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا مِمَّنْ شَذَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ إِسْحَاقُ يَعْنِي ابْنَ رَاهْوَيْهِ هُوَ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ بِهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَرَضَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْجَبَ وَمَا أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِأَمْرِ اللَّهِ أَوْجَبَهُ وَمَا كَانَ لِيَنْطِقَ عَنْ الْهَوَى ثُمَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ دَاوُد أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ «فَرَضَ قَدَّرَ» كَقَوْلِهِمْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ الْيَتِيمِ قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَادِّعَاءٌ عَلَى النَّصِّ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَعْهُودِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي قَوْلِهِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ أَنَّ مَعْنَاهُ إيجَابٌ مِنْ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ وَفَرَضَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَنَحْوَ هَذَا كُلُّ ذَلِكَ أَوْجَبُ وَأَلْزَمُ قَالَ وَمَرِضَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيهَا فَقَالَ هِيَ سُنَّةٌ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَصْنَعْ شَيْئًا، قَالَ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: أَجْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهَا فَقَالَتْ فِرْقَةٌ هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ وَرَوَوْا عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِهَا قَبْلَ نُزُولِ الزَّكَاةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الزَّكَاةِ لَمْ يَأْمُرْنَا بِهَا وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، قُلْت الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 أَرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» وَلِأَبِي دَاوُد «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» وَقَالَ هَذِهِ وَهَمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ حَامِدُ بْنُ يَحْيَى فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ سُفْيَانُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ زَادَ مَالِكٌ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ   Qالنَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ وُجُوبِهَا وَذَلِكَ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي جِنْسِ الْعِبَادَةِ لَا تُوجِبُ نَسْخَ الْأَصْلِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ مَحَلَّ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ الْأَمْوَالُ، وَمَحَلَّ زَكَاةِ الْفِطْرِ الرِّقَابُ اهـ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ ابْنُ اللَّبَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ بَلْ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي وُجُوبِهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مُحْتَمَلَةٌ وَالْأُخْرَى قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ، وَبِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ قَالَ وَتَأَوَّلَ قَوْمٌ قَوْلَهُ فَرَضَ بِمَعْنَى قَدَّرَ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَدَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ " فَرَضَ " أَوْجَبَ فَبِهَا وَنَعِمَتْ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى قَدَّرَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى قَدَّرَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْقُرْآنِ بِالْفِطْرِ كَمَا قَدَّرَ زَكَاةَ الْمَالِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَهُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الْجُمْهُورِ فِي تَرَادُفِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَاقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهَلْ تُسَمَّى فَرْضًا مَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ» وَلِاجْتِمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ إنْ كَانَ الْوَاجِبَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبَ الْمُتَأَكَّدَ فَهِيَ مُتَأَكَّدَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا اهـ. [فَائِدَة وَقْت وُجُوب زَكَاة الْفِطْر] 1 (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ لِكَوْنِهِ أَضَافَهَا إلَى الْفِطْرِ وَذَلِكَ هُوَ وَقْتُ الْفِطْرِ وَإِضَافَتُهَا إلَى الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ "، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِ (قُلْت) لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا عَمْرُو بْنُ نَافِعٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عِنْد مُسْلِمٍ وَيُونُسُ بْنُ زَيْدٍ وَالْمُعَلَّى بْنُ إسْمَاعِيلَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَاخْتُلِفَ فِي زِيَادَتِهِمَا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ..   Qوَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقْتُ وُجُوبِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ يَوْمَ الْعِيدِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ هُوَ وَقْتُ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ الَّذِي تَجَدَّدَ فِيهِ الْفِطْرُ أَمَّا اللَّيْلُ فَلَمْ يَكُنْ قَطُّ مَحِلًّا لِلصَّوْمِ لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَكِلَا الِاسْتِدْلَالَيْنِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهَا إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ بَلْ يَقْتَضِي إضَافَةَ هَذِهِ الزَّكَاةِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيُقَالُ حِينَئِذٍ بِالْوُجُوبِ بِظَاهِرِ لَفْظَةِ فَرَضَ وَيُؤْخَذُ وَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ اهـ. قُلْت لَا مَعْنَى لِإِضَافَتِهَا لِلْفِطْرِ إلَّا أَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إضَافَتُهَا لِلتَّعْرِيفِ وَقَالَ قَوْمٌ إلَى سَبَبِ وُجُوبِهَا وَأَنَا أَقُولُ إلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا مَا يَجْرِي فِي الصَّوْمِ مِنْ اللَّغْوِ ثُمَّ اُسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ أَوْ الصِّيَامِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهَا تَجِبُ بِمَجْمُوعِ الْوَقْتَيْنِ قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ خَرَّجَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَاسْتَنْكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَعِبَارَةُ التَّلْخِيصِ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْصُوصٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: تَجِبُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوُجُوبًا مُوَسَّعًا، آخِرُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ (ثَالِثٌ) أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ طُلُوعَ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَعْلُوَ النَّهَارُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: وَقْتُهَا إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ تُبَيَّضَ الشَّمْسُ وَتَحِلَّ الصَّلَاةُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَرَادَ بِعُلُوِّ النَّهَارِ بَيَاضَ الشَّمْسِ اتَّحَدَ مَعَ قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ، وَإِنْ أَرَادَ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ فَهِيَ حِينَئِذٍ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ: (مِنْهَا) لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ وَالرَّافِعِيُّ تَقْتَضِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِإِدْرَاكِ وَقْتِ الْغُرُوبِ خَاصَّةً لَكِنْ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ إدْرَاكِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ، صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ فَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَذْكُورَ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الثَّانِي الْمُرَجَّحِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِإِضَافَةِ الزَّكَاةِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَجُزْءٍ مِنْ زَمَنِ الْفِطْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة زَكَاة الْفِطْر عَلَى التَّخَيُّر] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ التَّخْيِيرُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، فَيُخْرِجُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ صَاعًا وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ غَيْرِهِمَا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: فَهُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالْعَمَلِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لَكِنْ وَرَدَ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ ذِكْرُ أَجْنَاسٍ أُخَرَ، فَتَقَدَّمَ مِنْ الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ بُرٍّ» وَصَحَّحَهُ وَمِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ «كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سَلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ» . وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَّ عَلَى صَدَقَةِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ» وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أَسْنَدَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِصَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ؛ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ دَقِيقٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ سَلْتٍ» ، وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ إسْنَادَهُ يَخْرُجُ مِثْلُهُ فِي الشَّوَاهِدِ، وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ أَنَّ إسْنَادَ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ضَعِيفٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «إنَّ هَذِهِ الزَّكَاةَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ» . ثُمَّ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ هَذَا أَثْبَتُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ قَالَ: أَرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» وَلِأَبِي دَاوُد «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» وَقَالَ هَذِهِ وَهَمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ حَامِدُ بْنُ يَحْيَى فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ سُفْيَانُ وَاعْتَلَّ ابْنُ حَزْمٍ فِي تَرْكِ الْأَخْذِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّهُ مُضْطَرِبُ الْمَتْنِ وَبِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ جِنْسَ الْفِطْرَةِ كُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ إجْزَاءُ الْأَقِطِ أَيْضًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ بِهِ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّبَنَ وَالْجُبْنَ الَّذِي لَيْسَ مَنْزُوعَ الزُّبْدِ فِي مَعْنَاهُ وَالْخِلَافُ فِي إخْرَاجِ مَنْ قُوتُهُ الْأَقِطُ وَاللَّبَنُ وَالْجُبْنُ، وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الْخُبْزُ كَمَا لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ، وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ يُجْزِئُ الدَّقِيقُ قَالَ ابْنُ عَبْدَانَ يَقْتَضِي قَوْلُهُ إجْزَاءَ السَّوِيقِ وَالْخُبْزِ وَصَحَّحَهُ، وَفِي الْوَاجِبِ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمُجْزِئَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ. (وَالثَّانِي) قُوتُ نَفْسِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدَانَ وَ (الثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ ثُمَّ إذَا أَوْجَبْنَا قُوتَ نَفْسِهِ أَوْ الْبَلَدِ فَعَدَلَ إلَى مَا هُوَ دُونَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ عَدَلَ إلَى أَعْلَى مِنْهُ جَازَ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ صَلَاحِيَّةِ الِاقْتِيَاتِ وَالثَّانِي بِالْقِيمَةِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ الْحَنَابِلَةُ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَهِيَ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَالْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ. قَالُوا وَالسَّلْتُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ فَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ لِدُخُولِهِ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَصَّ أَحْمَدَ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ، وَكَذَلِكَ السَّوِيقُ وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَهُمْ الْخُبْزُ، قَالُوا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ هَذِهِ فَيُخْرِجُ مَا شَاءَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُوتًا لَهُ، إلَّا الْأَقِطَ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ مَنْ هُوَ قُوتُهُ أَوْ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ سِوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَ سِوَاهُ فَفِي إجْزَائِهِ عِنْدَهُمْ رِوَايَتَانِ مُنْشَؤُهُمَا وُرُودُ النَّصِّ بِهِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ زَكَوِيٍّ، قَالُوا وَأَفْضَلُهَا التَّمْرُ وَبَعْدَهُ الْبُرُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الزَّبِيبُ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ قُوتَ بَلَدِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا أَجْزَأَهُ كُلُّ مُقْتَاتٍ مِنْ كُلِّ حَبَّةٍ وَثَمَرَةٍ، قَالَهُ الْخِرَقِيِّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْمُقْتَاتُ مِنْ غَيْرِهَا كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يُعْطَى مَا قَامَ مَقَامَ الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ يُجَزِّئهُ عِنْدَ عَدَمِهَا الْإِخْرَاجُ مِمَّا يَقْتَاتُهُ كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَلُحُومِ الْحِيتَانِ وَالْأَنْعَامِ، وَلَا يُرَدُّونَ إلَى أَقْرَبِ قُوتِ الْأَمْصَارِ. وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ جِنْسِيَّةُ الْمُقْتَاتِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَلَسَ. وَقَالَ أَشْهَبُ: مِنْ السِّتِّ الْأُوَلِ خَاصَّةً فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ كَالْقَطَانِيِّ وَالتِّينِ وَالسَّوِيقِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ وَفِي الدَّقِيقِ قَوْلَانِ وَيُخْرَجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ دُونَهُ لَا لِشُحٍّ فَقَوْلَانِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبُرِّ وَالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ؛ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِتَعْيِينِ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ قُوتِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا غَالِبُ مَا يُقْتَاتُ بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى إيجَابِ التَّمْرِ عَلَى مَنْ يَقْتَاتُهُ وَالشَّعِيرِ عَلَى مَنْ يَقْتَاتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْغَلَبَةِ فَلَا تَرَجُّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَالْمُخْرِجُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الواجب إخراجه فِي زَكَاة الْفِطْر] (السَّادِسَةُ) فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعٌ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ أُخْرِجَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ اهـ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يُخْرِجُ صَاعًا إذَا أَخْرَجَ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا، فَأَمَّا إذَا أَخْرَجَ قَمْحًا أَوْ دَقِيقَهُ أَوْ سَوِيقَهُ فَالْوَاجِبُ نِصْفُ صَاعٍ وَعَنْهُ فِي الزَّبِيبِ رِوَايَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) عَنْهُ أَنَّهُ مِثْلُ الْقَمْحِ فَيُخْرِجُ مِنْهُ نِصْفَ صَاعٍ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ كَالشَّعِيرِ فَيُخْرِجُ مِنْهُ صَاعًا وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ، رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَلَيْسَ يَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْهُمَا، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ وَأَسْمَاءَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي قِلَابَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَمُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ، فَرُوِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا اهـ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْ الْقَمْحِ نِصْفُ صَاعٍ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صَغِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعِ قَمْحٍ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُنَادِيًا فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ سِوَاهُ، صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «صَاعًا مِنْ بُرٍّ» وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ، قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ ذَكَرَ الطَّعَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحِنْطَةَ وَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ» ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إخْرَاجَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الْقَمْحِ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُ، وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ نِصْفِ الصَّاعِ مِنْ الْقَمْحِ بِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَحَدِيثُ ثَعْلَبَةَ يَنْفَرِدُ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَهُوَ صَدُوقٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ مُهَنَّا ذَكَرْت لِأَحْمَدَ حَدِيثَ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صَغِيرٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ يَرْوِيه مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (قُلْت) مِنْ قِبَلِ مَنْ هَذَا قَالَ مِنْ قِبَلِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْحَدِيثِ وَضَعَّفَ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي صَغِيرٍ وَسَأَلَتْهُ عَنْ ابْنِ أَبِي صَغِيرٍ أَمَعْرُوفٌ هُوَ، قَالَ مَنْ يَعْرِفُ ابْنَ أَبِي صَغِيرٍ لَيْسَ هُوَ بِمَعْرُوفٍ، وَذَكَرَ أَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ابْنَ أَبِي صَغِيرٍ فَضَعَّفَاهُ جَمِيعًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ دُونَ الزُّهْرِيِّ مَنْ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ قَمْحٍ أَوْ قَالَ بُرٍّ عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ» ، وَهَذَا حُجَّةٌ لَنَا وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ وَالنِّصْفُ صَاعً ذِكْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِوَايَتُهُ لَيْسَ يَثْبُتُ اهـ كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ. [فَائِدَة مِقْدَار الصَّاع] 1 (السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعُلَمَاءُ الْحِجَازِ إلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالرَّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ إلَى أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالرِّطْلِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ كَقَوْلِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ لَمَّا تَنَاظَرَ مَعَ مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ فَأَرَاهُ الصِّيعَانَ الَّتِي تَوَارَثَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ أَسْلَافِهِمْ إلَى زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِطْلَاقُ الصَّاعِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ يَسْتَشْكِلُ ضَبْطُ الصَّاعِ بِالْأَرْطَالِ فَإِنَّ الصَّاعَ الْمُخْرَجَ بِهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَخْتَلِفُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَدْرُهُ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَيْلِ دُونَ الْوَزْنِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَخْرُجَ بِصَاعٍ مُعَايَرٍ بِالصَّاعِ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ بِهِ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ الصَّاعُ مَوْجُودٌ وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ قَدْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ تَقْرِيبٌ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ اهـ كَلَامُ النَّوَوِيِّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَدَحَانِ بِكَيْلِ الْقَاهِرَةِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ سَمَّاهُ (الْإِيضَاحُ وَالتِّبْيَانُ فِي مَعْرِفَةِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ) أَحْضَرَ إلَيَّ مَنْ يَوْثُقُ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْوَرِعِينَ مُدًّا مِنْ خَشَبٍ مَخْرُوطٍ لَمْ يَتَشَقَّقْ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَايَرَهُ عَلَى مُدِّ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ شَيْخِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ بِمَكَّةَ وَأَنَّ الشَّيْخَ مُحِبَّ الدِّينِ الْمَذْكُورَ ذَكَرَ أَنَّهُ عَايَرَهُ عَلَى مُدٍّ صَحَّ عِنْدَهُ بِالسَّنَدِ أَنَّهُ مُعَايَرٌ عَلَى مَا عُويِرَ عَلَى مُدِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَامْتَحَنْته بِمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْمِعْيَارُ وَهُوَ الْمَاشُ وَالْعَدَسُ فَوَجَدْت كَيْلَهُ بِهَا يَزِيدُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ زِيَادَةً كَثِيرَةً فَاسْتَحْضَرْت أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمِعْيَارَ إنَّمَا وَقَعَ بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَقْوَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَخْبَارُ فَاعْتُبِرَتْ بِالشَّعِيرِ الصَّعِيدِيِّ الْمُغَرْبَلِ الْمُنَقَّى مِنْ الطِّينِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَبَّاتٌ مِنْ الْقَمْحِ يَسِيرَةٌ فَصَحَّ الْوَزْنُ الْمَذْكُورُ بِكَيْلِ الْمُدِّ الْمَذْكُورِ ثُمَّ وُزِنَ فَجَاءَ زِنَتُهُ مِائَةً وَثَلَاثَةَ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ بِالْمِصْرِيِّ، ثُمَّ وُزِنَ مِنْ الشَّعِيرِ الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ وَوُضِعَ فِي الْمُدِّ الْمَذْكُورِ فَكَانَ بِقَدْرِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَمِنْهُ يَظْهَرُ صِحَّةُ أَنَّ الرَّطْلَ الْبَغْدَادِيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ يَظْهَرُ أَيْضًا صِحَّةُ صَنْجِ الدَّرَاهِمِ الْمَوْجُودَةِ حِينَئِذٍ بِمِصْرَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي الْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ لِيُحْفَظَ وَيُنْقَلَ، وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الصَّاعُ وَزَنْتُهُ فَوَجَدْته خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا حِنْطَةٍ وَقَالَ حَنْبَلٌ قَالَ أَحْمَدُ أَخَذْت الصَّاعَ مِنْ ابْنِ أَبِي النَّضْرِ وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ أَخَذْته مِنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَقَالَ هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يُعْرَفُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَحْمَدُ فَأَخَذْنَا الْعَدَسَ فَعَبَّرْنَا بِهِ وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَصْلَحُ مَا يُكَالُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَافَى عَنْ مَوَاضِعِهِ فَكِلْنَا بِهِ ثُمَّ وَزَنَّاهُ فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَقَالَ هَذَا أَصْلَحُ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ وَمَا يَبِينُ لَنَا مِنْ صَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا كَانَ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ وَهُمَا مِنْ أَثْقَلِ الْحُبُوبِ فَمَا عَدَاهُمَا مِنْ أَجْنَاسِ الْفِطْرَةِ أَخَفُّ مِنْهُمَا فَإِذَا أَخْرَجَ مِنْهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ صَاعٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إنْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا بُرًّا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الْبُرَّ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ ثَخِينًا وَخَفِيفًا، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُخْرِجُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِمَّا يَسْتَوِي كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ وَهُوَ الزَّبِيبُ وَالْمَاشُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِمَّا هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُمَا لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يَزِيدَ شَيْئًا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ صَاعًا وَالْأَوْلَى لِمَنْ أَخْرَجَ مِنْ الثَّقِيلِ بِالْوَزْنِ أَنْ يَحْتَاطَ فَيَزِيدَ شَيْئًا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ صَاعًا اهـ كَلَامُ ابْنِ قُدَامَةَ. [فَائِدَة زَكَاة الْفِطْر عَلَى الْعَبْد] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ وُجُوبُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَظَاهِرُهُ إخْرَاجُ الْعَبْدِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ سِوَاهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُبْطِلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَيْسَتْ عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى سَيِّدِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ مَمْلُوكِهِ الْحَاضِرِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْآبِقِ وَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ أَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي عِبَارَتِهِ الَّتِي حَكَيْتهَا إلَى بَعْضِهَا فَنَذْكُرُهَا ثُمَّ نَذْكُرُ بَاقِيهَا فَأَمَّا الْغَائِبُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُ فِطْرَتِهِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ بَلْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي طَاعَتِهِ بَلْ كَانَ آبِقًا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ بَلْ كَانَ مَغْصُوبًا وَلَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ بَلْ كَانَ ضَالًّا وَيَجِبُ إخْرَاجُهَا عَنْ هَؤُلَاءِ فِي الْحَالِ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ إلَّا فِي مُنْقَطِعِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْ فِطْرَتَهُ لَكِنَّهُ قَالَ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ لِمَا مَضَى وَلَمْ يُوجِبْ أَبُو حَنِيفَةَ زَكَاةَ الْآبِقِ وَالْأَسِيرِ وَالْمَغْصُوبِ الْمَجْحُودِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْآبِقِ، وَفَصَّلَ مَالِكٌ فَأَوْجَبَ فِي كُلٍّ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَغْصُوبِ وَالْآبِقِ الزَّكَاةَ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَهُوَ يُرْجَى حَيَاتُهُ وَرَجْعَتُهُ، فَإِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ وَأُيِسَ مِنْهُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ سَيِّدِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ غَائِبِهِمْ وَحَاضِرِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُخْرِجُ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ بِوَادِي الْقُرَى وَخَيْبَرَ، ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ فِي إخْرَاجِهَا عَنْ الْآبِقِ فَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وُجُوبَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وُجُوبَهَا إذَا عَلِمَ مَكَانَهُ، وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وُجُوبَهَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ عَدَمَ وُجُوبِهَا، وَعَنْ مَالِكٍ وُجُوبَهَا إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً تُرْجَى رَجْعَتُهُ، فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ قَدَّمْت ذِكْرَ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَاَلَّذِي اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَ (الثَّالِثُ) تَجِبُ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ وَكَنَفَقَتِهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلٌ رَابِعٌ) أَنَّهُ يُعْطَى عَنْهُ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَإِلَّا فَلَا، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَ (قَوْلٌ خَامِسٌ) أَنَّ السَّيِّدَ يُخْرِجُهَا عَنْهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ، فَإِنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ وَإِنْ قَلَّ فَهِيَ عَلَيْهِ؛ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِطْرَتُهُ كَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ لِوُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِيهِ وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ. (وَمِنْ مَسَائِلِ الْعَبْدِ) الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا أَيْضًا الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِطْرَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى سَيِّدِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُ الْوُجُوبِ بِمَنْ وَقَعَ زَمَنُ الْوُجُوبِ فِي نَوْبَتِهِ، وَعَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحْمَدُ رِوَايَتَانِ الظَّاهِرُ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ كَمَذْهَبِنَا قَالَ وَهُوَ قَوْلُ سَائِرِ مَنْ أَوْجَبَ فِطْرَتَهُ عَلَى سَادَتِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكَيْنِ صَاعٌ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ أَمْ لَا، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، هَذَانِ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْ السَّيِّدَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ تَفَاوَتَ مِلْكَاهُمَا، وَالْإِيجَابُ عَلَيْهِمَا بِقِسْطِ مِلْكَيْهِمَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فِطْرَةَ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ وَلَيْسَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ ذِكْرُ الْخِلَافِ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا حَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ الْخِلَافَ فِي عَبِيدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا فِيهِمْ أَيْضًا، وَقَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْخَاصِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَثَارَ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ، وَهُمَا يَرَيَانِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَسْقَطَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْ سَيِّدِهِ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ سَيِّدَيْهِ يَمْلِكُ عَبْدًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» قَالَ وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ رَقِيقٌ. وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُخْرِجُ هُوَ مِنْ الصَّاعِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ، وَسَيِّدُهُ بِقَدْرِ رِقِّهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَاعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُشْتَرَكِ قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهَا بِمَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ وَعَدَمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُشْتَرَكِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ عَلَى الْمَالِكِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ وَقِيلَ يَجِبُ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَالِكِ، وَقِيلَ عَلَى الْمَالِكِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، وَعَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَخْرَجَ السَّيِّدُ الْجَمِيعَ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ شَيْءٌ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ يَجِبُ الْجَمِيعُ عَلَى الْعَبْدِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ " بِهِ دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. 1 - (وَمِنْ الْمَسَائِلِ أَيْضًا) الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَوْلَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَ مَوْلَاهُ مِقْدَارُ مَا يُوَفِّي دَيْنَهُ وَفَضْلُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا. 1 - (وَمِنْهَا) الْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِشَخْصٍ وَبِمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ فِطْرَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ هِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ هِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَقِيلَ إنْ قَصُرَ زَمَنُ الْخِدْمَةِ فَهِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَإِنْ طَالَ فَهِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ. (وَمِنْهَا) عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ لَا فِطْرَةَ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَكَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى. 1 - (وَمِنْهَا) الْعَبْدُ الْعَامِلِ فِي مَاشِيَةٍ أَوْ حَائِطٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْوُجُوبِ كَغَيْرِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَسَائِلَ هَذَا الْفَصْلِ. [فَائِدَة زَكَاة الْفِطْر عَلَى الْأُنْثَى] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ وُجُوبُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْأُنْثَى وَظَاهِرُهُ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ فَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ أَشْرَسَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إلَى أَنَّ الْمُتَزَوِّجَةَ تَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَفِي مَعْنَاهَا الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا دُونَ مَا إذَا كَانَتْ حَائِلًا، فَلَوْ نَشَزَتْ وَقْتَ الْوُجُوبِ سَقَطَتْ فِطْرَتُهَا عَنْ الزَّوْجِ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ: لَا تَسْقُطُ، فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَالْأَصَحُّ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَجَبَتْ فِطْرَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِكَمَالِ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَأَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْحُرَّةِ فِطْرَةَ نَفْسِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْقِيَاسِ عَلَى النَّفَقَةِ؛ وَاسْتَأْنَسُوا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا أَيْضًا؛ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ «مِمَّنْ تَمُونُونَ» لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ اهـ، وَعَبَّرَ ابْنُ حَزْمٍ هُنَا بِعِبَارَةٍ بَشِعَةٍ فَقَالَ: وَفِي هَذَا الْمَكَانِ عَجَبٌ عَجِيبٌ؛ وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقُولُ بِالْمُرْسَلِ ثُمَّ أَخَذَهَا هُنَا (بِأَنْتَنِ) مُرْسَلٍ فِي الْعَالَمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى اهـ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ أَبِي يَحْيَى فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ؛ ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَمَدَ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفَقَةِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. قَالَ نَافِعٌ حَتَّى إنْ كَانَ لَيُعْطِي عَنْ بَنِيهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: فَلَوْ أَخْرَجَتْ الْمَرْأَةُ فِطْرَةَ نَفْسِهَا مَعَ يَسَارِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ أَجْزَأَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْإِجْزَاءُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِي الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهُ الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا. [زَكَاة الْفِطْر عَلَى الصَّغِير] (الْعَاشِرَةُ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا زِيَادَةٌ وَهِيَ «عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ هَلْ هِيَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ عَلَى أَبِيهِ؟ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ هِيَ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ أَبٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هِيَ عَلَى الْأَبِ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: هِيَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ سَقَطَتْ عَنْهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَخْرُجُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ اهـ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالصَّغِيرِ بَلْ مَتَى وَجَبَتْ نَفَقَةُ الْكَبِيرِ بِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ، فَلَوْ كَانَ الِابْنُ الْكَبِيرِ فِي نَفَقَةِ أَبِيهِ فَوَجَدَ قُوتَهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْهُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَلَا عَلَى الِابْنِ لِإِعْسَارِهِ، وَكَذَا الِابْنُ الصَّغِيرُ، إذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ صَلَّى وَصَامَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ أَطَاقَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعُ الْفُقَهَاءِ اهـ. [فَائِدَة هَلْ يزكى عَنْ الْجَنِين] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الصَّغِيرِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَقَالَ وَالْجَنِينُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَغِيرٍ، فَإِذَا أَكْمَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ انْصِدَاعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا، وَفِيهِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» ثُمَّ قَالَ: هُوَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا مَوَاتٌ فَلَا حُكْمَ عَلَى مَيِّتٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ حَيًّا فَكُلُّ حُكْمٍ وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ وَقَتَادَةَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. قَالَ وَأَبُو قِلَابَةَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَصَحِبَهُمْ وَرَوَى عَنْهُمْ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْحَمْلِ أَيُزَكَّى عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِعُثْمَانَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَاسْتِدْلَالُهُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي غَايَةِ الْعَجَبِ أَمَّا قَوْلُهُ «عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» فَلَا يَفْهَمُ عَاقِلٌ مِنْهُ إلَّا الْمَوْجُودَيْنِ فِي الدُّنْيَا، أَمَّا الْمَعْدُومُ فَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَا يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي الرَّحِمِ إلَّا اللَّهُ كَمَا قَالَ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان: 34] وَرُبَّمَا يُظَنُّ حَمْلُهَا وَلَيْسَ بِحَمْلٍ، وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمَعْلُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُؤَخَّرُ لَهُ مِيرَاثٌ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَعْدُومِ حَتَّى يَظْهَرَ وُجُودُهُ، قَالَ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ عُثْمَانَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ بَكْرًا وَقَتَادَةَ رِوَايَتُهُمَا عَنْ عُثْمَانَ مُرْسَلَةٌ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِالْمَوْقُوفَاتِ، وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً مُتَّصِلَةً وَأَمَّا أَثَرُ أَبِي قِلَابَةَ فَمِنْ الَّذِينَ كَانَ يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ لَوْ سَمَّى جَمْعًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمِّ عَنْهُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِلَافٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ: " كَانَ يُعْجِبُهُمْ " ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَمَنْ تَبَرَّعَ بِصَدَقَةٍ عَنْ حَمْلٍ رَجَاءَ حِفْظِهِ وَسَلَامَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَأْسٌ، وَقَدْ نُقِلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ مُخَالَفَةِ ابْنِ حَزْمٍ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ذَكَرَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَمِمَّنْ حُفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ وَلَا يُوجِبُهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ خِلَافُ مَا قُلْنَاهُ اهـ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِوُجُوبِ إخْرَاجِهَا عَنْ الْجَنِينِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِيمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُ وَمِنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ عَمَّنْ وُلِدَ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِ الْفِطْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَكَذَا مَا حَكَاهُ عَنْ اللَّيْثِ فِيمَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْفِطْرِ أَنَّ عَلَى أَبِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ قَالَ وَأُحِبُّ ذَلِكَ لِلنَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَلَا أَرَاهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَالَ وَالِدِي فَقَدْ صَرَّحَ اللَّيْثُ فِيهِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ وَقْتُ إخْرَاجِهَا إلَى آخِرِ يَوْمِ الْفِطْرِ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ يُدْرِكُ وَقْتَ أَدَائِهَا، ثُمَّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعَ كَوْنِ ابْنِ حَزْمٍ قَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْجَنِينِ فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ فَقَالَ إنَّ الصَّغِيرَ لَا يَجِبُ عَلَى أَبِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيُخْرِجُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَيْفَ لَا يُوجِبُ زَكَاتَهُ عَلَى أَبِيهِ وَالْوَلَدُ حَيٌّ مَوْجُودٌ وَيُوجِبُهَا وَهُوَ مَعْدُومٌ لَمْ يُوجَدْ؟ فَإِنْ قُلْت يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلْحَمْلِ مَالٌ قُلْتُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْحَمْلُ لَمْ نُمَلِّكْهُ وَهُوَ جَنِينٌ فَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُولَدَ وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجِبُ لِلْأُمِّ الْحَامِلِ لَا لِلْحَمْلِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَهِيَ لَا تَسْقُطُ اهـ كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَبَعْضُهُ بَعْدَهُ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ مَا لَمْ يَكْمُلْ خُرُوجُهُ مُنْفَصِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ تجب الزَّكَاة عَلَى الْكَافِر فِي عَبْده أَوْ نَفْسه] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا مِنْ بَيْنِ الثِّقَاتِ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الَّتِي فِي آخِرِ الْجَامِعِ وَرُبَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثٍ إنَّمَا يُسْتَغْرَبُ لِزِيَادَةٍ تَكُون فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِ مِثْلُ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ وَزَادَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» قَالَ وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَمْ يَنْفَرِدْ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» بَلْ قَدْ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِمْ وَاخْتَلَفَ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي زِيَادَتِهَا وَهُمْ عَشْرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَكَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَالْمُعَلَّى بْنُ إسْمَاعِيلَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَأَخُوهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا فِي زِيَادَتِهَا، فَأَمَّا رِوَايَةُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمُعَلَّى بْنِ إسْمَاعِيلَ فَرَوَاهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فَرَوَاهَا الطَّحَاوِيُّ فِي بَيَانِ الْمُشْكِلِ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَأَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّتِي أَتَى فِيهَا بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» فَرَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ فَذَكَرهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْ ابْنِ شَوْذَبَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ عَبْدٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ وَقَرِيبٍ مُسْلِمِينَ فَأَمْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُؤَدِّي ابْتِدَاءً أَمْ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُ الْمُؤَدِّي وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُهَا عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجِبَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَكُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا صَدَقَةَ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَاغْتَرَّ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي نَقْلِ هَذَا الِاتِّفَاقِ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلَا وُجُوبَ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ مَشْهُورٌ أَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ إخْرَاجُ الْمُسْلِمِ عَنْ قَرِيبِهِ وَعَبْدِهِ الْكَافِرَيْنِ فَلَا يَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْوُجُوبِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَحُكِيَ قَبْلَ ذَلِكَ الْأَوَّلُ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَاعْتَرَضَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ لِهَذَا بِقَوْلِهِ «مِنْ الْمُسْلِمِينَ» بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُهَا عَنْ الْمُسْلِمِ فِي الْكُفَّارِ مِنْ رَقِيقِهِ وَلَا إيجَابُهَا قَالَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْنَا زَكَاةُ الْفِطْرِ إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ رَقِيقِنَا فَقَطْ وَلَكِنْ وَجَدْنَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» قَالَ فَأَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ عُمُومًا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى السَّيِّدِ عَنْ رَقِيقِهِ لَا عَلَى الرَّقِيقِ (قُلْت) يُخَصُّ عُمُومُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِذِكْرِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لَا الْمُؤَدِّيَ. [فَائِدَة وَقْت خُرُوج الزَّكَاة] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِي قَوْلِهِ «وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» أَنَّ الْأَفْضَلَ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى ذَلِكَ فَجَعَلُوا تَأْخِيرَهَا عَنْ الصَّلَاةِ مَكْرُوهًا وَذَلِكَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الِاسْتِحْبَابِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي مِنْهُمْ لَيْسَ ذَلِكَ بِمَكْرُوهٍ وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ بِالْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَعِبَارَتُهُ وَوَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مُمْتَدٌّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ الشَّمْسُ وَتَحِلَّ الصَّلَاةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ أَمَرَ مُحْتَمِلَةٌ لِلِاسْتِحْبَابِ كَاحْتِمَالِهَا لِلْإِيجَابِ وَلَيْسَتْ ظَاهِرَةً فِي أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ صِيغَةِ افْعَلْ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَمَّا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ اقْتَصَرْنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُتَيَقَّنُ وَالزِّيَادَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى ذَلِكَ مَشْكُوكٌ فِيهَا ثُمَّ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ إخْرَاجِهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الْكَحَّالَ قَالَ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ وَلَمْ يُعْطِهَا قَالَ نَعَمْ إذَا أَعَدَّهَا لِقَوْمٍ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى اهـ. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ إخْرَاجِهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيد مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ. [فَائِدَة تَقْدِيم الزَّكَاة قَبْل حُلُول وَقْتهَا] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» حُجَّةٌ لِجَوَازِ تَقْدِيمِ إخْرَاجِهَا قَبْلَ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ مَنَعَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَصْلًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَبِيتِ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً وَثَانِيَةً وَثَالِثَةً» . وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّ تِلْكَ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ إلَّا عِنْدَ مَنْ شَذَّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ تَأْخِيرَهَا فِي شَوَّالٍ لِكَوْنِ أَهْلِهَا لَمْ يُوجَدُوا، وَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ كَثِيرُونَ فَقَدْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ ضِيقُ الْعَيْشِ وَالِاحْتِيَاجِ. وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ هُنَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ الْفِطْرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ التَّقْدِيمِ فَاقْتَصَرَ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَقْدِيمِهَا بِيَوْمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا مِنْ بَعْدِ نِصْفِ الشَّهْرِ كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالدَّفْعُ مِنْ مُزْدَلِفَةٍ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَاشْتُهِرَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ جَوَازُ تَعْجِيلِهَا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ وَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِمْ جَوَازَ تَعْجِيلِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ جَوَازَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ. وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا سَنَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَسَنَتَيْنِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ آخَرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ وَبَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ فِي الصَّوْمِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَتَمَسَّكَ أَكْثَرُهُمْ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ بِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا رَمَضَانُ وَالْفِطْرُ مِنْهُ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْفِطْرُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا مَعًا كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ وَإِذَا ثَبَتَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ جَوَازُ تَعْجِيلِهَا لَمْ يَبْقَى لِذَلِكَ ضَابِطٌ شَرْعِيٌّ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ. (فَإِنْ قُلْت) لَا حُجَّةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ (قُلْت) بَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمَيْ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا حُكْمُهُ الرَّفِيعُ وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِعَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُرَجَّحِ الْمُخْتَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة ضَابِط مِنْ يَخْرَج الزَّكَاة] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) لَمْ يُقَيَّدْ فِي الْحَدِيثِ افْتِرَاضُ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالْيَسَارِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ انْتَهَى. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَابِطِ ذَلِكَ فَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنْ يَمْلِكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ مِمَّا يُؤَدَّى فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ انْتَهَى وَغَايَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَقَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَاهُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إذَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ الْمَرْءِ وَقُوتِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوتَهُ مِقْدَارُ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّ ابْنَ شَاسٍ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا زَكَاةَ عَلَى مُعْسِرٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ لَهُ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ صَاعٌ وَلَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ إيَّاهُ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ وَلَا وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ إيَّاهُ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُجْحِفُ بِهِ فِي مَعَاشِهِ إخْرَاجُهَا وَقِيلَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَحَدُهَا ثُمَّ قِيلَ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَخْذُهَا إنَّهُ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَقِيلَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مَا قِيمَتُهُ قِيمَةُ نِصَابٍ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَأَثَاثِهِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَلَا يُحْفَظُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ وَإِلَّا فَهُوَ فَقِيرٌ قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا انْتَهَى. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ قَالَ مَعْمَرٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ كَانَ يَرْوِيهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صَغِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَدُّوا صَاعًا مِنْ قَمْحٍ أَوْ قَالَ بُرٍّ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِمَّا أُعْطِيَ» . وَمَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ إلَى مَقَالَةِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ لَهُ قَوِيَّةٌ فَإِنَّ الْفَقِيرَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِهَا مِنْهُ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِعْطَائِهَا لَهُ وَحَدِيثُ ثَعْلَبَةَ لَا يُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ وَلَا الْأُصُولَ الْقَوِيَّةَ، وَقَدْ قَالَ «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا غَنِيًّا فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ انْتَهَى وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ التَّمَسُّكُ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ ثَعْلَبَةَ وَإِنَّمَا التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ» . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ هُوَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ إلَّا أَنَّا اعْتَبَرْنَا الْقُدْرَةَ عَلَى الصَّاعِ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ فَأَخْرَجْنَا عَنْ ذَلِكَ الْعَاجِزَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مصرف الزَّكَاة] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّصْرِيحِ بِمَصْرِفِ زَكَاةِ الْفِطْرِ لَكِنْ اُسْتُدِلَّ بِتَسْمِيَتِهَا زَكَاةً عَلَى أَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُ الزَّكَوَاتِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْفَقِيرِ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذِمِّيٍّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْطُونَ مِنْهَا الرُّهْبَانَ. اخْتَلَفَ الْأَوَّلُونَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَأَنْ يُعْطِيَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةً كَمَا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بِالْأَوَّلِ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك» وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ؛ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» ..   Qوَابْنُ حَزْمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنَّ شَقَّتْ الْقِسْمَةُ جَمَعَ جَمَاعَةٌ فِطْرَتَهُمْ ثُمَّ قَسَّمُوهَا، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِطْرَتَهُ لِوَاحِدٍ بَلْ يَجُوزُ إعْطَاءُ فِطْرَةِ جَمَاعَةٍ لِوَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ. كَذَا اخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازَ الصَّرْفِ إلَى وَاحِدٍ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ أَوْ الْفُقَرَاءِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَهُ الصَّرْفُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ وَصَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ. {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَالْبَادِيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ وَذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ. [بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ وَالتَّعَفُّفِ] [حَدِيث إنَّ اللَّهَ قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك] (بَابُ فَضْلِ الصَّدَقَةِ وَالتَّعَفُّفِ) {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك» {الْحَدِيثُ الثَّانِي} وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ، قَالَ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» (فِيهِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَوَائِدُ: {الْأُولَى} جَمَعَ مُسْلِمٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَأَخْرَجَهُمَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الثَّانِيَ مِنْهُمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْفَيْضُ أَوْ الْقَبْضُ وَأَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «يَدُ اللَّهِ» ، وَقَالَ «بِيَدِهِ الْمِيزَانُ بَدَلَ الْقَبْضِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْك» . {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «أَنْفِقْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَمْرٌ بِالْإِنْفَاقِ، وَقَوْلُهُ أُنْفِقْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ وَعَدَ بِالْخَلَفِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] فَيَتَضَمَّنُ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالتَّبْشِيرَ بِالْخَلَفِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِي، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَا ابْنَ آدَمَ، وَلَا شَكَّ فِي عُمُومِ هَذَا الْأَمْرِ وَتَخْصِيصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذِّكْرِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِكَوْنِهِ رَأْسَ النَّاسِ فَيُوَجَّهُ الْخِطَابُ إلَيْهِ فَيُبَلِّغُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ، وَفِي إطْلَاقِ النَّفَقَةِ وَعَدَمِ تَقْيِيدِهَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ. [الْيَمِين إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمُنَاسَبَة لِلشِّمَالِ لَا يُوصَف بِهَا الْبَارِئ عَزَّ وَجَلّ] 1 {الثَّالِثَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ هَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ لِلشِّمَالِ لَا يُوصَفُ بِهَا الْبَارِئُ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ الشِّمَالِ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ التَّحْدِيدَ وَيَتَقَدَّسُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ التَّجْسِيمِ وَالْحَدِّ، وَإِنَّمَا خَاطَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْقُصُهُ الْإِنْفَاقُ وَلَا يُمْسِكُ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ جَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَعَبَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَوَالِي النِّعَمِ يَصِحُّ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الْبَاذِلَ مِنَّا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ فَأَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِخَارِجَتَيْنِ إذْ الْيَدَانِ الْخَارِجَتَانِ يَمِينٌ وَشِمَالٌ. قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَأَنَّ الْمَقْصُورَاتِ تَقَعُ بِهَا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَخْتَلِفُ قُوَّةً وَضَعْفًا كَمَا يَخْتَلِفُ فِعْلُنَا بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَمُشَابَهَةِ الْمُحْدَثِينَ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ مَحَلِّ عَطَائِهِ وَوَصَفَهَا بِالِامْتِلَاءِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا فَجَعَلَهَا كَالْعَيْنِ الثَّرَّةِ الَّتِي لَا يَغِيضُهَا الِاسْتِقَاءُ وَلَا يُنْقِصُهَا الِامْتِيَاحُ وَخَصَّ الْيَمِينَ لِأَنَّهَا فِي الْأَكْثَرِ مَظِنَّةُ الْعَطَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ اهـ. {الرَّابِعَةُ} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ مَلْأَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ تَأْنِيثُ مَلْآنَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُلَاءٌ مِثْلُ دُعَاءٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَالَ قِيلَ يَصِحُّ هَذَا عَلَى نَقْلِ الْهَمْزَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَلْآنُ بِزِيَادَةِ نُونٍ، وَقَالُوا إنَّهَا غَلَطٌ مِنْ ابْنِ نُمَيْرٍ رَاوِيهَا وَأَنَّ الصَّوَابَ مَلْأَى كَمَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ ضَبَطُوا رِوَايَةَ ابْنِ نُمَيْرٍ بِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) إسْكَانُ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَ (الثَّانِي) مَلَانُ بِفَتْحِ اللَّامِ بِلَا هَمْزٍ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ بَالِغِينَ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَا يُنْقِصُهَا يُقَالُ غَاضَ الْمَاءُ وَغَاضَهُ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ. {السَّادِسَةُ} قَوْلُهُ سَحَّاءَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ مَمْدُودٌ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ بِالْمَدِّ عَلَى الْوَصْفِ وَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَقَالَ أَيْ دَائِمَةَ الصَّبِّ وَالْهَطْلِ بِالْعَطَاءِ يُقَالُ سَحَّ يَسِحُّ أَيْ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا سَحًّا فَهُوَ سَاحٌّ وَالْمُؤَنَّثَةُ سَحَّاءُ وَهِيَ فَعَلَاءُ لَا أَفْعَلَ لَهَا كَهَطْلَاءَ انْتَهَى. وَضَبَطَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَبِي بَحْرٍ سَحًّا بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِهِمْ إلَّا الصَّدَفِيَّ وَابْنَ عِيسَى، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَوْلُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ لَا يَغِيضُهَا سَحُّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِالْإِضَافَةِ وَرَفْعِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ بِنَصَبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَرَفْعِهِمَا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ. [فَائِدَة يَمِينَهُ تَعَالَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ] 1 {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ» كَالدَّلِيلِ وَالشَّاهِدِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ يَمِينَهُ تَعَالَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ وَلَمَّا ذَكَرَ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ اسْتَشْعَرَ الْخَاطِرُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى الْمَاءِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ كَانَ قَبْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ «جِئْنَا لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَك عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ «خَلَقَ يَاقُوتَةً خَضْرَاءَ فَنَظَرَ إلَيْهَا بِالْهَيْبَةِ فَصَارَتْ مَاءً يَرْتَعِدُ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ يَرْتَعِدُ الْمَاءُ إلَى الْآنَ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا؛ ثُمَّ خَلَقَ الرِّيحَ فَجَعَلَ الْمَاءَ عَلَى مَتْنِهَا ثُمَّ وَضَعَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ، قَالَ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ. {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ هُوَ بِالْقَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّهُ الْمَوْجُودُ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ. قَالَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ. قَالَ وَمَعْنَاهُ الْمَوْتُ. (قُلْت) لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِالْمَوْتِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِيَتَنَاوَلَ قَبْضَ الرِّزْقِ وَغَيْرَهُ وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْقَابِضُ وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُمْسِكُ الرِّزْقَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ عَنْ الْعِبَادِ بِلُطْفِهِ وَحِكْمَتِهِ وَيَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، وَالتَّفْسِيرُ بِالْأَعَمِّ مُنَاسِبٌ لِذِكْرِهِ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ أَوَّلًا أَنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى إلَى آخِرِهِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْفَيْضُ بِالْفَاءِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَالضَّادُ الْمُعْجَمَةُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْقَابِسِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْفَيْضُ أَوْ الْقَبْضُ عَلَى الشَّكِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَعْنَاهُ إنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْإِحْسَانُ وَالْعَطَاءُ وَالرِّزْقُ الْوَاسِعُ. قَالَ وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْقَبْضِ الَّذِي فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ الْمَوْتُ. قَالَ الْبَكْرَاوِيُّ الْفَيْضُ الْمَوْتُ قَالَ الْقَاضِي قَيْسٌ يَقُولُونَ فَاضَتْ نَفْسُهُ بِالضَّادِ إذَا مَاتَ، وَطَيْءٌ تَقُولُ فَاظَتْ نَفْسُهُ بِالظَّاءِ وَقِيلَ مَتَى ذُكِرَتْ النَّفْسُ فَبِالضَّادِ وَإِذَا لَمْ تُذْكَرْ فَبِالظَّاءِ وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَكُونُ أَثَرُ ذَلِكَ الْفَيْضِ قَبْلَ الْمَوْتِ انْتَهَى. [فَائِدَة تَقْدِيرِ الرِّزْقِ بِيَدِ اللَّه] {التَّاسِعَةُ} قَوْلُهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ قِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْدِيرِ الرِّزْقِ يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُوَسِّعُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ يَكُونَانِ عِبَارَةً عَنْ تَصَارِيفِ الْمَقَادِيرِ بِالْخَلْقِ بِالْعِزَّةِ وَالذُّلِّ كَمَا قَالَ {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْخَافِضُ وَالرَّافِعُ وَفُسِّرَ الْخَافِضُ بِأَنَّهُ الَّذِي يَخْفِضُ الْجَبَّارِينَ وَالْفَرَاعِنَةَ أَيْ يَضَعُهُمْ وَيُهِينُهُمْ وَيَخْفِضُ كُلَّ شَيْءٍ يُرِيدُ خَفْضَهُ وَفُسِّرَ الرَّافِعُ بِأَنَّهُ الَّذِي يَرْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِسْعَادِ وَأَوْلِيَاءَهُ بِالتَّقْرِيبِ. {الْعَاشِرَةُ} ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qوَالْبَسْطُ، وَقَالَ فَكَأَنَّهُ أَفْهَمَ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ قُدْرَتُهُ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَفْعَلُ بِهَا الْمُخْتَلِفَاتِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِينَا لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا بِيَدَيْنِ عَبَّرَ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ لِيُفْهِمَهُمْ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِمَا اعْتَادُوهُ مِنْ الْخِطَابِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَاعْتَرَضَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ لَفْظَةُ الْبَسْطِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلُهُ الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ (قُلْت) وَكَذَا لَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَا غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ الْمَذْكُورَانِ مِنْ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْتِيرِ الرِّزْقِ وَسَعَتِهِ أَوْ قَبْضِ الْأَرْوَاحِ بِالْمَوْتِ وَبَسْطِهَا فِي الْأَجْسَادِ بِالْحَيَاةِ أَوْ قَبْضِ الْقُلُوبِ بِتَضْيِيقِهَا وَإِيحَاشِهَا عَنْ الْهِدَايَةِ أَوْ بِالْخَوْفِ وَالْهَيْبَةِ وَبَسْطِهَا بِتَأْنِيسِهَا وَشَرْحِهَا لِلْهِدَايَةِ وَالْإِيمَانِ أَوَبِالرَّجَاءِ وَالْأُنْسِ، وَقَدْ قِيلَ مَعَانِي هَذَا كُلِّهِ فِي تَفْسِيرِ اسْمَيْهِ تَعَالَى الْقَابِضُ وَالْبَاسِطُ انْتَهَى. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ الرِّزْقِ وَمَقَادِيرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ جُمْلَةِ الْمَقَادِيرِ انْتَهَى وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} خَطَرَ لِي فِي قَوْلِهِ " وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ " مَا لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ وَلَسْت مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ الْأُخْرَى صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَبِيَدِهِ الصِّفَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْقَبْضُ، فَهُوَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَثْرَةَ الْإِنْفَاقِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا صِفَةَ لَهُ سِوَى الْبَسْطِ فَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ الصِّفَةَ الْأُخْرَى وَهِيَ الْقَبْضُ فَهُوَ الْبَاسِطُ الْقَابِضُ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ الْأُخْرَى صِفَةً لِلْيَدِ، وَقَوْلُهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ مُتَعَلِّقٌ بِالصِّفَتَيْنِ مَعًا لَا بِالثَّانِيَةِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ يَرْفَعُ بَيَانٌ لِصِفَةِ الْبَسْطِ، وَقَوْلُهُ وَيَخْفِضُ بَيَانٌ لِصِفَةِ الْقَبْضِ. 1 - {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} (إنْ قُلْت) وَجْهُ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ الثَّانِي عَلَى فَضْلِ الصَّدَقَةِ (قُلْت) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي التَّخَلُّقُ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ أَوْصَافِهِ الْحُسْنَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى إخْلَافِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُنْفِقُهُ الْعَبْدُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَثْرَةِ إنْفَاقِهِ تَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ [حَدِيث لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ] {الْحَدِيثُ الثَّالِثُ} وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي الْحَقِّ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» ..   Qالْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي الْحَقِّ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ سَمِعْت مِنْ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ، أَيْ يَذْكُرُ أَخْبَارَ الزُّهْرِيِّ لَهُ إنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ قَالَ الزُّهْرِيُّ. قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِهِ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحَسَدُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ؛ وَأَمَّا الْمُجَازِي فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ لَا غِبْطَةً مَحْمُودَةً إلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا انْتَهَى وَلِهَذَا بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا بَابُ الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْحَسَدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَجَازٌ، وَإِنَّمَا هُوَ اغْتِبَاطٌ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْإِنْفَاقِ وَالْقِرَاءَةِ عَنْ صَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُهَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «لَا تَحَاسُدَ إلَّا فِي اثْنَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ وَآنَاءِ النَّهَارِ فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ هَذَا فَعَلْت كَمَا يَفْعَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتَى هَذَا عَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ مَرْفُوعًا «إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْحَسَدَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي هُوَ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَذْمُومٍ بَلْ مَحْمُودٌ مِثْلُ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ الْكَافِرِ أَوْ عَمَّنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا غِبْطَةَ أَعْظَمَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ الْغِبْطَةِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (قُلْت) فَكَأَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِعِظَمِ الْغِبْطَةِ فِيهِمَا بُولِغَ فِي شَأْنِهِمَا حَتَّى نُفِيَتْ الْغِبْطَةُ عَمَّا سِوَاهُمَا كَأَنَّ الْغِبْطَةَ فِي غَيْرِهِمَا لَيْسَتْ غِبْطَةً بِالنِّسْبَةِ لِعِظَمِ الْغِبْطَةِ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «رَجُلٌ» مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا خَصْلَةَ «رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا» ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ بِهِ تِلَاوَتَهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَهُوَ يَتْلُوهُ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ وَآنَاءِ النَّهَارِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ بِهِ تَفَهُّمُهُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْهُ وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ وَتَعْلِيمُهُ لِلنَّاسِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحِكْمَةُ كُلُّ مَا مَنَعَ مِنْ الْجَهْلِ وَزَجَرَ عَنْ الْقَبِيحِ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَهُوَ يَتْلُوهُ» مَعْنَاهُ يَتْبَعُهُ مِنْ التُّلُوِّ لَا مِنْ التِّلَاوَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ الِاحْتِمَالَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: 92] وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ بِهِ الْأَمْرَانِ تِلَاوَتُهُ وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ وَتَعْلِيمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ قِيَامٌ بِهِ، وَقَدْ قَامَ عَلَى إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ وَهَذَا أَظْهَرُ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالتِّلَاوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - {الْخَامِسَةُ} وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ لِلنَّاسِ دَاخِلًا فِي الْقِيَامِ بِهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِهِ أَمْ يَدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمٌ بِأُجْرَةٍ أَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا مَعْنَاهُ يَعْمَلُ بِهَا وَيُعَلِّمُهَا احْتِسَابًا. {السَّادِسَةُ} وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بِهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ احْتِسَابًا، وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ» ..   Qابْنِ مَسْعُودٍ بَابَ أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ. {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «آنَاءَ اللَّيْلِ» بِالْمَدِّ أَيْ سَاعَاتُهُ وَوَاحِدُ الْآنَاءِ إنَاءٌ وَأنَاءٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَإِنْوٌ وَإِنْيٌ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ. [فَائِدَة حقوق الْإِنْفَاق] {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ «فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي الْحَقِّ» أَيْ فِي الطَّاعَاتِ وَالْحَقُّ هُنَا وَاحِدُ الْحُقُوقِ وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا ضِدُّ الْبَاطِلِ وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاحُ بَاطِلًا، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إنْفَاقُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. (الْأَوَّلُ) أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُقَتِّرٍ عَمَّا يَجِبُ لَهُمْ وَلَا مُسْرِفٍ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَهَذِهِ النَّفَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ جَمِيعِ النَّفَقَاتِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ وَجَبَ لَهُ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) صِلَةُ الْأَهْلِ الْبُعَدَاءِ وَمُوَاسَاةُ الصِّدِّيقِ وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ كُلُّهَا؛ فَهَذِهِ نَفَقَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . {التَّاسِعَةُ} أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ، وَقَالَ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ قِرَاءَتَهُ الْكِتَابَ هُوَ فِعْلُهُ، وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] ، وَقَالَ {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] . {الْعَاشِرَةُ} لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الرَّجُلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ. 1 - {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ الْغَنِيَّ إذَا قَامَ بِشُرُوطِ الْمَالِ وَفَعَلَ فِيهِ مَا يُرْضِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ [حَدِيث الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى] {الْحَدِيثُ الرَّابِعُ} وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ اخْتَلَفَ عَلَى أَيُّوبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ «الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةُ» ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ «الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ» ، وَقَالَ وَاحِدٌ الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَلْ قَالَهُ عَنْ حَمَّادٍ اثْنَانِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ كَمَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لِيُوسُفَ الْقَاضِي وَمُسَدَّدٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ. قَالَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْهُ الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَالَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ الْمُنْفِقَةُ رَوَيْنَاهُمَا كَذَلِكَ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ الْمُتَعَفِّفَةُ أَشْبَهُ وَأَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا الْكَلَامُ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ مِنْهَا فَعَطَفَ الْكَلَامَ عَلَى سَبَبِهِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يُطَابِقُهُ فِي مَعْنَاهُ أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ عَلِمْته فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظِهِ أَيْ عَلَى مَالِكٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَيُّوبَ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَشْبَهُ وَأَوْلَى بِالْأُصُولِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْمُتَعَفِّفَةُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ طَارِقٍ الْحَازِمِيِّ قَالَ «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّك وَأَبَاك وَأُخْتَك وَأَخَاك ثُمَّ أَدْنَاك أَدْنَاك» ذَكَرَهُ النِّسْوِيُّ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ كَذَا فِي الْمُوَطَّإِ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْمَسْأَلَةُ بِالْوَاوِ بَدَلٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالتَّعَفُّفُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتَّعَفُّفُ مِنْهَا وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا أَيْ وَالتَّعَفُّفُ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ. [فَائِدَة كَلَام الخطيب بِكُلِّ مَا يصلح وَمَا يَكُون مَوْعِظَة أَوْ عِلْمًا أَوْ قربة إلَى اللَّه] 1 {الثَّالِثَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ إبَاحَةُ الْكَلَامِ لِلْخَطِيبِ بِكُلِّ مَا يَصْلُحُ وَمَا يَكُونُ مَوْعِظَةً أَوْ عِلْمًا أَوْ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى (قُلْت) لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَدْ كَانَ يَرْقَى الْمِنْبَرَ فِيمَا يَهُمُّ مِنْ حَادِثَةٍ وَمَوْعِظَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - {الرَّابِعَةُ} فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهَا الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِ رِوَايَةِ الْمُنْفِقَةِ وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ الرِّوَايَتَيْنِ فَالْمُنْفِقَةُ أَعْلَى مِنْ السَّائِلَةِ وَالْمُتَعَفِّفَةُ أَعْلَى مِنْ السَّائِلَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَفِيهِ تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ أَنَّ السُّفْلَى الْمَانِعَةُ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْعُلْيَا الْآخِذَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَخَذَتْ كَانَتْ فَوْقَ السُّفْلَى قَالَ الْقَاضِي وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ يَرُدُّهُمَا مَا نَصَّ فِي الْحَدِيثِ مِنْ التَّفْسِيرِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَقَالَةَ الْخَطَّابِيِّ إنَّهَا الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْعُلْيَا الْآخِذَةُ وَالسُّفْلَى الْمَانِعَةُ حَكَاهُ الْقَاضِي انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مَقَالَةٌ لِقَائِلٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ عَرَفْت مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُمَا مَقَالَتَانِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْآخِذَةُ مَحْكِيٌّ عَنْ الصُّوفِيَّةِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مُصَادِمٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَيْسَتْ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا الْمُعْطَاةُ وَالْمُعْطِيَةُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ السَّائِلَةُ وَالْمَسْئُولَةُ وَلَيْسَتْ كُلُّ سَائِلَةٍ تَكُونُ خَيْرًا مِنْ الْمَسْئُولَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَ وَأَظْهَرَ مِنْ الْفَقْرِ فَوْقَ مَا بِهِ وَأَمَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ لِيُكَافِئَ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَطْعَمَ الْخَضِرُ وَمُوسَى أَهْلَ الْقَرْيَةِ. قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ لِلْمُعْطِيَةِ وَالْأَجْرَ. وَأَمَّا مَنْ سَأَلَ مُظْهِرًا لِلْفَقْرِ فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ فِي مِثْلِهِ بَلْ فِيمَنْ يَجُوزُ سُؤَالُهُ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا وَالْيَدُ السُّفْلَى الْمَانِعَةُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْخَطَّابِيَّ رَجَّحَ كَوْنَ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةَ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لِقَوْلِهِ لَمَّا سَمِعَ هَذَا: وَمِنْك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَمِنِّي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَك شَيْئًا، قَالَ وَلَا يُتَوَهَّمُ عَلَى حَكِيمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ يَدَهُ خَيْرٌ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا فُهِمَ أَنَّهَا الْمُتَعَفِّفَةُ قَالَ الْقَاضِي هَذَا لَا يَظْهَرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ حَكِيمًا إنَّمَا رَاعَى ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا فِي حَقِّهِ «وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا عَابَ عَلَى حَكِيمٍ كَثْرَةَ السُّؤَالِ» ؛ لِأَنَّ فِيهِ سَأَلْته فَأَعْطَانِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ انْتَهَى قُلْت «فَهِمَ حَكِيمٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَمَّ الْأَخْذِ فَقَالَ وَمِنْك أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَخْذُ مِنْك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَيَدُ السَّائِلِ سُفْلَى فَلَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتَنَعَ مِنْ الْأَخْذِ بَعْدَ ذَلِكَ مُطْلَقًا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى الْعُلْيَا هُوَ أَنَّ يَدَ الْمُعْطِي مُسْتَعْلِيَةٌ فَوْقَ يَدِ الْآخِذِ يَجْعَلُونَهُ مِنْ عُلُوِّ الشَّيْءِ إلَى فَوْقَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِالْوَجْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عَلَاءِ الْمَجْدِ وَالْكَرْمِ يُرِيدُ بِهِ التَّرَفُّعَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّعَفُّفَ عَنْهَا وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُمَرَ قَالَ أَنْشَدَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ أَنْشَدَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي مَعْنَاهُ. إذَا كَانَ بَابُ الذُّلِّ مِنْ جَانِبِ الْغِنَى ... سَمَوْتُ إلَى الْعَلْيَاءِ مِنْ جَانِبِ الْفَقْرِ يُرِيدُ التَّعَزُّزَ بِتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهَ عَنْهَا انْتَهَى. فَكَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْمُعْطِيَةُ وَثَانِيًا عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِي ذَلِكَ وَكَوْنُ الْعُلْيَا مِنْ الْعَلَاءِ وَهُوَ الْعُلُوُّ الْمَعْنَوِيُّ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْعُلْوِيِّ عُلُوُّ الْفَضْلِ وَالْمَجْدِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ. [فَائِدَة الْإِنْفَاق فِي وُجُوه الطَّاعَات] {السَّادِسَةُ} فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الطَّاعَةِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالتَّطَوُّعَاتِ الْمُطْلَقَةَ. 1 - {السَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَرْجِيحِ الْغِنَى مَعَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ عَلَى الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْغِنَى وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَمَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ الْفَضْلَ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ خَيْرٌ فِي الْإِفْضَالِ وَالْإِعْطَاءِ وَأَعْلَى هِمَّةً وَأَعْظَمُ مَجْدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - {الثَّامِنَةُ} لَمْ يَذْكُرْ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَعَفِّفَةَ عَنْ الْآخِذِ وَلَا الْآخِذُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السَّائِلَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَعَفِّفَةِ عَنْ الْأَخْذِ وَالْآخِذَةِ بِغَيْرِ سُؤَالٍ لَيْسَتْ عُلْيَا وَلَا سُفْلَى فَإِنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ بِمَعَالِي الْأُمُورِ فِي الِاكْتِسَابِ وَالْإِفْضَالِ وَالْإِنْفَاقِ وَلَا بِتَسَفُّلِ الِاكْتِسَابِ وَدَنَاءَتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُلْيَا أَيْضًا لَكِنَّ عُلُوَّهَا دُونَ عُلُوِّ الْمُنْفِقَةِ، وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا سُفْلَى لِعَدَمِ أَخْذِهَا بِمَعَالِي الْأُمُورِ فِي الْإِنْفَاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ الْمُنْفِقَةُ ثُمَّ الْمُتَعَفِّفَةُ عَنْ الْأَخْذِ ثُمَّ الْآخِذَةُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ ثُمَّ السَّائِلَةُ وَدَرَجَاتُ الْعُلُوِّ وَالتَّسَفُّلُ مُتَفَاوِتَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفِقُ حَقِيقَةً، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الْفَضْلَ وَلَا تَعْجِزَ عَنْ نَفْسِك» وَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا اقْتَصَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الْمُنْفِقَةِ وَالسَّائِلَةِ لِحَضِّهِ عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ مِنْ وَجْهِهِ وَذَمِّهِ الِاكْتِسَابَ بِالسُّؤَالِ فَإِنَّهُ أَرْذَلُ الْمَكَاسِبِ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتَسِبْ احْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ وَلِهَذَا قَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ: وَإِيَّاكُمْ وَالْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ، ذَلِكَ بِأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا وَيَدُ الْآخِذِ السُّفْلَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فَلَمْ يُقَيِّدْ الْآخِذَ بِالسُّؤَالِ وَهُوَ يَقْتَضِي كَوْنَ يَدِهِ سُفْلَى وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيُقَالُ الْمُرَادُ الْآخِذُ مَعَ السُّؤَالِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ هَذَا لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ فِي التَّبْوِيبِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَالسُّفْلَى الْآخِذَةُ. [فَائِدَة كَرَاهَةُ السُّؤَالِ وَالتَّنْفِيرَ عَنْهُ] {التَّاسِعَةُ} فِيهِ كَرَاهَةُ السُّؤَالِ وَالتَّنْفِيرَ عَنْهُ بِتَسْمِيَةِ الْيَدِ السَّائِلَةِ سُفْلَى وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَإِنْ كَانَتْ بِهِ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا غَيْرَ مُكْتَسِبٍ وَخَافَ هَلَاكَهُ فَلَا بَأْسَ بِالسُّؤَالِ حِينَئِذٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ: التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ السُّؤَالَ وَاجِبٌ فِي مَوْضِعٍ جَائِزٌ فِي آخَرَ حَرَامٌ فِي آخَرَ مَنْدُوبٌ عَلَى طَرِيقٍ فَأَمَّا وُجُوبُهُ فَلِلْمُرِيدِينَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَظَاهِرِ حَالِهِمْ وَلِلْأَوْلِيَاءِ لِلِاقْتِدَاءِ وَجَرْيًا عَلَى عَادَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ أَلَا تَرَى إلَى سُؤَالِ مُوسَى وَالْخَضِرِ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ طَعَامًا وَهُمَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَنْزِلَةِ الْمَعْلُومَةِ؟ . فَالتَّعْرِيفُ بِالْحَاجَةِ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْشَدَ لِبَعْضِهِمْ لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنْ الْقَنُوعِ قَالَ وَإِذَا كَمُلَتْ لِلْمَرْءِ مَفَاقِرُهُ وَارْتَفَعَتْ حَاجَاتُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ تَكَثُّرًا ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ السُّؤَالُ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَمَّا وُجُوبُهُ فَلِلْمُحْتَاجِ وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَلِمَنْ يُعَيِّنُهُ وَيُبَيِّنُ حَاجَتَهُ إنْ اسْتَحْيَا هُوَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ رَجَا أَنْ يَكُونَ بَيَانُهُ أَنْفَعَ وَأَنْجَحَ مِنْ بَيَانِ السَّائِلِ كَمَا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُ لِغَيْرِهِ» انْتَهَى. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ دُونَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْخَامِسِ وَهُوَ قِسْمُ الْمَكْرُوهِ، فَأَمَّا تَمْثِيلُهُ لِلْوَاجِبِ بِسُؤَالِ الْمُحْتَاجِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا قِسْمُ الْمَكْرُوهِ فَسُؤَالُهُ لِلسُّلْطَانِ مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَقَدْ جَمَعَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بِقَوْلِهِ «إلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ» فَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ السُّؤَالُ الْوَاجِبُ قَالَ: وَأَمَّا تَمْثِيلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ السُّؤَالَ الْوَاجِبَ بِالْمُرِيدِينَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبِسُؤَالِ الْأَوْلِيَاءِ لِلِاقْتِدَاءِ وَتَمْثِيلُهُ بِسُؤَالِ مُوسَى وَالْخَضِرِ طَعَامًا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى سُؤَالِ الْمُرِيدِينَ فِي ابْتِدَائِهِمْ اسْمُ الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ يُهَذِّبُونَ أَخْلَاقَ الْمُرِيدِينَ بِفِعْلِ ذَلِكَ لِكَسْرِ أَنْفُسِهِمْ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحُهُمْ، فَأَمَّا الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ فَلَا. وَأَمَّا سُؤَالُ الْخَضِرِ وَمُوسَى فَلَا يَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمَّةَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ الْخَضِرِ لِحِكْمَةٍ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَيُبَيِّنَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا يَنْتَهِي الْحَالُ إلَيْهِ فِي الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ انْتَهَى. وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ السُّؤَالُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ مَا إذَا قَدَرَ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ حَرَامٌ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمِمَّا وَرَدَ فِي سُؤَالِ الْمُحْتَاجِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا الْمُعْطِي مِنْ سَعَةٍ بِأَفْضَلَ مِنْ الْآخِذِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا» . 1 - {الْعَاشِرَةُ} قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي. شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَدَ التَّخْصِيصُ فِي السُّؤَالِ فِي أَرْبَعَةِ أَمَاكِنَ وَهِيَ أَنْ يَسْأَلَ سُلْطَانًا أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ ذَا رَحِمٍ فِي حَاجَةٍ أَوْ الصَّالِحِينَ، فَأَمَّا السُّلْطَانُ فَهُوَ الَّذِي بِيَدِهِ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ. وَأَمَّا الْأَمْرُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ الْحَاجَةُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ فَلِمَا وَرَدَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ مِنْ الْفَضْلِ وَلِذَهَابِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مَعَ وَصْفِ الْفَقْرِ وَالْعَجْزِ فَرَخَّصَ فِي سُؤَالِهِ، وَأَمَّا سُؤَالُ الصَّالِحِينَ فَهُوَ فِي حَدِيثِ «ابْنِ الْفِرَاسِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَسْأَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَا، وَإِنْ كُنْت سَائِلًا وَلَا بُدَّ فَسَلْ الصَّالِحِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالصَّالِحِينَ الصَّالِحُونَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الَّذِينَ لَا يَمْنَعُونَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقِّ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُونَ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا عَرَفُوا بِالسُّؤَالِ الْمُحْتَاجَ أَعْطَوْهُ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمْ مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» .   Qيُتَبَرَّكُ بِدُعَائِهِ وَتُرْجَى إجَابَتُهُ إذَا دَعَا اللَّهَ لَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ السَّاعُونَ فِي مَصَالِحِ الْخَلْقِ بِسُؤَالِهِمْ لِمَنْ عَلِمُوا اسْتِحْقَاقَهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ حَقٌّ فَيُعْطِيهِمْ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ بِوُثُوقِهِمْ بِصَلَاحِهِمْ. قَالَ وَالِدِي وَحَيْثُ جَازَ السُّؤَالُ فَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْإِلْحَافُ وَالسُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي إعْطَاؤُهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مُمْتَنِعًا، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مِنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هَجْرًا» [حَدِيث الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ] {الْحَدِيثُ الْخَامِسُ} وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. {الثَّانِيَةُ} الْعَرَضُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَتَاعُ الدُّنْيَا وَحُطَامُهَا مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِزَوَالِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] وَفِي الْحَدِيثِ «الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ» أَمَّا الْعَرْضُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فَهُوَ مَا عَدَا النَّقْدَ وَالنَّقْدُ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَرْضُ الْمَتَاعُ الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا. {الثَّالِثَةُ} عَنْ هُنَا يَحْتَمِلُ مَعْنَاهَا أَوْجُهًا: (أَحَدُهَا) أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] أَيْ لَيْسَ عِلِّيَّةُ الْغِنَى وَسَبَبُهُ كَثْرَةَ الْعَرَضِ (ثَانِيهَا) أَنْ تَكُونَ لِلظَّرْفِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّيْخُ عَلَى حُبِّهِ اثْنَتَيْنِ طُولُ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةُ الْمَالِ» كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَقَالَ الشَّيْخَانِ «قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ» الْحَدِيثَ وَهُوَ الصَّوَابُ.   Qأَيْ لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ (ثَالِثُهَا) أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] أَيْ بِالْهَوَى أَيْ لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ. {الرَّابِعَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْغِنَى الْمَحْمُودُ غِنَى النَّفْسِ وَشِبَعُهَا وَقِلَّةُ حِرْصِهَا لَا كَثْرَةُ الْمَالِ مَعَ الْحِرْصِ عَلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ طَالِبًا لِلزِّيَادَةِ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا مَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ غِنًى وَسَبَقَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْغِنَى النَّافِعَ وَاَلَّذِي يَكُفُّ عَنْ الْحَاجَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرَ الْمَالِ غِنًى انْتَهَى وَحَاصِلُ هَذَا إثْبَاتُ الْغِنَى لِغَنِيِّ النَّفْسِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ حَتَّى يَنْفِيَ الْغِنَى عَمَّنْ فَقَدَهُ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ مَعَ أَنَّهُ غِنًى بِالْحَقِيقَةِ لَكِنَّهُ نُفِيَ لِانْتِفَاءِ ثَمَرَتِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ الْغِنَى بِالْمَالِ مَعَ الْحِرْصِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْمُودٍ وَلَا نَافِعٍ كَمَا يُسَمَّى الْعَالِمُ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ جَاهِلًا لِانْتِفَاءِ ثَمَرَةِ الْعِلْمِ فِي حَقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} فِيهِ فَضْلُ الْقَنَاعَةِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ [حَدِيث الشَّيْخُ عَلَى حُبِّهِ اثْنَتَيْنِ طُولُ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةُ الْمَالِ] {الْحَدِيثُ السَّادِسُ} وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّيْخُ عَلَى حُبِّهِ اثْنَتَيْنِ طُولُ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةُ الْمَالِ» كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّيْخَانِ «قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ» الْحَدِيثَ وَهُوَ الصَّوَابُ. {فِيهِ} فَوَائِدُ. {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ طُولُ الْحَيَاةِ وَحُبُّ الْمَالِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ حُبُّ الْعَيْشِ وَالْمَالِ» ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qعَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ «يَكْبُرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبُرُ مَعَهُ اثْنَتَانِ حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمْرِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمْرِ» . {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ «الشَّيْخُ عَلَى حُبِّهِ اثْنَتَيْنِ» أَيْ كَائِنٌ عَلَى حُبِّهِ اثْنَتَيْنِ وَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ وَدَوَامُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ حُبَّهُ لِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ بِشَيْخُوخَتِهِ، وَقَوْلُهُ «طُولُ الْحَيَاةِ» وَكَثْرَةُ الْمَالِ يَجُوزُ فِيهِمَا الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرَانِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَيَجُوزُ فِيهِمَا النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُمَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ «اثْنَتَيْنِ» ، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ صِحَّةُ الرِّوَايَةِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الصَّوَابَ لَفْظُ الشَّيْخَيْنِ كَأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ أَوْ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ» أَيْ فِي السِّنِّ، وَقَوْلُهُ «شَابًّا» مُجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الشَّيْخِ كَامِلُ الْحُبِّ لِلْمَالِ مُحْتَكِمٌ فِي ذَلِكَ كَاحْتِكَامِ قُوَّةِ الشَّابِّ فِي شَبَابِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا صَوَابُهُ انْتَهَى. وَقِيلَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ شَابًّا لِوُجُودِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي الشَّبَابِ أَكْثَرُ وَبِهِمْ أَلْيَقُ لِلرَّجَاءِ فِي طُولِ أَعْمَارِهِمْ وَدَوَامِ اسْتِمْتَاعِهِمْ وَلَذَّاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا هُوَ كَثْرَةُ الْمَالِ وَطُولُ الْأَمَلِ هُوَ طُولُ الْحَيَاةِ الْمَذْكُورَانِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَذَا حُبُّ الْعَيْشِ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُوَ طُولُ الْحَيَاةِ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «وَتَكْبُرُ مَعَهُ اثْنَتَانِ» الْمُرَادُ كِبْرُهُمَا فِي الْمَعْنَى وَقُوَّتُهُمَا وَعَدَمُ ضَعْفِهِمَا فَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ» وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ كَوْنُهُمَا تَشِبَّانِ مُنَافٍ لِكِبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِكِبَرِهِمَا قُوَّتُهُمَا وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِشَبَابِهِمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ كِبَرًا يُؤَدِّي إلَى الْهَرَمِ وَالضَّعْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ ذَمُّ طُولِ الْأَمَلِ وَالْحِرْصِ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي فَضْلَ الصَّدَقَةِ لِلْغَنِيِّ وَالتَّعَفُّفِ لِلْفَقِيرِ وَهُمَا الْمُبَوَّبُ عَلَيْهِمَا. {الرَّابِعَةُ} قَالَ الْمَازِرِيُّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِرَادَةَ فِي الْقَلْبِ خِلَافًا لِمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَعْضَاءِ [حَدِيث لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ] {الْحَدِيثُ السَّابِعُ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» ..   Qيَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَتِهِمَا حَبْلَهُ بِالْإِفْرَادِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِي جُلِّ الْمُوَطَّآتِ " لِيَأْخُذَ " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى لَأَنْ يَأْخُذَ. قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ وَالْمَقْصِدُ وَالْمَعْنَى مَفْهُومٌ (قُلْت) فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ «لَأَنْ يَأْخُذَ» وَكَذَا هُوَ فِي مُوَطَّإِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ مِنْ النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ، ذَلِكَ بِأَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَحِيحٌ غَرِيبٌ يُسْتَغْرَبُ مِنْ حَدِيثِ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ الْحَلِفُ لِتَقْوِيَةِ الْأَمْرِ وَتَأْكِيدِهِ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ (أَحْبُلَهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ حَبْلٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى حِبَالٍ، وَقَوْلُهُ «فَيَحْتَطِبَ» بِتَاءِ الِافْتِعَالِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَيَحْطِبَ» بِغَيْرِ تَاءٍ وَهُوَ صَحِيحٌ. [فَائِدَة تَرْجِيحُ الِاكْتِسَابِ عَلَى السُّؤَالِ] 1 {الرَّابِعَةُ} فِيهِ تَرْجِيحُ الِاكْتِسَابِ عَلَى السُّؤَالِ وَلَوْ كَانَ بِعَمَلٍ شَاقٍّ كَالِاحْتِطَابِ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَهِيمَةٍ يَحْمِلُ الْحَطَبَ عَلَيْهَا بَلْ حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَكْسَبَةٌ فِيهَا بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَإِنْ قُلْت لَا خَيْرَ فِي السُّؤَالِ فَمَا وَجْهُ هَذَا التَّرْجِيحِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقُلْت) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ اُضْطُرَّ إلَى السُّؤَالِ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ فِيهِ دَمٌ أَصْلًا فَتَرْكُهُ مَعَ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمْكَنَهُ الِاحْتِطَابَ لَمْ يَضْطَرَّ إلَى السُّؤَالِ (ثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَهِيَ خَيْرٌ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ التَّرْجِيحِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] . {الْخَامِسَةُ} فِي الِاكْتِسَابِ فَائِدَتَانِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ وَالتَّصَدُّقُ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيَسْتَغْنِي مِنْ النَّاسِ» كَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِالْمِيمِ وَفِي بَعْضِهَا عَنْ النَّاسِ بِالْعَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي. [فَائِدَة الِاكْتِسَاب بِعَمَلِ الْيَد] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ فَضِيلَةُ الِاكْتِسَابِ بِعَمَلِ الْيَدِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أُصُولُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ وَأَيُّهَا أَطْيَبُ؟ فِيهِ مَذَاهِبُ لِلنَّاسِ أَشْبَهُهَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التِّجَارَةَ أَطْيَبُ. قَالَ وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ الزِّرَاعَةَ أَطْيَبُ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ فَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَمَلُ الْيَدِ فَإِنْ كَانَ زَرَّاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ وَأَفْضَلُهَا؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ يَدِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَوَكُّلًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَالدَّوَابِّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِيَدِهِ بَلْ يَعْمَلُ لَهُ غِلْمَانُهُ وَأُجَرَاؤُهُ فَاكْتِسَابُهُ بِالزِّرَاعَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَلَكِنَّ الزِّرَاعَةَ أَفْضَلُهُمَا لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهَا لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَغَايَةُ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَفْضِيلُ الِاحْتِطَابِ عَلَى السُّؤَالِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِتَيَسُّرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْحِجَازِ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ فِيهَا. [فَائِدَة الِاكْتِسَابُ بِالْمُبَاحَاتِ] {السَّابِعَةُ} وَفِيهِ الِاكْتِسَابُ بِالْمُبَاحَاتِ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ النَّابِتَيْنِ فِي مَوَاتٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُهَلَّبُ عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ مِنْ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكُ الْأَرْضِ فَتُرْفَعُ حِينَئِذٍ الْإِبَاحَةُ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ النَّابِتَ فِي الْأَرْضِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَفِيهِ «لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» .   Qالْمَمْلُوكَةِ مِلْكٌ لِمَالِكِهَا فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ حَكَى الْمُهَلَّبُ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يَمْلِكُهَا لَيْسَتْ بِأَرْضٍ خَرِبَةٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مَا يَنْبُتُ فِيهَا مِنْ الْمَرْعَى بَعْد طِيبِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رِزْقٌ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَلَوْ كَانَ النَّبَاتُ فِي حَائِطِ إنْسَانٍ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ أَحَدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ كَقَوْلِ أَشْهَبَ انْتَهَى. 1 - {الثَّامِنَةُ} أَشَارَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إلَى الْعِلَّةِ فِي تَفْضِيلِ الِاكْتِسَابِ عَلَى السُّؤَالِ وَهِيَ أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْمُكْتَسِبُ يَدُهُ عُلْيَا إنْ تَصَدَّقَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ وَفَسَّرْنَا الْعُلْيَا هِيَ الْمُتَعَفِّفَةُ عَنْ السُّؤَالِ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى تَرْجِيحِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا الْيَدُ الْعُلْيَا بِالْمُتَعَفِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِسَابِ الصَّدَقَةُ لَكِنْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ تَفْصِيلَ الِاكْتِسَابِ هُوَ لِلصَّدَقَةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ النَّاسِ وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِسَابِ الصَّدَقَةُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِسَابِ التَّعَفُّفُ عَنْ السُّؤَالِ فَرُبَّ مُكْتَسِبٍ مُكْتَفٍ يَسْأَلُ تَكَثُّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك] {الْحَدِيثُ الثَّامِنُ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الْحَدِيثُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَجَعَلَاهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تَشْتَرِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي لَفْظٍ لِلشَّيْخَيْنِ «كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَيْنَاهُ إلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْقَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْهُ فِي مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ قَالَ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ «لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ» وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى. وَيُوَافِقُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ غَمْرٌ أَوْ عَمْرَةٌ فَرَأَى مُهْرًا أَوْ مُهْرَةً مِنْ أَفْلَائِهَا يُبَاعُ يُنْسَبُ إلَى فَرَسِهِ فَنَهَى عَنْهَا. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ هُنَا تَأْوِيلَانِ: (أَحَدُهُمَا) هِبَتُهُ وَتَمْلِيكُهُ لَهُ لِلْجِهَادِ (وَالثَّانِي) تَحْبِيسُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْحَمْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ (أَوَّلُهُمَا) أَنْ يَحْبِسَ عَلَيْهِ فَرَسًا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَكِنْ يَغْزُو عَلَيْهِ خَاصَّةً وَيُرْكَبُ فِي الْجِهَادِ لَا غَيْرُ (وَالثَّانِي) أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى. (الثَّالِثُ) أَنْ يَهَبَهُ لَهُ (قُلْت) فَزَادَ احْتِمَالًا ثَالِثًا وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ أَنَّهَا التَّمْلِيكُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْهِبَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْهِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، فَأَمَّا إنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَذَاكَ لَا يُشْتَرَى أَبَدًا وَإِنْ كَانَ صَدَقَةً فَفِي كِتَابِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُشْتَرَى أَبَدًا، وَقَالَ بَعْدَهُ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَهُوَ صَرِيحُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَفْسَخُوا الْبَيْعَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا حَمَلَ عَلَى الْفَرَسِ لَا لِلسَّبِيلِ وَلَا لِلْمَسْكَنَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ (قُلْت) فَأَشَارَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ إلَى الْهِبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ صَدَقَةً وَحَاصِلُ كَلَامِهِ الْجَزْمُ بِمَنْعِ الْبَيْعِ بِتَقْدِيرِ الْوَقْفِ وَبِجَوَازِهِ بِتَقْدِيرِ الْهِبَةِ وَالْخِلَافِ بِتَقْدِيرِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ هُوَ لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ بَيْعُهُ وَلَوْ أَسْقَطْت كَلِمَةً لَك لَرَكِبَهُ وَرَدَّهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مِلْكٌ لَهُ وَإِذَا قَالَ إذَا بَلَغْت بِهِ رَأْسَ مَغْزَاك فَهُوَ لَك فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا اللَّيْثُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُخَاطَرَةً فَلَيْسَ فِي بَيْعٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنُك بِهِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ خِلَافُ وَلَمْ يَعْلَمْ كَيْفِيَّةَ فِعْلِ عُمَرَ فَلَا يَعْلَمُ إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ جَوَابُهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ إذَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا يُبَاعُ أَبَدًا، قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ عُمَرَ مِنْهُ خَاصَّةً وَعَلَّلَ بِعِلَّةٍ تَخْتَصُّ بِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ وَهُوَ أَنَّهُ عَوْدٌ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى. وَفِي هَذَا الْإِطْلَاقِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ مَنْعُ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ هِبَةً لَكِنَّهُ خَطَّأَهُ كَمَا عَرَفْت ثُمَّ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَانْتَفَى احْتِمَالُ الْهِبَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الصَّدَقَةِ وَالرَّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَهُوَ هِبَةٌ وَهُوَ صَدَقَةٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ مَعْنَاهُ تَصَدَّقْت بِهِ وَوَهَبْته لِمَنْ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَجْعَلْهُ حَبْسًا مُطْلَقًا أَيْ عَلَى جَمِيعِ الْغُزَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ وَاحِدٍ وَلَا حَبَسَهُ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ شِرَائِهِ فَقَطْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ بَيْعِهِ لِغَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَمَنْ جَعَلَهُ وَقْفًا قَالَ إنَّمَا صَحَّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَاعَ بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ لِسَبِيلِ اللَّهِ وَتَجْوِيزِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يُبَاعُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ صَلَحَ لِلْحَمْلِ وَكُلٌّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي نَقَلْته عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ تَبِعْت فِيهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَعَكَسَ ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَنَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْعَ بَيْعِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ تَجْوِيزُهُ، وَبَقِيَ مِنْ احْتِمَالَاتِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنْ يَكُونَ إعْطَاؤُهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةِ وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِكَوْنِهِ بَاعَهُ فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ مَرْدُودَةٌ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ كَمَا أَنَّ احْتِمَالَ الْوَقْفِ مَدْفُوعٌ بِذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ هِيَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ لَك. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ (لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك) نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَيُكْرَهُ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ أَوْ أَخْرَجَهُ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرُبَاتِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ هُوَ إلَيْهِ أَوْ يَتَّهِبَهُ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا وَرِثَهُ مِنْهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى ثَالِثٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ الْمُتَصَدِّقُ فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ النَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ صَدَقَتِهِ لِلتَّحْرِيمِ انْتَهَى. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكُلُّ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ طَابَتْ لَهُ إلَّا ابْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَحْبِسُهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ وَتَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَحْتَمِلُ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَكُونَ وَرَعًا لَا أَنَّهُ رَآهُ وَاجِبًا وَحَكَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ شِرَائِهِ مِنْ ثَالِثٍ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ بِهِ عَلَيْهِ لِرُجُوعِهِ فِيمَا تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا حَرُمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ سُكْنَى مَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ مِنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْت) مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُد بِذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِيهِ (قُلْت) فِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَاهَا غَيْرُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ بِهَا عَلَيْهِ رُبَّمَا حَابَاهُ فِي ثَمَنِهَا لِمِنَّتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَيْهِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي رِوَايَةٍ (وَظَنَنْت أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ) فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بَيْعُهُ بِرُخْصٍ لِعُمَرَ خَاصَّةً لِسَبْقِ مِنَّتِهِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بَيْعُهُ بِرُخْصٍ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ أَضَاعَهُ فَنَقَصَ ثَمَنُهُ لِلنَّقْصِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَرَجَّحَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ فَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِضَاعَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ الْقِيَامَ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا آخَرَ أَنَّ الْمُرَادَ إضَاعَتُهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا حُبِسَ لَهُ. (ثَانِيهمَا) أَنَّ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَلَّذِي فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِلُّهُ وَهُوَ صَادِقٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ نَاسِخٌ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مِرْوَدٌ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» . قَالَ قَتَادَةُ وَلَا نَعْلَمُ الْقَيْءَ إلَّا حَرَامًا وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْكَرَاهَةِ أَخَذَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا «كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، وَقَالَ فِعْلُ الْكَلْبِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ فَالْمُرَادُ التَّنْفِيرُ مِنْ الْعَوْدِ بِتَشْبِيهِهِ بِهَذَا الْمُسْتَقْذَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك إلَى الْعِلَّةِ فِي نَهْيِهِ عَنْ الِابْتِيَاعِ وَهُوَ أَنَّهُ عَوْدٌ فِي الصَّدَقَةِ (فَإِنْ قُلْت) فَإِذَا كَانَ الِابْتِيَاعُ عَوْدًا فِي الصَّدَقَةِ فَمَا وَجْهُ عَطْفِهِ عَلَيْهِ (قُلْت) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْمَعْنَى لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك بِطَرِيقِ الِابْتِيَاعِ وَلَا غَيْرِهِ. [فَائِدَة الْبَيْع بِالْغَبَنِ الْفَاحِش] 1 {الْخَامِسَةُ} اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ «وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ مَتَى انْتَهَى الْغَبْنُ لِلثُّلُثِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَيْعِ، وَجَعَلُوا قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ ضَرْبَ مَثَلٍ لَا حَقِيقَةً، وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا مَانِعَ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي ذَلِكَ كَالْأَعْيَانِ فَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى شَخْصٍ بِغَلَّةِ سِنِينَ لَمْ يَشْتَرِ الْمُتَصَدِّقُ مِنْهُ تِلْكَ الْغَلَّةَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. [فَائِدَة الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ] 1 {السَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ الرُّجُوعِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 {كِتَابُ الصِّيَامِ} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَجْهَلْ وَلَا يَرْفُثْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ: «أَحَدُكُمْ يَوْمًا، وَقَالَ أَوْ شَتَمَهُ» .   Qالصَّدَقَةِ وَعَلَى مَنْعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَّا فِي هِبَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَوَازُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى ابْنِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ وَعَكَسَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا فَقَالُوا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ فِي هِبَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَنَعُوا الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَفِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَتَانِ فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ فِيمَا وَهَبَتْهُ لِزَوْجِهَا بِمَسْأَلَتِهِ وَمَنَعَ بَعْضُ السَّلَفِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ أَنَّهَا مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَاتِّبَاعُ الْحَدِيثِ أَوْلَى. {الثَّامِنَةُ} فِي قَوْلِهِ «فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ الْحَوَادِثِ. [كِتَابُ الصِّيَامِ] [الصِّيَامُ جُنَّةٌ] كِتَابُ الصِّيَامِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَجْهَلْ وَلَا يَرْفُثْ فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ إنِّي صَائِمٌ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَ «أَحَدُكُمْ يَوْمًا، وَقَالَ أَوْ شَتَمَهُ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَوْلُهُ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِدُونِ قَوْلِهِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الِاخْتِلَافَ عَلَى مَالِكٍ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» وَأَنَّهُ رَوَاهَا عَنْهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى وَأَبُو الْمُصْعَبِ وَجَمَاعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ بُكَيْر وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ «وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ» وَقَالَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «الصِّيَامُ جُنَّةٌ» بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ وِقَايَةٌ وَسُتْرَةٌ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ، وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَرَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْقِتَالِ» وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْ يَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ وَمَعْنَاهُ سِتْرٌ وَمَانِعٌ مِنْ الرَّفَثِ وَالْآثَامِ وَمَانِعٌ أَيْضًا مِنْ النَّارِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةَ فَقَالَ: سِتْرٌ وَمَانِعٌ مِنْ الْآثَامِ أَوْ مِنْ النَّارِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ إمْسَاكٌ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالنَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِالشَّهَوَاتِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» انْتَهَى وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَلَازُمُ الْأَمْرَيْنِ وَأَنَّهُ إذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالْآثَامِ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنْ النَّارِ غَدًا. {الثَّالِثَةُ} فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا» وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ بِالْغِيبَةِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الصَّائِمِ يَغْتَابُ، وَكَذَا أُورِدهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ وَأَشَارَ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَتَى بِالْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ خَرَقَ ذَلِكَ السَّاتِرَ لَهُ مِنْ النَّارِ بِفِعْلِهِ فَفِيهِ تَحْذِيرُ الصَّائِمِ مِنْ الْغِيبَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ لَكِنْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ. {الرَّابِعَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَسْبُك بِكَوْنِ الصِّيَامِ جُنَّةً مِنْ النَّارِ فَضْلًا لِلصَّائِمِ انْتَهَى. وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْك، قَالَ عَلَيْك بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ تَفْضِيلُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ وَلَا يَرْفُثُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِقِ فَقَالَ يُقَالُ رَفَثَ بِفَتْحِ الْفَاءِ يَرْفُثُ وَيَرْفِثُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ رَفْثًا بِالسُّكُونِ فِي الْمَصْدَرِ وَبِالْفَتْحِ فِي الِاسْمِ، وَقَدْ قِيلَ رَفَث بِكَسْرِ الْفَاءِ يَرْفَثُ بِفَتْحِهَا وَأَرْفَثَ أَيْضًا اهـ. وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْمَاضِيَ فَتْحُ الْفَاءِ وَكَسْرُهَا وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ وَهُوَ ضَمُّهَا حَكَاهَا فِي الْمُحْكَمِ عَنْ اللِّحْيَانِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْفُحْشُ مِنْ الْقَوْلِ، وَيُطْلَقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الْجِمَاعِ وَعَلَى مُقَدِّمَاتِهِ أَيْضًا وَعَلَى ذِكْرِهِ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الرَّفَثَ هُنَا السُّخْفُ وَالْفُحْشُ مِنْ الْكَلَامِ: إنَّ الْجَهْلَ مِثْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَنْشَدَ أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا فَإِنْ قُلْت فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَاهُ فَلِمَ عَطَفَ عَلَيْهِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ؟ (قُلْت) لَمَّا كَانَ الْجَهْلُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ خِلَافُ الْعِلْمِ، وَالرَّفَثُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَذِكْرِهِ أُرِيدَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا اشْتَرَكَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فُحْشُ الْكَلَامِ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِي السُّنَنِ لَا يَجْهَلُ أَيْ لَا يَقُلْ قَوْلَ أَهْلِ الْجَهْلِ مِنْ رَفَثِ الْكَلَامِ وَسَفَهِهِ أَوْ لَا يَجْفُو أَحَدًا وَيَشْتُمَهُ يُقَالُ جَهِلَ عَلَيْهِ إذَا جَفَاهُ. {السَّادِسَةُ} أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ يَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَمَتَى كَانَ صَائِمًا نَفْلًا أَوْ فَرْضًا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيَجْتَنِبْ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. {السَّابِعَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى قَاتَلَهُ دَافَعَهُ وَنَازَعَهُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى شَاتَمَهُ وَلَاعَنَهُ، وَقَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجَاءَ الْقَتْلُ بِمَعْنَى اللَّعْنِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَعْنَى فِي الْمُقَاتَلَةِ مُقَاتَلَتُهُ بِلِسَانِهِ. {الثَّامِنَةُ} الْمُفَاعَلَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ قَاتَلَهُ وَشَاتَمَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي وُجُودِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولَ إنِّي صَائِمٌ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى قَتَلَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُقَاتَلَتِهِ وَشَتَمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ فَالْمُفَاعَلَةُ حِينَئِذٍ مَوْجُودَةٌ بِتَأْوِيلٍ وَهُوَ إرَادَةُ الْقَاتِلِ وَالشَّاتِمِ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَكُونُ لِفِعْلِ الْوَاحِدِ كَمَا يُقَالُ سَافَرَ وَعَالَجَ الْأَمْرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ لَا تَجِيءُ الْمُفَاعَلَةُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ إنَّ الْمُفَاعَلَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهَا بِأَنْ يَكُونَ بَدَرَ مِنْهُ مُقَابَلَةُ الشَّتْمِ بِمِثْلِهِ بِمُقْتَضَى الطَّبْعِ بِأَنْ يَنْزَجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَيَقُولَ إنِّي صَائِمٌ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْمُفَاعَلَةِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى شَتَمَهُ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «وَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ» . {التَّاسِعَةُ} قَوْلُهُ «فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ» ذَكَرَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ تَأْوِيلَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي قَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَيُذَكِّرُهَا أَنَّهُ صَائِمٌ لَا يَلِيقُ بِهِ الْجَهْلُ وَالْمُشَاتَمَةُ لِيَنْزَجِرَ بِذَلِكَ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقُولُ بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعَهُ صَاحِبَهُ لِيَزْجُرَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ إنَّهُ أَظْهَرَ الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ التَّأْوِيلَانِ حَسَنَانِ وَالْقَوْلُ بِاللِّسَانِ أَقْوَى وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَانَ حَسَنًا انْتَهَى وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا وَاسْتَحْسَنَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ فَيَقُولُهُ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَبِقَلْبِهِ، وَادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي التَّطَوُّعِ وَأَنَّهُ فِي الْفَرْضِ يَقُولُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ قَطْعًا فَقَالَ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ مُصَرِّحًا بِهِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ كَانَ رَمَضَانَ أَوْ قَضَاءَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَرْضِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّطَوُّعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَرِّحُ بِهِ وَلْيَقُلْ لِنَفْسِهِ: إنِّي صَائِمٌ فَكَيْفَ أَقُولُ الرَّفَثَ انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَنْهَى ذَلِكَ عَنْ مُرَاجَعَةِ الصَّائِمِ. [فَائِدَة قَوْلُ الصَّائِم إنِّي صَائِم] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ إنِّي صَائِمٌ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ أَمْ بِقَلْبِهِ لِيَتَأَكَّدَ انْزِجَارُهُ أَوْ انْزِجَارُ مَنْ يُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ جَرَّائِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ..   Q [حَدِيث خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي} عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ جَرَّائِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . {فِيهِ} فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَفِي أَوَّلِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَصْخَبُ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرِحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ «إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ تُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ «إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ» ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سِنَانٍ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «وَإِذَا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَجَزَاهُ فَرِحَ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ أَخَصْرَ مِنْهُ وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طُرُقٌ أُخْرَى. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ» هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَلَمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ كَذَا قَيَّدْنَاهُ عَنْ الْمُتْقِنِينَ وَأَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَبِالْوَجْهَيْنِ ضَبَطْنَاهُ عَنْ الْقَابِسِيِّ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ يَرْوُونَهُ بِفَتْحِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ، وَحَكَى عَنْ الْقَابِسِيِّ فِيهِ الْفَتْحَ وَالضَّمَّ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ يَقُولُونَهُ بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ الضَّمَّ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْغَرِيبِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا يَجُوزُ فَتْحُ الْخَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ مَا يَخْلُفُ بَعْدَ الطَّعَامِ فِي الْفَمِ مِنْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ لِخَلَاءِ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ ثُبُوتَ الْمِيمِ فِي الْفَمِ خَاصٌّ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ فَإِنَّهَا ثَبَتَتْ فِي قَوْلِهِ فَمُ الصَّائِمِ فِي الِاخْتِيَارِ وَمِنْ ثُبُوتِهَا مَعَ الْإِضَافَةِ أَيْضًا قَوْلُ الشَّاعِرِ يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي الْبَحْرِ فَمُهُ {الرَّابِعَةُ} اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى كَوْنِ هَذَا الْخُلُوفِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ اسْتِطَابَةِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَاسْتِقْذَارِ الرَّوَائِحِ الْخَبِيثَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ طَبَائِعُ تَمِيلُ إلَى شَيْءٍ فَتَسْتَطِيبُهُ وَتَنْفِرُ مِنْ شَيْءٍ فَتَتَقَذَّرُهُ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ هُوَ مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجَرَتْ عَادَتْنَا بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ مِنْ الصَّوْمِ لِتَقْرِيبِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ أَيْ إنَّهُ يُقَرِّبُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إلَيْكُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ نَحْوَهُ. (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَكُونَ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا قَالَ فِي الْمَكْلُومِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (الرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ) حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوفِ يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَنَا لَا سِيَّمَا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْخُلُوفِ وَهُمَا ضِدَّانِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا. (الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِرَائِحَةِ الْخُلُوفِ وَتُدَّخَرُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْتَدُّ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَنَا نَحْنُ بِخِلَافِهِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا. (الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْمِسْكِ حَيْثُ نَدَبَ إلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَالِسِ الْحَدِيثِ وَالذِّكْرِ وَسَائِرِ مَجَامِعِ الْخَيْرِ قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَاحِبَا الْمُفْهِمِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ. (السَّادِسُ) قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْخُلُوفِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَطِيبُونَ رِيحَ الْمِسْكِ. [فَائِدَة جَزَاء الصَّائِم] 1 {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَقْتَضِي أَنَّ طِيبَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ إنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَةِ وَيُوَافِقُهُ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ ثَانِيًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجْزِيهِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى تَكُونَ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ ذَكَرَ الْبَيَانَ بِأَنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ قَدْ يَكُونُ أَيْضًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ مِنْ الطَّعَامِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَقَوْلُهُ حِينَ يَخْلُفُ ظَرْفٌ لِوُجُودِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالطِّيبِ عِنْدَ اللَّهِ، أَمَّا كَوْنُهُ مَشْهُودًا لَهُ بِالطِّيبِ فِي الدُّنْيَا فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ (قُلْت) هَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ طِيبَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِلطِّيبِ فِي حَالَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ تَأْوِيلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْقَوْلِ السَّادِسِ الَّذِي حَكَيْته عَنْ صَاحِبِ الْمُفْهِمِ احْتِمَالًا وَيَدُلُّ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرْفُوعًا «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا قَالَ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» حَسَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ، وَقَدْ وَقَعَ خِلَافٌ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي أَنَّ طِيبَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ هَلْ هُوَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ؟ فَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى الْأَوَّلِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ وَأَرْفَعُ عِنْدَهُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ الثَّنَاءُ عَلَى الصَّائِمِ وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَعْنَاهُ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَمِثْلُهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ وَأَبُو حَفْصٍ الصَّفَّارُ الشَّافِعِيُّونَ فِي أَمَالِيهِمْ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا لَمْ يَذْكُرُوا سِوَى مَا ذَكَرْته وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَجْهًا تَخْصِيصًا بِالْآخِرَةِ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّضَا وَالْقَبُولِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ يَوْمُ الْجَزَاءِ، وَفِيهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ الْخُلُوفِ فِي الْمِيزَانِ عَلَى الْمِسْكِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِهَا وَاجْتِلَابِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ فَخَصَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالذِّكْرِ فِي رِوَايَةٍ لِذَلِكَ كَمَا خَصَّ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 11] وَأَطْلَقَ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَفْضَلِيَّتُهُ ثَابِتٌ فِي الدَّارَيْنِ انْتَهَى. [فَائِدَة حُكْم السِّوَاك للصائم] 1 {السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْخُلُوفِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِأَنَّهُ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْدَأُ الْخُلُوفِ النَّاشِئِ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعِبَارَتُهُ فِي ذَلِكَ (أُحِبُّ السِّوَاكَ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُهُ لِلصَّائِمِ آخَرَ النَّهَارِ مِنْ أَجْلِ الْحَدِيثِ فِي خُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ) انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالزَّوَالِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَمْ يَحِدَّ الشَّافِعِيُّ الْكَرَاهَةَ بِالزَّوَالِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَشِيَّ فَحَدَّدَ الْأَصْحَابُ بِالزَّوَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ وَلَوْ حَدُّوهُ بِالْعَصْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي عُمَرَ كَيْسَانَ الْقَصَّابِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ مَوْلَاهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ) وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَك السِّوَاكُ إلَى الْعَصْرِ فَإِذَا صَلَّيْت الْعَصْرَ فَأَلْقِهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» (قُلْت) لَا نُسَلِّمُ لِأَبِي شَامَةَ أَنَّ تَحْدِيدَهُ بِالْعَصْرِ أَوْلَى بَلْ إمَّا أَنْ يَحِدَّ بِالظُّهْرِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ اسْمُ آخِرِ النَّهَارِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِدُخُولِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ النَّهَارِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُؤَقَّتُ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ بَلْ يُقَالُ يَتْرُكُ السِّوَاكَ مَتَى عَرَفَ أَنَّ تَغَيُّرَ فَمِهِ نَاشِئٌ عَنْ الصِّيَامِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِاخْتِلَافِ بُعْدِ عَهْدِهِ بِالطَّعَامِ وَقُرْبِ عَهْدِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَسَحَّرْ أَوْ تَسَحَّرَ فَالتَّحْدِيدُ بِالْعَصْرِ لَا يَشْهَدُ لَهُ مَعْنَى وَلَا فِي عِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يُسَاعِدُهُ وَالْأَثَرُ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْتَضِي التَّحْدِيدَ بِالزَّوَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الْعَشِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَيْسَانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ مَذْهَبٌ ثَانٍ غَيْرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَحْكِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّةَ عَلَى التَّحْدِيدِ بِالزَّوَالِ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَا يُسَنُّ السِّوَاكُ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَلْ يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ اهـ وَإِحْدَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا تَوَسُّطٌ نَفَتْ الِاسْتِحْبَابَ وَلَمْ تُثْبِتْ الْكَرَاهَةَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كُرِهَ ذَلِكَ آخِرَ النَّهَارِ، الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ انْتَهَى وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَكَرِهَهُ فِي الْفَرْضِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكْرَهْهُ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَحَكَاهُ الْمَسْعُودِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ مَذَاهِبُ. (الْأَوَّلُ) الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا. (الثَّانِي) الْكَرَاهَةُ آخَرَ النَّهَارِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّوَالِ. (الثَّالِثُ) تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ. (الرَّابِعُ) نَفْيُ اسْتِحْبَابِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْخَامِسُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ثُمَّ إنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يُفْطِرَ فَهَذَا مَذْهَبٌ (سَادِسٌ) . وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى اسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ صَائِمٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِهِ كَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَرَ الشَّافِعِيُّ بِالسِّوَاكِ بَأْسًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ انْتَهَى. وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْرَفُ نَقْلُهُ إلَّا فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبُو شَامَةَ الْمَقْدِسِيَّ وَالنَّوَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِيهِ لِلصَّائِمِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ النَّخَعِيّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرَوَيْنَا الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَجَازَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَسَوَّكَ بِسِوَاكٍ لَا طَعْمَ لَهُ فِي أَيِّ أَوْقَاتِ النَّهَارِ شَاءَ انْتَهَى. فَكَمُلَتْ الْمَذَاهِبُ فِي ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ الرَّطْبِ لِلصَّائِمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَمِمَّنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَرَوَيْنَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَعُمَرَ وَابْنِ شُرَحْبِيلَ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ السِّوَاكُ سُنَّةٌ لِلصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ وَالرَّطْبُ وَالْيَابِسُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ وَلَا مَشْرُوبٍ وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَخْضَرُ أَحْسَنُ مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا انْتَهَى وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْأَخْضَرِ لِلصَّائِمِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَابِسَ أَحْسَنُ مِنْهُ لِلصَّائِمِ، وَإِذَا جُمِعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الْأُولَى تَكَثَّرَتْ الْمَذَاهِبُ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَحْمَدَ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ لَا يَسْتَاكُ بِالرَّطْبِ يَخْتَلِفَانِ فِي كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ. فَمَالِكٌ لَا يَكْرَهُهُ وَأَحْمَدُ يَكْرَهُهُ أَوْ يَسْتَحِبُّ تَرْكَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَكْرَهُوهُ بَعْدَ الزَّوَالِ تَمَسَّكُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَدْخُلُ فِي هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَصِحَّ فِي سِوَاك الصَّائِمِ حَدِيثٌ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَّ عَلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَكُلِّ صَلَاةٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنِ صَائِمٍ وَغَيْرِهِ وَنَدَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى السِّوَاكِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَائِمٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فَوَائِدَهُ الْعَشَرَةَ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّوْمُ أَحَقُّ بِهَا قَالَ. وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» فَصَارَ مُمَدَّحًا شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ إزَالَتُهُ بِالسِّوَاكِ أَصْلُهُ دَمُ الشَّهِيدِ قَالَ فِيهِ «اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» فَلَا جَرَمَ لَا يَجُوزُ غَسْلُهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا السِّوَاكُ لَا يُزِيلُ الْخُلُوفَ ثُمَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَبِي الْحَرَمِ مَكِّيِّ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ أَفَادَنَا الْقَاضِي سَيْفُ الدِّينِ بِهَا فَقَالَ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ فَلَا يُكْرَهُ كَالْمَضْمَضَةِ لِلصَّائِمِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ رَائِحَةٌ تَتَأَذَّى بِهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَا تُتْرَكُ هُنَالِكَ. وَأَمَّا الْخَبَرُ فَفَائِدَتُهُ عَظِيمَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا مَدَحَ الْخُلُوفَ نَهْيًا لِلنَّاسِ عَنْ تَقَذُّرِ مُكَالَمَةِ الصَّائِمِينَ بِسَبَبِ الْخُلُوفِ لَا نَهْيًا لِلصُّوَّامِ عَنْ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ وُصُولِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ إلَيْهِ فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ اسْتِبْقَاءَ الرَّائِحَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَهْيَ النَّاسِ عَنْ كَرَاهَتِهَا قَالَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إكْرَامًا لِلصِّيَامِ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلسِّوَاكِ فَيَذْكُرُ أَوْ يَتَأَوَّلُ قَالَ وَأَمَّا دَمُ الشَّهِيدِ فَإِنَّمَا أَبْقَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَيَأْتِي خَصْمًا وَمِنْ شَأْنِ حُجَّةِ الْخَصْمِ أَنْ تَكُونَ بَادِيَةً وَشَهَادَتُهُ ظَاهِرَةٌ لَا سِيَّمَا وَفِي إزَالَةِ الْخُلُوفِ إخْفَاءُ الصِّيَامِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ يَمْنَعُ كَوْنَ السِّوَاكِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْحَلْقِ لَا مِنْ مَحَلِّ السِّوَاكِ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ إذَا تَغَيَّرَ فَمُهُ وَاسْتَاكَ زَالَتْ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ، وَأَمَّا كَوْنُ أَصْلِ التَّغَيُّرِ مِنْ الْمَعِدَةِ فَأَمْرٌ آخَرُ، ثُمَّ حُكِيَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ اللِّحْيَانِيِّ خُلْفُ الطَّعَامِ وَالْفَمِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَخْلُفُ خُلُوفًا إذَا تَغَيَّرَ وَأَكَلَ طَعَامًا فَبَقِيَتْ فِي فِيهِ خُلْفَةٌ فَتَغَيَّرَ فُوهُ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى بَيْنَ الْأَسْنَانِ اهـ. قَالَ وَالِدِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُلُوفَ الْفَمِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ الَّذِي بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَا مِنْ الْمَعِدَةِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ (قُلْت) وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْبَخَرَ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ مَا كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ قَلَحِ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُزِيلُهُ السِّوَاكُ بِخِلَافِ الَّذِي مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَعِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ لَك أَنْ تَقُولَ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ رَائِحَتَهُ مُسَاوِيَةٌ لِرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَعَدَمُ تَحْرِيمِ إزَالَةِ الْخُلُوفِ مَعَ كَوْنِهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ (قُلْت) وَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ حُجَّةٌ لَهُ عَلَى خَصْمِهِ وَلَيْسَ لِلصَّائِمِ خَصْمٌ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْخُلُوفِ إنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ لَهُ بِالصِّيَامِ وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ. (ثَانِيهَا) أَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ حَقٌّ لَهُ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ غُسْلُهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْخُلُوفُ حَقٌّ لِلصَّائِمِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ حَقِّهِ وَإِزَالَةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ بِالْفَضْلِ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ كَوْنَ رَائِحَةِ دَمِ الشَّهِيدِ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ وَكَوْنَ رَائِحَةِ الْخُلُوفِ أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ الْمِسْكِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ لَهُ تَأْوِيلٌ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا. (رَابِعُهَا) أَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ مَعَ وُجُوبِ إزَالَةِ الدَّمِ وَمَعَ وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَمَا اُغْتُفِرَ تَرْكُ هَذَيْنِ الْوَاجِبِينَ إلَّا لِتَحْرِيمِ إزَالَتِهِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فِي السِّوَاكِ، وَإِنَّمَا قِيلَ بِالِاسْتِنْبَاطِ. (خَامِسُهَا) أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ فِي خُلُوفِ الصَّائِمِ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَهِيَ مَحَلُّ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ وَمُلَاقَاةِ الْبَشَرِ فَأَمْكَنَ أَنْ يُزَالَ الْخُلُوفُ لِمَا يُعَارِضُهُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَكَاهُ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ وَعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِ بِحِكَايَتِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. {الثَّامِنَةُ} ذِكْرُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بَعْدَ ذِكْرِ الشَّهْوَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِدُخُولِهِمَا فِيهَا وَذَلِكَ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِمَا فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ بِهِمَا أَعَمُّ وَأَكْثَرُ تَكَرُّرًا مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الشَّهَوَاتِ. {التَّاسِعَةُ} قَدْ يُشِيرُ الْإِتْيَانُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ «إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ» إلَى أَنَّهُ إذَا أَشْرَكَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ تَرْكِ الْأَكْلِ لِتُخَمَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ الصَّوْمُ صَحِيحًا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا أُشِيرَ بِذَلِكَ إلَى الصَّوْمِ الْكَامِلِ وَالْمَدَارُ عَلَى الدَّاعِي الْقَوِيِّ الَّذِي يَدُورُ مَعَهُ الْفِعْلُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَقَدْ بَسَطَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلَ تَشْرِيكِ النِّيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. {الْعَاشِرَةُ} ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» مَعَ كَوْنِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا أَقْوَالًا: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحَدُهَا) أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ وَإِمْسَاكٌ وَحَالُ الْمُمْسِكِ شِبَعًا أَوْ فَاقَةً كَحَالِ الْمُمْسِكِ تَقَرُّبًا وَإِنَّمَا الْقَصْدُ وَمَا يُبْطِنُهُ الْقَلْبُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ أَعْمَالٌ بَدَنِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ فَلِذَلِكَ خَصَّ الصَّوْمَ بِمَا ذَكَرَهُ دُونَهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ. (ثَانِيهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَا أَتَوَلَّى جَزَاءَهُ إذْ لَا يَظْهَرُ فَتَكْتُبُهُ الْحَفَظَةُ إذْ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ وَإِمْسَاكٌ فَأَنَا أُجَازِي بِهِ مِنْ التَّضْعِيفِ فِي جَزَائِهِ عَلَى مَا أُحِبُّ انْتَهَى وَأَوَّلُ كَلَامِهِ يُشِيرُ إلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَآخِرُهُ يُشِير إلَى جَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ التَّضْعِيفَ فِي جَزَائِهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ وَقِيلَ لِي أَيُّ الْمُنْفَرِدِ يَعْلَمُ مِقْدَارَ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفَ حَسَنَاتِهِ كَمَا قَالَ «وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» قَالَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ اطَّلَعْت عَلَى مَقَادِيرِ أُجُورِهَا كَمَا قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. الْحَدِيثَ، وَالصَّوْمُ مَوْكُولٌ إلَى سَعَةِ جُودِهِ وَغَيْبِ عِلْمِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] (قُلْت) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا صَرِيحَةٌ فِي مُسَاعَدَةِ هَذَا الْجَوَابِ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى فِيهَا الصِّيَامَ مِنْ التَّضْعِيفِ فَقَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَاعْتَرَضَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بِعَشْرَةٍ وَأَنَّ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ قَالَ وَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي إظْهَارِ التَّضْعِيفِ فَضَعُفَ هَذَا الْوَجْهُ بَلْ بَطَلَ. (ثَالِثُهَا) قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ «لِي» أَيْ لَيْسَ لِلصَّائِمِ فِيهِ حَظٌّ (قُلْت) وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَاسْتَثْنَى الصِّيَامَ مِنْ كَوْنِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ. (رَابِعُهَا) قَالَ لِلْقَاضِي أَيْضًا وَقِيلَ إنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الطَّعَامِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِشِبْهِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَإِنْ كَانَ تَعَالَى لَا شَبَهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ. (خَامِسُهَا) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى إضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الصَّائِمَ عَلَى صِفَةِ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهَوَاتِ. (سَادِسُهَا) أَنَّ فِي إضَافَةِ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَخْصِيصَهُ وَتَشْرِيفَهُ كَمَا يُقَالُ بَيْتُ اللَّهِ وَنَاقَةُ اللَّهِ وَمَسْجِدُ اللَّهِ وَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى حَكَاهُ الْقَاضِي أَيْضًا. (سَابِعُهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقِيلَ سَبَبُ إضَافَتِهِ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ فَلَمْ تُعَظِّمْ الْكُفَّارُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مَعْبُودًا لَهُمْ بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَالصَّدَقَةِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَنَقَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَرْبَابِ الِاسْتِخْدَامَاتِ فَإِنَّهُمْ يَصُومُونَ لِلْكَوَاكِبِ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الِاسْتِخْدَامَاتِ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ آلِهَةٌ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ إنَّهَا فَعَّالَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَخْلُوقَةً. (ثَامِنُهَا) أَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْإِضَافَةِ أَنَّ سَائِرَ الْعَادَاتِ يُوَفَّى مِنْهَا مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْحُقُوقِ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ يَبْقَى مُوَفَّرًا لِصَاحِبِهِ لَا يُوَفَّى مِنْهُ حَقٌّ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ كُنْت أَسْتَحْسِنُهُ إلَى أَنْ فَكَّرْت فِي حَدِيثِ الْمُقَاصَّةِ فَوَجَدْت فِيهِ ذِكْرَ الصَّوْمِ فِي جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَخْذِ مِنْهَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «الْمُفْلِسُ الَّذِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا» الْحَدِيثَ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ يُؤْخَذُ كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ انْتَهَى. (قُلْت) إذَا صَحَّ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَقَلَّ التَّضْعِيفِ عَشْرَةُ أَمْثَالٍ وَغَايَتُهُ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] فَقِيلَ الْمُرَادُ يُضَاعِفُ هَذَا التَّضْعِيفَ وَهُوَ السَّبْعُمِائَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ يُضَاعِفُ فَوْقَ السَّبْعِمِائَةِ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ وَرَدَ التَّضْعِيفُ بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِمِائَةِ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ مَنْ قَالَ فِي سُوقٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كُتِبَتْ لَهُ أَلْفُ أَلْفُ حَسَنَةٍ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ لِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُمِائَةِ حَسَنَةٍ كُلُّ حَسَنَةٍ مِثْلُ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ، قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْته وَرَدَ فِي التَّضْعِيفِ وَهُوَ أَنَّ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعِينَ أَلْفِ أَلْفِ حَسَنَةٍ. قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتِهَاءَ التَّضْعِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ فَقَدْ بَيَّنَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّ التَّضْعِيفَ يُزَادُ عَلَى السَّبْعِمِائَةِ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى مَا شَاءَ اللَّهُ» . [فَائِدَة مضاعفة جَزَاء الْأَعْمَال الصَّالِحَة] 1 {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ «إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» يَعْنِي بِظَاهِرِهِ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفِيهِ يَنْتَهِي التَّضْعِيفُ إلَى سَبْعِمِائَةٍ مِنْ الْعَدَدِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» قَالَ فَهَذَانِ عَمَلَانِ انْتَهَى. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ (قُلْت) (وَعَمَلٌ ثَالِثٌ) فَفِي الْحَدِيثِ النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ تُضَاعَفُ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الدِّرْهَمُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ (قُلْت) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ (وَعَمَلٌ رَابِعٌ) وَهُوَ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْجِهَادِ (قُلْت) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ كَلِمَةُ عَدْلٍ قَالَ (وَعَمَلٌ خَامِسٌ) وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا. قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنْ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَقْدِرُوا ثَلَاثِينَ» وَلِلْبُخَارِيِّ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَلِمُسْلِمٍ «فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا» ..   Qحَدِيثٍ فِيهِ «وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ عَمَلِ آدَمِيٍّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَالُوا وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِك حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَلَاثَ مِرَارٍ» انْتَهَى. [حَدِيث لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ» ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ «فَاقْدِرُوا لَهُ» وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثِينَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ إلَّا أَنْ يَغُمَّ عَلَيْكُمْ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» وَلَهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ طُرُقٌ أُخْرَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ أَصْحَابُ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالُوا فِيهِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» ، وَكَذَا رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ» لَمْ يَقُلْ فَاقْدِرُوا لَهُ وَالْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَاقْدِرُوا لَهُ» ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ثُمَّ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» قَالَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ، فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» فَهَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو بَكْرَةَ وَطَلْقٌ الْحَنَفِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ» بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» فَكَيْفَ يَسْتَغْرِبُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا وَيَنْقُلُهُ مِنْ طُرُقٍ غَرِيبَةٍ وَلَمَّا ذَكَرَ هُوَ فِي التَّمْهِيدِ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ذَكَرَهَا بِلَفْظِ «فَاقْدِرُوا لَهُ» لَيْسَ فِيهَا فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَقَالَ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فَلَمْ يَسْتَحْضِرْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا عَلَيْهِ وَهَذَا الْبُخَارِيُّ قَدْ رَوَاهُ فِي صَحِيحه مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» ، وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ عَنْهُ، وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ هَكَذَا رَوَاهُ الْمُزَنِيّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَعْنَبِيِّ مِنْ جِهَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ مَحْفُوظَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ رَوَاهُ عَلَى اللَّفْظَتَيْنِ جَمِيعًا انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ بِلَا كَرَاهَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَالُ رَمَضَانُ عَلَى انْفِرَادِهِ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ. قَالُوا فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ وَقُمْنَا رَمَضَانَ وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ وَيُنْدَبُ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَدَخَلَ رَمَضَانُ وَحَضَرَ رَمَضَانُ وَأُحِبُّ رَمَضَانَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَهْيِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ، وَقَوْلُهُمْ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا تُطْلَقُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ كَرَاهَةٌ انْتَهَى. [فَائِدَة صوم شَهْر رَمَضَان قَبْل رُؤْيَة الْهِلَال] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَيْ إذَا لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ اقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» لَحَصَّلَتْ الْغَرَضَ وَدَلَّتْ عَلَى مَنْعِ الصَّوْمِ فِي كُلِّ صُورَةٍ لَمْ يُرَ فِيهَا الْهِلَالُ لَكِنَّهُ زَادَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» . وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي لِلتَّأْكِيدِ أَوْرَثَتْ عِنْدَ الْمُخَالِفِ شُبْهَةً بِحَسَبِ تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ «فَاقْدِرُوا لَهُ» فَالْجُمْهُورُ قَالُوا مَعْنَاهُ قَدَرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَيْ اُنْظُرُوا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاحْسُبُوا تَمَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَدَرْت الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَقْدُرُهُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَقَدَّرْته بِالتَّشْدِيدِ وَأَقْدَرْته بِهَمْزَةِ أَوَّلِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23] . وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ «فَاقْدُرُوا ثَلَاثِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» . وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ كُلُّهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْحَدِيثُ إذَا جُمِعَتْ طُرُقُهُ تَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلَيْسَ ذَلِكَ اضْطِرَابًا فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَقَدْ «ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُورَةَ الْغَمِّ عَلَيْنَا بَعْدَ قَوْلِهِ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَعَادَ إلَى الصُّورَتَيْنِ مَعًا» أَيْ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ أَوْ فِطْرِكُمْ فَذَكَرَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصُّورَةُ الْأُخْرَى وَأَتَى فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِعِبَارَةٍ مُتَنَاوِلَةٍ لَهُمَا فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ» وَمِنْ الْعَجِيبِ اعْتِرَاضُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَدْ أَخْرَجَهَا فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» ثُمَّ عَدَّ جَمَاعَةٌ رَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ هَذَا الْحَنْبَلِيُّ وَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ لِلْخَبَرِ انْتَهَى. وَغَايَتُهُ أَنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ خَاصَّةٌ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي حَكَاهَا عَنْ غَيْرِهِ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِهَا عَلَى رَمَضَانَ لَا سِيَّمَا وَهُمْ يُؤَوِّلُونَ قَوْلَهُ «فَاقْدِرُوا لَهُ» كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْهِلَالِ تَحْتَ السَّحَابِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ شَعْبَانُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَةِ كَلَامِ هَذَا الْحَنْبَلِيِّ لِكَلَامِ أَئِمَّتِهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يُحْمَلَ الشَّرْطُ فِي قَوْلِهِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ» عَلَى صُورَةٍ وَالْجَزَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» عَلَى صُورَةٍ غَيْرِهَا. وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ فَقَالَ فِي تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ أَيَّ شَهْرٍ غُمَّ أُكْمِلَ ثَلَاثِينَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ وَرَمَضَانُ وَغَيْرُهُمَا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ يَرْجِعُ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» أَيْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ وَفِطْرِكُمْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِسْمَاعِيلِيُّ غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ وَهَذَا مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ أَحَدَهُمَا. وَذَكَرَ الرَّاوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ لِلشَّهْرَيْنِ» انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِنَّ أَحْسَنَ مَا يُقَدَّرُ لَهُ إذَا رَأَيْنَا هِلَالَ شَعْبَانَ لِكَذَا وَكَذَا فَالصَّوْمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَذَا وَكَذَا إلَّا أَنْ يَرَوْا الْهِلَالَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تُغْمَى عَلَيْكُمْ الْعِدَّةُ» . وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَهُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ مُفَسِّرٌ لَهُ وَمُبَيِّنٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ «فَأَقْدِرُوا لَهُ» (قُلْت) وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ «فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ «فَإِنْ حَالَ دُونَهُ غَمَامَةٍ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا» وَعِنْدَ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ «فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابَةٌ أَوْ ظُلْمَةٌ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ» . وَهَذَا عَلَى مَا قَدَّمْته فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد صُورَةً وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ أُخْرَى، وَأَتَى فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَالتِّرْمِذِيِّ بِمَا يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ اضْطِرَابًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ «أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ الْعِرْقِ فَأَرْسَلْنَا رَجُلًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَلَقِينَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا، وَذَكَرَهُ» وَهَذَا شَاهِدٌ لِرِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرُوا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد «عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا عِنْدَ الْغَمِّ عَلَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت «فَاقْدِرُوا لَهُ» إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاقْدِرُوا لَهُ» ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَوْجَبَ الصِّيَامَ مِنْ الْغَدِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا كَانَ فِي مَحَلِّ الْهِلَالِ مَا يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُ مِنْ غَيْمٍ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نَظَرَ لَهُ فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا الصَّنِيعَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ (قُلْت) وَكَأَنَّ الرَّاوِيَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى النَّقْضِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي كَوْنِهِ قَالَ بِمَا يَقْتَضِي حُمِلَ التَّقْدِيرُ عَلَى التَّضْيِيقِ وَتَقْدِيرُهُ تَحْتَ السَّحَابِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى وَلَوْ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَصَّلَ بَيْنَهُمَا كَيْفَ «وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِنَهْيِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ» . وَقَدْ تَبِعَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ سَمَّاهُ دَرْءُ اللَّوْمِ وَالضَّيْمِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ الْغِفَارِيِّ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ وَقَالَ بِهِ مِنْ كُبَرَاءِ التَّابِعِينَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٌ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ فِي آخَرِينَ حَكَاهُ عَنْهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي حِكَايَتِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فَذَكَرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَأَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ إنَّمَا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ وَالِدِي وَهُوَ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عِنْدَ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا فِي الْغَيْمِ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مُبَيِّنًا، وَلَا يَحِلُّ الِاخْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى قَالَ وَالِدِي وَالْمَعْرُوفُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخِلَافُ ذَلِكَ فَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ إذَا حَضَرَ رَمَضَانُ فَيَقُولُ «أَلَا لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ» . وَمُسْتَنَدُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ مَا رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت الْهِلَالَ إمَّا عِنْدَ الظُّهْرِ وَإِمَّا قَرِيبًا مِنْهُ فَأَفْطَرَ نَاسٌ مِنْ النَّاسِ فَأَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَأَخْبَرْنَاهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَبِإِفْطَارِ مَنْ أَفْطَرَ فَقَالَ هَذَا الْيَوْمُ يَكْمُلُ لِي أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ أَيُّوبَ أَرْسَلَ إلَيَّ قَبْلَ صِيَامِ النَّاسِ إنِّي صَائِمٌ غَدًا فَكَرِهْت الْخِلَافَ عَلَيْهِ فَصُمْت وَأَنَا مُتِمٌّ صَوْمَ يَوْمِي هَذَا إلَى اللَّيْلِ، قَالَ وَالِدِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لِلْغَيْمِ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ كَرَاهِيَةً لِلِاخْتِلَافِ عَلَى الْأَمِيرِ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ (إنَّ الْخِيَرَةَ إلَى الْأَمِيرِ فِي صِيَامِ لَيْلَةِ الْغَيْمِ) فَلَمْ يَصُمْهُ أَنَسٌ عَنْ رَمَضَانَ، وَقَدْ أَفْطَرَ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَأَرَادَ أَنَسٌ تَرْكَ الْخِلَافِ عَلَى أَمْرِهِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ كَمَا فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ نَهَى أَنْ يَتَعَجَّلَ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ (لَأَنْ أَصُومَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ) ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَرِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا أَثَرُ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْهُ وَضَعَّفَهُ قَالَ: وَأَمَّا أَثَرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَلَمْ أَرَ لَهُ إسْنَادًا قَالَ وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ فَهُوَ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ قَالَ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءَ وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَعَوَامّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِنَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُتَابِعْ ابْنَ عُمَرَ عَلَى تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت إلَّا طَاوُسٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ انْتَهَى وَذَهَبَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ قَدِّرُوهُ بِحِسَابِ الْمَنَازِلِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عَلَيْهِ لِشُذُوذِهِ فِيهِ وَلِمُخَالَفَةِ الْحُجَّةِ لَهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ مِثْلَهُ، وَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يَعْرُجُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ فِي كُتُبِهِ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهُ (قُلْت) لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمُعَارَضَةِ فِي إنْكَارِهِ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حِسَابَ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ كُلِّفُوا بِهِ ضَاقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا أَفْرَادٌ وَالشَّرْعُ إنَّمَا يُعَرِّفُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُهُ جَمَاهِيرُهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ قَوْلَهُ فَاقْدِرُوا خِطَابٌ لِمَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذَا الْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» خِطَابٌ لِلْعَامَّةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَكَأَنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ جَعَلَهُ مُخْتَلِفَ الْحَالِ يَجِبُ عَلَى قَوْمٍ بِحِسَابِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَعَلَى آخَرِينَ بِحِسَابِ الْجُمَلِ، إنَّ هَذَا لَبَعِيدٌ عَنْ النُّبَلَاءِ فَكَيْفَ عَنْ الْعُلَمَاءِ؟ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ مَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ هُوَ مَعْرِفَةُ سَيْرِ الْأَهِلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحِسَابِ عَلَى مَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الدَّرْسِ فَالْحِسَابُ أَمْرٌ دَقِيقٌ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْآحَادُ، وَالْمَعْرِفَةُ بِالْمَنَازِلِ كَالْمَحْسُوسِ يَشْتَرِكُ فِي ذِكْرِهِ الْجُمْهُورُ مِمَّنْ يُرَاقِبُ النُّجُومَ، انْتَهَى. فَمَعْرِفَةُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ هِيَ الَّتِي قَالَ بِهَا ابْنُ سُرَيْجٍ ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا قَالَ بِهَا فِي حَقِّ الْعَارِفِ بِهَا خَاصَّةً وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْعَارِفِ بِهَا، وَإِنَّمَا قَالَ بِجَوَازِهِ لَهُ كَذَا ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ عَنْهُ وَنَقَلَ الْجَوَازَ أَيْضًا عَنْ اخْتِيَارِ الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ، وَحَكَى الشَّيْخُ فِي الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لُزُومَ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِذَا جَمَعْت بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْحَاسِبِ وَالْمُنَجِّمِ وَنَظَرْت فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِلَى غَيْرِهِمَا وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ حَصَلَ لَك فِي ذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْجُهٌ جَمَعَهَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ مُلَخَّصَةً بَعْدَ بَسْطِهَا (أَصَحُّهَا) لَا يَلْزَمُ الْحَاسِبُ وَلَا الْمُنَجِّمُ وَلَا غَيْرُهُمَا بِذَلِكَ وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَلَا يُجْزِيهِمَا عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَرْضِهِمَا. (وَالثَّانِي) تَجُوزُ لَهُمَا يُجْزِيهِمَا (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَيُجْزِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُهُمَا (وَالْخَامِسُ) يَجُوزُ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا تَقْلِيدُ الْحَاسِبِ دُونَ الْمُنَجِّمِ وَأَهْمَلَ النَّوَوِيُّ مِنْ الْأَوْجُهِ وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَقَدْ حَكَاهُ حِينَ بَسَطَ الْكَلَامَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحَكَى عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ قَالَ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ وَعُرِفَ رَجُلٌ بِالْحِسَابِ وَمَنَازِلِ الْقَمَرِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّهْرَ بِدَلِيلٍ فَأَشْبَهَ مَنْ عَرَفَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَصُومُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ جَمَاعَةٌ ثُمَّ حَكَى عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَمَّا بِالْحِسَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُجُوبِ ثُمَّ حَكَى عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ بِمَا يَقْتَضِيهِ حِسَابُ الْمُنَجِّمِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ الصَّوْمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ، وَكَذَا مَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَتَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْجُمْهُورِ مَنْعَ الْحَاسِبِ وَالْمُنَجِّمِ مِنْ الصَّوْمِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظِيرٌ مَذْكُورٌ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُنَجِّمُ دُخُولَ الْوَقْتِ بِالْحِسَابِ. فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ لِلنَّوَوِيِّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَعْنَى الْعَمَلِ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْجَوَازِ كَمَا فِي الصِّيَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَجَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَى الْحَاسِبِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ وَأَمَّا مَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ مِنْ الْأُفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ كَالْغَيْمِ فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ قَالَ وَلَيْسَ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ تُشْتَرَطُ فِي اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي الْمَطْمُورَةِ إذَا عَلِمَ بِإِكْمَالِ الْمُدَّةِ أَوْ الِاجْتِهَادِ بِالْأَمَارَاتِ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ رَآهُ، قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْمَحْبُوسُ فِي الْمَطْمُورَةِ مَعْذُورٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَعَادَ، وَحُصُولُ الْغَيْمِ فِي الْمَطَالِعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَمْرٌ مُعْتَادٌ وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ لِلْوُجُوبِ إنَّمَا هُوَ الرُّؤْيَةُ لَا عِلْمَ ذَلِكَ بِالْحِسَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسِبُ وَلَا نَكْتُبُ» الْحَدِيثَ انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا بَسَطَاهُ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالرُّؤْيَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ [فَائِدَة صوم يَوْم الشَّكّ] 1 (الرَّابِعَةُ) تَكَلَّمْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ وَلَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ لَا بِتَقْدِيرٍ تَحْتَ السَّحَابِ فِي الْغَيْمِ وَلَا بِرُجُوعٍ إلَى حِسَابٍ، بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ جَوَازُ صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ مَنْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ قَبَلَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالُوا لَا يَنْعَقِدُ صَوْمُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَاقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقَالُوا إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا. (الْخَامِسَةُ) وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ مَنْعُ صَوْمِهِ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ أَيْضًا، وَقَدْ جَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ صَوْمَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَتَطَوُّعًا إذَا وَافَقَ وِرْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّطَوُّعِ بِصَوْمِهِ بِلَا سَبَبٍ فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَقَالُوا بِتَحْرِيمِهِ، فَإِنْ صَامَهُ فَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ بُطْلَانُهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً بِكَرَاهَتِهِ، وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ صَوْمَهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَلَمْ يَكْرَهُوا التَّطَوُّعَ لِصَوْمِهِ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَفْرُوضٌ فِي يَوْمِ الشَّكِّ لَا فِي مُطْلَقِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَوْمُ الشَّكِّ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تُحُدِّثَ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا مَنْ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَحَدَّثْ بِرُؤْيَتِهِ أَحَدٌ فَلَيْسَ يَوْمَ شَكٍّ وَلَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً. [فَائِدَة ثُبُوت رَمَضَان بِعَدْلِ وَاحِد] (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ النَّاسِ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ كُلُّ فَرْدٍ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ وَهُوَ عَدْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُدَّعِي «شَاهِدَاك» إلَّا أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ يُكْتَفَى فِي ثُبُوتِهِ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْته فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الصِّيَامِ وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَشْهَرُ قَوْلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَأَصَحُّهُمَا لَكِنْ آخِرُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ فَفِي الْأُمِّ قَالَ الرَّبِيعُ قَالَ الشَّافِعِيِّ بَعْدُ لَا يَجُوزُ عَلَى رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ، وَإِذَا قُلْنَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدُ فَهَلْ هُوَ رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً وَلَا فَرْقَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَوْ مُغَيِّمَةً وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْجُمْهُورَ عَلَى الِاكْتِفَاءٍ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ لَكِنْ خَصُّوا ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غُبَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ وَأَجْرَوْهُ مُجْرَى الرِّوَايَةِ فَقَبِلُوا فِيهِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَقَالُوا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَذَهَبَتْ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ كَسَائِرِ الشُّهُودِ، وَقَالَ بِهِ أَيْضًا الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَعَدِيٌّ أَبُو ثَوْرٍ الثُّبُوتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ إلَى شَوَّالٍ أَيْضًا وَعَدَّاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى ذِي الْحَجَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ الْحَجِّ وَذَلِكَ بِرَدِّ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِفْطَارِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ. [فَائِدَة إذَا رَأَى أَهْل بَلْدَة هِلَال رَمَضَان فَهَلْ يَلْزَم أَهْل بَلْدَة أُخْرَى] 1 (السَّابِعَةُ) قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ بِبَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْ أَهْلُ بَلَدٍ أُخْرَى لَمْ يَرِدْ فِيهَا الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ «حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» وَأَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ لَمْ يَرَوْهُ. وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَعَدِّيهِ إلَى بَقِيَّةِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ الْحَالُ عَلَى رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا مَعْنَى لِتَقْيِيدِهِ بِالْبَلَدِ بَلْ إذَا ثَبَتَ بِقَوْلِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ فِي الشَّرِيعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى سَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذَاهِبَ فَبَعْضُهُمْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ لَا يَتَعَدَّاهُمْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِمْ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اسْتِهْلَالِهِ رَمَضَانَ بِالشَّامِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الْعِدَّةَ أَوْ نَرَاهُ. وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَامَّ يَعْنِي قَوْلَهُ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ» لَا حَدِيثًا خَاصًّا بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدِي انْتَهَى. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ آخَرُونَ إذَا رُئِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ جَمِيعِ الْبِلَادِ الصَّوْمُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنْ تَقَارَبَتْ الْبَلَدَانِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَإِنْ تَبَاعَدَتَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْآخَرِ وَالثَّانِي الْوُجُوبُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ. وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِي ضَبْطِ الْبُعْدِ أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ التَّبَاعُدَ أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَطَالِعُ كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، وَالتَّقَارُبَ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالرَّيِّ وَقَزْوِينَ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَالثَّانِي) أَنَّ التَّبَاعُدَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِير وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. (وَالثَّالِثُ) اعْتِبَارُهُ بِاتِّحَادِ الْأَقَالِيمِ وَاخْتِلَافِهِ وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ يَلْزَمُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنْ ثَبَتَ بِأَمْرٍ شَائِعٍ لَزِمَ الْبَعِيدَ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَاهِدَيْنِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَلْزَمُ الْقَضَاءَ جَمَاعَتُهُمْ إذَا كَتَبَ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةٍ أَوْ رُؤْيَةٍ إلَى مَنْ لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ. وَقَدْ حَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. [فَائِدَة الْمُنْفَرِد بِرُؤْيَةِ الْهِلَال هَلْ يَصُوم وَحْده] 1 (الثَّامِنَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَعَلَى وُجُوبِ الْإِفْطَارِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِفْطَارِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَقَالَ الثَّلَاثَةُ لَا يُفْطِرُ بَلْ يَسْتَمِرُّ صَائِمًا احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ الْفِطْرُ وَلَكِنْ يُخْفِيهِ لِئَلَّا يُتَّهَمَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصُومُ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصُومُ إلَّا فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ. [فَائِدَة رُؤْيَة الْهِلَال لَيْلًا] (التَّاسِعَةُ) يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ رُؤْيَتَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا لَكِنَّهُ إذَا رُئِيَ نَهَارًا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَصُومُوا وَإِنْ كَانَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُفْطِرُوا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّهُ إنْ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ الْهِلَالُ مَعْنَاهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ يُقَالُ غُمَّ وَأُغْمِيَ وَغُمِيَ وَغُمِّيَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا وَالْغَيْنُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَهُوَ مِنْ قَوْلِك غَمَمْت الشَّيْءَ إذَا غَطَّيْته فَهُوَ مَغْمُومٌ وَيُقَالُ أَيْضًا غَبِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ خَفِيَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ غُبِّيَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُمَا مِنْ الْغَبَاءِ بِالْمَدِّ وَهُوَ شِبْهُ الْغُبْرَةِ فِي السَّمَاءِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ أَيْضًا «فَإِنْ عُمِيَ عَلَيْكُمْ» بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْعَمَى قَالَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ ذَهَابُ الْبَصَرِ عَنْ الْمُشَاهَدَاتِ أَوْ ذَهَابُ الْبَصِيرَةِ عَنْ الْمَعْقُولَاتِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: بَدَأَ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَقْسَمْتَ أَلَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّك قَدْ دَخَلْت عَنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ؟ فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   Q [حَدِيث إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرِينَ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ. وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ بَدَأَ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّك قَدْ دَخَلْت عَنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرِينَ» كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّوْمِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَفِي الطَّلَاقِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا» قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ، وَذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ عَقِبَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُؤَالِهِ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ وَفِي آخِرِهِ وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «آلَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ» وَرُوِيَتْ الْقِصَّةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَابِرٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَغَيْرِهِمَا. (الثَّانِيَةُ) اسْتَشْكَلَ قَوْلُهَا «فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَيَّ» لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَهْرٌ لَا عَلَى الْكَمَالِ وَلَا عَلَى النُّقْصَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً بِأَيَّامِهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَرِّخُ بِاللَّيَالِيِ وَتَكُونُ الْأَيَّامُ تَابِعَةً لَهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا (فَإِنْ قُلْت) فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَخَرَجَ إلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ دُخُولُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قُلْت قَدْ أَوَّلُهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صَبَاحُ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهِيَ صَبِيحَةُ ثَلَاثِينَ وَدَعَاهُ إلَى ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَقْطَعُ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ: مَعْنَاهُ كُلُّهُ بَعْدَ تَمَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (الثَّالِثَةُ) صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ حَلِفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا «آلَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَائِهِ» أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَلِفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّ الْإِيلَاءَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْحَلِفِ لَكِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَلِفٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْإِيلَاءُ عِنْدَهُمْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَالْإِيلَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَتَعْدِيَتُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهَا بِمَنْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَاعَى الْمَعْنَى وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ وَهُوَ يَتَعَدَّى بِمِنْ. [فَائِدَة هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ جَوَازُ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا تَعَلَّقَتْ بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ مِنْ صَلَاحِ حَالِ الْمَهْجُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَهْجُورُ مُبْتَدِعًا أَوْ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ وَالْفُسُوقِ فَلَا يَحْرُمُ مُهَاجَرَتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا هِجْرَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» فَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْهِجْرَانُ لِحُظُوظِ النَّفْسِ وَتَعَنُّتَاتِ أَهْلِ الدُّنْيَا. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ هَذَا فِي الْهِجْرَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ كَانَ الْمَهْجُورُ مَذْمُومَ الْحَالِ لِبِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ لِدِينِ الْهَاجِرِ أَوْ الْمَهْجُورِ فَلَا يَحْرُمُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ مِنْ «هَجْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ وَنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ» ، وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ هِجْرَانِ السَّلَفِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا انْتَهَى. [فَائِدَة الْقَسْم عَلَى ترك الْأَزْوَاج شَهْرًا] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِبَدَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا قَبْلَ بَقِيَّةِ زَوْجَاتِهِ. (السَّادِسَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْسَمَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ وَجَاءَهُ ذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فَلَوْ تَمَّ ذَلِكَ الشَّهْرُ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ فِيهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَمَكَثَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَمَّا لَوْ أَقْسَمَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مُطْلَقًا لَمْ يَنْطَبِقْ الْحَلِفُ فِيهِ عَلَى أَوَّلِ الْهِلَالِ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِشَهْرٍ تَامٍّ بِالْعَدَدِ، هَذَا هُوَ الَّذِي نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ بِالِاكْتِفَاءِ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَهُ (فَإِنْ قُلْت) إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَهْرًا بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ، وَقَدْ رُئِيَ لِتَمَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَمَا وَجْهُ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَقَدْ كَمُلَ الشَّهْرُ بِالرُّؤْيَةِ؟ (قُلْت) يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. (أَحَدُهَا) أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ شَهْرٌ يُعَيِّنُهُ بِالْهِلَالِ بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ شَهْرٌ عَدَدِيٌّ فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ سُؤَالَهُ. (ثَانِيهَا) لَعَلَّ السَّائِلَ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْرَ الْمُعْتَبَرَ بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْهِلَالُ حَتَّى بَيَّنَهُ لَهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. (ثَالِثُهَا) يُحْتَمَلُ أَنَّ السَّائِلَ عَرَفَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ وَعَرَفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْهِلَالُ دُونَ الْعَدَدِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا رَأَوْا الْهِلَالَ لِمَانِعٍ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَنْتَصِبُوا لِرُؤْيَتِهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ رَمَضَانَ وَلَا شَعْبَانَ وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغَيْبِ انْقِضَاءَ الشَّهْرِ بِوَحْيٍ فَأَخْبَرَ بِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ «أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» . (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرِينَ) كَذَا فِي أَصْلِنَا وَعِشْرِينَ وَكَأَنَّهُ خَبَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَحَدُكُمْ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ   Qكَانَ الْمُقَدَّرَةِ تَقْدِيرُهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَحَذْفُ كَانَ وَاسْمِهَا وَإِبْقَاءُ عَمَلِهَا إنَّمَا هُوَ كَثِيرٌ بَعْد إنْ أَوْ لَوْ لَكِنَّهُ قَدْ وَرَدَ بَعْدَ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإِلَى ائْتِلَافِهَا أَيْ مِنْ لَدُنْ كَانَتْ هِيَ شَوْلًا فَإِلَى أَنْ تَلَاهَا وَلَدُهَا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تِسْعٌ مَنْصُوبٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ كِتَابَتِهِ بِالْأَلِفِ بِجَعْلِ فَتْحَتَيْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا. (الثَّامِنَةُ) إنْ قُلْت ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ فَقَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ (قُلْت) عَنْهُ أَجْوِبَةٌ. (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَعْنَى كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ. (ثَانِيهَا) أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي أَقْسَمَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى الْغَالِبِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الشَّهْرِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَا صُمْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ، وَكَذَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (رَابِعُهَا) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَهُوَ النُّقْصَانُ أَيْ إنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ، وَقَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ فَلَا تَأْخُذُوا أَنْتُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ أَنْفُسَكُمْ احْتِيَاطًا وَلَا تَقْصُرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا وَلَكِنْ اُرْبُطُوا عِبَادَتَكُمْ بِرُؤْيَتِهِ وَاجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَالِهِ انْتَهَى. [حَدِيث إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَحَدُكُمْ جُنُبٌ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَحَدُكُمْ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ يَوْمَئِذٍ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 يَوْمَئِذٍ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَهُ مِنْ الْفَضْلِ. زَادَ مُسْلِمٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا إمَّا مَنْسُوخٌ كَمَا رَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ أَوْ مَرْجُوحٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْبُخَارِيُّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ) وَعِنْدَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ..   Qوَوَصَلَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مَرْجُوحٌ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا فَقَالَ، وَقَالَ هَمَّامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ» وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَالْقَارِئُ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ (لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا أَنَا قُلْت مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ) لَفْظُ النَّسَائِيّ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ فَاسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ ثُمَّ نَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ أَصْبَحْت فَاسْتَفْتَيْته فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَفْطِرْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَجِئْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْت لَهُ الَّذِي أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْت لَأُوجِعَنَّ مَتْنَيْك صُمْ فَإِنْ بَدَا لَك أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ) . ثُمَّ رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي اسْمِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ يُسَمِّهِ وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا رَوَاهُ قَبْلَهُ «عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ذَكَرَ ذَلِكَ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَعْلَمُ ". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَفِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَهُمَا قَالَتَاهُ لَك؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ هُمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَقَالَ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ. وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ الْكُبْرَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ هِيَ يَعْنِي عَائِشَةَ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَّا إنَّمَا كَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَفْتِيهِ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ لَسْت مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتْقَاكُمْ» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ نَهْيُ مَنْ أَجْنَبَ لَيْلًا وَاسْتَمَرَّ جُنُبًا فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ عَنْ الصَّوْمِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ كَالْجِمَاعِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لِاحْتِلَامٍ وَلَا بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقُولُ إنَّهُ لَوْ صَامَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَاهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ مَا سَأَحْكِيهِ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَفِيهِ (قَوْلٌ ثَانٍ) أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ اغْتِسَالٍ فَهُوَ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَصْبَحَ فَهُوَ صَائِمٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَطَاوُسٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَحُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَفِيهِ قَوْلٌ (ثَالِثٌ) أَنَّهُ يُتِمُّ صَوْمَهُ وَيَقْضِيهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلٍ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَفِيهِ قَوْلٌ (رَابِعٌ) أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ وَيَقْضِي فِي الْفَرْضِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَفِيهِ قَوْلٌ (خَامِسٌ) وَهُوَ صِحَّةُ صَوْمِهِ مُطْلَقًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ أَمْ لَا وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى ثُمَّ ارْتَفَعَ هَذَا الْخِلَافُ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ هَذَا عَلَى صِحَّتِهِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ وَفِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ قَالَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مُخَالِفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ صَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا أَوْ كَالْإِجْمَاعِ. (الثَّالِثَةُ) أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي تَأْوِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى النَّسْخِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُحَرَّمًا عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ الْجِمَاعَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِلْجُنُبِ إذَا أَصْبَحَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِارْتِفَاعِ الْحَظْرِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَكُونَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُمْ أَيْ مَنْ جَامَعَ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ النَّوْمِ فَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُ غَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصْبِحُ جُنُبًا إلَّا وَلَهُ أَنْ يَطَأَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُفْتِي بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنَّسْخِ فَلَمَّا سَمِعَ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَجَعَ إلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ فُتْيَاهُ فِيمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَنَّهُ لَا يَصُومُ انْتَهَى وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى النَّسْخِ، وَذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجْهُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. (ثَانِيهَا) أَنَّهُ مَرْجُوحٌ قَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْبُخَارِيُّ فَقَالَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ أَسْنَدُ وَذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَتَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَعَانٍ: (مِنْهَا) أَنَّهُمَا زَوْجَتَاهُ وَزَوْجَتَاهُ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْ رَجُلٍ إنَّمَا يَعْرِفُهُ سَمَاعًا أَوْ خَبَرًا. (وَمِنْهَا) أَنَّ عَائِشَةَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحِفْظِ وَأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَافِظَةٌ وَرِوَايَةُ اثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الَّذِي رَوَتَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْرُوفُ فِي الْمَعْقُولِ وَالْأَشْبَهُ بِالسُّنَنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْغُسْلَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْجِمَاعِ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ عَلَى صَائِمٍ، وَقَدْ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَيُتِمُّ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْ فِي نَهَارٍ، وَجَعْلُهُ شَبِيهًا بِالْمُحْرِمِ يُنْهَى عَنْ الطِّيبِ ثُمَّ يَتَطَيَّبُ حَلَالًا ثُمَّ يُحْرِمُ وَعَلَيْهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ التَّطَيُّبِ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ يَسْمَعُ الرَّجُلُ سَائِلًا يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ جَامَعَ بِلَيْلٍ فَأَقَامَ مُجَامِعًا بَعْدَ الْفَجْرِ شَيْئًا فَأَمَرَ بِأَنْ يَقْضِيَ (فَإِنْ قَالَ) فَكَيْفَ إذَا أَمْكَنَ هَذَا عَلَى مُحَدِّثٍ ثِقَةٍ ثَبَتَ حَدِيثُهُ وَلَزِمَتْ بِهِ حُجَّةٌ، قِيلَ كَمَا يَلْزَمُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ مَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا غَيْرُهُمَا، وَقَدْ يُمْكِنُ عَلَيْهِمَا الْغَلَطُ وَالْكَذِبُ وَلَوْ شَهِدَ غَيْرُهُمَا بِضِدِّ شَهَادَتِهِمَا لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا تُسْمَعُ إذَا انْفَرَدَ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا انْتَهَى. وَمِنْ الْعَجِيبِ إهْمَالُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هَذَا الْجَوَابَ مَعَ كَوْنِهِ جَوَابَ صَاحِبِ مَذْهَبِهِ الَّذِي هُوَ مُقَلِّدُهُ. [فَائِدَة مِنْ طلع عَلَيْهِ الْفَجْر وَهُوَ مَجَامِع] 1 (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَنْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَالشَّيْءُ يُسَمَّى بِاسْمِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مَآلُهُ فِي الْعَاقِبَةِ إلَيْهِ. (رَابِعًا) إنَّهُ إرْشَادٌ إلَى الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَوْ خَالَفَ جَازَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَقُولُونَ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيَانَ لِلنَّاسِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْبَيَانِ وَهَذَا كَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَطَافَ عَلَى الْبَعِيرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّوَافَ مَاشِيًا أَفْضَلُ وَهُوَ الَّذِي تَكَرَّرَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ انْتَهَى. [فَائِدَة مِنْ احتلم بِاللَّيْلِ فَأَصْبَحَ صَائِمًا] 1 (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ احْتَلَمَ فِي اللَّيْلِ وَأَمْكَنَهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ وَأَصْبَحَ جُنُبًا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ احْتَلَمَ بِالنَّهَارِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صَوْمِ الْجُنُبِ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا قَدْ تُوَافِقُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِتَصْوِيرِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالْجِمَاعِ وَلِقِيَاسِهِ عَلَى الِاحْتِلَامِ بِالنَّهَارِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ إجْمَاعًا قَدِيمًا قَبْلَ إجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنَّ فَتْوَى أَبِي هُرَيْرَةَ لِوَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ فَتْوَاهُ بِالْجِمَاعِ بَلْ طَرَدَهُ فِي الِاحْتِلَامِ أَيْضًا، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ يُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا مُفَصَّلًا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ بِجَنَابَتِهِ ثُمَّ يَنَامَ قَبْلَ الصُّبْحِ أَمْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي إدْخَالِ صُورَةِ الِاحْتِلَامِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْحَائِض أَوْ النُّفَسَاء إذَا انْقَطَعَ دَمهَا لَيْلًا ثُمَّ طلع الْفَجْر] (الْخَامِسَةُ) فِي مَعْنَى مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا الْحَائِضٌ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لَيْلًا ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ اغْتِسَالِهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ بِصِحَّةِ صَوْمِهَا وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا لَا نَعْلَمُ أَصَحَّ عَنْهُ أَمْ لَا. قَالَ وَسَوَاءٌ تَرَكَتْ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَالْجُنُبِ (قُلْت) فِي حِكَايَةِ النَّوَوِيِّ إجْمَاعَ الْكَافَّةِ إلَّا مَا لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ نَظَرٌ، فَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إذَا أَخَّرَتْ غُسْلَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيَوْمُهَا يَوْمُ فِطْرٍ؛ لِأَنَّهَا فِي بَعْضِهِ غَيْرِ طَاهِرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ، قَالُوا فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «إنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا إنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي لَسْت فِي ذَلِكَ مِثْلَكُمْ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ» زَادَ   Qوَلَيْسَتْ كَاَلَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فَيَصُومُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَالْحَيْضَ يَنْقُضُهُ، وَقَالَ هَذِهِ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ وَكَيْفَ تَكُونُ فِي بَعْضِهِ حَائِضًا، وَقَدْ كَمُلَ طُهْرُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ أَنَّهُ رَأَى عَلَيْهَا قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا أَشْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث النَّهْىُ عَنْ الْوِصَالِ] الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْوِصَالِ، قَالُوا فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا إنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ إنِّي لَسْت كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قَالُوا فَإِنَّك تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي لَسْت فِي ذَلِكُمْ مِثْلَكُمْ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ «فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِين أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ» وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «نَهَاهُمْ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ» .   Qإنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاصَلَ فِي رَمَضَانَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ فَقِيلَ لَهُ إنَّك تُوَاصِلُ، قَالَ إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ فِي رَمَضَانَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى قِيلَ إنَّهُ ابْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ «فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «إنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي» وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَتْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَعَزْوُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ لِمُسْلِمٍ وَهْمٌ. (الثَّانِيَةُ) الْوِصَالُ هُنَا أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَصَاعِدًا، وَلَا يَتَنَاوَلُ فِي اللَّيْلِ لَا مَاءً وَلَا مَأْكُولًا فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا يَسِيرًا أَوْ شَرِبَ وَلَوْ قَطْرَةً فَلَيْسَ وِصَالًا، وَكَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإنْ أَخَّرَ الْأَكْلَ إلَى السَّحَرِ لِمَقْصُودٍ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِوِصَالٍ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ هُوَ أَنْ يَصِلَ صَوْمَ اللَّيْلِ بِصَوْمِ النَّهَارِ قَصْدًا فَلَوْ جَرَكَ الْأَكْلَ بِاللَّيْلِ لَا عَلَى قَصْدِ الْوِصَالِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْعِصْيَانُ فِي الْوِصَالِ لِقَصْدِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالْفِطْرُ حَاصِلٌ بِدُخُولِ اللَّيْلِ كَالْحَائِضِ إذَا صَلَّتْ عَصَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَلَاةٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْوِصَالَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي اللَّيْلِ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا عَدَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ كَالْجِمَاعِ وَالِاسْتِقَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِصَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْوِصَالِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الضَّعْفِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ تَزِيدُهُ أَوْ لَا تَمْنَعُ حُصُولَهُ لَكِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْوِصَالُ الْمَكْرُوهُ أَنْ لَا يَطْعَمَ بِاللَّيْلِ بَيْنَ يَوْمَيْ صَوْمٍ وَيَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي قَالَ الْوِصَالُ أَنْ يَتْرُكَ بِاللَّيْلِ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ إفْطَارٍ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ يَزُولُ بِمَا يَزُولُ بِهِ صُورَةُ الصَّوْمِ، قَالَ شَيْخُنَا الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا وَتَعْبِيرُهُمْ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ بِاللَّيْلِ مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرَاتِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى. وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْوِصَالَ هُوَ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ حَلِّ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ حَكَى فِي حُكْمِهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: التَّحْرِيمُ، وَالْجَوَازُ، وَثَالِثُهَا: أَنْ يُوَاصِلَ إلَى السَّحَرِ قَالَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُوَاصَلَةَ إلَى السَّحَرِ دَاخِلَةٌ فِي حَدِّ الْوِصَالِ وَأَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْوِصَالِ حَرَامٌ حَتَّى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَاصِلَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِتَأْخِيرِ الْفِطْرِ قَلِيلًا وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ لَا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَلَا غَيْرُهُمْ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا حَكَى عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْإِمْسَاكَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ كَإِمْسَاكِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ انْتَهَى وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَرْدُودٌ، أَمَّا تَحْرِيمُ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إنَّمَا أَرَادَ تَحْرِيمَ الْإِمْسَاكِ الْمُسْتَمِرِّ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ وَلَمْ يُرِدْ تَحْرِيمَ مُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَاعْتِقَادُ كَوْنِهِ صَوْمًا شَرْعِيًّا وَالْخَلَلُ فِي ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْقَاضِي وَأَنَّهَا غَيْرُ وَافِيَةٍ بِالْمَقْصُودِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ لَهُ أَجْرَ الصَّائِمِ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَاللَّيْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ وَلَوْ نَوَاهُ فِيهِ لَمْ يَنْعَقِدْ فَكَيْفَ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَوْمِهِ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ لَكِنَّ قَوْلَهُ إيَّاكَ وَالْوِصَالَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَا تُوَاصِلُوا. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى النَّهْيِ عَنْهُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ كَرَاهَتَهُ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا ابْنَ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ قَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَنَفْيِهِ ثُمَّ اخْتَارَ جَوَازَهُ إلَى السَّحَرِ وَكَرَاهِيَتَهُ إلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ تَقْرِيرِهِ كَرَاهَتَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ» . «وَبِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا» . وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثٍ أَنَسٍ «لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ» . وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِهِ عَنْ قَوْلِهَا رَحْمَةً لَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ. لِئَلَّا يَتَكَلَّفُوا مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَعَنْ الْوِصَالِ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا بِأَنَّهُ احْتَمَلَ لِلْمَصْلَحَةِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَمْكِينُهُمْ مِنْهُ تَنْكِيلٌ لَهُمْ وَمَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَا يَكُونُ مِنْ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْوِصَالِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَفْعَلُهُ، وَرَوَى ابْنُ شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ عَقْرَبٍ قَالَ دَخَلْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ صَبِيحَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ مُوَاصِلٌ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا حَتَّى يُعَادَ وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْوِصَالِ لِلصَّائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَهُوَ مُفْطِرٌ ثُمَّ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَاصَلَ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبِرٍ قَالَ وَتَأَوَّلَ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْأَمْعَاءَ وَاللَّبَنُ أَلْطَفُ غِذَاءٍ وَالصَّبِرُ يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ. وَفِي الِاسْتِذْكَارِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثَلَاثًا فَقِيلَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ لَا وَمَنْ يَقْوَى، يُوَاصِلُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَةً، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الذَّاهِبُونَ إلَى الْكَرَاهَةِ وَقَالُوا نَهْيُهُمْ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةٌ بِهِمْ وَرِفْقٌ لَا إلْزَامٌ وَحَتْمٌ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِ وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْحِجَامَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تُوَاصِلُ إلَى السَّحَرِ فَقَالَ إنَّنِي أُوَاصِلُ إلَى السَّحَرِ وَرَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» . (الرَّابِعَةُ) فِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك تُوَاصِلُ، دَلِيلٌ عَلَى اسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ فَطَلَبُوا الْجَمْعَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي النَّهْيِ وَفِعْلِهِ الدَّالِ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ فَأَجَابَهُمْ بِاخْتِصَاصِ فِعْلِهِ بِهِ وَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّاهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى غَيْرِهِ. (الْخَامِسُ) فِيهِ إنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إبَاحَةُ الْوِصَالِ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ رَسُولِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أُمُورٍ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَظَرَهَا عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْوِصَالَ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْوِصَالُ مِنْ خَصَائِصِ مَا أُبِيحَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى أُمَّتِهِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اتِّفَاقَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ ثُمَّ ذَكَرَ خِلَافًا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ فَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ وَعَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ وَتَقَدَّمَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنِّي لَسْت فِي ذَلِكُمْ مِثْلَكُمْ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ» . (السَّادِسَةُ) فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ «امْرَأَةِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَتْ كُنْت أَصُومُ فَأُوَاصِلُ فَنَهَانِي بَشِيرٌ، وَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانِي عَنْ هَذَا قَالَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى وَلَكِنْ صُومِي كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ أَتَمِّي الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَأَفْطِرِي» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ مُخَالَفَةُ النَّصَارَى فِي فِعْلِهِمْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حُجَّةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الصِّيَامِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ أَوْ يَمَلَّهَا وَيَسْأَمَ لِضَعْفِهِ بِالْوِصَالِ إذْ يَتَضَرَّرُ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ حَوَاسِّهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ انْتَهَى. وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ «فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. [فَائِدَة قَوْلُ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أطعم وأسقى] 1 (السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» وَقَوْلِهِ «إنِّي أَبَيْت يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» عَلَى أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ مَعْنَاهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إذْ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَبْقَ وِصَالٌ وَلَقَالَ مَا أَنَا بِمُوَاصِلٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ هُنَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّمَنِّي وَعَزْوُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِلْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرْته، هَذَا هُوَ الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ أَظَلُّ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَوْ أَكَلَ فِي النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا وَهَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ، وَقَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ فَعَبَّرَ بِالطَّعَامِ وَالسُّقْيَا عَنْ فَائِدَتِهِمَا وَهِيَ الْقُوَّةُ عَلَى الصَّبْرِ عَنْهُمَا. (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ مِنْ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَا يُغْنِيهِ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُعْطَى قُوَّةَ الطَّاعِمِ الشَّارِبِ مِنْ غَيْرِ شِبَعٍ وَلَا رِيٍّ بَلْ مَعَ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ وَهَذَا أَكْمَلُ لِحَالِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يُخْلَقُ فِيهِ الشِّبَعُ بِلَا أَكْلٍ وَالرِّيُّ بِلَا شُرْبٍ وَهَذِهِ كَرَامَةٌ عَظِيمَةٌ لَكِنَّهَا تُنَافِي حَالَةَ الصَّائِمِ وَتُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ مِنْ الصِّيَامِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُبْعِدُهُ النَّظَرُ إلَى حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَجُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُ وَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحِجَارَةَ مِنْ الْجُوعِ وَيُبْعِدُهُ أَيْضًا النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ فِيهِ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ لَمَا وَجَدَ لِعِبَادَةِ الصَّوْمِ رُوحَهَا الَّذِي هُوَ الْجُوعُ وَالْمَشَقَّةُ وَحِينَئِذٍ كَانَ يَكُونُ تَرْكُ الْوِصَالِ أَوْلَى انْتَهَى وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ فَإِنَّهُ ضَعَّفَ حَدِيثَ وَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ الْجُوعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إمَّا حَمْلًا لَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَوَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَإِمَّا تَمَسُّكًا بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَقَالَ هَذَا الْخَبَرُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ وَضْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ كُلُّهَا أَبَاطِيلُ، قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحُجْزُ لَا الْحَجَرُ وَالْحُجْزُ طَرَفُ الْإِزَارِ إذْ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا كَانَ يُطْعِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْقِيهِ إذَا وَاصَلَ فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ جَائِعًا مَعَ عَدَمِ الْوِصَالِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى شَدِّ حَجَرٍ عَلَى بَطْنِهِ؟ وَمَا يُغْنِي الْحَجَرُ عَنْ الْجُوعِ؟ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ذَلِكَ مَرْدُودٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ صَرِيحَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُؤْتَى الطَّعَامَ مِنْ الْجَنَّةِ وَشَرِبَ مِنْهَا فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ كَرَامَةً لَهُ وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا وَبِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» وَلَفْظَةُ أَظَلُّ لَا تَكُونُ إلَّا فِي النَّهَارِ وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ الْحَقِيقِيُّ فِي النَّهَارِ بِلَا شَكٍّ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْجَوَابُ لَعَلَّهُ يَخُصُّ مَنْعَ الْأَكْلِ نَهَارًا بِطَعَامِ الدُّنْيَا دُونَ طَعَامِ الْجَنَّةِ أَوْ يُؤَوِّلُ لَفْظَةَ أَظَلُّ عَلَى مُطْلَقِ السُّكُونِ وَيَخْرُجهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا وَكُلًّا مِنْهَا بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعُ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَشْغَلُنِي عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْحُبُّ الْبَالِغُ يَشْغَلُ عَنْهُمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ وَيَسْقِينِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ لُغَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْفَتْحُ، وَقَوْلُهُ «فَاكْلَفُوا» بِفَتْحِ اللَّامِ مَعْنَاهُ خُذُوا وَتَحَمَّلُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ أَوْ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ؟ زَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ «وَيُبَاشِرُ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَلِمُسْلِمٍ «فِي رَمَضَانَ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصه.   Q [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ] الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ أَوْ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَفْظُ مُسْلِمٍ «يُقَبِّلُنِي» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «يُقَبِّلُ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ (أَسَمِعْتَ أَبَاك يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ نَعَمْ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضُحِكَتْ» وَلَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ طُرُقٌ أُخْرَى (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ضُبِطَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي الْأَشْهَرِ مِنْهُمَا فَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ أَشْهَرُهُمَا وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ الثَّانِيَ عَنْ رِوَايَةِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَرَبٌّ وَإِرْبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيْ حَاجَةٌ وَالْإِرْبُ أَيْضًا الْعُضْوُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَمَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَرُ وَالْحَاجَةُ وَكَذَلِكَ بِالْفَتْحِ وَلَكِنَّهُ يُطْلَقُ الْمَفْتُوحُ أَيْضًا عَلَى الْعُضْوِ (قُلْت) صَوَابُهُ الْمَكْسُورُ فَلَا نَعْلَمُ الْمَفْتُوحَ يُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ الْحَاجَةُ وَبِالْكَسْرِ فِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ الْحَاجَةُ أَيْضًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ الْعُضْوُ وَعَنَتْ بِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ الذَّكَرَ خَاصَّةً، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ فِي رِوَايَةِ الْكَسْرِ فَسَّرُوهُ بِحَاجَتِهِ وَقِيلَ لِعَقْلِهِ وَقِيلَ لِعُضْوِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْخَطَّابِيُّ: كَذَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَالْأَرَبُ الْعُضْوُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَرَبِهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَلِأُرْبَتِهِ أَيْ لِحَاجَتِهِ قَالُوا الْأَرَبُ أَيْضًا الْحَاجَةُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُوَطَّإِ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ «أَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ» انْتَهَى. وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فَقَالَ وَمَعْنَى لِأَرَبِهِ تَعْنِي لِنَفْسِهِ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْغَرِيبُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَلَاغًا «وَأَيُّكُمْ أُمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ أَنَّ الْأَرَبَ الْحَاجَةَ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِأَرْبِهِ» أَيْ أَغْلَبَكُمْ لِهَوَاهُ وَحَاجَتِهِ، وَقَالَ السُّلَمِيُّ الْأَرْبُ الْفَرْجُ هَهُنَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ اهـ وَتَخْصِيصُهُ فِي أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْفَرْجِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ كَمَا قَالَهُ وَلَكِنَّهُ لِمُطْلَقِ الْعُضْوِ وَأُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ هُنَا عُضْوٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْفَرْجُ لِقَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَرْبُ الْعُضْوُ الْمُوَفَّرُ الْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْعُضْوُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ مُوَفَّرًا كَامِلًا (الثَّالِثَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ: (أَحَدُهَا) هَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا الرُّخْصَةَ فِيهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَا بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ يُعِدْ ذَلِكَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا بَأْسَ بِهَا وَإِنَّهَا لَبَرِيدُ سُوءٍ وَعَنْ مَسْرُوقٍ مَا أُبَالِي قَبَّلْتُهَا أَوْ قَبَّلْت يَدِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرَجَّحَهُ وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا فَأَرْسَلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qامْرَأَتَهُ تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا، وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ ثُمَّ رَجَعَتْ امْرَأَتُهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَوَجَدَتْ عِنْدهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؟ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ قَدْ أَخْبَرْتُهَا فَذَهَبَتْ إلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا، وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ هَلْ زَوْجُك شَيْخٌ أَوْ شَابٌّ وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ مُرَادَهُ انْتَهَى. وَالْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَ عَطَاءً أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَاتَّصَلَ بِذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَجَّحَهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ جَوَازُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ مُفْسِدٍ فَلَا يَلُمْ الشَّرِيعَةَ وَلَكِنْ لِيَلُمْ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ الْمُسْتَرْسِلَةَ عَلَى الْمَخَاوِفِ. (الثَّانِي) كَرَاهَتُهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقًا وَأَبِي قِلَابَةَ النَّهْيَ عَنْهَا وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ (مَا تَصْنَعُ بِخُلُوفِ فِيهَا) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَائِمٍ قَبَّلَ فَقَالَ أَفْطَرَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَفَلَا يُقَبِّلُ جَمْرَةً؟ وَعَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي يَتَّقِي اللَّهَ وَلَا يَعُودُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ تُنْقِصُ صِيَامَهُ وَلَا يُفْطِرُ لَهَا، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ تَجْرَحُ الصَّوْمَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَعَنْ مَسْرُوقٍ اللَّيْلُ قَرِيبٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَغَيْرِهِمَا كَرَاهَتُهَا لِلصَّائِمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ (قُلْت) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَفْطَرَ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ، وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْقُبْلَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا إنْزَالٌ، وَرَوَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ وَبِالْكَرَاهَةِ يَقُولُ مَالِكٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ شَأْنُهُ فِي الِاحْتِيَاطِ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فَتُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُونَ الشَّيْخِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَكْحُولٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا قَدَّمْته مِنْ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقُبْلَةِ الْجِمَاعَ وَالْإِنْزَالَ فَتُبَاحَ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَأْمَنَ فَتُكْرَهَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقُبْلَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّوْمِ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ لَكِنْ الْأَوْلَى تَرْكُهَا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْكَرَاهَةِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَقَدْ جَعَلَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ وَأَنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَارَةِ وَالْمَعْنَى هُوَ وَاحِدٌ هُوَ الَّذِي تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَهُ وَجْهٌ وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالشَّيْخِ وَالشَّابِّ جَرْيٌ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ الشُّيُوخِ فِي انْكِسَارِ شَهْوَتِهِمْ وَمِنْ أَحْوَالِ الشَّبَابِ فِي قُوَّةِ شَهْوَتِهِمْ فَلَوْ انْعَكَسَ الْأَمْرُ كَشَيْخٍ قَوِيِّ الشَّهْوَةِ وَشَابٍّ ضَعِيفِ الشَّهْوَةِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَجَعَلْتهمَا مَذْهَبَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى نَفْسِ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا، وَصَاحِبَ الْقَوْلِ الرَّابِعِ نَظَرَ إلَى وُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مَظِنَّتِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةَ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ قَوِيٍّ كُرِهَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا كَشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفٍ لَمْ تُكْرَهْ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُقَبِّلُ ذَا شَهْوَةٍ مُفْرِطَةٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَبَّلَ أَنْزَلَ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْقُبْلَةُ وَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ لَكِنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ التَّقْبِيلُ وَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ فَفِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. (الْقَوْلُ السَّادِسُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ صِيَامِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَيُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ» فَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْأَصْلُ اسْتِوَاءُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ أَفْعَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرْعٌ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ مُطْلَقًا بِأَنَّ غَيْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُسَاوِيهِ فِي حِفْظِ نَفْسِهِ عَنْ الْمُوَاقَعَةِ بَعْدَ مَيْلِهِ إلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا خَاصًّا بِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهَا وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَرُدُّهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لِأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْحِمْيَرِيُّ. كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنُ أُمِّ سَلِمَةَ وَاحْتَجَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ أَوْ بَيْنَ مَنْ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْمُوَاقَعَةَ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَأْمَنُهَا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ آمِنًا مِنْ ذَلِكَ لِشِدَّةِ تَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ فَكُلُّ مَنْ أَمِنَ ذَلِكَ كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَالْتَحَقَ بِهِ فِي حُكْمِهِ وَمَنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مُغَايِرٌ لَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ لَا، فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَنَظَرَ بَعْضُنَا إلَى بَعْضٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ، إنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ» فِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ مُخْتَلَفُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَلَكِنْ بَدَلُ الْقُبْلَةِ الْمُبَاشَرَةُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ كَرِهَ الْقُبْلَةَ لَمْ يَكْرَهَا لِنَفْسِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ» لَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِذْنِ وَهُوَ شَاهِدٌ، وَقَالَ «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ» الْحَدِيثُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ» .   Qوَإِنَّمَا كَرِهَهَا خَشْيَةَ مَا تَؤُولُ إلَيْهِ مِنْ الْإِنْزَالِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْمَذْيُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ مَنْ قَبَّلَ وَسَلَّمَ مِنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا وَهُوَ يَشْتَرِطُ السَّلَامَةَ مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا مِمَّا يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَلَوْ قَبَّلَ فَأَمْذَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْبَغْدَادِيُّونَ يَقُولُونَ إنَّ الْقَضَاءَ هُنَا اسْتِحْبَابٌ انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ الْفِطْرُ فِي صُورَةِ مَا إذَا قَبَّلَ فَأَمْذَى عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. (الرَّابِعَةُ) الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْقُبْلَةِ تَقْبِيلُ الْفَمِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ سَوَاءٌ قَبَّلَ الْفَمَ أَوْ الْخَدَّ أَوْ غَيْرَهُمَا. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهَا «يُقَبِّلُ أَوْ يُقَبِّلُنِي» الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ الْجَزْمُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَزْمُ بِقَوْلِهَا «يُقَبِّلُنِي» أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَلَهَا شَوَاهِدُ وَهِيَ أَخَصُّ وَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَفِيهَا جَوَازُ الْإِخْبَارِ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَتَصْرِيحُهَا بِذِكْرِ نَفْسِهَا تَأْكِيدٌ لِمَا تُخْبِرُ بِهِ وَإِنَّهَا ضَابِطَةٌ لِذَلِكَ لِكَوْنِهَا صَاحِبَةَ الْوَاقِعَةِ لَمْ تُخْبِرْ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا وَهُوَ أَدْعَى لِقَبُولِ ذَلِكَ وَالْأَخْذِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ] الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَأَبُو دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «لَا تَصُمْ» بِلَفْظِ النَّهْيِ وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد «غَيْرَ رَمَضَانَ» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الْجُمْلَةَ الثَّالِثَةَ فَقَطْ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ فِي النِّكَاحِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إلَيْهِ شَطْرُهُ» ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْ لِلْبُخَارِيِّ «إذَا أَطْعَمَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ» وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ النَّهْيِ «لَا تَصُمْ» كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، قَالَ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ حَرَامًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِمَعْنًى آخَرَ لَا لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى نَفْسِ الصَّوْمِ فَهُوَ كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَبُولُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي نَظَائِرِهَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ انْتَهَى. وَمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ احْتَاجَ إلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ «لَا يَحِلُّ» عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ حَلَالًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ رَاجِحُ التَّرْكِ مَكْرُوهٌ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مُسْتَنْكَرٌ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ هَذَا اللَّفْظُ فَلَفْظُ النَّهْيِ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَكَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ النَّهْيِ وَتَأَكُّدِهِ يَكُونُ بِحَمْلِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَسَبَبُهُ أَنَّ الزَّوْجَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي كُلِّ الْأَيَّامِ وَحَقُّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَفُوتُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِتَطَوُّعٍ وَلَا بِوَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَهَابُ انْتِهَاكَ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) قَيَّدَ النَّهْيَ عَنْ الصَّوْمِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْلُهَا أَيْ زَوْجُهَا شَاهِدًا أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا فِي الْبَلَدِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ لَهَا صَوْمَ التَّطَوُّعِ فِي غَيْبَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ، وَمَا الْمُرَادُ بِغَيْبَتِهِ هُنَا؟ هَلْ الْمُرَادُ الْغَيْبَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ عَنْ الْبَلَدِ وَلَوْ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ وَقَصُرَتْ مُدَّتُهَا؟ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ تَرْجِيحُ هَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ لَكِنْ لَوْ ظَنَّتْ قُدُومَهُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ بَلْ يَجْرِي عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ كُلِّهَا فَمَتَى ظَنَّتْ قُدُومَهُ فِي يَوْمٍ حَرُمَ عَلَيْهَا صَوْمُهُ وَلَوْ بَعُدَتْ بَلَدُ الْغَيْبَةِ وَطَالَتْ مُدَّتُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْرُمَ اسْتِصْحَابًا لِلْغَيْبَةِ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهَا. (الرَّابِعَةُ) فِي مَعْنَى غَيْبَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِزَوْجَتِهِ فَلَهَا حِينَئِذٍ الصَّوْمُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ. (الْخَامِسَةُ) هَلْ الْمُرَادُ إذْنُهُ صَرِيحًا أَوْ يَكْفِي مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ احْتِفَافِ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِذَلِكَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّ احْتِفَافَ الْقَرَائِنِ وَاطِّرَادَ الْعَادَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ. (السَّادِسَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «غَيْرَ رَمَضَانَ» وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَائِهِ فَلَا يُحْتَاجُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إذْنِهِ وَلَا يُمْتَنَعُ بِمَنْعِهِ وَفِي مَعْنَى صَوْمِ رَمَضَانَ كُلُّ صَوْمٍ وَاجِبٍ مُضَيَّقٍ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا تَعَدَّتْ بِالْإِفْطَارِ أَوْ كَانَ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ وَلَكِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا قَدْرُ الْقَضَاءِ أَوْ نَذَرَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ بِإِذْنِهِ صِيَامَ أَيَّامٍ بِعَيْنِهَا، وَالْمُوَسَّعُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَالْكَفَّارَةُ وَالنَّذْرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَهُوَ كَالتَّطَوُّعِ فِي أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَصْحَابُنَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ (قُلْت) وَكَذَا صَوْمُ الْكَفَّارَةِ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ تَصُومُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْفُرُوضَ كُلَّهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. قَالَ وَصِيَامُ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَكُلُّ نَذْرٍ تَقَدَّمَ لَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا إيَّاهُ مَضْمُومٌ إلَى رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا افْتَرَضَ رَمَضَانَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] فَأَسْقَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الِاخْتِيَارَ فِيمَا قَضَى بِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاسْتِئْذَانَ فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة نَكَحَ امْرَأَة وَهِيَ صَائِمَة فَهَلْ لَهُ الْحَقّ فِي تَفْطِيرهَا] 1 (السَّابِعَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَمَّا دَوَامُهُ كَمَا لَوْ نَكَحَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ فَهَلْ لَهُ حَقٌّ فِي تَفْطِيرِهَا؟ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْإِفْطَارِ قَالَ وَفِي نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ. (الثَّامِنَةُ) فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بَيَانُ سَبَبِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إذَا صَلَّيْتُ وَيُفْطِرُنِي إذَا صُمْت وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَ: وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ. فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهَا يُفْطِرُنِي فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَا أَصْبِرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ لَا تَصُومُ امْرَأَةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» فَيَنْبَغِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي أَسْبَابِ الْحَدِيثِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ شَرَعَ فِي تَصْنِيفِ أَسْبَابِ الْحَدِيثِ كَأَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَمَةُ الْمُسْتَبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَالزَّوْجَةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا وَالْعَبْدُ فَإِنْ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ بِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِنَقْصٍ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا وَلَمْ يَنْقُصَا جَازَ وَأَطْلَقَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَاتِ السَّيِّدِ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَالَ الْبَعْلُ اسْمٌ لِلسَّيِّدِ وَلِلزَّوْجِ فِي اللُّغَةِ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» هُوَ فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ كَقَوْلِهِ «لَا تَصُومُ» لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ «لَا تَصُمْ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْتَاتُ عَلَى الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَالِكِي الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا بِالْإِذْنِ فِي أَمْلَاكِهِمْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ رِضَا الزَّوْجِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَنَحْوُهُ، فَإِنْ عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُهَا رِضَاهُ بِهِ جَازَ كَمَا سَبَقَ فِي النَّفَقَةِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْإِذْنَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ دُخُولِ الْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُخُولٌ عَلَيْهَا بِأَنْ أَذِنَتْ فِي دُخُولِ شَخْصٍ فِي مَكَان لَيْسَتْ فِيهِ إمَّا مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ فِيهَا وَإِمَّا فِي دَارٍ أُخْرَى مُنْفَرِدَةٍ عَنْ سَكَنِهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِكَوْنِ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَمُسْلِمٍ تَقْيِيدُ الْمَنْعِ بِكَوْنِ الزَّوْجِ شَاهِدًا أَيْ حَاضِرًا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهَا الْإِذْنَ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ هُنَا أَوْلَى فَإِنَّ غَيْبَتَهُ فِي ذَلِكَ كَحُضُورِهِ بَلْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَقَدْ يَسْمَحُ الْإِنْسَانُ بِدُخُولِ النَّاسِ مَنْزِلَهُ فِي حُضُورِهِ وَلَا يَسْمَحُ بِذَلِكَ فِي غَيْبَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْقَيْدِ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَمُسْلِمٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ الْإِذْنَ لِلضِّيفَانِ وَنَحْوِهِمْ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ حُضُورِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَمَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَالْغَالِبُ أَنْ لَا يُطْرَقَ مَنْزِلُهُ أَصْلًا وَلَوْ طُرِقَ لَمْ تَأْذَنْ الْمَرْأَةُ فِي دُخُولِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ» وَهُنَّ اللَّاتِي غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الْقَيْدُ مَعْمُولٌ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا حَضَرَ يَعْسُرُ اسْتِئْذَانُهُ وَإِذَا غَابَ تَعَذَّرَ، وَقَدْ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَيُبَاحُ لَهَا حِينَئِذٍ ذَلِكَ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ لِتَعَذُّرِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة نَفَقَة الْمَرْأَة مِنْ غَيْر إِذْن زَوْجهَا] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ وَيَكُونُ مَعَهَا إذْنٌ عَامٌّ سَابِقٌ مُتَبَادَلٌ لِهَذَا الْقَدْرِ وَغَيْرِهِ إمَّا بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا بِالْعُرْفِ. قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ الْأَجْرَ مُنَاصَفَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إذَا أَنْفَقَتْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ وَلَا مَعْرُوفٍ مِنْ الْعُرْفِ فَلَا أَجْرَ لَهَا بَلْ عَلَيْهَا وِزْرٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ. قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَفْرُوضٌ فِي قَدْرٍ يَسِيرٍ يُعْلَمُ رِضَى الْمَالِكِ بِهِ فِي الْعَادَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ» فَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنَّهُ قَدْرٌ يُعْلَمُ رِضَا الزَّوْجِ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَنَبَّهَ بِالطَّعَامِ أَيْضًا عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسْمَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي حَقِّ أَكْثَرِ النَّاسِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا الَّذِي اكْتَسَبَهُ وَأَعْطَاهُ لَهَا فِي نَفَقَتِهَا فَلَهَا الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي إنْفَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ مِلْكِهَا وَلَهُ الْأَجْرُ بِاكْتِسَابِهِ وَدَفْعِهِ لَهَا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَتَّى مَا تَجْعَلُهُ فِي فِي امْرَأَتِك» فَجَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ فِيمَا أَعْطَاهُ لَهَا فَكَيْفَ مَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِهِ فَكَانَ بِاكْتِسَابِهِ سَبَبًا لِتِلْكَ الصَّدَقَةِ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا؟ قَالَ لَا إلَّا مِنْ قُوتِهَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَهَذَا إمَّا مَرْفُوعٌ إنْ كَانَ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَإِمَّا مَوْقُوفٌ لَكِنَّهُ مِنْ كَلَامِ رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَقِبَ رِوَايَتِهِ هَذَا يُضَعِّفُ حَدِيثَ هَمَّامٍ كَذَا حَكَى الْمُزَنِيّ فِي الْأَطْرَافِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَصْلِنَا مِنْ السُّنَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ» أَيْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَهَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ» فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ «عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: كُنْت مَمْلُوكًا فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ مَوَالِيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَالْأَجْرُ بَيْنَكُمَا نِصْفَانِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «أَمَرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أُقَدِّدَ لَحْمًا فَجَاءَنِي مِسْكِينٌ فَأَطْعَمْته مِنْهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ مَوْلَايَ فَضَرَبَنِي فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَدَعَاهُ فَقَالَ لِمَ ضَرَبْته؟ قَالَ يُعْطِي طَعَامِي بِغَيْرِ أَنْ آمُرَهُ، قَالَ الْأَجْرُ بَيْنَكُمَا» وَهَذِهِ الْمُنَاصَفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَظَاهِرِهَا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ لِهَذَا ثَوَابًا وَلِهَذَا ثَوَابًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ ثَوَابِهِمَا سَوَاءً بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَوَابُ هَذَا أَكْثَرَ، وَقَدْ يَكُونُ عَكْسَهُ، وَقَوْلُهُ هُنَا نِصْفَانِ مَعْنَاهُ قِسْمَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ ... شَامِتٌ وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ فَإِذَا أَعْطَى الْمَالِكُ لِخَازِنِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا لِيُوَصِّلَهَا إلَى مُسْتَحِقِّ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَأَجْرُ الْمَالِكِ أَكْثَرُ وَإِنْ أَعْطَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرُمَّانَةً أَوْ رَغِيفًا وَنَحْوَهُمَا حَيْثُ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ قِيمَةٍ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى مُحْتَاجٍ فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ بِحَيْثُ يُقَابَلُ مَشْيُ الذَّاهِبِ إلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيدُ عَلَى الرُّمَّانَةِ وَالرَّغِيفِ فَأَجْرُ الْوَكِيلِ أَكْثَرُ، وَقَدْ يَكُونُ عَمَلُهُ قَدْرَ الرَّغِيفِ مَثَلًا فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْأَجْرِ سَوَاءً، ذَكَرَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ وَأَشَارَ الْقَاضِي إلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَا سَوَاءً لِأَنَّ الْأَجْرَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدْرَكُ بِقِيَاسٍ وَلَا هُوَ بِحَسْبِ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مِنْ يَشَاءُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَعْنَى بِالْمُنَاصَفَةِ هَهُنَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَثُوبَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ أَجْرٌ كَامِلٌ وَهُمَا اثْنَانِ فَكَأَنَّهُمَا نِصْفَانِ انْتَهَى. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ؟ قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فِي الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ لَا إلَّا مِنْ قُوتِهَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ) وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِزَوْجِهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا يُنْقِصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا، لَهُ بِمَا كَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ» وَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ عَنْ أَسْمَاءَ «أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ فَقَالَ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْت وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْك» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَهُوَ أَتَمُّ وَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَعْطَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِطِيبِ نَفْسٍ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَإِنَّ لَهَا مِثْلَ أَجْرِهِ لَهَا مَا نَوَتْ حَسَنًا، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ» لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ) وَهُوَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ «لَمَّا بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ قَامَتْ امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نِسَاءِ مُضَرَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كَلٌّ عَلَى آبَائِنَا وَأَبْنَائِنَا» قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَرَى فِيهِ «وَأَزْوَاجِنَا فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟ قَالَ الرُّطَبُ تَأْكُلْنَهُ وَتُهْدِينَهُ» ثُمَّ قَالَ: أَحَادِيثُ الْبَابِ (مِنْهَا) مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْمَرْأَةِ أَنْ تُنْفِقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. (وَمِنْهَا) مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ. (وَمِنْهَا) مَا قُيِّدَ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الْإِنْفَاقِ بِكَوْنِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَبِكَوْنِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ وَهُوَ أَصَحُّهَا. (وَمِنْهَا) مَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّانِي. (وَمِنْهَا) مَا قُيِّدَ الْحِلُّ فِيهِ بِكَوْنِهِ رُطَبًا وَهُوَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ وَكَيْفِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ الْبِلَادِ وَبِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجِ فِي مُسَامَحَتِهِ بِذَلِكَ وَكَرَاهَتِهِ لَهُ وَبِاخْتِلَافِ الْحَالِ فِي الشَّيْءِ الْمُنْفَقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَسِيرًا يُتَسَامَحُ بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَطَرٌ فِي النَّفْسِ يُبْخَلُ بِمِثْلِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ رُطَبًا يُخْشَى فَسَادُهُ إنْ تَأَخَّرَ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ يُدَّخَرُ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا الْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ النَّاسِ بِالْحِجَازِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ فِي أَنَّ رَبَّ الْبَيْتِ قَدْ يَأْذَنُ لِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَلِلْخَادِمِ فِي الْإِنْفَاقِ مِمَّا يَكُونُ فِي الْبَيْتِ مِنْ طَعَامٍ وَإِدَامٍ وَنَحْوِهِ وَيُطْلِقُ أَمْرَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ مِنْهُ إذَا حَضَرَهُمْ السَّائِلُ وَنَزَلَ بِهِمْ الضَّيْفُ فَحَضَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى لُزُومِ هَذِهِ الْعَادَةِ وَاسْتِدَامَةِ ذَلِكَ الصَّنِيعِ وَوَعَدَهُمْ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ عَلَيْهِ وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ لِيَتَسَارَعُوا إلَيْهِ وَلَا يَتَقَاعَدُوا عَنْهُ. قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ تَفْتَاتَ الْمَرْأَةُ وَالْخَازِنُ عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ بِشَيْءٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا فِيهِ وَلَمْ يُطْلِقْ لَهُمَا الْإِنْفَاقَ مِنْهُ بَلْ يُخَافُ أَنْ يَكُونَا آثِمَيْنِ إذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ   Qعَلَى قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ نُقْصَانُهُ وَلَا يَظْهَرُ، وَقِيلَ فِي الثَّانِي: ذَلِكَ إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدِي مَحْمُولًا عَلَى الْعَادَةِ وَأَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ الْعَطَاءَ وَالصَّدَقَةَ وَفَعَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْقَلِيلَ وَلَمْ تُجْحِفْ وَعَلَى ذَلِكَ عَادَةُ النَّاسِ فِي غَيْرِ بِلَادِنَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ وَمَعْنَى غَيْرِ مُفْسِدَةٍ فَطِيبُ النَّفْسِ يَقْتَضِي إذْنَهُ صَرِيحًا أَوْ عَادَةً، وَقَوْلُهُ «غَيْرَ مُفْسِدَةٍ» يَقْتَضِي الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُجْحِفُ بِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْخَادِمِ بِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَلَهَا النَّظَرُ فِي بَيْتِهَا فَجَازَ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِمَا لَا يَكُونُ إسْرَافًا لَكِنْ بِمِقْدَارِ الْعَادَةِ وَمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُؤْلِمُ زَوْجَهَا، فَأَمَّا الْخَادِمُ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَتَاعِ مَوْلَاهُ [بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ] [حَدِيث الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ] بَابُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» .   Qفِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ وَالنَّاقِدِ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَى رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ رُؤْيَاكُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَاطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِلَيْلَةِ الْقَدْر إنَّ نَاسًا مِنْكُمْ قَدْ أُرُوا أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ وَأُرِيَ نَاسٌ مِنْكُمْ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الْغَوَابِرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «لِأَنَّ نَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّ نَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» وَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ مُلْتَمِسَهَا فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ جَبَلَةَ وَمُحَارِبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «تَحَيَّنُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْ قَالَ فِي التِّسْعِ الْأَوَاخِرِ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ عَنْ مَالِكٍ بَلَاغًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ نَافِعٍ وَلَا ابْنِ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَابَعَهُ قَوْمٌ قَالَ وَهُوَ مَحْفُوظٌ مَعْلُومٌ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيًا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ شُعْبَةُ فَذَكَرَ لِي رَجُلٌ ثِقَةٌ عَنْ سُفْيَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّمَا قَالَ مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيًا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْبَوَاقِي فَلَا أَدْرِي ذَا أَمْ ذَا» . شَكَّ شُعْبَةُ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ دُونَ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ «فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «أَرَى» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى أَعْلَمُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ مَجَازًا، وَقَوْلُهُ رُؤْيَاكُمْ أَيْ فِي الْمَنَامِ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُ الرُّؤْيَا بِالْمَنَامِ فَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا لِرَأَى مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ فِي الْيَقِظَةِ وَهِيَ هُنَا لِلْمَنَامِ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ «قَدْ تَوَاطَأَتْ» أَيْ تَوَافَقَتْ وَالْمُوطَأَةُ الْمُوَافَقَةُ كَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَطِئَ مَا وَطِئَهُ الْآخَرُ، وَرُوِيَ تَوَاطَتْ بِتَرْكِ الْهَمْزِ، وَقَوْلُهُ «فَالْتَمِسُوهَا» أَيْ اُطْلُبُوهَا اسْتَعَارَ لَهُ اللَّمْسَ، وَقَوْلُهُ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي أَيْ فِي اللَّيَالِيِ الْعَشْرِ الْبَوَاقِي مِنْ الشَّهْرِ وَهِيَ الْعَشْرُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الشَّهْرِ، وَقَوْلُهُ «فِي الْوِتْرِ» بَدَلٌ مِنْ الْعَشْرِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَالْوِتْرُ الْفَرْدُ وَفِي وَاوِهِ لُغَتَانِ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «رَأَوْا كَذَا» فِي رِوَايَتِنَا بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أُرُوا بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَضَمِّ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ «فَلْيَتَحَرَّهَا» أَيْ فَلْيَتَعَمَّدْ طَلَبَهَا وَالتَّحَرِّي الْقَصْدُ وَالِاجْتِهَادُ فِي الطَّلَبِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ. (الثَّالِثَةُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا لِمَا لَهَا مِنْ الْفَضَائِلِ أَيْ ذَاتُ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ أَوْ لِمَا يَحْصُلُ لِمُحْيِيهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُقَدَّرُ فِيهَا وَتُقْضَى أَقْوَالٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَيْنِ قَوْله تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وَيُؤَيِّدُ الْأَخِيرَ قَوْلُهُ {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر: 4] وَقَوْلُهُ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ فَتْحَ الدَّالِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِهَا فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ قَدْرُ الشَّيْءِ مَبْلَغُهُ وَقَدْرُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ بِمَعْنًى وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوا اللَّهَ حَقَّ تَعْظِيمِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ التَّقْدِيرِ فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ عَقِبَهُ وَالْقَدْرُ، وَالْقَدَرُ أَيْضًا مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَلَا يَا لَقَوْمٍ لِلنَّوَائِبِ وَالْقَدْرِ ... وَلِلْأَمْرِ يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْقَدْرُ وَالْقَدَرُ الْقَضَاءُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَالْقَدَرِ فَأَمَّا. (الْأَوَّلُ) فَالْمُرَادُ بِهِ الشَّرَفُ كَقَوْلِهِمْ لِفُلَانٍ قَدْرٌ فِي النَّاسِ يَعْنُونَ بِذَلِكَ مَزِيَّةً وَشَرَفًا (وَالثَّانِي) الْقَدْرُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] قَالَ عُلَمَاؤُنَا يُلْقِي اللَّهُ فِيهَا لِمَلَائِكَتِهِ دِيوَانَ الْعَامِ انْتَهَى. وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ تَسْكِينِ الدَّالِ إرَادَةُ التَّقْدِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت وَقَدْ جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ إرَادَةَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُقْرَأْ إلَّا بِالْإِسْكَانِ وَجَزَمَ الْهَرَوِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي تَفْسِيرِهَا بِالتَّقْدِيرِ فَقَالَا وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تُقَدَّرُ فِيهَا الْأَرْزَاقُ وَتُقْضَى وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَيْ لَيْلَةَ الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَذَلِكَ مِنْ اسْمِهَا وَمِنْ الْأَمْرِ بِتَحَرِّيهَا وَطَلَبِهَا وَقَدْ أَفْصَحَ بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] الْآيَةَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةَ فَلَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2] {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] » يَمْلِكُهَا بَعْدَك بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيِّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فَعَدَدْنَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا تَنْقُصُ يَوْمًا وَلَا تَزِيدُ يَوْمًا، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2] {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالَّتِي لَبِسَ فِيهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ» وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ الَّذِي بَدَأْنَا بِهِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَاَلَّذِي رَوَى مَالِكٌ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ» أَصَحُّ مِنْهُ وَأَوْلَى، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ لِيُبَيِّنَ بِذَلِكَ الْفَائِدَةَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَلَاغَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى مُسْنَدًا وَلَا مُرْسَلًا مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّإِ قَالَ وَلَيْسَ مِنْهَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا مَا يَدْفَعُهُ أَصْلٌ (قُلْت) حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ أَصْلٌ نَعَمْ الْمُرْسَلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ عِنْدِ الْبَيْهَقِيّ يَشْهَدُ لَهُ. [فَائِدَة بَقَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَاسْتِمْرَارُهَا] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ بَقَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَاسْتِمْرَارُهَا وَأَنَّهَا لَمْ تُرْفَعْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى وُجُودِهَا وَدَوَامِهَا إلَى آخِرِ الدَّهْرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا رُفِعَتْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حِينَ تَلَاحَى الرَّجُلَانِ فَرُفِعَتْ» وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّاذِّينَ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ» هَكَذَا هُوَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِهَا رَفْعُ بَيَانِ عِلْمِ عَيْنِهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ رَفْعَ وُجُودِهَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْتِمَاسِهَا انْتَهَى وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَا حَكَى أَصْحَابُنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَوْمٍ لَمْ يُسَمِّهِمْ الْجُمْهُورُ وَسَمَّاهُمْ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ هُوَ قَوْلُ الرَّوَافِضِ. (السَّادِسَةُ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْأَمْرُ بِطَلَبِهَا فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْأَمْرُ بِطَلَبِهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَإِنْ اتَّفَقَتَا عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا مُنْحَصِرٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ انْحِصَارُهَا فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ قَوْلٌ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ مِنْ اللَّيَالِيِ لَا يُخْطِئُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا انْحِصَارُهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ فَلَا نَعْلَمُ الْآنَ قَائِلًا بِهِ وَلْنَحْكِ الْمَذَاهِبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: (فَأَحَدُهَا) أَنَّهَا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَابَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَكِنْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ وَغَيْرِهِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ (سَأَلْت أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْت إنَّ أَخَاك ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ أَمَّا إنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقُلْت بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ بِالْعَلَامَةِ أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) وَيَشْهَدُ لِمَا فَهِمَهُ أُبَيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَقْرَبَ قَالَ غَدَوْتُ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ذَاتَ غَدَاةٍ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدْتُهُ فَوْقَ بَيْتٍ جَالِسًا فَسَمِعْنَا صَوْتَهُ وَهُوَ يَقُولُ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ فَقُلْنَا سَمِعْنَاكَ تَقَوُّلُ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ فَقَالَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي النِّصْفِ مِنْ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدَاتَئِذٍ صَافِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ فَنَظَرْتُ إلَيْهَا فَوَجَدْتُهَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِنَحْوِهِ. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الصَّهْبَاوَاتِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَذَلِكَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِلَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ إلَّا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرْتُ عَلَى عَزْوِهِ إلَيْهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ هِيَ فِي رَمَضَانَ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (قُلْتُ) وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَتَكَرَّرُ وَتُوجَدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ لَا أَنَّهَا وُجِدَتْ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ لِهَذَا الْقَوْلِ وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ قَالَ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ) مُحْتَمِلٌ لِهَذَا التَّأْوِيلِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تُلْتَمَسُ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَآكَدُهُ الْعَشْرُ الْأُخَرُ وَآكَدُهُ لَيَالِيِ الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اخْتِصَاصُهَا بِالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ كَمَا سَيَأْتِي. (الثَّالِثُ) (أَنَّهَا أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ) وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (الرَّابِعُ) أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ وَالْأَوَاخِرِ حَكَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَيَرُدُّهُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «مِنْ قَوْلِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك» . (الْخَامِسُ) أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَقَطْ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي أَعْتَكَفْت الْعَشْرَ الْأُوَلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ إنِّي أَعْتَكَفْت الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ» ثُمَّ أَتَيْت فَقِيلَ لِي إنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. (السَّادِسُ) أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: فِي رَمَضَانَ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَإِنَّهَا فِي وِتْرٍ فِي إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ فَمَنْ قَامَهَا ابْتِغَاءَهَا ثُمَّ وُفِّقَتْ لَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ فِي آخِر لَيْلَةٍ سُؤَالٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وِتْرًا إنْ كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا، وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا فَإِنَّهَا فِي وَتْرٍ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهِيَ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَا مَعْنَى لِعَطْفِهَا عَلَيْهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهَا فِي وِتْرٍ لَا عَلَى قَوْلِهِ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْوِتْرِ بَلْ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ. (السَّابِعُ) إنَّهَا تَخْتَصُّ بِإشْفَاعِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحِ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ إنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا قَالَ أَجَلْ نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكُمْ قَالَ قُلْت مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ؟ قَالَ إذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ وَهِيَ التَّاسِعَةُ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَاَلَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ. (الثَّامِنُ) أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ مَا أَشُكُّ وَمَا أَمْتَرِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ وَيَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فَقِيلَ لَهُ: تُحْيِي لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ؟ قَالَ: إنَّ فِيهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَفِي صَبِيحَتِهَا فُرِّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَكَانَ يُصْبِحُ فِيهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَهِيجَ الْوَجْهِ. (التَّاسِعُ) : أَنَّهَا لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا. (الْعَاشِرُ) أَنَّهَا تُطْلَبُ فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اُطْلُبُوهَا لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ سَكَتَ» . (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ الَّذِي فِيهِ «وَإِنِّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ وَإِنِّي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَأُصْبِحُ مِنْ لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ إلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَأَبْصَرْت الطِّينَ وَالْمَاءَ فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَجَبِينُهُ وَأَرْنَبَةُ أَنْفِهِ فِيهَا الطِّينُ وَالْمَاءُ وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» . (الثَّانِي عَشَرَ) أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْلُ جَمْعٍ كَثِيرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُرِيت لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَأَرَانِي صَبِيحَتَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ قَالَ فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْصَرَفَ وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْهُ أَيْضًا قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا وَأَنَا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْدِ اللَّهِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَنْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ» . (الثَّالِثَ عَشَرَ) أَنَّهَا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ) ذَكَرَهُ عَقِبَ حَدِيثِهِ «هِيَ فِي الْعَشْرِ فِي سَبْعٍ تَمْضِينَ أَوْ سَبْعٍ تَبْقَيْنَ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْحَدِيثِ فَيَكُونُ عُمْدَةً، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ» . (الرَّابِعَ عَشَرَ) إنَّهَا لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ، وَفِي ذَلِكَ أَثَرٌ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) أَنَّهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هِيَ فِي الْعَشْرِ فِي سَبْعٍ تَمْضِينَ أَوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ» يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ. (السَّادِسَ عَشَرَ) أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يَحْلِفُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ كَانَ عُمَرُ وَحُذَيْفَةُ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشُكُّونَ فِيهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا «لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» ، وَفِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَوَاتِ سَبْعًا وَالْأَرَضِينَ سَبْعًا وَالْأَيَّامَ سَبْعًا وَأَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مِنْ سَبْعٍ وَجُعِلَ رِزْقُهُ فِي سَبْعٍ وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَالطَّوَافُ سَبْعٌ وَالْجِمَارُ سَبْعٌ وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عَدَدَ كَلِمَاتِ السُّورَةِ إلَى قَوْلِهِ «هِيَ» سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ قُدَامَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ وَنَظِيرَيْنِ لَهُ وَهَذَا مِنْ مُلَحِ التَّفْسِيرِ وَلَيْسَ مِنْ مُتَعَيِّنِ الْعِلْمِ، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ ابْنِ بُكَيْر الْمَالِكِيِّ وَبَالَغَ فِي إنْكَارِهِ، وَقَالَ إنَّهُ مِنْ طَوَائِفِ الْوَسْوَاسِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى مَا غَابَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. (السَّابِعَ عَشَرَ) : أَنَّهَا لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. (الثَّامِنَ عَشَرَ) أَنَّهَا آخِرُ لَيْلَةٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَيَتَدَاخَلُ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ إذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ» ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي الْأَمْرُ «بِتَحَرِّيهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» وَلَمْ أَرَ قَائِلًا بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا عَدَدْنَاهُ قَوْلًا كَانَ. (تَاسِعَ عَشَرَ) وَإِنْ نَظَرْنَا لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اجْتَمَعَتْ مِنْ ذَلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ فَنَذْكُرُهَا مَعَ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا. (الْعِشْرُونَ) إنَّهَا لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ قَالَ «كُنْت فِي مَجْلِسِ بَنِي سَلِمَةَ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ، فَقَالُوا مَنْ يَسْأَلُ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَذَلِكَ صَبِيحَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَخَرَجْت فَوَافَيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «أَرْسَلَنِي إلَيْك رَهْطٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَسْأَلُونَك عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ كَمْ اللَّيْلَةَ قُلْت اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ قَالَ هِيَ اللَّيْلَةُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ أَوْ الْقَابِلَةُ يُرِيدُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ» . (الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ) لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ، فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا أَنَا بِمُلْتَمِسِهَا لِشَيْءٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَإِنِّي سَمِعْته يَقُولُ «الْتَمِسُوهَا لِتِسْعٍ يَبْقَيْنَ أَوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ أَوْ خَمْسٍ يَبْقَيْنَ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ) لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُخْبِرَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي خَرَجْت لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي التَّاسِعَةِ تَبْقَى لِتَقْدِيمِ التَّاسِعَةِ عَلَى السَّابِعَةِ وَهِيَ عَلَى الْخَامِسَةِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» فَأَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ التَّاسِعَةَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَالسَّابِعَةَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَالْخَامِسَةَ لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ يُرِيدُ فِي هَذَا عَلَى نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ. (الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَيْلَةُ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ قُمَّ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ» ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ قُمْ فِي الثَّالِثَةِ تَمْضِي لِتَقْدِيمِهِ لَهَا عَلَى الْخَامِسَةِ. (الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ) لَيْلَةُ السَّابِعِ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: إنَّهَا لَيْلَةٌ سَابِعَةٌ أَوْ تَاسِعَةٌ وَعِشْرِينَ إنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى» ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ «مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ» . (الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ) أَنَّهَا فِي أَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ، فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ» . (السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ) أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ لَيْلَةُ التَّاسِعِ أَوْ الرَّابِعَ عَشَرَ أَوْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ آخِرُ لَيْلَةٍ، رَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي تِسْعَةٍ، وَفِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَفِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ» وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَأَنَّهَا فِي الْأَوْتَارِ أَرْجَى مِنْهَا فِي الْأَشْفَاعِ وَأَرْجَاهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَالثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ كَانَ هَذَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُجِيبُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يُقَالُ لَهُ نَلْتَمِسُهَا فِي لَيْلَةِ كَذَا فَيَقُولُ الْتَمِسُوهَا فِي لَيْلَةِ كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَقْوَى الرِّوَايَاتِ عِنْدِي فِيهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ قَالَ وَكَأَنِّي رَأَيْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَقْوَى الْأَحَادِيثِ فِيهِ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَى. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فَتَكُونُ سَنَةً فِي لَيْلَةٍ وَسَنَةً فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ لِلشَّافِعِيِّ وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْهُ وَلَكِنْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهَا اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا إلَّا بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأَغْلَبُ مِنْ قَوْلِهِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يَتَضَادَّ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَيَكُونُ قَالَهُ، وَقَدْ مَضَى مِنْ الشَّهْرِ مَا يُوجِبُ قَوْلَ ذَلِكَ انْتَهَى وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى انْتِقَالِهَا فَعَلَيْهِ أَقْوَالٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تَنْتَقِلُ فَتَكُونُ إمَّا فِي لَيْلَةِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ. (الثَّانِي) أَنَّهَا فِي لَيْلَةِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَكِلَاهُمَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا فِي جَمِيعِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ ضَعِيفٌ. (الثَّالِثُ) أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِانْتِقَالِهَا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. (الرَّابِعُ) أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا فِي جَمِيعِ لَيَالِيِ رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ آكَدُ، وَفِي لَيَالِيِ الْوِتْرِ مِنْهُ آكَدُ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ أَحْمَدَ هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ مِنْ اللَّيَالِيِ لَا تُخْطِئُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ قَدَّمْت ذَلِكَ عَنْهُ وَمُقْتَضَاهُ اخْتِصَاصُهَا بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِهَا صَارَ هَذَا قَوْلًا خَامِسًا عَلَى الِانْتِقَالِ فَتَنْضَمُّ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْخَمْسَةُ لِمَا تَقَدَّمَ فَتَكُونُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَوْلًا مِمَّا حَكَيْنَاهُ وَالصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ انْتَهَى. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَخْفَى اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَنْ عِبَادِهِ لِئَلَّا يَتَّكِلُوا عَلَى فَضْلِهَا وَيُقَصِّرُوا فِي غَيْرِهَا فَأَرَادَ مِنْهُمْ الْجِدَّ فِي الْعَمَلِ أَبَدًا وَهَذَا يُحْسِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَانِيًا وَثَلَاثِينَ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَنْتَقِلُ أَبَدًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنْهُ وَلَا بُدَّ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَيْلَةُ عِشْرِينَ مِنْهُ فَهِيَ إمَّا لَيْلَةُ عِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ سِتٍّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ   Qوَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْتَارَ مِنْ الْعَشْرِ وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ فَأَوَّلُ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَهِيَ أَمَّا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَإِمَّا لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَوْتَارُ الْعَشْرِ بِلَا شَكٍّ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ رَمَضَانَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَسْلَكٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ وَبِهِ كَمُلَتْ الْأَقْوَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ الرُّؤْيَا وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّاتِ وَعَلَى مَا لَا يُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ وَأَمَرَهُ بِأَمْرٍ هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ؟ وَقِيلَ فِيهِ إنَّ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْيَقِظَةِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا عُمِلَ بِمَا ثَبَتَ فِي الْيَقِظَةِ؛ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْقُولِ مِنْ صِفَتِهِ فَرُؤْيَاهُ حَقٌّ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ وَالْعَمَلِ بِأَرْجَحِهِمَا وَمَا ثَبَتَ فِي الْيَقِظَةِ فَهُوَ أَرْجَحُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِمَا ثَبَتَ فِي الْيَقِظَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالِاسْتِنَادُ إلَى الرُّؤْيَا هُنَا فِي أَمْرٍ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ السَّبْعُ الْأَوَاخِرُ بِسَبَبِ الْمَرَائِي الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ لَزِمَهُ اسْتِحْبَابٌ شَرْعِيٌّ مَخْصُوصٌ بِالتَّأْكِيدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ اللَّيَالِيِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُنَافٍ لِلْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ عَنْ كِتَابِ آدَابِ الْجَدَلِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا رَأَى شَخْصٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ، وَقَالَ لَهُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ هَلْ يُعْمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ. [حَدِيث مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» وَزَادَ أَحْمَدُ فِي ذِكْرِ الصِّيَامِ «وَمَا تَأَخَّرَ» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.   Qإيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَتِهِمَا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» وَإِنْ كَانَ الْمِزِّيُّ ذَكَرَ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ» فَهُوَ وَهْمٌ، وَقَدْ تَبِعَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» انْتَهَى. فَاقْتَضَى أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ كَرِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى كَمَا سَأَذْكُرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْجُمْلَتَيْنِ إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» وَاقْتَصَرَ مُسْلِمٌ عَلَى الْأُولَى وَلَفْظُهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ» ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِرَمَضَانَ «مَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَا تَأَخَّرَ» ، وَقَدْ وَرَدَ غُفْرَانُ مَا تَأَخَّرَ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَيْضًا لَكِنَّهُ مِنْ حَدِيثِ صَحَابِيٍّ آخَرَ وَسَأَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا أَرَاهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إيمَانًا» أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ وَطَاعَةٌ، وَقَوْلُهُ وَاحْتِسَابًا أَيْ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ لَا بِقَصْدِ رُؤْيَةِ النَّاسِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِخْلَاصَ وَالِاحْتِسَابُ مِنْ الْحَسَبِ وَهُوَ الْعَدُّ كَالِاعْتِدَادِ مِنْ الْعَدِّ وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ يَنْوِي بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ احْتَسَبَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْتَدَّ عَمَلَهُ فَجُعِلَ فِي حَالِ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ. (الثَّالِثَةُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ قِيَامُ جَمِيعِ لَيْلِهِ بَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقِيَامٍ يَسِيرٍ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي مُطْلَقِ التَّهَجُّدِ وَبِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ وَبِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَأَبُو دَاوُد بِلَفْظِ «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» . وَكَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ» . ، وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِمَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ «وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ» أَيْ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ يَأْتِي فِي تَحْصِيلِ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ، وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بَلَاغًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَمَرَاسِيلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَعِيدٍ أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْجَدِيدِ مَا يُخَالِفُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْجَدِيدِ بِمُوَافَقَةٍ وَلَا بِمُخَالَفَةٍ فَهُوَ مَذْهَبُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا رَجَعَ مِنْ الْقَدِيمِ عَنْ قَدِيمِ نَصٍّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ كَانَ كَعَدْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَمَا الظَّنُّ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِيهَا. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ الْأَفْضَلُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ الْأَفْضَلُ فُرَادَى فِي الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَخْتَصُّ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ كَمَا ذَكَرَتْهُ ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يُخَالِفُ الْكَسَلَ عَنْهَا وَلَا يَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ بِتَخَلُّفِهِ فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُ هَذَا فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ قَطْعًا وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا هَذَا الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ظَاهِرُهُ تَنَاوُلُهُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ عَامٌّ يُرْجَى لِمَنْ قَامَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا أَنْ يُغْفَرَ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِغُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كُلُّ مَا يَرِدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْأَخْبَارِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَهُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْمُوبِقَاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُهُ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا مِنْ الذُّنُوبِ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» قَالَ النَّوَوِيُّ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَأْوِيلَانِ: (أَحَدُهُمَا) تُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِشَرْطِ أَلَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبَائِرُ فَإِنْ كَانَتْ كَبَائِرُ لَمْ يُكَفَّرْ شَيْءٌ لَا الْكَبَائِرُ وَلَا الصَّغَائِرُ وَ (الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ وَتَقْدِيرُهُ تُغْفَرُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا إلَّا الْكَبَائِرَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ غُفْرَانِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إنَّمَا تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى. (السَّادِسَةُ) فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «فَمَنْ قَامَهَا ابْتِغَاءَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ثُمَّ وُفِّقَتْ لَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» . فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَفِيهِ زِيَادَةُ «وَمَا تَأَخَّرَ» وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ مَعْنَى مَغْفِرَةِ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «صِيَامُ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» فَتَكْفِيرُ السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ كَمَغْفِرَةِ الْمُتَأَخِّرِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا ارْتَكَبَ فِيهَا مَعْصِيَةً جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ عَرَفَةَ الْمَاضِي كَفَّارَةً لَهَا كَمَا جَعَلَهُ مُكَفِّرًا لِمَا قَبْلَهُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْصِمُهُ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا يُحْوِجُهُ إلَى كَفَّارَةٍ وَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِي السَّنَتَيْنِ مَعًا تَأْوِيلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَ سَنَتَيْنِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَعْصِمُهُ فِي هَاتَيْنِ السَّنَتَيْنِ فَلَا يَعْصِي فِيهِمَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِدَّةِ فِي تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْأُخْرَى يَحْتَمِلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَعْنَيَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) الْمُرَادُ السَّنَةُ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَتَيْنِ وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ أَرَادَ سَنَةً مَاضِيَةً وَسَنَةً مُسْتَقْبَلَةً قَالَ وَهَذَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الزَّمَانَ الْمُسْتَقْبَلَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهَذَا يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا فَيَكُونُ مَغْفِرَةُ مَا تَأَخَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْعِصْمَةُ مِنْ الذُّنُوبِ حَتَّى لَا يَقَعُ فِيهَا وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ تَكْفِيرُهَا وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا وَيَكُونُ الْمُكَفِّرُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمُكَفَّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» مَعَ قَوْلِهِ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدْ يُقَالُ إنَّ أَحَدَهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ (وَجَوَابُهُ) أَنْ يُقَالَ قِيَامُ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مُوَافَقَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَعْرِفَتِهَا سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ وَقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِمَنْ وَافَقَهَا وَعَرَفَهَا سَبَبٌ لِلْغُفْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرَهَا (قُلْت) الْأَحْسَنُ عِنْدِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ لِلْغُفْرَانِ طَرِيقِينَ. (أَحَدُهُمَا) يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا يَقِينًا إلَّا أَنَّهَا طَوِيلَةٌ شَاقَّةٌ وَهِيَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَمَالِهِ. وَ (الثَّانِي) لَا سَبِيلَ إلَى الْيَقِينِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ وَالتَّخْمِينُ إلَّا أَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ قَصِيرَة وَهِيَ قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَاصَّةً وَلَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ الْمَغْفِرَةِ بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا بَلْ لَوْ قَامَهَا غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَامَ بِقَصْدِ ابْتِغَائِهَا، وَقَدْ وَرَدَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «فَمَنْ قَامَهَا ابْتِغَاءَهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ثُمَّ وُفِّقَتْ لَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» (فَإِنْ قُلْت) قَدْ اُعْتُبِرَ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ تُوَفَّقَ لَهُ وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ «مِنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَى يُوَافِقُهَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (قُلْت) إنَّمَا مَعْنَى تَوْفِيقُهَا لَهُ أَوْ مُوَافَقَتُهُ لَهَا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَامَهَا بِقَصْدِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْمُوَافَقَةُ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَرْدُودٌ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي هَذَا وَلَا الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 بَابُ الِاعْتِكَافِ وَالْمُجَاوَرَةِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى» . زَادَ الشَّيْخَانِ «ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» ..   Q [بَابُ الِاعْتِكَافِ وَالْمُجَاوَرَةِ] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ] عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِزِيَادَةِ «ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ طُرُقٌ أُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ «ثُمَّ اعْتَكَفَهُنَّ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَتْبَعُ جِنَازَةً وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا وَلَا يَلْمِسُ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرُهَا، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَيُؤْمَرُ مَنْ اعْتَكَفَ أَنْ يَصُومَ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ وَهَمَ، وَهِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ لَمْ يَذْكُرْهُ انْتَهَى، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا» ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهِ قَالَتْ السُّنَّةُ، جَعَلَهُ قَوْلَ عَائِشَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ وَلَا يَصِحُّ الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ إلَّا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَبَعْضُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) الِاعْتِكَافُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَالْمُكْثُ وَاللُّزُومُ، وَفِي الشَّرْعِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازِمَةِ الْمَسْجِدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَقَالَ {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] وَقَالَ {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ: الِاعْتِكَافُ لُزُومُ الْمَرْءِ شَيْئًا وَحَبْسُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ بِرًّا كَانَ أَوْ إثْمًا وَأَمَّا الْمُجَاوَرَةُ فَهِيَ بِمَعْنَاهُ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ بِأَنَّهَا الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْهُمْ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِعَطْفِهَا عَلَيْهِ فِي تَبْوِيبِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهَا لِذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ حِرَاءَ فِي قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا» وَلَيْسَ حِرَاءُ مَسْجِدًا فَلَا يَكُونُ فِيهِ اعْتِكَافٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ إنَّهَا بِمَعْنَى الْمُلَازَمَةِ وَالِاعْتِكَافِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْخَيْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِمَسْجِدٍ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَالْجِوَارُ الِاعْتِكَافُ هُنَا انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَازِمُهُ مِنْ حِرَاءَ مَسْجِدٌ أَوْ يَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً لِمَنْ جَوَّزَ اعْتِكَافَ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَهُوَ الْمَكَانُ أَعَدَّهُ فِيهِ لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَلَا تَكُونُ الْمُجَاوَرَةُ فِيهِ إلَّا فِي مَسْجِدٍ كَالِاعْتِكَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ الِاعْتِكَافُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْجِوَارُ وَالِاعْتِكَافُ وَاحِدٌ وَسُئِلَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَرَأَيْت الْجِوَارَ وَالِاعْتِكَافَ أَمُخْتَلِفَانِ هُمَا أَمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ قَالَ بَلْ هُمَا مُخْتَلِفَانِ كَانَتْ بُيُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا اعْتَكَفَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَرَجَ مِنْ بُيُوتِهِ إلَى بَطْنِ الْمَسْجِدِ فَاعْتَكَفَ فِيهِ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ قَالَ إنْسَانٌ عَلَيَّ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ فَفِي جَوْفِهِ لَا بُدَّ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ جِوَارُ أَيَّامٍ فَبَابُهُ أَوْ فِي جَوْفِهِ إنْ شَاءَ؛ كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْهُمَا. قَالَ وَالِدِي وَقَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَذَهَبَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ إلَى الثَّانِي، فَقَالَ فِي الرَّوْضِ إنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَالْجِوَارُ قَدْ يَكُونُ خَارِجَهُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. [فَائِدَة حُكْم الِاعْتِكَاف] 1 (الثَّالِثَةُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاعْتِكَافِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي كُتُبِهِمْ: الِاعْتِكَافُ جَائِزٌ قَالَ وَهُوَ جَهْلٌ انْتَهَى. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ وَلَا مِمَّنْ أَدْرَكْته اعْتَكَفَ إلَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنْ لِشِدَّتِهِ وَأَنَّ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ سَوَاءٌ فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفِيَ بِشُرُوطِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُعْتَكِفِ، هُوَ يَعْكُفُ الذُّنُوبَ وَيُجْرَى لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا» ، فِيهِ فَرْقَدٌ السِّنْجِيُّ ضَعِيفٌ، وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ خَبَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «مَنْ اعْتَكَفَ يَوْمًا وَلَيْلَةً يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ أَيْضًا» وَهُوَ ضَعِيفٌ. (الرَّابِعَةُ) وَفِي تَأَكُّدِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَسَبَبُهُ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَقَالَ إنِّي أُرِيت لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نَسِيتهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ فَإِنِّي أُرِيت أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَرْجِعْ فَرَجَعَ النَّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ حَتَّى رَأَيْت الطِّينَ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ» ، وَفِي لَفْظِ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ» الْحَدِيثُ، وَفِيهِ، فَقَالَ «إنِّي اعْتَكَفْت الْعَشْرَ الْأُوَلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْت الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ أَتَيْت فَقِيلَ لِي إنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ» الْحَدِيثَ، وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «اعْتِكَافُ عَشْرٍ فِي رَمَضَانَ بِحَجَّتَيْنِ وَعُمْرَتَيْنِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا بِدُونِ لَفْظَةِ «عَشْرٍ» . (الْخَامِسَةُ) الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ هِيَ اللَّيَالِيُ وَكَانَ يَعْتَكِفُ الْأَيَّامَ مَعَهَا أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ يَقْتَصِرُ عَلَى اعْتِكَافِ اللَّيَالِيِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى ذِكْرِهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي التَّأْرِيخِ بِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِهِ مَحَلَّ الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ اعْتَكَفَ عَشْرًا أَوْ شَهْرًا وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يَبْدَأُ الْعَشْرَ بِكَمَالِهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِمَنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ بِهِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ وَاللَّيْثَ، وَقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ انْتَهَى وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ وَانْقَطَعَ فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الصُّبْحَ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ. [فَائِدَة جَوَازُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ رَمَضَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَبِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَالُ رَمَضَانُ عَلَى انْفِرَادِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِقَيْدٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ إنْ كَانَ مِثَالُ قَرِينَةٍ تَصْرِفُهُ إلَى الشَّهْرِ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، فَيُقَالُ صُمْنَا رَمَضَانَ وَنَحْوَهُ وَيُكْرَهُ جَاءَ رَمَضَانُ وَنَحْوُهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبَانِ الْأَخِيرَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا تَثْبُت بِنَهْيٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ فِيهِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا تُطْلَقُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ كَرَاهَةٌ انْتَهَى. (السَّابِعَةُ) فِي «قَوْلِهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ» اسْتِمْرَارُ هَذَا الْحُكْمِ وَعَدَمُ نَسْخِهِ وَأَكَّدَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ فَأَشَارَتْ إلَى اسْتِمْرَارِ حُكْمِهِ حَتَّى فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَكُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْتَكِفْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي حَيَاتِهِ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِنَّ الِاعْتِكَافَ بَعْدَ إذْنِهِ لِبَعْضِهِنَّ كَمَا هُوَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَذَاكَ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ كَمَا قِيلَ خَوْفُ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ أَوْ ذَهَابِ الْمَقْصُودِ مِنْ الِاعْتِكَافِ بِكَوْنِهِنَّ مَعَهُ فِي الْمُعْتَكَفِ أَوْ لِتَضْيِيقِهِنَّ الْمَسْجِدَ بِأَبْنِيَتِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا اعْتَادَهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ] (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا اعْتَادَهُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَهُ» . (التَّاسِعَةُ) يُسْتَثْنَى بِمَا ذَكَرْته مِنْ اسْتِمْرَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ إلَى وَفَاتِهِ سَنَةَ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَعْنًى وَعُوِّضَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ لَمَّا أَرَادَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبَ بِخِبَائِهَا فَضَرَبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِئَةَ، فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ» لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ. «اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ» . (الْعَاشِرَةُ) فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ» وَهَذَا لَا يُنَافِي الْحَدِيثَ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُرْ اعْتِكَافَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَعْتَكِفُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي فِعْلَهَا مَعَ زِيَادَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ التَّعْوِيضُ عَنْ عَامٍّ قَبْلَهُ لَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ لَيْلَةً» قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعَشْرُ الَّتِي تَرَكَ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِ فَاعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ وَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي لِيَقْضِيَ الْعَشْرَ فِي الشَّهْرِ كَمَا كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَدَأَهَا فِيهِ (قُلْت) يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ الْمَذْكُورِ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ «فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِفْ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَانِعَهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ ذَلِكَ الْعَامِ السَّفَرُ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ مُقِيمًا يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِذَا سَافَرَ اعْتَكَفَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ عِشْرِينَ» وَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَبَبَ اعْتِكَافِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عِشْرِينَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّقَرُّبِ لِاسْتِشْعَارِهِ قُرْبَ وَفَاتِهِ كَمَا «كَانَ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ رَمَضَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ» وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ الْجُمْلَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ» . [فَائِدَة إمَامَةُ الْمُعْتَكِفِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) (فِيهِ) رَدٌّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إمَامَةُ الْمُعْتَكِفِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا كَانَ يَعْتَكِفُ كَانَ مُسْتَمِرًّا عَلَى إمَامَتِهِ بِالنَّاسِ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اعْتِكَافِ النِّسَاءِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ جَوَازُ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لِلنِّسَاءِ مَكْرُوهٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَائِدَةِ التَّاسِعَةِ لَكَانَ مَذْهَبًا وَلَوْلَا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ وَهُوَ حَافِظٌ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُنَّ اسْتَأْذَنَّهُ فِي الِاعْتِكَافِ لَقَطَعْت بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لِلنِّسَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ غَيْرُ جَائِزٍ وَمَا أَظُنُّ اسْتِئْذَانَهُنَّ مَحْفُوظًا وَلَكِنَّ ابْنُ عُيَيْنَةَ حَافِظٌ، وَقَدْ تَابَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ فُضَيْلٍ عَلَى أَنَّ اسْتِئْذَانَهُنَّ لَا يَرْفَعُ مَا ظَنَّهُ بِهِنَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِنَّ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فَبِهَذَا كَرِهْت اعْتِكَافَ الْمَرْأَةِ إلَّا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَذَلِكَ بِأَنَّهَا إذَا صَارَتْ إلَى مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ الْمَأْهُولِ لَيْلًا وَنَهَارًا كَثُرَ مَنْ يَرَاهَا وَمَنْ تَرَاهُ انْتَهَى. وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. (بَابُ مَنْ كَرِهَ اعْتِكَافَ الْمَرْأَةِ) . [فَائِدَة اخْتِصَاصُ الِاعْتِكَافِ بِالْمَسَاجِدِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا شَكَّ فِي أَنَّ اعْتِكَافَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي مَسْجِدِهِ وَكَذَا اعْتِكَافُ أَزْوَاجِهِ فَأُخِذَ مِنْهُ اخْتِصَاصُ الِاعْتِكَافِ بِالْمَسَاجِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ الْبَيْتِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ لَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلَا فِي حَقِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَرْأَةِ إذْ لَوْ جَازَ فِي الْبَيْتِ لَفَعَلُوهُ وَلَوْ مَرَّةً لِمَا فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَشَقَّةِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ، وَقَدْ أَرَانِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَسْجِدِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ مُطْلَقًا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَعْتَكِفُ إلَّا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَلَا تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ حَكَى عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ زَوْجِهَا وَجَوَّزَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لِلرَّجُلِ أَيْضًا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ اعْتِكَافَهُ فِي بَيْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ الْمُشْتَرِطُونَ لِلْمَسْجِدِ الْعَامِّ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُهُمْ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَرَحْبَتِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ الرَّاتِبَةُ إلَّا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَسْجِدٍ تُصَلَّى فِيهِ الصَّلَاةُ كُلُّهَا أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ يَخْتَصُّ بِالْجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَخْتَصُّ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ وَهُوَ بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ وَلِهَذَا جَعَلَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يَعْتَكِفُ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ. [فَائِدَة لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ اعْتَكَفَ لَيْلًا أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ فِيهِ غَيْرَ صَائِمٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (ثَانِيهِمَا) أَنَّ صَوْمَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا كَانَ لِلشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلِاعْتِكَافِ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْخَطَّابِيُّ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ وَالْمَسْأَلَةُ مُقَرَّرَةٌ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 «وَعَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُعْتَكِفٌ يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «وَهُوَ مُجَاوِرٌ» ..   Q [حَدِيث أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهَا «أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُعْتَكِفٌ يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ وَهُوَ ابْنُ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ طُرُقٌ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ. وَكَذَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةَ مَالِكٍ، وَفِيهَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ هَلْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ أَوْ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ أَوْ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَالِكٍ يَعْنِي عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَالصَّحِيحُ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهَكَذَا رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. انْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ صَحِيحٌ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ غَيْرَ مَالِكٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَمْ يُتَابِعْ أَحَدٌ مَالِكًا عَلَى عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو أُوَيْسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ رَوَاهُ عَنْهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى يَعْنِي النَّيْسَابُورِيَّ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَأَبُو مُصْعَبٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ وَمَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ وَخَالَفَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعِيسَى بْنُ خَالِدٍ وَالْحَجَبِيُّ فَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَمْرَةَ (قُلْت) . رَوَاهُ هَكَذَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَقُتَيْبَةَ وَمَعْنٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقِيلَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عُرْوَةُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فَوَهَمَ فِيهِ وَهْمًا قَبِيحَا، فَقَالَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أُدْخِلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ جَمْعُ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ لِيُونُسَ وَاللَّيْثِ لَا لِمَالِكٍ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَأَنَّهُ حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يُونُسَ وَكَذَا قَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ قَالُوا عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلُ بْنِ وَرْقَاءَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا رَوَاهُ جُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ لِمَالِكٍ عِنْدَ أَكْثَرِ رُوَاتِهِ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ حَكَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ. قُلْت لِمَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ وَأَعَدْت عَلَيْهِ. فَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ أَوْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ ثُمَّ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي عِلَلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ يُونُسُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَعْمَرٌ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَالزُّبَيْدِيُّ. ثُمَّ قَالَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ مَالِكٍ فَجَمَعَ يُونُسُ وَاللَّيْثُ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ وَاجْتَمَعَ مَعْمَرٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا حَدِيثُ هَؤُلَاءِ قَالَ وَاَلَّذِي أُنْكِرُ عَلَى مَالِكٍ ذِكْرُ عَمْرَةَ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ تَرْجِيلَ عَائِشَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُعْتَكِفٌ لَا يُوجَدُ إلَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ وَحْدَهُ (قُلْت) وُجِدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ أَيْضًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْهُمَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ هِشَامٌ وَتَمَّامُ بْنُ سَلَمَةَ، وَفِي حَدِيثِهِمَا «وَأَنَا حَائِضٌ» . وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ (قُلْت) الرِّوَايَةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيهَا وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَدْ رَوَاهَا غَيْرُ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ عُرْوَةَ سَوَاءً، إلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ «يُخْرِجُ إلَيَّ رَأْسَهُ» ، وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ «يُدْنِي» (قُلْت) رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ كِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ أَيْضًا، وَفِيهِ «وَأَنَا حَائِضٌ» مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهَا «تُرَجِّلُ» بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ تُسَرِّحُ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ شَعْرَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِيهِ مَحْذُوفَانِ كَمَا قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] أَيْ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ: التَّرْجِيلُ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَتَنْظِيفُهُ وَتَحْسِينُهُ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ رَجَّلَ شَعْرَهُ أَيْ مَشَطَهُ وَأَرْسَلَهُ وَيُقَالُ شَعْرٌ رَجِلٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ إذَا كَانَ بَيْنَ السُّبُوطَةِ وَالْجُعُودَةِ (قُلْت) وَفِيهِ لُغَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ إسْكَانُ الْجِيمِ حَكَاهَا فِي الْمُحْكَمِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ التَّرْجِيلُ بَلْ الشَّعْرُ ثُمَّ يُمَشِّطُ (قُلْت) لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَسْرِيحِ الشَّعْرِ وَإِذَا لَمْ يَتْرُكْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ مَعَ قِصَرِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِالْعِبَادَةِ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» ، وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ النَّهْيُ عَنْ التَّرْجِيلِ إلَّا غِبًّا، وَرَوَى ابْنُ طَاهِرٍ فِي كِتَابِ صِفَةِ التَّصَوُّفِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُفَارِقُ مُصَلَّاهُ سِوَاكُهُ وَمِشْطُهُ» ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ. (الرَّابِعَةُ) لَفْظُ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لِتَسْرِيحِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَلِتَسْرِيحِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَكَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ «أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَكِنْ بَقِيَّةُ أَلْفَاظِ الصَّحِيحَيْنِ مُتَعَيِّنَةٌ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ كَقَوْلِهَا «يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ» فَإِنْ حَمَلْت الْأُولَى عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَفَسَّرْت بِهَا فَتَسْرِيحُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بِالْقِيَاسِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ، لَكِنْ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكِلُ تَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ إلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَتَعَاطَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ شَعْرِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يَعْسُرُ مُبَاشَرَةُ تَسْرِيحِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مُؤَخَّرِهِ فَلِهَذَا كَانَ يَسْتَعِينُ عَلَيْهِ بِزَوْجَاتِهِ» . (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِتَسْرِيحِ الشَّعْرِ لَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَفِي مَعْنَاهُ حَلْقُ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَتَنْظِيفُ الْبَدَنِ مِنْ الشَّعَثِ وَالدَّرَنِ انْتَهَى وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ فِعْلِ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَلَامِ الدُّنْيَا وَعَمَلِ الصَّنْعَةِ مِنْ خِيَاطَةٍ وَغَيْرِهَا وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَلَا يَكْتُبُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ وَكِتَابَتِهِ أَهَمُّ مِنْ تَسْرِيحِ الشَّعْرِ. [فَائِدَة مُمَاسَّةَ الْمُعْتَكِفِ لِلنِّسَاءِ وَمُمَاسَّتَهُنَّ لَهُ] 1 (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ أَنَّ مُمَاسَّةَ الْمُعْتَكِفِ لِلنِّسَاءٍ وَمُمَاسَّتَهُنَّ لَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَا يُنَافِي اعْتِكَافَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَهَلْ يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ؟ يُنْظَرُ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ إنْزَالٌ أَبْطَلَ الِاعْتِكَافَ وَإِلَّا فَلَا، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَأَمَّا الْجِمَاعُ فِي الِاعْتِكَافِ فَهُوَ حَرَامٌ مُفْسِدٌ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ التَّعَمُّدِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُفْسِدُ. [فَائِدَة الْيَدَيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ] 1 (السَّابِعَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّ الْيَدَيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَلَوْ كَانَتَا عَوْرَةً مَا بَاشَرَتْهُ بِهِمَا فِي اعْتِكَافِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَاعْتَرَضَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا تَخْتَصُّ بِالْعَوْرَةِ؛ فَلَوْ قَبَّلَ الْمُعْتَكِفُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ آتِيًا لِمَا نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَ إمَامِهِ أَنَّ الْقُبْلَةَ مُبْطِلَةٌ لِلِاعْتِكَافِ أَمَّا مَنْ يَحْمِلُ الْمُبَاشَرَةَ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِنْزَالُ فَالْمُرَجَّحُ حِينَئِذٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْبُطْلَانُ، وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْوَطْءِ، ثُمَّ قَالَ وَعَجِبْنَا لَهُ كَيْفَ يُحْمَلُ اللَّمْسُ هُنَاكَ عَلَى اللَّمْسِ بِقَصْدٍ وَبِغَيْرِ قَصْدٍ وَيَقُولُ الْمُبَاشَرَةُ هُنَا عَلَى الْجِمَاعِ قَالَ وَهَذِهِ الْمُنَاقَضَةُ لَيْسَ لَهُ عَنْهَا مَرَامٌ، هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَأَيُّ مُنَاقَضَةٍ فِي هَذَا وَالْمُبَاشَرَةُ وَاللَّمْسُ أَمْرَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى اللَّائِقِ بِهِ، أَمَّا حَمْلُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَهُوَ قَوْلُ تُرْجَمَانِ الْقُرْآنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ بِهِ أَيْضًا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَآخَرُونَ وَكَفَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ، فَقَالَ فِي الْإِشْرَافِ: الْمُبَاشَرَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا الْمُعْتَكِفَ الْجِمَاعُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُهُ يَرَى النَّقْضَ بِاللَّمْسِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَالْأَحْدَاثُ كُلُّهَا كَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ حَدَثُهُ بِلَا قَصْدٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَغَايَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ صِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ قَدْ تَخْرُجُ عَنْ بَابِهَا كَقَوْلِهِ عَاقَبْت اللِّصَّ وَطَارَقْتُ النَّعْلَ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمَسَ امْرَأَتَهُ بِلَا حَائِلٍ مُتَلَذِّذًا بِهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَوْ جَامَعَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَخُصُّ الْمُبَاشَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِي الِاعْتِكَافِ بِالْجِمَاعِ بَلْ يُعَدِّيهِ إلَى الْمُبَاشَرَةِ بِشَهْوَةٍ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جِمَاعٌ كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ وَهَلْ يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ إنْ فَعَلَهُ؟ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ اقْتَرَنَ بِهِ إنْزَالٌ أَفْسَدَ الِاعْتِكَافَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. [فَائِدَة اسْتِخْدَامِ الزَّوْجَةِ فِي الْغُسْلِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِهَا] (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِخْدَامِ الزَّوْجَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَلَا هَتْكُ حُرْمَةٍ وَلَا إضْرَارٌ بِهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ جَوَازُ اسْتِخْدَامِ الزَّوْجَةِ فِي الْغُسْلِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِهَا بِرِضَاهَا وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ السُّنَّةِ وَعَمَلُ السَّلَفِ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَمَّا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا وَمُلَازَمَةُ بَيْتِهِ فَقَطْ انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَشَرْطُ الْقِيَاسِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُسَاوَاةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ، وَفِي الْفَرْعِ هُنَا زِيَادَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الْإِلْحَاقِ وَهِيَ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْغُسْلِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِخْدَامِهَا فِي الْأَمْرِ الْخَفِيفِ احْتِمَالُ ذَلِكَ فِي الثَّقِيلِ الشَّدِيدِ وَلَسْنَا نُنْكِرُ هَذَا الْحُكْمَ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ] 1 (التَّاسِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمَا احْتَاجَ إلَى إخْرَاجِ رَأْسِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً وَلَكَانَ يَخْرُجُ بِجُمْلَتِهِ لِيَفْعَلَ حَاجَتَهُ مِنْ تَسْرِيحِ رَأْسِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ أَكَّدَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا فِعْلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ بَيَّنَ بِهِ الِاعْتِكَافَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الِاعْتِكَافِ وَهَيْئَتُهُ الْمَشْرُوعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ أَنَّ إخْرَاجَ الرَّأْسِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِكَافُ وَتُقَاسُ بِهِ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَأَدْخَلَ فِيهِ بَعْضَ أَعْضَائِهِ كَرَأْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا، فَقَالُوا لَوْ أَدْخَلَ فِي الدَّارِ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا الدَّارَ وَهُوَ خَارِجُهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا وَضَعَهُمَا فِي الدَّارِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا أَوْ حَصَلَ فِي الدَّارِ مُتَعَلِّقًا بِشَيْءٍ وَكَذَا فِي الْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ رِجْلًا وَاحِدَةً إنْ اعْتَمَدَ عَلَى الْخَارِجَةِ أَيْ كَانَ قَوَّاهُ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الدَّاخِلَةَ لَمْ يَسْقُطْ فَلَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّاخِلَةِ فَقَدْ دَخَلَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ. لَوْ اضْطَجَعَ وَأَخْرَجَ بَعْضَ بَدَنِهِ فَيُحْتَمَلُ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ بِالْمِسَاحَةِ وَيُتَّجَهُ اعْتِبَارُهُ بِالْفِعْلِ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الِاعْتِمَادَ عَلَى الرِّجْلِ. [فَائِدَة مُمَاسَّة الْحَائِضِ فِي تَرْجِيلِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَغَسْلِهِ فِي الِاعْتِكَاف] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَكُنْ تَعْتَكِفُ مَعَهُ كُلَّمَا كَانَ يَعْتَكِفُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِالرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ حَائِضًا وَلَعَلَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ اعْتِكَافِهَا، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمُمَاسَّةِ الْحَائِضِ فِي تَرْجِيلِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَغَسْلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَعَنْهَا قَالَتْ «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ، فَقَالَ اقْرَأْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ اقْرَأْ، فَقُلْت مَا أَنَا   Qأَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْحُجْرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْبَيْتُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبِنَائِهَا بِالْحِجَارَةِ أَوْ لِمَنْعِهَا الْمَالَ، قَوْلَانِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَأَضَافَ الْحُجْرَةَ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِاعْتِبَارِ سَكَنِهَا بِهَا وَإِلَّا فَهِيَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] . [حَدِيث أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهَا قَالَتْ «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ، فَقَالَ اقْرَأْ، فَقَالَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ حَتَّى بَلَغَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، قَالَ فَرَجَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ حَتَّى بَلَغَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ يَا خَدِيجَةُ مَالِي فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَ وَقَدْ خَشِيتُ عَلَيَّ، فَقَالَتْ كَلًّا أَبْشِرْ فَوَاَللَّهِ لَا يُخْزِيك اللَّهُ أَبَدًا، إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ   Qبِهَا تَرْتَجِفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ يَا خَدِيجَةُ مَالِي، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ قَالَ وَقَدْ خَشِيتُ عَلَيَّ، فَقَالَتْ لَهُ كَلًّا أَبْشِرْ فَوَاَللَّهِ لَا يُخْزِيك اللَّهُ أَبَدًا إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَصِيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ أَيْ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيك، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَا تَرَى، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُك قَوْمُك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْت بِهِ إلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك أَنْصُرْك نَصْرًا مُؤَزَّرًا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَمِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَصِيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ؛ فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ أَيْ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيك، فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى   Qمَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تُدْرِكْ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَتَكُونُ سَمِعَتْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (قُلْت) إنَّمَا أَرْسَلَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - صَدْرَ الْحَدِيثِ ثُمَّ صَرَّحَتْ بِرِوَايَةِ بَاقِيهِ وَهُوَ أَكْثَرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهَا، «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ» (فَإِنْ قُلْت) قَدْ عَادَتْ إلَى الْإِرْسَالِ مِنْ قَوْلِهَا فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ؟ (قُلْت) بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الرَّفْعِ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ قَالَ «فَرَجَعَ بِهَا» ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ قَالَ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى عَائِشَةَ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَأَنَّثَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى بِهِ بِلَفْظِ الْغَائِبِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ قَالَ زَيْدٌ إنَّهُ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] وَالْوَحْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكِتَابِ وَالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَلَامِ الْخَفِيِّ وَكُلِّ مَا أَلْقَيْته إلَى غَيْرِك ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ أَصْلُهُ الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ وَسُرْعَةٍ ثُمَّ هُوَ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى ضُرُوبٍ فَمِنْهُ سَمَاعُ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، وَوَحْيُ رِسَالَةٍ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ، وَوَحْيٌ يُلْقَى بِالْقَلْبِ، وَالْوَحْيُ إلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُك قَوْمُك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك أَنْصُرْك نَصْرًا مُؤَزَّرًا» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَلِابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُو فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا» ..   Qبِمَعْنَى الْإِلْهَامِ كَالْوَحْيِ إلَى النَّحْلِ، وَبِمَعْنَى الْإِشَارَةِ {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] وَقِيلَ فِي هَذَا إنَّهُ كَتَبَ وَبِمَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} [المائدة: 111] قِيلَ أَمَرْتهمْ وَقِيلَ أَلْهَمْتهمْ انْتَهَى. وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهُ مَرَاتِبَ عَدِيدَةً جَمَعَهَا السُّهَيْلِيُّ فِي (الرَّوْضِ الْأُنُفِ) سَبْعَةً: (أَحَدُهَا) الرُّؤْيَا كَمَا ذَكَرْته. (الثَّانِي) أَنْ يَنْفُثَ فِي رَوْعِهِ الْكَلَامَ نَفْثًا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} [الشورى: 51] هُوَ أَنْ يَنْفُثَ فِي رُوعِهِ بِالْوَحْيِ. 1 - (الثَّالِثُ) أَنْ يَأْتِيَهُ الْوَحْيُ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ لِمُتَجَمَّعِ قَلْبِهِ عِنْدَ تِلْكَ الصَّلْصَلَةِ فَيَكُونُ أَوْعَى لِمَا يَسْمَعُ. (الرَّابِعُ) أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَقَدْ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ. (الْخَامِسُ) أَنْ يَتَرَاءَى لَهُ جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِيهَا لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. (السَّادِسُ) أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ إمَّا فِي الْيَقِظَةِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَإِمَّا فِي النَّوْمِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَدِيثَ. (السَّابِعُ) نُزُولُ إسْرَافِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِكَلِمَاتٍ مِنْ الْوَحْيِ قَبْلَ جِبْرِيلَ فَقَدْ ثَبَتَ بِالطُّرُقِ الصِّحَاحِ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُكِّلَ بِهِ إسْرَافِيلُ فَكَانَ يَتَرَاءَى لَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَيَأْتِيهِ بِالْكَلِمَةِ مِنْ الْوَحْيِ وَالشَّيْءِ ثُمَّ وُكِّلَ بِهِ جِبْرِيلُ فَجَاءَهُ بِالْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ» قَالَ السُّهَيْلِيُّ فَهَذِهِ سَبْعُ صُوَرٍ فِي كَيْفِيَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَرَ أَحَدًا جَمَعَهَا كَهَذَا الْجَمْعِ انْتَهَى. وَقَدْ جَمَعَهَا الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ السُّهَيْلِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا السَّابِعَ وَغَايَرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مِمَّا تَقَدَّمَ هُمَا وَاحِدٌ فَجَاءَتْ سَبْعَةٌ مَعَ إسْقَاطِهِ، فَقَالَ السَّادِسَةُ مَا أَوْحَاهُ إلَيْهِ وَهُوَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، السَّابِعَةُ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ كَمَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَثُبُوتُهَا لِنَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ انْتَهَى. فَإِنْ أَرَادَ مَا أَوْحَاهُ إلَيْهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَكِلَاهُمَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَإِنْ أَرَادَ وَحْيَ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي بَعْدَهَا كَمَا قَدَّمْته ثُمَّ قَالَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَةً. (ثَامِنَةً) وَهِيَ تَكْلِيمُ اللَّهِ لَهُ كِفَاحًا بِغَيْرِ حِجَابٍ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافِ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ بَلْ كُلُّهُمْ مَعَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا حَكَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ إجْمَاعًا لِلصَّحَابَةِ انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ أَرَادَ بِالْمَرْتَبَةِ السَّادِسَةِ وَحْيَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَغَايَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ الْإِيحَاءِ أَيْ كَوْنِهِ كَانَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تَتَعَدَّدَ أَقْسَامُ الْوَحْيِ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ غَايَرَ الْوَحْيُ الْحَاصِلُ فِي السَّمَاءِ غَيْرَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي رُؤْيَةِ تِلْكَ الْمَشَاهِدِ مِنْ الْغَيْبِ فَهُوَ نَوْعٌ غَيْرُ الْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِ بِقَاعِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّؤْيَا إنْ كَانَتْ لِنَبِيٍّ فَهِيَ وَحْيٌ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَلَيْسَتْ وَحَيًّا وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّالِحَةُ» فَإِنَّهُ سَمَّى مَا يَقَعُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الرُّؤْيَا مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ النُّبُوَّةِ لَكِنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي صُورَتِهَا وَصِحَّتِهَا (فَإِنْ قُلْت) قَدْ بَقِيَ مَا يُشْبِهُ وَحْيَ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ مِنْهَا الْإِلْقَاءُ فِي الرَّوْعِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «كَانَ فِيمَا مَضَى مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ» فَكَيْفَ حَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا (قُلْت) الرُّؤْيَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ لَا تَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ إنَّ لَهَا تَأْوِيلَيْنِ وَحُكْمًا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَيُوقَفُ عِنْدَمَا يَقُولُونَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْإِلْقَاءِ فِي الرَّوْعِ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِخَوَاصِّ أَهْلِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ وَلَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَهْلُ عِلْمٍ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَيْهِمْ فَاسْتِفَادَةُ الْمُغَيَّبَاتِ عَزِيزَةٌ بِخِلَافِ الرُّؤْيَا كَمَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهَا «مِنْ الْوَحْيِ» ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَزَّازُ أَنَّ مِنْ هُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ كَأَنَّهُ قَالَ مِنْ جِنْسِ الْوَحْيِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْوَحْيِ فَتَكُونُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَلِذَلِكَ قَالَ «فِي النَّوْمِ» وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ فِي الصِّحَّةِ كَالْوَحْيِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ (قُلْت) وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ الرُّؤْيَا وَحْيٌ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «الصَّادِقَةُ» كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هُنَا وَالْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّعْبِيرِ، وَفِي رِوَايَتِهِ هُنَا الصَّالِحَةُ وَهُمَا بِمَعْنًى قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ رَأَى فِي مَنَامِهِ رُؤْيَا بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى وَزْنِ فُعْلَى كَحُبْلَى وَجَمْعُهَا رُؤًى بِالتَّنْوِينِ عَلَى وَزْنِ رُغًى. (السَّادِسَةُ) الْمَشْهُورُ اسْتِعْمَالُ الرُّؤْيَا فِي الْحُلْمِيَّةِ خَاصَّةً فَقَوْلُهُ فِي النَّوْمِ تَأْكِيدٌ لَكِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا لِرَأَى مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ فِي الْيَقِظَةِ فَالتَّقْيِيدُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ فِي النَّوْمِ لَا بُدَّ مِنْهُ. (السَّابِعَةُ) «فَلَقُ الصُّبْحِ» بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ وَآخِرُهُ قَافٌ ضِيَاؤُهُ وَيُقَالُ فَرَقُ الصُّبْحِ أَيْضًا وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا فِي الشَّيْءِ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ. [فَائِدَة مُدَّةَ الْوَحْيِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّؤْيَا] 1 (الثَّامِنَةُ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُدَّةَ الْوَحْيِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّؤْيَا قَبْلَ الْوَحْيِ إلَيْهِ لِمَجِيءِ الْمَلَكِ إلَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَجَعَلَ هَذَا تَوْجِيهًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» لِأَنَّ مُدَّةَ حَيَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَنِصْفُ سَنَةٍ هِيَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُحْتَمَلٌ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ إنَّمَا اُبْتُدِئَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالرُّؤْيَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَلَكُ وَيَأْتِيَهُ صَرِيحُ النُّبُوَّةِ بَغْتَةً فَلَا تَحْتَمِلُهَا قُوَى الْبَشَرِيَّةِ فَبُدِئَ بِأَوَائِلِ خِصَالِ النُّبُوَّةِ وَتَبَاشِيرِ الْكَرَامَةِ مِنْ صِدْقِ الرُّؤْيَا وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ رُؤْيَةِ الضَّوْءِ وَسَمَاعِ الصَّوْتِ وَسَلَامِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ. (الْعَاشِرَةُ) جَاءَ فِي حَدِيثٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُنْزِلَ عَلَيْهِ صَدْرُ سُورَةِ اقْرَأْ فِي النَّوْمِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ وَاعِيَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ إلَى حِرَاءَ فِي كُلِّ عَامٍ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا يَنْسُكُ فِيهِ» الْحَدِيثُ، وَفِيهِ حَتَّى «إذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا أَرَادَ مِنْ كَرَامَتِهِ مِنْ السَّنَةِ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا وَذَلِكَ الشَّهْرُ رَمَضَانُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ يَخْرُجُ لِجِوَارِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ بِأَهْلِهِ حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِرِسَالَتِهِ وَرَحِمَ الْعِبَادَ بِهِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاءَنِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْت وَمَا أَقْرَأُ فَغَتَّنِي حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ الْمَوْتُ ثُمَّ كَشَفَهُ عَنِّي، فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْت وَمَا أَقْرَأُ فَعَادَ لِي بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ فَقُلْت وَمَا أَقْرَأُ؟ وَمَا أَقُولُهَا إلَّا تَنَحِّيًا أَنْ يَعُودَ لِي بِمِثْلِ الَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2] {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 3] {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 4] {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] ثُمَّ انْتَهَى فَانْصَرَفَ عَنِّي وَهَبَبْتُ مِنْ نَوْمِي كَأَنَّمَا صُوِّرَ فِي قَلْبِي كِتَابًا» الْحَدِيثَ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْإِنْزَالُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَتَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّ إنْزَالَ ذَلِكَ فِي الْيَقِظَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا إنْزَالٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى نُزُولِهَا عَلَيْهِ فِي الْيَقِظَةِ فَتَكُونُ نَزَلَتْ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ الْوَاحِدَةُ فِي النَّوْمِ ثُمَّ الْأُخْرَى فِي الْيَقِظَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) (الْخَلَاءُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ الْخَلْوَةُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَكَانُ الْخَالِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حُبِّبَتْ الْعُزْلَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا فَرَاغَ الْقَلْبِ وَهِيَ مُعِينَةٌ عَلَى التَّفَكُّرِ وَبِهَا يَنْقَطِعُ عَنْ مَأْلُوفَاتِ الْبَشَرِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيَتَخَشَّعُ قَلْبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاهِبُ الرَّبَّانِيَّةُ تَكُونُ مَعَ الْعُزْلَةِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} [مريم: 49] الْآيَةَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ شَأْنُ الصَّالِحِينَ وَعِبَادُ اللَّهِ الْعَارِفِينَ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) حِرَاءُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مَصْرُوفٌ مُذَكَّرٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ أَكْثَرُ فَمَنْ ذَكَّرَهُ صَرَفَهُ وَمَنْ أَنَّثَهُ لَمْ يَصْرِفْهُ، أَرَادَ الْبُقْعَةَ أَوْ الْجِهَةَ الَّتِي فِيهَا الْجَبَلُ. قَالَ الْقَاضِي، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ حَرًى بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْقَصْرِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَالْعَوَامِّ يُخْطِئُونَ فِي حِرَاءَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ يَفْتَحُونَ الْحَاءَ وَهِيَ مَكْسُورَةٌ وَيَكْسِرُونَ الرَّاءَ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَيَقْصُرُونَ الْأَلِفَ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ، وَحِرَاءُ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ عَنْ يَسَارِ الذَّاهِبِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) التَّحَنُّثُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ التَّعَبُّدُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَصْلُ الْحِنْثِ الْإِثْمُ فَمَعْنَى يَتَحَنَّثُ يَتَجَنَّبُ الْحِنْثَ فَكَأَنَّهُ بِعِبَادَتِهِ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَمِثْلُهُ يَتَحَرَّجُ يَتَجَنَّبُ الْحَرَجَ وَيَتَأَثَّمُ يَتَجَنَّبُ الْإِثْمَ، وَقَوْلُهُ «اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ» يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَتَحَنَّثُ ظَرْفٌ لَهُ أَيْ يَتَحَنَّثُ اللَّيَالِيَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالتَّعَبُّدِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُ التَّحَنُّثِ بِكَوْنِهِ تَعَبُّدًا لَيَالِيَ ذَوَاتِ عَدَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ التَّعَبُّدُ وَإِنْ قَلَّ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ اعْتَرَضَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِ عَائِشَةَ وَأَصْلُهُ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَتَقَدَّمَ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ إلَى حِرَاءَ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ يَنْسُكُ فِيهِ» . وَكَذَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ تِلْكَ اللَّيَالِيَ كَانَتْ شَهْرًا. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَعَبَّدُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَلَّيْت شِعْرِي كَيْفَ تِلْكَ الْعِبَادَةُ وَأَيُّ أَنْوَاعِهَا هِيَ؟ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَعَلَهَا؟ يَحْتَاجُ ذَلِكَ لِنَقْلٍ وَلَا أَسْتَحْضِرُهُ الْآنَ، وَهَلْ كَانَ مُكَلَّفًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِشَرِيعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَمْ لَا وَإِنَّمَا كَانَ يَتَعَبَّدُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ؟ هَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فِي الْأُصُولِ، رَجَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَعَزَاهُ لِجُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَرَجَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ تَكْلِيفَهُ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِتَكْلِيفِهِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ فَقِيلَ هُوَ آدَم وَقِيلَ نُوحٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ مُوسَى وَقِيلَ عِيسَى وَقِيلَ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ شَرْعٌ لَهُ وَغَلِطَ هَذَا الْقَوْلُ فَإِنَّ شَرَائِعَهُمْ تَخْتَلِفُ فِي الْفُرُوعِ فَلَوْ كُلِّفَ بِجَمِيعِهَا لَزِمَ أَنْ يُخَاطَبَ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِأَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَلَعَلَّ مُرَادَ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ فَيَعْمَلُ بِأَيِّهَا شَاءَ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ أَنَّهُ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ لَا يَلِيقُ بِهِ الْكُفْرُ وَلَا الشَّكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا الْجَهْلُ بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ جَوَّزَهُ انْتَهَى. [فَائِدَة تَزَوُّدُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ فِي تَحَنُّثِهِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ بَعْضُهُمْ تَزَوُّدُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي تَحَنُّثِهِ يَرُدُّ قَوْلَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ طَعَامًا وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَوْلَى بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْبَشَرِ وَكَانَ يَتَزَوَّدُ. [فَائِدَة أَوَّلُ أَزْوَاج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا (ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ) هِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَهَا وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهِيَ أُمُّ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ إلَّا إبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ وَهِيَ أَوَّلُ أَزْوَاجِهِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ غَيْرَهَا فِي حَيَاتِهَا وَأَقَامَتْ مَعَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَشْهُرًا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ، وَالْمُرَادُ بِرُجُوعِهِ إلَى خَدِيجَةَ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهَا «فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا» يَعُودُ إلَى اللَّيَالِيِ وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يَقْتَصِرُ فِي الْمُجَاوَرَةِ عَلَى شَهْرٍ فِي السَّنَةِ بَلْ كَانَ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ، وَالزَّادُ كَمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطَّعَامُ الَّذِي يَسْتَصْحِبُهُ الْمُسَافِرُ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا «حَتَّى فَجِئَهُ» بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ فَجَأَهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَمْزَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَاهُ جَاءَهُ بَغْتَةً وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مُتَوَقِّعًا لِلْوَحْيِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ» وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ الْحَقُّ وَهُوَ الْوَحْيُ الْكَرِيمُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَكَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقِيلَ فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ» . (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) الْغَارُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَغَارُ بِزِيَادَةِ مِيمٍ أَوَّلَهُ وَالْمَغَارَةُ بِزِيَادَةِ مِيمٍ أَوَّلَهُ وَهَاءٍ آخِرَهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ كَالْكَهْفِ فِي الْجَبَلِ قَالَ وَالْكَهْفُ كَالْبَيْتِ الْمَنْقُورِ فِي الْجَبَلِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْغَارُ كَالْكَهْفِ فِي الْجَبَلِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ هُوَ شِبْهُ الْبَيْتِ فِيهِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ هُوَ الْمُنْخَفَضُ فِي الْجَبَلِ وَكُلُّ مُطْمَئِنٍّ مِنْ الْأَرْضِ غَارٌ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْكَهْفُ زَادَ النَّوَوِيُّ وَالنَّقْبُ فِي الْجَبَلِ، كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ هُوَ النَّقْبُ فِي الْجَبَلِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْكَهْفِ. (الْعِشْرُونَ) «فَجَاءَهُ الْمَلَكُ» هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ جِبْرِيلُ هُنَا بِلَا خِلَافٍ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَمَا نَافِيَةٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا نَافِيَةً وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا اسْتِفْهَامِيَّةً وَضَعَّفُوهُ بِإِدْخَالِ الْبَاءِ فِي الْخَبَرِ قَالَ الْقَاضِي وَيُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ قَالَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى مَا أَقْرَأُ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ " مَا " فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا نَافِيَةً انْتَهَى وَكَذَا فَسَّرَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَهُ «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» ، بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عِنْدِي مَعَ النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَاهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ مَا يُلْقِيهِ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ أَيْ لَا أُطِيعُك فِي قِرَاءَةِ مَا تُلْقِيهِ إلَيَّ وَتُقْرِئُنِي إيَّاهُ، وَلِهَذَا رَتَّبَ عَلَيْهِ الْغَطَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَحِينَئِذٍ وَافَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ جِبْرِيلُ وَتَبِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْمَقْرُوءِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَأْمُرُهُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِهِ غَيْرَ الَّذِي يُلْقِيهِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِأَنِّي لَا أُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ فَكَيْفَ يُكَلِّفُهُ قِرَاءَةً وَلَا قُرْآنَ عِنْدَهُ إنَّمَا يُكَلِّفُهُ قِرَاءَةَ مَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُلْقِيهِ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَجَابَ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ مَحْذُورٌ وَهُوَ مُخَالَفَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَلَكِ فِيمَا يَأْتِيهِ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (قُلْت) لَمْ يَتَحَقَّقْ أَوَّلًا أَنَّهُ مَلَكٌ وَلَا أَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُ الْقِصَّةِ مَعَ خَدِيجَةَ وَوَرَقَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «فَغَطَّنِي» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ ضَمَّنِي وَعَصَرَنِي يُقَالُ غَطَّهُ وَغَتَّهُ وَضَغَطَهُ وَعَصَرَهُ وَخَنَقَهُ وَغَمَزَهُ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ «حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ» يَجُوزُ فِي الْجِيمِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ لُغَتَانِ وَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمَشَقَّةُ وَيَجُوزُ فِي الدَّالِ النَّصْبُ وَالرَّفْعُ (فَالْأَوَّلُ) عَلَى أَنَّ فَاعِلَ بَلَغَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى جِبْرِيلَ أَيْ بَلَغَ جِبْرِيلُ مِنِّي الْجَهْدَ. (وَالثَّانِي) عَلَى أَنَّ الْجَهْدَ فَاعِلٌ أَيْ بَلَغَ الْجَهْدُ مِنِّي مَبْلَغَهُ وَغَايَتَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي نَصْبِ الدَّالِ وَرَفْعِهَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ «ثُمَّ أَرْسَلَنِي» أَيْ أَطْلَقَنِي قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي الْغَطِّ شَغْلُهُ عَنْ الِالْتِفَاتِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي أَمْرِهِ بِإِحْضَارِ قَلْبِهِ لِمَا يَقُولُهُ لَهُ وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا مُبَالَغَةً فِي التَّنْبِيهِ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَحْتَاطَ فِي تَنْبِيه الْمُتَعَلِّمِ وَأَمْرِهِ بِإِحْضَارِ قَلْبِهِ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ كَأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارًا لِلشِّدَّةِ وَالْجَدِّ فِي الْأَمْرِ وَأَنْ يَأْخُذَ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَيَتْرُكَ الْأَنَاةَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهُوَيْنَى. قَالَ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نَوْمِهِ يَكُونُ فِي تِلْكَ الْغَطَّاتِ الثَّلَاثِ مِنْ التَّأْوِيلِ ثَلَاثُ شَدَائِدَ يُبْتَلَى بِهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي الْفَرْجُ وَالرَّوَحُ، وَكَذَلِكَ كَانَ لَقِيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ شِدَّةً مِنْ الْجُوعِ فِي شِعْبِ الْخَيْفِ حِينَ تَعَاقَدَتْ قُرَيْشٌ أَنْ لَا يَبِيعُوا مِنْهُمْ وَلَا يَتْرُكُوا مِيرَةً تَصِلُ إلَيْهِمْ وَشِدَّةً أُخْرَى مِنْ الْخَوْفِ وَالْإِيعَادِ بِالْقَتْلِ، وَشِدَّةً أُخْرَى مِنْ الْإِجْلَاءِ عَنْ أَحَبِّ الْأَوْطَانِ إلَيْهِ ثُمَّ كَانَتْ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ انْتَهَى. وَعَلَى مَا قَدَّمْته فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا مِنْ الِاحْتِمَالِ تَكُونُ حِكْمَةُ الْغَطِّ إلْزَامُهُ بِالتَّلَقِّي عَنْهُ وَالْمُتَابَعَةِ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا يُضْرَبَ الصَّبِيُّ عَلَى الْقُرْآنِ إلَّا ثَلَاثًا] 1 (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ: انْتَزَعَ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَهُوَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُضْرَبَ الصَّبِيُّ عَلَى الْقُرْآنِ إلَّا ثَلَاثًا كَمَا غَطَّ جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - ثَلَاثًا. (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُذَكَّرُ وَيُنَبَّهُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ بِمَا عَلَيْهِ فِيهِ مَشَقَّةٌ. [فَائِدَة أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ] 1 (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ اقْرَأْ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ هَذَا مُنْقَطِعٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نُزُولِهَا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] وَ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْقَوْلَ: بُطْلَانُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ. [فَائِدَة إنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ] (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَهَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَجَوَابُ الْمُثْبِتِينَ لَهَا أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ أَوَّلًا بَلْ نَزَلَتْ الْبَسْمَلَةُ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا نَزَلَ بَاقِي السُّورَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي قَوْلِهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] وُجُوبُ اسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ بِبَسْمِ اللَّهِ غَيْرَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ بِأَيِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّهِ يُفْتَتَحُ؟ حَتَّى جَاءَ الْبَيَانُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] ثُمَّ قَوْلُهُ {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30] ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَعَ كُلِّ سُورَةٍ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي سَوَادِ الْمُصْحَفِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ الْقُرْآنِ، قَالَ وَلَا نَلْتَزِمُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ الْفَاتِحَةِ بَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مُقْتَرِنَةٌ مَعَ السُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ بَيِّنُ الْقُوَّةِ لِمَنْ أَنْصَفَ، (قُلْت) إذَا كَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَزَلَ بِهَا مَعَ كُلِّ سُورَةٍ فَهِيَ مِنْ السُّورَةِ إذْ لَيْسَتْ سُورَةً مُنْفَرِدَةً بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا يَزِيدُ عَدَدُ السُّوَرِ عَمَّا ذَكَرُوهُ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي قَوْلِهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] أَيْ إنَّك لَا تَقْرَأْهُ بِحَوْلِك وَلَا بِصِفَةِ نَفْسِك وَلَا بِمَعْرِفَتِك وَلَكِنْ اقْرَأْ مُفْتَتِحًا بِاسْمِ رَبِّك مُسْتَعِينًا بِهِ فَهُوَ يُعَلِّمُك كَمَا خَلَقَك وَكَمَا نَزَعَ عَنْك عَلَقَ الدَّمِ وَمَغْمَزَ الشَّيْطَانِ بَعْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا خَلَقَهُ فِيك كَمَا خَلَقَهُ فِي كُلِّ إنْسَانٍ فَالْآيَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ لِمُحَمَّدٍ وَالْآخِرَتَانِ لِأُمَّتِهِ وَهُمَا قَوْلُهُ {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 4] {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أُمَّةً أُمِّيَّةً لَا تَكْتُبُ فَصَارُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأَصْحَابَ قَلَمٍ، فَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ بِالْقَلَمِ وَتَعَلَّمَهُ نَبِيُّهُمْ تَلَقِّيًا مِنْ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى قَلْبِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ لِيَكُونَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ انْتَهَى. [فَائِدَة معني الرَّجَفَان] 1 (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «فَرَجَعَ بِهَا» أَيْ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ اقْرَأْ إلَى قَوْلِهِ يَعْلَمْ، وَالرَّجَفَانُ الِاضْطِرَابُ وَشِدَّةُ الْحَرَكَةِ. (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ «بَوَادِرُهُ» كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ بَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ بَادِرَةٍ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ تَضْطَرِبُ عِنْدَ فَزَعِ الْإِنْسَانِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ،، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَيْضًا يَرْجُفُ فُؤَادُهُ وَهُوَ الْقَلْبُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بَاطِنُهُ وَقِيلَ غِشَاؤُهُ وَقِيلَ عَيْنُهُ وَقِيلَ الْقَلْبُ مُضْغَةٌ مِنْ الْفُؤَادِ مُعَلَّقَةٌ بِالنِّيَاطِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَكَأَنَّ الرَّجَفَانَ فِي الْبَوَادِرِ وَالْفُؤَادِ وَلَعَلَّ رَجَفَانَ الْفُؤَادِ مُلَازِمٌ لِرَجَفَانِ الْبَوَادِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَعِلْمُ خَدِيجَةَ بِرَجَفَانِ فُؤَادِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رَأَتْهُ حَقِيقَةٌ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ وَعَلِمَتْهُ بِقَرَائِنِ وَصُورَةِ الْحَالِ. (الثَّلَاثُونَ) قَوْلُهُ «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» كَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ مُكَرَّرًا مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَاهُ غَطَّوْنِي بِالثِّيَابِ وَلُفُّونِي بِهَا وَالرَّوْعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْفَزَعُ. [فَائِدَة لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ الْفَازِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا دَامَ فِي حَالِ فَزَعِهِ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِي كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُخْبِرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ الْفَازِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ مَا دَامَ فِي حَالِ فَزَعِهِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَذْعُورَ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا إقْرَارٌ وَلَا غَيْرُهُ فِي حَالِ فَزَعِهِ. [فَائِدَة قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي] (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهُ «قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَيْسَ هُوَ بِمَعْنَى الشَّكِّ فِيمَا أَتَاهُ مِنْ اللَّهِ لَكِنَّهُ رُبَّمَا خَشِيَ أَنَّهُ لَا يَقْوَى عَلَى مُقَاوَمَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ أَعْبَاءِ الْوَحْيِ فَتَزْهَقُ نَفْسُهُ أَوْ يَكُونُ هَذَا لِأَوَّلِ مَا رَأَى التَّبَاشِيرَ فِي النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ وَسَمِعَ الصَّوْتَ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَلَكِ وَتَحَقُّقِهِ رِسَالَةَ رَبِّهِ فَيَكُونُ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَأَمَّا مُنْذُ جَاءَهُ الْمَلَكُ بِرِسَالَةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهِ وَلَا يَخْشَى مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالطَّرِيقِ يُحْمَلُ جَمِيعُ مَا وَرَدَ مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ تَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ غَطِّ الْمَلَكِ وَإِتْيَانِهِ بِاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْقَاضِي وَيَكُونُ مَعْنَى خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي أَنَّهُ يُخْبِرُهَا بِمَا حَصَلَ لَهُ أَوَّلًا مِنْ الْخَوْفِ لَا أَنَّهُ فِي الْحَالِ خَائِفٌ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْخَشْيَةِ بِأَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّ الَّذِي جَاءَهُ مَلَكٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَانَ أَشَقُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ مَجْنُونٌ، قَالَ وَلَمْ يَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ هَذَا مُحَالٌ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ قَدْ لَا يَحْصُلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَضَرَبَ مَثَلًا بِالْبَيْتِ مِنْ الشِّعْرِ تَسْمَعُ أَوَّلَهُ فَلَا تَدْرِي أَنَظْمٌ هُوَ أَمْ نَثْرٌ، فَإِذَا اسْتَمَرَّ الْإِنْشَادُ عَلِمْتَ قَطْعًا أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الشِّعْرِ كَذَلِكَ لَمَّا اسْتَمَرَّ الْوَحْيُ وَاقْتَرَنَتْ بِهِ الْقَرَائِنُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ حَصَلَ الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْعِلْمِ، فَقَالَ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] إلَى قَوْلِهِ {وَمَلائِكَتِهِ} [البقرة: 285] فَإِيمَانُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ إيمَانٌ كَسْبِيٌّ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ كَمَا وَعَدَ عَلَى سَائِرِ أَفْعَالِهِ الْمُكْتَسَبَةِ كَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ أَوْ الْجَوَارِحِ، قَالَ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» أَيْ خَشِيتُ أَنْ لَا أَنْتَهِضَ بِأَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَأَنْ أَضْعُفَ عَنْهَا ثُمَّ أَزَالَ اللَّهُ خَشْيَتَهُ وَرَزَقَهُ الْأَيْدَ وَالْقُوَّةَ وَالثَّبَاتَ وَالْعِصْمَةَ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ خَشْيَتَهُ كَانَتْ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا غَرْوَ فَإِنَّهُ بَشَرٌ يَخْشَى مِنْ الْقَتْلِ وَالْإِذَايَةِ الشَّدِيدَةِ مَا يَخْشَاهُ الْبَشَرُ ثُمَّ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ فِي ذَاتِ اللَّهِ كُلَّ خَشْيَةٍ وَيَجْلِبُ إلَى قَلْبِهِ كُلَّ شُجَاعَةٍ وَقُوَّةٍ انْتَهَى. [فَائِدَة مَنْ نَزَلَتْ بِهِ مُلِمَّةٌ] 1 (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِيهِ أَنَّهُ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ مُلِمَّةٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا مَنْ يَثِقُ بِنُصْحِهِ وَرَأْيِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. (الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهَا «كَلًّا» بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَقْصُورٌ وَهِيَ هُنَا كَلِمَةُ نَفْيٍ وَإِبْعَادٍ وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِيهَا، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا وَبِمَعْنَى الاستفتاحية، وَقَوْلُهَا «أَبْشِرْ» يَجُوزُ فِيهِ قَطْعُ الْهَمْزَةِ وَوَصْلُهَا يُقَالُ بَشَّرْته وَأَبْشَرْتُهُ وَبَشَّرْته بِمَعْنًى ثَلَاثُ لُغَاتٍ. (الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهَا «لَا يُخْزِيك اللَّهُ» ضَبَطْنَاهُ فِي رِوَايَتِنَا بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الزَّايِ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ أَيْضًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ الْخِزْيِ وَهُوَ الْفَضِيحَةُ وَالْهَوَانُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ رِوَايَتَنَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ لَكِنْ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ بِلَفْظِ «يُحْزِنُك» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَيَجُوزُ حِينَئِذٍ فَتْحُ أَوَّلِهِ وَضَمُّ ثَالِثِهِ، وَضَمُّ أَوَّلِهِ وَكَسْرُ ثَالِثِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ مِنْ الْحُزْنِ حَزَنَهُ وَأَحْزَنَهُ ثُلَاثِيٌّ وَرُبَاعِيٌّ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ الْخَلَلُ أَوْ فِي ضَبْطِنَا أَوْ عَنْ مَعْمَرٍ رِوَايَتَانِ. [فَائِدَة صِلَةُ الرَّحِمِ] 1 (السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهَا «إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا الرِّوَايَةُ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. وَصِلَةُ الرَّحِمِ الْإِحْسَانُ إلَى الْأَقَارِبِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَاصِلِ وَالْمَوْصُولِ فَتَارَةً يَكُونُ بِالْمَالِ وَتَارَةً يَكُونُ بِالْخِدْمَةِ وَتَارَةً بِالزِّيَارَةِ وَالسَّلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهَا «وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ يُقَالُ صَدَقَ الْحَدِيثَ وَصَدَقَ فِي الْحَدِيثِ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِحَرْفِ الْجَرِّ. (الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ) الْكَلُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ النَّقْلُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [النحل: 76] وَهُوَ مِنْ الْكَلَالِ وَهُوَ الْإِعْيَاءُ وَيَدْخُلُ فِي حَمْلِ الْكَلِّ الْإِنْفَاقُ عَلَى الضَّعِيفِ وَالْيَتِيمِ وَالْعِيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهَا «وَتَقْرِي الضَّيْفَ» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ يُقَالُ قَرَيْتُ الضَّيْفَ أَقْرِيهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَبِفَتْحِهَا مَمْدُودٌ وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُضَيَّفُ بِهِ قِرًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَيُقَالُ لِفَاعِلِهِ قَارٍ كَقَاضٍ. (الْأَرْبَعُونَ) النَّوَائِبُ جَمْعُ نَائِبَةٍ وَهِيَ الْحَادِثَةُ وَإِنَّمَا قَالَتْ نَوَائِبُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ النَّائِبَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْخَيْرِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الشَّرِّ قَالَ لَبِيدٌ نَوَائِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ كِلَاهُمَا ... فَلَا الْخَيْرُ مَمْدُودٌ وَلَا الشَّرُّ لَازِبُ. [فَائِدَة مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَخِصَالَ الْخَيْرِ سَبَبٌ لِلسَّلَامَةِ] (الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى كَلَامِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّك لَا يُصِيبُك مَكْرُوهٌ» لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَرَمِ الشَّمَائِلِ وَذَكَرْت ضُرُوبًا مِنْ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَخِصَالَ الْخَيْرِ سَبَبٌ لِلسَّلَامَةِ مِنْ مَصَارِعِ السُّوءِ. [فَائِدَة مَدْحُ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ مَدْحُ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُحْثُوَا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ» وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا مَدَحُوا بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فِي الْمَمْدُوحِ. [فَائِدَة تَأْنِيسُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ مَخَافَةٌ مِنْ أَمْرٍ] 1 (الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) وَفِيهِ تَأْنِيسُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ مَخَافَةٌ مِنْ أَمْرٍ وَتَبْشِيرُهُ وَذِكْرُ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ. [فَائِدَة كَمَالُ خَدِيجَةَ رِضَى اللَّه عَنْهَا وَجَزَالَةِ رَأْيِهَا] (الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَجَزَالَةِ رَأْيِهَا وَقُوَّةِ نَفْسِهَا وَثَبَاتِ قَلْبِهَا وَعِظَمِ فِقْهِهَا. (الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهُ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ عَلَمَيْنِ. (السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهَا «وَكَانَ امْرَءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» أَيْ صَارَ نَصْرَانِيًّا وَتَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَفَارَقَ طَرِيقَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا كَانَ قَبْلَ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ فَاحِشِ الْجَهَالَاتِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (قُلْت) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ عَاشَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - سِتِّينَ سَنَةً فِي الْإِسْلَامِ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَغَيْرِهِ أَمْ مُرَادُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ فُشُوِّ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَاتُوا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ فَسَمَّوْا الزَّائِدَ عَلَى سِتِّ سِنِينَ مِمَّا قَبْلَ الْهِجْرَةِ جَاهِلِيَّةً لِانْتِشَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفُشُوِّ أَمْرِهَا قَبْلَ فُشُوِّ الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهَا «وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ» فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ. ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ «يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ» . قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ دَيْنِ النَّصَارَى بِحَيْثُ صَارَ يَتَصَرَّفُ فِي الْإِنْجِيلِ فَيَكْتُبُ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إنْ شَاءَ وَبِالْعَرَبِيَّةِ إنْ شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهَا «أَيْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَرْفُ نِدَاءٍ لِلْبَعِيدِ مَسَافَةً أَوْ حُكْمًا فَنَادَتْهُ نِدَاءَ الْبَعِيدِ مَعَ قُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْمَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهَا «ابْنَ عَمِّ» مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَيْ عَمِّ» قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا حَقِيقَةً فَإِنَّهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَسَمَّتْهُ عَمًّا مَجَازًا لِلِاحْتِرَامِ وَهَذِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَادَةُ الْعَرَبِ فِي آدَابِ خِطَابِهِمْ يُخَاطِبُ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ بِيَا عَمِّ احْتِرَامًا لَهُ وَرَفْعًا لِمَرْتَبَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ بِقَوْلِهَا يَا ابْنَ عَمِّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ تَكَلَّمْت بِاللَّفْظَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُ وَرَقَةَ «ابْنَ أَخِي» مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ وَحَرْفُ النِّدَاءِ مَحْذُوفٌ أَيْ يَا ابْنَ أَخِي وَالصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ جَوَازُ حَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ مَعَ اسْمِ الْجِنْسِ عَلَى قِلَّةٍ وِفَاقًا لِلْكُوفِيِّينَ. وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي شُذُوذٍ أَوْ ضَرُورَةٍ. (الْخَمْسُونَ) النَّامُوسُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْغَيْبِ وَالْوَحْيِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ: النَّامُوسُ فِي اللُّغَةِ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَيُقَالُ نَمَسَتْ السِّرَّ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ أَنَمِسُهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ نَمْسًا أَيْ كَتَمْته وَنَمَسْت الرَّجُلَ وَنَامَسْتُهُ سَارَرْته. (الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى» كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَرَوَيْنَاهُ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ نَزَلَ عَلَى عِيسَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ انْتَهَى. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ إنَّمَا ذَكَرَ مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ عِيسَى وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ وَرَقَةَ كَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَالنَّصَارَى لَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى إنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ إنَّمَا يَقُولُونَ فِيهِ أُقْنُومًا مِنْ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ اللَّاهُوتِيَّةِ حَلَّ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ وَاتَّحَدَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحُلُولِ؛ وَهُوَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَسِيحُ فِي عِلْمِهِمْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَيُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ مَذْهَبِ النَّصَارَى الْكَذَبَةِ عَلَى اللَّهِ الْمُدَّعِينَ الْمُحَالَ عَدَلَ عَنْ عِيسَى إلَى مُوسَى لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى لَكِنْ وَرَقَةُ قَدْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ» (قُلْت) ، وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَقَالَ أَبْصَرْتُهُ فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ سُنْدُسٌ» ، وَرَوَى الْبَزَّارُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا وَرَقَةَ فَإِنِّي رَأَيْت لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَرَقَةَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَسِّكًا بِالْمُبْدَلِ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَإِنَّمَا كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالصَّحِيحِ مِنْهَا الَّذِي هُوَ عَلَى الْحَقِّ فَلَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ هَذَا الِاعْتِقَادَ فَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُجَابَ عَنْ ذِكْرِ مُوسَى دُونَ عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَاءَ لِمُوسَى بِشَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ غَيْرِ مَبْنِيَّةٍ عَلَى شَرِيعَةٍ قَبْلَهَا وَكَذَا كَانَ مَجِيئُهُ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ عِيسَى فَإِنَّهُ إنَّمَا جَاءَهُ بِشَرِيعَةٍ مُقَرِّرَةٍ لِلشَّرِيعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ شَرِيعَةُ مُوسَى لَا تُخَالِفُهَا إلَّا فِي يَسِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ الْجِنِّ الْمُسْتَمِعِينَ لِلْقُرْآنِ {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: 30] فَذَكَرُوا مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرُوا عِيسَى وَهُوَ أَقْرَبُ وَهُوَ نَظِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ سَوَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «يَا لَيْتَنِي فِيهَا» أَيْ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ وَمُدَّتِهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَيَّامَ الْمُحَارَبَةِ وَالدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مَبْدَأَ النُّبُوَّةِ، وَقَوْلُهُ جَذَعًا بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ يَعْنِي شَابًّا قَوِيًّا حَتَّى أُبَالِغَ فِي نُصْرَتِك، وَالْأَصْلُ فِي الْجَذَعِ لِلدَّوَابِّ وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ وَالرِّوَايَةُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «جَذَعًا» بِالنَّصْبِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِي مُسْلِمٍ «جَذَعٌ» بِالرَّفْعِ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةُ التَّوْجِيهِ وَأَمَّا النَّصْبُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْجِيهِهِ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ تَقْدِيرُهُ لَيْتَنِي أَكُونُ فِيهَا جَذَعًا وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ (قُلْت) وَاخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ جَوَازَهُ عَلَى قِلَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ وَلَوْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ مِنْ لَدُ شَوْلًا ... فَإِلَى ائْتِلَافِهَا أَيْ مِنْ لَدُنْ كَانَتْ شَوْلًا إلَى أَنْ تَلَاهَا وَلَدُهَا. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ لَيْتَ قَوْلُهُ: فِيهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ. (الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُك قَوْمُك» أَيْ يَضْطَرُّونَك لِلْخُرُوجِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا إخْرَاجَهُ بَلْ حَرَصُوا عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِ وَلَكِنَّهُمْ اضْطَرُّوهُ إلَى ذَلِكَ بِمَا فَعَلُوهُ مَعَهُ مِنْ الْأَذَى وَمَنْعِهِ إقَامَةَ الدِّينِ وَعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ} [محمد: 13] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q {أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13] . (الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَهُوَ جَمْعُ مُخْرِجٍ وَأَصْلُهُ مُخْرِجُويَ فَأُدْغِمَتْ الْوَاوُ فِي الْيَاءِ فَالْيَاءُ الْأُولَى يَاءُ الْجَمْعِ وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَفُتِحَتْ لِلتَّخَفُّفِ لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءَانِ بَعْدَ كَسْرَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْيَاءِ عَلَى وَجْهٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَشْدِيدُهَا وَهُوَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] . (الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُ وَرَقَةَ «نَعَمْ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَهُ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعُلَمَائِهِمْ فَقَالَهُ بِنَقْلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ وَتَجْرِبَةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ «لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إلَّا عُودِيَ» خَرَجَ مَخْرَجَ التَّسْلِيَةِ لَهُ وَأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَك أَذَى قَوْمِهِمْ لَهُمْ وَصَبْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ الدَّلِيلِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ. (السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ وَرَقَةَ قَالَ «لَتُكَذِّبَنَّهُ وَلَتُؤْذِيَنَّهُ وَلَتُخْرِجَنَّهُ» ، فَقَالَ أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُبِّ الْوَطَنِ وَشِدَّةِ مُفَارَقَتِهِ عَلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ «لَتُكَذِّبَنَّهُ» فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ «وَلَتُؤْذِيَنَّهُ» فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ «وَلَتُخْرِجَنَّهُ» ، فَقَالَ أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حَرَمُ اللَّهِ وَجِوَارُ بَيْتِهِ وَبَلْدَةُ أَبِيهِ إسْمَاعِيلَ؛ فَلِذَلِكَ تَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْخُرُوجِ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَحَرَّكْ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ وَالْمَوْضِعُ الدَّالُ عَلَى تَحَرُّكِ النَّفْسِ وَتَحَرُّقِهَا إدْخَالُ الْوَاوِ بَعْدَ أَلْفِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ اخْتِصَاصِ الْإِخْرَاجِ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ تُرَدُّ إلَى الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَتُشْعِرُ الْمُخَاطَبَ بِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ أَوْ التَّكَلُّفِ لِكَلَامِهِ وَالتَّأَلُّمِ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اسْتَبْعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيمَا مَضَى وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي إخْرَاجًا بَلْ كَانَتْ مِنْهُ الْأَسْبَابُ الْمُتَكَاثِرَاتُ وَالْمَحَاسِنُ الْمُتَظَاهِرَاتُ الْمُوجِبَاتُ إكْرَامَهُ وَإِنْزَالَهُ بِأَعْلَى الدَّرَجَاتِ انْتَهَى. (السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُك» كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ «إنْ أُدْرِكْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ وَرَقَةَ سَابِقٌ بِالْوُجُودِ وَالسَّابِقُ هُوَ الَّذِي يُدْرِكُهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ كَمَا جَاءَ «أَشْقَى النَّاسِ مَنْ أَدْرَكَتْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّاعَةُ وَهُوَ حَيٌّ» قَالَ وَرِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ لَهَا أَيْضًا وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ أَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَسَمَّى رُؤْيَتَهُ إدْرَاكًا، وَفِي التَّنْزِيلِ {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] أَيْ لَا تَرَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ «يَوْمُك» أَيْ وَقْتُ إخْرَاجِك أَوْ وَقْتُ انْتِشَارِ نُبُوَّتِك. (الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَوْلُهُ «مُؤَزَّرًا» بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالزَّايِ وَتَشْدِيدِهَا وَبَعْدِهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ قَوِيًّا بَالِغًا مِنْ الْأَزْرِ وَهُوَ الْقُوَّةُ وَالْعَوْنُ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ مُؤَزَّرًا قَالَ بَعْضُهُمْ أَصْلُهُ مُوزَرًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَازَرْتُ أَيْ عَاوَنْت وَيُقَالُ فِيهِ آزَرْت قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَلِفَ سَقَطَتْ إذْ لَا أَصْلَ لِمُؤَزَّرٍ فِي الْكَلَامِ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَوَّلَ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَذَا الْقَائِلُ لَكَانَ صَوَابُ الْكَلَامِ مُؤَزِّرًا بِكَسْرِ الزَّايِ، وَذَكَرَ فِي الْمَشَارِقِ أَنَّ قَوْلَهُ مُؤَزَّرًا يُهْمَزُ وَيُسَهَّلُ. (التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نُكَتِ ابْنِ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ فِي حَيَاةِ وَرَقَةَ وَأَنَّهُ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، وَقَالَ اُخْتُلِفَ فِي إسْلَامِهِ قَالَ وَالِدِي وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ خَدِيجَةُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ فَأَظْهَرَ إسْلَامَهُ، وَحَكَى وَالِدِي كَوْنَ عَلِيٍّ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِ التَّوَارِيخِ أَنَّ عَلِيًّا أَوَّلُهُمْ إسْلَامًا وَأَنْكَرَ هَذَا الْإِجْمَاعَ عَلَى الْحَاكِمِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَوَّلُ الصَّحَابَةِ إسْلَامًا وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَادَّعَى الثَّعْلَبِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ وَأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَالْأَوْرَعُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ الصِّبْيَانِ الْأَحْدَاثِ عَلِيٌّ وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدٌ وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اعْتِكَافَ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ] 1 (السِّتُّونَ) (إنْ قُلْت) مَا وَجْهُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اعْتِكَافٍ وَلَا مُجَاوَرَةٍ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعَبُّدُ بِحِرَاءَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعَبُّدِ الِاعْتِكَافُ فَالْأَعَمُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ (قُلْت) قَدْ تَبَيَّنَ بِغَيْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَانَ يُجَاوِرُ بِهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاوَرْت بِحِرَاءَ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلًا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجَاوِرُ فِي حِرَاءَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فَالْحَدِيثُ حِينَئِذٍ مُطَابِقٌ لِلتَّبْوِيبِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْ حِرَاءَ مَسْجِدًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ مِنْ يُجَوِّزُ اعْتِكَافَ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْمُجَاوَرَةِ غَيْرَ مَعْنَى الِاعْتِكَافِ فَالْمُجَاوَرَةُ مَذْكُورَةٌ فِي تَبْوِيبِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ صَرَّحَ بِذِكْرِهَا فِي التَّبْوِيبِ وَعَطَفَهَا عَلَى الِاعْتِكَافِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 كِتَابُ الْحَجِّ - مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ - عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ» وَقَالَ مَرَّةً «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ وَذَكَرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْهُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مُهَلُّ   Q [كِتَابُ الْحَجِّ] [مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ] [حَدِيث أَنَّ النَّبِيَّ وَقَّتَ وَقَالَ مَرَّةً مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ] (كِتَابُ الْحَجِّ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ وَقَالَ مَرَّةً مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ وَذَكَرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْهُ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَذَكَرَهُ قَالَ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ» فِيهِ (فَوَائِدُ) " الْأُولَى " أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَّتَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ (يُهِلُّ) بِلَفْظِ الْفِعْلِ مِنْ الْإِهْلَالِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ» . «قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ» وَأَخْرُجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَبَا دَاوُد فَإِنَّ لَفْظَهُ (وَقَّتَ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «إنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ» فَذَكَرَهُ وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 أَهْلِ الْمَدِينَةِ» فَذَكَرَهُ وَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ» وَوَصَلَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى   Qآخِرِهِ «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لَفْظُ اللَّيْثِ وَالْآخَرُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْهُ بِلَفْظِ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» إلَى آخِرِهِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ فَسَأَلْته مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ؟ قَالَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابَةِ صَحِيحٌ حُجَّةٌ (قُلْت) قَدْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ وَرَدَ مِيقَاتُ الْيَمَنِ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَمِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي دَاوُد {الثَّانِيَةُ} فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الْأَرْبَعَةَ هِيَ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ لِأَهْلِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمَعْنَى التَّوْقِيتِ بِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَرِيدِ النُّسُكِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ» وَصَرَّحَ ابْنُ مَاجَهْ بِرَفْعِهِ بِلَفْظٍ «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» وَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ مَتْرُوكٌ وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَزَادَ النَّسَائِيّ فِيهِ «وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةُ   Qأَنْ يُجَاوِزَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَهَا مِيقَاتًا لِلْإِحْرَامِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَلَزِمَنَا الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ (ثَانِيهَا) أَنَّهُ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَأَتَى بِهِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الْأَمْرُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ لِتَأَكُّدِهِ وَالْأَمْرُ الْمُتَأَكِّدُ لِلْوُجُوبِ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَ لَهُ مَوَاضِعَ الْإِهْلَالِ الْمَأْمُورَ بِهَا وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» الْحَدِيثَ (رَابِعُهَا) أَنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَافْتِرَاضُ الْمَوَاقِيتِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ (فَرْضُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالُوا لَوْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ دَمٌ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَإِيجَابُ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَآخَرُونَ مَتَى عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إذَا عَادَ إلَيْهِ مُلَبِّيًا فَإِنْ عَادَ غَيْرَ مُلَبٍّ اسْتَمَرَّ لُزُومُ الدَّمِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ» وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ السَّهْمِيِّ «وَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ» وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» وَلِلْبُخَارِيِّ (أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ حَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتَ عِرْقٍ) وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدَائِنِ الْعَقِيقَ وَلِأَهْلِ الْبَصْرَةِ ذَاتَ عِرْقٍ» .   Qوَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزُفَرُ: لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِعَوْدِهِ إلَيْهِ مُطْلَقًا وَقَالَ مَالِكٌ إنْ عَادَ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ وَهُوَ حَلَالٌ سَقَطَ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْبُعْدِ وَالْإِحْرَامِ لَمْ يَسْقُطْ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَدَنِيَّ إذَا جَاوَزَ ذَا الْحُلَيْفَةٍ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهُوَ مَرِيدٌ لِلنُّسُكِ فَبَلَغَ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى مِيقَاتِ بَلَدٍ آخَرَ كَيَلَمْلَمُ وَأَحْرَمَ مِنْهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مُجَاوَزَةِ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى وَوَرَاءَ ذَلِكَ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعُدْ لِلْمِيقَاتِ حَتَّى تَمَّ حَجَّةً رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ وَأَهَلَّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ (ثَانِيهَا) أَنَّهُ مَتَى تَرَكَ الْمِيقَاتَ لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ أَصْلًا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْمِيقَاتَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِأَنَّهَا لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْآثَارِ وَلَا تَصِحُّ فِي النَّظَرِ. (الثَّالِثَةُ) قَدْ بَيَّنَّا أَنْ مَعْنَى التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مَنْعَ مُجَاوَزَتِهَا بِلَا إحْرَامٍ إذَا كَانَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ أَمَّا الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَلَا مَانِعَ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ بَلْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى تَرْجِيحِ الْإِحْرَامِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إيلِيَاءَ يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَكَانَ الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو إِسْحَاقَ يُحْرِمُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ، انْتَهَى لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ، وَنُقِلَ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِعْلَهُ عَنْ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ بَلْ زَادَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فِكْرَةَ تَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إحْرَامَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَكَرِهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمَالِكٌ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ انْتَهَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورٍ فَالْإِحْرَامُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمِيقَاتِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ إنْ أَحْرَمَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَلَا إحْرَامَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إذَا صَارَ إلَى الْمِيقَاتِ تَجْدِيدَ إحْرَامٍ وَحَكَاهُ عَنْ دَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبِلَهُ عَلَى خِلَافِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (وَقَّتَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْ حَدَّدَ وَجَعَلَ لَهُمْ مِيقَاتًا وَحَدَّ الْحَدَّ الَّذِي يُحْرِمُونَ مِنْهُ وَمِنْهُ الْوَقْتُ وَالْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا حُدُودٌ لِلْعِبَادَاتِ وَيَكُونُ وَقَّتَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامَ مِنْهُ وَمِنْهُ {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: التَّوْقِيتُ وَالتَّأْقِيتُ أَنْ يُجْعَلَ لِلشَّيْءِ وَقْتٌ يُخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ بَيَانُ مِقْدَارِ الْمُدَّةِ يُقَالُ وَقَّتَ الشَّيْءَ يُوَقِّتُهُ وَوَقَّتَهُ يَقِتُهُ إذَا بَيَّنَ مُدَّتَهُ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَأَطْلَقَ عَلَى الْمَكَانِ فَقِيلَ لِلْمَوْضِعِ مِيقَاتٌ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْهُ وَأَصْلُهُ مِوْقَاتٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ قِيلَ إنَّ التَّوْقِيتَ فِي اللُّغَةِ التَّحْدِيدُ لِلشَّيْءِ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّوْقِيتَ تَحْدِيدٌ بِالْوَقْتِ فَيَصِيرُ التَّحْدِيدُ مِنْ لَوَازِمِ التَّوْقِيتِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ تَوْقِيتٌ وَقَوْلُهُ هُنَا وَقَّتَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّحْدِيدُ أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لِلْإِحْرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ تَعْلِيقُ الْإِحْرَامِ بِوَقْتِ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْأَمَاكِنِ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ (مُهَلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازِمَتِهِ لَهُ فِي عَادَتِهِمْ غَالِبًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ يُهِلُّ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ أَوَّلُهُ مَضْمُومَةٌ وَهَاءٌ مَكْسُورَةٌ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مِنْ أَهَلَّ. [فَائِدَة الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ] 1 {السَّادِسَةُ} الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةٍ وَأَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ نَجْدٍ كُلُّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ سَفَرِهِمْ بِحَيْثُ إنَّهُ مَرَّ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بِلَادِهِمْ فَلَوْ مَرَّ الشَّامِيُّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ كَمَا يَفْعَلُ الْآنَ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا إلَى الْجُحْفَةِ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَقَالَ «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» وَقَوْلُهُ (لَهُنَّ) كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَيْ لِلْأَقْطَارِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ وَمَا مَعَهَا وَالْمُرَادُ لِأَهْلِهِنَّ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ لَهُمْ وَكَذَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَيْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِع وَهُوَ أَظْهَرُ تَوْجِيهًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْخِلَافِ مُطْلَقًا فَمَرْدُودٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَى الْجُحْفَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَوْ مِصْرَ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَلَا أَعْلَمُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَبِهَذَا نَقُولُ وَصَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ نَكَّتَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ إذَا أَرَدْت الْحَجَّ أَحْرَمْت مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَإِذَا أَرَدْت الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ (قُلْت) لَعَلَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَعْتَمِرُ لَا تَسْلُكُ طَرِيقَ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلَا تَمُرُّ بِهَا عَلَيْهَا بَلْ تَسْلُكُ طَرِيقًا أُخْرَى تَمُرُّ عَلَى الْجُحْفَةِ خَاصَّةً وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعِمْرَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْبَيَانِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَحْسَبُهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةِ الْحَدِيثُ وَأَمَّا الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ عَامٌّ فِيمَنْ أَتَى، يَدْخُلُ تَحْتَهُ مِنْ مِيقَاتِهِ بَيْنَ يَدَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي مَرَّ بِهَا وَمَنْ لَيْسَ مِيقَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَقَوْلُهُ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتٍ آخَرَ أَوَّلًا فَإِذَا قُلْنَا بِالْعُمُومِ الْأَوَّلِ دَخَلَ تَحْتَهُ هَذَا الشَّامِيُّ الَّذِي مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا وَإِذَا عَمِلْنَا بِالْعُمُومِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ دَخَلَ تَحْتَهُ هَذَا الْمَارُّ أَيْضًا بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَيَكُونُ لَهُ التَّجَاوُزُ إلَيْهَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ مِيقَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ اهـ وَلَوْ سَلَكَ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ سَفَرِهِمْ وَمَرَّ عَلَى مِيقَاتِهِمْ لَمْ يَرِدْ هَذَا الْإِشْكَالُ وَلَمْ يَتَعَارَضْ هُنَا دَلِيلَانِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ بَلَدِهِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ سَكَنِهِ كَالْيَمَنِيِّ يَحُجُّ مِنْ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ سُكَّانَهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِأَهْلِهَا مَنْ حَجَّ مِنْهَا وَسَلَكَ طَرِيقَ أَهْلِهَا وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى سُكَّانِهَا لَوَرَدَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَحَصَلَ الِاضْطِرَابُ فِي هَذَا فَنُفَرِّقُ فِي الْغَرِيبِ الطَّارِئِ عَلَى الْمَدِينَةِ مَثَلًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ بَلَدِهِ أَمْ لَا فَنَحْمِلُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ تَارَةً عَلَى سُكَّانِهَا وَتَارَةً عَلَى سُكَّانِهَا وَالْوَارِدِينَ عَلَيْهَا وَيَصِيرُ هَذَا تَفْرِيقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِذَا حَمَلْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ وَمَشَى اللَّفْظُ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْمَالِكِيَّانِ وَابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيِّ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَهُ مِيقَاتٌ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالشَّامِّي يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ هَلْ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا إلَى الْجُحْفَةِ: أَمَّا الْمَدَنِيُّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَطْعًا وَكَذَلِكَ الْيَمَنِيُّ وَنَحْوُهُ وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ وَمَثَّلَ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ بِمُجَاوَزَةِ الْمَدَنِيِّ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَيْضًا وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ مَحْمُودُ بْنُ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ [فَائِدَة مَعْنَى ذُو الْحُلَيْفَةِ] 1 {السَّابِعَةُ} ذُو الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ تَصْغِيرُ الْحَلَفَةِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَهِيَ وَاحِدُ الْحَلْفَاءِ وَهُوَ النَّبْتُ الْمَعْرُوفُ وَالْمُرَادُ بِهَا مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَحْوُ سِتَّةِ أَمْيَالٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَبْلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مِيلًا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ وَهُمْ وَالْحِسُّ يَرُدُّ ذَلِكَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ: الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا وَالْقَائِلُونَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا أَتْقَنُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَالِمُ الْحِجَازِ وَصَوَّبَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ مَأْمَنُ مِيَاهِ بَنِي جَثْمٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَفَاجَةَ الْعُقَيْلِيِّينَ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ عَشَرَةِ مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٍ أَمَّا ذُو الْحُلَيْفَةِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ» فَهُوَ مَوْضِعٌ آخَرُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ هُوَ الْمُهَلُّ الَّذِي بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ. [فَائِدَة لِمَاذَا سميت الْجُحْفَة بِذَلِكَ] {الثَّامِنَةُ} الْجُحْفَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ قَرْيَةٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْبَحْرِ وَثَمَانِي مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَحْوُ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ اجْتَحَفَهَا وَحَمَلَ أَهْلَهَا وَهِيَ مَهْيَعَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مِنْ الصَّحِيحَيْنِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ كَسْرَ الْهَاءِ مَعَ إسْكَانِ الْيَاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْآنَ خَرِبَةٌ لَا يَصِلُ إلَيْهَا أَحَدٌ لِوَخَمِهَا وَإِنَّمَا يُحْرِمُ النَّاسُ مِنْ رَابِغٍ وَهِيَ عَلَى مُحَاذَاتِهَا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ مَهْيَعَةَ قَرِيبٌ مِنْ الْجُحْفَةِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمْنَاهُ إنَّهَا هِيَ الْجُحْفَةُ نَفْسُهَا. [فَائِدَةَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةُ] 1 (التَّاسِعَةُ) الشَّامُ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ مِنْ الْعَرِيشِ إلَى بَالِسَ وَقِيلَ إلَى الْفُرَاتِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهِيَ بِلَادٌ بَيْنَ الْجَزِيرَةِ وَالْغَوْرِ إلَى السَّاحِلِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالْهَمْزُ وَتَرْكُهُ وَأَمَّا شَآمٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ فَأَبَاهُ أَكْثَرُهُمْ إلَّا فِي النَّسَبِ وَفِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ خِلَافٌ لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ. (الْعَاشِرَةُ) رَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةُ» وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ. [فَائِدَة النَّجْدُ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض وَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا دُونَ الْحِجَازُ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) نَجْدٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ تِهَامَةَ إلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ، مَا بَيْنَ جَرَشَ إلَى سَوَادِ الْكُوفَةِ وَحَدُّهُ مِمَّا يَلِي الْمَغْرِبَ الْحِجَازُ وَعَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ الْيَمَنُ قَالَ وَنَجْدٌ كُلُّهَا مِنْ عَمَلِ الْيَمَامَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّجْدُ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض وَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا دُونَ الْحِجَازُ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ. [فَائِدَة قَرْنٌ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَرْنٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَالْأَسْمَاءِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ فِي غَلْطَتَيْنِ فَاحِشَتَيْنِ فَقَالَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَزَعَمَ أَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالصَّوَابُ إسْكَانُ الرَّاءِ وَأَنَّ أُوَيْسًا مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو قَرْنٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ الْقَبِيلَةُ الْمَعْرُوفَةُ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْمُرَادِيُّ (قُلْت) حَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ عَنْ تَعْلِيقِ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَ قَرْنٌ بِالْإِسْكَانِ أَرَادَ الْجَبَلَ الْمُشْرِفَ عَلَى الْمَوْضِعِ وَمَنْ قَالَ قَرَنٌ بِالْفَتْحِ أَرَادَ الطَّرِيقَ الَّذِي يَفْتَرِقُ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ فِيهِ طُرُقٌ مُفْتَرِقَةٌ انْتَهَى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ قَالُوا وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ النَّوَوِيِّ وَفِيمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ قَرْنًا أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ نَظَرَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا وَأَنَّ بَيْنَ يَلَمْلَمُ وَمَكَّةَ ثَلَاثِينَ مِيلًا فَتَكُونُ يَلَمْلَمُ حِينَئِذٍ أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة يَلَمْلَم مِنْ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يَلَمْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَاللَّامَيْنِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا أَلَمْلَمُ بِهَمْزَةٍ أَوَّلَهُ وَهِيَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَدَلٌ مِنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: يَلَمْلَمُ وَيَرَمْرَمُ بِاللَّامِ وَالرَّاءِ. [فَائِدَة الْمُرَادُ بِكَوْنِ يَلَمْلَم مِيقَاتَ أَهْلِ الْيَمَنِ] 1 {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ الْمُرَادُ بِكَوْنِ يَلَمْلَم مِيقَاتَ أَهْلِ الْيَمَنِ بَعْضُ الْيَمَنِ وَهُوَ تِهَامَةُ فَأَمَّا نَجْدٌ فَإِنَّ مِيقَاتَهُ قَرْنٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمَنَ يَشْمَلُ نَجْدًا وَتِهَامَةَ فَأَطْلَقَ الْيَمَنَ وَأُرِيدَ بَعْضُهُ وَهُوَ تِهَامَةُ مِنْهُ خَاصَّةً وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ نَجْدٌ تَنَاوَلَ نَجْدِ الْحِجَازِ وَنَجْدُ الْيَمَنِ فَكِلَاهُمَا مِيقَاتُ أَهْلِهِ قَرْنٌ. [فَائِدَة مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) بَقِيَ مِيقَاتٌ خَامِسٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ ذَاتُ عِرْقٍ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لَانَ فِيهِ عِرْقًا وَهُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ وَقِيلَ الْعِرْقُ مِنْ الْأَرْضِ سَبْخَةٌ تَنْبُتُ الطُّرَفَاءُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهِيَ الْحَدُّ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ وَمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَوْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ تَبِعْتُ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ فَقَالَا: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَوْجُودٌ فَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ الْعَقِيقُ قَالَ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ لَا يَصِحُّ: لِأَنَّ رِوَايَةَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (قُلْت) الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَكَذَلِكَ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ بِأَنَّ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمِيقَاتَ ذَاتُ عِرْقٍ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ صَارَتْ مِيقَاتُهُمْ بِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلَيْنِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ مَنْصُوصٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شُقَّ عَلَيْنَا قَالَ فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ وَيَدُلُّ لِلثَّانِي عِدَّةُ أَحَادِيثَ وَهِيَ مُتَكَلَّمٌ فِيهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ (قُلْت) رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ سَمِعْت أَحْسَبُهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ» وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِرَفْعِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْعِرَاقَ لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَامُهُ فِي تَضْعِيفِهِ صَحِيحٌ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرْته وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ لِضَعْفِهِ بِعَدَمِ فَتْحِ الْعِرَاقِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِهِ بَانَهُ سَيُفْتَحُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَالْإِخْبَارِ بِالْمُغْيِبَاتِ الْمُسْتَقْبِلَاتِ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ فِي جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّامَ لَمْ يَكُنْ فُتِحَ يَوْمئِذٍ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَخْبَرَ بِفَتْحِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ وَأَنَّهُمْ يَأْتُونَ إلَيْهِنَّ يَبِسُّونَ وَالْمَدِينَةِ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ بِأَنَّهُ زُوِيَتْ لَهُ مَشَارِقُ الْأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا وَقَالَ سَيَبْلُغُ مِلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَإِنَّهُمْ سَيَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ وَإِنَّ عِيسَى يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِي دِمَشْقَ» وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ لِمُجَرَّدِ هَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَة إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ شَكٍّ بِلَفْظِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ لَكِنَّ الْخُوزِيَّ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا شَكٍّ أَيْضًا لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ (قُلْت) فِي قَوْلِ النَّوَوِيِّ إنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَحْسَبُهُ مَعْنَاهُ أَظُنُّهُ وَالظَّنُّ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي رَفْعِهِ: وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ لَا يَقِينًا وَلَا ظَنًّا فَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ تَوْقِيفًا مِنْ الشَّارِعِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضَمَّنَهُ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا يَقِينًا بِاتِّفَاقٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَاتُ النَّاسِ وَهُوَ عِنْدِي صَالِحٌ وَأَحَادِيثُهُ أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُسْتَقِيمَةً كُلَّهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْفَرِدُ بِهِ مُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْهُ وَإِنْكَارُ أَحْمَدَ قَوْلُهُ «وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ» وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقِيَ مِنْ إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ انْتَهَى وَصَحَّحَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ إسْنَادَهُ جَيِّدٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ حَدِيثًا وَفِيهِ «وَوَقَّتَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ (قُلْت) زُرَارَةُ بْنُ كَرِيمٍ بِفَتْحِ الْكَافِ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَالرَّاوِي عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ كَذَلِكَ وَبَاقِي رِجَالِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَحْصِ عَنْهُمْ فَلَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ غَيْرِهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ «وَقَالَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ» فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهَا ضَعِيفٌ فَمَجْمُوعُهَا لَا يَقْصُرُ عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَالْأَرْجَحُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوصٌ أَيْضًا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَمَنْ سَأَلَهُ لَمْ يَعْلَمُوا تَوْقِيتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ عِرْقٍ فَقَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ وَوَافَقَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانَ كَثِيرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِصَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. فَإِنْ قُلْت مَا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّوْقِيتِ مِنْ الْعَقِيقِ وَبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّوْقِيتِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ؟ (قُلْت) فِي ذَلِكَ أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) ضَعْفُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَأَحَادِيثُ التَّوْقِيتِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ أَصَحُّ وَأَكْثَرُ وَأَرْجَحُ، وَعَكَسَ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ الْحَدِيثُ فِي الْعَقِيقِ أَثْبَتُ مِنْهُ فِي ذَاتِ عِرْقٍ. (الثَّانِي) أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْإِيجَابِ وَالْعَقِيقُ مِيقَاتُ الِاسْتِحْبَابِ فَالْإِحْرَامُ مِنْ الْعَقِيقِ أَفْضَلُ فَإِنْ جَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ جَازَ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْعَقِيقُ مِيقَاتٌ لِبَعْضِهِمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدَائِنِ الْعَقِيقَ وَلِأَهْلِ الْبَصْرَةِ ذَاتَ عِرْقٍ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَبُو ظِلَالٍ هِلَالُ بْنُ يَزِيدَ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ. (الرَّابِعُ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَوْضِعِ الْعَقِيقِ ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقُرِّبَتْ إلَى مَكَّةَ وَعَلَى هَذَا فَذَاتُ عِرْقٍ هُوَ الْعَقِيقُ وَاللَّفْظَانِ مُتَوَارِدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ رَأَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبُيُوتِ وَقَطَعَ الْوَادِيَ فَأَتَى بِهِ الْمَقَابِرَ فَقَالَ هَذِهِ ذَاتُ عِرْقٍ الْأُولَى اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ وُجُوبُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْعَقِيقِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ اسْتِحْبَابًا كَمَا تَقَدَّمَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ كَرَاهَتُهُ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ تَقَدَّمْ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْتِبَاسِ الْمِيقَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَتُهُ عِنْدَ التَّقْدِيمِ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ أَيْضًا، قَالَ وَهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ كَرَاهَةَ أَنْ يُضَيِّقَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ مَا قَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا لَا يُؤْمَرُ أَنْ يُحْدِثَ فِي إحْرَامِهِ قَالَ وَكُلُّهُمْ أَلْزَمَهُ الْإِحْرَامَ إذَا فَعَلَ لِأَنَّهُ زَادَ وَلَمْ يُنْقِصْ اهـ. وَلَمْ يُفَرِّقْ هَؤُلَاءِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بَعْضِ الْمَوَاقِيتِ وَبَعْضِهَا فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ ذَاتُ عِرْقٍ أَيْضًا، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْكُلِّ مِنْ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ يُخَالِفُهُ كَلَامُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ حَزْمٍ الْمُتَقَدِّمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْعَقِيقُ كُلُّ مَسِيلٍ شَقَّهُ مَاءُ السَّيْلِ فَوَسَّعَهُ وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ أَرْبَعَةُ أَعِقَّةٍ وَهِيَ أَوْدِيَةٌ عَادِيَةٌ مِنْهَا عَقِيقٌ يَتَدَفَّقُ مَاؤُهُ فِي غَوْرِي تِهَامَةَ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا عَشَرَةٌ. [فَائِدَة رِفْقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ فِي تَوْقِيتِهِ لِمَوَاقِيتِ الْحَجِّ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ رِفْقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمَتِهِ فِي تَوْقِيتِهِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ لَهُمْ فَجَعَلَ الْأَمْرَ لِأَهْلِ الْآفَاقِ بِالْقُرْبِ وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَقْرَبَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ الْمَذْكُورَةِ وَقَّتَ لَهُمْ ذَا الْحُلَيْفَةِ خَارِجَ الْمَدِينَةِ بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ وَجَعَلَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ الْمَصِيرَ إلَى مِيقَاتِهِمْ الْجُحْفَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَفَّاقِيَّ الْمَارَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ لَهُ مُجَاوَزَتُهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ إلَى الْجُحْفَةِ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ خِلَافُهُ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَمْصَارِ وَبَيَّنَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِهَا وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ بِهَذِهِ الْمَوَاقِيتِ كَحُكْمِ الْمَارِّينَ بِهَا، وَفُهِمَ مِنْ سُكُوتِهِ عَمَّنْ سَكَنُهُ بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَمَكَّةَ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الرُّجُوعُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَلْ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ إذْ لَوْ كُلِّفَ الرُّجُوعَ إلَيْهَا لَمْ يَخْتَصَّ تَأْقِيتُهَا بِالْمَارِّينَ بِهَا، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» أَيْ فَمَنْ حَيْثُ أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مُجَاهِدًا فَقَالَ مِيقَاتُهُ مَكَّةُ نَفْسُهَا وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إلَّا حَرَامًا فَإِنْ دَخَلَهُ غَيْرَ حَرَامٍ فَلْيَخْرُجْ مِنْهُ وَلِيُهِلَّ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحِلِّ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُ وَقَوْلَ مُجَاهِدٍ شَاذَّانِ. وَأَمَّا مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ نَفْسُ مَكَّةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا وَالْإِحْرَامُ خَارِجَهَا وَلَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ كُلِّهِ جَائِزٌ، وَالْحَدِيثُ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ جَازَ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَلَا دَمَ لِأَنَّهُ زَادَ وَمَا نَقَصَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 بَابُ إفْرَادِ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ   Qيُحْرِمَ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِي مَكَّةَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ نَفْسِ الْبَلَدِ وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا مِنْ بَابِ دَارِهِ وَالثَّانِي مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَحْتَ الْمِيزَابِ ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي الْحَجِّ أَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّ مِيقَاتَ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِهَا أَدْنَى الْحِلِّ مِنْ أَيْ الْجِهَاتِ كَانَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهَا فِي الْعُمْرَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى التَّنْعِيمِ وَتُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ» وَالتَّنْعِيمُ فِي طَرَفِ الْحِلِّ وَهُوَ أَقْرَبُ نَوَاحِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة قَصْد مَكَّةَ لِلنُّسُكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) سَكَتَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ قَاصِدِ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ: يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ إذَا حَاذَى أَقْرَبَ الْمَوَاقِيتِ إلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا لَزِمَ أَنْ يُحْرِمَ إذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إلَّا مَرْحَلَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ فَإِنْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مِيقَاتٍ مِنْهَا لَزِمَهُ تَجْدِيدُ الْإِحْرَامِ مِنْهُ وَادَّعَى دُخُولَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ دُونَ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ وَتَمَسَّك الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا شَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ جَوْزَ قَرْنٍ عَنْ طَرِيقِهِمْ: اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، وَالْإِحْرَامُ مِنْ مُحَاذَاتِ الْمِيقَاتِ أَقْرَبُ الْأُمُورِ إلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْبَعْدُ عَنْ مَكَّةَ بِهَذِهِ الْمَسَافَةِ فَلَزِمَ اتِّبَاعُهُ. [بَابُ إفْرَادِ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَفْرَدَ الْحَجَّ] (بَابُ إفْرَادِ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنْ رَسُولَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «أَهَلَّ بِالْحَجِّ» وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ لَا يَخْلِطُهُ شَيْءٌ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيث جَابِرٍ «أَقْبَلْنَا مُهَلِّينَ مَعَ رَسُولِ   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» . لَفْظُ مُسْلِمٍ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بِلَفْظِ «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَذْكُرُ إلَّا الْحَجَّ» الْحَدِيثَ. وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مِنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَلَمْ يُحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ» . لَفْظُ الشَّيْخَيْنِ وَأَبِي دَاوُد وَاقْتَصَرَ النَّسَائِيّ مِنْهُ عَلَى «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ» وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ «أَفْرَدَ الْحَجَّ» . (الثَّانِيَةَ) إفْرَادُ الْحَجِّ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَيَفْرُغُ مِنْهُ ثُمَّ يَعْتَمِرُ مِنْ عَامِهِ وَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغُ مِنْهَا ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ وَالْقِرَانُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيُحْرِمُ بِهِمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الطَّوَافِ يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيَصِيرُ قَارِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ. وَقِيلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ، وَقِيلَ قَبْلَ فِعْلِ فَرْضٍ، وَقِيلَ قَبْلَ فِعْلِ طَوَافِ الْقُدُومِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ» وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ «أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «تَمَتَّعْنَا مَعَ   Qأَوْ غَيْرِهِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ تَأْدِيَةِ نُسُكِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِكُلِّ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ نَوْعَيْنِ آخَرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) الْإِطْلَاقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ كِلَيْهِمَا (وَالثَّانِي) التَّعْلِيقُ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا حَكَيْته مِنْ الْإِجْمَاعِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْ التَّمَتُّعِ فَلِأَصْحَابِنَا عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْهَا تَنْزِيهًا وَحَمَلَا النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْإِفْرَادُ لَا أَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ بُطْلَانَ التَّمَتُّعِ، وَكَيْفَ يَظُنُّ بِهِمَا هَذَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . (ثَانِيهُمَا) أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْ التَّمَتُّعِ الَّذِي فَعَلَتْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ وَهُوَ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ خَاصًّا لَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بُطْلَانُ التَّمَتُّعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ بَلْ الْمُخْتَارُ فِي مَذْهَبِهِ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَشَذَّ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّمَتُّعُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ وَالْقِرَانُ عَلَى مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَلَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ. [فَائِدَة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا] 1 (الثَّالِثَةُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَ حَجَّتِهِ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَهَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ» . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «أَقْبَلْنَا مُهَلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «بِالْحَجِّ خَالِصًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ «قَرَنَ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ «جَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ «إنِّي سُقْتُ   Qوَحْدَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الْحَجَّ» وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ «أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَجِّ» . وَوَرَدَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ «أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا» فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» الْحَدِيثَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّهُ أَهَلَّ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَأَمَرَنِي فَطُفْت بِالْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْت» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ مَا تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ «قَرَنَ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِوَادِي الْعَقِيقِ «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ قُلْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 الْهَدْيَ وَقَرَنْت» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ «قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ مِثْلُهُ وَلِلْبَرَاءِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مِثْلُهُ   Qمَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِك قَالَ إنِّي قَلَّدْت هَدْيِي وَلَبَّدْت رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْت» . وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ «قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ مِثْلُهُ وَلِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى مِثْلُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ وَنَفَرٌ مِنْ الْمُلْحِدِينَ فِي الْأَحَادِيثِ وَالرُّوَاةِ حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَأَفْعَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ يُسِّرُوا لِلتَّوْفِيقِ وَأُعِينُوا بِحُسْنِ الْمَعْرِفَةِ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَدْفَعُوهُ. وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَانَ هَذَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وُجُودُ الْكَلَامِ فِيهِ وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَبْلَهُ تَطْوِيلٌ وَلَكِنَّ الْوَجِيزَ الْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ: أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الْأَمْرِ بِهِ كَجَوَازِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِك بَنَى فُلَانٌ دَارًا إذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا إذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ «وَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ» . وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُحْتَمَلُ: أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ فَحَكَى أَنَّهُ أَفْرَدَ وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَعُمْرَةٍ فَلَمْ يَحْكِ إلَّا مَا سَمِعَ وَسَمِعَ أَنَسٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرَهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُثْبَتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ. قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ فَيَقُولُ لَهُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ فِيهَا تَكَاذُبٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إحْرَامًا مَوْقُوفًا وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَمَرَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ» انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَوْسَعُهُمْ نَفْسًا فِي ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ ثُمَّ الْمُهَلَّبُ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ. وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاخْتَرْنَاهُ مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ لِلنَّاسِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ لِيَدُلَّ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِهَا إذْ لَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ وَنَسَبَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إحْرَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ فَأَخَذَ بِالْأَفْضَلِ فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنْ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلْبِهِ إلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالِفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَكَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فِي آخِرِ إحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا الْحَجَّ بِالْعُمْرَةِ وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْهَدْيِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ فَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَارِنًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي آخِرِ أَمْرِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. قَالَ وَكَذَلِكَ يُتَأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِهِ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُتْعَةِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ فَانْتَظَمَتْ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلٍ مِثْلِ ذَلِكَ إلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا وَالْقِرَانُ إخْبَارًا عَنْ إحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمْ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إهْلَالِهِمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا كَمَا فَعَلَهُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (قُلْت) نَقْلُهُ عَنْ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ هُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ لَكِنَّ الْجَدِيدَ الْمَعْمُولَ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ مَنْعَ ذَلِكَ الْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّهُ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَحْرَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْرَامًا مُطْلَقًا مُبْهَمًا لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَرُدُّهُ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ لَهُ صَنَّفَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَرُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِفْرَادِ لِلْحَجِّ وَمَا يَدُلُّ عَلَى التَّمَتُّعِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْقِرَانِ حَاشَا جَابِرٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى عَنْهُ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ فَقَطْ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا عِنْدَ صِحَّةِ الْبَحْثِ وَتَحْقِيقِ النَّظَرِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُضْطَرِبٍ بَلْ كُلُّهُ مُتَّفَقٌ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ عِنْدَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ لِأَنَّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ قَالَ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ قَالَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ. وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ زَادَ عَلَى الْأَوَّلِ عُمْرَةً وَعَلَى الثَّانِي حَجَّةً وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَأَيْضًا فَمَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَوَى الْقِرَانَ مَنْ الصَّحَابَةِ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَمَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إلَّا الْقِرَانُ وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ مَرْفُوعًا «إنِّي سُقْت الْهَدْيَ وَقَرَنْت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَرْوِ لَفْظَ الْإِفْرَادِ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا عُرْوَةَ وَالْقَاسِمُ وَرَوَى عَنْهَا الْقِرَانَ عُرْوَةُ أَيْضًا وَمُجَاهِدٌ وَلَيْسَ مُجَاهِدٌ دُونَ الْقَاسِمِ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا مَنْ رَوَى الْقِرَانَ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَصْلًا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا أَفْرَدَ الْحَجَّ أَيْ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا حَجَّةً فَرْدَةً لَمْ يُثَنِّهَا بِأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ سَمِعْته يُلَبِّي بِالْحَجِّ فَرَوَتْهُ وَلَمْ تَسْمَعْ ذِكْرَ الْعُمْرَةِ فَلَمْ تَرْوِ مَا لَمْ تَسْمَعْ ثُمَّ صَحَّ عِنْدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَرَنَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ كَمَا رَوَى عَنْهَا عُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ. وَأَمَّا عَمْرَةُ وَالْأَسْوَدُ فَلَمْ يَرْوِيَا عَنْهَا لَفْظَةَ الْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا رَوَيَا عَنْهَا «أَهَلَّ بِالْحَجِّ» . وَلَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَيْضًا فَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا مَا يُوجِبُ الْإِفْرَادَ وَلَا مَا يُخَالِفُ مَنْ رَوَى عَنْهَا الْقِرَانَ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ» . فَإِنَّمَا عَنَتْ أَصْحَابَهُ لَا إهْلَالَهُ وَلَمْ تَنْفِ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَنَ إلَى الْحَجِّ عُمْرَةً فَقَوْلُ مَنْ زَادَ أَوْلَى وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَوَاءٌ بَلْ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ بَيَانُ مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ الْإِفْرَادِ ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَقَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي آخِرِ زَمَانِهِ» . وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُفْرِدُ الْحَجَّ وَاتَّفَقَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْقِرَانِ وَهُمَا أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ إلَّا الدَّرَاوَرْدِيُّ وَحْدَهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا يَقِينًا مُخْتَصَرٌ مِنْ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَسَائِرُ النَّاسِ عَنْ جَابِرٍ إنَّمَا قَالُوا أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ حَاشَا مِنْ طَرِيقَيْنِ لَا يُعْتَدُّ بِهِمَا. (إحْدَاهُمَا) مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفِ بْنِ مُصْعَبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» . (وَالْأُخْرَى) مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ كَذَلِكَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ الطَّائِفِيُّ فَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَأَمَّا سَائِرُ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ فَقَالُوا كَمَا قَدَّمْنَا وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ أَهَلَّ مَعَهُ بِعُمْرَةٍ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ سَكَتَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ ذِكْرِهَا وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحَدِّثَ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» فَقَوْلُ الْقَائِلِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ يَقْتَضِي الْعُمْرَةَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَمْ يُقَلْ الرَّاوِي أَفْرَدَ الْحَجَّ وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَشُدُّ هَذَا مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً» . وَالْأَظْهَرُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ» إنَّمَا أَرَادَ إهْلَالَهُ بِقَوْلِهِ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ» فَصَحَّ أَنَّهُ عَنَى بِالتَّوْحِيدِ هَذِهِ التَّلْبِيَةَ إلَّا إفْرَادَ الْحَجِّ وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ الدَّرَاوَرْدِيِّ أَفْرَدَ الْحَجَّ إنَّمَا هُوَ اخْتِصَارٌ مِنْهُ وَظَنٌّ لَا مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ. وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» . ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ مِنْهَا وَهَذِهِ صِفَةُ الْقِرَانِ وَهَكَذَا مَعْنَى حَدِيثِهِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَنْتَ إذَا أَضَفْت قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي حَسَّانَ عَنْهُ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ» إلَى قَوْلِ مُسْلِمٍ الْقَوِيِّ عَنْهُ «أَنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» صَحَّ الْقِرَانُ يَقِينًا وَصَدَقَتْ كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا إلَّا بِتَكْذِيبِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَبِهَذَا يَتَآلَفُ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ وَيَصِحُّ تَصْدِيقُ جَمِيعِهَا وَإِضَافَةُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ قَالَ فَوَهَتْ رِوَايَاتُ الْإِفْرَادِ وَسَقَطَتْ كُلُّهَا ثُمَّ عُدْنَا إلَى الرِّوَايَاتِ فَوَجَدْنَا عَائِشَةَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ وَعِمْرَانَ وَابْنَ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَمَتَّعَ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ «وَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ» ثُمَّ لَمَّا فَسَّرُوا أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ أَتَوْا بِصِفَةِ الْقِرَانِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى أَتَمَّ جَمِيعَ عَمَلِ الْحَجِّ وَصَدَرَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا احْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ وَسَعْدٍ فِي التَّمَتُّعِ أَنَّهُمَا عَنَيَا بِذَلِكَ الْقِرَانَ مَعَ شُهْرَةِ قَوْلِهِ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» . وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ ثُمَّ أَحَلَّ مِنْهَا وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ فَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَلَمَّا وَهَتْ رِوَايَاتُ التَّمَتُّعِ أَيْضًا وَبَطَلَ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ لَمْ يَبْقَ إلَّا رِوَايَاتُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقِرَانِ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَا وَثَبَتَتْ صِحَّتُهَا إذْ مَنْ وَصَفَ الْقِرَانِ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا أَلْبَتَّةَ وَكَانَ الرُّوَاةُ لِلْقِرَانِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ سِتَّةٌ مَدَنِيُّونَ وَوَاحِدٌ مَكِّيٌّ وَاثْنَانِ بَصْرِيَّانِ وَثَلَاثَةٌ كُوفِيُّونَ وَبِدُونِ هَذَا النَّقْلِ تَصِحُّ الْأَخْبَارُ صِحَّةً تَرْفَعُ الشَّكَّ وَتُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَكَانَتْ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا مَنْ ادَّعَى الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ غَيْرَ مُخَالِفَةٍ لِرِوَايَةِ الَّذِينَ رَوَوْا الْقِرَانَ وَلَا دَافِعَةً لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَعَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٌ: (مِنْهَا) قَوْلُهُ أَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ انْفَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بِقَوْلِهِ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي فَوَائِدِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْرَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ» . ثُمَّ قَالَ وَالِدِي وَهَذَا الَّذِي جَمَعَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ» . وَهَذَا مُنَافٍ لِإِحْرَامِهِ بِهِمَا مَعًا فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ اخْتَارَ الْقِرَانَ وَتَأَوَّلَ بَاقِيَ الْأَحَادِيثِ، وَتَأْوِيلُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا قَالَهُ وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ فَصَارَ قَارِنًا فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ اعْتَمَدَ أَوَّلَ الْإِحْرَامِ وَمَنْ رَوَى قَارِنًا اعْتَمَدَ آخِرَهُ. وَمَنْ رَوَى مُتَمَتِّعًا أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَالِالْتِذَاذُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِأَنْ كَفَاهُ عَنْ النُّسُكَيْنِ فِعْلٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَمَلٍ قَالَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْته أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً لَا قَبْلَ الْحَجِّ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ عُمْرَةٍ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ جَعَلْت حَجَّتَهُ مُفْرَدَةً لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ اعْتَمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، قُلْت سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ تِلْكَ السَّنَةَ. وَمِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَعْلُومِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَمَرَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَهَذَا قَادِحٌ فِيمَا نَفَاهُ مِنْ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ النَّوَوِيُّ، وَحَاصِلُهُ تَرْجِيحُ الْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهُ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ انْتَهَى وَأَنْكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ هَذَا الْكَلَامَ. وَقَالَ «قَدْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ قَبْلَ الْفَتْحِ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ» وَهَذَا كَافٍ فِي الْبَيَانِ. [فَائِدَة أَفْضَلِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ] 1 " الرَّابِعَةُ " اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَفْضَلِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِفْرَادُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْهُمْ وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ بَعْدَ الْإِفْرَادِ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ. (الثَّانِي) أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَسَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَعِكْرِمَةُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ بَعْدَ التَّمَتُّعِ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَا شَكَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا انْتَهَى وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُزَنِيّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَ الْقِرَانِ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْأَفْرَادُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ. (الرَّابِعُ) أَنَّهُ إنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ. حَكَاهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. (الْخَامِسُ) أَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ لَا فَضِيلَةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. (السَّادِسُ) أَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ سَوَاءٌ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ، حُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَصْحَابُهُ الْإِفْرَادَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي الرِّوَايَاتِ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّ رُوَاتَهُ أَخُصُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْحَجَّةِ فَإِنَّ مِنْهُمْ جَابِرًا وَهُوَ أَحْسَنُهُمْ سِيَاقَةً لِحَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مِنْ أَوَّلِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى فَرَاغِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ لَهَا وَاعْتِنَائِهِ بِهَا، وَمِنْهُمْ «ابْنُ عُمَرَ. وَقَدْ قَالَ كُنْت تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّنِي لُعَابُهَا أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ» . وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ وَقُرْبُهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ كُلُّهُ مَعْرُوفٌ مَعَ فِقْهِهَا وَعَظِيمِ فِطْنَتِهَا وَمِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَحِفْظِهِ أَحْوَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ، وَبِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَوَاظَبُوا عَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِهِ أَوْ أَنَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ جَمِيعِهِمْ فِعْلُهُ. وَأَمَّا الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَبِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ لِكَمَالِهِ بِخِلَافِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى جَبْرٍ أَفْضَلُ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَكَرِهَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا التَّمَتُّعَ وَبَعْضُهُمْ الْقِرَانَ أَيْضًا وَإِنْ جَوَّزُوهُ وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ التَّمَتُّعَ بِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَمَنَّاهُ بِقَوْلِهِ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» . وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ سَبَبَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أُمِرُوا بِجَعْلِهَا عُمْرَةً فَحَصَلَ لَهُمْ حُزْنٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ هَدْيٌ فَيُوَافِقُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَاءَ عَلَى الْإِحْرَامِ فَتَأَسَّفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَئِذٍ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ وَرَغْبَةً فِيمَا فِيهِ مُوَافَقَتُهُمْ لَا أَنَّ التَّمَتُّعَ دَائِمًا أَفْضَلُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعُمْرَةِ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ الْقِرَانَ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَاشْتُهِرَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّ إتْمَامَهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك وَقَالُوا إنَّ الدَّمَ الَّذِي عَلَى الْقَارِنِ لَيْسَ دَمُ جُبْرَانُ بَلْ دَمُ عِبَادَةٍ وَالْعِبَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُخْتَصَّةِ بِالْبَدَنِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَحَادِيثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ وَلَمْ أَكُنْ سُقْت الْهَدْيَ فَقَالَ   Qالْقِرَانِ بِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ وَبِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِفْرَادِ أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ وَعَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ قَرْنُهُمَا فِي الْفِعْلِ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فَمَعْنَاهُ الْإِحْرَامُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ كَرَاهَتُهُ لِلتَّمَتُّعِ وَأَمْرِهِ بِالْأَفْرَادِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَنْ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي عَلَى الْقَارِنِ دَمُ جُبْرَانَ لَا نُسُكَ بِأَنَّ الصِّيَامَ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ كَانَ دَمُ نُسُكٍ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ كَالْأُضْحِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى الْقَارِنِ عِنْدَنَا يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا. (الْخَامِسَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلَكِنْ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمَا أَنْ يَعْتَمِرَ مِنْ سَنَتِهِ فَلَوْ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ عَنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ لِلْإِتْيَانِ فِيهِمَا بِالنُّسُكَيْنِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَا قَالَاهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَبَحَثَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ إذَا قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ ثُمَّ اعْتَمَرَ بَعْدَهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْرَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَهَذَا قَدْ أَدَّى ثَلَاثَةً فَهِيَ غَيْرُ الصُّورَةِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِهِ فِي التَّمَتُّعِ: الْمُفْرِدُ إنَّمَا يَأْتِي بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَإِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَهُ مِنْ التَّنْعِيمِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي إجْزَائِهَا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي إجْزَاءِ عُمْرَةِ الْقِرَانِ وَلَا خِلَافَ فِي إجْزَاءِ التَّمَتُّعِ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا اهـ. [حَدِيث مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلِيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلِيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعِهَا قَالَتْ فَحِضْت فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ   Qعَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ وَلَمْ أَكُنْ سُقْت الْهَدْيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلِيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَحِضْت فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي؟ قَالَ اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ فَلَمَّا قَضَيْت حَجَّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي سَكَتَ عَنْهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ أَمْسَكْت عَنْهَا مَكَانَ سَكَتَ عَنْهَا وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَعُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» . (الثَّانِيَةُ) حَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُحْرِمَةً بِعُمْرَةٍ وَرَوَى الْقَاسِمُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ» . وَفِي رِوَايَةٍ «لَا نَذْكُرُ إلَّا الْحَجَّ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ» وَفِي رِوَايَةٍ «مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ» . وَرَوَى الْأَسْوَدُ وَعَمْرَةُ عَنْهَا «وَلَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ» وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَنَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِتَرْجِيحِ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ عَمْرَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالْقَاسِمِ، وَغَلَّطُوا عُرْوَةَ فِي الْعُمْرَةِ، مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَرَجَّحُوا الرِّوَايَةَ غَيْرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّى كُنْت أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي قَالَ اُنْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَامْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ   Qعُرْوَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ لِأَنَّ عُرْوَةَ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْهُ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا دَعِي عُمْرَتَك» . فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْحَدِيثَ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّنْ حَدَّثَهُ ذَلِكَ قَالُوا أَيْضًا وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عَمْرَةَ وَالْقَاسِمِ نَسَّقَتْ عَمَلَ عَائِشَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْقَاسِمُ عَنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ نَبَّأَتْك بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالُوا وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عُرْوَةَ إنَّمَا أَخْبَرَ فِيهَا عَنْ آخِرِ أَمْرِ عَائِشَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنٌ فَأَحْرَمْت أَوَّلًا بِالْحَجِّ كَمَا صَحَّ عَنْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَكَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ أَحْرَمْت بِالْعُمْرَةِ حِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ بِاعْتِمَارِهَا فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ أَمْرِهَا. قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِمَا صَحَّ عَنْهَا فِي إخْبَارِهَا عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا أَحْرَمَتْ هِيَ بِعُمْرَةٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ ثُمَّ فَسَخَتْهُ إلَى عُمْرَةٍ حِينَ أَمَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ فَلَمَّا حَاضَتْ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا إتْمَامُ الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهَا وَإِدْرَاكُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، أَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ بِهِ فَصَارَتْ مُدْخِلَةً لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَارِنَةً وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَمَّنْ رَجَّحَ رِوَايَةَ عُرْوَةَ فِي إحْرَامِهَا بِعُمْرَةٍ أَنَّ جَابِرًا رَوَى ذَلِكَ أَيْضًا قَالُوا وَلَيْسَ فِي قَوْلِهَا «كُنَّا مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ وَخَرَجْنَا لَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ» . بَيَانُ أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ مُهِلَّةٌ بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَتُرِيدُ بَعْضَهُمْ أَوْ أَكْثَرَهُمْ وَلَيْسَ الِاسْتِدْلَال الْمُحْتَمَلُ لِلتَّأْوِيلِ كَالتَّصْرِيحِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاضْطِرَابُ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِهَا هَذَا فِي الْحَجِّ عَظِيمٌ. وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ فِي تَوْجِيهِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِبَعْضٍ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْجَمْعَ بَيْنَهَا وَرَامَ قَوْمٌ الْجَمْعَ فِي بَعْضِ مَعَالِيهَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا يُرِيدُ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي رَفْضِ الْعُمْرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 فَلَمَّا قَضَيْت حَجَّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي سَكَتَ عَنْهَا» لَفْظُ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ:   Qلِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ. (الرَّابِعَةُ) أَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ تُوُسِّعَ فِيهِ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَفْعُ صَوْتٍ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهَا «وَلَمْ أَكُنْ سُقْت الْهَدْيَ» تَوْطِئَةً لِمَا تُرِيدُ الْأَخْبَارُ بِهِ مِنْ اسْتِمْرَارِهَا عَلَى تَمْحِيضِ الْعُمْرَةِ وَأَنَّهَا لَمْ تُدْخِلْ عَلَيْهَا الْحَجُّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَمَرَ بِضَمِّ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَالْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهُرُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ الْأَنْعَامِ. وَسَوْقُ الْهَدْيِ سُنَّةٌ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَحَادِيثِ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ وَفِي مُنْتَهَى سَفَرِهِمْ وَدُنُوِّهِمْ مِنْ مَكَّةَ بِسَرِفٍ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِمْ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِمْ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَيُحْتَمَلُ تَكْرِيرُهُ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا حِينَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ. (السَّابِعَةُ) قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي بَقَاءِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ كَوْنُهُ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدِ سَوْقِ الْهَدْيِ فَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُمَا: أَنَّ الْمُعْتَمِرَ الْمُتَمَتِّعَ إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُمْ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ» . وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِهِمْ، لَكِنْ تَأَوَّلَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 «أَمْسَكْت عَنْهَا» وَزَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ «فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا»   Qأَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا وَقَالُوا هَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَالرَّاوِيَ وَاحِدٌ فَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا] 1 (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهَا «فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ» يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَرُبَتْ وَشَارَفَتْ فَإِنَّ مَحْمَلَ اسْتِحْبَابِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّوَجُّهِ إلَى مِنًى وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَكْوَاهَا «وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ» . وَقَوْلُهَا «إنِّي كُنْت أَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ أَيْ مُفْرِدَةً وَلَمْ أُدْخِلْ عَلَيْهَا الْحَجَّ» وَقَوْلُهَا «فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي» أَيْ بِالْحَجَّةِ الَّتِي قَصَدْت تَحْصِيلَهَا وَالْإِتْيَانَ بِهَا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ فَأَضَافَتْ الْحَجَّةَ إلَيْهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ " التَّاسِعَةُ " قَوْلُهُ «اُنْقُضِي رَأْسَك» بِالْقَافِ وَالضَّادِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ حِلِّي ضَفْرَهُ. وَقَوْلُهُ وَامْتَشِطِي أَيْ سَرِّحِي بِالْمُشْطِ (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «وَامْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ» أَيْ عَنْ إتْمَامِ أَفْعَالِهَا وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَتَقْصِيرُ الشَّعْرِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّاوِيَةِ الْأُخْرَى «اُرْفُضِي عُمْرَتَك» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «دَعِي عُمْرَتَك» وَدَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِرَفْضِهَا إبْطَالَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ رَفْضُ الْعَمَلِ فِيهَا وَإِتْمَامُ أَفْعَالِهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّفْرِ يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك فَأَبَتْ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى التَّنْعِيمِ وَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» . فَهَذِهِ رِوَايَةٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ عُمْرَتَهَا بَاقِيَةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ لِقَوْلِهِ يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا إمَّا مُطْلَقًا أَوْ الْوَاجِبَاتُ مِنْهَا وَيَزِيدُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَى غَيْرِهِمَا بِأَنَّهُمَا لِشِدَّةِ تَشَبُّثِهِمَا وَلُزُومِهِمَا لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَإِنَّمَا يُخْرَجُ مِنْهُمَا بِالتَّحَلُّلِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ وَرَدِّهِ وَنَسَبَهُ عُرْوَةُ لِلْوَهْمِ فِيهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ أَيَّدَهُ بِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ قَالَ عُرْوَةُ فَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا دَعِي عُمْرَتَك وَانْقُضِي رَأْسَك وَامْتَشِطِي وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ الْمُسْلِمُونَ فِي حَجِّهِمْ قَالَتْ فَأَطَعْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الصَّدْرِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَخْرَجَهَا إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عِلَّةُ اللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى رَفْضِ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَمْ يَسْمَعْهُ عُرْوَةُ مِنْ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ انْفَرَدَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ فِيمَا نَقَلَ انْتَهَى فَالتَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنْ الرَّدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) أَنْ قُلْت أَمَرَهَا بِنَقْضِ رَأْسِهَا وَالِامْتِشَاطِ ظَاهِرٌ فِي إبْطَالِ الْعُمْرَةِ إذَا الْبَاقِي فِي الْإِحْرَامِ لَا يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ انْتِشَافِ الشَّعْرِ (قُلْت) لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إبْطَالُ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّ نَقْضَ الرَّأْسِ وَالِامْتِشَاطَ جَائِزَانِ فِي الْإِحْرَامِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى انْتِتَافِ شَعْرٍ لَكِنْ يُكْرَهُ الِامْتِشَاطُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقِيلَ إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَ بِهَا عُذْرٌ مِنْ أَذًى بِرَأْسِهَا فَأُبِيحَ لَهَا الِامْتِشَاطُ كَمَا أُبِيحَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْحَلْقُ لِلْأَذَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِامْتِشَاطِ هُنَا حَقِيقَةَ الِامْتِشَاطِ بِالْمِشْطِ بَلْ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ بِالْأَصَابِعِ لِلْغُسْلِ لِإِحْرَامِهَا بِالْحَجِّ لَا سِيَّمَا أَنْ كَانَتْ لَبَّدَتْ رَأْسَهَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ «لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ» . فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا إلَّا بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا نَقْضُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ أَيْ مُدْخِلَةً لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَصِيرُ قَارِنَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ قَبْلَ الطَّوَافِ وَإِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا إتْمَامُ الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْهَا لِلْحَيْضِ الطَّارِئِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ الطَّوَافِ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا «فَلَمَّا قَضَيْت حَجَّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَاعْمُرْنِي» . قَدْ تَبَيَّنَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ سَبَبُ ذَلِكَ وَهُوَ «أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجَعَ بِحَجٍّ» ؟ وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ قَدْ حَصَلَتْ لَهَا الْعُمْرَةُ الَّتِي أَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَإِنَّهَا لَمْ تُبْطِلْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ مُفْرِدٍ عَنْ عُمْرَةٍ وَعُمْرَةٍ مُفْرِدَةٍ عَنْ حَجٍّ وَأَرْجِعُ وَلَيْسَتْ لِي عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ: حَرَصَتْ بِذَلِكَ عَلَى تَكْثِيرِ الْأَفْعَالِ كَمَا حَصَلَ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فَسَخُوا الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ وَأَتَمُّوا الْعُمْرَةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَحَصَلَتْ لَهُمْ حَجَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَعُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَأَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ فِي حَجَّةٍ بِالْقِرَانِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا يَوْمَ النَّفْرِ «يَسَعُك طَوَافُك لِحَجِّك وَعُمْرَتِك» . أَيْ وَقَدْ تَمَّا وَحُسِبَا لَك فَأَبَتْ وَأَرَادَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً كَمَا حَصَلَ لِبَقِيَّةِ النَّاسِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي سَكَتَ عَنْهَا أَيْ الَّتِي سَكَتَ عَنْ أَعْمَالِهَا فَلَمْ أُتِمَّهَا مُنْفَرِدَةً بَلْ مَضْمُومَةً لِلْحَجِّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِك وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. [فَائِدَة الْخَلْوَةُ بِالْمَحَارِمِ وَالرُّكُوبُ مَعَهُمْ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ الْخَلْوَةُ بِالْمَحَارِمِ وَالرُّكُوبُ مَعَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَرْدَفَهَا وَرَاءَهُ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إنَّمَا أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِإِخْرَاجِهَا فِي الْعُمْرَةِ إلَى التَّنْعِيمِ لِأَنَّهُ أَدْنَى الْحِلِّ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِعُمْرَةٍ فَمِيقَاتُهُ لَهَا أَدْنَى الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا فِي الْحَرَمِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْجَمْعُ فِي نُسُكِ الْعُمْرَةِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَمَا أَنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَقِفُ بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ لِلطَّوَافِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَمِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: (أَحَدُهُمَا) لَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلّ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ. وَ (الثَّانِي) تَصِحُّ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا قَالَتْ   Qالْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. [فَائِدَة أَفْضَلَ جِهَاتِ الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ جِهَاتِ الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْهَا التَّنْعِيمُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ «الْإِحْرَامُ بِهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ» ثُمَّ مِنْ التَّنْعِيمِ لِكَوْنِهِ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ لِكَوْنِهِ هَمَّ بِهِ وَقَالُوا إنَّمَا أَمَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالتَّنْعِيمِ لِتَيَسُّرِهِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ الْجِهَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا فَقَالَ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّنْعِيمُ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَإِنَّهُ مِيقَاتُ الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّ جَمِيعَ جِهَاتِ الْحِلِّ سَوَاءٌ وَلَا يَخْتَصُّ بِالتَّنْعِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) فِي قَوْلِهَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ «وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ وَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ كُلُّهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَكَانَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، رَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَوَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. [حَدِيث إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ] 1 (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك؟ فَقَالَ إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ» فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.   Qمَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك؟ فَقَالَ إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَرِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَهِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ «مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ» . وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَأَنَّهُ رَوَاهُ بِدُونِهَا الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر وَأَبُو مُصْعَبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ «وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك» . قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ نَافِعٍ «وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك» إلَّا مَالِكٌ وَحْدَهُ قَالَ وَقَدْ رَوَاهَا غَيْرُ مَالِكٍ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَهَؤُلَاءِ هُمْ حُفَّاظُ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَالْحُجَّةُ فِيهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ فَلَمْ يَقُلْ مِنْ عُمْرَتِك وَزِيَادَةُ مَالِكٍ مَقْبُولَةٌ لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ لَوْ انْفَرَدَ بِهَا فَكَيْفَ وَقَدْ تَابَعَهُ مَنْ ذَكَرْنَا قَالَ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَلَا حَدِيثِهِ رَدَّ حَدِيثَ حَفْصَةَ هَذَا بِأَنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ مِنْ عُمْرَتِك إلَّا هَذَا الرَّجُلُ. اهـ بِمَعْنَاهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ الْأَصِيلِيُّ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهَا «مِنْ عُمْرَتِك» . وَرَوَاهَا الْبُخَارِيُّ بِدُونِ قَوْلِهَا مِنْ عُمْرَتِك وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ فِيهَا «فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ» . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «حَتَّى أَنْحَرَ» كَرِوَايَةِ مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَرِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِثْلَهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْعُمْرَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَفِيهِ مَيْلٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصِيلِيِّ. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ، فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ (الثَّانِيَةُ) تَمَسَّك بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ مُتَمَتِّعًا لِكَوْنِهِ أَقَرَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ وَالتَّمَتُّعُ هُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَطَعَنَ مَنْ طَعَنَ فِي قَوْلِهِ مِنْ عُمْرَتِك غَيْرُ مُلْتَفِتٍ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ هَذَا التَّمَسُّكَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا اللَّفْظُ لَاحْتَمَلَ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ فَتَعَيَّنَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «حَتَّى أَحَلَّ مِنْ الْحَجِّ» أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَة المتمتع لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَنْحَرَهُ] (الثَّالِثَة) وَرَتَّبُوا عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَنْحَرَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ الْهَدْيَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَهُ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ سَوْقَ الْهَدْيِ وَإِنَّمَا السَّبَبُ فِيهِ إدْخَالُهُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «حَتَّى أَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ» وَعَبَّرَ عَنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِسَوْقِ الْهَدْيِ لِأَنَّهُ كَانَ مُلَازِمًا لَهُ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُمْ «مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ. [فَائِدَة لِلْقِرَانِ حَالَتَيْنِ] 1 (الرَّابِعَةُ) وَتَمَسَّك بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا وَهُوَ تَمَسُّكٌ قَوِيٌّ وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إلَى التَّمَتُّعِ هَلْ يَقُولُ اسْتَمَرَّ عَلَى الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَلَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ أَصْلًا فَيَكُونُ لَمْ يَحُجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَصَارَ قَارِنًا وَصَحَّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ لِلْقِرَانِ حَالَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يُحْرِمَ بِالنُّسُكَيْنِ ابْتِدَاءً. (الثَّانِي) أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «حَتَّى أَحَلَّ مِنْ الْحَجِّ» صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَقَوْلُهَا مِنْ عُمْرَتِك أَيْ الْعُمْرَةِ الْمَضْمُومَةِ إلَى الْحَجِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ. [فَائِدَة كَيْفَ يَحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلُّ مِنْهَا] 1 (الْخَامِسَةُ) إنْ قُلْت مَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بِعُمْرَةٍ وَكَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ مِنْ عُمْرَتِك كَيْفَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلُّ مِنْهَا؟ (قُلْت) الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَلُّوا بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُمْ فَسَخُوا الْحَجَّ إلَيْهَا فَأَتَوْا بِأَعْمَالِهَا وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاسْتَمَرُّوا عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى يَأْتُوا بِأَعْمَالِ الْحَجِّ فَكَانَ إحْرَامُهُمْ بِعُمْرَةٍ سَبَبًا لِسُرْعَةِ حِلِّهِمْ وَأَمَّا هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَفِدْهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ سُرْعَةَ الْإِخْلَالِ لِبَقَائِهِ عَلَى الْحَجِّ فَشَارَكَ الصَّحَابَةَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَفَارَقَهُمْ بِبَقَائِهِ عَلَى الْحَجِّ وَفَسْخِهِمْ لَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ إدْخَالِهِ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَكَسَ الْخَطَّابِيُّ ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: هَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ عُمْرَةٌ وَلَكِنَّهُ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَصَارَ قَارِنًا ثُمَّ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْخِلَافُ فِي إدْخَالِهَا عَلَى الْحَجِّ مَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ هَذَا كَلَامُهُ، وَمَنْ يَمْنَعُ إدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ يُجِيبُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ أَوَّلًا بِأَنَّ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْحَجَّةِ فَقَدْ وَقَعَتْ فِيهَا أُمُورٌ غَرِيبَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) الذَّاهِبُونَ إلَى الْإِفْرَادِ أَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهَا أَرَادَتْ بِالْعُمْرَةِ مُطْلَقَ الْإِحْرَامِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ فَمَا قَوْلُ حَفْصَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك» ؟ قِيلَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَكَانَتْ حَفْصَةُ مَعَهُمْ فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا إحْرَامَهُمْ عُمْرَةً وَيَحِلُّوا فَقَالَتْ لِمَ تَحَلَّلَ النَّاسُ وَلَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك يَعْنِي إحْرَامَك الَّذِي ابْتَدَأْته وَهُمْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ «فَقَالَ لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ بُدْنِي يُعْنَى» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَتَّى يَحِلَّ الْحَاجُّ لِأَنَّ الْقَضَاءَ نَزَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ إحْرَامَهُ حَجًّا وَهَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي يَكَادُ يُعْرَفُ بِالْجَوَابِ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ. (ثَانِيهَا) أَنَّهَا أَرَادَتْ بِالْعُمْرَةِ الْحَجَّ لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِمَا قَصْدًا (ثَالِثُهَا) أَنَّهَا ظَنَّتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ مُعْتَمِرٌ (رَابِعُهَا) أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا مِنْ عُمْرَتِك أَيْ لِعُمْرَتِك بِأَنْ تَفْسَخَ حَجَّك إلَى عُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ غَيْرُك قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ يَعْنِي الْقِرَانَ. (السَّابِعَةُ) إنْ قُلْت إذَا كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَارِنًا فَلِمَ رَجَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْإِفْرَادَ عَلَى الْقِرَانِ وَغَيْرِهِ (قُلْت) أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ تَرْجِيحَ الْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اخْتَارَهُ أَوَّلًا وَإِنَّمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ بَيَانُ جَوَازِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهُ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَعْرَ رَأْسِي وَتَلْبِيدُ الشَّعْرِ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ صَمْغٍ أَوْ نَحْوِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِيَنْضَمَّ الشَّعْرُ وَيَلْتَصِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ احْتِرَازًا عَنْ تَعَطُّنِهِ وَتَقَمُّلِهِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ يَطُولُ مُكْثُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُهُ وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِبْقَاءُ عَلَى الشَّعْرِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ. [فَائِدَة تَقْلِيد الْهَدْي] (التَّاسِعَةُ) الْهَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ لُغَتَانِ وَتَقْلِيدُهُ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَيْهِ شَيْئًا يُعْرَفُ بِهِ كَوْنُهُ هَدْيًا فَإِنْ كَانَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ اُسْتُحِبَّ تَقْلِيدُهُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِمَا عِنْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْغَنَمِ اُسْتُحِبَّ تَقْلِيدُهُ بِخَرِبِ الْقُرَبِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ عُرَاهَا وَآذَانُهَا وَبِالْخُيُوطِ الْمَفْتُولَةِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَوْقِ الْهَدْيِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ. (الْعَاشِرَةُ) يَجُوزُ فِي قَوْلِهَا وَلَمْ تَحِلَّ وَفِي قَوْلِهِ فَلَا أَحِلُّ فَتَحَ أَوَّلَهُ وَضَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ ثُلَاثِيٌّ وَرُبَاعِيٌّ وَهُمَا لُغَتَانِ فِيهِ وَالْفَتْحُ أَوْفَقُ لِقَوْلِهَا حَلُّوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 بَابُ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيُبَاحُ لَهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ وَلَا الزَّعْفَرَانُ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلِيَقْطَعَهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ «مَا يَتْرُكُ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ   Q [بَابُ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيُبَاحُ لَهُ] [حَدِيث مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ] (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ وَلَا الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ «مَا يَتْرُكُ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ: «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» .   Qلَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ» وَلَفْظُ الْبَاقِينَ «مَا يَلْبَسُ» وَأَبُو دَاوُد قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ وَمُسَدَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْهُ قَوْلَهُ «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَجُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَأَبُو إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ «وَلَا وَرْسَ» وَكَانَ يَقُولُ «لَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقُفَّازَيْنِ» وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «لَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ» وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَلَى مَا قَالَ اللَّيْثُ وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَيُّوبُ مَوْقُوفًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» قَالَ أَبُو دَاوُد إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدَنِيُّ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ كَثِيرُ حَدِيثٍ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد رِوَايَةَ إبْرَاهِيمَ هَذِهِ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَإِنَّ نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ مِنْ الثِّيَابِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا أَوْ خَزًّا أَوْ حُلِيًّا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصًا» وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ «أَوْ خُفًّا ذَهَبًا» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِلَفْظِ «أَوْ خُفٍّ» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ رِوَايَةَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْمَرْفُوعَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَفَعَهُ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ عَنْ شَيْخِهِ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تَنْتَقِبُ إلَى آخِره مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَلَّلُوهُ بِأَنَّ ذِكْرَ الْقُفَّازَيْنِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِلْمَامِ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَأَنَّ الْحَافِظَ أَبَا عَلِيٍّ نَظَرَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ إلَّا ذَلِكَ فَالْمَسْأَلَةُ مَعْلُومَةُ الْحُكْمِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى فَصْلِ كَلَامِ الرَّاوِي مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فَهِيَ طَرِيقٌ مُعْتَدَّةٌ بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْقَرِينَةِ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَرْوِيَ الرَّاوِي مَا يُفْتِي بِهِ وَبِالْعَكْسِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِدْرَاج فَحَكَى قَوْلَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ «وَلَا وَرْسَ» وَكَانَ يَقُولُ «لَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» قَالَ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَاقَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ «وَلَا وَرْسَ» ثُمَّ قَالَ وَكَانَ يَقُولُ «لَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَكِنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَرِينَةٌ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا دَالَّةٌ عَلَى عَكْسِهِ وَهِيَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ وَرَدَ إفْرَادُ النَّهْيِ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ فَذَكَرَ رِوَايَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَةَ. (الثَّانِي) أَنَّهُ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ مَبْدُوءًا بِهِ مُسْنَدًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَمْنَعُ الْإِدْرَاجَ فَذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ ثُمَّ رَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَا يُتَابِعُ عَلَى رَفْعِهِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ نَافِعٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الْإِحْرَامِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مُقَارِبُ الْحَالِ قَالَ وَالِدِي قَدْ تَعَقَّبَ أَبُو دَاوُد الْحَدِيث بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ شُهْرَةِ رِوَايَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ فُضَيْلٍ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ وَمِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ وَإِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ فَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ وَرَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ عَدِيٍّ إنَّهُ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ (قُلْت) وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ وَفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَرَفَعَاهُ قَالَ وَكُلُّ مَنْ رَفَعَهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُحْتَجٌّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَالِدِي وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَإِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ لَا شَكَّ أَنَّهُ دُونَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَقَدْ فَصَلَ الْمَوْقُوفَ مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَوْلُهُ إنَّ هَذَا يَمْنَعُ الْإِدْرَاجَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الِاقْتِرَاحِ أَنَّهُ يُضَعِّفُهُ لَا يَمْنَعُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي الْمَدْرَجِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» فَجَعَلَ قَوْلَهُ أَسْبِغُوا مُدْرَجًا وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَرْفُوعِ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ ظَنَّهُ مَرْفُوعًا قَدَّمَهُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْحَدِيثِ سَائِغٌ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى اهـ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ «وَلَا الْقَبَاءَ» وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِيهِ «وَالْأَقْبِيَةَ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا وَقَالَ وَالِدِي إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «لَا يَلْبَسُ» الْأَشْهَرُ فِيهِ الرَّفْعَ عَلَى الْخَبَرِ وَيَجُوزُ فِيهِ الْجَزْمُ عَلَى النَّهْيِ وَهَذَا الْجَوَابُ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الَّتِي نَقَلَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَهِيَ قَوْلُ السَّائِلِ مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ وَكَذَا هِيَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد كَمَا تَقَدَّمَ وَبِمَعْنَاهَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «مَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ» وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ مَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ فَأُجِيبُ بِذِكْرِ مَا لَا يَلْبَسُهُ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ مَحْصُورٌ فَذِكْرُهُ أَوْلَى وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ مَا يُبَاحُ لَهُ لُبْسُهُ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ فَذِكْرُهُ تَطْوِيلٌ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يُحْسِنْ السُّؤَالَ وَأَنَّهُ كَانَ الْأَلْيَقُ السُّؤَالَ عَمَّا يَتْرُكُهُ فَعَدَلَ عَنْ مُطَابِقَتِهِ إلَى مَا هُوَ أَوْلَى، وَبَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي يُسَمِّي هَذَا أُسْلُوبُ الْحَكِيمِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 215] الْآيَةَ فَالسُّؤَالُ عَنْ جِنْسِ الْمُنْفَقِ فَعَدَلَ عَنْهُ فِي الْجَوَابِ إلَى ذِكْرِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَكَانَ اعْتِنَاءُ السَّائِلِ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ أَوْلَى وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَجَزْلِهِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ لَا تَلْبَسُوا كَذَا وَكَذَا فَحَصَلَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ الْمَذْكُورَاتِ وَيَلْبَسُ مَا عَدَاهَا فَكَانَ التَّصْرِيحُ بِمَا لَا يَلْبَسُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فَأَمَّا الْمَلْبُوسُ الْجَائِزُ لِلْمُحْرِمِ فَغَيْرُ مُنْحَصِرٍ فَضَبَطَ الْجَمِيعَ بِقَوْلِهِ لَا يَلْبَسُ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي وَيَلْبَسُ مَا سِوَاهُ اهـ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَيْفَ كَانَ لَوْ بِتَغْيِيرٍ أَوْ زِيَادَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ. (الثَّالِثَةُ) الْقَمِيصُ مَعْرُوفٌ وَجَمْعُهُ قُمُصٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمِيمِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ مِيمِهِ وَهُوَ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ فِي الْجَمْعِ الَّذِي عَلَى وَزْنِ فُعُلٍ وَجَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِالْإِفْرَادِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْجَمْعِ وَكَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَقِيَّةُ الْمَذْكُورَاتِ مَعَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجِلْدَةِ الَّتِي هِيَ غِلَافُ الْقَلْبِ اسْمُهَا الْقَمِيصُ. (الرَّابِعَةُ) الْبُرْنُسُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّ النُّونِ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مُلْتَزِقٌ بِهِ مِنْ ذِرَاعِهِ أَوْ جُبَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبَا الْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ مِنْ الْبِرْسِ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْقُطْنُ وَالنُّونُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ إنَّهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ اهـ، وَحُكِيَ فِي الْمُحْكَمِ فِي الْبُرْسِ ضَمُّ الْبَاءِ أَيْضًا وَقَالَ إنَّهُ الْقُطْنُ أَوْ شَبِيهٌ بِهِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْبُرْنُسُ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ وَكَانَ النُّسَّاكُ يَلْبَسُونَهَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. (الْخَامِسَةُ) نَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْبُرْنُسِ وَالْعِمَامَةِ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ سَاتِرٍ لِلرَّأْسِ مِخْيَطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى الْعِصَابَةُ فَإِنَّهَا حَرَامٌ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِشَجَّةٍ أَوْ صُدَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ شَدَّهَا وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ذَكَرَهُمَا مَعًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ لَا بِالْمُعْتَادِ فِي سَتْرِهِ وَلَا بِالنَّادِرِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَذَكَرَ مِنْ النَّادِرِ الْمِكْتَلِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ إنَّ فِيهِ الْفِدْيَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ فِي حَمْلِ الْمِكْتَلِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَخُرْجِهِ وَجِرَابِهِ وَلَا يَحْمِلُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ تَطَوُّعًا وَلَا بِإِجَارَةٍ فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى وَلَا يَحْمِلُ لِنَفْسِهِ تِجَارَةً قَالَ أَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ ذَلِكَ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ لُبْسِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا عَلَى الْمُحْرِمِ وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ فَنَبَّهَ بِالْقَمِيصِ عَلَى كُلِّ مَخِيطٍ أَوْ مُحِيطٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ وَبِالسَّرَاوِيلِ عَلَى مَا هُوَ مَعْمُولٌ عَلَى قَدْرِ عُضْوٍ مِنْهُ وَبِالْعِمَامَةِ عَلَى السَّاتِرِ لِلرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخِيطًا وَبِالْبُرْنُسِ عَلَى السَّاتِرِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لُبْسُهُ نَادِرًا وَمِنْ ذَلِكَ يُفْهَمُ تَحْرِيمُ سَتْرِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ سَتْرُ بَعْضِهِ إذَا كَانَ قَدْرًا يَقْصِدُ سَتْرَهُ لِغَرَضٍ بِخِلَافِ الْخَيْطِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَضُرُّ الِانْغِمَاسُ فِي الْمَاءِ وَالسَّتْرُ بِكَفِّهِ وَكَذَا بِيَدِ غَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ طَلًا رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ فَلَا فِدْيَةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِتَغْطِيَةِ الْبَيَاضِ الَّذِي وَرَاءَ الْأُذُنِ وَنَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْخُفِّ عَلَى كُلِّ سَاتِرٍ لِلرِّجْلِ مِنْ مَدَاسٍ وَجُمْجُمٍ وَجَوْرَبٍ وَغَيْرِهَا وَيَقْدَحُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُحْرِمِ فِي لُبْسِ الْخُفِّ فِي الدُّلْجَةِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِ عَطَاءٍ إلَّا أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَى فِي بَيَانِ الْمُشْكِلِ «أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خُفَّيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ وَخُفٌّ أَيْضًا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ فَقَالَ فَعَلْته مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك» قَالَ وَالِدِي فَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنَدُ عَطَاءٍ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ وِجْدَانِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلنَّعْلَيْنِ. (السَّابِعَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ زِيَادَةَ ذِكْرِ الْقَبَاءِ وَعَدَّهُ مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ الْمُحْرِمُ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَزُفَرُ، وَرَخَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ بِمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى لُبْسِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. (الثَّامِنَةُ) جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ وَسَتْرُ الرَّأْسِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لَهَا فَإِنَّ لَفْظَ الْمُحْرِمِ مَوْضُوعٌ لِلرَّجُلِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ مُحْرِمَةً وَهَذَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ لَفْظَ الذُّكُورِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ الْحَنَابِلَةُ فِي هَذَا الْفَرْعُ لِوُرُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ لِلرِّجَالِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالدِّرْعِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخَمْرِ وَالْخِفَافِ انْتَهَى فَدَلَّ النَّهْيُ عَنْ الِانْتِقَابِ عَلَى تَحْرِيمِ سَتْرِ الْوَجْهِ بِمَا يُلَاقِيهِ وَيَمَسُّهُ دُونَ مَا إذَا كَانَ مُتَجَافِيًا عَنْهُ وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِيهِ يَعْنِي النِّقَابَ ثُمَّ قَالَ وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ تَغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ الْمُحْرِمَةُ تُغَطِّي وَجْهَهَا إنْ شَاءَتْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَى كَرَاهَةِ النِّقَابِ لِلْمَرْأَةِ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَجْمَعِينَ إلَّا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغَطِّي الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا إنْ شَاءَتْ وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا لَا تَفْعَلُ وَعَلَيْهِ النَّاسُ انْتَهَى وَأَمَّا لُبْسُ الْمَرْأَةِ الْقُفَّازَيْنِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى مَنْعِهِ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَنَافِعٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّقَاؤُهُ أَحَبُّ إلَيَّ لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الصَّوَابُ عِنْدِي نَهْيُ الْمَرْأَةِ عَنْهُ وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهَا بِهِ لِثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى جَوَازِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةَ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا انْتَهَى وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّقَلَةِ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا إذَا لَبِسَتْ الْقُفَّازَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَمَّا سَتْرُ الْمَرْأَةِ يَدَيْهَا بِغَيْرِ مَخِيطٍ كَمَا لَوْ أَخْتَضَبَتْ فَأَلْقَتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً فَوْقَ الْخِضَابِ أَوْ أَلْقَتْهَا بِلَا خِضَابٍ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُهُ وَبَعْضُهُمْ أَجْرَى فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنْ لَمْ تَشُدَّ الْخِرْقَةَ جَازَ وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَبَّهَ بِالْقُفَّازَيْنِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْمَخِيطِ أَوْ الْمُحِيطِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ نَبَّهَ بِهِمَا عَلَى مُطْلَقِ السَّاتِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» اسْتِوَاءَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ. [فَائِدَة لِلْمُحْرِمِ سَتْرُ وَجْهِهِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ اخْتِصَاصُهَا بِذَلِكَ وَأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْحَدِيثِ فِيمَا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ سَاتِرَ الْوَجْهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ سَتْرُ وَجْهِهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَفِيهِ آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إلَى مَنْعِهِ كَالرَّأْسِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالُوا إذَا حَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا مَعَ احْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَالرَّجُلُ أَوْلَى بِتَحْرِيمِهِ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ إنَّمَا كَانَ لِصِيَانَةِ رَأْسِهِ لَا لِقَصْدِ كَشْفِ وَجْهِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي الرَّأْسِ وَلَا فِي الْوَجْهِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ لَا إحْرَامَ فِي الْوَجْهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَقْبَلْ بِظَاهِرِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ عَلَى أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا إنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِي تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ جَزَمَ بِهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَبَنَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ التَّغْطِيَةَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ إنْ غَطَّى ثُلُثَهُ أَوْ رُبْعَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَفِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ مَا دُونَ الْحَاجِبَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَا دُونَ عَيْنَيْهِ وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ غَرِيبَةٌ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِيَاطَ لِكَشْفِ الرَّأْسِ وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِذَلِكَ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِهِ انْتَهَى. [فَائِدَة لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فِي الْإِحْرَام] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) وَأَمَّا لُبْسُ الْقُفَّازَيْنِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ السَّرَاوِيلُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحِيطُ بِجُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ بَلْ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَة الْمُرَادُ بِاللُّبْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْإِحْرَام] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْمُرَادُ بِاللُّبْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ فَلَوْ ارْتَدَى الْقَمِيصَ وَنَحْوَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ لَابِسًا لَهُ فِي الْعُرْفِ فَإِنْ قُلْت فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجَدَ الْقُرَّ فَقَالَ أَلْقِ عَلَيَّ ثَوْبًا يَا نَافِعُ فَأَلْقَيْت عَلَيْهِ بُرْنُسًا فَقَالَ تُلْقِي عَلَى هَذَا وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَهُ الْمُحْرِمُ» ؟ (قُلْت) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مِنْ وَرَعِهِ وَتَوَقُّفِهِ كَرِهَ أَنْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ الْبُرْنُسَ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّمَا يَكْرَهُونَ الدُّخُولَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَعْمَلَ الْعُمُومَ فِي اللِّبَاسِ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ وَالِامْتِهَانَ قَدْ يُسْمَى لِبَاسًا أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى «قَوْلِ أَنَسٍ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ» انْتَهَى وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لَا لِاعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْبُرْنُسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ مُفَرَّجًا كَالْقَبَاءِ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ عُدَّ لَابِسًا لَهُ فَإِنَّ بَعْضَ الْبَرَانِسِ كَذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا لَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً وَهُوَ مُضْطَجَعُ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسَهُ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا، انْتَهَى. [فَائِدَة تَحْرِيمُ التَّطَيُّبِ عَلَى الْمُحْرِمِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْوَرْسُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَبْتٌ أَصْفَرُ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْغَمْرَةُ لِلْوَجْهِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ، زَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَوْنُ صَبْغِهِ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَرَائِحَتُهُ طَيِّبَةٌ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ شَيْءٌ أَصْفَرُ مِثْلُ الْمُلَآءِ يَخْرُجُ عَلَى الرَّمْثِ بَيْنَ آخَرِ الصَّيْفِ وَأَوَّلِ الشِّتَاءِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِبَرِّيٍّ يُزْرَعُ سَنَةً فَيَجْلِسُ عَشْرَ سِنِينَ أَيْ يُقِيمُ فِي الْأَرْضِ لَا يَتَعَطَّلُ قَالَ وَنَبَاتُهُ مِثْلُ نَبَاتِ السِّمْسِمِ فَإِذَا جَفَّ عِنْدَ إدْرَاكِهِ تَفَتَّقَتْ خَرَائِطُهُ فَيَنْتَفِضُ مِنْهُ الْوَرْسُ انْتَهَى وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَكِنَّ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ فَلِذَلِكَ حَكَيْتهَا، وَالرَّمْثُ مِنْ مَرَاعِي الْإِبِلِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْوَرْسَ طِيبٌ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ فِيمَا يُقَالُ أَشْهُرُ طِيبٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فَقَالَ وَالْوَرْسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طِيبًا فَلَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَيِّنَ تَجَنُّبَ الطِّيبِ الْمَحْضِ وَمَا يُشْبِهُ الطِّيبَ فِي مُلَائِمَةِ الشَّمِّ وَاسْتِحْسَانِهِ انْتَهَى. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ تَحْرِيمُ التَّطَيُّبِ عَلَى الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ إذَا حُرِّمَ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ فَمَا فَوْقَهُمَا كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَإِذَا حَرُمَ لُبْسُ الثَّوْبِ الَّذِي مَسَّهُ أَحَدُهُمَا فَالتَّضَمُّخُ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالطِّيبِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الطِّيبُ فَأَمَّا الْفَوَاكِهُ كَالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاحِ وَأَزْهَارِ الْبَرَارِيِّ كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَنَحْوِهِمَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلطِّيبِ. [فَائِدَة لُبْسِ مَا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ فِي الْإِحْرَام] 1 (الْخَامِسَةُ عَشْرَةُ) ظَاهِرُهُ تَحْرِيمِ لُبْسِ مَا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَلَوْ خَفِيَتْ رَائِحَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمُرُورِ الزَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ مَتَى كَانَ غَسِيلًا لَا يُنْفَضُ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَنْعَ لِلطِّيبِ لَا لِلَّوْنِ وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ ثُمَّ ذَهَبَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبُ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغُ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْمُسْبِغَاتِ لِأَنَّ الْمُسْبِغَاتِ تُنْفَضُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ لَوْ بَطَلَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ لَمْ يُبَحْ اسْتِعْمَالُهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْدِيَةِ وَالْأُزُرِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَوَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَزَعْفَرَانٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا» . وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ (رَأَيْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَهُوَ يَتَعَجَّبُ مِنْ الْحِمَّانِيُّ كَيْفَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ هَذَا عِنْدِي ثُمَّ وَثَبَ مِنْ فَوْرِهِ فَجَاءَ بِأَصْلِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَمَا قَالَ الْحِمَّانِيُّ) اهـ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَى بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا أَثَرًا فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ وَلَا نَعْلَمُهُ صَحِيحًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِبَاسُهُ أَصْلًا لِأَنَّهُ قَدْ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ الْوَرْسُ اهـ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتَلَفُوا فِي لُبْسِ الثَّوْبِ الَّذِي مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ فَغُسِلَ وَذَهَبَ رِيحُهُ وَنَفْضُهُ فَمِمَّنْ رَخَّصَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَرَوَى عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غُسِلَ وَذَهَبَ لَوْنُهُ اهـ،. [فَائِدَة أَكَلَ الْمُحْرِم مَا فِيهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) مَوْرِدُ النَّصِّ فِي اللُّبْسِ فَلَوْ أَكَلَ مَا فِيهِ زَعْفَرَانٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ اسْتَهْلَكَ الطِّيبَ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ لَمْ يَحْرُمْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَوْصَافُ حَرُمَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ وَحْدَهَا حَرُمَ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ طِيبًا وَإِنْ بَقِيَ الطَّعْمُ وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ الْخَبِيصِ بِالزَّعْفَرَانِ وَقِيلَ إنْ صَبَغَ الْفَمَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَمَا خُلِطَ بِالطِّيبِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ فَفِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ بِهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنْ أَكَلَ الطِّيبَ فِي طَعَامٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَدْ طُبِخَ وَتَغَيَّرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ وَرِيحُهُ مَوْجُودٌ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ حَيْثُ حَرُمَ مَأْخُوذٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ أَبْلَغُ فِي مُخَالَطَةِ الْجَسَدِ مِنْ اللُّبْسِ. [فَائِدَة الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إلَّا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ] 1 {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ تَحْرِيمِ الطِّيبِ بِالرَّجُلِ كَالْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُ لَكِنَّ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ وَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لَهُ فِي سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إلَّا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَقَدَّمَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ عَلَى النِّسَاءِ وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ الطِّيبِ أَنَّهُ دَاعِيَةٌ إلَى الْجِمَاعِ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي تَذَلُّلَ الْحَاجِّ فَإِنَّ الْحَاجَّ أَشْعَثُ أَغْبَرُ وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ [فَائِدَة لُبْسِ الْمُوَرَّسِ وَالْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ إبَاحَةُ لُبْسِ الْمُوَرَّسِ وَالْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ وَيُعَارِضُهُ فِي الْمُزَعْفَرِ لِلرَّجُلِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَنْهَى الرَّجُلَ الْحَلَالَ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ وَآمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلَهُ، وَحَمَلَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ النَّهْيَ عَلَى مَا صُبِغَ مِنْ الثِّيَابِ بَعْدَ نَسْجِهِ فَأَمَّا مَا صُبِغَ ثُمَّ نُسِجَ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ، وَحَكَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَنْ التَّزَعْفُرِ عَلَى الْمُحْرِمِ قَالَ وَفِيهِ بُعْدٌ وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمْرَيْنِ آخَرِينَ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ مَا مَسَّهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُنْفَصِلٌ مُسْتَقِلٌّ ثُمَّ اسْتَبْعَدَهُ وَهُوَ حَقِيقٌ بِالِاسْتِبْعَادِ وَمِمَّا رَدَّهُ بِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ» قَالَ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْمُحْرِمِ (ثَانِيهِمَا) حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى لَطْخِ الْبَدَنِ بِالزَّعْفَرَانِ دُونَ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِهِ وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُزَعْفِرَ الرَّجُلُ جِلْدَهُ» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمَا عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ «أَتَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعْنَا لَهُ مَاءً يَتَبَرَّدُ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَيْته بِمِلْحَفَةٍ صَفْرَاءَ فَرَأَيْت أَثَرَ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ» . لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «كَانَ يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ (إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ) وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ وَلَفْظُهُ «وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِهَا» . [فَائِدَة يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ] {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ جَوَازُ لُبْسُهُمَا بِحَالِهِمَا عِنْدَ فَقْدِ النَّعْلَيْنِ وَلَا يَجِبُ قَطْعُهُمَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ وَلَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ الْقَطْعِ وَزَعَمَ أَصْحَابُهُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُصَرِّحَ بِقَطْعِهِمَا مَنْسُوخٌ وَقَالُوا قَطْعُهُمَا إضَاعَةُ مَالٍ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: وَلَا أَدْرِي أَيُّ الْحَدِيثَيْنِ نَسَخَ الْآخَرَ اُنْظُرُوا أَيُّهُمَا قَبْلُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ حَمْلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُمَا مُطْلَقَانِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ زِيَادَةٌ لَمْ يَذْكُرَاهَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ كِلَاهُمَا صَادِقٌ حَافِظٌ وَلَيْسَ زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا لَمْ يُؤَدِّهِ الْآخَرُ إمَّا عَزَبَ عَنْهُ وَإِمَّا شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يُؤَدَّ وَإِمَّا سَكَتَ عَنْهُ وَإِمَّا أَدَّاهُ فَلَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ لِبَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي اخْتَلَفَا اهـ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْإِضَاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَأَمَّا مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فَهُوَ حَقٌّ يَجِبُ الْإِذْعَانُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُمَا لِأَنَّ فِي قَطْعِهِمَا إفْسَادًا ثُمَّ قَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَالْعَجَبُ مِنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُخَالِفُ سُنَّةً تَبْلُغُهُ وَقَلَّتْ سُنَّةً لَمْ تَبْلُغْهُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا عَطَاءٌ فَيَهِمُ فِي الْفَتْوَى وَأَمَّا أَحْمَدُ فَعَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قَالَ وَهَذِهِ الْقَوْلَةُ لَا أَرَاهَا صَحِيحَةً فَإِنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَصْلُ أَحْمَدَ اهـ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ «وَإِذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» وَلِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ هُنَا بَحْثٌ رَدَّهُ الْوَالِدُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَبَسَطَ فِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. {الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ} : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ مَقْطُوعَيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ فَإِنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَوْضِعُ بَيَانِهَا وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَاضِحٌ فَإِنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَمَا إذَا احْتَاجَ إلَى حَلْقِ الرَّأْسِ يَحْلِقُهُ وَيَفْدِي. {الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} قَالَ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مِفْصَلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُرَادُ بِالْكَعْبِ هُنَا الْمِفْصَلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَلَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْتِعْمَالُ الْكَعْبِ فِي هَذَا. " الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ " فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ مَقْطُوعَيْنِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ النَّعْلَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ لَوْ لَبِسَ وَاجِدُ النَّعْلِ خُفًّا مَقْطُوعًا تَحْتَ الْكَعْبِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى جَوَازِ لُبْسِهِ مَعَ وُجُودِهِمَا لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَاهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْسِهِ مُوَافَقَةَ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاَلَّذِي أَقُولُ إنَّهُ إنْ كَشَفَ الْكَعْبَ لَبِسَهُمَا إنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَإِنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ لُبْسُهُمَا حَتَّى يَكُونَا كَهَيْئَةِ النَّعْلَيْنِ لَا يَسْتُرَانِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّجْلِ شَيْئًا. (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) هَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا لُبْسُ الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى لَكِنْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ يَعْنِي يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَدَّثَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت وَهَذَا إنَّمَا كَانَ مِنْ وَرَعِ ابْنِ عُمَرَ وَكَثْرَةِ اتِّبَاعِهِ فَاسْتَعْمَلَ مَا حَفِظَ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى بَلَغَهُ فِيهِ الْخُصُوصُ. [فَائِدَة لُبْسُ الْمُحْرِمُ السَّرَاوِيلِ إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا] 1 {الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ} فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهِيَ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مَالِكًا فَأَنْكَرَهُ فَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا ذُكِرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» فَقَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّرَاوِيلَاتِ» فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ إزَارًا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حَالَةَ وُجُودِ الْإِزَارِ وَذَكَرَ فِي حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ حَالَةَ الْعَدَمِ فَلَا مُنَافَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ لُبْسُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ السَّرَاوِيلَ لَوْ كَانَ كَبِيرًا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ فَتْقٍ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْإِزَارِ وَكَذَا لَوْ خَاطَ إزَارَهُ سَرَاوِيلَ قِطْعَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ إزَارٌ فِي نَفْسِهِ إذَا فَتَقَهُ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا يَحْسُنُ الِاعْتِرَاضُ بِهَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْإِزَارِ فِيهِمَا وَقَدْ عَلَّلَهُ الْقُدُورِيُّ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ عِنْدَ عَدَمِ وِجْدَانِ الْإِزَارِ، فَلَيْسَ الْحَدِيثُ إذًا مَتْرُوكَ الظَّاهِرِ. (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) إنْ قُلْت مَا الْمُرَادُ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْإِزَارِ وَالنَّعْلَيْنِ؟ (قُلْت) قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ إمَّا لِفَقْدِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ لِعَدَمِ بَذْلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ الثَّمَنِ إنْ بَاعَهُ أَوْ الْأُجْرَةِ إنْ آجَرَهُ قَالَ وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ أَوْ نَسِيئَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ وَلَوْ أُعِيرَ مِنْهُ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَلَوْ وُهِبَ لَمْ يَجِبْ ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَ هَذِهِ الصُّوَرَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَصْحَابِنَا. (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَمْ يَأْمُرْ بِقَطْعِ السَّرَاوِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِزَارِ كَمَا فِي الْخُفِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ لَا يَجُوزُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ عَلَى حَالَةٍ إلَّا إذَا لَمْ يَتَأَتَّ فَتْقُهُ وَجَعْلُهُ إزَارًا فَإِنْ تَأَتَّى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ وَإِنْ لَبِسَهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَشُقُّ السَّرَاوِيلَ وَيَتَّزِرُ بِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ أَنَّ تَضْيِيعَهُ مُحَرَّمٌ وَالرُّخْصَةُ إذَا جَاءَتْ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ فَظَاهِرُهَا اللُّبْسُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ، الْغُرَابُ وَالْحَدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سُئِلَ   Qالْمُعْتَادُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ فَإِذَا فَتَقَ السَّرَاوِيلَ وَاِتَّزَرَ بِهِ لَمْ تَسْتَتِرْ الْعَوْرَةُ فَأَمَّا الْخُفُّ فَإِنَّهُ لَا يُغَطِّي عَوْرَةً وَإِنَّمَا هُوَ لِبَاسُ رِفْقٍ وَزِينَةٍ فَلَا يَشْتَبِهَانِ قَالَ وَمُرْسَلُ الْإِذْنِ فِي لِبَاسِ السَّرَاوِيل إبَاحَةٌ لَا تَقْتَضِي غَرَامَةً انْتَهَى وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ غَيْرَ أَحْمَدَ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يُبِيحُ السَّرَاوِيلَ عَلَى هَيْئَتِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ اللِّبَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلِبَاسِهِ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ التَّرَفُّهِ وَيَتَّصِفَ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ الذَّلِيلِ، وَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى كَثْرَةِ أَذْكَارِهِ، وَأَبْلَغَ فِي مُرَاقَبَتِهِ وَصِيَانَتِهِ لِعِبَادَتِهِ. وَامْتِنَاعِهِ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ وَلْيَتَذَكَّرْ بِهِ الْمَوْتَ وَلِبَاسَ الْأَكْفَانِ وَلْيَتَذَكَّرْ الْبَعْثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً مُهْطِعِينَ إلَى الدَّاعِي [حَدِيث خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ، الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ فَقَالَ خَمْسٌ لَا جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْمُحْرِمِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ فَقَالَ خَمْسٌ لَا جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْمُحْرِمِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِيهَا «وَالْحَيَّةُ» وَقَالَ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَمْ يَقُلْ فِي أَوَّلِهِ «خَمْسٌ» . وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْحَدَأَةُ وَالْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الْحَيَّةُ بَدَلُ الْعَقْرَبِ وَقَالَ فِيهَا «وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ» . وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيث ابْنِ مَسْعُودٍ «بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الْحَيَّةَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهِ «الْأَمْرُ   Qالْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، الْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» . (فِيهِمَا) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ضَمَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ إلَى نَافِعٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظِهِ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ تَارَةً وَلَمْ يَذْكُرْهُ أُخْرَى (قُلْت) لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا فَلَهُ فِيهِ شَيْخَانِ حَدَّثَ بِهِ فِي الْأَكْثَرِ عَنْ نَافِعٍ وَتَارَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 بِقَتْلِ الْحَيَّةِ فِي غَارِ الْمُرْسَلَاتِ» . وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ» قَالَ أَبُو دَاوُد «وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا   Qعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَتَارَةً عَنْهُمَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ قَالَ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت (النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) إلَّا ابْنَ جُرَيْجٍ وَحْدَهُ وَقَدْ تَابَعَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (وَالْحَيَّةُ) قَالَ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَا يَضُرُّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فَالْحَدِيثُ مَقْبُولٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِوَاسِطَةِ حَفْصَةَ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ ابْنِ عُمَرَ لَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 يَقْتُلُهُ» وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَ لِلْوَزَغِ فُوَيْسِقٌ» وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا»   Qكِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إسْنَادًا آخَرَ ثُمَّ رَوَى عَنْ الْحُمَيْدِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِسُفْيَانَ يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ إنَّ مَعْمَرًا يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ حَدَّثَنَا وَاَللَّهِ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَا ذَكَرَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «أَرْبَعٌ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ وَأَسْقَطَ الْعَقْرَبَ وَفِيهِ قُلْت لِلْقَاسِمِ أَفَرَأَيْت الْحَيَّةَ؟ قَالَ تُقْتَلُ بِصِغَرٍ لَهَا» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ الْحَيَّةَ بَدَلَ الْعَقْرَبِ وَقَيَّدَ فِيهَا الْغُرَابَ بِالْأَبْقَعِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا رِوَايَةُ خَمْسٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ذِكْرُ الْحَيَّةِ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ الْحَيَّةِ أَوْ الْعَقْرَبِ عَلَى الشَّكِّ وَقَالَ كَأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَيْ فِي ذِكْرِ الْعَقْرَبِ أَصَحُّ لِمُوَافَقَتِهَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْحَيَّةِ وَالذِّئْبِ مُرْسَلًا. (الثَّانِيَةُ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ هَذِهِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا شَذَّ مِمَّا سَنَحْكِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهُنَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَكُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَقَتْلُهُ جَائِزٌ لِلْمُحْرِمِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فَكُلُّ مَا جَمَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ الْوَحْشِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَاحِ اللَّحْمِ فِي الْإِحْلَالِ وَأَنْ يَكُونَ يَضُرُّ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ أَنْ تُقْتَلَ الْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ مَعَ ضَعْفِ ضُرِّهِمَا إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَانَ مَا جَمَعَ أَنْ لَا يُؤْكَلَ لَحْمُهُ وَضُرُّهُ أَكْثَرُ مِنْ ضُرِّهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ مُبَاحًا انْتَهَى وَقَالَ أَصْحَابُهُ هَذَا الضَّرْبُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) مَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ الْمُؤْذِيَاتُ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْبَقِّ وَالزُّنْبُورِ وَالْقُرَادِ وَالْحَلَمَةِ وَالْقِرْقِسِ وَأَشْبَاهِهَا. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا فِيهِ نَفْعٌ وَمَضَرَّةٌ كَالْفَهْدِ وَالْعُقَابِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يُعَلِّمُ الِاصْطِيَادَ وَلَا يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَضَرَّةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرٌ كَالْخَنَافِسِ وَالْجُعْلَانِ وَالدُّودِ وَالسَّرَطَانِ وَالْبُغَاثَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالذُّبَابِ وَأَشْبَاهِهَا فَيُكْرَهُ قَتْلُهَا وَلَا يَحْرُمُ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُهُمْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الطُّيُورِ دُونَ الْحَشَرَاتِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ وَكَلَامُ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ مِثْلُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا يُضْمَنُ بِالْإِحْرَامِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤْذِيًا وَجَوَّزَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَكُلَّمَا عَدَا عَلَيْهِ أَوْ آذَاهُ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ أَرَادَ مَا بَدَأَ الْمُحْرِمُ فَعَدَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَرَادَ مَا طَبْعُهُ الْأَذَى وَالْعُدْوَانُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى فِي الْحَالِ وَكَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ يُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمَعْنَى وَلَا يُعَدِّي بِالْقِيَاسِ لَكِنَّهُ اعْتَمَدَ أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الصَّيْدِ فَلَا يَتَعَدَّى وَلَا ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَأَجَابَ عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ كَوْنَ الْمَعْنَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنَعَ الْأَكْلَ بِوَاسِطَةِ بَعْضِ الشَّارِحِينَ وَأَرَادَ بِهِ النَّوَوِيَّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ غَيْرُ جَوَازِ الِاصْطِيَادِ وَإِنَّمَا يَرَى الشَّافِعِيُّ جَوَازَ الِاصْطِيَادِ وَعَدَمَ وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِغَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَأْكُولِ. وَأَمَّا جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى قَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ فَغَيْرُ هَذَا انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِ مِنْ الطَّيْرِ كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَهَوَامِّهَا كُلَّ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ انْتَهَى فَصَرَّحَ بِأَنَّ لَهُ قَتْلَ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ الطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ وَقَالَ آخَرُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كَوْنُهُنَّ مُؤْذِيَاتٍ فَيَلْتَحِقُ بِالْمَذْكُورَاتِ كُلُّ مُؤْذٍ وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِمَالِكٍ وَلْنَذْكُرْ تَفْصِيلَ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ تَحْرِيمَ صَيْدِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ هَذِهِ الْخَمْسُ قَالَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ يُقْتَلَانِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَدِئَا بِالْأَذَى وَرَوَى أَشْهَبُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ فَيُقْتَلَ إلَّا أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَذًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ قَتَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَدَاهَمَا وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَتْلِ صِغَارِهِمَا ابْتِدَاءً وَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِهِمَا وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الطَّيْرِ فَإِنْ لَمْ يُؤْذِ فَلَا يُقْتَلُ فَإِنْ قَتَلَ فَفِيهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ أَذَى فَهَلْ يُقْتَلُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَقْتُلُ فَقَتَلَ، فَقَوْلَانِ أَيْضًا الْمَشْهُورُ نَفْيُ وُجُوبِ الْجَزَاءِ وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ فِي الطَّيْرِ الْفِدْيَةُ وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِالضَّرَرِ وَقَالَ أَصْبَغُ مَنْ عَدَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَقَتَلَهُ وَدَاهُ بِشَاةٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَذَا مِنْ أَصْبَغَ غَلَطٌ وَحَمَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَ أَصْبَغَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الدَّفْعِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَأَمَّا لَوْ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ فِي الدَّفْعِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ. وَأَمَّا الْعَقْرَبُ وَالْحَيَّةُ وَالْفَأْرَةُ فَيُقْتَلْنَ حَتَّى الصَّغِيرُ وَمَا لَمْ يُؤْذِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهَا الْأَذَى إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الصِّغَرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ مِنْهَا الْأَذَى فَيُخْتَلَفُ فِي حُكْمِهَا وَهَلْ يَلْحَقُ صَغِيرُ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ الْقَتْلُ لِأَذِيَّةٍ بِصِغَارِهَا فِي جَوَازِ الْقَتْلِ ابْتِدَاءً فِيهِ خِلَافٌ؛ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الْكَلْبُ الْوَحْشِيُّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ الْكَلْبُ الْإِنْسِيُّ الْمُتَّخَذُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُقْتَلُ صَغِيرُ هَذِهِ وَمَا لَمْ يُؤْذِ مِنْ كَبِيرِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَتْلُ صِغَارِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَشَنَّعَ عَلَيْهِمْ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ صِغَارِ الْغِرْبَانِ وَالْحُدَيَّا وَبَيْنَ صِغَارِ السِّبَاعِ وَالْحَيَّاتِ وَبَيْنَ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَبَيْنَ سِبَاعِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَقَالَ هَلَّا قَاسُوا سِبَاعَ الطَّيْرِ عَلَى الْحِدَأَةِ كَمَا قَاسُوا سِبَاعَ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ؟ ، وَقَوَّى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ التَّعْلِيلَ بِالْأَذَى عَلَى التَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ الْأَكْلِ فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْدِيَةَ بِمَعْنَى الْأَذَى إلَى كُلِّ مُؤْذٍ قَوِيٌّ بِالْإِضَافَةِ إلَى تَصَرُّفِ الْقِيَاسَيْنِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ الْإِيمَاءِ بِالتَّعْلِيلِ بِالْفِسْقِ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْحَدِّ. وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِحُرْمَةِ الْأَكْلِ فَفِيهِ إبْطَالُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إيمَاءُ النَّصِّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ أَنْ يَتَقَيَّدَ الْحُكْمُ بِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ وَثَبَتَ الْحُكْمُ عِنْدَ عَدَمِهَا بَطَلَ تَأْثِيرُهَا بِخُصُوصِهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ النَّصِّ مِنْ التَّعْلِيلِ بِهَذَا وَاقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُمْ ضَمُّوا إلَيْهَا الْحَيَّةَ أَيْضًا وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَضَمُّوا إلَيْهَا الذِّئْبَ أَيْضًا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ وَيُقَالُ إنَّ الذِّئْبَ فِي مَعْنَاهُ اهـ وَعَلَى هَذَا الْأَخِيرِ فَيُقَالُ لِمَ اقْتَصَرَ فِي الْإِلْحَاقِ عَلَى الذِّئْبِ وَلِمَ لَا يُلْحِقُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ كُلَّ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَمِرٍ وَخِنْزِيرٍ وَدُبٍّ وَقِرْدٍ وَغَيْرِهَا وَذَكَرَ الذِّئْبَ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الذِّئْبِ» الْحَدِيثَ. قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ جَعَلَ الذِّئْبَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَلْبًا عَقُورًا أَيْ لِذِكْرِهِ بَدَلَهُ قَالَ وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَفِيهِ قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ (يَعْنِي الْمُحْرِمَ) ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا جَيِّدًا ثُمَّ رَوَاهُ كَذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ نَحْوُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى. وَمَحَلُّ الْمَنْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا عَدَا الْخَمْسَ وَالذِّئْبَ إذَا لَمْ تَبْدَأْهُ السِّبَاعُ فَإِنْ بَدَأَتْهُ فَقَتَلَهَا دَفْعًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ إلَّا زُفَرُ فَإِنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْخَمْسِ. وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ الْمُخَالِفِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْحَقَ الذِّئْبَ بِهَا وَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُنَاقَضَاتِهِ ثُمَّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اصْطِيَادُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَرُدُّونَ هَذَا بِظُهُورِ الْمَعْنَى فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْخَمْسِ وَهُوَ الْأَذَى الطَّبِيعِيُّ وَالْعُدْوَانُ الْمُرَكَّبُ فِي هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَعْنَى إذَا ظَهَرَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَدَّى الْقَائِسُونَ ذَلِكَ الْحُكْمَ إلَى كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى كَالسِّتَّةِ الَّتِي فِي الرِّبَا. وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى التَّعْدِيَةِ فِيهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يُعْدَى بِهِ قَالَ وَأَقُولُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْأَلْقَابِ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي مَفْهُومًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَالتَّعْدِيَةُ لَا تُنَافِي مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَهُنَا لَوْ عَدَّيْنَا لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالْعَدَدِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى عَوَّلَ بَعْضُ مُصَنِّفِي الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ أَعْنِي مَفْهُومَ الْعَدَدِ انْتَهَى. وَفِي نَقْلِهِ الذِّئْبَ مِنْ غَيْرِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرَ فَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِهِمْ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِمْ مِنْ مَنْعِ اصْطِيَادِ الْأَسَدِ وَنَحْوِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ وَقَالُوا إنَّ عَلَى قَاتِلِهِ الْجَزَاءَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ بِقَتْلِهِ لِلدَّفْعِ عِنْدَ الصِّيَالِ لَكِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلًا وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ لَيْسَا مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْبَدَنِ بَلْ هِيَ مُؤْذِيَةٌ بِطِبَاعِهَا انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ مُوَافَقَةُ مَنْ قَالَ إنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمَذْكُورَاتِ كُلُّ مُؤْذٍ بِالطَّبْعِ فَإِنَّ كَوْنَ الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ لَيْسَا مِنْ الْخَمْسَةِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ لَيْسَ لَهُمَا حُكْمُهُمَا. وَعَلَّلَ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِأَنَّهُمَا لَا يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِكُلِّ مَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ثُمَّ قَوَّى ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَعُوضِ وَنَحْوِهِ وَلَا سِيَّمَا تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهَا مُؤْذِيَةٌ بِطِبَاعِهَا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اقْتَصَرَ فِي رَدِّ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُرُودِ النَّصِّ فِيهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْفَأْرَةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْحِدَأَةَ وَالْغُرَابَ» . لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَالْفُوَيْسِقَةَ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْحِدَأَةَ وَالسَّبُعَ الْعَادِيَ» . وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ الْحِدَأَةَ وَلَا الْغُرَابَ وَزَادَ فَقِيلَ لَهُ لِمَ قِيلَ لَهَا الْفُوَيْسِقَةُ؟ قَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَيْقَظَ لَهَا وَقَدْ أَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ لِتُحْرِقَ بِهَا الْبَيْتَ فَتَنَاوَلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - السَّبُعَ الْعَادِيَ الْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ السِّبَاعِ بَلْ قَوْلُهُ الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا سَنَحْكِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةٌ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ إنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالْمَفَاهِيمِ مُطْلَقًا لَا هَذَا الْمَفْهُومُ وَلَا غَيْرُهُ وَبِتَقْدِيرِ قَوْلِهِمْ بِالْمَفْهُومِ فَهُمْ لَمْ يَقِفُوا عِنْدَ هَذَا الْمَفْهُومِ بَلْ ضَمُّوا إلَيْهَا الْحَيَّةَ وَالذِّئْبَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَالنَّصُّ عَلَى الْحَيَّةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِيَ وَهُوَ يُنَافِي الْوُقُوفَ عِنْدَ هَذَا الْمَفْهُومِ فَإِنَّهَا مَعَ الْحَيَّةِ وَالسَّبُعِ الْعَادِي لَيْسَتْ خَمْسًا بَلْ سَبْعًا كَيْفَ. وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خَمْسٌ وَفِي بَعْضِهَا أَرْبَعٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ حُجَّةً لَتَدَافَعَ هَذَانِ الْمَفْهُومَانِ وَسَقَطَا. (الثَّالِثَةُ) إنْ قُلْت فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةٌ مَا جَوَابُكُمْ عَنْ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالذِّكْرِ؟ قُلْت، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَذَى إنَّمَا اُخْتُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِيُنَبِّهَ بِهَا عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا وَأَنْوَاع الْأَذَى مُخْتَلِفَةٌ فَيَكُونُ ذِكْرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا مُنَبِّهًا عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَا فِيهِ ذَلِكَ النَّوْعِ فَنَبَّهَ بِالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ عَلَى مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْأَذَى بِاللَّسْعِ كَالْبُرْغُوثِ مَثَلًا عَنْ بَعْضِهِمْ وَنَبَّهَ بِالْفَأْرَةِ عَلَى مَا أَذَاهُ بِالنَّقْبِ وَالتَّقْرِيضِ كَابْنِ عُرْسٍ وَنَبَّهَ بِالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ عَلَى مَا أَذَاهُ بِالِاخْتِطَافِ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي وَنَبَّهَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ عَلَى كُلِّ عَادٍ بِالْعُقْرِ وَالِافْتِرَاسِ بِطَبْعِهِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّعْدِيَةِ إلَى كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَقَدْ أَحَالُوا التَّخْصِيصَ فِي الذِّكْرِ بِهَذِهِ الْخَمْسِ عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهَا الْمُلَابِسَاتُ لِلنَّاسِ الْمُخَالِطَاتُ فِي الدُّورِ بِحَيْثُ يَعُمُّ أَذَاهَا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّخْصِيصُ لِأَجْلِ الْغَلَبَةِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ إلَّا أَنَّ خُصُومَهُمْ جَعَلُوا هَذَا الْمَعْنَى مُعْتَرِضًا عَلَيْهِ فِي تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إلَى بَقِيَّةِ السِّبَاعِ الْمُؤْذِيَةِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللِّحَاقَ الْمَسْكُوتَ بِالْمَنْطُوقِ قِيَاسًا شَرْطُهُ مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ أَوْ رُجْحَانُهُ أَمَّا إذَا انْفَرَدَ الْأَصْلُ بِزِيَادَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتَبَرَ فَلَا إلْحَاقَ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَامَّةَ الْأَذَى كَمَا ذَكَرَ ثُمَّ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِبَاحَةِ قَتْلِهَا لِعُمُومِ ضَرَرِهَا فَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِيمَا لَا يَعُمُّ ضَرَرُهُ مِمَّا لَا يُخَالِطُ فِي الْمَنَازِلِ وَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إبَاحَةِ قَتْلِهِ كَمَا دَعَتْ إلَى إبَاحَةِ قَتْلِ مَا يُخَالِطُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ نَادِرٌ وَقَدْ أُبِيحَ قَتْلُهُ. (وَالثَّانِي) مُعَارَضَةُ النُّدْرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الضَّرَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَأْثِيرَ الْفَأْرَةِ بِالنَّقْبِ مَثَلًا أَوْ الْحِدَأَةِ تَخْتَطِفُ شَيْئًا لَا يُسَاوِي مَا فِي الْأَسَدِ وَالْفَهْدِ مِنْ إتْلَافِ النَّفْسِ فَكَانَ بِإِبَاحَةِ الْقَتْلِ أَوْلَى انْتَهَى وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذِكْرِ الْحَدِيثِ الشَّامِلِ لِسَائِرِ السِّبَاعِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ اقْتِصَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْخَمْسِ؟ قُلْنَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَحْضُوضٌ عَلَى قَتْلِهِنَّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَيَكُونُ غَيْرُهُنَّ مُبَاحًا قَتْلُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ مِمَّا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ تِلْكَ الْخَمْسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَأْمُورًا بِقَتْلِهِ أَيْضًا كَالْوَزَغِ وَالْأَفَاعِي وَالْحَيَّاتِ وَالرُّتَيْلَاءِ وَالثَّعَابِينِ وَقَدْ يَكُونُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ فَاغْتَنَى عَنْ إعَادَتِهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْخَمْسَ. (الرَّابِعَةُ) اقْتَصَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى نَفْيِ الْجُنَاحِ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ قَتْلِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَرْجِيحُ فِعْلِ قَتْلِهَا عَلَى تَرْكِهِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَمْرُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ قَتْلِهَا عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الْأُصُولِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ اسْتِحْبَابُ قَتْلِ الْمُؤْذِيَاتِ وَهِيَ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَتَمَسَّكُوا بِالْأَمْرِ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى نَفْيِ الْجُنَاحِ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. (الْخَامِسَةُ) نَصٌّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمُحْرِمِ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْهُ وَيُعْلَمُ حُكْمُ الْحَلَالِ مِنْ طَرِيقِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا أُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ فَمَعَ فَقْدِهِ أَوْلَى. [فَائِدَة قَتْلَ الْغُرَابِ فِي الْإِحْرَامِ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى قَتْلِ الْغُرَابِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَتْلَ الْغُرَابِ فِي الْإِحْرَامِ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي غُرَابًا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَكَانَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يُبِيحُونَ قَتْلَهُ لِلْمُحْرِمِ. وَرَوَيْنَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مُحْرِمٍ كَسَرَ قَرْنَ غُرَابٍ إنْ أَدْمَاهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ يُدْمِهِ أَطْعَمَ شَيْئًا انْتَهَى وَحَكَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ الْغُرَابَ وَلَكِنْ يَرْمِي وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ ثُمَّ قَالَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ ضَعْفٌ وَلَا يَثْبُتُ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ قَائِلُهُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ وَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَالِكٌ مِنْ جُمْلَةِ الْغِرْبَانِ وَكَانَ عَطَاءٌ يَرَى فِيهِ الْفِدْيَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى قَوْلِهِ أَحَدٌ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَكَّدُ نَدْبًا قَتْلُهُ كَتَأَكُّدِهِ فِي الْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ. (السَّابِعَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ الْغُرَابُ بِالْأَذَى أَمْ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ خِلَافَهُ. (الثَّامِنَةُ) وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كِبَارِ الْغِرْبَانِ وَصِغَارِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ تَقَدَّمَ وَمَا ذَكَرْته فِي هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يَأْتِي فِي الْحِدَأَةِ أَيْضًا. (التَّاسِعَةُ) أَطْلَقَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ذِكْرَ الْغُرَابِ وَقَيَّدَهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِالْأَبْقَعِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ بَيَاضٌ، فَمُقْتَضَى قَاعِدَةِ مَنْ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْأَبْقَعِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ قَوْمٍ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ لَفْظَ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى عَامٌّ فِي الْغُرَابِ وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَبِأَنَّ غُرَابَ الْبَيْنِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ يَعْدُو عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ الْغُرَابِ» وَلَمْ يَخُصَّ أَبْقَعَ مِنْ غَيْرِهِ. فَلَا وَجْهَ لِمَا خَالَفَهُ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ انْتَهَى وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: الْمُرَادُ الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَغُرَابُ الْبَيْنِ انْتَهَى فَلَمْ تَأْخُذْ الْحَنَابِلَةُ الْحَدِيثَ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا خَصُّوهُ بِالْأَبْقَعِ كَمَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بَلْ ضَمُّوا إلَيْهِ غُرَابَ الْبَيْنِ. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْغُرَابَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: (أَحَدُهُمَا) الْأَبْقَعُ وَهُوَ فَاسِقٌ مُحَرَّمٌ بِلَا خِلَافٍ. (وَالثَّانِي) الْأَسْوَدُ الْكَبِيرُ وَيُقَالُ لَهُ الْغُدَافُ الْكَبِيرُ وَيُقَالُ لَهُ الْغُرَابُ الْجَبَلِيُّ لِأَنَّهُ يَسْكُنُ الْجِبَالَ وَ (الثَّالِثُ) غُرَابٌ صَغِيرٌ أَسْوَدُ أَوْ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ وَقَدْ يُقَالُ لَهُ الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَالْأَصَحُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا التَّحْرِيمُ. وَ (الرَّابِعُ) غُرَابُ الزَّرْعِ وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ وَهُوَ حَلَالٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ شُمُولُ الْحَدِيثِ لِلْكُلِّ إلَّا غُرَابَ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْحَنَابِلَةِ فِي عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَبْقَعِ وَيُوَافِقُ أَيْضًا مَذْهَبَ مَالِكٍ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ فِي اسْتِثْنَاءِ الْغُرَابِ الصَّغِيرِ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ. وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى أَمَّا الْعَقْعَقُ غَيْرُ مُسْتَثْنًى لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى وَقَالَ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَكَذَا الْغُدَافُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ غَالِبُ أَكْلِهِ الْجِيَفُ انْتَهَى. فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ غُرَابُ الزَّرْعِ خَاصَّةً فَأَمَّا أَنْ يَكُونُوا اعْتَمَدُوا التَّقْيِيدَ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِالْأَبْقَعِ وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ فِي الْأَذَى وَأَكْلِ الْجِيَفِ وَهُوَ الْغُدَافُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا أَخَذُوا بِالرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ وَجَعَلُوا التَّقْيِيدَ بِالْأَبْقَعِ لِغَلَبَتِهِ لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِ وَأَخْرَجُوا عَنْ ذَلِكَ غُرَابَ الزَّرْعِ وَهُوَ الزَّاغُ لِحِلِّ أَكْلِهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْحِدَأَةُ إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ] 1 (الْعَاشِرَةُ) الْحِدَأَةُ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْهَمْزِ وَجَمْعُهَا حِدَاءٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ كَعِنَبَةٍ وَعِنَبٍ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ الْحُدَيَّا وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَقْصُورٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ ثَابِتٌ، الْوَجْهُ فِيهِ الْهَمْزُ عَلَى مَعْنَى التَّذْكِيرِ وَإِلَّا فَحَقِيقَتُهُ حَدِيثُهُ وَكَذَا قَيَّدَهُ الْأَصِيلِيُّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي مَوْضِعٍ الْحِدَيَةِ عَلَى التَّسْهِيلِ وَالْإِدْغَامِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ الَّذِي عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي اخْتِصَاصِ قَتْلِهَا بِمَا إذَا ابْتَدَأَتْ بِالْأَذَى وَفِي اخْتِصَاصِ الْقَتْلِ بِكِبَارِهَا وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ وَهُوَ الْعُمُومُ كَمَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَة قَتْلِ الْحَيَّةِ لِلْمُحْرِمِ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ذِكْرُ الْعَقْرَبِ وَفِي بَعْضِهَا وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ذِكْرُ الْحَيَّةِ بَدَلَهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ فِي غَارِ الْمُرْسَلَاتِ وَذَلِكَ فِي مِنًى وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ» فَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى» . وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةَ» وَهِيَ أَوْلَى بِالْأَمْرِ بِالْقَتْلِ مِنْ الْعَقْرَبِ فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالْعَقْرَبِ عَلَى الْحَيَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ فِي قَتْلِ مَا صَغُرَ مِنْ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْأَذَى وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَيُّوبَ قُلْت لِنَافِعٍ الْحَيَّةُ؟ قَالَ الْحَيَّةُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِلَفْظٍ قَالَ الْحَيَّةُ لَا يُخْتَلَفُ فِي قَتْلِهَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ كَمَا قَالَ نَافِعٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ قَتْلِ الْحَيَّةِ لِلْمُحْرِمِ لَكِنَّهُ شُذُوذٌ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةَ وَلَا الْعَقْرَبَ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْهُمَا قَالَ وَمِنْ حُجَّتِهِمَا أَنَّ هَذَيْنِ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ فَمَنْ قَالَ بِقَتْلِهِمَا لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ هَوَامِّ الْأَرْضِ، قَالَ وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا مَعْنَى لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَهُمَا انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةَ وَلَا الْوَزَغَ وَلَا شَيْئًا غَيْرَ الْخَمْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا. [فَائِدَة الْفَأْرَةُ إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْفَأْرَةُ مَهْمُوزَةٌ وَجَمْعُهَا فَارٌ وَبِالْأَمْرِ بِقَتْلِهَا مَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَّا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَإِنَّهُ مَنَعَ الْمُحْرِمَ مِنْ قَتْلِهَا حَكَاهُ عَنْهُ السَّاجِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا وَزَادَ السَّاجِيُّ وَأَرَاهُ قَالَ فَإِنْ قَتَلَهَا فَفِيهَا فِدْيَةٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَقَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي قَتْلِ مَا انْتَهَى صِغَرُهُ مِنْهَا إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْأَذَى وَلَيْسَ هَذَا الْخِلَافُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ. [فَائِدَة الْمُرَادِ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ هُنَا فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ هُوَ كُلُّ مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافَهُمْ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ قَالَ: فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ لَا يَعْدُو مِثْلَ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ وَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ. وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ هُوَ كُلُّ سَبُعٍ يَعْقِرُ وَلَمْ يَخُصَّ بِهِ الْكَلْبَ قَالَ وَفَسَّرَهُ لَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ (سَمِعْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ وَأَيُّ كَلْبٍ أَعْقَرُ مِنْ الْحَيَّةِ؟) قَالَ الْحُمَيْدِيُّ كُلُّ شَيْءٍ يَعْقِرُك فَهُوَ الْعَقُورُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَدْ يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ لِلسَّبُعِ كَلْبٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَرْوُونَ فِي الْمَغَازِي «أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ شَدِيدَ الْأَذَى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك فَخَرَجَ عُتْبَةُ إلَى الشَّامِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَطَرَقَهُمْ الْأَسَدُ فَتَخَطَّى إلَيْهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلَهُ» . فَصَارَ الْأَسَدُ هَاهُنَا قَدْ لَزِمَهُ اسْمُ الْكَلْبِ قَالَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] فَهَذَا اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ صَيْدُ الْفَهْدِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَلِهَذَا قِيلَ لِكُلِّ جَارِحٍ أَوْ عَاقِرٍ مِنْ السِّبَاعِ كَلْبٌ عَقُورٌ اهـ. وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ عُتْبَةُ. وَإِنَّمَا هُوَ عُتَيْبَةُ أَخُوهُ وَأَمَّا عُتْبَةُ فَإِنَّهُ بَقِيَ حَتَّى أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ حَمْلَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ هُنَا عَلَى كُلِّ سَبُعٍ مُفْتَرِسٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ الْأَسَدُ فَإِنْ أَرَادَ التَّخْصِيصَ دُونَ التَّمْثِيلِ فَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِهِ فِي حُكْمِهِ الذِّئْبَ وَذَهَبَ زُفَرُ إلَى أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ هُوَ الذِّئْبُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَمَّنْ فَسَّرَهُ بِالْكَلْبِ الْمَعْرُوفِ بِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) سَوَاءٌ حَمَلَ الْكَلْبَ عَلَى مَدْلُولِهِ الْمَعْرُوفِ أَوْ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ مُفْتَرِسٍ فَتَقْيِيدُهُ بِالْعَقُورِ يُخْرِجُ غَيْرَهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْعَقُورِ مِنْ الْكِلَابِ مُحْتَرَمٌ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْبَيْعِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَزَادَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ إنَّ قَتْلَهُ مَكْرُوهٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُنَاكَ مُرَادُهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي التَّيَمُّمِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ مُخْتَلِفَةٌ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ جَزَمَ بِالتَّحْرِيمِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ قَتْلِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْخِلَافِ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ انْتَهَى وَمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ قَتْلِ غَيْرِ الْعَقُورِ يُجِيبُ عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ بِأَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَغَيْرُ الْعَقُورِ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) أَخْرَجَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَمْ يُقْصِرْ الْحُكْمَ عَلَى الْخَمْسِ مِنْ السِّبَاعِ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ وَمُدْرَكُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَوْنُهُمَا مَأْكُولَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِمَا وَعِنْدَ مَالِكٍ كَوْنُهُمَا لَا يَعْدُوَانِ وَالْقَتْلُ خَاصٌّ بِاَلَّذِي يَعْدُو مِنْ السِّبَاعِ لَا بِجَمِيعِهَا وَقَالَ أَحْمَدُ بِإِبَاحَةِ الضَّبُعِ وَعَنْهُ فِي إبَاحَةِ الثَّعْلَبِ رِوَايَتَانِ وَأَنْكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إبَاحَةَ الثَّعْلَبِ وَقَالَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَمْ يُذْكَرْ فِي ذَلِكَ الْوَزَغُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْوَزَغِ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ «أُمِّ شَرِيكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزُغِ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْآثَارُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ وَقَدْ أَلْحَقَهُ أَصْحَابُنَا بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فِي نَدْبِ قَتْلِهِ وَوَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي قَتْلِهِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْوَزَغَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ عَنْهُ لَا أَرَى أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ الْوَزَغَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخَمْسِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِهِنَّ وَقِيلَ لِمَالِكٍ فَأَنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ الْوَزَغَ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَأَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ إنْ قَتَلَهُ وَهُوَ مِثْلُ شَحْمَةِ الْأَرْضِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَهَا سِتًّا وَلَا سَبْعًا انْتَهَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ بِشَهَادَةٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ (قُلْت) . وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَبِيَدِهَا عُكَّازٌ فَقَالَتْ مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: لِهَذِهِ الْوَزَغِ لِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَا يُطْفِئُ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا هَذِهِ الدَّابَّةُ فَأَمَرَنَا بِقَتْلِهَا» الْحَدِيثَ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْوَزَغِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْوَزَغَ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ فِي قَتْلِهِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْمُحْرِمُ» . كَذَا فِي رِوَايَتِنَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَالْحَرَمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْحَرَمُ الْمَشْهُورُ وَالْمُحْرِمُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَحْرَمَ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حَذْفٍ يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى وَلَعَلَّ تَقْدِيرَهُ وَإِحْرَامُ الْمُحْرِمِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامُ وَهُوَ يَدُلُّ لِلْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ، وَبَيْنَ مُسْلِمٍ أَنَّ لَفْظَ شَيْخَيْهِ الرَّاوِيَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْحَرَمِ أَيْ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ كَمَا فِي رِوَايَتِنَا وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ الْحُرُمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ فِي الْمَوَاضِعِ الْحُرُمِ جَمْعُ حَرَامٍ كَمَا قَالَ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] . كَذَا بَيَّنَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ الضَّبْطَيْنِ فَقَالَ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامُ أَيْ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فِي الْحُرُمِ وَالْإِحْرَامِ أَيْ فِي الْمَوَاضِعِ الْحُرُمِ جَمْعُ حَرَامٍ كَمَا قَالَ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] انْتَهَى. وَلَمْ يَفْهَمْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْحَرَمِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ الْحَرَمِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَرَمُ مَكَّةَ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ غَيْرَهُ قَالَ وَهُوَ جَمْعُ حَرَامٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] . قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْفَتْحُ أَظْهَرُ انْتَهَى وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ اخْتِلَافٌ وَاَلَّذِي ضَبَطَهَا بِهِ الْقَاضِي مُتَعَيَّنٌ وَلَوْ كَانَتْ بِالْفَتْحِ لَاتَّحَدَتْ مَعَ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ وَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُغَايِرَةَ بَيْنَهُمَا وَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَتَأَمَّلْ لَفْظَ مُسْلِمٍ وَلَا أَوَّلَ كَلَامَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ ضَبَطَ رِوَايَةَ زُهَيْرٍ الْحَرَمِ بِفَتْحِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْحُرُمِ بِضَمِّهِمَا فَإِنَّ مُسْلِمًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ صَرَّحَ بِالْمُغَايَرَةِ بَيْنَ لَفْظَيْ شَيْخَيْهِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا قَالَ بِفَتْحِهِمَا وَالْآخَرُ بِضَمِّهِمَا فَرِوَايَةُ ضَمِّهِمَا وَاقِعَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ بِلَا شَكٍّ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «خَمْسُ فَوَاسِقَ» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ بِإِضَافَةِ خَمْسٍ لَا بِتَنْوِينِهِ وَذَكَرَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْوَجْهَيْنِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى التَّنْوِينِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ «خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلِّهِنَّ فَوَاسِقُ» . وَقَالَ إنَّ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ رُبَّمَا تُشْعِرُ بِالتَّخْصِيصِ وَمُخَالَفَةَ حُكْمِ غَيْرِهَا لَهَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَرِوَايَةُ التَّنْوِينِ تَقْتَضِي وَصْفَ الْخَمْسِ بِالْفِسْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْقَتْلُ مُعَلَّلٌ بِمَا جُعِلَ وَصْفًا وَهُوَ الْفِسْقُ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ فَاسِقٍ مِنْ الدَّوَابِّ وَهُوَ ضِدُّ مَا اقْتَضَاهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَفْهُومِ وَهُوَ التَّخْصِيصُ انْتَهَى. (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ هَذِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَذْكُورَاتُ فَوَاسِقُ فَصَحِيحَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الْفِسْقِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخُرُوجُ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ الْفَاسِقُ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ فَوَاسِقُ لِخُرُوجِهَا بِالْإِيذَاءِ وَالْإِفْسَادِ عَنْ طَرِيقِ مُعْظَمِ الدَّوَابِّ وَقِيلَ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْحَيَوَانِ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَقِيلَ فِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ لَا نَرْتَضِيهَا انْتَهَى وَتَقَدَّمَ مِنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ قِيلَ لِلرَّاوِي لِمَ قِيلَ لَهَا أَيْ الْفَأْرَةِ الْفُوَيْسِقَةُ؟ فَقَالَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَيْقَظَ لَهَا وَقَدْ أَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ لِتُحْرِقَ بِهَا الْبَيْتَ. [فَائِدَة يُقْتَلَ فِي الْحَرَمِ كُلُّ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِقِصَاصِ أَوْ غَيْره مِنْ الْحُدُود] (الْعِشْرُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلَ فِي الْحَرَمِ كُلُّ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلٌ بِقِصَاصِ أَوْ رَجْمٌ بِالزِّنَا أَوْ قَتْلٌ فِي الْمُحَارَبَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إقَامَةُ كُلِّ الْحُدُودِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوجِبُ الْقَتْلِ وَالْحَدِّ جَرَى فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ ثُمَّ لَجَأَ صَاحِبُهُ إلَى الْحَرَمِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ فِيهِ وَمَا فَعَلَهُ خَارِجَهُ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ إنْ كَانَ إتْلَافَ نَفْسِ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّمُ وَلَا يُجَالَسُ وَلَا يُبَايَعُ حَتَّى يَضْطَرَّ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ فَيُقَامَ عَلَيْهِ خَارِجَهُ وَمَا كَانَ دُونَ النَّفْسِ يُقَامُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمُ نَحْوُهُ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّفْسِ وَدُونِهَا وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِمُشَارَكَةِ فَاعِلِ الْجِنَايَةِ لِهَذِهِ الدَّوَابِّ فِي اسْمِ الْفِسْقِ بَلْ فِسْقُهُ أَفْحَشُ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلِأَنَّ التَّضْيِيقَ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا يَبْقَى لِصَاحِبِهِ أَمَانٌ فَقَدْ خَالَفُوا ظَاهِرَ مَا فَسَّرُوا بِهِ الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَعَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْآيَاتِ وَقِيلَ: آمَنَ مِنْ النَّارِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُخَرَّجُ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٌ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَفِيهِ غَوْرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ [حَدِيث كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ] 1 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «حِينَ أَحْرَمَ» . وَكَذَا لِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ وَلِلنَّسَائِيِّ حِينَ «أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ» . وَلِلشَّيْخَيْنِ حِينَ «أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ» . وَلِلنَّسَائِيِّ «عِنْدَ إحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُحِلَّ» وَلَهُ «وَلِحِلِّهِ بَعْدَ مَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَلَهُمَا «بِذَرِيرَةٍ» . لِلْبُخَارِيِّ «بِأَطْيَبَ مَا أَجِدُ» . وَقَالَ مُسْلِمٌ «مَا وَجَدْت» وَلَهُ «بِأَطْيَبِ الطِّيبِ» وَلَهُ «بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» وَلِلْبُخَارِيِّ «فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَته» ..   Qالْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «حِينَ يُحْرِمُ» . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «وَلِإِحْلَالِهِ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «طَيَّبْت» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ فِيهِ مِسْكٌ» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ لِحَرَمِهِ وَطَيَّبْته بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ لِحَرَمِهِ وَلِحِلِّهِ وَحِينَ يُرِيدُ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ حَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ» . وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُحْرِمُ» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ «سَأَلْت عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ حَرَمِهِ؟ قَالَتْ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ بِأَطْيَبِ مَا وَجَدْت» . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَعِنْدَ إحْلَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُحِلَّ بِيَدَيَّ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَرَمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «وَلِحِلِّهِ بَعْدَ مَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنْت أُطَيِّبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحَيَّتِهِ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» . وَلَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا طُرُقٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ وَاقْتَصَرْت عَلَى إيرَادِ هَذِهِ تَحَرِّيًا لِمُتَابَعَةِ الْأَصْلِ فِيمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْأَسَانِيدُ مُتَوَاتِرَةٌ بِهِ وَهِيَ صِحَاحٌ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِر بَعْدَ ذِكْرِهِ جُمْلَةً مِنْ طُرُقِهِ عَنْ عَائِشَةَ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ رَوَاهُ عَنْهَا عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَمْرَةُ وَمَسْرُوقٌ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْأَعْلَامُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّطَيُّبُ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ ابْتِدَاؤُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَائِشَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُد وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَعَدَّ مِنْهُمْ غَيْرَ مَنْ قَدَّمْنَا مُعَاوِيَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقْوَالٌ. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى مَنْعِ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا تَبْقَى رَائِحَتُهُ بَعْدَهُ لَكِنَّهُ قَالَ إنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ قَوْلًا بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ بَقَاءَ الطِّيبِ كَاسْتِعْمَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَهُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ كَرَاهَةَ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَكَى أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمِمَّنْ كَرِهَ الطِّيبَ لِلْمُحْرِمِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَعَطَاءٌ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَالزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ أَخَفَّهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا. ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ قَالَ: وَتَرْكُ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَحَبُّ إلَيْنَا انْتَهَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّصْرِيحُ بِالْمَنْعِ مِنْهُ انْتَهَى وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَطَيَّبَ ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاغْتَسَلَ بَعْدَهُ فَذَهَبَ الطِّيبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ قَالُوا وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إحْرَامِهِ ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا» . فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا تَطَيَّبَ لِمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِ ثُمَّ زَالَ بِالْغُسْلِ بَعْدَهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَهَّرُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الْأُخْرَى فَلَا يَبْقَى مَعَ ذَلِكَ طِيبٌ وَيَكُونُ قَوْلُهَا ثُمَّ أَصْبَحَ يَنْضَخُ طِيبًا أَيْ قَبْلَ غُسْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيبَ كَانَ ذَرِيرَةً وَهِيَ قَنَاةُ قَصَبِ طِيبٍ يُجَاءُ بِهِ مِنْ الْهِنْدِ وَهِيَ مِمَّا يُذْهِبُهُ الْغُسْلُ، قَالُوا وَقَوْلُهَا «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مُفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» . الْمُرَادُ بِهِ أَثَرُهُ لَا جُرْمُهُ هَذَا كَلَامُ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: إنَّ الطِّيبَ مُسْتَحَبٌّ لِلْإِحْرَامِ لِقَوْلِهَا طَيَّبْته لِحَرَمِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الطِّيبَ لِلْإِحْرَامِ لَا لِلنِّسَاءِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهَا «كَأَنَّى أَنْظُرُ إلَى وَبِيضِ الطِّيبِ» وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي قَالُوهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ بِلَا دَلِيلٍ يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى لِسَانِ الذَّاهِبِينَ إلَى اسْتِحْبَابِ الطِّيبِ لِلْإِحْرَامِ لَا مَعْنَى لِحَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُعَارَضُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ لَوْ كَانَ مَا كَانَ فِي لَفْظِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَوَافُهُ لِغَيْرِ جِمَاعٍ لِيُعْلَمَهُنَّ كَيْفَ يُحْرِمْنَ وَكَيْفَ يَعْمَلْنَ فِي حَجِّهِنَّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ يُرَى وَبِيصُ الطِّيبِ فِي مُفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ثَلَاثٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . قَالُوا وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْهُ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ فِيهِ «فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا» . قَالُوا وَالنَّضْخُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اللَّطْخُ وَالظُّهُورُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66] . (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَتِنَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَحِينَ يُحْرِمُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْإِحْرَامِ هُنَا فِعْلُ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ التَّطَيُّبَ فِي الْإِحْرَامِ مُمْتَنِعٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ حِينَ «أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ» . (الرَّابِعَةُ) حَقِيقَةُ قَوْلِهَا «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» تُطَيِّبُ بَدَنَهُ وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ تَطْيِيبَ ثِيَابِهِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا «حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ» . وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَطَيُّبُ الثِّيَابِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ وَشَذَّ الْمُتَوَلِّي فَحَكَى قَوْلًا بِاسْتِحْبَابِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَفِي جَوَازِهِ عِنْدَهُمْ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ. [فَائِدَة تَكْرِيرُ التَّطَيُّبِ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِحْرَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً] 1 (الْخَامِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَكُنْ مَعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي إحْرَامِهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُدَّعَى تَكْرَارُهُ إنَّمَا هِيَ التَّطَيُّبُ لَا الْإِحْرَامُ وَيُمْكِنُ تَكْرِيرُ التَّطَيُّبِ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِحْرَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عُرْفًا وَلَا لُغَةً وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ قَالَ، وَلِهَذَا اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَانَ حَاتِمٌ يُقْرِي الضَّيْفَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفَا لَا لُغَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة التَّطَيُّبِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] (السَّادِسَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ التَّطَيُّبِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالطَّوَافِ هُنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَتَّبَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ يَوْمَ النَّحْرِ هَكَذَا فَرَمَى ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ طَافَ» فَلَوْلَا أَنَّ التَّطَيُّبَ كَانَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَمَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فِي قَوْلِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا فَكَرِهَهُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى هَذَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، انْتَهَى وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْهُمْ وَفِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجَزْمُ بِحِلِّ الطِّيبِ قَبْلَ الطَّوَافِ ثُمَّ إنَّ مَالِكًا مَعَ قَوْلِهِ بِاسْتِمْرَارِ تَحْرِيمِ الطِّيبِ يَقُولُ إنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لَوْ تَطَيَّبَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ عِنْدَهُ قَبْلَ الطَّوَافِ كَالطِّيبِ عِنْدَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَقُولُ بِلُزُومِ الْفِدْيَةِ لَوْ اصْطَادَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ الطِّيبِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَبِلُزُومِ الْفِدْيَةِ لَوْ تَطَيَّبَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَعْنِي لُزُومَ الْفِدْيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْفِدْيَةِ يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلٍ شَاذٍّ حَكَاهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الطِّيبَ يَسْتَمِرُّ تَحْرِيمُهُ إلَى أَنْ يَطُوفَ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ وَقَطَعُوا بِجَوَازِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْحَلْقَ نُسُكٌ فِي الْحَجُّ] 1 (السَّابِعَةُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوَقُّفِ حِلِّ الطِّيبِ قَبْلَ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَهُوَ أَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَصَحُّهُمَا فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِهِ لِلْآخَرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ حَلَّ الطِّيبُ بِمُجَرَّدِ الرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَكِنْ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا انْتَهَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ مَذْكُورَةٌ فِي مُخْتَصَرَاتِ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ. [فَائِدَة لُبْسِ الْمَخِيطِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ] 1 (الثَّامِنَةُ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهَا لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ تَحَلُّلٌ قَبْلَ الطَّوَافِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا «فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ» . وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ لَكِنْ يَدُلُّ عَلَى نَاسِخٍ (قُلْت) وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ يُشْبِهُ إنْ كَانَ قَدْ حَفِظَهُ ابْنُ يَسَارٍ صَارَ مَنْسُوخًا وَيُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْمَخِيطِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ عَلَى نَسْخِهِ انْتَهَى لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِيمَا أُبِيحَ لِلْحَاجِّ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذَا رَمَى الْجَمْرَةَ يَكُونُ فِي ثَوْبَيْهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. كَذَلِكَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى يَوْمِ النَّفْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا يَتَطَيَّبُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَالثَّوْرِيُّ انْتَهَى. وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ التَّحَلُّلِ فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ حَلَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَيْسَ لِلْحَجِّ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ، فَيُبَاحُ لَهُ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتُ عَلَى الْمُحْرِمِ إلَّا الْجِمَاعَ فَإِنَّهُ مُسْتَمِرُّ التَّحْرِيمِ إلَى أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ إحْرَامِهِ بَلْ انْقَضَى إحْرَامُهُ كُلُّهُ وَلَكِنَّ الْجِمَاعَ مُحَرَّمٌ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَمَا دَامَ يَبْقَى مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ شَيْءٌ فَهُوَ يُعَدُّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ لَيْسَ لِلْحَجِّ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ زَالَ إحْرَامُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ حَتَّى يَحْلِقَ وَيَطُوفَ كَمَا أَنَّ الْحَائِضَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا زَالَ الْحَيْضُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ وَهُوَ تَحْرِيمُ وَطِئَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ. حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الطَّوَافَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَكَيْفَ يَزُولُ الْإِحْرَامُ وَبَعْضُ الْأَرْكَانِ بَاقٍ وَهَذَانِ الْقَائِلَانِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَحَلُّلٍ وَاحِدٍ فَقَدْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ التَّحَلُّلِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ بِمَا سَنَحْكِيهِ بَعْدَ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هُوَ دُخُولُ وَقْتِ الرَّمْي بِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الرَّمْيِ حَلَّ الْمُحْرِمُ سَوَاءٌ رَمَى أَوْ لَمْ يَرْمِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَحَّ عَنْهُ جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّوَافِ وَالذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُهَا بَطَلَ الْإِحْرَامُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْهَا وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ. فَقَالَ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الرَّمْيِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّا إذَا لَمْ نَجْعَلْ الْحَلْقَ نُسُكًا حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَائِلَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَا يُوَافِقَانِ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ لِلْحَجِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَحَلُّلًا وَاحِدًا فَمَقَالَتُهُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَمْرَيْنِ قَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي مَجْمُوعِ مَقَالَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إنْ قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِفِعْلِ أَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ وَهِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ مَعَ سَعْيِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَإِذَا فَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْهَا أَيُّ اثْنَيْنِ كَانَا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ نُسُكًا حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ فَأَيُّهُمَا فَعَلَهُ أَوَّلًا حَلَّ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ وَتَرْتِيبُهَا بِتَقْدِيمِ الرَّمْيِ ثُمَّ الْحَلْقِ ثُمَّ الطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ. قَالُوا وَلَوْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَاتَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَمَى بِالنِّسْبَةِ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ بِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِهِ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى خِلَافِهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ أَوْ الطَّوَافِ وَحْدَهُ وَلَوْ قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ يَحْصُلُ أَحَدُهُمَا بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْآخَرُ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَوْ قَدَّمَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ عَلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُجْزِئُهُ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَعَنْ مَالِكٍ أَيْضًا لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُفِضْ وَقَالَ أَصْبَغُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الْإِفَاضَةَ وَهُوَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ آكَدُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ بِالْحَلْقِ خَاصَّةً دُونَ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ فَلَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ التَّحَلُّلَ هُوَ الْجِنَايَةُ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَلْقِ وَأَمَّا ذَبْحُ الْهَدْيِ فَلَيْسَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا إنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَدْ قَدَّمْت بَيَانَ ذَلِكَ وَمُخَالَفَةَ الْجُمْهُورِ لَهُمْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلِ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَذَبَحَ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حُرِّمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَذْكُورِينَ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمْ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ عَلَى الذَّبْحِ ثُمَّ حَكَى مَقَالَةَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَام جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُهِمَّاتِ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلذَّبْحِ فِي التَّحَلُّلِ (قُلْت) يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحِ «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ» فَقَالُوا تَقْدِيرُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلِيُهْلِلْ بِالْحَجِّ وَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَقَدْ قَدَّمْته فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ حَفْصَةَ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ وَذَبَحْتُمْ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» . لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مَدَارُهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَاضْطَرَبَ فِي إسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ «إذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ» وَمُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ذِكْرَ الْحَلْقِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (الْأَمْرُ الثَّانِيَ) فِيمَا يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ بِهِ مَا عَدَا الْجِمَاعَ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدَ النِّكَاحِ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجِمَاعُ وَاخْتَلَفُوا فِي بَقِيَّةِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَحِلُّ الصَّيْدُ وَالطِّيبُ وَاخْتَلَفُوا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ كَذَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَقَوْلُهُمْ أَوْفَقُ لِظَاهِرِ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْحِلَّ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ فِي الْمُحَرَّرِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَصَرَّحَ بِإِبَاحَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِالْأَوَّلِ وَجَعَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُبَاشَرَةَ دَاخِلَةً فِيمَا يَحِلُّ بِالثَّانِي وَكَلَامُ الْحَنَابِلَةِ مُوَافِقٌ لِلْمُرَجَّحِ عِنْدَنَا وَعِبَارَةُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ ثُمَّ قَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَعَنْهُ يَحِلُّ إلَّا مِنْ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَكَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَنَصَبَ الْخِلَافَ مَعَهُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَمَّا عَقْدُ النِّكَاحِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي الْإِحْرَامِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ يَسْتَمِرُّ تَحْرِيمُ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَالطِّيبِ إلَّا أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا فِي الصَّيْدِ الْجَزَاءَ وَلَمْ يُوجِبُوا فِي الطِّيبِ الْفِدْيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَهَذَا عَجَبٌ فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي تَطْيِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ (قُلْنَا) لَا يَخْلُو هَذَا الْآثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَفَرَضَ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُخَالِفُوهُ وَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ أَوْ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا تُرَاعُوهُ وَأَوْجِبُوا الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ كَمَا أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى مَنْ تَصَيَّدَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَاعَى مَالِكٌ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَرَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَطَيَّبَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ اعْتَذَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِادِّعَاءِ خُصُوصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ (قُلْنَا) الْأَصْلُ التَّشْرِيعُ وَعَدَمُ التَّخْصِيصِ وَالْقَوْلُ بِالتَّخْصِيصِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَيْسَ ثَمَّ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا الطِّيبُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالدَّوَاعِي إلَيْهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْلِكُ إرْبَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ «وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْلِكُ إرْبَهُ» وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا أُبِيحَ لِلْحَاجِّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ وَعَلْقَمَةُ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عُمَرَ يَحِلُّ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد الْخَفَّافُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ فَذَكَرَ كَلَامَهُ الَّذِي قَدَّمْته فِي صَدْرِ هَذِهِ الْفَائِدَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُقْتُلُوهُ. قَالَ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» .   Q [فَائِدَة الطِّيبِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الطَّوَافِ] التَّاسِعَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الطِّيبِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الطَّوَافِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ كَانَ مِنْ تَكْرِيرِ ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَتَابَعَهُ أَصْحَابُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الطِّيبِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الشُّعْثُ فَغَيْرُهَا أَوْلَى. (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ طَهَارَةُ الْمِسْكِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا فِي قَوْلٍ شَاذٍّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. [بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ] (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُقْتُلُوهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُ كَبِيرًا قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إسْنَادٌ غَيْرُ حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَمِنْ أَجْلِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ انْتَهَى وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَدَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ غَيْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَرِيقِ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَأَبِي أُوَيْسٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَمَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَرِوَايَةُ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ رَوَاهَا أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي أُوَيْسٍ رَوَاهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي أُوَيْسٍ وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَرِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ ذَكَرَهَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ قَالَ وَقَدْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ وَرَوَى ابْنُ مُسْدِي فِي مُعْجَمِ شُيُوخِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ لِأَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْمُرَخِّي حِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَدْ رَوَيْتُهُ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ طَرِيقًا غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ فَقَالُوا لَهُ أَفِدْنَا هَذِهِ الْفَوَائِدَ فَوَعَدَهُمْ وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ تَعَقَّبَ ابْنُ مُسْدِي هَذِهِ الْحِكَايَةَ بِأَنَّ شَيْخَهُ فِيهَا وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَشَّابُ كَانَ مُتَعَصِّبًا عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ لِكَوْنِهِ كَانَ مُتَعَصِّبًا عَلَى ابْنِ حَزْمٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو دُرٍّ عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الْمِغْفَرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا مَالِكٌ وَحْدَهُ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَلَيْسَ صَالِحٌ بِذَاكَ، وَزَادَ فِيهِ «وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» اهـ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ وَزَادَ فِيهِ «وَطَافَ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ» وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ قَالَ وَرَوَاهُ عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ وَزَادَ فِيهِ «وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ» وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يَقُلْهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ «فِيهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ بُسْرُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ «وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا» كَذَا فِي الْمُوَطَّإِ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ ثَمَّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ عَنْهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» . (الثَّالِثَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مَسْتُورَ الرَّأْسِ بِالْمِغْفَرِ وَالْمُحْرِمُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَشْفُ رَأْسِهِ وَمِنْ تَصْرِيحِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالزُّهْرِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَالِكٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَأَبْدَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي سَتْرِ الرَّأْسِ احْتِمَالًا فَقَالَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ انْتَهَى وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ خَائِفًا مِنْ الْقَتْلِ مُتَأَهِّبًا لَهُ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَحِينَئِذٍ فَلَا خَوْفَ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ «بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَالَحَ أَبَا سُفْيَانَ وَكَانَ لَا يَأْمَنُ غَدْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا صُلْحًا وَهُوَ مُتَأَهِّبٌ لِلْقِتَالِ إنْ غَدَرُوا» (ثَانِيهِمَا) أَنَّ أَصْحَابَنَا عَدُّوا مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَوَازُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ فَأَمَّا غَيْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ خَائِفًا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَالْحَطَّابِينَ وَنَحْوِهِمْ فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ بِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ إلَّا عَلَى الْخَائِفِ وَأَصْحَابِ الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَلَمْ يُوجِبْهُ بَعْضُهُمْ وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَوْجَبَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَوِي الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَلَمْ أَرَهُمْ اسْتَثْنَوْا الْخَائِفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يُنَازِعُونَ فِي اسْتِثْنَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَذَهَبَ أَبُو مُصْعَبٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مِثْلُ رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَوْجَبَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُطْلَقًا وَلَمْ أَرَهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْإِحْرَامَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَيْضًا لَا يُنَازِعُونَ فِي الْخَائِفِ بَلْ وَلَا فِي ذَوِي الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِاسْتِثْنَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا مَنْعَ الْوُجُوبِ فِيمَنْ هُوَ دَاخِلُ الْمِيقَاتِ بِأَنَّهُ يَكْثُرُ دُخُولُهُمْ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ كُلَّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَصَارُوا كَأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا ثُمَّ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي مُنَازَعَتُهُمْ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْضًا وَقَدْ تَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَمِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوبُ إلَّا فِيمَا يُسْتَثْنَى وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ مَحْكِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انْفِرَادَهُمَا بِذَلِكَ مِنْ بَيْنِ السَّلَفِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْوُجُوبُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَذَهَبَ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ أَيْضًا دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ وَسَائِرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. (الرَّابِعَةُ) الْمِغْفَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَيُقَالُ لَهُ مِغْفَرَةٌ بِزِيَادَةِ هَاءِ التَّأْنِيثِ آخِرَهُ وَهُوَ زَرَدٌ يُنْسَجُ مِنْ الدُّرُوعِ عَلَى قَدْرِ الرَّأْسِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ حَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هُوَ رَفْرَفُ الْبَيْضَةِ وَقِيلَ هُوَ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهِ الْمُتَسَلِّحُ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ مَا يُجْعَلُ مِنْ فَضْلِ دِرْعِ الْحَدِيدِ عَلَى الرَّأْسِ مِثْلُ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْخِمَارِ. (الْخَامِسَةُ) يُسْأَلُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّ أَوَّلَ دُخُولِهِ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الْعِمَامَةُ بَعْدَ إزَالَةِ الْمِغْفَرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ «خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» لِأَنَّ الْخُطْبَةَ إنَّمَا كَانَتْ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ تَمَامِ فَتْحِ مَكَّةَ (قُلْت) وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْعِمَامَةَ السَّوْدَاءَ كَانَتْ فَوْقَ الْمِغْفَرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي الْجَمْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ جَوَازِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ] 1 (السَّادِسَةُ) فِي دُخُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَكَّةَ بِآلَةِ الْحَرْبِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ بِهَا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا الْتَجَأَ إلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ أَوْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ وَحَكَى الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. [فَائِدَةٌ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ] 1 (السَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ عَلَى جَوَازِ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى مَنْعِهِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَدَخَلَهُ لَمْ يُقْتَلْ فِيهِ وَيُقَامُ عَلَيْهِ مَا دُونَ الْقَتْلِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ بِأَنْ قَتَلَ فِيهِ أَوْ زَنَى فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أُبِيحَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا إنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُ سَاعَةَ الدُّخُولِ حَتَّى اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَأَذْعَنَ أَهْلُهَا وَإِنَّمَا قَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ. [فَائِدَةٌ التَّعْرِيف بِابْنِ خَطَل وَسَبَب قتله] (الثَّامِنَةُ) ابْنُ خَطَلٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ لَامٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ اسْمُهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ جَابِرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ تَيْمِ ابْنِ غَالِبٍ انْتَهَى وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ تَسْمِيَتَهُ هِلَالًا وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ وَقَدْ قِيلَ هِلَالٌ كَانَ أَخَاهُ وَكَانَ يُقَالُ لَهُمَا الْخَطَلَانِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ السِّيَرِ وَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَجَزَمَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي مُبْهَمَاتِهِ بِأَنَّ الَّذِي قَتَلَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ اشْتِرَاكًا فِي دَمِهِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ مُسْلِمًا كَانَ يَخْدُمُهُ وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسُبُّهُ وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَهَذَا الْقَتْلُ قَوَدٌ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُنَفِّذْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمَانَ وَقَتَلَهُ بِحَقِّ مَا جَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ قِيلَ فَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ» فَكَيْفَ قَتَلَهُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْتَارِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَمَانِ بَلْ اسْتَثْنَاهُ هُوَ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ وَالْقَيْنَتَيْنِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ مُعَلَّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ بَلْ قَاتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ. [فَائِدَةٌ قَتْل الذِّمِّيِّ إذَا سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا أَصْلٌ فِي قَتْلِ الذِّمِّيِّ إذَا سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ ابْنَ خَطَلٍ كَانَ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُدْخِلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمَانِهِ لِأَهْلِ مَكَّةَ بَلْ اسْتَثْنَاهُ وَقَوْمًا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمَانِ، وَخَرَجَ أَمْرُهُ بِقَتْلِهِ مَعَ الْأَمَانِ لِأَهْلِ مَكَّةَ مَخْرَجًا وَاحِدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِذَلِكَ وَرَدَتْ الْآثَارُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ. [فَائِدَةٌ قَتْلِ الْأَسِيرِ صَبْرًا] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى قَتْلِ الْأَسِيرِ صَبْرًا وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ فَالْقُدْرَةُ عَلَى ابْنِ خَطَلٍ صَيَّرَتْهُ كَالْأَسِيرِ فِي يَدِ الْإِمَامِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ أُمُورٍ مِنْهَا الْقَتْلُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد عَلَى قَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 بَابُ التَّلْبِيَةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ» لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ زِيَادَةَ ابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ   Qيُنْقَلْ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى ابْنِ خَطَلٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ «عِنْدَمَا قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ خَطَلٍ قَالَ لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا» كَذَلِكَ قَالَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ انْتَهَى وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ فِي مُبْهَمَاتِهِ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الزُّبَيْرِ قَالَ «قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ قَالَ لَا يُقْتَلُ بَعْدَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا» ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الزُّبَيْرِيُّ هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْحِلْيَةِ وَصَرَّحَ فِي نَفْسِ الْإِسْنَادِ بِأَنَّهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ بَعْدَ بَدْرٍ قَتْلُ بَعْضِ قُرَيْشٍ صَبْرًا وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُطِيعِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ: لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَأَمَّا كَوْنُهُ قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ فَغَرِيبٌ وَالْمُرَادُ الْقَتْلُ عَلَى الرِّدَّةِ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّلْبِيَةِ] [حَدِيث تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (بَابُ التَّلْبِيَةِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ «أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بَيْنَ يَدَيْك، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 حَكَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا بَعْدَ التَّلْبِيَةِ) . وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ» وَلِلْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ قَالَ «إنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَةِ» وَفِي الْعِلَلِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «لَبَّيْكَ حَجًّا حَقًّا، تَعَبُّدًا وَرِقًّا» .   Qإلَيْك وَالْعَمَلُ» . لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ زِيَادَةَ ابْنِ عُمَرَ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ وَمِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ زِيَادَةُ ابْنِ عُمَرَ وَلَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمًا عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ لَبَّيْكَ» . فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ قَالَ نَافِعٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَزِيدُ مَعَ هَذَا لَبَّيْكَ فَذَكَرَهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ التَّلْبِيَةَ الْمَرْفُوعَةَ وَفِي آخِرِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُهِلُّ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَيَقُولُ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ» . وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي اللِّبَاسِ (الثَّانِيَةُ) التَّلْبِيَةُ مَصْدَرُ لَبَّى أَيْ قَالَ لَبَّيْكَ وَهُوَ مُثَنَّى عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ هُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ وَأَلِفُهُ إنَّمَا انْقَلَبَتْ بَاءً لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَيَّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَلْبِهَا يَاءً مَعَ الْمُظْهَرِ وَهَذِهِ التَّثْنِيَةُ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً بَلْ هِيَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْ نِعْمَتَاهُ عِنْدَ مَنْ أَوَّلَ الْيَدَ بِالنِّعْمَةِ وَنِعَمُهُ تَعَالَى لَا تُحْصَى وَمَعْنَاهُ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ وَلُزُومًا لِطَاعَتِك قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ ثَنَّوْا لَبَّيْكَ كَمَا ثَنَّوْا حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَبَّيْك فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَاءَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ الثَّالِثَةِ يَاءً كَمَا قَالُوا مِنْ الظَّنِّ تَظَنَّيْتُ وَأَصْلُهُ تَظَنَّنْت وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِهَا وَمَعْنَاهَا فَقِيلَ مَعْنَاهَا اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إلَيْك، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَلُبُّ دَارَك أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهَا مَحَبَّتِي لَك مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ إذَا كَانَتْ مُحِبَّةً وَلَدَهَا عَاطِفَةً عَلَيْهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهَا إخْلَاصِي لَك مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حَسَبٌ لُبَابٌ، إذَا كَانَ خَالِصًا مَحْضًا وَمِنْ ذَلِكَ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك وَإِجَابَتِك مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ إذَا أَقَامَ فِيهِ وَلَزِمَهُ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَبِهَذَا قَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَحْمَرُ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَرْبِيِّ مَعْنَى لَبَّيْكَ قُرْبًا مِنْك وَطَاعَةً، وَالْأَلْبَابُ الْقُرَبُ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: مَعْنَاهُ أَنَا مُلَبٍّ بَيْنَ يَدَيْك أَيْ خَاضِعٌ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِقِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ لِلتَّكْثِيرِ وَلَا يَكُونُ عَامِلُهُ إلَّا مُضْمِرًا كَأَنَّهُ قَالَ أَلَبَّ إلْبَابًا بَعْدَ إلْبَابٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمَعْنَى التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ اللَّهِ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَجِّ بَيْتِهِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى طَاعَتِهِ فَالْمُحْرِمُ بِتَلْبِيَتِهِ مُسْتَجِيبٌ لِدُعَاءِ اللَّهِ إيَّاهُ فِي إيجَابِ الْحَجِّ عَلَيْهِ وَمِنْ أَجْلِ الِاسْتِجَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَبَّى لِأَنَّ مَنْ دُعِيَ فَقَالَ لَبَّيْكَ فَقَدْ اسْتَجَابَ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. قِيلَ وَهَذِهِ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] انْتَهَى وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ (مُثِيرُ الْغَرَامِ السَّاكِنِ) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَصَعِدَ الْجَبَلَ فَنَادَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابُوهُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فَكَانَ هُوَ أَوَّلَ التَّلْبِيَةِ. وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْيَمَنِ ثُمَّ الشَّامِ فَدَعَا فَأُجِيبَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ بَلَغَنِي عَنْ بَدْءِ التَّلْبِيَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَأْنِ حَجِّ الْبَيْتِ وَكَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qغَرِقَ زَمَنَ الطُّوفَانِ وَبَقِيَ أَسَاسُهُ فَأُمِرَ أَنْ يَتْبَعَ سَحَابَةً وَكَانَ كُلَّمَا نُودِيَ مِنْهَا يَا إبْرَاهِيمُ بَيْتِي بَيْتِي قَالَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ. [فَائِدَةٌ أَلْفَاظ التَّلْبِيَة وَشَرَحَهَا] 1 (الثَّالِثَةُ) فِي الْمَرْفُوعِ تَكْرِيرُ لَفْظِهِ لَبَّيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَذَا فِي الْمَوْقُوفِ إلَّا أَنَّ فِي الْمَرْفُوعِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ وَقَدْ نُقِلَ اتِّفَاقُ الْأُدَبَاءِ عَلَى أَنَّ التَّكْرِيرَ اللَّفْظِيَّ أَلَّا يُزَادَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ إنَّ الْحَمْدَ رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَفَتْحِهَا عَلَى التَّعْلِيلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ وَحَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفَتْحُ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ وَحَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ الْكَسْرُ وَهُوَ أَجْوَدُ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْفَتْحِ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ لِهَذَا السَّبَبِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَعْنَى عِنْدِي وَاحِدٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فَتَحَ الْهَمْزَةَ، أَرَادَ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْمُلْكَ لَك وَالنِّعْمَةَ وَحْدَك دُونَ غَيْرِك حَقِيقَةً لَا شَرِيكَ لَك (قُلْت) التَّقْيِيدُ لَيْسَ فِي الْحَمْدِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي التَّلْبِيَةِ فَمَعْنَى الْفَتْحِ تَلْبِيَتُهُ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ الْحَمْدَ وَمَعْنَى الْكَسْرِ تَلْبِيَتُهُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُعَلَّلٍ وَلَا مُقَيَّدٍ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ وَالنِّعْمَةُ لَك الْمَشْهُورُ فِيهِ نَصْبُ النِّعْمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ إنَّ الْحَمْدَ لَك وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَك. (السَّادِسَةُ) وَقَوْلُهُ وَالْمُلْكَ، فِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا: (أَشْهَرُهُمَا) النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ. (وَالثَّانِي) الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ وَالْمُلْكُ كَذَلِكَ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ وَسَعْدَيْكَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إعْرَابُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَمَا سَبَقَ فِي لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهُ مُسَاعِدَةً لِطَاعَتِك بَعْدَ مُسَاعِدَةٍ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْعَدْنَا سَعَادَةً بَعْدَ سَعَادَةٍ وَإِسْعَادًا بَعْدَ إسْعَادٍ وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ سُؤَالٌ مِنْ اللَّهِ السَّعْدَ وَتَأْكِيدٌ فِيهِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ لَمْ يُسْمَعْ سَعْدَيْكَ مُفْرَدًا وَهُوَ مِنْ الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْخَيْرُ بِيَدَيْك أَيْ فِي قَبْضَتِك وَمُلْكِك وَهُوَ مِنْ بَابِ إصْلَاحِ الْمُخَاطَبَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] . (التَّاسِعَةُ) الرَّغْبَاءُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فَتْحُ الرَّاءِ وَالْمَدُّ وَهُوَ أَشْهَرُهَا وَضَمُّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَهُوَ مَشْهُورٌ أَيْضًا وَفَتْحُ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَهُوَ غَرِيبٌ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَظِيرُ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْعَلْيَاءُ وَالْعُلْيَا وَالنَّعْمَاءُ وَالنُّعْمَى وَمَعْنَى اللَّفْظَةِ الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ أَيْ إنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمَسْئُولُ مِنْهُ فَبِيَدِهِ جَمِيعُ الْأُمُورِ قَالَ شِمْرٌ رُغُبُ النَّفْسِ سَعَةُ الْأَمَلِ وَطَلَبُ الْكَثِيرِ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ أَيْ إنَّ الْعَمَلَ كُلَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ وَفِيهِ حَذْفٌ يَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْرِيرَهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَيْ وَالْعَمَلُ إلَيْك أَيْ إلَيْك الْقَصْدُ بِهِ وَالِانْتِهَاءُ بِهِ إلَيْك لِتُجَازِي عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْرِيرَهُ وَالْعَمَلُ لَك [فَائِدَةٌ حُكْمِ التَّلْبِيَةِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ حُكْمِ التَّلْبِيَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَصِحَّانِ بِدُونِهَا وَلَا إثْمَ عَلَى تَارِكِهَا وَلَا دَمَ نَاسِيًا كَانَ أَوْ مُتَعَمِّدًا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصًّا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأُصُولُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ خواز بنداد عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّلْبِيَةَ إنْ فَعَلَهَا فَحَسَنٌ وَإِنْ تَرَكَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (الثَّانِي) أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا الدَّمُ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّهُمَا وَجَدَا لِلشَّافِعِيِّ نَصًّا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّلْبِيَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ حَجِّهِ رَأَيْتُ أَنْ يُهْرِقَ دَمًا قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْإِهْلَالَ لِلْإِحْرَامِ لَيْسَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْإِمَامِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ «حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَابِرٍ الْأَحْمَسِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا فِي امْرَأَةٍ حَجَّتْ مَعَهَا مُصْمَتَةً قُولِي لَهَا تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ لَا حَجَّ لِمَنْ لَا يَتَكَلَّمُ» . وَفِي الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ بِالتَّلْبِيَةِ لَا سِيَّمَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ أَنَّمَا صَمَتَتْ عَنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَخِطَابِهِمْ لَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّلْبِيَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ الذِّكْرِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهَا سُنَّةٌ وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا الدَّمُ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالسُّنَّةُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا دَمٌ. (الرَّابِعُ) أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الْإِحْرَامِ لَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ وَلَا الْحَجُّ إلَّا بِهَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ التَّلْبِيَةُ فَرْضُ الْحَجِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ الْفَرْضُ التَّلْبِيَةُ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْفَرْضُ الْإِهْلَالُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْفَرْضُ الْإِحْرَامُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ التَّلْبِيَةُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْحَجُّ إلَيْهَا مُفْتَقِرٌ. وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا مِنْ شَرْطِ الْإِحْرَامِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا كَالتَّكْبِيرِ لِلصَّلَاةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ هِيَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً. وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا. (الْخَامِسُ) وُجُوبُهَا عَلَى التَّخْيِيرِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِالنِّيَّةِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْحَجِّ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ بِمُقْتَضَى نَقْلِ ابْنِ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ فَإِنَّهُ صَدَّرَ بِهِ كَلَامَهُ ثُمَّ حَكَى مَقَالَةَ ابْنِ حَبِيبٍ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا. (السَّادِسُ) وُجُوبُهَا عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا لَكِنْ بِتَفْصِيلٍ آخَرَ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ حَتَّى تَنْضَمَّ إلَيْهِ التَّلْبِيَةُ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدُ الْبُدْنِ وَيَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَقُولُ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ إنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّكْبِيرِ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ مَا دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ وَيَرَى الْحَجَّ أَوْسَعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ لِقِيَامِ سَوْقِ الْهَدْيِ وَنَحْوِهِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. (السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إنْ كَبَّرَ وَهَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ يَنْوِي بِذَلِكَ الْإِحْرَامَ فَهُوَ مُحْرِمٌ انْتَهَى. وَفِيهِ وُجُوبُ التَّلْبِيَةِ عَلَى التَّخْيِيرِ بِتَفْصِيلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سَوْقِ الْهَدْيِ وَنَحْوِهِ. (الثَّامِنُ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا إحْرَامَ إلَّا لِمَنْ أَهَلَّ أَوْ لَبَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qانْتَهَى وَفِيهِ وُجُوبُ التَّلْبِيَةِ عَلَى التَّخْيِيرِ بِتَفْصِيلٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى إيجَابِ التَّلْبِيَةِ عَلَى التَّخْيِيرِ لَكِنْ بِتَفَاصِيلَ مُخْتَلِفَةٍ. (التَّاسِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِ تَكْرَارِهَا دَمٌ وَهُوَ أَشْهَرُ قَوْلَيْ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ [فَائِدَةٌ هَلْ تَجُوز التَّلْبِيَة لِلْحَلَالِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ تَلْبِيَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْإِحْرَامِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلَبِّيَ الْحَلَالُ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ انْتَهَى. [فَائِدَةٌ الزِّيَادَة عَلَى التَّلْبِيَة الْوَارِدَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَمْ يَقْتَصِرْ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ زَادَ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا اسْتِحْبَابٍ وَلَا كَرَاهَةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُزَادَ فِيهَا مَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَفِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ قَالَ أَشْهَبُ وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْرُوفَةِ اقْتَصَرَ عَلَى حَظٍّ وَافِرٍ وَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُ قَوْلَ أَشْهَبَ وَحَكَى الْحَنَفِيَّةُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا بَلْ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَكَرَ أَهْلَ الْعِرَاقِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَغَلِطُوا بَلْ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ وَلَا تُسْتَحَبُّ انْتَهَى. نَعَمْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَحَبَّ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْأَحَبِّ وَالْأَوْلَى وَأَنْ تَكُونَ مَكْرُوهَةً وَعِبَارَتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا بَأْسَ بِزِيَادَةِ تَعْظِيمِ اللَّهِ فِيهَا لِمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ حَافِظُ التَّلْبِيَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي تَلْبِيَتِهِ مِنْ قِبَلِهِ (لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ) انْتَهَى. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَلَا أُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ فِي مِثْلِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ مَعَ التَّلْبِيَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدِي أَنْ يُفْرِدَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّلْبِيَةِ. وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَنُصِبَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَقَالَ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ وَلَا يُضَيِّقُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ زَادَ فَحَسَنٌ انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ قَالَ وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا» . وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: كَانَتْ تَلْبِيَةُ عُمَرَ وَذَكَرَ الْمَرْفُوعَ وَزَادَ بَعْدَهُ (لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا وَمَرْغُوبًا إلَيْك لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ) وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُبْدِي ذَلِكَ وَيُعِيدُهُ وَفِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (لَبَّيْكَ غَفَّارَ الذُّنُوبِ لَبَّيْكَ) . وَفِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ بِإِسْنَادٍ مُفَصَّلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَقَدْ مَرَّ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبِيًّا تَلْبِيَتُهُمْ شَتَّى مِنْهُمْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى. وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ لَبَّيْكَ فَرَّاجَ الْكَرْبِ لَبَّيْكَ وَكَانَ مُوسَى يَقُولُ لَبَّيْكَ أَنَا عَبْدُك لَدَيْك لَبَّيْكَ قَالَ وَتَلْبِيَةُ عِيسَى أَنَا عَبْدُك وَابْنُ أَمَتِك بِنْتِ عَبْدِك لَبَّيْكَ» . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ (سَمِعَ سَعْدٌ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ، فَقَالَ إنَّهُ لَذُو الْمَعَارِجِ وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَقُولُ ذَلِكَ) . (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَرَدَ فِي تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفَاظٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (مِنْهَا) مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ» . قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ النَّسَائِيّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَّا قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ إنَّمَا الْخَيْرُ خَيْرُ الْآخِرَةِ» . قَالَ وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعِكْرِمَةَ وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِدَاوُد وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَرَوَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 بَابُ طَوَافِ الْمُتَّكِئِ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً   Qالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَبَّيْكَ حَجًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا» . وَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ اجْتِمَاعُ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُظْهِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» . فَذَكَرَهَا إلَى آخِرِهَا قَالَ حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمٌ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ فَزَادَ فِيهَا «لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَسِبْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ. [فَائِدَةٌ ختم التَّلْبِيَة بِالصَّلَاةِ عَلَى رَسُول اللَّه] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَرِيمٍ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَةٍ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» قَالَ صَالِحٌ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَالِحٌ هَذَا ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. [بَابُ طَوَافِ الْمُتَّكِئِ عَلَى غَيْرِهِ] [حَدِيث رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ] (بَابُ طَوَافِ الْمُتَّكِئِ عَلَى غَيْرِهِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْت مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ إذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْت مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ»   Qمِنْ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْت مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ إذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْت مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ هَكَذَا وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ فِي الْمَنَامِ وَفِيهِ فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ زِيَادَةٌ «كَأَشْبَهَ مَنْ رَأَيْت مِنْ النَّاسِ بِابْنِ قُطْنٍ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ» وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ كِلَاهُمَا عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهِ فِي وَصْفِ ابْنِ مَرْيَمَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ «سَبْطَ الشَّعْرِ» . وَعِنْدَ مُسْلِمٍ «سَبْطَ الرَّأْسِ» وَفِي وَصْفِ الدَّجَّالِ «أَحْمَرَ» وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فِي الدَّجَّالِ «جَسِيمٌ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ رَأَيْتُنِي بِضَمِّ التَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (أَرَانِي) وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ رُؤْيَا مَنَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَحَقٌّ (الثَّالِثَةُ) الْكَعْبَةِ مَعْرُوفَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهَا وَتَرْبِيعِهَا وَكُلُّ بَيْتٍ مُرَبَّعٌ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ كَعْبَةٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ كَعْبَةً لِاسْتِدَارَتِهَا وَعُلُوِّهَا وَمِنْهُ كَعْبُ الرَّجُلِ وَمِنْهُ كَعْبُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إذَا عَلَا وَاسْتَدَارَ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ آدَمَ أَيْ أَسْمَرَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَمْعُهُ أُدْمٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأُدْمَةُ فِي النَّاسِ السُّمْرَةُ الشَّدِيدَةُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْآدَمُ الْأَسْمَرُ إذَا عَلَاهُ شَيْءٌ مِنْ سَوَادٍ قَلِيلًا وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَفِي وَصْفِ عِيسَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ «أَحْمَرُ» . وَهَذَا يُخَالِفُ وَصْفَهُ هُنَا بِالْأُدْمَةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَنْكَرَ رِوَايَةَ أَحْمَرَ وَحَلَفَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْهُ يَعْنِي وَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي وَقَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْأَحْمَرَ عَلَى الْآدَمِ وَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْحُمْرَةِ وَالْأُدْمَةِ بَلْ مَا قَارَبَهَا انْتَهَى وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْأُدْمَةِ بِالسُّمْرَةِ هُوَ فِي بَنِي آدَمَ أَمَّا فِي الْإِبِلِ فَالْآدَمُ هُوَ الْأَبْيَضُ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ مَعَ سَوَادِ الْمُقْلَتَيْنِ. (الْخَامِسَةُ) اللِّمَّةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَجَمْعُهَا لِمَمٌ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَتُجْمَعُ عَلَى لِمَامٍ أَيْضًا أَيْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ بَيْنَ الْمِيمَيْنِ وَهِيَ الشَّعْرُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يُجَاوِزُ شَحْمَةَ الْأُذُنَيْنِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَنْكِبَيْنِ فَهُوَ جُمَّةٌ كَذَا ذَكَرَهُ وَالنَّوَوِيُّ وَقَبِلَهُ الْجَوْهَرِيُّ هُنَا وَابْنُ الْأَثِيرِ، وَعَكَسَ الْجَوْهَرِيُّ فِي مَادَّةِ وَفَرَ فَقَالَ الْوَفْرَةُ الشَّعْرَةُ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ ثُمَّ الْجُمَّةُ ثُمَّ اللِّمَّةُ وَهِيَ الَّتِي أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اللِّمَّةُ الْجَمَّةُ وَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ الْوَفْرَةِ السَّادِسَةُ قَوْلُهُ رَجَّلَهَا بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ سَرَّحَهَا بِمُشْطٍ مَعَ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْمُشْطِ يُقَالُ شَعْرٌ مُرَجَّلٌ إذَا مُشِّطَ وَشَعْرٌ رَجِلٌ إذَا كَانَ فِي خِلْقَتِهِ وَتَكْسِيرِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْمَمْشُوطِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَعْنِي مَشَطَهَا بَعْدَ أَنْ بَلَّهَا السَّابِعَةُ قَوْلُهُ فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ تَقْطُرُ بِالْمَاءِ الَّذِي رَجَّلَهَا بِهِ لِقُرْبِ تَرْجِيلِهِ وَإِلَى هَذَا نَحَا الْقَاضِي الْبَاجِيَّ وَقَالَ لَعَلَّهُ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ بِطَوَافِ الْوُرُودِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ نَضَارَتِهِ وَحُسْنِهِ وَاسْتِعَارَةً لِجَمَالِهِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ الْعَجِيبَةِ وَالْكَلَامِ الْبَدِيعِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ (قُلْت) وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «فِي وَصْفِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ كَانَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ» . (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ شَكًّا مِنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّكِئًا عَلَى عَوَاتِقِهِمَا فَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِمَا فَلَا يَصِحُّ تَرْدِيدُ الْمُتَكَلِّمِ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا النَّاقِلُ فَقَدْ يَشُكُّ فِي اللَّفْظِ فَيَتَحَرَّى وَلَوْ رُوِيَ بِالْمَعْنَى لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ. (التَّاسِعَةُ) الْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَقَالَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ الْمَنْكِبُ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنْ الْمَنْكِبِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إلَى أَصْلِ الْعُنُقِ هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ التَّأْنِيثُ أَنْكَرُ لَيْسَ يَثْبُتُ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مَصْنُوعٌ وَهُوَ لَا صُلْحَ بَيْنِي فَاعْلَمُوهُ وَلَا ... بَيْنَكُمْ مَا حَمَلَتْ عَاتِقِي قَالَ اللِّحْيَانِيُّ هُوَ مُذَكَّرٌ لَا غَيْرَ. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَمَّا طَوَافُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْبَيْتِ فَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا عَيْنٍ فَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيٌّ لَمْ يَمُتْ قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي فَلَا امْتِنَاعَ فِي طَوَافِهِ حَقِيقَةً قَالَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا مَنَامٍ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ فَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ذُكِرَ مِنْ طَوَافِ الدَّجَّالِ بِالْبَيْتِ وَأَنَّ ذَلِكَ رُؤْيَا إذْ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ لَمْ يَذْكُرْ طَوَافَ الدَّجَّالِ وَهُوَ أَثْبَتُ مِمَّنْ رَوَى طَوَافَهُ لِمَا قُلْنَا (قُلْت) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ طَافَ أَمْ لَا فَفِيهِ أَنَّهُ رَآهُ بِمَكَّةَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَظَاهِرُهُ الْمُنَافَاةُ لِنَفْيِ دُخُولِهِ مَكَّةَ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ. فَلَا تَتَوَقَّفُ الْمُنَافَاةُ عَلَى طَوَافِهِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يُقَالُ إنَّ تَحْرِيمَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي زَمَنِ فِتْنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَوَازِ طَوَافِ الْمُتَّكِئِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَوَافِ الْمَحْمُولِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُجِيزُ الطَّوَافَ عَلَى الدَّابَّةِ وَلِلْمَحْمُولِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِمَا ذُكِرَ مِنْ طَوَافِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَنَاكِبِ رَجُلَيْنِ وَمَالِكٌ لَا يُجِيزُهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَيُجَابُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ عِيسَى بِأَنَّهَا مَنَامٌ كَمَا رُوِيَ أَوْ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَنَامِ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَاجِبِ أَوْ لَعَلَّهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا غَيْرُ لَازِمٍ لَنَا (قُلْت) وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ طَوَافِ الْمُتَّكِئِ صِحَّةُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِي وَالْأَوَّلُ لَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهُوَ مَوْضِعَ خِلَافٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي صَلَاةِ الْمُتَّكِئِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْمُسْتَنِدِ إلَى شَيْءٍ أَنَّهُ إنَّ سُلِبَ اسْمُ الْقِيَامِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ رَفَعَ قَدَمَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ لَأَمْكَنَهُ الْبَقَاءُ فَهُوَ مُعَلِّقٌ نَفْسَهُ وَلَيْسَ بِقَائِمٍ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ السِّنَادَ لَسَقَطَ. (وَالثَّانِي) عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا. وَ (الثَّالِثُ) التَّفْصِيلُ فَيَصِحُّ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ السِّنَادَ لَمْ يَسْقُطْ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُتَّجَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِيَامُ حَتَّى لَوْ طَافَ زَخْفًا صَحَّ مَعَ الْقُدْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَكِنْ قَالَ إنَّهُ مَكْرُوهٌ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ وَاللَّيْثُ إلَى أَنَّ أَصْلَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مُشِيحًا فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَغَيَّرَتْ لَفْظَهُ كَمَا قَالُوا مُوسَى وَأَصْلُهُ مُوَشَّى أَوْ مِيسَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَلَمَّا عَرَّبُوهُ غَيَّرُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا اشْتِقَاقَ لَهُ قَالَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ مُشْتَقٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَمْسَحْ ذَا عَاهَةٍ إلَّا بَرَأَ قَالَ إبْرَاهِيمُ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَسِيحُ الصِّدِّيقُ وَقِيلَ لِكَوْنِهِ مَسِيحَ أَسْفَلِ الْقَدَمَيْنِ لَا أَخْمَصَ لَهُ وَقِيلَ لِمَسْحِ زَكَرِيَّا إيَّاهُ وَقِيلَ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ أَيْ قَطْعِهَا. وَقِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبَرَكَةِ حِينَ وُلِدَ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَحَهُ أَيْ خَلَقَهُ خَلْقًا حَسَنًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ جَعْدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُهُ قَطَطٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ الْأُولَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ كَسْرَهَا أَيْضًا وَالشَّعْرُ الْجَعْدُ هُوَ الَّذِي فِيهِ تَقَبُّضٌ وَالْتِوَاءٌ ضِدُّ الْبَسْطِ وَهُوَ الْمُسْتَرْسِلُ وَالْقَطَطُ هُوَ شَدِيدُ الْجُعُودَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْحَسَنُ الْجُعُودَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَالْجَعْدُ فِي صِفَاتِ الرِّجَالِ يَكُونُ مَدْحًا وَيَكُونُ ذَمًّا فَإِذَا كَانَ ذَمًّا فَلَهُ مَعْنَيَانِ: (أَحَدُهُمَا) الْقَصِيرُ الْمُتَرَدِّدُ الْحَلْقِ. (وَالْآخَرُ) الْبَخِيلُ يُقَالُ رَجُلٌ جَعْدُ الْيَدَيْنِ وَجَعْدُ الْأَصَابِعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْ بَخِيلٌ وَإِذَا كَانَ مَدْحًا فَلَهُ أَيْضًا مَعْنَيَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ سَدِيدَ الْحَلْقِ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ جَعْدًا غَيْرَ سَبْطٍ فَيَكُونُ مَدْحًا لِأَنَّ السُّبُوطَةَ أَكْثَرُهَا فِي شُعُورِ الْعَجَمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ غَيْرُ الْهَرَوِيِّ الْجَعْدُ فِي صِفَةِ الرِّجَالِ ذَمٌّ وَفِي صِفَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَدْحٌ (قُلْت) تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَصَفَ عِيسَى بِالسُّبُوطَةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ» فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ وُصِفَ بِالْجُعُودَةِ. {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ «كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» رُوِيَ بِالْهَمْزِ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ فَمَنْ هَمَزَ فَمَعْنَاهُ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ فَمَعْنَاهُ نَاتِئَةٌ بَارِزَةٌ ثُمَّ إنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى وَقَدْ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا مُسْلِمٌ فِي آخِرِ صَحِيحِهِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَيْنَا هَذَا الْحَرْفَ وَهُوَ طَافِيَةٌ عَنْ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَكْثَرُهُمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَخْفَشُ وَمَعْنَاهُ نَاتِئَةٌ كَنُتُوءِ حَبَّةِ الْعِنَبِ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِهَا وَضَبَطَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِالْهَمْزَةِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ وَقَدْ وُصِفَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ حَجَرًا وَلَا نَاتِئَةً وَأَنَّهَا مَطْمُوسَةٌ وَهَذِهِ صِفَةُ حَبَّةِ الْعِنَبِ إذَا سَالَ مَاؤُهَا وَهَذَا يُصَحِّحُ رِوَايَةَ الْهَمْزِ. وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ جَاحِظُ الْعَيْنِ وَكَأَنَّهَا كَوْكَبٌ وَفِي رِوَايَةٍ «لَهَا حَدَقَةٌ جَاحِظَةٌ كَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ فِي حَائِطٍ» فَيُصَحِّحُ رِوَايَةَ تَرْكِ الْهَمْزِ لَكِنْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتُصَحَّحُ الرِّوَايَاتُ جَمِيعًا بِأَنْ تَكُونَ الْمَطْمُوسَةَ وَالْمَمْسُوحَةَ وَاَلَّتِي لَيْسَتْ حَجَرًا وَلَا نَاتِئَةً هِيَ الْعَوْرَاءُ الطَّائِفَةُ بِالْهَمْزِ وَهِيَ الْعَيْنُ الْيُمْنَى كَمَا جَاءَ هُنَا وَتَكُونُ الْجَاحِظَةُ وَاَلَّتِي كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ وَكَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ هِيَ الطَّافِيَةُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهِيَ الْعَيْنُ الْيُسْرَى كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَالرِّوَايَاتِ فِي الطَّافِئَةِ بِالْهَمْزِ وَبِتَرْكِهِ وَأَعْوَرُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَوْرَاءُ فَإِنَّ الْأَعْوَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْمَعِيبُ لَا سِيَّمَا مَا يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ وَكِلَا عَيْنَيْ الدَّجَّالِ مَعِيبَةٌ عَوْرَاءُ فَإِحْدَاهُمَا بِذَهَابِهَا، وَالْأُخْرَى بِعَيْبِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي. وَحَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الْحُسْنِ وَذَكَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ « {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ، قَالَتْ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطُوفَ بِهِمَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] » ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ «عَنْ عُرْوَةَ سَأَلْت عَائِشَةَ فَقُلْت لَهَا:   Qابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ حَدِيثَ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى أَثْبَتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فَأَشَارَ إلَى التَّرْجِيحِ وَالْجَمْعِ إنْ أَمْكَنَ مُقَدَّمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} الْمَشْهُورُ فِي لَفْظِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَالْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا أَنَّ هَذَا مَسِيحُ الْهُدَى وَذَاكَ مَسِيحُ الضَّلَالَةِ وَضَبْطُ الدَّجَّالِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أُخْرَى (أَحَدُهَا) كَسْرُ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا. وَ (الثَّانِي) فَتْحُ الْمِيمِ وَتَخْفِيفُ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَ (الثَّالِثُ) كَسْرُ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الدُّعَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ [بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ] [حَدِيث عَائِشَةَ أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ] {بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ} عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالَتْ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ فَهَلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَوَاَللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَتْ بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أُخْتِي إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتُهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطُوفَ بِهِمَا وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ   Qعَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطُوفَ بِهِمَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] » . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ فَقَالَ وَقَالَ مَعْمَرٌ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ «قَالَ عُرْوَةُ سَأَلْت عَائِشَةَ فَقُلْت لَهَا أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَوَاَللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتهَا عَلَيْهِ لَكَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الْآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» . اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ. وَمِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَلَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُقَيْلٍ بِنَحْوِ لَفْظِ شُعَيْبٍ وَلَفْظُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا هُمْ وَغَسَّانُ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ فَتَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي آبَائِهِمْ مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ حِينَ أَسْلَمُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الْآيَةَ» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. {الثَّانِيَةُ} الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جَبَلَا السَّعْيِ اللَّذَانِ يُسْعَى مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَالصَّفَا فِي الْأَصْلِ جَمْعُ صَفَاةٍ وَهِيَ الصَّخْرَةُ وَالْحَجَرُ الْأَمْلَسُ وَالْمَرْوَةُ فِي الْأَصْلِ حَجَرٌ أَبْيَضُ بَرَّاقٌ وَقِيلَ هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي تُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ {الثَّالِثَةُ} قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الشَّعَائِرُ الْمَعَالِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهَا وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ شَعَائِرُ الْحَجِّ آثَارُهُ وَعَلَامَاتُهُ جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِهِ كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الشَّعَائِرُ أَعْمَالُ الْحَجِّ وَكُلُّ مَا جُعِلَ عَلَمًا لِطَاعَةِ اللَّهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْوَاحِدُ شَعِيرَةٌ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ شَعَارَةٌ وَالْمَشَاعِرُ مَوَاضِعُ الْمَنَاسِكِ. {الرَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ فَاعِلِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لِمَا قِيلَ فِيهِ مِثْلُ هَذَا وَرَدَّتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَوْ كَانَ لَفْظُهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ عَنْ تَارِكِهِ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ بَلْ هِيَ سَاكِتَةٌ عَنْ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ وَيُسْتَفَادُ الْوُجُوبُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِنَفْيِ الْإِثْمِ الْمُطَابَقَةُ لِجَوَابِ سُؤَالِ الْأَنْصَارِ عَنْ ذَلِكَ هَلْ فِيهِ إثْمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَأُجِيبُوا بِأَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ: قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ دَقِيقِ عِلْمِهَا وَفَهْمِهَا الثَّاقِبِ، وَكَبِيرِ مَعْرِفَتِهَا بِدَقَائِقِ الْأَلْفَاظِ،. قَالَ وَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ وَاجِبًا وَيَعْتَقِدُ إنْسَانٌ إنَّهُ يَمْتَنِعُ إيقَاعُهُ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْك إنْ صَلَّيْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيَكُونُ جَوَابًا صَحِيحًا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ انْتَهَى. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى الْوُجُوبِ بِأُمُورٍ: (أَحَدُهَا) مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ أَخْبَرَتْنِي ابْنَةُ أَبِي تَجْرَاةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُنَّ سَمِعْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» . وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَقَالَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِيهِ اضْطِرَابٌ ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ فَعَدَّ ذَلِكَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا وَقَالَ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّوَوِيُّ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ طَرِيقَيْنِ فَإِنَّ فِي الْأَوَّلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُؤَمَّلِ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي فَلِذَلِكَ ضَعُفَ الْأَوَّلُ وَحَسُنَ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ وَجَبَ فَرْضُ السَّعْيِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا أَعْلَمُ دَلَالَةً تُوجِبُهُ. وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي حَدِيثِهِ اهـ وَقَدْ أَشَارَ الْإِسْنَوِيُّ فِي بَقِيَّةِ كَلَامِهِ لِذَلِكَ فَقَالَ وَحَسَّنَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَادِيثِ الْمُهَذَّبِ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ انْتَهَى وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي جَعْلِهِمَا طَرِيقَيْنِ وَتَضْعِيفِ الْأَوَّلِ وَتَحْسِينِ الثَّانِي نَظَرٌ فَهُوَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مَدَارُهُ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَقَدْ سَلَكَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا لَكِنَّهُ قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ اضْطَرَبَ فِيهِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ وَجَوَّدُوا إسْنَادَهُ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ الْمُؤَمَّلِ غَيْرُهُ وَابْنُ الْمُؤَمَّلِ لَمْ يَطْعَنْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَيَتَبَيَّنُ فِيهِ سُوءُ حِفْظِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى إيجَابِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا السَّعْيَ بَيْنَهُمَا أَوْ السَّعْيَ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا وَجَبَ السَّعْيُ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ بَعْضُ الْعَمَلِ وَجَبَ فِي كُلِّهِ انْتَهَى. (الثَّانِي) اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَقَوْلِهَا فِيهِ ثُمَّ «قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا» وَبِقَوْلِهَا فِيهِ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «وَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . (الثَّالِثُ) اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا «بِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْعَى بَيْنَهُمَا فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَقَالَ خُذُوا عَنَى مَنَاسِكَكُمْ» . (الرَّابِعُ) وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ: فَقَالَ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] » . وَقَالَ عَمْرٌو (سَأَلْنَا جَابِرًا فَقَالَ لَا يُقَرُّ بِهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) . (الْخَامِسُ) اسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: حَجَجْتَ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ بِمَ أَهْلَلْتَ، فَقُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ قَدْ أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ» . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بِهَذَا صَارَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَرْضًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا أُنْسِيَ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ حَاجٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ وَلَا يُجْزِيهِ إلَّا الطَّوَافُ بَيْنَهُمَا وَحَكَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ. (الثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالدَّمِ وَيَصِحُّ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بِدُونِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عَنْهُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ إنْ نَسِيَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ دَمٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ (لَا جُنَاحَ) يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْفِي الرُّكْنِيَّةَ وَالْإِيجَابَ إلَّا أَنَّا عَدَلْنَا عَنْهُ فِي الْإِيجَابِ وَلِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ. ثُمَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ كُتِبَ اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قَالَ أَوَّلًا بِالْوُجُوبِ فَكَيْفَ قَالَ آخِرًا بِالِاسْتِحْبَابِ؟ (قُلْت) لَمْ يَقُلْ آخِرًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَهِيَ كُتِبَ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا ثُمَّ هُوَ مُنَازَعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَلْ هِيَ عَلَى بَابِهَا مِنْ الْوُجُوبِ وَكَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي التَّفْسِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ شَاءَ سَعَى وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَسْعَ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى مَنْ لَمْ يَسْعَ شَيْئًا، قِيلَ لَهُ قَدْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ يُفْتِي فِي الْعَلَانِيَةِ بِدَمٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ سِيرِينَ يَقُولُونَ هُوَ تَطَوُّعٌ، وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا) ثُمَّ قَالَ هَذَا قَوْلٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا إدْخَالٌ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّهُ قَالَ فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] فَلَمَّا نَزَلَتْ طَافُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنْ صَحَّتْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ صَارَ إلَى الْوُجُوبِ. (الرَّابِعُ) أَنَّ عَلَى مَنْ تَرَكَ السَّعْيَ أَنْ يَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُ الْمُنْذِرِ. (الْخَامِسُ) أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ تَرَكَ دُونَهَا لَزِمَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ قَوْلًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ غَلَطٌ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَى هَذَا عَنْ طَاوُسٍ وَإِنَّمَا رَأَيْته حَكَى عَنْ طَاوُسٍ الْقَوْلَ الَّذِي قَبْلَهُ وَحَكَى هَذَا عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ النَّوَوِيِّ هُنَا شَيْءٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاخْتُلِفَ عَنْ عَطَاءٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يُطْعِمُ مَسَاكِينَ أَوْ يَذْبَحُ شَاةً يُطْعِمُهَا الْمَسَاكِينَ انْتَهَى وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ عَنْ عَطَاءٍ قَوْلٌ سَادِسٌ وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَكَى إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْحَجِّ فَقَطْ وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَعَرُّضًا لِذَلِكَ وَيُخَالِفُهُ صَرِيحًا كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْعُمْرَةِ وَحَكَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَى الْخِلَافَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. {الْخَامِسَةُ} مَنَاةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنُّونِ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ «لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ» وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا وَآخِرُهُ لَامٌ أَيْضًا وَهُوَ صَنَمٌ كَانَ نَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ بِجِهَةِ الْبَحْرِ بِالْمُشَلَّلِ مِمَّا يَلِي قَدِيدًا وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ مَنَاةُ صَخْرَةٌ لِهُذَيْلٍ بِقَدِيدٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُمَا إسَافُ وَنَائِلَةُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ وَإِسَافُ وَنَائِلَةُ لَمْ يَكُونَا قَطُّ فِي نَاحِيَةِ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا كَانَا فِيمَا يُقَالُ رَجُلًا وَامْرَأَةً قِيلَ كَانَا مِنْ خَيْرِهِمْ فَزَنَيَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَيْنِ فَنُصِبَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقِيلَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِتَعْتَبِرَ النَّاسُ بِهِمَا وَيَتَّعِظُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثُمَّ حَوَّلَهُمَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا مُلَاصِقَ الْكَعْبَةِ وَالْآخَرَ بِزَمْزَمَ وَقِيلَ جَعَلَهُمَا بِزَمْزَمَ وَنَحَرَ عِنْدَهُمَا وَأَمَرَ بِعِبَادَتِهِمَا «فَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ كَسَرَهُمَا» . {السَّادِسَةُ} فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأَنْصَارَ إنَّمَا تَوَقَّفُوا فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ فَخَشُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الشَّرْعُ وَيُخَالِفُهُ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُهَلِّينَ لِمَنَاةَ لَمْ يَكُونُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَاسْتَمَرُّوا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَصْرَحِهَا فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّ لَفْظَهَا «وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ سَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» . وَرِوَايَةُ يُونُسَ فَإِنَّ لَفْظَهَا «إنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا هُمْ وَغَسَّانُ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ فَتَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي آبَائِهِمْ مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . وَالرِّوَايَاتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْهُ وَافَقَ رِوَايَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَفْظُهَا «إنَّمَا كَانَ ذَاكَ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُمَا إسَافُ وَنَائِلَةُ ثُمَّ يَجِيئُونَ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحْلِقُونَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . وَرِوَايَةُ أَبِي أُسَامَةَ تُخَالِفُهَا وَلَفْظُهَا «إنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا إذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» . وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ لَفْظُ رِوَايَةِ مَالِكٍ فَهِيَ كَرِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ الَّتِي سُقْتُهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَهَذَا تَنَافٍ يَبْعُدُ الْجَمْعُ مَعَهُ وَلَعَلَّ الرِّوَايَاتِ بِتَرْكِهِمْ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَرْجَحُ وَلَعَلَّهُمْ فَرِيقَانِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَطُوفُ بَيْنَهُمَا وَبَعْضُهُمْ لَا يَفْعَلُهُ فَخَرَجَ الْفَرِيقَانِ مِنْ ذَلِكَ الطَّائِفُونَ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَالتَّارِكُونَ تَمَسُّكًا بِعَادَتِهِمْ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ إنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ؛ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَكْرَارُ التَّرَحُّمِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ «وَالْمُقَصِّرِينَ»   Qأَنَّ النَّاسَ إلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْمَعْ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَرِيبٌ مِنْهُ [بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ] [حَدِيث اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ] {بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ظَاهَرْتَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً؟ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ» .   Qالْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِيهِ فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ «حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْهُ تَعْلِيقًا {الثَّانِيَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا عَنْ مَالِكٍ وَكَذَا رَوَاهُ سَائِرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ تَقْصِيرٌ وَحَذْفٌ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ دُعَاءَهُ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً إنَّمَا جَرَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنْ الْبَيْتِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ وَقَالَ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ خِلَافَ مَا قَالُوهُ فَذَكَرَ مَنْ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّهَا «سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً» . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ مَعَهُمْ هَدْيٌ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ فَلَمَّا أَمَرَ مَنْ لَيْسَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحِلَّ وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَحَبُّوا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْمُقَامِ عَلَى إحْرَامِهِمْ حَتَّى يُكْمِلُوا الْحَجَّ وَكَانَتْ طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الْإِحْلَالِ كَانَ الْقَصْرُ فِي نُفُوسِهِمْ أَخَفَّ مِنْ الْحَلْقِ فَمَالُوا إلَى الْقَصْرِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ أَخَّرَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ مَنْ حَلَقَ وَبَادَرَ إلَى الطَّاعَةِ وَقَصَّرَ بِمَنْ تَهَيَّبَهُ وَحَادَ عَنْهُ ثُمَّ جَمَعَهُمْ فِي الدَّعْوَةِ وَعَمَّهُمْ بِالرَّحْمَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَعَلَّهُ وَقَعَ فِيهِمَا مَعًا وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَقَدْ كَانَ فِي كِلَا الْوَقْتَيْنِ تَوَقُّفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلْقِ أَمَّا الْحُدَيْبِيَةُ فَلِأَنَّهُ عَظُمَ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِ مَقْصُودِهِمْ مِنْ الدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ وَكَمَالِ نُسُكِهِمْ وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَلِأَنَّهُ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَمَنْ قَصَّرَ شَعْرَهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْحَلْقِ إذْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ وَكَرَّرَ الدُّعَاءَ، لِلْمُحَلِّقِينَ لِأَنَّهُمْ بَادَرُوا إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَأَتَمُّوا فِعْلَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْحَلْقِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا (قُلْت) رَوَى ذَلِكَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ظَاهَرْت لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَاحِدَةً؟ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا» . وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «حَلَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إلَّا رَجُلَيْنِ قَصَّرَا وَلَمْ يَحْلِقَا» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَبُو قَتَادَةَ {الثَّالِثَةُ} التَّحْلِيقُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ وَالْمُرَادُ حَلْقَهُ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَالتَّقْصِيرُ الْأَخْذُ مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْرِ بِدُونِ اسْتِئْصَالٍ. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ الِاكْتِفَاءٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْحَلْقِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَالتَّقْصِيرُ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ الْحَلْقُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَى عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَلَا يُجْزِئُهُ لِلتَّقْصِيرِ، فَقَالَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُجْزِئُ إلَّا شَيْءٌ ذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الْحَلْقَ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ يَحُجُّهَا الْإِنْسَانُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا إنْ صَحَّ عَنْهُ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ (قُلْتُ) رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ إنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالَ إذَا حَجَّ الرَّجُلُ أَوَّلَ حُجَّةٍ، حَلَقَ وَإِنْ حَجَّ مَرَّةً أُخْرَى إنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ وَإِذَا اعْتَمَرَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَحُجَّ قَطُّ فَإِنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَصَّرَ ثُمَّ حَلَقَ ثُمَّ رَوَى عَنْهُ أَيْضًا كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْلِقُوا فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَأَوَّلِ عُمْرَةٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمَا اسْتِحْبَابٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَفْضِيلِ الْحَلْقِ الْمُعْتَمِرُ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّقْصِيرُ لِيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ. {الْخَامِسَةُ} الْمَعْنَى فِي تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ بِالنَّظَرِ إلَى سَبَبِهِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ إمَّا فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَدْ سَبَقَ، وَإِمَّا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا السَّبَبِ فَكَوْنُهُ أَبْلَغَ فِي الْعِبَادَةِ وَأَدَلَّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ فِي التَّذَلُّلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُقَصِّرَ مُبْقٍ عَلَى نَفْسِهِ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ وَالْحَاجُّ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ الزِّينَةِ بَلْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَعْنَى الْآخَرِ نَظَرٌ: فَإِنَّ الْحَلْقَ إنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ النُّسُكِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَقَدْ انْقَضَى زَمَنُ الشُّعْثِ وَحَلَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، فَإِذَا طَافَ حَلَّ جَمِيعُ الْمُحَرَّمَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِتَرْجِيحِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ عَلَى أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ وَنُسُكَانِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَيْسَا مُجَرَّدَ اسْتِبَاحَةِ مَحْظُورٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ لَا تَفْضِيلَ لِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ أَحَدٌ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَلَكِنْ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا (قُلْت) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ حَكَاهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ. [فَائِدَةٌ الْحَلْق فِي الْحَجّ هَلْ هُوَ رُكْن أَوْ وَاجِب] 1 {السَّابِعَةُ} الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ نُسُكٌ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِفِعْلِهِ وَلَا يُجْبَرُ بِدَمٍ أَوْ وَاجِبٌ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ وَذَهَبَ الدَّارَكِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ وَاجِبٌ فِي الْحَجِّ وَاسْتَدَلَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَا تَقُومُ الْفِدْيَةُ مَقَامَهُ حَتَّى لَوْ عَرَضَ فِي الرَّأْسِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْحَلْقَ وَجَبَ الصَّبْرُ إلَى إمْكَانِهِ وَلَا يَفْدِي. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنْ تَرَكَ الْحِلَاقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ حَلَقَ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الدَّمَ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْحَلْقِ بَلْ يُقَامُ مَكَانَهُ وَأَصْحَابُنَا لَا يُوجِبُونَ فِي ذَلِكَ دَمًا وَلَا يَجْعَلُونَ لِلْحَلْقِ مَكَانًا وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لَزِمَهُ دَمٌ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَالْجُمْهُورُ وَدَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ قَاصِرَةٌ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ وَالْوُجُوبِ. {الثَّامِنَةُ} قَدْ يُفْهَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْحَلْقِ بِلَفْظِ الْمُبَالَغَةِ تَرْجِيحُ حَلْقِ جَمِيعِهِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَقَلَّ الْمُجْزِئِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَلِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَكْفِي شَعْرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ الْمُجَزِّئِ رُبْعُ الرَّأْسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ نِصْفُ الرَّأْسِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ، وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ كُلُّ الرَّأْسِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنْ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وُجُوبُ الْكُلِّ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَتِمُّ هَذَا النُّسُكُ بِدُونِ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي عَدِّ الْوَاجِبَاتِ حَلْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ كُلِّهِ أَوْ تَقْصِيرُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ يُجْزِئُ بَعْضُهُ كَالْمَسْحِ {التَّاسِعَةُ} التَّقْصِيرُ كَالْحَلْقِ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِ الرَّأْسِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْوَاجِبُ تَقْصِيرُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنْقِصَ فِي التَّقْصِيرِ عَنْ قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ مِنْ أَطْرَافِ الشَّعْرِ فَإِنْ قَصَّرَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qدُونَهَا جَازَ لِحُصُولِ اسْمِ التَّقْصِيرِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ رَأْسِهِ النِّصْفَ فَإِنْ قَصَّرَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ يُجْزِئُهُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ يُفْتَقَرُ فِي التَّقْصِيرِ إلَى الْأَخْذِ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ كَمَا يَأْخُذُ فِي الْحِلَاقِ جَمِيعَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ وَلَكِنْ يَجُزُّ ذَلِكَ جَزًّا فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ وَأَخَذَ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَيُجْزِئُهُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْصِيرِ جَمِيعِ شَعْرِ الرَّأْسِ. [فَائِدَةٌ النِّسَاءُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِنَّ التَّقْصِيرُ فِي الْحَجّ] 1 {الْعَاشِرَةُ} هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ وَتَرْجِيحِ الْحَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، فَأَمَّا النِّسَاءٌ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِنَّ التَّقْصِيرُ بِالْإِجْمَاعِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» . وَقَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ حَلَقَتْ الْمَرْأَةُ أَجْزَأَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَكُونُ مُسِيئَةً وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لَهَا الْحَلْقُ وَقَالَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ لَا يَجُوزُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلْكَرَاهَةِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِضَعْفِهِ وَلَكِنْ يُسْتَدَلُّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي نَهْيِ النِّسَاءِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ هَذَا كَلَامُ النَّوَوِيِّ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْفُتُوحِ بْنُ أَبِي عُقَامَةَ أَنَّهُ قَالَ وَظِيفَةُ الْخُنْثَى التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ كَالْمَرْأَةِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ يُتَّجَهُ تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً حُرَّةً خَلِيَّةً عَنْ الْأَزْوَاجِ فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تَنْتَهِ إلَى سِنٍّ يُتْرَكُ فِيهِ شَعْرُهَا. فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنْ مَنَعَهَا السَّيِّدُ مِنْ الْحَلْقِ حَرُمَ بِلَا نِزَاعٍ وَتَعْدِلُ إلَى التَّقْصِيرِ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِلْكُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا أَوْ بَيْعَهَا وَالْحَلْقُ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ وَلَمْ يَأْذَنْ، فَالْمُتَّجَهُ التَّحْرِيمُ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ الْمُتَّجَهُ فِيمَا إذَا قَصَّرَتْ، امْتِنَاعُ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ إلَّا بِإِذْنٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً إلَّا أَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ جَازَ لَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقْصِيرُ الْجَمِيعِ وَإِنْ مَنَعَ الزَّوْجُ، لِأَنَّ لَهَا غَرَضًا فِي حُصُولِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ وَأَمَّا الْحَلْقُ فَيَحْتَمِلُ الْجَزْمُ بِامْتِنَاعِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَشْوِيهًا وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي إجْبَارِهَا عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ كَإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَنَحْوِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَيْهِ وَفِي التَّحْرِيمِ عَلَيْهَا عِنْدَ مَنْعِ الْوَالِدِ نَظَرٌ،. وَالْأَوْجَهُ إثْبَاتُهُ، وَحُكْمُ التَّقْصِيرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأُنْمُلَةِ كَحُكْمِ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ فَلَوْ جَوَّزْنَا زِيَادَةً عَلَيْهِ لَكَانَ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّشْوِيهِ انْتَهَى؛ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إذَا قَصَّرَتْ تَأْخُذُ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ أَوْ فَوْقَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ دُونَهُ بِقَلِيلٍ وَلَيْسَتْ كَالرَّجُلِ فِي أَنَّهُ يَجُزُّهُ جَزًّا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَأْخُذُ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعٍ مَقْبُوضَةً وَعَنْ النَّخَعِيّ قَدْرَ مِفْصَلَيْنِ وَعَنْ قَتَادَةَ تُقَصِّرُ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ، وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ فِي الْعَجُوزِ نَحْوَ الرُّبْعِ وَفِي الشَّابَّةِ أَشَارَتْ بِأُنْمُلَتِهَا تَأْخُذُ وَتُقَلِّلُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ تَأْخُذُ ثُلُثَهُ. [فَائِدَةٌ مَحَلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْحَلْق والتقصير فِي الْحَجّ] {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا إذَا لَمْ يُلَبِّدْ شَعْرَ رَأْسِهِ فَإِنْ لَبَّدَهُ أَيْ سَكَّنَهُ بِمَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاشَ كَالصَّمْغِ وَنَحْوِهِ تَعَيَّنَ عِنْدَهُمْ الْحَلْقُ وَلَمْ يَجُزْ التَّقْصِيرُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقُ وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى مِنْ ذَلِكَ، إنْ نَوَى الْحَلْقَ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى بَقَاءِ التَّخْيِيرِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُلَبِّدِ وَغَيْرِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَتَمَسَّكَ الْأَوَّلُونَ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ فَلْيَحْلِقْ» . وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّلْبِيدَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا مَنْ يُرِيدُ الْحَلْقَ يَوْمَ النَّحْرِ لِلنُّسُكِ: فَيُنَزَّلُ هَذَا مَنْزِلَةَ نَذْرِ الْحَلْقِ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ سَبَبَ ذَلِكَ تَعَذُّرَ التَّقْصِيرِ وَقَالُوا لَا يُمْكِنُ التَّقْصِيرُ مَعَ التَّلْبِيدِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَقُومُ التَّقْصِيرُ مَقَامَ الْحَلْقِ حَيْثُ يَتَمَكَّنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَجْزٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ كَمَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ شَعْرُهُ لَطِيفٌ لَا يُمْكِنُ تَقْصِيرُهُ أَوْ لَبَّدَ شَعْرَهُ مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَ الصَّمْغَ فِي الْغَسُولِ ثُمَّ يُلَطِّخُ بِهِ رَأْسَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ عَقَصَهُ أَوْ ضَفَّرَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَلْقِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ انْتَهَى. وَفِي ذِكْرِهِ مَعَ ذَلِكَ مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّهِ حَلْقٌ وَلَا تَقْصِيرٌ وَمَسْأَلَةُ الْعَقْصِ وَالضَّفْرِ شَكْلٌ مِنْ التَّلْبِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَ ذَلِكَ التَّقْصِيرُ بِلَا شَكٍّ بَلْ وَلَا يَتَعَذَّرُ مَعَ التَّلْبِيدِ وَالْعِيَانُ يَدْفَعُهُ، وَهَذَا خِلَافٌ فِي شَهَادَةٍ وَالْمُدْرَكُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَشَارَ الْخَطَّابِيُّ إلَى الِاسْتِدْلَالِ لِتَعَيُّنِ الْحَلْقِ فِي صُورَةِ التَّلْبِيدِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلْته عَنْهُ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ: وَفِي قَوْلِهِ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ» . وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ فِيمَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ الْحِلَاقِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ التَّقْصِيرُ فِيمَنْ لَمْ يُلَبِّدْ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ لَبَّدَ رَأْسَهُ» . وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّقْصِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا بِدُعَائِهِ لِلْمُقَصِّرِينَ وَهُوَ خِلَافُ مُدَّعَاهُ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا إذَا لَمْ يَنْذِرْ الْحَلْقَ فَإِنْ نَذَرَهُ تَعَيَّنَ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ وَهَذَا التَّعْيِينُ لَيْسَ بِأَصْلِ النُّسُكِ بَلْ لِعَارِضِ النَّذْرِ. [فَائِدَةٌ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ لِلْمُحْرِمِ] 1 {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَالَ أَصْحَابُنَا: الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ إزَالَةُ الشَّعْرِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ النَّتْفُ وَالْإِحْرَاقُ وَالْأَخْذُ بِالنُّورَةِ وَالْمِقَصَّيْنِ وَالْقَطْعِ بِالْأَسْنَانِ وَغَيْرِهَا وَيَحْصُلُ الْحَلْقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَنْذِرْ الْحَلْقَ فَإِنْ نَذَرَهُ تَعَيَّنَ وَلَمْ تَقُمْ هَذِهِ الْأُمُورُ مَقَامَهُ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِنْبَاطَ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ. كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَبْلَغَ فِي سَدِّ خُلَّةِ الْفَقِيرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا إجْزَاءُ الْأَخْذِ بِالنُّورَةِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُجْزِئُ. [فَائِدَةٌ الْمُحْصَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ] 1 {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} رَتَّبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ الْمُحْصَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ كَغَيْرِهِ فَإِنَّ سُقُوطَ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِعَجْزِهِ عَنْهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَلْقِ فَيَبْقَى وُجُوبُهُ وَقَدْ حَضَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عَلَى ذَلِكَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْهِ وَأَشْهَرِهِمَا أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَلْقٌ وَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 بَابُ طَوَافِ الْحَائِضِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ   Qتَقْصِيرٌ. [فَائِدَةٌ مَحَلُّ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لِلْمُحْرِمِ شَعْرُ الرَّأْسِ] {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} مَحَلُّ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ شَعْرُ الرَّأْسِ دُونَ بَقِيَّةِ شُعُورِ الْبَدَنِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ مَعَ الْحَلْقِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظَافِرِهِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِعْلُ ذَلِكَ، رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} يَسْقُطُ الْحَلْقُ، وَالتَّقْصِيرُ بِفَقْدِ شَعْرِ الرَّأْسِ فَإِذَا كَانَ أَصْلَعَ أَوْ مَحْلُوقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ، وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنْكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَعَ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ شَيْئًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِيَكُونَ قَدْ وَضَعَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَسْت أَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْنَدَهُ إلَى أَثَرٍ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الشُّعُورِ الَّتِي يُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهَا لِلْفِطْرَةِ كَالشَّارِبِ وَالْإِبِطِ وَالْعَانَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ نُسُكُهُ عَنْ حَلْقٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَبَتَ شَعْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ حَلْقٌ وَلَا تَقْصِيرٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ وَبِهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْحَلْقَ فَيَصْبِرُ لِلْإِمْكَانِ وَلَا يَفْتَدِي وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَلْقُ [بَابُ طَوَافِ الْحَائِضِ] [حَدِيثُ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطَّهَّرِي] {بَابُ طَوَافِ الْحَائِضِ} {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطَّهَّرِي» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «حَتَّى تَغْتَسِلِي» وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ «غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وَلَمْ يَقُلْهُ رُوَاةُ الْمُوَطَّإِ وَلَا غَيْرُهُمْ إلَّا يَحْيَى قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ   Qوَأَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «حَتَّى تَغْتَسِلِي» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كُلِّهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ «غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى تَطَّهَّرِي» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْهُ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَلَا غَيْرِهِمْ إلَّا يَحْيَى، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ حَتَّى تَطَّهَّرِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْضًا وَهُوَ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ وَأَصْلُهُ تَتَطَهَّرِي كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَحَفِظْنَاهُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «حَتَّى تَغْتَسِلِي» وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ رِوَايَةَ «حَتَّى تَغْتَسِلِي» رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهَا فِيهِ. وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ. وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ» إنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّوَايَةِ التَّخْفِيفُ وَضَمُّ الْهَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَتَّى تَطَّهَّرَ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ اهـ وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَالْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْته وَقَدْ يَكُونُ الْمَشْهُورُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُ الْمَشْهُورُ فِي الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ نَهْيُ الْحَائِضِ عَنْ الطَّوَافِ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا وَتَغْتَسِلَ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الطَّوَافِ لَوْ فَعَلَتْهُ وَفِي مَعْنَاهُ الْجَنَابَةُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَحْدَاثِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِدْلَال ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ» لَكِنَّ الصَّحِيحَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَرْفُوعٌ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْفُوعًا لَفْظًا لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوا عَنَى مَنَاسِكَكُمْ» وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقُ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلطَّوَافِ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا صَحَّ طَوَافُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي كَوْنِ الطَّهَارَةِ وَاجِبَةً مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فَمَنْ أَوْجَبَهَا مِنْهُمْ قَالَ إنْ طَافَ مُحْدِثًا لَزِمَهُ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ جُنُبًا لَزِمَهُ بَدَنَةٌ قَالُوا وَيُعِيدُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) كَمَذْهَبِنَا. (الثَّانِيَةُ) إنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَهُ بِدَمٍ. وَقَالَ دَاوُد: الطَّهَارَةُ لِلطَّوَافِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَجْزَأَهُ إلَّا الْحَائِضُ، وَقَالَ الْمَنْصُورِيُّ مِنْ أَصْحَابِ دَاوُد: الطَّهَارَةُ شَرْطٌ كَمَذْهَبِنَا انْتَهَى وَفِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ انْفِرَادِ أَبِي حَنِيفَةَ بِذَلِكَ نَظَرٌ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا وَمَنْصُورًا وَسُلَيْمَانَ عَنْ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا طَافَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ أَطْوَافٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَاضَتْ أَجْزَأَ عَنْهَا وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: حَاضَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qامْرَأَةٌ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَرَ الطَّهَارَةَ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ انْتَهَى وَفِي تَقْيِيدِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ بِالْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ يُوَافِقُ هَذَا فَحَكَى ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ إنْ طَافَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ أَعَادَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ أَصَابَ النِّسَاءَ وَخَرَجَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزٌ وَلِلنُّفَسَاءِ وَلَا يَحْرُمُ إلَّا عَلَى الْحَائِضِ فَقَطْ لِلنَّهْيِ فِيهِ، وَهَذَا جُمُودٌ عَجِيبٌ. وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذِكْرُ النُّفَسَاءِ مَعَ الْحَائِضِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنْ الْحَائِضِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ. فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ هِيَ شَرْطٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد فَمَنْ شَرَطَ الطَّهَارَةَ قَالَ الْعِلَّةُ فِي بُطْلَانِ طَوَافِ الْحَائِضِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا قَالَ الْعِلَّةُ فِيهِ كَوْنُهَا مَمْنُوعَةً مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُصَحِّحُ الطَّوَافَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ وَكَمَا حَكَاهُ هُوَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمُحْرِمِ فِي اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ بُطْلَانُ الطَّوَافِ وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ مَرْدُودٌ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْأَبِيوَرْدِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَتُجْبَرُ الطَّهَارَةُ بِالدَّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِلطَّوَافِ لَا لِلطَّهَارَةِ {الرَّابِعَةُ} إنْ قُلْت فِي مَعْنَى الطَّوَافِ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ فِعْلُهُمَا فَلِمَ لَا اسْتَثْنَاهُمَا بَلْ هُمَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِمَا (قُلْت) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا تَبَعٌ لِلطَّوَافِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَتْبُوعِ عَنْ التَّابِعِ (ثَانِيهمَا) أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَائِضِ مَعْرُوفٌ مُقَرَّرٌ لَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى حُكْمُهُ {الْخَامِسَةُ} اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يَطَؤُهُ فِي الطَّوَافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ اغْتَفَرَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ مَعَ النِّسْيَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ أَرَ لِلْأَئِمَّةِ تَشْبِيهَ مَكَانِ الطَّوَافِ بِالطَّرِيقِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ لَاقَى النَّجَاسَةَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشَى عَلَيْهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، قَالَ وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ مِنْ جِهَةِ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَنَظَائِرِهِ. [فَائِدَةٌ عَجَزَ الْمُحْرِم عَنْ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ] 1 {السَّادِسَةُ} لَوْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ كَنَظَائِرِهِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الطَّهُورَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطُوفُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ مَعَ الطَّهَارَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَيْسَ الْوَقْتُ مُضَيَّقًا حَتَّى يَفْعَلَهُ {السَّابِعَةُ} فِيهِ جَوَازُ السَّعْيِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي ذِكْرِ السَّعْيِ فَإِنَّهَا شَاذَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ إنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَلْيُعِدْ الطَّوَافَ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا اشْتَرَطَ فِيهِ الطَّهَارَةَ إلَّا الْحَسَنُ فَإِنَّهُ قَالَ إنْ سَعَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فَلْيُعِدْ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مَا حَلَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَلَامٌ مُتَهَافِتٌ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الطَّهَارَةِ يُنَافِي الْإِجْزَاءَ مَعَ فَقْدِهَا وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا نُقِلَ عَنْهُ الِاشْتِرَاطُ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ فَقَطْ بَلْ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا لَمْ يَرَيَا بَأْسًا أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَكَانَ الْوُضُوءُ أَحَبَّ إلَيْهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَسَنَ إنَّمَا يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ الطَّهَارَةِ لَهُ كَمَا يَقُولُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ (ثَانِيهمَا) أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ فَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ الْقُرْآنَ وَلَا تُصَلِّي وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَدْلُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا (لَا تَطُوفُ الْبَيْتَ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَقْرَبُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ كَالطَّوَافِ حَكَاهَا عَنْهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ {الثَّامِنَةُ} فَإِنْ قُلْت فَإِذَا كَانَ السَّعْيُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَلِمَ لَمْ تَفْعَلْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَلْ قَالَتْ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَفَتْ عَنْ فِعْلِهِ كَمَا كَفَتْ عَنْ الطَّوَافِ (قُلْت) لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ طَوَافٍ فَتَرْكُ السَّعْيِ لَيْسَ لِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِ بَلْ لِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيمَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الطَّوَافُ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ السَّعْيَ مَوْصُولٌ بِالطَّوَافِ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الْحَائِضُ تُنْسِك الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَا خَلَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ بَعْدَ مَا طَافَتْ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهَا تَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِيمَنْ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهَا تَسْعَى وَهِيَ حَائِضٌ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ {التَّاسِعَةُ} وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ [فَائِدَةٌ مَنْعِ الْحَائِضِ عَنْ الطَّوَاف] 1 {الْعَاشِرَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ «لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي» دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْحَائِضِ وَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُهَا عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ قَالَ وَفِيهِ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ الْأَقْذَارِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ (قُلْت) الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الطَّوَافُ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْأَخَصِّ النَّهْيُ عَنْ الْأَعَمِّ {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ وَالْمُرَادُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ مِمَّا هُوَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ الْمَعْدُودَةِ مِنْهُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ مُقَرَّرَةٌ فِي مَوْضِعِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 وَعَنْهَا «أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاضَتْ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، قَالَ فَلَا إذًا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَلْتَنْفِرْ» وَلِلْبُخَارِيِّ «فَلَا بَأْسَ انْفِرِي» وَلِمُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ مِنْ صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالُوا إنَّهَا حَائِضٌ» الْحَدِيثَ، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ أُخْبِرَ أَنَّ صَفِيَّةَ حَائِضٌ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَأَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ» .   Q [حَدِيث صَفِيَّة بِنْت حُيَيِّ زَوْجَ النَّبِيِّ حِينَ حَاضَتْ] الْحَدِيثُ الثَّانِي} وَعَنْهَا «أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاضَتْ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، قَالَ فَلَا إذَنْ» وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ أُخْبِرَ أَنَّ صَفِيَّةَ حَائِضٌ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَأَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَقَطْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلِّهِمْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كُنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ تَحِيضَ صَفِيَّةَ قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ قَالَتْ فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا صَفِيَّةُ؟ قُلْنَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلَا إذًا» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ فَقَالَ وَقَالَ أَفْلَحُ فَذَكَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَلَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا طُرُقٌ أُخْرَى {الثَّانِيَةُ} أُبْهِمَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الذَّاكِرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَاضَتْ وَالْمُخْبِرُ لَهُ أَنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ وَهِيَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الصَّحِيحِ {الثَّالِثَةُ} فِيهِ أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ «أَحَابِسَتُنَا هِيَ» وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ {الرَّابِعَةُ} وَفِيهِ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ {الْخَامِسَةُ} مُقْتَضَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَحَابِسَتُنَا هِيَ» ، أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ لَمْ يَرْحَلْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضِ وَتَغْتَسِلَ وَتَطُوفَ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْحَبْسِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ لِكَوْنِهَا لَزِمَهُ وَزَوْجَهُ وَلِهَذَا احْتَبَسَ عَلَى طَلَبِ عَقْدِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ امْرَأَةٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ عَلَى أَمِيرِ الْحَجِّ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الرَّحِيلِ مِنْ مَكَّةَ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ إذَا لَمْ تَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ وَلَمْ تُرِدْ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ مِنْ فَوَائِدِ الثَّقَفِيِّ شَيْخِ السَّلَفِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمِيرَانِ وَلَيْسَا بِأَمِيرَيْنِ مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ حَتَّى تُدْفَنَ أَوْ يَأْذَنَ صَاحِبُهَا، وَالْمَرْأَةُ حَجَّتْ أَوْ اعْتَمَرَتْ فَكَانَتْ مَعَ قَوْمٍ فَحَاضَتْ وَلَمْ تَقْضِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا حَتَّى تَطْهُرَ أَوْ تَأْذَنَ لَهُمْ» ، قَالَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ وَلَمْ أَعْثُرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَكِنْ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ الْجَمَّالَ حَبْسُ الْجِمَالِ لَهَا أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قُلْت) كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ وَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ أَصْحَابَنَا حَكَوْا عَنْهُ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَفْظُهُ فِي الْمُوَطَّإِ «وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ تُفِيضَ فَإِنَّ كَرِيِّهَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مَا يَحْبِسُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنِّسَاءُ الدَّمَ» ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُحْبَسُ الْكَرِيُّ عَلَيْهَا إلَى انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ قَالَ وَيُحْبَسُ عَلَى النُّفَسَاءِ أَقْصَى مَا تَحْبِسُ النُّفَسَاءُ الدَّمَ فِي النِّفَاسِ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لِلْكَرِيِّ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعِينَهُ فِي الْعَلَفِ قَالَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطُّهْرِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ حُبِسَ عَلَيْهَا الْكَرِيُّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَقِيَ لَهَا أَيَّامٌ لَمْ يُحْبَسْ إلَّا وَحْدَهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ لَسْت أَعْرِفُ حَبْسَ الْكَرِيِّ كَيْفَ يُحْبَسُ وَحْدَهُ يُعَرَّضُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ آمِنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمٌ لَمْ يَنْتَظِرْهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ السَّيْرُ بِهَا وَحْدَهُ وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ فَرَوَى أَشْهَبُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَرَوَى غَيْرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتَسْتَطْهِرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ قَدْرَ مَا تُقِيمُ فِي حَيْضَتِهَا وَالِاسْتِطْهَارُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ تُحْبَسُ أَكْثَرَ مَا تُقِيمُ الْحَائِضُ فِي الْحَيْضِ وَالنُّفَسَاءُ فِي النِّفَاسِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِلْخَوْفِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اللَّبَّادِ قِيلَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْأَمْنِ فَأَمَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ حَيْثُ لَا يَأْمَنُ فِي الطَّرِيقِ فَهِيَ ضَرُورَةٌ وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَجَاوَزَ الدَّمُ مُدَّةَ الْحَبْسِ فَهَلْ تَطُوفُ أَوْ تَفْسَخُ الْكِرَاءَ؟ قَوْلَانِ. [فَائِدَةٌ طَوَافَ الْوَدَاعِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْحَائِضِ] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْحَائِضِ فَلَهَا النَّفْرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مُجْمَعٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ انْتَهَى وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ وُجُوبَهُ عَلَيْهَا كَغَيْرِهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ «أَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلْته عَنْ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ التَّحْرِيمِ تَحِيضُ قَالَ لِيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهَا فِي الْبَيْتِ قَالَ فَقَالَ الْحَارِثُ كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَرَأَيْت عَنْ يَدَيْك سَأَلْتنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَيْمَا أُخَالِفُ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمَّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ لَكِنْ قَدْ رَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ (إذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا لَا فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ صَدَقَتْ) . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ «كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ إنَّهَا لَا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْته يَقُولُ تَنْفِرُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لَهُنَّ» . وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُقِيمُ عَلَى الْحَائِضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَتَّى تَطُوفَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ الرُّجُوعَ وَتَرَكَا قَوْلَ عُمَرَ لِلثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سَمِعَ الْأَمْرَ بِالْوَدَاعِ وَلَمْ يَسْمَعْ الرُّخْصَةَ لِلْحَائِضِ فَقَالَ بِهِ عَلَى الْعَامِّ فَلَمَّا بَلَغَتْهُ الرُّخْصَةُ ذَكَرَهَا) حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَيَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ قَدْ فَرَغَتْ الْأَعْمُرُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَكُونُ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ " {السَّابِعَةُ} قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ غَيْرُ وَاجِبٍ مُطْلَقًا إذْ لَوْ وَجَبَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْحَائِضِ كَطَوَافِ الرُّكْنِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْحَائِضِ لِلْعُذْرِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَى غَيْرِهَا وَيُوَافِقُ الثَّانِيَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ (أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا الْحَائِضَ) . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «مَنْ حَجَّ الْبَيْتِ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ إلَّا الْحَيْضَ وَرَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ انْتَهَى وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِ الْحَائِضِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْحَكَمِ وَحَمَّادٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى عَنْ مُجَاهِدٍ رِوَايَةً مُوَافِقَةً لَهُ وَأُخْرَى مُوَافِقَةً لِلْجُمْهُورِ وَمِمَّنْ حَكَى عَنْهُ عَدَمَ وُجُوبِهِ أَيْضًا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ أَفَاضَتْ أَيْ طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ يُفِيضُ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَالْإِفَاضَةُ الزَّحْفُ وَالدَّفْعُ فِي السَّيْرِ بِكَثْرَةٍ وَمِنْهُ الْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَلَا تَكُونُ إلَّا عَنْ تَفَرُّقٍ وَجَمْعٍ، وَأَصْلُ الْإِفَاضَةِ الصَّبُّ فَاسْتُعِيرَتْ لِلدَّفْعِ فِي السَّيْرِ وَأَصْلُهُ أَفَاضَ نَفْسَهُ أَوْ رَاحِلَتَهُ فَرَفَضُوا ذِكْرَ الْمَفْعُولِ حَتَّى أَشْبَهَ غَيْرَ الْمُتَعَدِّي [فَائِدَةٌ إذَا نَفَرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فِي يَوْمِ حَيْضِهَا فِي الْحَجّ] 1 {التَّاسِعَةُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ نَفَرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فِي يَوْمِ حَيْضِهَا فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهَا؛ وَإِنْ نَفَرَتْ فِي يَوْمِ طُهْرِهَا لَزِمَهَا طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَكَانَ يَنْبَغِي فِيمَا إذَا نَفَرَتْ فِي يَوْمِ طُهْرِهَا وَكَانَتْ تَخْشَى تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ لَوْ دَخَلَتْهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا فِي سُقُوطِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَنْهَا حُكْمَ الْحَائِضِ وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْتَحَقَ بِهِ كُلُّ مَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ نَضَّاحَةٌ يُخْشَى مِنْ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ تَلْوِيثُهُ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْعَاشِرَةُ} فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ مِنْ صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالُوا إنَّهَا حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ فَلْتَنْفِرْ مَعَكُمْ» وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِأَنَّهَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ كَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ فَكَيْفَ يُرِيدُ وِقَاعَهَا وَحُكْمُ الْإِحْرَامِ فِي حَقِّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوِقَاعِ بَاقٍ قَبْلَ الطَّوَافِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ظَنَّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَأَنَّهَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا حَائِضٌ تَوَهَّمَ حِينَئِذٍ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَمَا حَدَثَ لَهُ هَذَا التَّوَهُّمُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا حَائِضٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ إرَادَةُ الْوِقَاعِ وَتَوَهُّمُ عَدَمِ الطَّوَافِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ تُنَافِي بِظَاهِرِهَا إرَادَةَ وِقَاعِهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ وَهِيَ وَقْتُ النَّفْرِ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهَا هَذَا وَيُوَافِقُ ذَلِكَ رِوَايَةَ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْفِرَ إذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً فَقَالَ عَقْرَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 بَابُ دُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ فَأَغْلَقَاهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ   Qحَلْقَى إنَّك لَحَابِسَتُنَا» الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ فَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا إرَادَةُ الْوِقَاعِ وَهْمٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَفِي ذِكْرِ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيَّ لَهَا فِي الْعُمْدَةِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ فَأَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمْرُ إيجَابٍ لَا لِأَجْلِ النُّسُكِ بَلْ لَحِقَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كَوْنِهَا زَوْجَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ دُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ] (بَابُ دُخُولِ الْكَعْبَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ فَأَغْلَقَاهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَا فِيهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَأَلْت بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى» (فِيهِ) فَوَائِدُ {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَالْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرَةَ بْنِ أَسْمَاءَ وَفُلَيْحِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ «وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا   Qعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ كُلِّهِمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ» وَقَالَ حَدِيثُ بِلَالٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ {الثَّانِيَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ دُخُولِ الْكَعْبَةِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِيهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنَةٍ وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ مَغْفُورًا لَهُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهِ إذَا لَمْ يُؤْذِ بِدُخُولِهِ أَحَدًا لِزَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتُحِبَّ دُخُولُ الْبَيْتِ إنْ كَانَ لَا يُؤْذِي أَحَدًا بِدُخُولِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِي وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ طَيِّبُ النَّفْسِ فَرَجَعَ إلَيَّ وَهُوَ حَزِينٌ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْت، إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ أَتْعَبْت أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي» لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ إتْعَابُهُمْ بِتَجَشُّمِ الْمَشَقَّةِ فِي الدُّخُولِ مَعَ تَعَسُّرِ ذَلِكَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ دُخُولَكُمْ الْبَيْتَ لَيْسَ مِنْ حَجِّكُمْ فِي شَيْءٍ) وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فِي الْحَاجِّ إنْ شَاءَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَدْخُلْهَا وَعَنْ خَيْثَمَةَ لَا يَضُرُّك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 عَنْ يَسَارِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ» وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ «بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» وَلَهُمَا «وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى» وَلِلْبُخَارِيِّ «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ   Qوَاَللَّهِ أَنْ لَا تَدْخُلَهُ وَعَنْ عَطَاءٍ إنْ شِئْت فَلَا تَدْخُلُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ دُخُولِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وُجُوبُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنَاسِكِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ مُسْتَقِلٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} دُخُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْكَعْبَةَ كَانَ فِي الْفَتْحِ كَمَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَدْخُلْ الْكَعْبَةَ فِي عُمْرَتِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يُنْقَلْ فِيمَا أَعْلَمُ دُخُولُهُ فِي حَجِّهِ، وَلَعَلَّ تَرْكَهُ الدُّخُولَ فِي عُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ كَوْنُهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا قَدَّمْته وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ دُخُولُهُ كَانَ فِي حَجَّتِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فِي عُمْرَتِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ دُخُولَهُ فِي حَجَّتِهِ مَرْدُودٌ وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْته وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ دُخُولَهُ كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ عَدَمِ دُخُولِهِ أَيْ فِي عُمْرَتِهِ مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُونَ يَتْرُكُونَهُ لِيُغَيِّرَهَا «فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مَكَّةَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ وَأَزَالَ الصُّوَرَ قَبْلَ دُخُولِهِ» (قُلْت) لَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ لَدَخَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَعَلَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَيْته أَوْجَهَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ سَمِعْت سُفْيَانَ يَقُولُ سَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْفَتْحِ ثُمَّ حَجَّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي إحْيَاءِ الْقَلْبِ الْمَيِّتِ بِدُخُولِ الْبَيْتِ) وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَأَمَّا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَفِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فِي أَثْنَاءِ قِصَّةٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَهَا عَلَى أَنَّ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 اللَّتَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ إذَا دَخَلْت» وَلَهُ «وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ «اسْتَقْبَلَ الْجَزْعَةَ» وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَدَعَا فِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ» وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَشْهَدْ الْقِصَّةَ وَإِنَّمَا حَدَّثَهُ بِذَلِكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   Qبَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَّهُ دَخَلَهَا يَوْمَ الْفَتْحِ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَبِلَالٌ خَلْفَهُ فَقُلْت لِبِلَالٍ هَلْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ لَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ دَخَلَ فَسَأَلْت بِلَالًا هَلْ صَلَّى؟ قَالَ نَعَمْ» ، قَالَ وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرْته فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا وَفِيهِ «أَنِّي دَخَلْت الْكَعْبَةَ» وَكَأَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا كَانَتْ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} قَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ إدْخَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لَمَعَانٍ تَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَمَّا دُخُولُ عُثْمَانَ فَلِخِدْمَتِهِ الْبَيْتَ فِي الْغَلْقِ وَالْفَتْحِ وَالْكَنْسِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْهُ لِغَلْقِ بَابِهَا لَتَوَهَّمَ النَّاسُ أَنَّهُ عَزَلَهُ، وَأَمَّا بِلَالٌ فَمُؤَذِّنُهُ وَخَادِمُ أَمْرِ صَلَاتِهِ. وَأَمَّا أُسَامَةُ فَمُتَوَلِّي خِدْمَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُمْ خَاصَّتُهُ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخِصَّ خَاصَّتَهُ بِبَعْضِ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ عَنْ النَّاسِ اهـ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ وَمَعَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلَالٌ» الْحَدِيثَ فَزَادَ مَعَهُمْ الْفَضْلَ وَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْفَضْلِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ مَعَهُ حِينَ دَخَلَهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَهَا وَقَعَ سَاجِدًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو» وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاذَّةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ دُخُولُ الْفَضْلِ مَعَهُمْ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى السُّجُودِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا مَعَهُمْ أَحَدٌ {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ فَأَغْلَقَاهَا عَلَيْهِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَذْكُورَيْنِ آخِرًا وَهُمَا عُثْمَانُ وَبِلَالٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ «فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَغْلَقَهَا» وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ لِعُثْمَانَ فَإِنَّهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ قَالَ فِيهَا وَأَجَافَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَابَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ عُثْمَانَ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْإِغْلَاقِ لِأَنَّهَا وَظِيفَتُهُ وَلِهَذَا انْفَرَدَ بِالْفَتْحِ وَأَمَّا ضَمُّ بِلَالٍ إلَيْهِ فِي رِوَايَةٍ فَلَعَلَّهُ سَاعَدَهُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي نُسِبَ فِيهَا ذَلِكَ إلَى الْجَمِيعِ فَوَجْهُ نِسْبَتِهِ إلَى غَيْرِ عُثْمَانَ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فَالْفِعْلُ يُنْسَبُ تَارَةً إلَى فَاعِلِهِ وَتَارَةً إلَى الْآمِرِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَأَمَّا غَلْقُ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حِينَ صَلَّى فِي الْبَيْتِ لِئَلَّا يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ سُنَّةٌ فَيُلْزَمُونَ ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّمَا أَغْلَقَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيَكُونَ أَسْكَنَ لِقَلْبِهِ وَأَجْمَعَ لِخُشُوعِهِ وَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَدْخُلُوهُ أَوْ يَزْدَحِمُوا فَيَنَالَهُمْ ضَرَرٌ وَيَتَهَوَّشَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِسَبَبِ لَغَطِهِمْ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ أَظْهَرُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَخْفَى صَلَاتُهُ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ شَاهَدَهَا جَمَاعَةٌ وَنَقَلُوهَا وَقِيلَ إنَّمَا أَغْلَقَهَا لِيُصَلِّيَ إلَى جَمِيعِ جِهَاتِهَا فَإِنَّ الْبَابَ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا وَلَيْسَ أَمَامَهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّجُلِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ {السَّابِعَةُ} فِيهِ اخْتِصَاصُ جَمَاعَةٍ بِدُخُولِهِمْ الْكَعْبَةَ وَإِغْلَاقِهَا عَلَيْهِمْ وَفِي تَارِيخِ الْأَزْرَقِيِّ «أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْبَابِ يَذُبُّ النَّاسَ» . [فَائِدَةٌ إغْلَاقُ الْكَعْبَةِ] 1 {الثَّامِنَةُ} وَفِيهِ إغْلَاقُ الْكَعْبَةِ وَيُقَاسُ بِهَا غَيْرُهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إغْلَاقُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (بَابُ الْأَبْوَابِ وَالْغَلْقِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ) وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اتِّخَاذُ الْأَبْوَابِ لِلْمَسَاجِدِ وَاجِبٌ لِتُصَانَ عَنْ مَكَانِ الرِّيَبِ وَتُنَزَّهَ عَمَّا لَا يَصْلُحُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ الطَّاعَاتِ {التَّاسِعَةُ} لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُدَّةَ مُكْثِهِ فِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا» . [فَائِدَةٌ رِوَايَةُ الصَّاحِبِ عَنْ الصَّاحِبِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ] 1 {الْعَاشِرَةُ} فِيهِ رِوَايَةُ الصَّاحِبِ عَنْ الصَّاحِبِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يُثْبِتُونَ خَبَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْوَاحِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادٍ يَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا التَّوَاتُرُ فَيُنَبَّهُ عَلَيْهِ لِيُحْفَظَ وَيُضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ [فَائِدَةٌ إثْبَاتُ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْكَعْبَةِ] {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إثْبَاتُ صَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْكَعْبَةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ «وَدَعَا وَلَمْ يُصَلِّ» وَإِنَّمَا تَلَقَّى ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ» وَالْعَمَلُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْآثَارُ أَنَّهُ صَلَّى أَكْثَرَ وَلَوْ تَسَاوَتْ فِي الْكَثْرَةِ لَكَانَ الْأَخْذُ بِالْمُثْبِتِ أَوْلَى مِنْ النَّافِي فَقَدْ رَوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي الْبَيْتِ غَيْرُ بِلَالٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجَابِرٌ وَشَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ» مِنْ طُرُقٍ حِسَانٍ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ كُلَّهَا وَفِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رِوَايَةُ أَنَّهُ صَلَّى أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَمْ يَفْعَلْ بِشَهَادَةٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَوَجَبَ تَرْجِيحُهُ وَكَذَا حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ لَوْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ اثْنَيْنِ فَأَمَّا وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَأَثْبَتَ مَرَّةً وَنَفَى أُخْرَى. وَقَوْلُ النَّفْيِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ عَلَى وَاحِدٍ. (الثَّانِي) أَنَّ ذِكْرَ ابْنِ عُمَرَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ النَّفْيَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أُسَامَةَ فَسَبَقَ قَلَمُهُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَمَّا نَفْيُ أُسَامَةَ فَقَدْ سَبَقَ وَأَمَّا إثْبَاتُهُ فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: «خَرَجْت حَاجًّا فَجِئْت حَتَّى دَخَلْت الْبَيْتَ فَلَمَّا كُنْت بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ مَضَيْت حَتَّى لَزِمْت الْحَائِطَ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ فَصَلَّى إلَى جَنْبِي فَصَلَّى أَرْبَعًا فَلَمَّا صَلَّى قُلْت لَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْبَيْتِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ صَلَّى هَهُنَا فَقُلْت كَمْ صَلَّى؟ فَقَالَ عَلَى هَذَا أَجِدُنِي أَلُومُ نَفْسِي. إنِّي مَكَثْت مَعَهُ عُمْرًا فَلَمْ أَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيُوَافِقُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ أُسَامَةَ وَبِلَالٍ وَعُثْمَانُ «فَقُلْت أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا هَاهُنَا، قَالَ وَنَسِيت أَنْ أَسْأَلَهُمْ كَمْ صَلَّى» ، وَمُقْتَضَاهَا نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى جَمِيعِهِمْ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أُسَامَةَ النَّفْيُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَهَنُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهَمَ ابْنُ عَوْنٍ هُنَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَأَسْنَدُوهُ عَنْ بِلَالٍ وَحْدَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي بَاقِي الطُّرُقِ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَأَخْبَرَنِي بِلَالٌ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ عَامَّةِ شُيُوخِنَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعُثْمَانُ قَالَ وَهَذَا يَعْضُدُ رِوَايَةَ ابْنِ عَوْنٍ وَالْمَشْهُورُ انْفِرَادُ بِلَالٍ بِرِوَايَةِ ذَلِكَ {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} إنْ قُلْت كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ إثْبَاتِ بِلَالٍ وَنَفْيِ أُسَامَةُ مَعَ دُخُولِهِمَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؟ (قُلْت) أُجِيبَ عَنْهُ بِأَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا نَفْيُ أُسَامَةَ فَسَبَبُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ أَغْلَقُوا الْبَابَ وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو ثُمَّ اشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَيْتِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَبِلَالٌ قَرِيبٌ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ خَفِيفَةً فَلَمْ يَرَهَا أُسَامَةُ لِإِغْلَاقِ الْبَابِ مَعَ بُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ وَجَازَ لَهُ نَفْيُهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ وَأَمَّا بِلَالٌ فَتَحَقَّقَهَا فَأَخْبَرَ بِهَا. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ غَابَ عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ فَلَمْ يَشْهَدْ صَلَاتَهُ أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيَدُلُّ مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى صُوَرًا فِي الْكَعْبَةِ فَكُنْت آتِيهِ بِمَاءٍ فِي الدَّلْوِ يَضْرِبُ بِهِ الصُّوَرَ» قَالَ فَقَدْ أَخْبَرَ أُسَامَةُ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ لِنَقْلِ الْمَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ يَوْمَ الْفَتْحِ. (الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ الْخَبَرَانِ عَلَى دُخُولَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) يَوْمَ الْفَتْحِ وَصَلَّى فِيهِ وَالْآخَرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَكَذَا قَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ مَرَّتَيْنِ صَلَّى فِي إحْدَاهُمَا وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأُخْرَى قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ «إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ؟ قَالَ لَا» ، قَالَ فَتَعَيَّنَ الدُّخُولُ فِي الْحَجِّ وَالْفَتْحِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا جَمَعَ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ كَوْنِ اخْتِلَافِ بِلَالٍ وَأُسَامَةَ إنَّمَا هُوَ فِي دُخُولٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يَوْمُ الْفَتْحِ نَعَمْ الِاخْتِلَافُ الَّذِي عَنْ أُسَامَةَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي دُخُولَيْنِ إمَّا فِي سُفْرَةٍ أَوْ فِي سُفْرَتَيْنِ (قُلْتُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْفَتْحِ ثُمَّ حَجَّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا» الرَّابِعُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِثْبَاتِ بِلَالٍ الصَّلَاةَ اللُّغَوِيَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ لَا الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ حَكَاهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَعْضِ مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ وَهُوَ جَوَابٌ فَاسِدٌ يَرُدُّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ» كَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْقَعْنَبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ «عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ» وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ وَالْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَابْنُ بُكَيْر وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَابْنُ مَهْدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْقَطَّانِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يَحْيَى مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارِ عَنْهُ وَنَقَلَ اللَّفْظَ الثَّانِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ الطَّبَّاعِ وَمَكِّيِّ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي قِلَابَةَ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَبُنْدَارٍ عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ وَنَقَلَ اللَّفْظَ الثَّالِثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ وَبُنْدَارٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ وَالرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ كُلِّهِمْ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ «جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ» وَقَالَ وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَوْلَى بِالصَّوَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَصَحَّحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا هَذِهِ الرِّوَايَةَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِكَوْنِهِ مُقَابِلَ الْبَابِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» وَإِذَا تَقَرَّرَ تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهَا صَلَّى بَيْنَ عَمُودَيْنِ وَإِنْ كَانَ بِجَانِبِ أَحَدِ الْعَمُودَيْنِ عَمُودٌ آخَرُ وَلَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ فَإِنَّ الْعُمُدَ الثَّلَاثَةَ أَحَدُهَا يَمَانِيٌّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْآخَرُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَجَرِ شَامِيٌّ وَالْأَوْسَطُ بَيْنَهُمَا إنْ قُرِنَ بِالْأَوَّلِ قِيلَ الْيَمَانِيَّانِ وَإِنْ قُرِنَ بِالثَّانِي قِيلَ الشَّامِيَّانِ ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى فَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِشُذُوذِهَا وَمُخَالَفَتِهَا رِوَايَةَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ فَهِيَ مَقْطُوعٌ بِوَهْمِهَا إذْ لَيْسَ هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَعْمِدَةٍ حَتَّى يَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ اثْنَانِ وَعَنْ يَسَارِهِ اثْنَانِ {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} لَمْ يُفْصِحْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِهِ كَانَ بَيْنَ الْعَوَامِيدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ مِقْدَارَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَعْرُوفٌ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَزْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ فِيهَا «ثُمَّ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ» وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ ابْنَ عُفَيْرٍ وَابْنَ وَهْبٍ وَشَبَّابَةَ بْنَ سَوَّارٍ رَوَوْهَا عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَفِيهِ «وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ، قَالَ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ إنْ صَلَّى فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ وَفِي تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْأَزْرَقِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ «سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ دَخَلَهَا؟ قَالَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ اجْعَلْ بَيْنَك وَبَيْنَ الْجِدَارِ ذِرَاعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً» وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُوَافِقَةٌ فِي الْمَعْنَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّ بَيْنَ الْعَوَامِيدِ الْمُقَدَّمَةِ وَبَيْنَ الْجِدَارِ هَذَا الْقَدْرُ وَيَنْبَغِي تَحَرِّي هَذِهِ الْبُقْعَةُ لِلصَّلَاةِ فِيهَا، وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ بِقَاعِ الْكَعْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ مَقْصُودٌ، فَيَكُونُ كَالْأُمُورِ الْجِبِلِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إحْيَاءِ الْقَلْبِ الْمَيِّتِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَإِمَّا أَنْ يُصَادِفَ مُصَلَّاهُ أَوْ يَقَعَ وَجْهُهُ وَذِرَاعَاهُ فِي مَكَانِ قَدَمَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّقَدُّمِ عَنْهُ {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} إنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَقْرَبْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ السُّتْرَةِ مَعَ أَمْرِهِ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ (قُلْت) جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا خَشِيَ الْمُرُورَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ وَهَذَا هُنَا مَأْمُونٌ لِإِغْلَاقِ الْبَابِ وَانْحِصَارِ الْكَائِنِينَ فِي الْبَيْتِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (ثَانِيهمَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا وَقَدْ دَلَّتْ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ هَذَا الْمِقْدَارُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ حَدُّ الدُّنُوِّ مِنْ السُّتْرَةِ {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَدَدَ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِ بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ وَنَسِيت أَنْ أَسْأَلَهُ يَعْنِي بِلَالًا كَمْ صَلَّى» لَكِنْ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ قَالَ سَمِعْت مُجَاهِدًا قَالَ «أُتِيَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْت وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَسَأَلْت بِلَالًا فَقُلْتُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إذَا دَخَلْت ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَمَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ أَعَادَهَا الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى رَوَاهَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سَيْفٍ وَلَيْسَ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ أَنَّ صَلَاتَهُ فِي الْكَعْبَةِ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ نَعَمْ رَوَاهَا النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ وَفِيهَا ذِكْرُ الرَّكْعَتَيْنِ وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «فَسَأَلْت بِلَالًا هَلْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ، قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ» وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ «قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ، قَالَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ صَفْوَانَ أَوْ ابْنِ صَفْوَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ حِينَ دَخَلَهُ» وَلَمْ أَتَوَقَّفْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِاسْتِغْرَابِ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ عَادَتِهِ إنَّمَا تَوَقَّفْت فِيهَا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «وَنَسِيت أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ وَالِدِي فِي إحْيَاءِ الْقَلْبِ الْمَيِّتِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُ بِهِ بِلَالٌ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَفِيهِ بُعْدٌ. لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يَلُومُ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ السُّؤَالِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَ بِلَالًا ثُمَّ سَأَلَ بِلَالًا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ حَدَّثَ بِهِ بِلَالٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ بُعْدٌ أَيْضًا لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ حَدَّثَهُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ لَمْ يَسْأَلْ بِلَالًا عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ بِلَالٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَإِنْ سَمِعَ مِنْ بِلَالٍ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَهُمَا لِأَنَّ مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَرَ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الْأُصُولِ فَيَكُونُ الَّذِي نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهُ هَلْ زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ شَيْئًا أَمْ لَا، انْتَهَى {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ تَحِيَّةَ الْكَعْبَةِ وَلَا يُقَالُ قَدْ حَصَلَتْ التَّحِيَّةُ بِالطَّوَافِ الَّذِي أَتَى بِهِ قَبْلَ دُخُولِهَا فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الطَّوَافَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَقُومُ مَقَامَ التَّحِيَّةِ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ فِي حُكْمِ مَسْجِدٍ مُنْفَرِدٍ عَمَّا حَوْلَهَا وَقَدْ يُقَالُ مَا كَانَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ طَافَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ تِلْكَ الرَّكْعَتَانِ هِيَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْعَامِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] 1 {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَالْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِوَاءُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِدَلِيلٍ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ بَأْسًا وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَكَرِهَ أَنْ تُصَلَّى الْمَكْتُوبَةُ فِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلَّى الْمَكْتُوبَةُ وَالتَّطَوُّعُ فِي الْكَعْبَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَكْتُوبَةِ وَالنَّافِلَةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْقِبْلَةِ سَوَاءٌ انْتَهَى. وَقَالَ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي الْكَعْبَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَشْهَبُ وَصَحَّحَهُ مِنْهُمْ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ جَوَازُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِيهَا وَالْمَنْعُ مِنْ الْفَرْضِ وَالسُّنَنِ كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَقَيَّدَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْهُ ذَلِكَ بِالطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَإِطْلَاقُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ مَالِكٍ تَجْوِيزَ النَّافِلَةِ تَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا حَكَيْتُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ حَكَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ تَجْوِيزَ النَّفْلِ فِيهَا دُونَ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَهُوَ مَذْهَبٌ (ثَالِثٌ) فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا مَذْهَبٌ (رَابِعٌ) وَهُوَ مَنْعُ الصَّلَاةِ فِيهَا مُطْلَقًا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَصْبَغُ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِهِ وَالْمُصَلِّي فِيهِ مُسْتَدْبِرٌ لِبَعْضِهِ وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِسِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ ائْتَمَّ بِهِ كُلِّهِ وَلَا تَجْعَلَنَّ شَيْئًا مِنْهُ خَلْفَك قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَحَدُ قَوْلَيْنِ إمَّا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا أَوْ الْفَسَادُ مُطْلَقًا، وَالصَّوَابُ عِنْدِي قَوْلُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَصَلَّى الْفَرْضَ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُعِيدُ أَبَدًا فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ أَصْبَغُ تَبْطُلُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُتَعَمِّدِ الصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاسِيًا لَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ النَّاسِيَ لِلْقِبْلَةِ إنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ كَمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا التَّشْبِيهُ فِيمَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا، انْتَهَى وَيَحْصُلُ مِنْهُ (مَذْهَبٌ خَامِسٌ) وَهُوَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِحْبَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَلَوْ صَلَّى الْفَرْضَ فِيهَا صَحَّ وَارْتَكَبَ خِلَافَ الْأَوْلَى وَهُوَ الْقَائِلُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَازِمٌ لِلِاسْتِحْبَابِ (وَمَذْهَبٌ سَادِسٌ) وَهُوَ التَّفْرِيقُ فِي الْفَرْضِ بَيْنَ التَّعَمُّدِ وَالنِّسْيَانِ فَيَصِحُّ مَعَ النِّسْيَانِ دُونَ التَّعَمُّدِ وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ كَرِهَ الْفَرْضَ أَوْ مَنَعَهُ وَعَلَّلَ تَجْوِيزَ النَّفْلِ بِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّخْوِيفِ فِي الشُّرُوطِ {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} شَرَطَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ أَوْ مَفْتُوحٌ بِشَرْطِ كَوْنِ عَتَبَتِهِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلَنَا (وَجْهٌ) أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَتَبَةِ أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ قَامَةِ الْمُصَلِّي طُولًا وَعَرْضًا (وَوَجْهٌ) أَنَّهُ يَكْفِي شُخُوصُهَا بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَهَذَا الشَّرْطُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ صَلَّى فِيهَا اسْتَقْبَلَ أَحَدَ جُدْرَانِهَا وَمَنْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْجِدَارَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَظَاهِرُ مَا سَنَحْكِيهِ فِي الْفَائِدَةِ بَعْدَهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ مُطْلَقًا. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ] 1 {الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ} قَالَ أَصْحَابُنَا الصَّلَاةُ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ كَالصَّلَاةِ فِي نَفْسِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ شَاخِصٌ مِنْ نَفْسِ الْكَعْبَةِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَتَبَةِ إنْ كَانَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ الصَّلَاةُ فَوْقَ ظَهْرِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَحَمَلَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّهْيَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقُمْ بِمَا يَقْصِدُهُ وَحَمْلُ النَّهْيِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَأْيُ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْمَشْهُورَ مَنْعُ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ مَنْعِ الصَّلَاةِ دَاخِلَهَا وَأَنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ فِيهِ أَبَدًا، وَحَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْإِجْزَاءَ، وَحَكَى عَنْ أَشْهَبَ الْإِجْزَاءَ إنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ قِطْعَةٌ مِنْ سَطْحِهَا وَبَنَى الْخِلَافَ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ اسْتِقْبَالُ بِنَائِهَا أَوْ هَوَائِهَا انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهَا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهَا مَكْتُوبَةً أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ يُعِيدُ أَبَدًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةَ فِي حِجْرِ إسْمَاعِيل] {الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الصَّلَاةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْحِجْرِ كَالصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَحِينَئِذٍ فَيُفَرَّقُ فِيهِ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ عَائِشَةَ بِالصَّلَاةِ فِي الْحِجْرِ وَقَالَ إنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ» {الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} الذَّاهِبُونَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي جَوَازِ فِعْلِهِ فِي الْكَعْبَةِ إنَّمَا يُسَوُّونَ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ لَا فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْفَضِيلَةِ فَأَشْهَبُ مَعَ تَجْوِيزِهِ الْفَرْضَ يَقُولُ إنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فِيهَا وَأَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ إنَّ النَّفَلَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ خَارِجَهَا، وَكَذَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً فَإِنْ رَجَا فَخَارِجُهَا أَفْضَلُ وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الصَّلَاةِ دَاخِلَهَا مُطْلَقًا إلَّا إنْ عَارَضَهُ الْجَمَاعَةُ فَهِيَ عِنْدَهُمْ مُرَجَّحَةٌ فِي الْفَرْضِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النَّافِلَةَ فِيهَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيُقَاسُ بِهِ الْفَرْضُ وَأَمَّا كَوْنُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَفْعَلْ الْفَرْضَ فِيهَا فَلِمُعَارَضَةِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الصَّلَاةُ بِالنَّاسِ جَمِيعِهِمْ فِيهَا وَتَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بِذَلِكَ فِيهِ إيحَاشٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَالْأَعْمِدَةِ] 1 {الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ} قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَالْأَعْمِدَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى فِي الْجِهَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مُسَامَتَتِهَا حَقِيقَةً وَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ كَرَاهَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهَا قُدِّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَعُمِلَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهَا أُوِّلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى فِي سَمْتِ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ آثَارٌ، قُدِّمَ الْمُسْنَدُ عَلَيْهَا انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ الْأَسَاطِينَ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ فَأَمَّا مَنْ صَلَّى بَيْنَهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَكَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْوَاقِفُ بَيْنَهَا أَوْ الْمَأْمُومِينَ وَلَمْ يَكْثُرُوا بِحَيْثُ تَحُولُ الْأُسْطُوَانَةُ بَيْنَهُمْ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ فَلَمْ تَتَوَارَدْ صُورَةُ الْحَدِيثِ مَعَ صُورَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ بِتَبْوِيبِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (بَابُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ) {الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ} الْمَرْمَرَةُ بِرَاءٍ وَمِيمٍ مُكَرَّرَتَيْنِ وَاحِدَةُ الْمَرْمَرِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الرُّخَامِ صُلْبٌ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَطْلَقَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ الرُّخَامُ وَحَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ الْكِسَائِيّ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ «اسْتَقْبَلَ الْجَزْعَةَ» فَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَاحِدَةُ الْجَزْعِ وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 بَابُ الْهَدْيِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيْلَك ارْكَبْهَا. قَالَ بَدَنَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ، وَيْلَك ارْكَبْهَا وَيْلَك ارْكَبْهَا» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ   Qالْخَرَزُ الْيَمَانِيُّ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُسَمَّى الْمَرْمَرَةُ جَزْعَةً عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَرْمَرَةٌ وَجَزْعَةٌ فَذَكَرَ الرَّاوِي كُلًّا مِنْهُمَا فِي مَرَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْهَدْيِ] [حَدِيث بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَيْلَك ارْكَبْهَا] {بَابُ الْهَدْيِ} {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَدَنَةً مُقَلَّدَةً قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيْلَك ارْكَبْهَا قَالَ بَدَنَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ وَيْلَك ارْكَبْهَا وَيْلَك ارْكَبْهَا» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي الضَّحَايَا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا ذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَجْلَانَ مَوْلَى الْمُشْمَعِلِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «رَأَى رَجُلًا يَسُوقَ بَدَنَةً وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا»   Qالثَّانِيَةُ} الْمُرَادُ بِالْبُدْنِ هُنَا الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ الْمُهْدَاةِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَيَقَعُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالِاتِّفَاقِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا إنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى وَرَدَّهُ؛ وَهَلْ تَخْتَصُّ فِي أَصْلِ وَضْعِهَا بِالْإِبِلِ أَمْ تُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي الْبَقَرِ أَمْ فِيهَا وَفِي الْغَنَمِ؟ فِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَتْ الْبَدَنَةُ هُنَا فِي أَصْلِ مَدْلُولِهَا لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِنْ الْإِبِلِ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ وَاَلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ خَفِيَ مِنْ أَمْرِهَا كَوْنُهَا هَدْيًا فَدَلَّ بِقَوْلِهِ إنَّهَا بَدَنَةٌ عَلَى أَنَّهَا مُهْدَاةٌ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَدَنَةٌ بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ بَدَنَةٌ {الثَّالِثَةُ} وَالْمُرَادُ بِالتَّقْلِيدِ أَنْ يُعَلَّقَ فِي أَعْنَاقِهَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إهْدَائِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. [فَائِدَةٌ رُكُوبِ الْهَدْيِ] 1 {الرَّابِعَةُ} فِيهِ جَوَازُ رُكُوبِ الْهَدْيِ وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْهَدْيَ إلَى مُتَطَوَّعٍ بِهِ وَمَنْذُورٍ (فَالْأَوَّلُ) بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُهْدَى لَهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ (وَالثَّانِي) خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ بِالنَّذْرِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَسْتَفْصِلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاحِبُ هَذَا الْهَدْيِ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مَذَاهِبُ: (أَحَدُهَا) الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الضَّحَايَا وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَفَّالِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَكَذَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ مُسْلِمٍ وَالْمُهَذَّبِ عَنْهُمْ وَعَنْ مَالِكٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي رِوَايَةٍ وَعَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَصَرَّحَ عَنْهُمَا بِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَا مِنْهُ حَاجَةً إلَيْهِمَا. (الثَّانِي) الْجَوَازُ بِشَرْطِ الِاحْتِيَاجِ لِذَلِكَ وَلَا يَرْكَبُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ تَصْرِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَرْكَبُ الْهَدْيَ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ تَجْوِيزَ الرُّكُوبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ النَّصِّ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ إذَا رَكِبَ مُتَرَفَّهًا كَكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا لِلْقَادِرِ عَلَى غَيْرِهَا بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ وَفِي الْإِعَارَةِ نَظَرٌ اهـ. وَتَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا فَيَرْكَبَهَا ثُمَّ يَنْزِلَ إذَا اسْتَرَاحَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا رَكِبَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَنْزِلَ وَإِنْ اسْتَرَاحَ انْتَهَى وَكَأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ اعْتَبَرَ الْحَاجَةَ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ وَجَزَمَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ بِجَوَازِ رُكُوبِهَا مَعَ الْحَاجَةِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ {الثَّالِثُ} الْجَوَازُ بِشَرْطِ الِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ وَإِنْ كَانَ النَّوَوِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ لِلتَّجْوِيزِ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْكَبُهَا إذَا اُضْطُرَّ رُكُوبًا غَيْرَ قَادِحٍ وَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ هُنَا وَيُوَافِقُ التَّعْبِيرَ بِالضَّرُورَةِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحِكَايَةِ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مِنْهُ بُدًّا وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرْكَبُهَا وَإِنْ احْتَاجَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا حَمَلَ عَلَيْهِ وَرَكِبَهُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا يَرْكَبُ الْبَدَنَةَ وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ كَرَاهِيَةُ رُكُوبِ الْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ {الرَّابِعُ} مَنْعُ رُكُوبِهَا مُطْلَقًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلِهِ {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] قَالَ الْوَلَدُ وَاللَّبَنُ وَالرُّكُوبُ فَإِذَا سُمِّيَتْ بُدْنًا ذَهَبَتْ الْمَنَافِعُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 33] قَالَ فِي أَلْبَانِهَا وَظُهُورِهَا وَأَوْبَارِهَا حَتَّى تُسَمَّى بُدْنًا فَإِذَا سُمِّيَتْ بُدْنًا فَمَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ {الْخَامِسُ} وُجُوبُ رُكُوبِهَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِذَلِكَ وَالْأَمْرُ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَمَنْ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِالْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ قَالَ هَذِهِ وَاقِعَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَقَدْ دَلَّتْ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُحْتَاجًا لِلرُّكُوبِ أَوْ مُضْطَرًّا لَهُ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ قَالَ ارْكَبْهَا» الْحَدِيثَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ قَوْلِهِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا وَمَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَعَلَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الثَّوْرِيِّ ذَهَبَتْ الْمَنَافِعُ أَيْ بِالْمِلْكِ وَإِنْ بَقِيَتْ بِالِارْتِفَاقِ، وَمَنْ أَوْجَبَ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَوَجْهُهُ أَيْضًا مُخَالَفَةُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ إكْرَامِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي وَإِهْمَالِهَا بِلَا رُكُوبٍ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَهْدَى وَلَمْ يَرْكَبْ هَدْيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّاسَ بِرُكُوبِ الْهَدَايَا» وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخِلَافَ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ {الْخَامِسَةُ} مَحَلُّ جَوَازِ رُكُوبِ الْهَدْيِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ الرُّكُوبُ وَهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَنَفِيَّةُ وَمَتَى نَقَصَتْ بِالرُّكُوبِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَمُقْتَضَى نَقْلِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ {السَّادِسَةُ} قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ كَمَا يَجُوزُ رُكُوبُهَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهَا وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ الْحَمْلَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَا يَرْكَبُهَا بِالْمَحْمَلِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَحْجِيرَ عَلَيْهِ فِي كَيْفِيَّةِ الرُّكُوبِ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَالْحَمْلُ مَقِيسٌ عَلَى الرُّكُوبِ وَيَعُودُ فِي الْحَمْلِ مَا سَبَقَ مِنْ تَجْوِيزِهِ مُطْلَقًا أَوْ بِقَيْدِ الْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ {السَّابِعَةُ} قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهِ بِالْعَارِيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَهَا لِرُكُوبِ غَيْرِهِ وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ جَوَازُ إعَارَتِهَا لِلْحَمْلِ أَيْضًا وَيَعُودُ فِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَوْ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُعْيَا وَالْمُضْطَرَّ عَلَى هَدْيِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَمَنَعُوا إجَارَتَهَا لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ عَلَى هَذَا جَوَازُ الْإِعَارَةِ وَيُقَالُ مَنْعُ الْإِجَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ امْتِنَاعُ الْإِعَارَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إعَارَةُ الْمُسْتَعَارِ لَكِنَّهُمْ وَجَّهُوا الْإِعَارَةَ بِأَنَّهَا إرْفَاقٌ فَجُوِّزَتْ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الْإِرْفَاقُ بِهَا {الثَّامِنَةُ} أَلْحَقَ أَصْحَابُنَا بِالْهَدَايَا فِي ذَلِكَ الضَّحَايَا فَيَعُودُ فِيهَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِنْ الرُّكُوبِ وَفُرُوعِهِ. [فَائِدَةٌ هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ] 1 {التَّاسِعَةُ} أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إلَى إلْحَاقِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ بِالْهَدْيِ فَبَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (بَابُ هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ) قَالَ وَقَدْ اشْتَرَطَ عُمَرُ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا لِلَّهِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْوَاقِفُ بِأَوْقَافِهِ الْعَامَّةِ كَآحَادِ النَّاسِ كَالصَّلَاةِ فِي بُقْعَةٍ جَعَلَهَا مَسْجِدًا أَوْ الشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا وَالْمُطَالَعَةِ فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالشُّرْبِ مِنْ كِيزَانٍ سَبَّلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَالطَّبْخِ فِي قِدْرٍ وَقَفَهَا عَلَى الْعُمُومِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ مَنْعُ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ أُجْرَةً هَلْ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَرْجَحُ هُنَا جَوَازُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرو بْنُ الصَّلَاحِ وَيَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْجَوَازَ وَرَجَّحَ الْغَزَالِيُّ الْمَنْعَ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ وَيْلَك كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَأَصْلُهَا لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهَا فَهِيَ كَلِمَةُ عَذَابٍ بِخِلَافِ وَيْحَ فَهِيَ كَلِمَةُ رَحْمَةٍ وَفِيهَا هُنَا وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا الْأَصْلِيِّ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الرُّكُوبِ فَقَدْ وَقَعَ فِي تَعَبٍ وَجَهْدٍ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «وَقَدْ جَهِدَهُ الْمَشْيُ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ مُرَاجَعَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأَخُّرُ امْتِثَالِهِ أَمْرَهُ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا الْأَمْرُ إنَّمَا هُوَ لِلْإِبَاحَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَكَيْفَ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ بِتَرْكِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا حَرَجَ فِيهِ؟ (قُلْت) لِمَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ تَوَقُّفِهِ فِي الْإِبَاحَةِ حَيْثُ صَارَ يُعَارِضُ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالرُّكُوبِ بِقَوْلِهِ أَنَّهَا بَدَنَةٌ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ رُكُوبُهَا لِكَوْنِهَا هَدْيًا (فَإِنْ قُلْت) مُعَارَضَتُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِبَاحَةِ شَدِيدَةٌ تُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ فَكَيْفَ مُخَلَّصُ هَذَا الرَّجُلِ مِنْهَا؟ (قُلْت) مَا عَارَضَ عِنَادًا بَلْ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا هَدْيٌ فَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً بَادَرَ لِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَرَكِبَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فَإِنْ قُلْتَ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَدَأَهُ بِقَوْلِهِ وَيْلَك ثُمَّ قَالَهُ لَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ (قُلْتُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأُولَى لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ بِالْمَشْيِ وَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ لِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ مُرَاجَعَتُهُ لَهُ وَتَأَخُّرُ امْتِثَالِ أَمْرِهِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إنْ كُنْت لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَمَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «قَلَائِدَ الْغَنَمِ» وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «كُلَّهَا غَنَمًا» وَلِمُسْلِمٍ «قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِلْبُخَارِيِّ «فَتَلْتُ لِهَدْيِهِ تَعْنِي الْقَلَائِدَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» وَلَهُمَا «فَتَلْتُ قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي» وَلَهُمَا «ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي» . وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «كَانُوا إذَا كَانُوا حَاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ بَعَثَ بِالْهَدْيِ فَمَنْ شَاءَ أَحْرَمَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ» .   Qبِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَوْضُوعَهَا الْأَصْلِيَّ بَلْ هِيَ مِمَّا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ فِي الْمُخَاطَبَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَدْلُولِهِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَرِبَتْ يَدَاك، أَفْلَحَ وَأَبِيهِ، عَقْرَى حَلْقَى. وَكَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لَا أُمَّ لَهُ، لَا أَبَ لَهُ، قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعُهُ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «وَيْحَك» . [حَدِيث عَائِشَةَ قَالَتْ إنْ كُنْتُ لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «إنْ كُنْتُ لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَمَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمُسْلِمٍ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ ضَمَّ عَمْرَةَ إلَيْهِ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ كُلِّهِمْ عَنْ عَائِشَةَ وَأَلْفَاظُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُتَقَارِبَةٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ {الثَّانِيَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ مَعَهُ مُرْسِلُهُ وَلَا أَحْرَمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا «فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَعْنِي الْقَلَائِدَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (قُلْتُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهَا قَبْلَ السَّنَةِ الَّتِي أَحْرَمَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ حَالِهِ فِي سَنَةِ إحْرَامِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ حَالِهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى وَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي لَمْ يُحْرِمْ فِيهَا قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْهَا «ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَجَّتِهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ» وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ] 1 {الثَّالِثَةُ} وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَقَدْ رَأَيْت الْغَنَمَ يُؤْتَى بِهَا مُقَلَّدَةً) وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (رَأَيْت الْكِبَاشَ مُقَلَّدَةً) . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ (إنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَلَّدُ) . وَعَنْ عَطَاءٍ " رَأَيْت أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسُوقُونَ الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً " وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهَا لَا تُقَلَّدُ كَمَا أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (فَتْلُ الْقَلَائِدِ لِلْبُدْنِ وَالْبَقَرِ) فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْغَنَمِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ أَيْ تَقْلِيدُ الْغَنَمِ مَذْهَبُنَا وَعَلَّلَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِتَقْلِيدِهَا انْتَهَى. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَدْ نَقَلَهُ هُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ مُوَافِقٌ لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخُصَّ بِذَلِكَ هَدْيًا دُونَ هَدْيٍ وَقَدْ صَرَّحَتْ بِالْغَنَمِ فِي رِوَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَسْوَدِ عَنْهَا فَقَالَتْ «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَنَمِ» وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلِّهَا غَنَمًا» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ كُلِّهَا بِالْجَرِّ كَأَنَّهَا تَأْكِيدٌ لِلْقَلَائِدِ أَوْ لِلْهَدْيِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَقَوْلُهَا غَنَمًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَوْ التَّمَيُّزِ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ الْهَدْيِ مِنْ الْغَنَمِ أَيْ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ وَرَدَّهُ رِوَايَةُ الْأَسْوَدِ عَنْهَا «أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لَهُ «كُنَّا نُقَلِّدُ الشَّاةَ فَيُرْسِلُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَالٌ لَمْ يَحْرُمْ مِنْهُ شَيْءٌ» وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ» وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى غَنَمًا مُقَلَّدَةً» وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ: وَهَذَا اسْتِسْهَالٌ لِلْكَذِبِ الْبَحْتِ خِلَافُ مَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ إهْدَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْغَنَمَ الْمُقَلَّدَةَ وَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْلِيدِ الْبَقَرِ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنَّ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّ خَالَفَ فِيهِ فَقَالَ إنَّهَا لَا تُقَلَّدُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَلَمْ أَعْتَبِرْهُ لِأَنِّي لَمْ أَرَ لَهُ فِيهِ سَلَفًا ثُمَّ إنَّ الْبَقَرَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَتَنَاوَلَهَا أَيْضًا قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِانْدِرَاجِ الْبَقَرِ فِي الْبُدْنِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْهَا، فَعَزْوُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ {الرَّابِعَةُ} لَمْ يَتَبَيَّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ جِنْسُ الْقَلَائِدِ الْمَفْتُولَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «فَتَلْت قَلَائِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «أَنَا فَتَلْت تِلْكَ الْقَلَائِدَ مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي» وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعِهْنِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ فَقِيلَ هُوَ الصُّوفُ وَقِيلَ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ أَلْوَانًا وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّقْلِيدَ بِالْخُيُوطِ الْمَفْتُولَةِ يَكُونُ فِي الْغَنَمِ فَيُقَلِّدُهَا إمَّا بِذَلِكَ وَإِمَّا بِخُرْبِ الْقِرَبِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ عُرَاهَا وَآذَانُهَا وَأَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقْلِيدُهَا نَعْلَيْنِ مِنْ هَذِهِ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَهَا قِيمَةٌ وَيَتَصَدَّقُ بِهِمَا عِنْدَ ذَبْحِ الْهَدْيِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّقْلِيدِ نَعْلٌ وَاحِدٌ جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ النَّعْلَ لِنَقْلِهِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَلَمْ أَرَهُمْ قَالُوا إنَّهُ لَا تُقَلَّدُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ بِالْخُرْبِ وَالْخُيُوطِ بَلْ اسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ بِالنِّعَالِ وَسَكَتُوا عَنْ نَفْيِ مَا عَدَاهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَقْلِيدِ الْإِبِلِ بِالْخُيُوطِ وَلَا سِيَّمَا الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ «فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِشْعَارَ لَا يَكُونُ فِي الْغَنَمِ وَتَنَاوَلَ لَفْظُ الْبُدْنِ لِلْإِبِلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِكَرَاهَةِ تَقْلِيدِ النِّعَالِ وَالْوِبَارِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اُحْبُلْ الْقَلَائِدَ مِنْ مَسَدٍ. [فَائِدَةٌ فَتْل الْقَلَائِدِ لِلْهَدْيِ] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ فَتْلِ الْقَلَائِدِ لِلْهَدْيِ وَاسْتِخْدَامِ الْإِنْسَانِ أَهْلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا {السَّابِعَةُ} هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ إنَّمَا رَأَيْت أَصْحَابَنَا الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوهُ فِي الْهَدْيِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ وَالْمَنْذُورِ وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ دِمَاءَ الْحَجِّ إلَى هَدْيٍ وَنُسُكٍ. وَقَالُوا إنَّ الْهَدْيَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَمَا وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَدَمِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ وَغَيْرِهَا. وَقَالُوا إنَّ النُّسُكَ مَا وَجَبَ لِإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَطَلَبِ الرَّفَاهِيَةِ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمُنْجَبِرِ وَجَعَلُوا التَّقْلِيدَ مِنْ سُنَّةِ الْهُدَى. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنَّ التَّقْلِيدَ إنَّمَا يَكُونُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ دَمِ الْإِحْصَارِ وَالْجِمَاعِ وَالْجِنَايَاتِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ دَمُ نُسُكٍ وَفِي التَّقْلِيدِ إظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ، فَيَلِيقُ بِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ سَبَبَهُ الْجِنَايَةُ وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ بِهَا قَالُوا وَدَمُ الْإِحْصَارِ جَائِزٌ فَأُلْحِقَ بِهَا وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ، قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا عُمُومَ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْهَدْيُ الَّذِي سَاقَهُ إنَّمَا كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لَا تُسَاقُ مَعَ الْحَاجِّ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يُوجِبُهَا أَمْ لَا، وَلَمْ أَرَ أَصْحَابَنَا تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي تَحْقِيقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا أَيْ مُقَلَّدَةً كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَفْلَحَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ هَدْيَهُ أَشْعَرَهُ وَقَلَّدَهُ مِنْ بَلَدِهِ وَلَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ أَخَّرَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ إلَى حِينِ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ غَيْرِهِ. [فَائِدَةٌ مَنْ أَرْسَلَ هَدْيًا إلَى الْكَعْبَةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ] {التَّاسِعَةُ} وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَ هَدْيًا إلَى الْكَعْبَةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَا يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْتَنِبَ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ وَسَوَاءٌ قَلَّدَ هَدْيَهُ أَمْ لَمْ يُقَلِّدْهُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ انْتَهَى. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَعَدَّهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ فَحَكَى الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ وَكَأَنَّ مُرَادَ الْأَخِيرَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُحْرِمًا فَتَتَّحِدَ الْمَقَالَتَانِ حِينَئِذٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ نَقَلَهُ عَنْهُمْ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعْدِ بْنُ قَيْسٍ وَمَيْمُونِ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ وَأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي قَدَّمْته وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَارَتَيْنِ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِمَا مَعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَقَدْ أَحْرَمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ وَقَلَّدَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ آخِرًا فِيهِ التَّقْيِيدُ بِأَنْ يَكُونَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ عَلَى التَّقْيِيدِ الثَّانِي وَغَايَرْنَا بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَإِيجَابِ الْإِحْرَامِ حَصَلَ قَوْلَانِ آخَرَانِ مَعَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِإِرَادَةِ الْإِحْرَامِ فِي قَوْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ مُتَجَرِّدًا عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَسَأَلَ النَّاسَ عَنْهُ فَقَالُوا إنَّهُ أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ، فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ، فَلَقِيت ابْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ الْأَسْوَدِ قَالَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ وَلَا يُحْرِمُ إلَّا إنْ شَاءَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهَذَا (مَذْهَبٌ خَامِسٌ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ بِالتَّقْلِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ يَجِبْ وَهَذَا (مَذْهَبٌ سَادِسٌ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ لَا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ النِّسَاءِ وَهَذَا (مَذْهَبٌ سَابِعٌ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ بَدَنَتَهُ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي وَهَذَا (مَذْهَبٌ ثَامِنٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مُحْرِمٌ وَلَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَإِنَّمَا قَالَ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ وَهُوَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ بَدَنَتَهُ وَاعَدَهُمْ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي وَاعَدَهُمْ أَنْ يُشْعِرَ؛ أَمْسَكَ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُلَبِّي، وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الْإِمْسَاكِ خَاصَّةً وَيُخَالِفُهُ بِأَنَّهُ لَا يُرَتِّبُهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِرْسَالِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْإِشْعَارِ فَهُوَ (مَذْهَبٌ تَاسِعٌ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ إذَا بَعَثَ الرَّجُلُ بِالْهَدْيِ أَمَرَ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ مَعَهُ أَنْ يُقَلِّدَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ يُمْسِكُ عَنْ أَشْيَاءَ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهَا الْمُحْرِمُ وَهَذَا (مَذْهَبٌ عَاشِرٌ) لِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ الْمَنْعُ فِي كُلِّ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا دُونَ جَمِيعِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى التَّقْلِيدِ رَتَّبَهُ عَلَى الْإِشْعَارِ أَيْضًا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ فَهَذِهِ عَشَرَةُ مَذَاهِبَ شَاذَّةٌ إنْ لَمْ تُؤَوَّلْ وَتُرَدَّ إلَى مَذْهَبٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 بَابُ الْإِحْصَارِ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ إنْ صُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ   Qوَاحِدٍ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يَقْتَضِي التَّأْوِيلَ فَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ أَنَّ مَنْ بَعَثَ هَدْيَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا رِوَايَةً حُكِيَتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنُ جُبَيْرٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَهْلِ الرَّأْيِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ اجْتِنَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَهَذَا فِيهِ تَسَاهُلٌ وَإِنَّمَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إذَا قَلَّدَ هَدْيَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَكَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ انْتَهَى. فَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعَثَ الْهَدْيِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَقْلِيدُهُ وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا كَانُوا حَاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ بَعَثَ الْهَدْيَ فَمَنْ شَاءَ أَحْرَمَ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ» ، وَعَزَاهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ لِابْنِ مَاجَهْ أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ عِنْدَهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ الْإِحْرَامِ بِبَعْثِ الْهَدْيِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ عَزَمَهُ الْحَجُّ تِلْكَ السَّنَةَ وَإِنَّ الَّذِينَ يَصْحَبُونَ الْهَدْيَ مَعَهُمْ، مِنْهُمْ مَنْ يُحْرِمُ بِمُجَرَّدِ بَعْثِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُ الْإِحْرَامَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيُؤَخِّرُهُ إلَى الْمِيقَاتِ؛ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ حِبَّانَ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ (ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْحَاجِّ، بَعْثُ الْهَدْيِ وَسَوْقُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ) فَلَمَّا عَبَّرَ فِي تَبْوِيبِهِ بِالْحَاجِّ عَلِمْنَا أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ بَعْثَ الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ كَانَ مِمَّنْ عَزَمَهُ الْحَجُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِحْصَارِ] [حَدِيث أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ] بَابُ الْإِحْصَارِ. (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي الْفِتْنَةِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ إنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُهِلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَأَهْدَى وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «رَأَى أَنَّ قَضَاءَ طَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ..   Qصُدِدْت عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا وَأَهْدَى وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَأَنَّ بَيْنَ نَافِعٍ وَابْنِ عُمَرَ وَاسِطَةً إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِ طُرُقِ رِوَايَةِ نَافِعٍ التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَهَذَا غَيْرُ ضَارٍّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ وَاسِطَةٍ فَقَدْ عَرَفْت عَيْنَهُ وَثِقَتَهُ فَمَا ضَرَّ ذَلِكَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَهُوَ أَصَحُّ انْتَهَى وَكَيْفَ يَجْتَمِعُ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ أَوَّلًا يُصَحِّحُهُ ثُمَّ يَصِحُّ وَقْفُهُ وَلَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ رَأْيًا وَفِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ عَلَى الْقَارِنِ عَمَلَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْطَأَ فِيهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ حَمْلُهُمْ عَلَى الدَّرَاوَرْدِيِّ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ قَدْ تَابَعَ الدَّرَاوَرْدِيُّ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِمَعْنَى رِوَايَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ رَوَوْا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ (قُلْت) رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ هَذِهِ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ لِقِرَانِهِ طَوَافًا وَاحِدًا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ نَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ وَرَأَى إنْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ رَوَاهَا النَّسَائِيّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ عَنْ سُفْيَانَ. وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. عَنْ نَافِعٍ قَالَ «خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا وَفِيهِ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ» وَهَذَا لَفْظُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «وَرَأَى إنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَعَزْوُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا اللَّفْظَ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى مُسْلِمٍ فَقَطْ مُعْتَرَضٌ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ وَنَافِعٍ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا طَافَ لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَى سَعْيًا وَاحِدًا» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجِّهِمْ حِينَ قَدِمُوا إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا» وَكَأَنَّ مَنْ ذُكِرَ تَفَرَّدَ الدَّرَاوَرْدِيُّ بِذَلِكَ إنَّمَا أَرَادَ تَفَرُّدَهُ بِرِوَايَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُتَابَعَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ الْفِتْنَة الْمُشَار إلَيْهَا فِي الْحَدِيث] 1 (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ فِي الْفِتْنَةِ أَيْ الْكَائِنَةِ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَجَّاجِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ فِيهَا عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ لَكِنْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّتْ الْحَرُورِيَّةَ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ وَالْحَرُورِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نُسِبُوا إلَى حَرُورَاءَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلُ مُجْتَمَعِهِمْ وَتَحْكِيمِهِمْ فِيهَا وَهَذَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُمْ وَكَأَنَّهُ سَمَّى الْحَجَّاجَ وَمَنْ مَعَهُ حَرُورِيَّةً لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةُ وَهُوَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ كَيْفَ يَجْتَمِعُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ إهْلَالَهُ بِعُمْرَةٍ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَالْمُرِيدُ لِلْحَجِّ قَدْ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مِنْ مَكَّةَ بِحَجَّةٍ وَهُوَ الْمُتَمَتِّعُ، وَقَدْ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْقِرَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا فَجَعَلَهُ مُعْتَمِرًا بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ فِعْلِهِ وَمُرِيدًا لِلْحَجِّ بِاعْتِبَارِ مَآلِ حَالِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ خَرَجَ أَوَّلًا بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً بِالْحَجِّ ثُمَّ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الْفِتْنَةِ قَبْلَ وُصُولِ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَسَمَّاهُ مُرِيدًا لِلْحَجِّ بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ قَصْدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ إنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَهُ إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوك عَنْ الْبَيْتِ كَمَا هُوَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ: كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَمَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُرَادُ عَامُ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا صَنَعُوهُ الْإِحْلَالُ عِنْدَ الْإِحْصَارِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرَةَ عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُهَا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي مَعْنَاهُ مِثْلَ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ: الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ صُدِدْتُ وَأُحْصِرْتُ تَحَلَّلْتُ كَمَا تَحَلَّلْنَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَهَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُمْرَةٍ فِي الْعَامِ الَّذِي أُحْصِرَ، قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِظَاهِرٍ كَمَا ادَّعَاهُ؛ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ كَلَامِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ (قُلْت) وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَعَ أَنَّ إهْلَالَهُ بِعُمْرَةٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ صَدِّهِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ إحْرَامِهِ وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الصَّدِّ إنَّمَا هُوَ الْإِحْلَالُ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ يَعْنِي أَحْلَلْنَا كَمَا أَحْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ أَنَّ مَنْ أَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ، أَيْ مَنَعَهُ عَنْ الْمُضِيِّ فِي نُسُكِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِأَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَيَنْحَرَ هَدْيًا وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ أَوْ يُقَصِّرَ وَالتَّحَلُّلُ بِإِحْصَارِ الْعَدُوِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلَ وَتَفَارِيعَ [فَائِدَةٌ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ ضِيقُ الْوَقْتِ] 1 (مِنْهَا) أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ ضِيقُ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَيْأَسُ مِنْ إتْمَامِ نُسُكِهِ إنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ أَوَّلًا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ لَهُ التَّحَلُّلُ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ؟ لَمْ يَشْتَرِطْ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ إنَّمَا كَانَ بِعُمْرَةٍ وَهِيَ لَا يُخْشَى فَوَاتُهَا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ مَتَى رَجَا زَوَالَ الْحَصْرِ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ لَوْ زَالَ حَصْرُهُ فَيَحِلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحِلُّ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرُوحَ النَّاسُ إلَى عَرَفَةَ (وَمِنْهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ بَيْنَ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَكُونَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَخَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُحْصَرِ إرَاقَةُ دَمٍ أَمْ لَا، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِهِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُهُ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الدَّمِ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ إرَاقَتِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُرِيقُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَلِكَ فَعَلَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَدَلَّ عَلَى الْإِرَاقَةِ فِي الْحِلِّ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مَنَعُوهُمْ مِنْ إيصَالِهِ إلَى مَحِلِّهِ وَهُوَ الْحَرَمُ ذَكَرَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ بَلْ نَحَرَ بِالْحَرَمِ وَخَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ فَيُرْسِلُهُ مَعَ إنْسَانٍ وَيُوَاعِدُهُ عَلَى يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمُ تَحَلَّلَ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ فِي الْإِحْصَارِ عَنْ الْحَجِّ بِيَوْمِ النَّحْرِ، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ نُسُكٌ؛ وَقَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَمْ لَا؟ فَأَوْجَبَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَضَاءَ بَلْ زَادُوا فَقَالُوا إنَّ عَلَى الْمُحْصَرِ عَنْ الْحَجِّ حَجَّةً وَعُمْرَةً؛ وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةً وَعُمْرَتَيْنِ؛ وَلَمْ تُوجِبْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ الْقَضَاءَ؛ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَتَانِ: قَالُوا فَإِنْ كَانَ حَجَّ فَرْضٍ بَقِيَ وُجُوبُهُ عَلَى حَالِهِ؛ وَبَالَغَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَبْعَدَ فَقَالَ: يَسْقُطُ عَنْهُ وَرَأَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إتْمَامِ النُّسُكِ عَلَى وَجْهِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ لَا بُدَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِحْصَارِ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِيهَا مُحَالٌ عَلَى مَوَاضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ؛ وَبَقِيَتْ لَهُ فُرُوعٌ لَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا إذْ لَيْسَتْ فِي الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا كَالْمَذْكُورَةِ هُنَا؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ أَحْصَرَهُ مَرَضٌ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي نُسُكٍ] (السَّادِسَةُ) مَوْرِدُ النَّصِّ فِي قَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ فَلَوْ أَحْصَرَهُ مَرَضٌ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي نُسُكٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ كَالْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالُوا وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] إنَّمَا وَرَدَ فِي إحْصَارِ الْمَرَضِ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ فَاسْتِعْمَالُ الرُّبَاعِيِّ فِي الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْمَرَضِ؛ وَمَا نَقَلُوهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ؛ وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ الْمَالِكِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَحَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ وَالْأَخْفَشِ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُمَرَ الشَّيْبَانِيُّ حَصَرَنِي الشَّيْءُ وَأَحْصَرَنِي حَبَسَنِي انْتَهَى؛ فَجَعَلَهُمَا لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ أَوْ السُّلْطَانُ إذَا مَنَعَهُ عَنْ مَقْصِدِهِ فَهُوَ مُحْصَرٌ؛ وَحَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ فَهُوَ مَحْصُورٌ؛ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ الْخَلِيلِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُقَالُ حَصَرَ وَأَحْصَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَرَضِ وَالْعَدُوِّ جَمِيعًا؛ قَالَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ انْتَهَى؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ أَسْمَعْ مِمَّنْ حُفِظَ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَالَ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ؛ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَطَاءٍ الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى التَّعْمِيمِ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ [فَائِدَةٌ مَحَلُّ مَنْعِ التَّحَلُّلِ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ] 1 (السَّابِعَةُ) مَحَلُّ مَنْعِ التَّحَلُّلِ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ مَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ التَّحَلُّلَ بِهِ فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ 1 - (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ بِهَا وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْأُولَى وَالْحُدَيْبِيَةُ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ هُنَاكَ؛ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا تَخْفِيفُ الْيَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُهَا وَالْمُرَادُ الْعَامُ الَّذِي صُدَّ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْتِ وَوَادَعَ فِيهِ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُوَ سَنَةُ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي أَنَّهُ أَحْرَمَ تِلْكَ السَّنَةَ بِعُمْرَةٍ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ (مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَعْنِي فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ مِنْهُمَا بِالْإِحْصَارِ قَالَ: وَفِيهِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ فَلِهَذَا قَاسَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإنَّمَا تَحَلَّلَ مِنْ الْإِحْصَارِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ إحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ (قُلْت) مَا ذَكَرَهُ فِي مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ لَا يَتَعَيَّنُ فَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ فِي إمْكَانِ الْإِحْصَارِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا رَأَى الْإِحْصَارَ عَنْ الْحَجِّ أَقْرَبَ مِنْ الْإِحْصَارِ عَنْ الْعُمْرَةِ لِطُولِ زَمَنِ الْحَجِّ وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ؛ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بَعْدَ قَوْلِهِ مَا أَمْرُهُمَا إلَّا وَاحِدٌ إنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجِّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ أَيْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي ذَلِكَ؛ وَالْإِيجَابُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِتَعْلِيمِ مَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْإِشْهَادَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا التَّلَفُّظُ بِذَلِكَ وَالنِّيَّةُ كَافِيَةٌ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ [فَائِدَةٌ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنْ شَرْطُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الشَّرْطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَصَوَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الطَّوَافِ فَمَتَى كَانَ إدْخَالُهُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ لَمْ يَصِحَّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَصِحُّ مَا لَمْ يُكْمِلْ الطَّوَافَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى مَا لَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ مَا لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ، فَهَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَشْهَبَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَ إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَالَ لَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ كَمَا لَا يَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ؛ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ ثُمَّ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ؛ وَأَمَّا إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ [فَائِدَةٌ الْقَارِنَ يَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ ثُمَّ نَفَذَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَضَى وَسَارَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ حَتَّى وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ يَقْتَصِرُ عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقُ؛ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحُكِيَ الْأَوَّلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَحُكِيَ الثَّانِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ بِتَخَوُّفِ أَيَّامِ نَجْدَةَ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ الْبَيْتِ فَلَمَّا سَارَ أَيَّامًا قَالَ: مَا الْحَصْرُ فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَصْرُ فِي الْحَجِّ إلَّا وَاحِدٌ فَضَمَّ إلَيْهَا حَجَّةً فَلَمَّا قَدِمَ طَافَ طَوَافَيْنِ طَوَافًا لِعُمْرَتِهِ وَطَوَافًا لِحَجَّتِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ» لَكِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ شَاذَّةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يَرَوْهُ عَنْ الْحَكَمِ غَيْرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ أَجْمَعَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ لِكَثْرَةِ الْمَنَاكِيرِ فِي رِوَايَاتِهِ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا سَبَقَ [فَائِدَةٌ الْقَارِنَ يُهْدِي كَالْمُتَمَتِّعِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ يُهْدِي كَالْمُتَمَتِّعِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ، مَنْ فَضَّلَ مِنْهُمْ الْقِرَانَ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَرْجُوحًا؛ وَمَنْ قَالَ بِإِتْيَانِ الْقَارِنِ بِأَعْمَالِ النُّسُكَيْنِ، وَمَنْ قَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا قَدِيمًا عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَهُوَ شَاذٌّ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَأَهْدَى شَاةً» فَزَادَ ذِكْرَ الشَّاةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى غَلَطِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِيمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ بَقَرَةٌ دُونَ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٌ دُونَ بَدَنَةٍ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) شَاةٌ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّهُ لَا هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ [فَائِدَةٌ خُرُوج الرَّجُلِ لِلْحَجِّ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحَجِّ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ إذَا لَمْ يُوقِنْ بِالسُّوءِ وَرَجَا السَّلَامَةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ رُكُوبِ الْغَرَرِ [فَائِدَةٌ طَوَافَ الْقُدُومِ إذَا وُصِلَ بِالسَّعْيِ هَلْ يُجْزِئُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ ابْنَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» قَالَ النَّسَائِيُّ   Qفِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إذَا وُصِلَ بِالسَّعْيِ يُجْزِئُ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَنْ تَرَكَهُ جَاهِلًا أَوْ نَسِيَهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرُهُ وَغَيْرُ أَصْحَابِهِ (قُلْت) هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ وَرَأَى أَنْ قَدْ قُضِيَ طَوَافُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ مُقْتَضَاهُ الْإِجْزَاءُ بِدُونِ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ فَيَحْتَاجُ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْدَرَجَتْ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ وَطَوَافُ الْحَجِّ لَا يَجِيءُ وَقْتُهُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقُولُ إنَّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَقُومُ مَقَامَ طَوَافِ الْحَجِّ وَيَكُونُ الطَّوَافُ الْمَأْتِيُّ بِهِ أَوَّلًا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُدُومُ وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ طَوَافُ الرُّكْنِ لِلْعُمْرَةِ وَسَدٌّ عَنْ طَوَافِ الْحَجِّ اسْتَقَامَ ذَلِكَ وَإِلَّا أُشْكِلَ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا بِحَجَّةٍ يَوْمَ النَّحْرِ - مَعْنَاهُ حَتَّى أَحِلَّ مِنْهُمَا يَوْمَ النَّحْرِ بِعَمَلِ حَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ وَلَعَلَّ قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ أَرَادَ بِهِ السَّعْيَ فَهُوَ طَوَافٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ الَّذِي اكْتَفَى بِالْإِتْيَانِ بِهِ أَوَّلًا أَمَّا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافُهُ الْأَوَّلُ» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ «وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» أَرَادَتْ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ يُؤَيِّدُ الْحَدِيثَ الَّذِي قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [حَدِيث حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ مَعْمَرٍ) وَقَالَ الْأَصِيلِيُّ لَا يَثْبُتُ فِي الِاشْتِرَاطِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ مِنْ الْأَصِيلِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ مُرْسَلًا " لَوْ ثَبَتَ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ " وَقَدْ ثَبَتَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَالشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَأَدْرَكْت» وَزَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت» وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ أُهِلُّ بِالْحَجِّ؟ قَالَ قُولِي: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ   Qوَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَوَكِيعٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ضُبَاعَةَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ أَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدِي خِلَافُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ مَوْصُولًا بِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ، وَثَبَتَ وَصْلُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ انْتَهَى وَأَخْرَجَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 بِالْحَجِّ إنْ أَذِنْت لِي بِهِ وَأَعَنْتنِي عَلَيْهِ وَيَسَّرْته لِي، وَإِنْ حَبَسْتنِي فَعُمْرَةٌ، وَإِنْ حَبَسْتنِي عَنْهُمَا جَمِيعًا فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» لِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ. «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ؟» زَادَ النَّسَائِيُّ (أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ أَوَّلَهُ وَقَالَ: «أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» ..   Qعَائِشَةَ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ قَدْ صَحَّ وَبَالَغَ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَلَى الشَّكِّ هَكَذَا وَجَابِرٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سِوَى حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَوْ سُعْدَى فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ مَعْمَرٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ مَعْمَرٍ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِيمَا أَعْلَمُ وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الْأَصِيلِيُّ لَا يَثْبُتُ فِي الِاشْتِرَاطِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ قَالَ النَّسَائِيُّ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَسْنَدَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُ مَعْمَرٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الَّذِي عَرَّضَ بِهِ الْقَاضِي وَقَالَهُ الْأَصِيلِيُّ مِنْ تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ غَلَطٌ فَاحِشٌ جِدًّا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ: لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ تَنْوِيعِ طُرُقِهِ أَبْلَغَ كِفَايَةٍ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ لَمْ يَقُلْ بِانْفِرَادِ مَعْمَرٍ بِهِ مُطْلَقًا بَلْ بِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِانْفِرَادِ الْمُقَيَّدِ، الِانْفِرَادُ الْمُطْلَقُ، فَقَدْ أَسْنَدَهُ مَعْمَرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْنَدَهُ الْقَاسِمُ عَنْهَا وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ مَعْمَرٌ مُطْلَقًا لَمْ يَضُرَّهُ وَكَمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِانْفِرَادِ وَلَا يَضُرُّ إرْسَالُ الشَّافِعِيِّ لَهُ فَالْحُكْمُ لِمَنْ وَصَلَ، هَذَا مَعْنَى كَلَامُهُ. (الثَّانِيَةُ) ضُبَاعَةُ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَبَعَدَ الْأَلِفِ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ بِنْتُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ هِيَ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَوْ سُعْدَى دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ وَهْمٌ لَا يُتَأَوَّلُ بِمَا قَالَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى جَدِّهَا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» : لِأَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَقَالَ: «مَا يَمْنَعُكِ يَا عَمَّتَاهُ مِنْ الْحَجِّ» ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَقِيقَةً حَتَّى تَكُونَ عَمَّتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ وَهْمٌ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ وَلَيْسَ لِلزُّبَيْرِ بَقِيَّةٌ إلَّا مِنْ بِنْتَيْهِ أُمِّ الْحَكَمِ وَضُبَاعَةَ انْتَهَى وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَبِسَبَبِ ذَلِكَ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ (الْأَكْفَاءُ فِي الدِّينِ) يُشِيرُ إلَى تَزَوُّجِهَا بِالْمِقْدَادِ وَلَيْسَ كُفُؤًا لَهَا مِنْ حَيْثُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ كِنْدِيٌّ وَلَيْسَ كِنْدَةُ أَكْفَاءً لِقُرَيْشٍ فَضْلًا عَنْ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ كُفُؤٌ لَهَا فِي الدِّينِ فَقَطْ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهَا ضُبَاعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالصَّوَابُ الْهَاشِمِيَّةُ وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا ضُبَاعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ وَلَكِنَّهُمَا وَهَمَا فِي نِسْبَتِهَا، نَعَمْ فِي الصَّحَابَةِ أُخْرَى تُسَمَّى ضُبَاعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَنْصَارِيَّةٌ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ عَطِيَّةَ [فَائِدَةٌ دُخُولُ النَّبِيّ عَلَى ضُبَاعَةَ عِيَادَةً أَوْ زِيَارَةً وَصِلَةً] 1 (الثَّالِثَةُ) دُخُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ضُبَاعَةَ عِيَادَةً أَوْ زِيَارَةً وَصِلَةً فَإِنَّهَا قَرِيبَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ بَيَانُ تَوَاضُعِهِ وَصِلَتِهِ وَتَفَقُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يَخْلُو بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَلَا يُصَافِحُهُنَّ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ لِعِصْمَتِهِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا ذَلِكَ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَصَائِصِهِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهَا «فَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ» قَدْ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ (أَرَدْتُ الْحَجَّ) وَلَا مُنَافَاةَ فَقَدْ تَكُونُ إنَّمَا قَالَتْ إنَّمَا أُرِيدُ الْحَجَّ فِي جَوَابِ اسْتِفْهَامِهِ لَهَا وَلَيْسَ اللَّفْظُ صَرِيحًا فِي أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهَا أَمَا تُرِيدِينَ الْحَجَّ الْعَامَ» وَمِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ أَوْ سُعْدَى «مَا يَمْنَعُكِ مِنْ الْحَجِّ» كُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهَا كَانَ جَوَابًا لِسُؤَالِهِ لَكِنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «أَنَّ ضُبَاعَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ» وَهَذَا قَدْ يُنَافِي قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ» وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ جَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مَنْزِلِهِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ فَأَشْتَرِطُ، فَقَالَ لَهَا نَعَمْ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَهُ بِالِاشْتِرَاطِ مَا كَانَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا [فَائِدَةٌ الْخِلَاف فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاط فِي الْحَجّ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهَا وَأَنَا شَاكِيَةٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَرِيضَةٌ وَالشَّكْوَى وَالشَّكْوُ الْمَرَضُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ مَحِلِّي بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَوْضِعِ حُلُولِي أَوْ وَقْتُ حُلُولِي وَالْمَحِلُّ يَقَعُ عَلَى الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَقَوْلُهُ (حَبَسْتنِي) أَيْ مَنَعْتنِي مِنْ السَّيْرِ بِسَبَبِ ثِقَلِ الْمَرَضِ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْفَتْحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمَرْوِيُّ وَالْكَسْرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قُولِي هَذَا اللَّفْظَ وَهُوَ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي. (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ فِي إحْرَامِهَا التَّحَلُّلَ عِنْدَ الْمَرَضِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْأَمْرِ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْإِيجَابِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ لِتَأْوِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَاصِلُ هَذَا الْخِلَافِ أَقْوَالٌ: (أَحَدُهَا) جَوَازُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْجَدِيدِ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ صَحَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِذَلِكَ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِصِحَّتِهِ وَأَجْرَى غَيْرُهُ فِيهِ قَوْلَيْنِ فِي الْجَدِيدِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِعْلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْأَمْرُ بِهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا وَاقِفًا بِعَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ أَشَارَطْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ، وَعَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ فِي الْمُحْرِمِ قَالَا لَهُ شَرْطُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْأَمْرُ بِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى الِاشْتِرَاطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ ثُمَّ وَقَفَ عَنْهُ بِمِصْرَ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَحَكَاهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. (الثَّانِي) اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَإِنَّ ابْنَ قُدَامَةَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَالْمَجْدِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا عِنْدَ ذِكْرِ الْإِحْرَامِ وَيَشْتَرِطُ أَيْ الْمُحْرِمُ إنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْوُجُوبُ. (الثَّالِثُ) إيجَابُهُ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ تَمَسُّكًا بِالْأَمْرِ. (الرَّابِعُ) إنْكَارُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ أَبِي لَا يَرَى الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ: كَانُوا لَا يَشْتَرِطُونَ وَلَا يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ الِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إنَّمَا الِاشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ وَعَنْهُ أَيْضًا الْمُسْتَثْنَى وَغَيْرُ الْمُسْتَثْنَى سَوَاءٌ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ كَانَ عَلْقَمَةُ يَشْتَرِطُ فِي الْحَجِّ وَلَا يَرَاهُ شَيْئًا، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ زَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِدُونِ أَوَّلِهِ وَلَفْظُهُ «أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْكَارَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَحَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ غَلَطٌ فَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا قَدَّمْتُهُ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ الِاشْتِرَاطَ يُفِيدُ سُقُوطَ الدَّمِ فَأَمَّا التَّحَلُّلُ فَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَهُ بِكُلِّ إحْصَارٍ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَيْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ اُبْتُلِيَ، وَرَوَيْنَا عَنْهُ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَجِّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا تَنَاقُضٌ مَرَّةً كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ وَمَرَّةً كَانُوا يَكْرَهُونَ فَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا تَرْكُ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ لِاضْطِرَابِهَا. (الثَّانِيَةُ) فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَى أَنَّ الْأَمْرَ بِهِ تَرْخِيصٌ وَتَوْسِعَةٌ وَتَخْفِيفٌ وَرِفْقٌ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ بِمُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْمَرَضِ، وَمَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ دِينِيَّةً وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ قَدْ يُعْرَضُ لَهَا مَرَضٌ يُشَعِّثُ الْعِبَادَةَ وَيُوقِعُ فِيهَا الْخَلَلَ وَهَذَا بَعِيدٌ، وَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ وَلَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنُقِلَ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ بَعْدَ شِكَايَتِهَا لَهُ، عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ تَرْخِيصٌ حَرَّكَ ذِكْرَهُ هَذَا السَّبَبُ وَهُوَ شَكْوَاهَا وَمَنْ قَالَ بِالْإِنْكَارِ مِنْهُمْ مِنْ ضَعْفِ الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَرَدَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ وَفِي تَأْوِيلِهِ أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بِهَا مَرَضٌ أَوْ حَالٌ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهَا أَنَّهُ يُعَوِّقُهَا عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَهَذَا كَمَا أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فِي رَفْضِ الْحَجِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ وَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمْ أَعْدُهُ وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ. (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي بِالْمَوْتِ أَيْ إذَا أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ انْقَطَعَ إحْرَامِي حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَعَجِبْت مِنْ جَلَالَةِ الْإِمَامِ كَيْفَ قَالَهُ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ لَا مُطْلَقًا حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَائِدَةِ الْخَامِسَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَشْرَةَ فَإِنَّ فِيهِ التَّصْرِيحَ بِالتَّحَلُّلِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَرُوِيَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ سَمِعْنَاكُمْ تَعْتَلُّونَ بِهَذَا فِي الصَّاحِبِ فَعَدَّيْتُمُوهُ إلَى التَّابِعِ وَإِنْ دَرَجْتُمُوهُ بَلَغَ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ بَعْدَنَا فَصَارَ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ فَتَرْكُهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّهِ وَلَئِنْ خَالَفَ هَؤُلَاءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَأَطْنَبَ ابْنُ حَزْمٍ فِي رَدِّ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّنُّ بِمَنْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِمَّنْ خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَمْ يُنْكِرْهُ كَمَا لَمْ يُنْكِرْهُ أَبُوهُ (التَّاسِعَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِطَ لِذَلِكَ يَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ وَالْعَجْزِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إحْلَالٍ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إنْ اشْتَرَطَ التَّحَلُّلَ بِذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ وَإِنْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ فَهَلْ يَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى تَحَلُّلٍ أَوْ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ؟ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ؛ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ مُحْتَمَلَةٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ مَحِلِّي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَوْضِعَ حِلِّي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَوْضِعَ إحْلَالِي [فَائِدَةٌ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَشَرْطُ التَّحَلُّلِ مِنْهَا عِنْدَ الْمَرَضِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ فِي مَعْنَاهُ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَشَرْطُ التَّحَلُّلِ مِنْهَا عِنْدَ الْمَرَضِ كَانَ كَذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُجَوِّزِينَ لِلِاشْتِرَاطِ فِيمَا أَعْلَمُ وَلَعَلَّ الْعُمْرَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت» وَقَدْ عَزَى ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَلَيْسَتْ عِنْدَ مُسْلِمٍ [فَائِدَةٌ الْمُرَادُ بِالتَّحَلُّلِ فِي الْحَجّ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْمُرَادُ بِالتَّحَلُّلِ أَنْ يَصِيرَ نَفْسُهُ حَلَالًا فَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ شَرْطِ التَّحَلُّلِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا جَازَ إبْطَالُ الْعِبَادَةِ لِلْعَجْزِ فَنَقْلُهَا إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى أَوْلَى بِالْجَوَازِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) سَبَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ لَكِنَّ قَوْلَهُ (حَبَسْتنِي) يَصْدُقُ بِالْحَبْسِ بِالْمَرَضِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ كَذَهَابِ النَّفَقَةِ وَفَرَاغِهَا وَضَلَالِ الطَّرِيقِ وَالْخَطَأِ فِي الْعَدَدِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ كَالْمَرَضِ فِي جَوَازِ شَرْطِ التَّحَلُّلِ بِهَا وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ خَالَفَ فِيهِ [فَائِدَةٌ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ بِالشَّرْطِ دَمٌ إذْ لَوْ وَجَبَ لَذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ وَقْتُ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ فَلَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ قَطْعًا وَإِنْ شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَطْعًا [فَائِدَةٌ لَا يَسْقُطُ دَمُ الْإِحْصَارِ بِشَرْطِ التَّحَلُّل] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الدَّمِ فِيمَا إذَا حَبَسَهُ عَدُوٌّ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَسْقُطُ دَمُ الْإِحْصَارِ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بِالْإِحْصَارِ جَائِزٌ بِلَا شَرْطٍ فَشَرْطُهُ لَاغٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى فِيهِ خِلَافًا [فَائِدَةٌ كَيْفِيَّةُ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ ضُبَاعَةَ قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَكَيْفَ أُهِلُّ بِالْحَجِّ؟ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِالْحَجِّ إنْ أَذِنْت لِي بِهِ وَأَعَنْتنِي عَلَيْهِ وَيَسَّرْته لِي، وَإِنْ حَبَسْتنِي فَعُمْرَةٌ وَإِنْ حَبَسْتنِي عَنْهُمَا جَمِيعًا فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» وَهَذِهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَيُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْحَاجِّ شَرْطُ التَّحَلُّلِ مِنْهُ مُطْلَقًا إلَّا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَعَنْ الْعُمْرَةِ فَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ لَا يُنْتَقَلُ لِلتَّحَلُّلِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ أَصْحَابِنَا فِيمَا لَوْ شَرَطَ قَلْبَ الْحَجِّ عُمْرَةً عِنْدَ الْمَرَضِ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ [فَائِدَةٌ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إذْ لَوْ جَازَ التَّحَلُّلُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهِ مَعْنًى 1 - (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عِنْدَ التَّحَلُّلِ بِالْمَرَضِ بِالشَّرْطِ وَبِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيَعُودُ فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ 1 - (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهِ لِلْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ مَتَى سَبَقَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «اشْتَرِطِي عِنْدَ إحْرَامِك» وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ فِي الْمُغْنِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ انْتَهَى. وَهُوَ وَاضِحٌ (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهَذَا الِاشْتِرَاطِ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَذَكَرَ فِيهِ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ احْتِمَالَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) هَذَا قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «قُولِي مَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي» (قُلْت) وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» (وَالثَّانِي) أَنَّهُ تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَوَجْهُهُ بِأَنَّهُ تَابِعٌ لِعَقْدِ الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ. (الْعِشْرُونَ) قَدْ يَتَشَوَّفُ لِحَالِ ضُبَاعَةَ هَلْ حَبَسَهَا الْمَرَضُ أَمْ لَا، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَأَدْرَكْت» وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ الْحَجَّ وَلَمْ تَتَحَلَّلْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْهُ [فَائِدَةٌ الشَّرْط فِي التَّحَلُّل لَا يَشْتَرِط لَهُ وَلَفْظ مَعِين] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي الِاشْتِرَاطِ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى وَالْعِبَارَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِتَأْدِيَةِ الْمَعْنَى ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ بِقَوْلِ عَلْقَمَةَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ. وَبِقَوْلِ شُرَيْحٍ (اللَّهُمَّ قَدْ عَرَفْت نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا تُتِمُّهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ) وَنَحْوُهُ عَنْ الْأَسْوَدِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِعُرْوَةِ قُلْ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَإِيَّاهُ نَوَيْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَعُمْرَةٌ) وَنَحْوُهُ عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ زِيَادٍ. (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي قَوْلِهِ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَنَّ الْمُحْصَرَ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، وَهُنَاكَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَلَوْ كَانَ فِي الْحِلِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ حَيْثُ حَبَسْتنِي مَا إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ (مَتَى شِئْت) أَوْ (كَسِلْت) خَرَجْت وَهَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ وَبَطْحَاءَ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَا يَقُولُ إذَا قَفَلَ عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَتْ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ» وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ «نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ» وَلِأَبِي دَاوُد (إنَّمَا نَزَلَ الْمُحَصَّبَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ) وَلِلشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مُنْزَلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «لَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى» الْحَدِيثَ. وَلَهُ أَنَّ «ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً، وَكَانَ   Q [بَابُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ وَبَطْحَاءَ وَذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَا يَقُولُ إذَا قَفَلَ] [حَدِيثُ نُزُولِ الْمُحَصَّبِ] (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَالَتْ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَلًا أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ (أَنَا عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ) الْحَدِيثَ وَاقْتَصَرَ النَّسَائِيّ عَلَى ذِكْرِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «نُزُولُ الْأَبْطُحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَدْلَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْبَطْحَاءِ لَيْلَةَ النَّفْرِ إدْلَاجًا» . (الثَّانِيَةُ) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ (لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُ ذَلِكَ) إلَى النُّزُولِ بِالْأَبْطَحِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ؛ وَالْمُرَادُ النُّزُولُ بِهِ عِنْدَ النَّفْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ وَقَالَ قَدْ حَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ» وَلِلْبُخَارِيِّ «كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالْمَغْرِبَ. قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .   Qمِنْ مِنًى. (الثَّالِثَةُ) الْأَبْطَحُ هُوَ الْوَادِي الْمَبْطُوحُ بِالْبَطْحَاءِ وَالْمُحَصَّبُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ الَّذِي فِيهِ الْحَصْبَاءُ؛ وَالْبَطْحَاءُ وَالْحَصْبَاءُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ الْحَصَى؛ الصِّغَارُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ مَكَانٌ مُتَّسِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبَ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحْدَهُ مِنْ الْحَجُونِ ذَاهِبًا إلَى مِنًى، وَزَعَمَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ ذُو طُوًى وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. قَالَ النَّوَوِيُّ، الْمُحَصَّبُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْحَصْبَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَالْأَبْطُحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ اسْمٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَصْلُ الْخَيْفِ كُلُّ مَا انْحَدَرَ عَنْ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ الْمَسِيلِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْأَبْطُحَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ الْآتِي ذِكْرُهُ غَيْرُ الْمُحَصَّبِ وَالْبَطْحَاءِ وَخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي ذِكْرُهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْبَطْحَاءُ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ وَهَذِهِ الْبَطْحَاءُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بِالْمُعَرَّسِ انْتَهَى. وَهُوَ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَيَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنْ جِئْت فَضَرَبْت قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبْطُحِ الْمَكَانُ الَّذِي عِنْدَ مِنًى. (الرَّابِعَةُ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَبْطَحَ هُوَ الْمُحَصَّبُ الَّذِي عِنْدَ مِنًى فَكَوْنُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَكُنْ تَنْزِلُهُ عِنْدَ النَّفْرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا أَصْلًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَحِينَئِذٍ فَنُزُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَرَى اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ كَغَيْرِهِ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ لَكِنْ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا نَزَلَهُ لِكَوْنِهِ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّزُولَ فِيهِ كَانَ بِالْقَصْدِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ وَذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ قَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مُنْزَلًا؟ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَحِينَئِذٍ فَنَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ سَمِعَ كَلَامَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ وُفِّقَ لِمَا أَرَادَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا نَفَى أَمْرَهُ بِذَلِكَ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ مِنًى فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَهَذَا بَعِيدٌ (فَإِنْ قُلْت) فَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مُنْزَلُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ» وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا فَهَذِهِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ نَصْرُهُ فِي حُنَيْنٍ لَا فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ «مُنْزَلُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفَ» (قُلْت) قَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّاتٍ فَقَالَ: تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ فِي اسْتِقْبَالِ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ غَلَبَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ وَتَنْكِيسِ رَأْسِ الْكُفْرِ بِهَا، ثُمَّ قَالَهُ حِينَ أَرَادَ غَزْوَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ ثُمَّ قَالَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ ذَلِكَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارًا لِلدِّينِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ وَحَيْثُ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ تَحَالَفُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَهُوَ تَحَالُفُهُمْ عَلَى إخْرَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ مَكَّةَ إلَى هَذَا الشِّعْبِ وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ الصَّحِيفَةَ الْمَشْهُورَةَ وَكَتَبُوا أَنْوَاعًا مِنْ الْبَاطِلِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْكُفْرِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ فَأَكَلَتْ كُلَّ مَا فِيهَا مِنْ كُفْرٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ وَبَاطِلٍ، وَتَرَكَتْ مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ فَجَاءَ إلَيْهِمْ أَبُو طَالِبٍ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَوَجَدُوهُ كَمَا أَخْبَرَ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ النُّزُولَ هُنَاكَ قَصْدًا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ وَهُوَ الشُّكْرُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى إظْهَارِ الدِّينِ وَدَحْضِ الْكُفْرِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَ نُزُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُنَاكَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الظُّهُورِ بَعْدَ الِاخْتِفَاءِ وَعَلَى إظْهَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. (الْخَامِسَةُ) ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ إذَا فَرَغَ مِنْ الرَّمْيِ وَنَفَرَ مِنْ مِنًى أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَيَنْزِلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتَ بِهِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً وَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْحَصْبَةِ قَالَ نَافِعٌ قَدْ حَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْحُصَيْبِ فَحَدَّثَنَا عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا وَلَوْ تَرَكَ النُّزُولَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُسُكِهِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَا ذَكَرْته مِنْ اسْتِحْبَابِ النُّزُولِ بِهِ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَتَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةً لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَنْزِلُونَ بِالْأَبْطَحِ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ زِيَادَةُ ذِكْرِ عُثْمَانُ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا آلَ خُزَيْمَةَ حَصِّبُوا لَيْلَةَ النَّفْرِ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَسَمِعَ دُعَاءً فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ ابْنُ عُمَرَ يَرْتَحِلُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمَّا نَفَرَ أَتَى الْأَبْطَحَ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ مِنًى. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَبْطَحِ فَلْيَضَعْ رَحْلَهُ ثُمَّ لِيَزُرْ الْبَيْتَ وَلْيَضْطَجِعْ فِيهِ هُنَيْهَةً ثُمَّ لِيَنْفِرْ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ فِي شِعْبِ الْخَوْرِ وَأَنْكَرَ التَّحْصِيبَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ فَرَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَنْزِلُ الْأَبْطَحَ وَقَالَ إنَّمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ انْتَظَرَ عَائِشَةَ وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَحْصِبُونَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا أَنَّهُ أَنْكَرَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَحْصِبُ هِيَ وَلَا أَسْمَاءُ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْخُلَفَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْهُمْ يَفْعَلُونَهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَقُولَانِ بِهِ وَيَقُولَانِ هُوَ مُنْزَلُ اتِّفَاقِي لَا مَقْصُودَ فَحَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حَكَى عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ فِي نَقْلِ الِاتِّفَاقِ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ الْحَافِظُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ فَقَالَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ حَكَى اسْتِحْبَابَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ النَّوَوِيِّ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (قُلْت) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُسْتَحَبٌّ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْحِجَازِيِّينَ آكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالْكُلُّ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَصَلَّى بِهَا» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ   Qلَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَارِكِهِ فِدْيَةٌ وَلَا دَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا إنَّمَا أَخَذَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَسَقَطَتْ عَلَيْهِ لَفْظَةُ مِنْ فَبَقِيَ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَوَّلَ كَلَامَ مَنْ أَنْكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ أَنْكَرَ كَوْنَهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ لَا أَصْلَ اسْتِحْبَابِهِ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ نُزُولُ الْأَبْطُحِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مُنْزَلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ أَيْ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ كَمَا هُوَ مُفَسَّرٌ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ وَعَدَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَنْزِلَ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسَامَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كَلَامِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، فَدَلَّ قَوْلُهَا هَذَا عَلَى أَنَّ نُزُولَ الْمُحَصَّبِ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ مِنْ فِدْيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَلَامِ عَنْ حَدِيثِ بَطْحَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ نُزُولُهَا وَالْمَبِيتُ فِيهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ كَانَ قَصْدًا أَرَاهُ لِلْمُشْرِكِينَ لَطِيفُ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَقَالَ فَصَارَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ وَحَكَى أَبُو عَمْرٍو بْنُ الْحَاجِبِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَسَّعَ فِي النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ عَلَى مَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَكَانَ يُفْتِي بِهِ سِرًّا فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ إنْكَارُهُ وَاسْتِحْبَابُهُ نُسُكًا أَوْ غَيْرَ نُسُكٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَدَى بِهِ وَغَيْرِهِ [فَائِدَةٌ نُزُولَ الْمُحَصَّبِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَنَاسِكِ] 1 (السَّادِسَةُ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ نُزُولَ الْمُحَصَّبِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَنَاسِكِ، فَهَلْ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ إذَا مَرَّ بِهِ؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ مُطْلَقًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِلْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَإِظْهَارُ الْعِبَادَةِ فِيهِ إظْهَارًا لِشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَدِّ كَيْدِ الْكُفَّارِ وَإِبْطَالِ مَا أَرَادُوهُ. [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَصَلَّى بِهَا] الْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَصَلَّى بِهَا» قَالَ نَافِعٌ: (كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 ذَلِكَ وَلَهُمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كَانَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنِيخَ بِهَا " زَادَ مُسْلِمٌ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ   Qاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنِيخُ بِهَا» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ» . (الثَّانِيَةُ) الْبَطْحَاءَ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ تُسَمَّى الْمُعَرَّسَ أَيْضًا وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَأَصْلُ الْمُعَرَّسِ مَوْضِعُ النُّزُولِ مُطْلَقًا أَوْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَرَّسَ الْقَوْمُ فِي الْمُنْزَلِ إذَا نَزَلُوا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَصَارَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ كَمَا حَكَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَدِينِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَشَارِقِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَقِيلَ لَهُ إنَّك بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ» . قَالَ مُوسَى وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي عَزْوِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ نَظَرٌ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا ذَكَرَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي أَوَائِلِ الْحَجِّ. (الثَّالِثَةُ) اُخْتُلِفَ فِي نُزُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَطْحَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ ذَلِكَ جَرَى اتِّفَاقًا لَا عَنْ قَصْدٍ فَهُوَ كَبَقِيَّةِ مَنَازِلِ الْحَجِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هُوَ مِثْلُ الْمَنَازِلِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَبَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتْبَعُ آثَارَهُ تِلْكَ فَيَنْزِلُ بِهَا فَكَذَلِكَ قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ بِالْمُعَرَّسِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذَا تَوْجِيهًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ مَرَّ بِالْمُعَرَّسِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَاجِعًا مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَرِّسَ بِهِ حَتَّى يُصَلِّي فَعَلَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. (ثَانِيهَا) أَنَّهُ قَصَدَ النُّزُولَ بِهِ لَكِنْ لَا لِمَعْنَى فِيهِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا نَزَلَ بِهِ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُصْبِحَ لِئَلَّا يَفْجَأَ النَّاسُ أَهَالِيهمْ لَيْلًا كَمَا نَهَى عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ قَصْدًا لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ التَّبَرُّكُ بِهِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّك بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا صَلَاتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهِ وَمَا فُهِمَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى النُّزُولِ بِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُجَاوِزَ الْمُعَرَّسَ إذَا قَفَلَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَأَنَّهُ مَنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيَقُمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَدَا لَهُ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّسَ بِهِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَنَاخَ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي لَيْسَ نُزُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمُعَرَّسِ كَسَائِرِ مَنَازِلِ طَرِيقِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ حَيْثُ أَمْكَنَهُ وَالْمُعَرَّسُ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً. وَلَا وَجْهَ لِتَزْهِيدِ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُعَرَّسُ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ مَا أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى نَافِعٍ تَأَخُّرَهُ عَنْهُ وَذَكَرَ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَبَقَهُ إلَى الْمُعَرَّسِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا حَبَسَك؟ فَذَكَرَ عُذْرًا فَقَالَ ظَنَنْت أَنَّك أَخَذْت الطَّرِيقَ وَلَوْ فَعَلْت لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا [فَائِدَةٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ النُّزُول بِبَطْحَاءِ ذِي الْحُلَيْفَةِ] 1 (رَابِعُهَا) أَنَّهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهَذَا شَيْءٌ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ حِكَايَتَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا فِدْيَةٌ أَوْ دَمٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَكِنَّهُ حَسَنٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ إلَّا ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ سُنَّةً: انْتَهَى فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي إيجَابِ ابْنِ عُمَرَ فِدْيَةً بِتَرْكِهِ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَادَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِهِ زِيَادَةً لَمْ يَقُولُوا بِهَا فَيُعَدُّ حِينَئِذٍ مَذْهَبًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ بِبَطْحَاء ذِي الْحُلَيْفَةِ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً لَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْمَبِيتِ بِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ فَرِيضَةً وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مُجَاوَزَتُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَاسْتِحْبَابُ الشَّافِعِيِّ لَهُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَرِّسَ بِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فَعَلَ. (الْخَامِسَةُ) لَوْ مَرَّ بِهِ فِي وَقْتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لَهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ سَبَبٍ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْمَجِيءَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ كَمَا قَالُوهُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُ التَّحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِقَصْدِ فِعْلِ التَّحِيَّةِ فَلَا يَفْعَلُهَا عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي تِلْكَ فِعْلُهَا قَبْلَ الْجُلُوسِ فَلِأَجْلِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهَا اُغْتُفِرَ فِعْلُهَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ وَأَمَّا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَلَيْسَ مِنْ سُنَّتِهَا الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا بَلْ الْقَصْدُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ مَنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيَقُمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَا بَدَا لَهُ وَهَذَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي طَرْدِ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ فِي ذَاتِ السَّبَبِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ أَيْ الْمَفْرُوضَةُ وَمُرَادُهُ دُخُولُ وَقْتِهَا لَكِنْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ مَا بَدَا لَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ النَّافِلَةِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي فِيهِ نَافِلَةً. (السَّادِسَةُ) فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ زِيَادَةُ الْمَبِيتِ بِهَا إلَى الصَّبَاحِ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ لَازِمٌ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ فِي مَبِيتِ الْمُزْدَلِفَةِ حُصُولُ الْقَصْدِ بِالْمَبِيتِ بِهَا نِصْفَ اللَّيْلِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَنْ لَا يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلًا اقْتَضَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارَ إلَى الصَّبَاحِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي هَذَا الْمَحْذُورِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ. (السَّابِعَةُ) قَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ إذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» .   Qوَمُقْتَضَى الْمَعْنَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ بِهَا وَالْمَبِيتِ لِكُلِّ مَارٍّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَادِرًا مِنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي تَبْوِيبِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَحَّ مِنْ شَرَفِ الْبُقْعَةِ وَأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَأَمَّا التَّقْيِيدُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ عَلَيْهَا إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفَتْحِ غَزْوٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ كُلُّهَا دَارَ سَلَامٍ. (فَإِنْ قُلْت) فَلِمَ خَصَّ ذَلِكَ بِصُدُورِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلِمَ لَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهِمَا قُلْت لِأَنَّهُ فِي الْمُضِيِّ إلَيْهِمَا يَمُرُّ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَوْ مَرَّ بِالْمُعَرَّسِ فِي ذَهَابِهِ إلَى مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُ عُبَيْدِ اللَّهِ «كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ الْجُيُوشِ أَوْ السَّرَايَا أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ إذَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا» . وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَفِي حَدِيثِ أَيُّوبَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «التَّكْبِيرُ مَرَّتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ ثَلَاثًا وَقَدْ بَدَّلَ سَاجِدُونَ سَائِحُونَ (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ كَانَ إذَا قَفَلَ أَيْ رَجَعَ وَالْقُفُولُ الرُّجُوعُ مِنْ السَّفَرِ وَيُقَالُ فِي الْمُضَارِعِ يَقْفُلُ بِالضَّمِّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْقُفُولُ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُسَافِرُونَ قَافِلَةً تَفَاؤُلًا لَهُمْ بِالْقُفُولِ وَالسَّلَامَةِ عَلَى أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ قَالَ: إنَّ الْقَافِلَةَ هِيَ الرُّفْقَةُ الرَّاجِعَةُ مِنْ السَّفَرِ؛ وَقَالَ الْعَقَبِيُّ لَا يُقَالُ لَهُمْ فِي مَبْدَئِهِمْ قَافِلَةٌ وَ (الشَّرَفُ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ. وَأَمَّا (الْفَدْفَدُ) الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ بِتَكْرِيرِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ: هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَغِلَظٌ رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَقِيلَ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ الْفَلَاةُ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا؛ صَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ كَلَامَهُ؛ وَقِيلَ غَلِيظُ الْأَرْضِ ذَاتُ الْحَصَى؛ وَقَوْلُهُ آيِبُونَ أَيْ رَاجِعُونَ يُقَالُ آبَ مِنْ سَفَرِهِ إذَا رَجَعَ مِنْهُ وَالْأَحْزَابُ الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْكُفَّارُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَتَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ يَرَوْهَا؛ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْزَابِ يَوْمُ الْخَنْدَقِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحْزَابُ الْكُفْرِ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَالْمَوَاطِنِ؛ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ الْأَحْزَابُ الطَّوَائِفُ الَّتِي تَجْتَمِعُ عَلَى مُحَارَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِتْيَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ فِي الْقُفُولِ مِنْ سَفَرِ الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأَسْفَارِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ سَفَرِ طَاعَةٍ كَالرِّبَاطِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى السَّفَرِ الْمُبَاحِ أَيْضًا كَالنُّزْهَةِ أَوْ يَسْتَمِرُّ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا؟ يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا: (أَحَدُهَا) الِاخْتِصَاصُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ شُرِعَ بِأَثَرِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْمَخْصُوصَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِ وَالْأَذْكَارُ الْمَخْصُوصَةُ مُتَعَبَّدٌ بِهَا فِي لَفْظِهَا وَمَحَلِّهَا وَمَكَانِهَا وَزَمَانِهَا. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ أَسْفَارِ الطَّاعَةِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَاهَا فِي التَّقَرُّبِ بِهَا. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَالتَّقْيِيدُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يُسَافِرُ بِغَيْرِ الْمَقَاصِدِ الثَّلَاثَةِ فَقَيَّدَهُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِهِ. (الرَّابِعُ) تَعَدِّيهِ إلَى الْأَسْفَارِ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّ مُرْتَكِبَ الْحَرَامِ أَحْوَجُ إلَى الذِّكْرِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ مُحْتَمَلٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَبْوِيبِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (مَا يَقُولُ إذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَالْغَزْوُ) وَقَدْ يُرِيدُ غَيْرَهُ مُطْلَقًا وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ سَوَاءٌ فِيهِ السَّفَرُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَلَبِ عِلْمٍ وَتِجَارَةٍ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى فَمَثَّلَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَبِالتِّجَارَةِ وَهِيَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَمْ يُمَثِّلْ الْمُحَرَّمَ لَكِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي إطْلَاقِهِ. (الرَّابِعَةُ) الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا بِحَالَةِ كَوْنِهِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ فَيَحْتَمِلُ الْإِتْيَانَ بِهِ وَهُوَ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَتَقَيَّدَ بِذَلِكَ بَلْ إنْ كَانَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَاسِعًا قَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا كَمَّلَ بَقِيَّةَ الذِّكْرِ بَعْدَ انْهِبَاطِهِ وَلَا يَسْتَمِرُّ وَاقِفًا فِي الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ لِتَكْمِيلِهِ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: مُنَاسَبَةُ التَّكْبِيرِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ وَالِارْتِفَاعَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ وَفِيهِ ظُهُورٌ وَغَلَبَةٌ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَكَانِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ عِنْدَ ذَلِكَ كِبْرِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَشْكُرُ لَهُ ذَلِكَ؛ يَسْتَمْطِرُ بِذَلِكَ الْمَزِيدَ مِمَّا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ تَوْحِيدُهُ لِلَّهِ تَعَالَى هُنَاكَ إشْعَارٌ بِانْفِرَادِهِ تَعَالَى بِإِيجَادِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ وَبِأَنَّهُ الْمَأْلُوهُ أَيْ الْمَعْبُودُ فِي كُلِّ الْأَمَاكِنِ مِنْ الْأَرَضِينَ وَالسَّمَوَاتِ (قُلْت) وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا عَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَشْزًا مِنْ الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُمَّ لَك الشَّرَفُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ؛ وَلَك الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ» وَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ إظْهَارُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَالِيَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُنْخَفِضَةِ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا فَوُضِعَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ التَّسْبِيحِ فِي الِانْهِبَاطِ أَنَّ الِانْخِفَاضَ مَحَلُّ الضِّيقِ وَالتَّسْبِيحُ سَبَبُ لِلْفَرَجِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي حَقِّ يُونُسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144] وَكَانَتْ مَقَالَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَطْنِ الْحُوتِ {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] . (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ آيِبُونَ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نَحْنُ آيِبُونَ (فَإِنْ قُلْت) مَا فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِالْأَوْبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ مِنْ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ حَالِهِمْ وَمَا تَحْتَ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ مِنْ الْفَائِدَةِ؟ . (قُلْت) قَدْ يُرَادُ أَوْبٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ إلَى الطَّاعَةِ أَوْ التَّفَاؤُلُ بِذَلِكَ أَوْ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ السَّفَرَ الْمَقْصُودَ قَدْ انْقَضَى فَهُوَ اسْتِبْشَارٌ بِكَمَالِ الْعِبَادَةِ وَالْفَرَاغِ مِنْهَا وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالظَّفَرِ بِهِ. (السَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ تَائِبُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إشْعَارًا بِحُصُولِ التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ فَيَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ تَوَاضُعٌ وَهَضْمٌ لِلنَّفْسِ أَوْ تَعْلِيمٌ لِمَنْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي سَفَرِ الطَّاعَاتِ فَيَخْلِطُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَيَحْتَمِلُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ طَاعَةِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْغَزْوِ قَدْ كَفَّرَ مَا مَضَى فَيَسْأَلُ التَّوْبَةَ فِيمَا بَعْدَهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ فِي الْعِصْمَةِ فَيَسْأَلُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ بَعْدَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْفِيرٍ وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَهُوَ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَوْ كَانَ إشْعَارًا بِأَنَّهُمْ رَحَّبُوا بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ لَنَصَبَهَا عَلَى الْحَالِ فَقَالَ تَائِبِينَ عَابِدِينَ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِظْهَارِ الْأَعْمَالِ. (الثَّامِنَةُ) وَقَوْلُهُ سَاجِدُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَابِدُونَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ لِرَبِّنَا يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِقَوْلِهِ سَاجِدُونَ أَيْ نَسْجُدُ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا مُقَدَّمًا لِقَوْلِهِ حَامِدُونَ أَيْ نَحْمَدُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِرُؤْيَتِنَا النِّعْمَةَ مِنْهُ إذْ هُوَ الْمُنْعِمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِهَا لَا رَبَّ سِوَاهُ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ «قَوْلُهُ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ» أَيْ فِي إظْهَارِ الدِّينِ وَكَوْنِ الْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَعَدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ «وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْمُرَادُ الْأَحْزَابُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَبِهَذَا يَرْتَبِطُ قَوْلُهُ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ تَكْذِيبًا لِقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ وَحْدَك قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهُ مُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ إنْ كَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ تَذْكِرَةٌ بِذَلِكَ وَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] وَإِنْ كَانَ رُجُوعًا مِنْ غُزَاةٍ بِذِكْرِهِ قَوْله تَعَالَى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] الْآيَةَ قَوْله تَعَالَى {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] . قَالَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ» الْحَدِيثَ فَهَذَا كَانَ مَقْفَلُهُ مِنْ خَيْبَرَ وَكَانَتْ مُتَّصِلَةً بِقِصَّةِ الْأَحْزَابِ {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. (الْعَاشِرَةُ) مَجْمُوعُ هَذَا الذِّكْرِ إنَّمَا كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْتِي بِهِ عِنْدَ الْقُفُولِ وَكَانَ يَأْتِي بِصَدْرِهِ فِي الْخُرُوجِ أَيْضًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا» الْحَدِيثَ. وَفِي آخِرِهِ «وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» وَتَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْخَامِسَةِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا» . وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا، وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا» . «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ أَوْصِنِي لَمَّا أَرَادَ سَفَرًا عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِالرَّجْعَةِ مِنْ سَفَرِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 [فَائِدَةٌ تَفْسِير الْقُفُولُ وَالشَّرَفُ وَالْفَدْفَدُ] بَابُ الْأُضْحِيَّةِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ غَنَمًا فَقَسَمَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ ضَحِّ بِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَصَابَنِي جَذَعٌ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ «وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك» وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «فَأَعْطَانِي عَتُودًا جَذَعًا فَرَجَعْت   Q [بَابُ الْأُضْحِيَّةِ] [حَدِيث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَاهُ غَنَمًا فَقَسَمَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا] ِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ غَنَمًا فَقَسَمَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَبَقِيَ عَتُودٌ مِنْهَا فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ ضَحِّ بِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ بَعْجَةَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «قَسَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ قَالَ ضَحِّ بِهَا» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «فَأَصَابَنِي جَذَعٌ» وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِذَاعٍ مِنْ الضَّأْنِ» . وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ قَالَ «سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ يُضَحَّى بِهِ فَقَالَ سَعِيدٌ مَا كَانَتْ سُنَّةُ الْجِذْع مِنْ الضَّأْنِ إلَّا فِيكُمْ» سَأَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 بِهِ إلَيْهِ فَقُلْت إنَّهُ جَذَعٌ، قَالَ ضَحِّ بِهِ فَضَحَّيْت بِهِ» وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ ذَبْحِ خَالِهِ أَبِي بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ، «وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «مِنْ مُسِنَّيْنِ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «دَاجِنًا جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ قَالَ اذْبَحْهَا وَلَمْ تَصْلُحْ لِغَيْرِك» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إنَّ هَذَا   Qبِهِ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ مُعَاذًا هَذَا مَجْهُولٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظَّاهِرُ انْقِطَاعُ رِوَايَتِهِ عَنْ عُقْبَةَ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مُرْسَلَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُقْبَةَ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَقَالَ ضَحِّ بِهِ» . ثُمَّ قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا. (الثَّانِيَةُ) بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَمِ وَالْعَدْلِ فِيهَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ هِيَ الْقِسْمَةُ الْمَعْهُودَةُ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا تَسْوِيَةُ الْأَجْزَاءِ وَمَا أَظُنُّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتَفْرِقَةِ غَنَمٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَيْنَ مَا يُعْطِيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ عَلَيْهِ بِالتَّسْوِيَةِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عُسْرًا وَحَرَجًا وَالْغَنَمُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا قِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ وَلَا تُقْسَمُ إلَّا بِالتَّعْدِيلِ وَيَحْتَاجُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ إلَى رَدٍّ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ قِسْمَتِهَا عَلَى التَّحْرِيرِ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْغَنَمَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ إنَّهُ تَجُوزُ الضَّحَايَا بِمَا يُهْدَى إلَيْك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا» .   Qوَبِمَا لَمْ تَشْتَرِهِ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ عَامَّةُ النَّاسِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ إنْ كَانَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ فَكَانَتْ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُهَا لِلْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَسَمَهَا بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ خَاصَّةً فَكَانَتْ مِنْ الصَّدَقَةِ انْتَهَى. فَجَزَمَ بِأَنَّهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ أُعْطِيت لِمُسْتَحِقِّهَا لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ وَكَوْنِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهَا هَدِيَّةً لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَأَخْذُ الْإِنْسَانِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ الزَّكَاةِ لَيْسَ تَبَرُّعًا مِنْ مُعْطِيهِ وَيُوَافِقُ كَلَامَهُ الَّذِي حَكَيْته، ثَانِيًا، كَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ إنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الضَّحَايَا عَلَى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا (وَكَالَةُ الشَّرِيكِ الشَّرِيكَ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا) وَمَا عَرَفْت وَجْهَ هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ وَمِنْ أَيْنَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ شَرِكَةٌ فِي هَذِهِ الْغَنَمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الرَّابِعَةُ) (الضَّحَايَا) جَمْعُ ضَحِيَّةٍ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَأُضْحِيَّةٌ بِكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَاللُّغَةُ الثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَتُودُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ خَاصَّةً وَهُوَ مَا رَعَى وَقَوِيَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ مَا بَلَغَ سَنَةً وَجَمْعُهُ أَعْتِدَةٌ وَعِدَّانٌ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الدَّالِ وَأَصْلُهُ عِتْدَانٌ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ أَصْلُ عِتْدَانٍ عَدَدَانٌ قَالَ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ إذَا بَلَغَ السِّفَادَ وَقِيلَ إذَا قَوِيَ وَشَبَّ وَقِيلَ إذَا اسْتَكْرَشَ وَبَعْضُهُ يَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَإِذَا جَازَ، ذَلِكَ مِنْ الْمَعْزِ فَمِنْ الضَّأْنِ أَوْلَى وَقَدْ دَلَّتْ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ عَلَى الضَّأْنِ صَرِيحًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) التَّفْرِيقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ فَيُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَلَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ إجْزَاءُ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) مَنْعُ الْجَذَعِ مُطْلَقًا ضَأْنًا كَانَ أَوْ مَعْزًا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَطْنَبَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَالْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) تَجْوِيزُ الْجَذَعِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ الْمَعْزِ حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأُمُّ سَلَمَةَ. وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ بَلْ غَلَطٌ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَجْوِيزِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا قَدَّمْته وَقَالَ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا هَذَا رُخْصَةٌ وَالتَّجْوِيزُ خَاصٌّ بِعُقْبَةَ أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعُقْبَةَ ضَحِّ بِهَا أَنْتَ وَلَا رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِيهَا بَعْدَك» . (فَإِنْ قُلْت) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَذِنَ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ فِي التَّضْحِيَةِ بِجَذَعَةٍ مِنْ الْمَعْزِ وَقَالَ لَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» (قُلْت) كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَإِجْزَاءُ الْجَذَعَةِ مِنْ الْمَعْزِ خَاصٌّ بِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ خَالِ الْبَرَاءِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ إنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا» . وَعَزْوُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرَّجُلُ هُوَ أَبُو بُرْدَةَ لَا شَخْصٌ ثَالِثٌ وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ اذْبَحْهَا وَلَنْ تُجْزِئَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» . يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَبُو بُرْدَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الشَّكُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِأَنَّهَا لَا تَبْلُغُ غَيْرَهُ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَهُ انْتَهَى عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ الرُّخْصَةُ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا فَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ «زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ عَتُودًا جَذَعًا وَقَالَ ضَحِّ بِهِ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِ» . وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا جَذَعٌ مِنْ الضَّأْنِ مَهْزُولٌ خَسِيسٌ وَهَذَا جَذَعٌ مِنْ الْمَعْزِ سَمِينٌ سَيِّدٌ وَهُوَ خَيْرُهُمَا أَفَأُضَحِّي بِهِ قَالَ ضَحِّ بِهِ فَإِنَّ لِلَّهِ الْخَيْرَ» فَيَكُون الْأَصْلُ مَنْعَ إجْزَاءِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ إلَّا لِمَنْ صَحَّ التَّرْخِيصُ لَهُ فِيهِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلَنْ يُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك أَيْ مِنْ غَيْرِ مَنْ رَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ حَدِيثَ عُقْبَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ تَأْوِيلَانِ غَيْرُ النَّسْخِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْجَذَعَ الْمَذْكُورَ فِيهِ مِنْ الضَّأْنِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعَتُودُ لِأَنَّهُ فِي سِنِّهِ وَقُوَّتِهِ. (ثَانِيهمَا) أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْنَى وَتَجُوزُ فِي تَسْمِيَتِهِ عَتُودًا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعَتُودَ الْجَدْيُ الَّذِي بَلَغَ السِّفَادَ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَعْزُ لَا تَضْرِبُ فُحُولُهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ تُثَنِّيَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَأَجْوِبَتُهُ الثَّلَاثَةُ مَرْدُودَةٌ. وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَمَسَّكَ الْمُفَرِّقُونَ فِي مَنْعِ الْجَذَعِ مِنْ الْمَعْزِ بِمَا تَقَدَّمَ وَفِي إجَازَةِ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عُقْبَةَ وَبِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يُعْسِرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كِبَاشٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «نِعْمَ أَوْ نِعْمَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» . وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ حَسَّنَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ رِوَايَةِ أَبِي ثِفَالٍ الْمُرِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ خَيْرٌ مِنْ السَّيِّدِ مِنْ الْمَعْزِ» . وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ وَضَعَّفَهُ الْبَزَّارُ بِرِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْحُنَيْنِيِّ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْجَذَعَ يُوفِي بِمَا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةُ وَلَمْ يُسَمِّهِ (فَإِنْ قُلْت) فَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَهُوَ أَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إنَّ إجْزَاءَ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَسُّرِ الْمُسِنَّةِ وَالْجُمْهُورُ الْمُجَوِّزُونَ لِلْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ لَا يَقُولُونَ بِهِ (قُلْت) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ، وَتَقْدِيرُهُ يُسْتَحَبُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةٌ مِنْ الضَّأْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ بِحَالٍ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ وَابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ [فَائِدَةٌ تَفْسِير الْعَتُود] 1 (السَّابِعَةُ) إنْ قُلْت كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ عُقْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَيْرِ عَنْهُ وَمِنْ رِوَايَةِ بَعْجَةَ عَنْهُ (قُلْت) أَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ بَعْجَةَ جَذَعَةٌ أَوْ جَذَعٌ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْخَيْرِ عَتُودٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي الْخَيْرِ بَيَّنَتْ أَنَّ هَذِهِ الْجَذَعَةَ كَانَتْ مِنْ الْمَعْزِ فَإِنَّ الْعَتُودَ مُخْتَصٌّ بِالْمَعْزِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ بَعْجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ ضَحَايَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نُسِبَ الْقَسْمُ إلَيْهِ لِأَمْرِهِ عُقْبَةَ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَسْمَ عُقْبَةُ إنَّمَا هُوَ تَنْفِيذٌ لِقَسْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيَّنَ مَا يُعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَتَوَلَّى عُقْبَةُ تَفْرِقَةَ ذَلِكَ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبِ فِي التَّصْرِيحِ بِالضَّأْنِ فَلَعَلَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ سِنِّ الْجَذَعِ الْمُجْزِئِ فِي الْأُضْحِيَّةِ] 1 (الثَّامِنَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سِنِّ الْجَذَعِ الْمُجْزِئِ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 [فَائِدَةٌ الْمُرَاد مِنْ قِسْمَة الْغَنَم فِي الْحَدِيث] وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ   Qالْأُضْحِيَّةِ إمَّا مِنْ الضَّأْنِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَوْ مِنْ الْمَعْزِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَا أَكْمَلَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الْكِسَائِيّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ قَالَ وَقَالَهُ الْعُدَيْسُ الْكِلَابِيُّ وَأَبُو فَقْعَسٍ الْأَسَدِيُّ وَهُمَا ثِقَتَانِ فِي اللُّغَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَ. (الثَّانِي) سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ. (الثَّالِثُ) سَبْعَةُ أَشْهُرٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ الزَّعْفَرَانِيِّ. (الرَّابِعُ) سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٌ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ. (الْخَامِسُ) ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ. (السَّادِسُ) عَشْرَةُ أَشْهُرٍ. (السَّابِعُ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا تُولَدُ بَيْنَ شَاتَيْنِ فَيَصِيرُ جَذَعًا ابْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَيْنَ مَا تُولَدُ بَيْنَ هَرَمَيْنِ فَلَا يَصِيرُ جَذَعًا إلَّا إذَا صَارَ ابْنَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. (الثَّامِنُ) أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ حَتَّى يَكُونَ عَظِيمًا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ إنَّهُ بَاطِلٌ لَكِنَّهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَتْ عَظِيمَةً بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَتْ بِالثَّنِيَّاتِ تَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ أَجْذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ أَجْزَأَ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ تَمَّتْ السَّنَةُ قَبْلَ أَنْ يُجْذِعَ وَيَكُونَ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَسْبَقُهُمَا وَهَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ الْجَذَعَةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَجْذَعَتْ قَبْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَيْدًا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَهُوَ قَوْلٌ (تَاسِعٌ) وَقَدْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ قَيْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ» وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 حَدِيثِ عَلِيٍّ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّ فِيهَا كُلِّهَا بَعْدَ النَّهْيِ بَيَانَ النَّسْخِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَن بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا مِنْ الْعَامِ الْمَاضِي؟ قَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» وَقَالَ مُسْلِمٌ «أَنْ تَفْشُوَ فِيهِمْ» . وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ   Qبِالْإِذْنِ فِي ذَلِكَ وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «كُلُوا مِنْ الْأَضَاحِيِّ ثَلَاثًا؛ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ» وَلَفْظُ الْآخَرِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ» زَادَ مُسْلِمٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا الْعَامَ الْمَاضِي؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوا وَادَّخِرُوا» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا، فَقَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْتَسِبُوا وَادَّخِرُوا» ..   Qقَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ «أَنْ تَفْشُوَ فِيهِمْ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْهُ قَالَ «كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا» قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ نَعَمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» . ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ؛ فَقَالَ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا مِنْهَا وَتَصَدَّقُوا» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنُقَدِّمُ بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا تَأْكُلُوا إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعَمَ مِنْهُ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي عَزْوِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ لِلْبُخَارِيِّ نَظَرٌ فَلَمْ أَقِفْ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إلَّا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» . وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا تَأْكُلُوا لَحْمَ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَشَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا فَقَالَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْبِسُوا وَادَّخِرُوا» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ لَا يَأْكُلُ أَيْ الْمُضَحِّي فَحَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَقِيَامُ الْقَرِينَةِ عَلَيْهِ. (الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا النَّهْيِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهَذَا مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ قَالَ وَتَصْحِيحُ نَسْخِ النَّهْيِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَحْرِيمٌ وَلَا كَرَاهَةٌ فَيُبَاحُ الْيَوْمَ الْإِدْخَارُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَالْأَكْلُ إلَى مَتَى شَاءَ كَصَرِيحِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْإِدْخَارُ الْيَوْمَ بِحَالٍ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ الْيَوْمَ بِحَالٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي إجَازَةِ أَكْلٍ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَسْخًا وَلَكِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ وَلَوْ عَادَتْ لَعَادَ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ «صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَا تَأْكُلُوا» ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا كَانَ عَامَ حَضْرَةِ عُثْمَانَ وَكَانَ أَهْلُ الْبَوَادِي قَدْ أَلْجَأَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ فَأَمَرَ بِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَهِدَ النَّاسُ وَدَفَّتْ الدَّافَّةُ انْتَهَى وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصٌّ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ تَرَدَّدَ فِيهِ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَبْلَهُ؛ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَنْ يَقُولَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ لِمَعْنًى فَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ يَقُولَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَقْتٍ ثُمَّ أَرْخَصَ فِيهِ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الصَّحِيحُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ مَخْصُوصًا بِحَالَةِ الضِّيقِ وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا حَدَثَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَعُودَ الْمَنْعُ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْعِلَلِ فِي الْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ فَإِذَا دَفَّتْ الدَّافَّةُ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَإِنْ لَمْ تَدِفَّ دَافَّةٌ فَالرُّخْصَةُ ثَابِتَةٌ بِالْأَكْلِ وَالتَّزَوُّدِ وَالِادِّخَارِ وَالصَّدَقَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ مَنْسُوخًا فِي كُلِّ حَالٍ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثُ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِعِلَّةٍ وَلَمَّا ارْتَفَعَتْ ارْتَفَعَ لِارْتِفَاعِ مُوجِبِهِ لَا لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَيَعُودُ الْحُكْمُ لِعَوْدِ الْعِلَّةِ فَلَوْ قَدِمَ عَلَى أَهْلِ بَلْدَةٍ نَاسٌ مُحْتَاجُونَ فِي زَمَانِ الْأَضْحَى وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ سَعَةٌ يَسُدُّونَ بِهَا فَاقَتَهُمْ إلَّا الضَّحَايَا لَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَدَّخِرُوهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَسْخًا وَلَكِنَّ التَّحْرِيمَ لِعِلَّةٍ فَلَمَّا زَالَتْ زَالَ وَلَكِنْ لَا يَعُودُ الْحُكْمُ لَوْ عَادَتْ وَهَذَا وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَهُوَ بَعِيدٌ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّ النَّهْيَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْكَرَاهَةِ وَهَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يُشْبِهُ أَنَّهُ يَكُونُ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ إذَا كَانَتْ الدَّافَّةُ؛ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى مَعْنَى الْفَرْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبُدْنِ {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 36] وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْبُدْنِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا أَصْحَابُهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ هَؤُلَاءِ وَالْكَرَاهَةُ بَاقِيَةٌ إلَى الْيَوْمِ وَلَكِنْ لَا يَحْرُمُ، قَالُوا وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْيَوْمَ فَدَفَّتْ دَافَّةٌ وَاسَاهُمْ النَّاسُ، وَحَمَلُوا عَلَى هَذَا مَذْهَبَ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ انْتَهَى وَإِلَى هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَهَبَ الْمُهَلَّبُ فَقَالَ إنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي، انْتَهَى وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُطْعَمُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ ظَنُّ بَعْضِ رُوَاةِ الْخَبَرِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعَمَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ مَذْكُورٌ عَنْهُ فِي رِوَايَتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّ حُكْمَهُ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ وَحُمِلَ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَحَمَلَهُ، عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا عَوْدَ الْحُكْمِ لِعَوْدِ عِلَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَوْلَى وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ عَلَى هَذَا فَسَبَبُهُ عَدَمُ بُلُوغِ النَّاسِخِ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُ أَحَدًا الْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ بَعْدَ وُرُودِ النَّاسِخِ وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ [فَائِدَة قَوْلُ النَّبِيّ لَا يَأْكُل مِنْ لَحْم أُضْحِيَّته فَوْق ثَلَاث] 1 (الرَّابِعَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ بِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِتَقْدِيرِ عَوْدِ الْحُكْمِ لِعَوْدِ عِلَّتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهَا وَيَحْتَمِلُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ ذَبْحُهَا إلَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ذَلِكَ خِلَافًا مُحَقَّقًا وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فَقَالَ وَهَذَا الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ شَيْءٌ» ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ أَلْفَاظِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ مَا يُوجِبُ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ «فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» وَهَذَا يُوجِبُ إلْغَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي ضَحَّى فِيهِ مِنْ الْعَدَدِ وَتُعْتَبَرُ لَيْلَتُهُ وَمَا بَعْدَهَا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّ فِيهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ تَعْنِي اللَّيَالِيَ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِيهِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي انْتَهَى. (قُلْتُ) وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَالظَّاهِرُ إرَادَةُ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا، وَاسْتَفَدْنَا ذَلِكَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَائِدَةٌ لَا مَنْعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ] 1 (الْخَامِسَةُ) مَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةِ غَيْرِهِ فَوْقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qثَلَاثٍ فَالْمُهْدَى إلَيْهِ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ لَهُ ادِّخَارُهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ مُوَاسَاةُ أَصْحَابِ الْأَضَاحِيِّ وَقَدْ حَصَلَتْ وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ وَقَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ مُدَّةَ الثَّلَاثِ بِغَيْرِهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلُوا لَحْمَ نُسُكِهِمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي كَيْفَ نَصْنَعُ بِمَا أُهْدِيَ لَنَا؟ قَالَ مَا أُهْدِيَ إلَيْكُمْ فَشَأْنُكُمْ بِهِ» وَالْحَدِيثُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَيْضًا وَقَدْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ادِّخَارُهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ لَحْمٍ أَهْدَاهُ لَهُ غَيْرُهُ وَالْفَقِيرُ فَيُبَاحُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ حَالُهُ الْمُوَاسَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَائِدَةٌ الْأَكْلَ مِنْ الْأُضْحِيَّة الْمَنْذُورَةُ] (السَّادِسَةُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ مِنْهَا مُدَّةَ الثَّلَاثِ وَمَحِلُّهُ فِي الْمُتَطَوَّعِ بِهَا أَمَّا الْمَنْذُورَةُ فَلَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِحَالٍ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا» فَأَمَّا الْأَكْلُ مِنْهَا فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْأَكْلَ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مَعَ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْإِبَاحَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَمَا لَوْ وَرَدَ ابْتِدَاءً وَبِوُجُوبِ الْأَكْلِ وَلَوْ لُقْمَةٌ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ مِنْهَا فَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا الِاسْمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمُعْظَمِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَنَابِلَةُ وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَنْ يَأْكُلَ الثُّلُثَ وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ يَأْكُلُ النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي قَدْرٍ أَوْ فِي الْكَمَالِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا الْإِجْزَاءُ فَتُجْزِيهِ الصَّدَقَةُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا قَدَّمْته، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ فِي وَجْهٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْن الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِشَيْءٍ انْتَهَى وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَقْيِيدِ الصَّدَقَةِ بِالثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهُوَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ نَفْيُ التَّحْدِيدِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَأْكُلَ الثُّلُثَ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ لَكِنْ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَأَمَّا الِادِّخَارُ فَالْأَمْرُ بِهِ لِلْإِبَاحَةِ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (السَّابِعَةُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَخَفِّ لِلْأَثْقَلِ وَقَدْ كَانَ أَكْلُهَا مُبَاحًا ثُمَّ حَرُمَ ثُمَّ أُبِيحَ وَأَيُّ هَذَيْنِ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ فَقَدْ نُسِخَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ (قُلْتُ) تَحْرِيمُهَا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ لَيْسَ نَسْخًا لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَرَفْعُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَيْسَ بِنَسْخٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ فَقَدْ وَقَعَ النَّسْخُ هُنَا مَرَّتَيْنِ وَذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مَحْصُورَةٍ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ «كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ» بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مَشَقَّةٌ وَفَاقَةٌ وَقَوْلُهُ فَأَرَدْت أَنْ تُعِينُوا فِيهَا كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مِنْ الْإِعَانَةِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى السَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْعَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْمَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ الَّتِي فُهِمَتْ مِنْ لَفْظِ الْجَهْدِ وَمِنْ الْمَعْنَى، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَأَرَدْت أَنْ يَفْشُوَ فِيهِمْ» وَهُوَ بِالْفَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَشِيعُ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ فِي النَّاسِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُحْتَاجُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ أَوْجَهُ وَعَكْسُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ أَشْبَهَ انْتَهَى وَفِي التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا نَظَرٌ فَكِلَاهُمَا رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ» هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّافَّةُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَوْمٌ يَسِيرُونَ جَمِيعًا سَيْرًا خَفِيفًا وَدَفَّ يَدِفُّ بِكَسْرِ الدَّالِ وَدَافَّةُ الْأَعْرَابِ مَنْ يَرِدُ مِنْهُمْ الْمِصْرَ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ وَرَدَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْأَعْرَابِ لِلْمُوَاسَاةِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «إنَّ لَهُمْ عِيَالًا وَحَشَمًا وَخَدَمًا» قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَشَمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ اللَّائِذُونَ بِالْإِنْسَانِ يَخْدُمُونَهُ وَيَقُومُونَ بِأُمُورِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُمْ خَدَمُ الرَّجُلِ وَمَنْ يَغْضَبُ لَهُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَغْضَبُونَ لَهُ وَالْحِشْمَةُ الْغَضَبُ وَتُطْلَقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 بَابُ الْعَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَزَادَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ» وَقَالَ أَبُو دَاوُد «كَبْشًا كَبْشًا» وَزَادَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ   Qعَلَى الِاسْتِحْيَاءِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ لَا يَحْتَشِمُ وَلَا يَسْتَحِي وَيُقَالُ حَشَمْته وَأَحْشَمْته إذَا أَغْضَبْته وَإِذَا أَخْجَلْته فَاسْتَحْيَا لِخَجَلِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا ذَكَرْته وَكَأَنَّ الْحَشَمَ أَعَمُّ مِنْ الْخَدَمِ فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ وَاحْتَسِبُوا أَوْ ادَّخِرُوا كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي لِأَنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُوَافِقَةٌ لِمَنْ قَالَ يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيُطْعِمُ الثُّلُثَ وَيَدَّخِرُ الثُّلُثَ وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِادِّخَارَ مِنْ حِصَّةِ الْأَكْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ [بَابُ الْعَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ] (بَابُ الْعَقِيقَةِ وَغَيْرِهَا) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى عَلَى عَزْوِهِ لِلنَّسَائِيِّ وَعَزَاهُ فِي الصُّغْرَى لِأَبِي دَاوُد أَيْضًا وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَعَمْ هُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلِبُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي دَاوُد حَدِيثٌ آخَرُ لَفْظُهُ «كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ ذَبَحْنَا عَنْهُ شَاةً وَحَلَقْنَا رَأْسَهُ وَلَطَّخْنَا رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ كُنَّا إذَا وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ ذَبَحْنَا عَنْهُ شَاةً وَحَلَقْنَا رَأْسَهُ وَلَطَّخْنَا رَأْسَهُ بِالزَّعْفَرَانِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَعَلَّ شُبْهَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 «عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشَيْنِ اثْنَيْنِ مِثْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ» وَزَادَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى» وَصَحَّحَهُ وَزَادَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي حَقِّ الْحُسَيْنِ وَقَالَ «يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ» وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ   Qالشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عَزْوِهِ لِأَبِي دَاوُد أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ» وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَيُوَافِقُهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لِلْغُلَامِ عَقِيقَتَانِ وَلِلْجَارِيَةِ عَقِيقَةٌ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ رِوَايَةُ الْإِفْرَادِ أَصَحُّ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ وَقَتَادَةُ مُدَلِّسٌ، وَتَابَعَ أَيُّوبُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَالَ «كَبْشًا كَبْشًا» إلَّا أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُعَارِضُهُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى» قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ وَرَوَى الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُسَيْنِ بِشَاةٍ وَقَالَ يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فَوَزَنَاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَلَا أَبَاهُ وَقَالَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 مِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» وَزَادُوا سِوَى ابْنِ مَاجَهْ «لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا» وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ   Qأَنَسٍ «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ بِكَبْشَيْنِ» . وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا» وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَاجَهْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ «لَا يَضُرُّكُمْ» إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فِي إسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَعَلَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَهُ فَصَحَّحَهُ وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ لَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا نَسْأَلُك أَحَدُنَا يُولَدُ لَهُ قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ لَا أُحِبُّ الْعُقُوقَ وَلَيْسَ فِيهِ كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (أَنَّ النَّبِيَّ) وَقَالَ فِي أُخْرَى عَنْ أَبِيهِ أَرَاهُ عَنْ جَدِّهِ وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى ذِكْرِ رَاوِيَةِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ إنَّهَا ضَعِيفَةٌ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهَا تَقْوَى بِغَيْرِهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ رِوَايَةَ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ مِنْ أَحْسَنِ أَسَانِيدِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ جَامِعِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ» وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ سَوَّارِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ فَقَالَ: لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ» وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ» .   Qعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشَيْنِ اثْنَيْنِ مِثْلَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَزَادَ فِيهِ الْحَاكِمُ «وَلَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ» وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى» وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ سِيرِينَ سَلْ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْته فَقَالَ مِنْ سَمُرَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَيُدَمَّى بَدَلُ يُسَمَّى قَالَ أَبُو دَاوُد. هَذَا وَهْمٌ (وَيُسَمَّى) أَصَحُّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَلْ وَهَمَ أَبُو دَاوُد لِأَنَّ هَمَّامًا ثَبْتٌ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا قَتَادَةَ عَنْ صِفَةِ التَّدْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَوَصَفَهَا لَهُمْ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فَكَانَ قَتَادَةُ إذَا سُئِلَ عَنْ الدَّمِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ إذَا ذُبِحَتْ الْعَقِيقَةُ أَخَذْتُ صُوفَةً فَاسْتَقْبَلْت بِهَا أَوْدَاجَهَا ثُمَّ تُوضَعُ عَلَى يَافُوخِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْخَيْطِ ثُمَّ يُغْسَلُ رَأْسُهُ بَعْدُ وَيُحْلَقُ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَيْضًا. (الثَّانِيَةُ) الْعَقِيقَةُ الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْ الْمَوْلُودِ، وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ لِأَنَّهَا يُشَقُّ حَلْقُهَا، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْهَرَوِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَغَيْرُهُمْ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقِيلَ مِنْ الْعَقِيقَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ يُقَارِنُ ذَبْحُهَا حَلْقَهُ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَيُقَالُ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ يَعُقُّ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا إذْ ذَبَحَ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ؛ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَقَ عَقِيقَتَهُ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْعَقِيقَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا - لَمْ يُرِدْ الْوُجُوبَ الَّذِي يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْوُجُوبِ التَّأَكُّدَ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي وُجُوبِ السُّنَنِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ الْعَقِيقَةُ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَهُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَمِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا؛ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْجَبَهَا إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي السَّبْعِ الْأُوَلِ فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تَجِبْ بَعْدَ السَّبْعِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) إنْكَارُهَا وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ، رَجُلٌ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَرَجُلٌ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هِيَ تَطَوُّعٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَهَا فَنَسَخَهَا ذَبْحُ الْأَضْحَى فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ إنْكَارَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، قَالَ وَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ بِالْحِجَازِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ذَكَرَهُ مَالِكٌ: أَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَدَعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنْ الْغُلَامِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَرَى الْعَقِيقَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَأَبِي الزِّنَادِ وَجَمَاعَةٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ؛ وَانْتَشَرَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّبِعِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا سَنَّهُ لَهُمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَضُرُّ السُّنَّةَ مَنْ خَالَفَهَا اهـ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ» ؛ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ ثُمَّ إنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ الِاسْمَ لَا الذَّبْحَ، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ إلَى الْحَسَنِ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عَنْ الْغُلَامِ دُونَ الْجَارِيَةِ فَلَا يُعَقُّ عَنْهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، وَادَّعَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ انْفِرَادَ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ بِهِ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْيَهُودَ تَعُقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا تَعُقُّ عَنْ الْجَارِيَةِ فَعُقُّوا عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً» [فَائِدَةٌ يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْعَاقِّ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْعَاقِّ لَا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَكُونَا فِي نَفَقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَا فِي نَفَقَةِ أَبِيهِمَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ تَأْوِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ؛ أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ؛ أَوْ أَنَّ أَبَوَيْهِمَا كَانَا عَنْ ذَلِكَ مُعْسِرَيْنِ فَيَكُونَانِ فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا رَسُولِ اللَّهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَبَرَّعَ بِذَلِكَ بِإِذْنِ أَبِيهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ. أَنَّ لَهُ التَّبَرُّعَ عَمَّنْ شَاءَ مِنْ الْأُمَّةِ كَمَا ضَحَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْخَصَائِصِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اهـ. [فَائِدَةٌ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا عَقَّ بِهِ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن] 1 (الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيمَا عَقَّ بِهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ ذَبَحَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَبْشَيْنِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد كَبْشًا كَبْشًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ وَيَدُلُّ لَهُ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي أَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ؛ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ الْأَكْمَلُ أَنْ يُعَقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ وَلَوْ عَقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاةٍ جَازَ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ الْغُلَامِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ فَقَطْ؛ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً - عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ شَاةً شَاةً؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؛ وَرَوَى جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّهَا ذَبَحَتْ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا؛ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَعُقُّ عَنْ بَنِيهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِشَاةٍ شَاةٍ؛ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ أُخْتِهَا. قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُمَا [فَائِدَةٌ الْكَبْشُ فَحْلُ الضَّأْنِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ] (السَّادِسَةُ) الْكَبْشُ فَحْلُ الضَّأْنِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ: وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ إذَا أَثْنَى وَقِيلَ إذَا أَرْبَعَ ذَكَرَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ فَاخْتَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَقِيقَةِ وَلَدَيْهِ الْأَكْمَلَ وَهُوَ الضَّأْنُ وَالذُّكُورَةُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا فَيَجُوزُ فِي الْعَقِيقَةِ الْأُنْثَى وَلَوْ مِنْ الْمَعْزِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الشَّاةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ حُكْمُ الْعَقِيقَةِ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَنَمِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا بِالْإِجْزَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَوْ دُونَ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَثَنِيَّةِ الْمَعْزِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ أَصْلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُعْتَبَرُ سَلَامَتُهَا مِنْ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْعِدَّةِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهٍ مُسَامَحٍ بِالْعَيْبِ هُنَا وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ يُجْزِئُ الْمَعِيبُ مُطْلَقًا وَالسَّالِمُ أَفْضَلُ [فَائِدَةٌ هَلْ يُجْزِئ الْكَبْش فِي الْأُضْحِيَّة] 1 (السَّابِعَةُ) وَفِي أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِحَقِّ تَشْبِيهِ الْعَقِيقَةِ بِالْأُضْحِيَّةِ فَخَصُّوهَا بِالْأَنْعَامِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَجَعَلَ الشَّافِعِيَّةُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَقَالُوا لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ غَيْرَهَا جَازَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا يُجْزِئُ الْبَدَنَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ وَلَا الْبَقَرَةُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ كَمَا قَالُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ لَا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ بَدَنَةٌ وَلَا بَقَرَةٌ إلَّا كَامِلَةً وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا سُبْعُ بَدَنَةٍ وَسُبْعُ بَقَرَةٍ مَوْضِعَ شَاةٍ وَخَصَّ آخَرُونَ الْعَقِيقَةَ بِالْغَنَمِ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَنَسٌ الْعَقَّ بِالْجَزُورِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا الْجَزُورَ كَانَتْ عَمَّتِي عَائِشَةَ تَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ انْتَهَى وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي الْأَضَاحِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَلْيَعُقَّ عَنْهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ» وَتَوَسَّعَ آخَرُونَ فِي الْعَقِيقَةِ فَقَالُوا يُجْزِئُ فِيهَا الْعُصْفُورُ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فَهَذِهِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ [فَائِدَةٌ الْأَقْوَال فِي وَقْت العق عَنْ الْمَوْلُود] 1 (الثَّامِنَةُ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ الْعَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَانَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ أَوْ التَّعْيِينِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ فَلَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَ فَرَاغِ السَّبْعَةِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَجْزَأَتْ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ مِنْهُمْ إنْ لَمْ تُذْبَحْ فِي السَّابِعِ ذُبِحَتْ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ هَكَذَا فِي الْأَسَابِيعِ وَقِيلَ إذَا تَكَرَّرَتْ السَّبْعَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَاتَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَرِيرَةَ مَرْفُوعًا «الْعَقِيقَةُ تُذْبَحُ لِسَبْعٍ أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَوْ إحْدَى وَعِشْرِينَ» وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بِلَفْظِ «لِسَبْعٍ أَوْ لِتِسْعٍ أَوْ لِإِحْدَى وَعِشْرِينَ» وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ فَاتَ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَإِلَّا فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ فَلَا أَدْرِي قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ فَيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ فَيَوْمُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَإِسْحَاقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا بَلَغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ أَنْ يَعْقِلَهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْك فَعُقَّ عَنْ نَفْسِك وَإِنْ كُنْت رَجُلًا، «وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ثُمَّ حَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَرَكُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قُلْت لَهُ طَرِيقٌ لَا بَأْسَ بِهَا رَوَاهَا أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حَزْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ وَذَكَرَهَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلُوا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ وَاسْتَغْرَبُوهُ قَالَ النَّوَوِيُّ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَلَا يُعَقُّ عَنْ كَبِيرٍ وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا سَبَقَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا يَعُقُّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَقِّهِ عَنْ نَفْسِهِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِالسَّابِعِ فَلَا تَقَعُ الْمَوْقِعَ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ تَفُوتُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ الثَّانِي وَحَكَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ الْأَسَابِيعَ الثَّلَاثَةَ فِي الْعَقِيقَةِ كَالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الضَّحَايَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ يُعَقُّ عَنْهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ فَاتَ فَفِي الثَّانِي فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَلَا عَقِيقَةَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْغَائِبِ يُولَدُ لَهُ فَيَأْتِي بَعْدَ السَّابِعِ فَيُرِيدُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ فَقَالَ مَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا يُعْجِبُنِي انْتَهَى وَهَذَا يَقْتَضِي الْفَوَاتَ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَوْ تَعَذَّرَ كَالْغَيْبَةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى السَّابِعِ الثَّانِي؛ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ إنْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحَرْنَا جَزُورًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَا، بَلْ السُّنَّةُ أَفْضَلُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُقْطَعُ جُذُولًا وَلَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ وَيَتَصَدَّقُ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ» . (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ السَّابِعِ وَلَا تَفُوتُ بِفَوَاتِهِ فَتُذْبَحُ بَعْدَهُ مَتَى أَمْكَنَ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرَاهَا فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا وَلَوْ قَضَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَائِدَةٌ هَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ فِي الْعَقِيقَة] (التَّاسِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَالْأَصَحُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُحْسَبُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ مِنْهَا، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ فِي مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا وَحَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَكَذَا حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْهَا وَقَالَ مَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ سَلَفًا فِي أَنْ لَا يُعَدَّ يَوْمُ الْوِلَادَةِ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ يَقْتَضِي انْفِرَادَ مَالِكٍ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُ وَهَذَا مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حُسْبَانُهُ مِنْهَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ إنَّهُ يُحْسَبُ مِنْهَا [فَائِدَةٌ مَتَى يُسَمَّى الْمَوْلُود] 1 (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَسَمَّاهُمَا وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَيُسَمَّى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَيْضًا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَحَادِيثَ فَتَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ عِنْدِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ بْنِ حَيَّانَ «فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ فَلْيُحْلَقْ وَيُسَمَّى» وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «سَمِعْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ يُسَمَّى الصَّبِيُّ يَوْمَ سَابِعِهِ كَذَا سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ» وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنْ آلِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُقُّوا عَنْ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَسَمُّوهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَاحْلِقُوا رَأْسَهُ يَوْمَ سَابِعِهِ» وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَمَّى قَبْلَهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إذَا وُلِدَ وَقَدْ تَمَّ خَلْقُهُ سَمَّى فِي الْوَقْتِ إنْ شَاءُوا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ حَسَنٌ وَمَتَى شَاءَ سَمَّاهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ» وَسَمَّى الْغُلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ أَنَسٌ لَمَّا حَنَّكَهُ عَبْدُ اللَّهِ (قُلْتُ) ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ عَقِبَ وِلَادَتِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ إنَّمَا جِيءَ بِهِ إلَيْهِ يَوْمَ السَّابِعِ رَوَاهَا أَبُو يَعْلَى وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ يُسَمَّى يَوْمَ وِلَادَتِهِ فَإِنْ أُخِّرَتْ تَسْمِيَتُهُ إلَى السَّابِعِ فَحَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُهَلِّبِ يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحِينَ يُولَدُ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَقِيقَةَ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ فَالسُّنَّةُ تَأْخِيرُهَا إلَى السَّابِعِ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي تَبْوِيبِهِ (بَابُ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ يُسَمَّى حِينَ الْوِلَادَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ وَيُسَمَّى مَعْنَاهُ وَيُسَمَّى عِنْدَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ وَقَالَ اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ وَقُولُوا اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ قَالَتْ وَعَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ شَاتَانِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَقَالَ اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ وَالْعَقِيقَةِ وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَالِدِي غَرِيبٌ [فَائِدَةٌ مَعْنَى إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الْمَوْلُود] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى أَيْ يُحْلَقُ الشَّعْرُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ (إمَاطَةُ الْأَذَى حَلْقُ الرَّأْسِ) وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ سُئِلَ عَنْ الْأَذَى فَقَالَ الشَّعْرُ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ» وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ «يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ» وَكَذَا حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى حَلْقُ الرَّأْسِ أَيْ شَعْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ السَّابِعِ أَيْضًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ حَلْقِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمِنْ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ شَعْبَانَ وَغَيْرُهُمَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ «وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إمَاطَةُ مَا عَلَى جَسَدِهِ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَقْذَارِ قَالَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «وَتُمَاطُ عَنْهُ أَقْذَارُهُ» رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ قَالَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ «سَبْعَةٌ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ وَفِيهِ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى ثُمَّ قَالَ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» فَجَعَلَ إمَاطَةَ الْأَذَى غَيْرَ حَلْقِ الرَّأْسِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَغْسِيلِ الْمَوْلُودِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَوْمَ السَّابِعِ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَعْلَمَ مَا مَعْنَى (أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى) فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي [فَائِدَةٌ اسْتِحْبَابُ التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِ الْمَوْلُود ذهبا أَوْ فِضَّة] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ زِنَتُهُ فِضَّةً لِقَوْلِهِ فِي بَقِيَّتِهِ فَوَزَنَاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مُرْسَلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ (وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِ الْحُسَيْنِ فِضَّةً» وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ أَيْضًا «تَصَدَّقُوا بِزِنَتِهِ فِضَّةً» وَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ وَقَدْ تَرَدَّدَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَصَدَّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ ذَهَبًا فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَأَجَازَهُ أُخْرَى كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَرَاهَةِ التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً قَوْلَانِ وَجَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِاسْتِحْبَابِ التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ لَكِنْ جَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِالْفِضَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِضَّةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فِضَّةً لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ خِلَافَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا (قُلْت) قَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الذَّهَبِ أَيْضًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «سَبْعَةٌ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ» فَذَكَرَهَا إلَى قَوْلِهِ «وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِ رَأْسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً» [فَائِدَةٌ تَقْدِيمِ الْعَقِيقَةِ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمَوْلُودِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عَنْ رُءُوسِهِمَا الْأَذَى» إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْعَقِيقَةِ عَلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِأَنَّ الْمَقْرُونَ بِالْعَقِيقَةِ الْأَمْرُ فَالْمَأْمُورُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَمْرِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ أَرْجَحُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثِ سَمُرَةَ «يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ثُمَّ يُحْلَقُ عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ بْنُ حَيَّانَ [فَائِدَةٌ مَعْنَى قَوْله فِي الْحَدِيث عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَيْ مُتَسَاوِيَتَانِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَهَا هَكَذَا صَوَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ قَالَ وَيَقُولُ الْمُحَدِّثُونَ مُكَافَأَتَانِ يَعْنِي بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّحِيحُ كَسْرُهَا انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مُكَافِئَتَانِ يَعْنِي مُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي السِّنِّ أَيْ لَا يُعَقُّ عَنْهُ إلَّا بِمُسِنَّةٍ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَكُونَ جَزَعًا كَمَا فِي الضَّحَايَا وَقِيلَ مُكَافِئَتَانِ أَيْ مُسْتَوِيَتَانِ أَوْ مُتَقَارِبَتَانِ وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ الْأَوَّلَ وَاللَّفْظَةُ مُكَافِئَتَانِ بِكَسْرِ الْفَاءِ قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ مُكَافَأَتَانِ بِالْفَتْحِ وَأَرَى الْفَتْحَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُرِيدُ شَاتَيْنِ قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَوْ مُسَاوًى بَيْنَهُمَا وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَذْكُرَ أَيَّ شَيْءٍ سَاوَيَا وَإِنَّمَا لَوْ قَالَ مُتَكَافِئَتَانِ كَانَ الْكَسْرُ أَوْلَى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَافِئَتَيْنِ وَالْمُكَافَأَتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ إذَا كَافَأَتْ أُخْتَهَا فَقَدْ كُوفِئَتْ فَهِيَ مُكَافِئَةٌ وَمُكَافَأَةٌ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مُعَادِلَتَانِ لِمَا يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْأَسْنَانِ وَيَحْتَمِلُ مَعَ الْفَتْحِ أَنْ يُرَادَ مَذْبُوحَتَانِ مِنْ كَافَأَ الرَّجُلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ إذَا نَحَرَ هَذَا ثُمَّ هَذَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ كَأَنَّهُ يُرِيدُ شَاتَيْنِ يَذْبَحُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ آخِرًا مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ مَعْنَى مُكَافَأَتَانِ أَيْ تُذْبَحَانِ جَمِيعًا وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ قَالَ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ سَأَلْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْ الْمُكَافَأَتَيْنِ فَقَالَ الشَّاتَانِ الْمُشْتَبِهَتَانِ يُذْبَحَانِ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ (قُلْت) لِعَطَاءٍ مَا الْمُكَافَأَتَانِ؟ قَالَ الْمِثْلَانِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْمُكَافَأَتَانِ الْمُتَسَاوِيَتَانِ أَوْ الْمُتَقَارِبَتَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ تَسَاوِيهِمَا فِي السِّمَنِ وَنَحْوِهِ وَحِكْمَتُهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ النَّاسُ فِي الْأَكْلِ فَلَا يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ الطَّيِّبَ وَبَعْضُهُمْ الرَّدِيءَ فَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ هَلْ الْمُرَادُ تَكَافُؤُهُمَا فِي السِّنِّ أَوْ فِي السِّمَنِ أَوْ مُكَافَأَتُهُمَا لِبَقِيَّةِ مَا شُرِعَ ذَبْحُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ أَوْ ذَبْحُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «لَا يَضُرُّكُمْ أَذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إنَاثًا» أَيْ إنَّ الْمَذْبُوحَ تَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعَقِيقَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثًى وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا إنَّ الْأَفْضَلَ الذَّكَرُ كَالْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَوْلُودِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِذُكُورَةِ الْمَوْلُودِ وَأُنُوثَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الذُّكْرَانِ مِنْ الْعُقَلَاءِ كُنَّ وَإِنَّمَا يُقَالُ كَانُوا بِخِلَافِ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لَا مَعَ الذُّكُورَةِ وَلَا مَعَ الْأُنُوثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَةٌ النَّهْيُ عَنْ كَسْرِ عِظَامِ الْعَقِيقَةِ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ كَسْرِ عِظَامِ الْعَقِيقَةِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَعَلَّلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النَّهْيَ الصَّرِيحَ قَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ لَا يُوَافِقُ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ كَسْرِ عِظَامِهَا شَيْءٌ [فَائِدَةٌ مَسُّ الْمَوْلُودِ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ «وَيُدَمَّى» وَإِنَّ قَتَادَةَ رَاوِيهِ ذَكَرَ صِفَةَ التَّدْمِيَةِ وَأَنَّ أَبَا دَاوُد حَكَمَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْوَهْمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ تُكُلِّمَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ الَّذِي فِيهِ وَيُدَمَّى وَانْتَصَرَ ابْنُ حَزْمٍ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيُثْبِتُهَا وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُمَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ وَكَرِهَهُ، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَكَذَلِكَ نَقُولُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُخَضِّبُونَ قُطْنَةً بِدَمِ الْعَقِيقَةِ فَإِذَا حَلَقُوهُ وُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلُوا مَكَانَ الدَّمِ خَلُوقًا» وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ «أَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْهُ وَالدَّمُ أَذًى وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْأَذَى فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُنَجَّسَ رَأْسُ الصَّبِيِّ انْتَهَى وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الَّذِي فِيهِ جَعْلُ الزَّعْفَرَانِ بَدَلَ الدَّمِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ «أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ حَلْقَ الرَّأْسِ وَالنَّهْيَ عَنْ أَنْ يُمَسَّ رَأْسُهُ بِدَمِهَا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَزِيدَ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيّ مُرْسَلًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ بِزِيَادَةٍ «عَنْ أَبِيهِ» وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ انْفَرَدُوا بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا وَأَنْكَرَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى أَصْحَابِنَا اقْتِصَارَهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ لَطْخِ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ الْمَشْهُورُ تَحْرِيمُ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَسَقْيِهِ الْخَمْرَ وَإِدْخَالِ فَرْجِهِ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي فِي اللَّطْخِ مِثْلُهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ جَوَابًا عَلَى طَرِيقَةِ الْجَوَازِ قَالَ وَقَدْ بَالَغَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَطْخُ جَبْهَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى [فَائِدَةٌ الْعُدُولُ عَنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ إلَى لَفْظِ النَّسِيكَةِ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت كَانَ يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ إلَى لَفْظِ النَّسِيكَةِ وَنَحْوِهَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ وَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ» (قُلْت) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ الْوَاجِبُ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ لِذَبِيحَةِ الْمَوْلُودِ نَسِيكَةٌ وَلَا يُقَالُ عَقِيقَةٌ لَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ وَكَأَنَّهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ لِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ لَفْظِ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى. (قُلْت) لَفْظُ نَسِيكَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَقِيقَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهَا وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ فَهْمِ الرَّاوِي وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَكَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ عِنْدَ ذِكْرِ الْعَقِيقَةِ لِئَلَّا يَسْتَرْسِلَ السَّائِلُ فِي اسْتِحْسَانِ كُلِّ مَا اجْتَمَعَ مَعَ الْعَقِيقَةِ فِي الِاشْتِقَاقِ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَحْبُوبٌ وَبَعْضَهَا مَكْرُوهٌ وَهَذَا مِنْ الِاحْتِرَاسِ الْحَسَنِ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِالْبَيَانِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْعِلْمِ وَضِدِّهِ فَيُبَيِّنُ لِلْجَاهِلِ وَيَسْكُتُ عَنْ الْبَيَانِ لِلْعَالِمِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَنْ احْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ لِأَجْلِهِ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو صَاحِبُ فَهْمٍ وَعِلْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «عَقِبَهُ» وَالْفَرَعُ أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ يَذْبَحُونَهُ وَفَصَّلَهُ أَبُو دَاوُد فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ قَالَ وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ، وَلِلنَّسَائِيِّ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ» . وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ «نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّا نَعْتِرُ   Q [حَدِيث لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي) عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَرَوَوْهُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَالْفَرَعُ أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ وَزَادَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا بِلَفْظَةٍ وَالْفَرَعَةُ أَوَّلُ النِّتَاجِ وَالْعَتِيرَةُ الشَّاةُ يَذْبَحُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ هَكَذَا رَوَيَا هَذَا التَّفْسِيرَ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ وَفَصَلَهُ أَبُو دَاوُد عَنْهُ فَرَوَى الْحَدِيثَ أَوَّلًا مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ ثُمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ الْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُوهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِتَفْسِيرِ الْفَرَعِ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ بِالزِّيَادَةِ كُلِّهَا مَوْصُولَةً بِالْحَدِيثِ وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ مَعْمَرٍ وَسُفْيَانَ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ» . وَقَالَ الْآخَرُ «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ نُبَيْشَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو وَمِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ فَحَدِيثُ نُبَيْشَةَ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا. قَالَ إنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك حَتَّى إذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا فِي الْعَتِيرَةِ وَصَحَّحَهُ زَادَ أَبُو دَاوُد (قُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ كَمْ السَّائِمَةُ؟ قَالَ مِائَةٌ) . وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ مِنْ   Qوَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ «نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، وَبَرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَطْعِمُوا قَالَ إنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك حَتَّى إذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بَعْدَ قَوْلِهِ فَتَصَدَّقْت بِلَحْمِهِ قَالَ خَالِدٌ أَحْسِبُهُ قَالَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ أَرَاهُ قَالَ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ بِالْجَزْمِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إسْقَاطُهَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ نَصْرٌ يَعْنِي الْجَهْضَمِيَّ اسْتَحْمَلَ لِلْحَجِيجِ وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ خَالِدٌ (قُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ كَمْ السَّائِمَةُ؟ قَالَ مِائَةٌ) . وَرَوَى الْحَاكِمُ قِصَّةَ الْعَتِيرَةِ فَقَطْ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَحَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ «إنَّهُ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَتَائِرُ وَالْفَرَائِعُ قَالَ مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْرَعْ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَحَدِيثُ مِخْنَفٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَآخِرُهُ فَاءٌ ابْنُ سُلَيْمٍ بِضَمِّ السِّينِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْهُ قَالَ «كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَاتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو «مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ وَمَنْ شَاءَ فَرَعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْرَعْ» . وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ «إنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِلنَّسَائِيِّ مُرْسَلًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدِ بْنُ أَسْلَمَ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَعُ؟ قَالَ حَقٌّ فَإِنْ تَرَكْته حَتَّى يَكُونَ   Qفَسَمِعْته يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً، قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ» . لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَبُو رَمْلَةَ مَجْهُولٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ انْتَهَى وَقَدْ نُكِتَ عَلَى كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ ذَكَرَ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ أَنَّ رِوَايَةَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ وَلَكِنَّهُ قِيلَ إنَّ الرَّجُلَ هُوَ ابْنُ عَوْنٍ وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا أَنَّهُ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَهُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ رَوَاهُ كَذَا وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنِّفِ عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِهِ وَقِيلَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مِخْنَفٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِيهِ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ لَا أَدْرِي عَنْ أَبِيهِ أَمْ لَا. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ قَيْسِ الْفَرَّاءِ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكْهُ حَتَّى يَكُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ يَلْصَقُ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُولِهُ نَاقَتَك» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 بَكْرًا فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ وَتُكْفِئَ إنَاءَك وَتُولِهُ نَاقَتَك قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْعَتِيرَةُ؟ قَالَ الْعَتِيرَةُ حَقٌّ» وَوَصَلَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْفَرَعِ وَصَحَّحَهُ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ وَذَكَرَ الْحَازِمِيُّ أَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ نَاسِخٌ لِلْإِذْنِ فِيهِمَا.   Qقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَفِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ دَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْفَرَعُ، قَالَ حَقٌّ فَإِنْ تَرَكْتَهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ فَتُكْفِئَ إنَاءَكَ وَتُولِهُ نَاقَتَكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْعَتِيرَةُ؛ قَالَ الْعَتِيرَةُ حَقٌّ» . وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَرَعَةِ هِيَ حَقٌّ وَلَا يَذْبَحُهَا وَهِيَ غَرَاةٌ مِنْ الْغَرَاةِ تَلْصَقُ فِي يَدِك وَلَكِنْ أَمْكِنْهَا مِنْ اللَّبَنِ حَتَّى إذَا كَانَتْ مِنْ خِيَارِ الْمَالِ فَاذْبَحْهَا وَقَالَ صَحِيحٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. (الثَّانِيَةُ) الْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَرَعَةُ بِزِيَادَةِ هَاءِ التَّأْنِيثِ قَدْ عَرَفْتَ تَفْسِيرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ وَأَمَّا كَوْنُهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ تَفْسِيرِهِ فَإِنَّ الِاسْمَ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ وَتَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ أَبَا دَاوُد فَصَلَهُ فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَيَكُونُ وَصْلُهُ بِالْحَدِيثِ مِنْ الْإِدْرَاجِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا ثُمَّ قَالَ هَذَا تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَكَذَا غَايَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَيْنَهُمَا وَلَا مَعْنَى لِهَذَا لِمَا قَرَرْته مِنْ أَنَّ الذَّبْحَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّاهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ غَيْرِهَا وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ النِّتَاجَ وَقَيَّدَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْأَثِيرِ بِنِتَاجِ النَّاقَةِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ بِنِتَاجِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَمَا أَدْرِي هُوَ قَيْدٌ أَوْ مِثَالٌ ثُمَّ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلًا آخَرَ فِي الْفَرَعِ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إذَا أَتَمَّتْ إبِلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِائَةً قَدَّمَ بَكْرًا فَذَبَحَهُ لِصَنَمِهِ فَهُوَ الْفَرَعُ وَلَمْ يَجْعَلْ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ جَعَلَهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مَعَانٍ فَقَالَ الْفَرَعُ وَالْفَرَعَةُ أَوَّلُ نِتَاجِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ وَجَمْعُهُ فُرُعٌ ثُمَّ قَالَ وَالْفَرَعُ وَالْفَرَعَةُ ذَبْحٌ كَانَ يُذْبَحُ إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ مَا يَتَمَنَّاهُ صَاحِبُهَا وَجَمْعُهَا فِرَاعٌ وَالْفَرَعُ بَعِيرٌ كَانَ يُذْبَحُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَانَ لِلْإِنْسَانِ مِائَةُ بَعِيرٍ نَحَرَ مِنْهَا بَعِيرًا كُلَّ عَامٍ فَأَطْعَمَ النَّاسَ وَلَا يَذُوقُهُ هُوَ وَلَا أَهْلُهُ وَالْفَرَعُ طَعَامٌ يُصْنَعُ لِنِتَاجِ الْإِبِلِ كَالْخُرْسِ لِوِلَادَةِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعَانِيَ أُخَرَ لَيْسَتْ مُلَائِمَةً لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. (الثَّالِثَةُ) الْعَتِيرَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ بَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ فَسَّرَهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهَا الَّتِي تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ وَفِي حَدِيثِ مِخْنَفٍ بِأَنَّهَا الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ وَقَيَّدَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالنَّوَوِيُّ ذَلِكَ بِأَنْ تُذْبَحَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِهَذَا وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَطَّابِيَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ مِخْنَفٍ قَالَ هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَيَلِيقُ بِحُكْمِ الدِّينِ فَأَمَّا الْعَتِيرَةُ الَّتِي كَانَ يَعْتَرِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ الذَّبِيحَةُ تُذْبَحُ لِلصَّنَمِ فَيُصَبُّ دَمُهَا عَلَى رَأْسِهِ وَالْعَتْرُ بِمَعْنَى الذَّبْحِ اهـ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعَتِيرَةِ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ اللَّائِقُ بِتَفْسِيرِ الْمَنْفِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعَلَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ بِبَقَاءِ حُكْمِهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الْعَتِيرَةُ نَذْرٌ كَانُوا يَنْذِرُونَهُ لِمَنْ بَلَغَ مَالُهُ كَذَا رَأْسًا أَنْ يَذْبَحَ مِنْ كُلِّ عَشْرَةٍ مِنْهَا رَأْسًا فِي رَجَبٍ وَجَزَمَ فِي النِّهَايَةِ بِهَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقَوْلِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْعَتِيرَةُ أَوَّلُ مَا يُنْتَجُ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إنْ بَلَغَتْ إبِلِي مِائَةً عَتَرْتُ مِنْهَا عَتِيرَةً. وَفِي الصِّحَاحِ الْعِتْرُ الْعَتِيرَةُ وَهِيَ شَاةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي رَجَبٍ لِآلِهَتِهِمْ مِثَالُ ذِبْحٍ وَذَبِيحَةٍ انْتَهَى فَقَيَّدَهَا بِالشَّاةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ وَهُوَ قَادِحٌ فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَفَى الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّهْيِ عَنْهُمَا وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو التَّخْيِيرُ بَيْنَ فِعْلِهِمَا وَتَرْكِهِمَا وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُمَا حَقٌّ وَفِي حَدِيثِ الْمِخْنَفِ الْإِلْزَامُ بِالْعَتِيرَةِ وَفِي حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْأَمْرُ بِالْعَتِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهَا فِي رَجَبٍ وَالْإِلْزَامُ بِالْفَرَعِ وَأَنَّ تَأْخِيرَ ذَبْحِهِ إلَى كِبَرِهِ أَفْضَلُ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ أَكْثَرُ انْتَهَى وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفَعَلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا فَقَالَ «لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ» فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهُمَا لِنَهْيِهِ) . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ قَدْ كَانَ يُفْعَلُ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ نَهَاهُمْ عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ نُبَيْشَةَ «إنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ» . وَفِي إجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا مَعَ ثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ بَيَانٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْبَحُ الْعَتِيرَةَ فِي رَجَبٍ وَكَانَ يَرْوِي فِيهَا شَيْئًا انْتَهَى وَتَبِعَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَانَ يَرْوِي فِيهَا شَيْئًا: لَا يَصِحُّ وَأَظُنُّهُ حَدِيثَ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ نَاسِخًا لَهُ؛ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَسْخِ الْأَمْرِ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ أَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِذْنِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَوَّلُوا النَّهْيَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيّ: الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بَكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِه وَلَا يَغْذُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ «فَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَقَالَ أَفْرِعُوا إنْ شِئْتُمْ» أَيْ اذْبَحُوا إنْ شِئْتُمْ وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يُغَذُّوهُ ثُمَّ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ الْفَرَعَةُ حَقٌّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاطِلٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ» . وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مِنْ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هَذَا لَا فَرَعَةَ وَاجِبَةٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى ذَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةَ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَرَّكُونَ بِهَا فِي رَجَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَتِيرَةَ» عَلَى مَعْنَى لَا عَتِيرَةَ لَازِمَةٌ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ سُئِلَ عَنْ الْعَتِيرَةِ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ» مَا كَانَ إنَّهَا فِي رَجَبٍ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُورِ هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ أَنَّهُمَا لَا يُسْتَحَبَّانِ وَهَلْ يُكْرَهَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) يُكْرَهَانِ لِلْخَبَرِ (وَالثَّانِي) لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا، وَحَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا النَّصُّ لِلشَّافِعِيِّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ حَدِيثٌ يَقْتَضِي التَّرْخِيصَ فِيهِمَا بَلْ ظَاهِرُهُ النَّدْبُ. فَالْوَجْهُ الثَّانِي يُوَافِقُهُ فَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ ثُمَّ حَكَى نَصَّ حَرْمَلَةَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاقْتَضَتْهُ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّهُمَا لَا يُسْتَحَبَّانِ [فَائِدَةٌ الْقَوْل بِنَفْيِ اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) الَّذِينَ قَالُوا بِنَفْيِ اسْتِحْبَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ حَمَلُوا قَوْلَهُ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مُسْتَحَبَّانِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِهِمَا أَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَعْنَى لَا فَرَعَ وَاجِبٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَهَذَا تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقَدَّمَ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَوَابِ الْأَوَّلِينَ النَّهْيُ الَّذِي فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعَهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَلَا الِاسْتِحْبَابِ وَلَعَلَّ رَاوِيَهُ رَوَى بِالْمَعْنَى فِي ظَنِّهِ فَأَخْطَأَ؛ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَى النَّفْيِ النَّهْيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ. (ثَانِيهَا) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ الْمُتَأَكِّدِ أَوْ فِي ثَوَابِ إرَاقَةِ الدَّمِ فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِأَصْنَامِهِمْ فَأَمَّا الذَّبِيحَةُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا لِلْأَصْنَامِ فَلَا بَأْسَ بِهَا. (السَّادِسَةُ) النِّتَاجُ بِكَسْرِ النُّونِ وَقَوْلُهُ يُنْتَجُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَأَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ يُقَالُ نَتَجَتْ النَّاقَةُ إذَا وَلَدَتْ وَقَوْلُهُ (وَفَصَلَهُ) أَبُو دَاوُد بِتَخْفِيفِ الصَّادِ (وَالطَّوَاغِيتُ) هُنَا الْمُرَادُ بِهَا الْأَصْنَامُ وَمُفْرَدُهُ طَاغُوتٌ وَهُوَ مَقْلُوبٌ لِأَنَّهُ مِنْ طَغَى وَالطُّغْيَانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَقَوْلُهُ (نَعْتِرُ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَقَوْلُهُ (وَبَرُّوا اللَّهَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَطِيعُوهُ وَقَوْلُهُ (نَفْرَعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ» السَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ لِذَلِكَ عَدَدًا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي قِلَابَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ السَّائِمَةُ مِائَةٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةٍ شَاةٌ» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِلَفْظٍ آخَرَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ» . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِلَفْظِ «أَمَرَ بِالْفَرَعِ فِي كُلِّ خَمْسَةٍ وَاحِدَةٌ» . وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ السَّائِمَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَفِي هَذَا اسْتِحْبَابُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ خَمْسٍ بِوَاحِدَةٍ وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ (تَغْذُوهُ مَاشِيَتُك) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرْضِعُهُ مَاشِيَتُك وَهِيَ أُمُّهُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلرَّضَاعَةِ. وَقَوْلُهُ (اسْتَحْمَلَ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ قَوِيَ عَلَى الْحَمْلِ وَأَطَاقَهُ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنْ الْحَمْلِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَأْخِيرَ ذَبْحِ الْفَرَعِ إلَى أَنْ يَكْمُلَ وَيَشْبَعَ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ وَيَجِيءَ وَقْتُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِذَبْحِهِ فِي أَوَّلِ وِلَادَتِهِ وَخَصَّ ابْنَ السَّبِيلِ لِشِدَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاحْتِيَاجِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُقِيمِ لِغُرْبَتِهِ وَنَفَادِ نَفَقَتِهِ [فَائِدَةٌ هَلْ الْأُضْحِيَّة وَاجِبَةٌ] 1 (التَّاسِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ» مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِضَعْفِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْمُرَادُ الِاسْتِحْبَابُ الْمُؤَكَّدُ دُونَ الْوُجُوبِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الْعَتِيرَةِ [فَائِدَةٌ الْأُضْحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ] (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَكْفِي فِي تَأَدِّي مَشْرُوعِيَّتِهَا أَنْ يُضَحِّيَ الْوَاحِدُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ بِأُضْحِيَّةٍ وَاحِدَةٍ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْبَكْرُ بِالْفَتْحِ الْفَتَى مِنْ الْإِبِلِ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بَكْرًا شُغْزُبًا ابْنَ مَخَاضٍ أَوْ ابْنَ لَبُونٍ وَهُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَضَمِّ الزَّايِ الْمُعْجَمَاتِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ زُخْزُبًا أَيْ بِضَمِّ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ زَايٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّ لَحْمُهُ وَغَلُظَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الزَّايُ أُبْدِلَتْ شِينًا وَالْخَاءُ غَيْنًا فَصُحِّفَ وَهَذَا مِنْ غَرَائِبِ الْإِبْدَالِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فَيَلْصَقَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ كَأَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ هُزَالِهِ أَيْ لَا يَكُونُ فِيهِ شَحْمٌ يَفْصِلُ بَيْنَ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ وَقَوْلُهُ فَتَكْفَأَ إنَاءَك بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْفَاءِ يُقَالُ كَفَأَ الْإِنَاءَ أَيْ قَلَبَهُ وَكَبَّهُ وَأَكْفَاهُ أَيْ أَمَالَهُ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا فَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا ضَمُّ التَّاءِ وَكَسْرُ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّك إذَا ذَبَحْت وَلَدَ النَّاقَةِ انْقَطَعَ لَبَنُهَا فَأَكْفَأْت إنَاءَ اللَّبَنِ أَيْ قَلَبْته عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهُ فَارِغٌ مِنْ اللَّبَنِ وَقَوْلُهُ (وَتُولِهُ نَاقَتَك) أَيْ تَفْجَعُهَا بِفَقْدِ وَلَدِهَا حَتَّى يُصِيبَهَا الْوَلَهُ وَهُوَ خَبَلُ الْعَقْلِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حِينَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرَعُ هُنَا إنَّمَا هُوَ الصَّغِيرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِ النِّتَاجِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ (قُلْت) هُوَ صَغِيرٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَوَّلَ النِّتَاجِ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ فَقَالَ: لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ» وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ» .   Q [كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] [حَدِيث أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ] ِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَى فِي الضَّبِّ؟ فَقَالَ لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَحْدَهُ بِلَفْظِ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» وَقَالَ النَّسَائِيّ «وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «لَا أُحَرِّمُ» يَعْنِي الضَّبَّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ» وَفِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ «قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ» وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِضَبٍّ فَلَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَأْكُلْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ» وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ سَعْدٌ وَأَتَوْا بِلَحْمِ ضَبٍّ فَنَادَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» . لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَفْظُهُ «فَإِنَّهُ حَلَالٌ أَوْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ» شَكَّ فِيهِ. (الثَّانِيَةُ) : الضَّبُّ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ وَالْأُنْثَى ضَبَّةٌ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْوَرَلَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ حِرْذَوْنٌ كَبِيرٌ يَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ إبَاحَةُ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ فَهُوَ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَعَدَمُ أَكْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِعِيَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» ، وَقَدْ رَفَعَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ» كُلَّ إشْكَالٍ فَهَذَا نَصٌّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تَطْعَمُوهُ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى تَحْرِيمِهِ حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الضَّبَّ حَلَالٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ حَرَامٌ، وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ فَمَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ انْتَهَى. (قُلْت) الْكَرَاهَةُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِلَا شَكٍّ كَمَا هُوَ فِي كُتُبِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَكْرُوهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ فَظَهَرَ بِذَلِكَ وُجُودُ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلِهَذَا نَقَلَ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَحْرِيمَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْلَهُ، وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا فَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِيهِ وَفِي كُلِّ مَا قِيلَ إنَّهُ مَنْسُوخٌ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ التَّحْرِيمُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْجَوَازُ. (الرَّابِعَةُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ قَالَ «كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَصَبْنَا ضِبَابًا فَكَانَتْ الْقُدُورُ تَغْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هَذَا؟ فَقُلْنَا أَصَبْنَاهَا فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفَأْنَاهَا وَإِنَّا لَجِيَاعٌ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشٍ فَأَصَبْنَا ضِبَابًا فَشَوَيْت مِنْهَا ضَبًّا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَضَعْته بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيَّ الدَّوَابِّ هِيَ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ وَابْنُ وَدِيعَةَ هُمَا وَاحِدٌ يَزِيدُ أَبُوهُ؛ وَدِيعَةُ أُمُّهُ، قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْمِزِّيُّ هُوَ ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ وَدِيعَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَأَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ أَصَحُّ وَيَحْتَمِلُ عَنْهُمَا جَمِيعًا انْتَهَى. وَرَوَى الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ الضَّبَّ أُمَّةٌ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَمَا مَضَى فِي إبَاحَتِهِ أَصَحُّ مِنْهُ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أُهْدِيَ لَنَا ضَبٌّ فَقَدَّمْته إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُطْعِمُهَا السُّؤَالَ؟ فَقَالَ إنَّا لَا نُطْعِمُهُمْ مِمَّا لَا نَأْكُلُ» . وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِمَا سَنَذْكُرُهُ. أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ فَلَيْسَ فِيهِ الْجَزْمُ بِأَنَّهَا مَمْسُوخَةٌ وَإِكْفَاؤُهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إكْفَاءَ الْقُدُورِ بِالضِّبَابِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَقَايَا مَسْخِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ» ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَكْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِلضَّبِّ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ قَالَ وَهَذَا هُوَ النَّاسِخُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ إلَّا بَعْدَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ وَلَمْ يَغْزُ بَعْدَهَا إلَّا تَبُوكَ وَلَمْ تُصِبْهُمْ فِي تَبُوكَ مَجَاعَةٌ أَصْلًا وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَ ابْنِ حَسَنَةَ كَانَ قَبْلَ هَذَا انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَقَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَتَقَدَّمَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ تَضْعِيفُهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِيهِ ضُعَفَاءُ، وَمَجْهُولُونَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِهِمْ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ إنْ ثَبَتَ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهِ ثُمَّ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ مِمَّا لَا يَأْكُلُ انْتَهَى وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] ، وَقَدْ ظَهَرَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ احْتِمَالَ الْمَسْخِ قَدْ أُمِنَ وَزَالَ التَّعَلُّلُ بِهِ. وَأَمَّا الْعِيَافَةُ فَلَا تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَفِي عِبَارَةِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الْعَائِفِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَكِنْ يَبْقَى حَلَالًا لِمَنْ اعْتَادَهُ فَإِنْ صَحَّ فَسَبَبُهُ خَشْيَةُ الضَّرَرِ بِالْقَرَفِ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» وَقَالَ إنَّ الضَّبَّ مَوْجُودٌ بِمَكَّةَ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ إنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْخَبَرِ وَأَنَّ النَّاقِلَ لِوُجُودِهَا بِمَكَّةَ كَاذِبٌ أَوْ سُمِّيَتْ لَهُ بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَيَوَانَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَكْلَهُ أَيْ لَمْ يَشِعْ أَكْلُهُ بِأَرْضِ قَوْمِي. وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مَرْفُوعًا «أَنَّ أَهْلَ تِهَامَةَ تَعَافُهَا» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَرِهَهُ لِرَائِحَتِهِ فَقَالَ «إنِّي يَحْضُرُنِي مِنْ اللَّهِ حَاضِرَةٌ» يُرِيدُ الْمَلَائِكَةَ فَيَكُونُ هَذَا كَنَحْوِ مَا قَالَ فِي الثُّومِ «إنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» قَالَ وَلَا بُعْدَ فِي تَعْلِيلِ كَرَاهَةِ الضَّبِّ بِمَجْمُوعِهَا. (الْخَامِسَةُ) (إنْ قُلْت) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ «دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ فَقَرَّبَ إلَيْنَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ ضَبًّا فَآكِلٌ وَتَارِكٌ فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ الْغَدِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِئْسَمَا قُلْتُمْ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُحِلًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 وَعَنْ جَابِرٍ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَثَمِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ ثُمَّ إنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ وَنَظَرَ إلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ فَجَازَ تَحْتَهُ، وَكَانَ رَجُلٌ يَجْزُرُ ثَلَاثَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً جُزُرٍ فَنَهَاهُ   Qوَمُحَرِّمًا ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ» فَكَيْفَ الْجَوَابُ عَنْ إنْكَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ . (قُلْت) أَجَابَ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ظَنَّ أَنَّ الْمُخْبِرَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلَةِ لَا آكُلُهُ لَا أُحَلِّلُهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ لَا آكُلُهُ عِيَافَةً وَلَا أُحَرِّمُهُ وَلَكِنْ يَبْقَى حَلَالًا لِمَنْ اعْتَادَهُ فَأَمَّا خُرُوجُهُ عَنْ قِسْمِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فَمُحَالٌ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّ الْحَدِيثَ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ «لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أُحِلُّهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» فَسَقَطَ عَلَى مُسْلِمٍ لَفْظَةُ (لَا أُحِلُّهُ) إمَّا عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ وَإِمَّا أَسْقَطَهَا؛ لِكَوْنِهَا وَهْمًا مِمَّنْ رَوَاهَا. وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ؛ لِأَجْلِ قَوْلَةِ وَلَا أُحِلُّهُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِذْنِهِ فِيهِ بِقَوْلِهِ كُلُوا. [حَدِيث جَابِرٍ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَثَمِائَةِ رَاكِبٍ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) : وَعَنْ جَابِرٍ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَثَمِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ ثُمَّ إنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ وَنَظَرَ إلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ فَجَازَ تَحْتَهُ، وَكَانَ رَجُلٌ نَحَرَ ثَلَاثَةَ جُزُرٍ ثُمَّ ثَلَاثَةَ جُزُرٍ فَنَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَأَخْرَجَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 أَبُو عُبَيْدَةَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشُ الْخَبَطِ» ، وَزَادَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ «ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا» وَلَهُ «بَعَثَ سَرِيَّةً أَنَا فِيهِمْ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ» وَلَهُ «بَعَثَ بَعْثًا إلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ»   Qالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو وَأَخْرَجُوهُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ هَذَا حَدِيثٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى زَادَ الشَّيْخَانِ «فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ» هُوَ عِنْدَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ وَقَوْلُهُ وَزَادَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ «ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ» يَعْنِي مَرَّةً ثَالِثَةً، هُوَ عِنْدَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً» هُوَ عِنْدُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ وَقَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا» هُوَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. وَقَوْلُهُ وَلَهُ «بَعَثَ سَرِيَّةً أَنَا فِيهِمْ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ» هُوَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ وَهُوَ عِنْدُ الْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ «بَعَثَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَنَا فِيهِمْ.» وَقَوْلُهُ وَلَهُ «بَعَثَ بَعْثًا إلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ» هُوَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ وَقَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ عِنْدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ «أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لِأَبِيهِ كُنْت فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْت قَالَ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْت ثُمَّ جَاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نُهِيتُ» وَقَوْلُهُ: وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ «فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وَالرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ «فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ، أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ قَالَ فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَأَكَلَ» . وَلِلنَّسَائِيِّ (وَنَحْنُ ثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ) .   Qأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ قَالَ فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَأَكَلَ» هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِمَعْنَاهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا. لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَإِنَّهُ لَا يُخَرِّجُ لِأَبِي الزُّبَيْرِ انْفِرَادًا وَإِنَّمَا يُخَرِّجُ لَهُ مُتَابَعَةً وَفِيهِ فِي الْمَغَازِي بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ «قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ أَطْعِمُونَا إنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ» وَالْقَائِلُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ: وَلِلنَّسَائِيِّ «وَنَحْنُ ثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ» هُوَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. (الثَّالِثَةُ) لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْجِهَةَ الَّتِي بُعِثُوا إلَيْهَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ «نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ» ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ «نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ» ، وَعِنْدَهُ أَيْضًا «بَعَثَ بَعْثًا إلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَالْجِهَةُ أَرْضُ جُهَيْنَةَ وَالْقَصْدُ تَلَقِّي عِيرَ قُرَيْشٍ وَهِيَ الْإِبِلُ الْمُحَمَّلَةُ لِلطَّعَامِ أَوْ غَيْرُهُ لَكِنْ فِي كُتُبِ السِّيَرِ أَنَّ الْبَعْثَ إلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ بِالْقِبْلِيَّةِ مِمَّا يَلِي السَّاحِلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسُ لَيَالٍ، وَلَعَلَّ الْبَعْثَ لِمَقْصِدَيْنِ. رَصْدُ عِيرِ قُرَيْشٍ، وَمُحَارَبَةُ حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ طُولُ إقَامَتِهِمْ عَلَى السَّاحِلِ فَإِنَّ فِعْلَهُمْ فِي ذَلِكَ فِعْلَ مُنْتَظِرٍ لِأَمْرٍ مِنْ غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالُوا: وَكَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ فِي شَهْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ نَكْثِ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ، وَقَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ مِنْ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ. (الرَّابِعَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَثَمِائَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ (وَبِضْعَةَ عَشَرَ) فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى الثَّلَثِمِائَةِ اسْتِسْهَالًا لِأَمْرِ الْكَسْرِ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ مَعَ صِحَّتِهَا وَاجِبٌ. (الْخَامِسَةُ) : فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا رُكْبَانًا، وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ «نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا» فَلَوْ كَانُوا رُكْبَانًا لَمَا احْتَاجُوا إلَى حَمْلِ أَزْوَادِهِمْ عَلَى رِقَابِهِمْ لَا سِيَّمَا مَعَ قِلَّتِهَا وَيَدُلُّ عَلَى رُكُوبِهِمْ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ «وَنَظَرَ إلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ» وَقَوْلُهُ فِيهِ «وَكَانَ رَجُلٌ نَحَرَ ثَلَاثَةَ جُزُرٍ ثُمَّ ثَلَاثَةَ جُزُرٍ» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْإِبِلِ مَعَهُمْ لَكِنَّ فِي كُتُبِ السِّيَرِ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ قَيْسٍ اشْتَرَاهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ إلَى أَجَلٍ وَأَنَّهُ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْرًا بِجُزُرٍ أَنْحَرُهَا هُنَا وَأُوَفِّيهِ التَّمْرَ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَدَ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ فَقَالَ لَهُ الْجُهَنِيِّ مَا أَعْرِفُك فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ كُلَّ جَزُورٍ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَقَالَ هَذَا لَا مَالَ لَهُ إنَّمَا الْمَالُ لِأَبِيهِ فَقَالَ الْجُهَنِيِّ وَاَللَّهِ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيَخْنَى بِابْنِهِ وَفَضَلَ مَعَهُ بَعْدَ نَهْيِ أَبِي عُبَيْدَةَ جَزُورَانِ قَدِمَ بِهِمَا الْمَدِينَةَ ظَهْرًا يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِمَا وَلَمَّا بَلَغَ سَعْدًا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَعُمَرَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ قَالَ فَلَكَ أَرْبَعُ حَوَائِطَ أَدْنَاهَا حَائِطٌ تَجِدُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا، وَقَدِمَ الْجُهَنِيِّ فَأَوْفَاهُ وَحَمَلَهُ، وَكَسَاهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلُ قَيْسٌ فَقَالَ: إنَّ الْجُودَ لِمَنْ شِيمَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَجَاءَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ ابْنِ الْخَطَّابِ يُبَخِّلُ ابْنِي عَلَيَّ» وَلَعَلَّهُ سَمَّاهُمْ رُكْبَانًا بِاعْتِبَارِ تَهَيُّئِهِمْ لِلرُّكُوبِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفُوا بِهِ أَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ رَاكِبًا وَبَعْضُهُمْ كَانَ مَاشِيًا يَحْمِلُ زَادَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَغَلَّبَ فِي كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ بِإِطْلَاقِ صِفَةِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ. [فَائِدَة لِلرُّفْقَةِ فِي أَيِّ سَفَرٍ كَانَ وَإِنْ قَلُّوا أَنْ يُؤَمِّرُوا بَعْضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَيَنْقَادُوا لَهُ] (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ بِتَأْمِيرِهِ عَلَى هَذَا الْجَيْشِ الَّذِي فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْجُيُوشَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَمِيرٍ يَضْبِطُهَا وَتَنْقَادُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ فِي أَيِّ سَفَرٍ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَإِنْ قَلُّوا أَنْ يُؤَمِّرُوا بَعْضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَيَنْقَادُوا لَهُ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا» الظَّاهِرُ أَنَّ إقَامَتَهُمْ لِانْتِظَارِ ذَلِكَ الْعِيرِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ «وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ» وَهُوَ بِظَاهِرِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ «نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا» وَلِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «فَفَنِيَ زَادُهُمْ فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ زَادَهُمْ فِي مِزْوَدٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا حَتَّى كَانَ يُصِيبُنَا كُلَّ يَوْمٍ تَمْرَةٌ» كَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ «فَكَانَ مِزْوَدِي تَمْرٌ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَوَّلِ جِرَابًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا صَارَ كَذَلِكَ فِي آخَرِ الْأَمْرِ حِينَ فِنَائِهِ وَقَرَّبَهُ مِنْ الْفَرَاغِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ «كَانَ يُعْطِينَا قَبْضَةً قَبْضَةً ثُمَّ أَعْطَانَا تَمْرَةً تَمْرَةً» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّدَهُمْ الْجِرَابَ زَائِدًا عَلَى مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ الزَّادِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَاسَاهُمْ بِهِ الصَّحَابَةُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَنَحْنُ نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَادِهِمْ تَمْرٌ غَيْرُ هَذَا الْجِرَابِ، وَكَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُ مِنْ الزَّادِ. (قُلْت) وَلَمَّا قَلَّتْ أَزْوَادُهُمْ جَمَعَ الْمَجْمُوعَ فَكَانَ مِزْوَدًا أَوْ مِزْوَدَيْنِ. (الثَّامِنَةُ) (الْخَبَطُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمٌ لِمَا يُخْبَطُ فَيَتَسَاقَطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ وَبِسُكُونِ الْبَاءِ الْمَصْدَرُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِوَرَقِ السَّنْطِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بِلَادِنَا بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ " فَإِنْ قُلْت " كَيْفَ يَتَأَتَّى أَكْلُ الْخَبَطِ، وَكَيْفَ يَنْسَاغُ فِي الْحَلْقِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَأْكُولِ الْبَهَائِمِ؟ " قُلْت " كَانُوا يَبُلُّونَهُ بِالْمَاءِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ» وَإِذَا بُلَّ لَانَ لِلْمَضْغِ، وَإِنَّمَا صَارُوا لِأَكْلِ الْخَبَطِ عِنْدَ فَقْدِ التَّمْرَةِ الْمُوَزَّعَةِ عَلَيْهِمْ. وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْدِ وَالِاجْتِهَادِ وَالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ الْعِظَامِ وَالْمَشَقَّاتِ الْفَادِحَةِ لِإِظْهَارِ الدِّينِ وَإِطْفَاءِ كَلِمَةِ الْمُشْرِكِينَ. (التَّاسِعَةُ) (الْعَنْبَرُ) سَمَكَةٌ بَحْرِيَّةٌ كَبِيرَةٌ يُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِهَا التِّرْسَةُ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلتُّرْسِ عَنْبَرٌ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَلَعَلَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا الدَّابَّةُ الَّتِي تُلْقِي الْعَنْبَرَ، وَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ الْعَنْبَرُ عَلَى سَوَاحِلِ الْبَحْرِ. . [فَائِدَة إبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ " فَأَكَلْنَا مِنْهُ " قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ " أَنَّهُمْ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْهُ إلَّا بَعْدَ تَرَدُّدٍ " فَفِيهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ هَذَا مَيْتَةٌ، وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَكْلُهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَقَالَ بَلْ هُوَ حَلَالٌ لَكُمْ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً؛ لِأَنَّكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ لِمَنْ كَانَ مُضْطَرًّا غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ، وَقَدْ تَبَيَّنَ آخِرًا عِنْدَ سُؤَالِهِمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ حَلَالًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا بِكَوْنِهِمْ مُضْطَرِّينَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَوَّبَ رَأْيَهُمْ وَطَيَّبَ خَاطِرَهُمْ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حِلِّهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا وَفِيهِ إبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاصْطِيَادٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ الطَّافِي وَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ بِلَا سَبَبٍ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] أَنَّ صَيْدَهُ مَا صِدْتُمُوهُ وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ بِتَحْرِيمِ مَا مَاتَ بِنَفْسِهِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَطَاوُسٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَفِيمَا طَفَا مِنْ السَّمَكِ عَلَى الْمَاءِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنْ يُؤْكَلَ مَا يُوجَدُ فِي حَافَتَيْ الْبَحْرِ، وَمَا جَزَرَ عَنْهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا كَانَ طَافِيًا مِنْهُ هَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِمَّنْ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ طَاوُسٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ حِلَّ مَيْتَةِ الْبَحْرِ وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ قَالَ: وَمَيْتَةُ الْبَحْرِ مَا لَفَظَهُ لِيَكُونَ مَوْتُهُ مُضَافًا إلَى الْبَحْرِ لَا مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت الْخِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَكْرُوهِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَمْ لَا وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَحَمَّادٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَوْقَفُوهُ عَلَى جَابِرٍ، وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ كَثِيرُ الْوَهْمِ سَيِّئُ الْحِفْظِ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ ثُمَّ بَسَطَ طُرُقَهُ وَضَعَّفَهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ كَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (نِصْفَ شَهْرٍ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «فَأَكَلَ مِنْهَا الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا» ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ قَالَ النَّوَوِيُّ: طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ رَوَى شَهْرًا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَمِنْ رَوَى دُونَهُ لَمْ يَنْفِ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ نَفَاهَا قُدِّمَ الْمُثْبَتُ وَالْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ كَيْفَ، وَقَدْ عَارَضَهُ فَوَجَبَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ، وَجَمَعَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَيْنَهُمَا بِأَنْ مَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ أَرَادَ أَكَلُوا مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ طَرِيًّا، وَمَنْ قَالَ شَهْرًا أَرَادَ أَنَّهُمْ قَدَّدُوهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ قَدِيدًا " قُلْت " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا عَلَى السَّاحِلِ، وَكَانُوا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمُدَّةِ يَأْكُلُونَ التَّمْرَ ثُمَّ الْخَبَطَ وَفِي بَعْضِهَا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الْعَنْبَرِ وَبِتَقْدِيرِ التَّعَارُضِ فَرِوَايَةُ النِّصْفِ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ الشَّهْرِ فَإِنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَهِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ خَاصَّةً وَالرِّوَايَتَانِ الْأُخْرَيَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [فَائِدَة مِقْدَار مَا يَأْكُلهُ الْمُضْطَرَّ مِنْ الْمَيْتَةِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) احْتَجَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيْتَةِ شِبَعَهُ لِارْتِفَاعِ تَحْرِيمِهَا عَنْهُ فَصَارَتْ كَالْمُذَكَّاةِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ. (الْأَوَّلُ) الشِّبَعُ (وَالثَّانِي) الِاقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعُمْرَانِ لَمْ يَحِلَّ الشِّبَعُ وَإِلَّا حَلَّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَادِيَةٍ وَخَافَ إنْ تَرَكَ الشِّبَعَ أَلَا يَقْطَعَهَا وَيَهْلِكَ وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَشْبَعُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ وَتَوَقَّعَ الطَّعَامَ الْحَلَالَ قَبْلَ عَوْدِ الضَّرُورَةِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ حُصُولُ طَعَامٍ حَلَالٍ وَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمَيْتَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إنْ لَمْ يَجِدْ الْحَلَالَ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا التَّفْصِيلَ وَرَجَّحَ مِنْ الْخِلَافِ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: إنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ قَدْرَ ضَرُورَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ وَسَقَطَتْ قُوَاهُمْ وَهُمْ مُسْتَقْبِلُونَ سَفَرًا وَعَدُوًّا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ضَعُفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ وَانْقَطَعُوا عَنْ سَفَرِهِمْ. [فَائِدَة أَكْلِ الْمُنْتِنِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ هَذِهِ الْمَيْتَةِ إلَى شَهْرٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّحْمَ إذَا أَقَامَ هَذِهِ الْمُدَّةَ بَلْ أَقَلَّ مِنْهَا أَنَّهُ يُنْتِنُ وَيَشْتَدُّ نَتْنُهُ فَلَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الصَّيْدِ «كُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ» فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْتَهِ نَتْنُهُ إلَى حَالٍ يُخَافُ مِنْهُ الضَّرَرُ؛ لِبُرُودَةِ الْمَوْضِعِ أَوْ يُقَالُ إنَّهُمْ أَكَلُوهُ طَرِيًّا ثُمَّ مَلَّحُوهُ، وَقَدَّدُوهُ " قُلْت " الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا كَرَاهَةُ أَكْلِ الْمُنْتِنِ دُونَ تَحْرِيمِهِ إلَّا أَنْ يُخَافَ مِنْهُ الضَّرَرُ خَوْفًا مُعْتَمَدًا. [فَائِدَة إبَاحَةُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ إبَاحَةُ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَحْتَاجُوا فِي أَكْلِ هَذَا إلَى نَصٍّ يَخُصُّهُ فَدَلَّ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ فِي أَكْلِهَا مُطْلَقًا وَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ فَفِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ قِيلَ بِالْحِلِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَقِيلَ بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا وَقِيلَ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ كَالْبَقَرِ وَالشَّاةِ فَحَلَالٌ، وَمَا لَا كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ، وَكَلْبِهِ فَحَرَامٌ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ الْحِلِّ أَرْبَعَةً الضُّفْدَعُ وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالتِّمْسَاحُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَقَالَ أَحْمَدُ كُلُّهُ مُبَاحٌ إلَّا الضُّفْدَعَ، وَعَنْهُ فِي التِّمْسَاحِ رِوَايَتَانِ وَأَبَاحَ مَالِكٌ حَيَوَانَ الْبَحْرِ كُلَّهُ حَتَّى الضُّفْدَعَ، وَعَنْهُ فِي خِنْزِيرِ الْبَحْرِ قَوْلَانِ، وَكَرِهَ تَسْمِيَتَهُ خِنْزِيرًا وَحَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا عَدَا السَّمَكَ وَقِيلَ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى سَمَكًا. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «حَتَّى صَلُحَتْ أَجْسَامُنَا» أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» .   Qصَحَّتْ بِالْأَكْلِ، وَعَادَتْ إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى مِنْ الْقُوَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «وَادَّهَنَا مِنْ وَدَكِهَا حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا» أَيْ رَجَعَتْ إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى مِنْ حُسْنِ اللَّوْنِ وَالسِّحْنَةِ فَفَائِدَةُ الْأَكْلِ عَوْدُ الْقُوَّةِ وَفَائِدَةُ الْأَدْهَانِ عَوْدُ حُسْنِ اللَّوْنِ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ وَنَظَرَ إلَى أَطْوَلِ بَعِيرٍ فَجَازَ تَحْتَهُ» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى جَوَازِ الْبَعِيرِ مِنْ تَحْتِهِ؛ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «ثُمَّ نَظَرَ إلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ فَمَرَّ تَحْتَهُ» فَزَادَ عَلَى الْجَمَلِ وَالرَّجُلِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَطْوَلَ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ هُوَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالطُّولِ، وَيُقَالُ إنَّهُ أَطْوَلُ الْعَرَبِ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ نَهْيَ أَبِي عُبَيْدَةَ لَهُ عَنْ النَّحْرِ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ نَحْرٍ ثَالِثٍ فَكَانَ مَجْمُوعُ نَحْرِهِ تِسْعَ جُزُرٍ، وَمِنْ الْعَجِيبِ مَا حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْجَزُورِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقْتَ ضَرُورَةٍ غَيَّرَ فِيهِ عَادَتَهُ لِلِاضْطِرَارِ وَنَهْيُ أَبِي عُبَيْدَةَ لَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْجُزُرَ بِالدَّيْنِ وَخَشِيَ أَنْ لَا يَقْضِيَ أَبُوهُ عَنْهُ دَيْنَهُ فَيَحْصُلَ الضَّرَرُ لَهُ وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِي زَوَالِ ضَرَرِ الْجَيْشِ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِهِ، وَقَدْ رَزَقَهُمْ اللَّهُ بِحُسْنِ نِيَّتِهِ وَنِيَّتِهِمْ الرِّزْقَ الْحَلَالَ الْوَاسِعَ الَّذِي لَا مِنَّةَ فِيهِ وَلَا تَبِعَةَ لِأَحَدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ» فِيهِ فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ   Q، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ الْحَضُّ عَلَى إطْعَامِ الطَّعَامِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ صَاحِبُهُ مِنْ تَقْدِيمِهِ لِقِلَّتِهِ فَالْقَلِيلُ يَحْصُلُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ كَمَا يَحْصُلُ الِاكْتِفَاءُ بِالْكَثِيرِ؛ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ الشِّبَعَ وَالِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ قِيَامُ الْبِنْيَةِ وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إذَا كَانَ لَا يُغْنِيك مَا يَكْفِيك، فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يُغْنِيك، وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: قَنِّعْ النَّفْسَ بِالْقَلِيلِ وَإِلَّا طَلَبَتْ مِنْك فَوْقَ مَا يَكْفِيهَا. (الثَّالِثَةُ) : إنْ قُلْت يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ» (قُلْت) لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى التَّحْدِيدِ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الْمُوَاسَاةُ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلِاثْنَيْنِ إدْخَالُ ثَالِثٍ فِي طَعَامِهِمَا وَإِدْخَالُ رَابِعٍ أَيْضًا بِحَسَبِ مَنْ يَحْضُرُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «إنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ» فَجَمَعَ بَيْنَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ الْحَضُّ عَلَى إطْعَامِ الطَّعَامِ، وَمُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ وَالضَّيْفِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ اتَّحَدَ مَقْصُودُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . (الرَّابِعَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَخَذَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِعْلَهُ عَامَ الرَّمَادَةِ حِينَ كَانَ يُدْخِلُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَهُمْ وَيَقُولُ لَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَنْ نِصْفِ قُوتِهِ. [حَدِيث يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) : وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَافِرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ (يَشْرَبُ) وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَافَهُ ضَيْفٌ وَهُوَ كَافِرٌ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ   Qيَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَافَهُ ضَيْفٌ وَهُوَ كَافِرٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ إنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ فَشَرِبَ حِلَابَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى آخِرِ الْحَدِيثِ دُونَ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي أَوَّلِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» . (الثَّانِيَةُ) الْمِعَى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَقْصُورٌ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مِعًى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ بَعْدَهَا يَاءٌ؛ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالْجَمْعُ أَمْعَاءٌ مَمْدُودٌ وَهِيَ الْمَصَارِينُ. (الثَّالِثَةُ) اُخْتُلِفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 مِنْ حَدِيثِ جَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ بِزِيَادَةٍ فِيهِ وَأَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ الَّذِي شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ أَوَّلًا وَقَالَ فِيهِ (يَأْكُلُ) وَفِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ ضَعِيفٌ.   Qفِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقْوَالٍ " أَحَدُهَا " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِشَارَةُ فِيهِ إلَى كَافِرٍ بِعَيْنِهِ لَا إلَى جِنْسِ الْكُفَّارِ وَلَا سَبِيلَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ كَافِرٌ أَقَلَّ أَكْلًا مِنْ مُؤْمِنٍ وَيُسْلِمُ الْكَافِرُ فَلَا يَنْقُصُ أَكْلُهُ؟ وَلَا يَزِيدُ وَفِي حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّآتِهِ بَعْدَهُ مُفَسِّرًا لَهُ وَهَذَا عُمُومٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا إذْ كَانَ كَافِرًا كَانَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَلَمَّا آمَنَ عُوفِيَ وَبُورِكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَفَاهُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةِ أَجْزَاءَ مِمَّا كَانَ يَكْفِيهِ إذْ كَانَ كَافِرًا خُصُوصًا لَهُ؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَافِرُ وَهَذَا الْمُؤْمِنُ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ هَذَا الْكَافِرُ مَخْصُوصٌ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ طَاهِرٍ فِي مُبْهَمَاتِهِ " الثَّانِي " أَنَّ هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَلِلْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّ الْكَافِرَ لِحِرْصِهِ عَلَى الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَكَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لِزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَتَقَلُّلِهِ مِنْهَا يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَمْعَاءِ وَلَا حَقِيقَةَ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الِاتِّسَاعُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلُ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْأَكْلِ عَنْ أَخْذِ الدُّنْيَا وَبِالْأَمْعَاءِ عَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ " الثَّالِثُ ": أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ قِلَّةُ الْأَكْلِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ مِنْ الْأَكْلِ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ وَيُمْسِكُ الرَّمَقَ وَيُقَوِّي عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَوْفِهِمْ مِنْ حِسَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ وَاقِفِينَ مَعَ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّمَا هُمْ تَابِعُونَ لِشَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ مُسْتَرْسِلُونَ فِيهَا غَيْرُ خَائِفِينَ مِنْ تَبِعَةِ الْحَرَامِ وَوَرْطَتِهِ فَصَارَ أَكْلُ الْمُؤْمِنِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ إذَا نُسِبَ لِأَكْلِ الْكَافِرِ كَأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَبْعَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ أَمْرًا مُطَّرِدًا فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَكَافِرٍ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَأْكُلُ كَثِيرًا بِحَسَبِ الْعَادَةِ أَوْ لِعَارِضٍ وَيَكُونُ فِي الْكُفَّارِ مَنْ يَعْتَادُ قِلَّةَ الْأَكْلِ إمَّا لِمُرَاعَاةِ الصِّحَّةِ كَالْأَطِبَّاءِ أَوْ لِلتَّقَلُّلِ كَالرُّهْبَانِ أَوْ لِضَعْفِ الْمَعِدَةِ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَالسَّبْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ دُونَ التَّحْدِيدِ. " الرَّابِعُ " أَنَّ هَذَا تَحْضِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْإِيمَانِ؛ وَتَنْفِيرٌ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الْكُفَّارِ؛ فَإِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَنْفِرُ مِنْ الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْكُفَّارِ وَهَذَا كَمَا قَالَ - تَعَالَى - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12] الْخَامِسُ " أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمِّي اللَّهَ - تَعَالَى - عِنْدَ طَعَامِهِ فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ فَيَقِلُّ أَكْلُهُ لِذَلِكَ وَالْكَافِرُ لَا يُسَمِّي اللَّهَ - تَعَالَى - فَيُشَارِكُهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» السَّادِسُ " أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ هُنَا تَامُّ الْإِيمَانِ الْمُعْرِضِ عَنْ الشَّهَوَاتِ الْمُقْتَصِرِ عَلَى سَدِّ خَلَّتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْمُتَعَدِّي فِي طُغْيَانِهِ الْمُنْهَمِكِ عَلَى الدُّنْيَا الشَّدِيدِ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْآخِرَةِ فَأُرِيدَ مُؤْمِنٌ بِوَصْفٍ مَخْصُوصٍ، وَكَافِرٌ بِوَصْفٍ " السَّابِعُ " قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَأَنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يَأْكُلُونَ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبْعَةِ مِثْلُ مَعِي الْمُؤْمِنِ. (الرَّابِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْأَمْعَاءِ السَّبْعَةِ فَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الطِّبِّ وَالتَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ وَالصَّائِمُ وَالرَّقِيقُ وَهِيَ كُلُّهَا رِقَاقٌ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ غِلَاظٌ الْأَعْوَرُ وَالْقُولُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَطَرَفُهُ الدُّبُرُ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ: سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ لِكُلِّ آدَمِيٍّ ... مَعِدَةٌ بَوَّابُهَا مَعَ صَائِمٍ ثُمَّ الرَّقِيقُ أَعْوَرُ قَوْلُونُ مَعَ ... الْمُسْتَقِيمِ مَسْلَكُ الْمَطَاعِمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْكَافِرَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضَ الْكُفَّارِ أَوْ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهُمْ بِشَرَهِهِ وَجَشَعِهِ وَلَا يَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَكْلِهِ لَا يُشْبِعُهُ إلَّا مَلْءُ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَالْأَنْعَامِ وَآكِلَةِ الْخَضِرِ، وَالْمُؤْمِنُ الْمُقْتَصِدُ فِي أَكْلِهِ يُشْبِعُهُ مِلْءُ مِعًى وَاحِدٍ إلَى آخَرِ كَلَامِهِ. قَالَ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ صِفَاتٌ سَبْعَةٌ: الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ وَبُعْدُ الْأَمَلِ وَالطَّمَعُ وَسُوءُ الطَّبْعِ وَالْحَسَدُ وَحُبُّ السِّمَنِ. قَالَ: وَقِيلَ شَهَوَاتُ الطَّعَامِ عَلَى سَبْعَةٍ: شَهْوَةُ الطَّبْعِ وَشَهْوَةُ النَّفْسِ وَشَهْوَةُ الْعَيْنِ وَشَهْوَةُ الْفَمِ وَشَهْوَةُ الْأُذُنِ وَشَهْوَةُ الْأَنْفِ وَشَهْوَةُ الْجُوعِ وَهِيَ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي بِهَا يَأْكُلُ الْمُؤْمِنُ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ بِجَمِيعِ شَهَوَاتِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ الزُّهْدِ فَذَكَرَ الْحَوَاسَّ الْخَمْسَ وَالْحَاجَةَ وَالشَّهْوَةَ. (الْخَامِسَةُ) اُخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْكَافِرِ الَّذِي أَسْلَمَ، وَكَانَ سَبَبُ وُرُودِ الْحَدِيثِ عَلَى أَقْوَالٍ " أَحَدُهَا " أَنَّهُ جَهْجَاهٌ الْغِفَارِيُّ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّازُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْهُ «أَنَّهُ قَدِمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ فَحَضَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَأْخُذُ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ جَلِيسِهِ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِي، وَكُنْت رَجُلًا عَظِيمًا طَوِيلًا لَا يُقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ فَذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَنْزِلِهِ فَحَلَبَ لِي عَنْزًا فَأَتَيْت عَلَيْهَا حَتَّى حَلَبَ سَبْعَ أَعْنُزٍ فَأَتَيْت عَلَيْهَا ثُمَّ بِصَنِيعِ بُرْمَةٍ فَأَتَيْت عَلَيْهَا وَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ أَجَاعَ اللَّهُ مَنْ أَجَاعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَالَ مَهْ يَا أُمَّ أَيْمَنَ أَكَلَ رِزْقَهُ وَرِزْقُنَا عَلَى اللَّهِ فَأَصْبَحُوا فَغَدَوْا فَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُخْبِرُ بِمَا أَتَى عَلَيْهِ فَقَالَ جَهْجَاهٌ حَلَبَ لِي سَبْعَ أَعْنُزٍ فَأَتَيْت عَلَيْهَا وَصَنِيعَ بُرْمَةٍ فَأَتَيْت عَلَيْهَا؛ فَصَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ فَقَالَ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ جَلِيسِهِ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِي، وَكُنْت رَجُلًا عَظِيمًا طَوِيلًا لَا يُقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ فَذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَنْزِلِهِ فَحَلَبَ لِي عَنْزًا فَرَوِيت وَشَبِعْت فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هَذَا ضَيْفَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ أَكَلَ فِي مَعِي مُؤْمِنٍ اللَّيْلَةَ وَأَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مَعِي كَافِرٍ؛ الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» . وَذَكَرَ ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّ كَوْنَ هَذَا الْمُبْهَمِ هُوَ جَهْجَاهٌ هُوَ الْأَكْثَرُ فِي الرِّوَايَةِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَدَارَ حَدِيثِهِ عَلَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ " الثَّانِي " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا جَاءَكُمْ الصَّانِعُ بِطَعَامِكُمْ قَدْ أَغْنَى عَنْكُمْ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَادْعُوهُ فَلْيَأْكُلْ مَعَكُمْ وَإِلَّا فَأَلْقِمُوهُ فِي يَدِهِ» لَمْ يَقُلْ الشَّيْخَانِ (الصَّانِعُ) وَقَالَا (خَادِمُهُ) قَالَ   Qأَنَّهُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَجَزَمَ بِهِ الْخَطِيبُ فِي مُبْهَمَاتِهِ " الثَّالِثُ " أَنَّهُ أَبُو غَزْوَانَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. " الرَّابِعُ " أَنَّهُ نَضْلَةُ بْنُ عُمَرَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِصَّتِهِ «أَنَّهُ ضَافَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرٍّ فَسَقَاهُ وَشَرِبَ فَضْلَتَهُ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كُنْت لَأَشْرَبُ السَّبْعَةَ فَمَا أَمْتَلِئُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الْمُؤْمِنَ.» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا يَكُونُ هُوَ الْمُبْهَمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى. " الْخَامِسُ " أَنَّهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ. " السَّادِسُ " أَنَّهُ بَصْرَةُ بْنُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَحَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ كَوْنَهُ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ وَصَدَّرَ بِهِ الْمَازِرِيُّ كَلَامَهُ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ أَجِدْ فِي طَرِيقِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ فَضْلُ تَقْلِيلِ الْأَكْلِ وَذَمِّ كَثْرَتِهِ. [حَدِيث إذَا جَاءَكُمْ الصَّانِعُ بِطَعَامِكُمْ قَدْ أَغْنَى عَنْكُمْ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَادْعُوهُ] (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا جَاءَكُمْ الصَّانِعُ بِطَعَامِكُمْ قَدْ أَغْنَى عَنْكُمْ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَادْعُوهُ فَلْيَأْكُلْ مَعَكُمْ؛ وَإِلَّا فَأَلْقِمُوهُ فِي يَدِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِي حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا صَنَعَ لِأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ؛ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 الْبُخَارِيُّ «فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ» . وَقَالَ مُسْلِمٌ «فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ» .   Qقَلِيلًا فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ» زَادَ مُسْلِمٌ قَالَ دَاوُد يَعْنِي لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ لُقْمَةً وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ الَّذِي بَاشَرَ طَبْخَ الطَّعَامِ وَذَلِكَ تَوَاضُعٌ، وَكَرْمٌ فِي الْأَخْلَاقِ وَفِي مَعْنَى الذَّكَرِ الْأُنْثَى وَهُوَ فِي الْأُنْثَى مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ رَجُلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ جَارِيَتَهُ أَوْ مَحْرَمَهُ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْلِسْهُ لِلْأَكْلِ مَعَهُ إمَّا لِقِلَّةِ الطَّعَامِ وَإِمَّا لِسَبَبٍ آخَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْهُ وَلَا يَحْرِمُهُ إيَّاهُ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ يَسِيرًا كَاللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ إلَى ثَلَاثِ احْتِمَالَاتٍ. " أَحَدُهَا ": أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْوِيغُ وَالْمُنَاوَلَةُ فَإِنْ أَجْلَسَهُ مَعَهُ فَهُوَ أَفْضَلُ وَ " ثَانِيهَا " أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ وَذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْإِجْلَاسَ أَفْضَلُ أَوْ هُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ. انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ بِأَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّفُ النَّاظِرُ فِي تَغَايُرِهِمَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَوَّلِ التَّخْيِيرُ. وَالثَّانِي كَذَلِكَ قَالَ: وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ فِي الْمُغَايَرَةِ بَعْدَ اتِّحَادِهِمَا فِي وُجُوبِ أَحَدِهِمَا؛ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِجْلَاسِ وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا. قَالَ: الْأَمْرُ (الثَّانِي) أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ هَذَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِمَعْنَاهُ أَنَّ إجْلَاسَهُ مَعَهُ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْ يَكُونُ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَوْ يُجْلِسَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ   Qوَقَدْ يَكُونُ أَمْرُهُ اخْتِيَارًا غَيْرَ حَتْمٍ قَالَ فَقَدْ رَجَّحَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ فَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى بِمَعْنَى الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى الِاحْتِمَالِ [الْأَوَّلِ] أَنَّ إجْلَاسَهُ مَعَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّهُ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَجِبُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْهُ إذْ لَوْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا غَيْرُ وَاجِبَيْنِ لَاتَّحَدَ مَعَ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي؛ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ انْتَهَى كَلَامُهُ. (الرَّابِعَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى طَبَّاخِ الطَّعَامِ حَامِلُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا الْإِجْلَاسِ مَعَهُ وَالْمُنَاوَلَةِ مِنْهُ عِنْدَ الْقِلَّةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ نَفْسِهِ بِهِ وَشَمُّهُ رَائِحَتَهُ وَإِرَاحَةُ صَاحِبِ الطَّعَامِ مِنْ حَمْلِهِ كَمَا أَنَّ فِي الْأَوَّلِ إرَاحَتُهُ مِنْ طَبْخِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الثَّانِي أَقَلَّ عَمَلًا مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِاسْتِحْبَابِهِ فِي مُطْلَقِ الْخَادِمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَبْوِيبُ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ (الْأَكْلُ مَعَ الْمَمْلُوكِ) . (الْخَامِسَةُ) (الصَّانِعُ) الَّذِي صَنَعَ الطَّعَامَ وَقَوْلُهُ " وَإِلَّا " أَيْ وَإِلَّا تَدْعُوهُ لِلْأَكْلِ مَعَكُمْ إمَّا لِلْقِلَّةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِمَّا لِسَبَبٍ آخَرَ وَقَوْلُهُ (فَأَلْقِمُوهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الْقَافِ (وَالْأُكَلَةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ اللُّقْمَةُ كَمَا فَسَّرَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ (مَشْفُوهًا) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ أَيْ قَلِيلًا وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الَّذِي كَثُرَتْ عَلَيْهِ الشِّفَاهُ حَتَّى قَلَّ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ (قَلِيلًا) تَفْسِيرٌ لَهُ وَقِيلَ أَرَادَ فَإِنْ كَانَ مَكْثُورًا عَلَيْهِ أَيْ كَثُرَتْ أَكْلَتُهُ، وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (فَإِنْ أَبَى) أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنْ أَبَى الْخَادِمُ حَيَاءً مِنْهُ أَوْ تَأَدُّبًا قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّيِّدُ بِدَلِيلِ غَيْرِهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ. [فَائِدَة يَتَنَاوَلَ الْأَطْعِمَةَ النَّفِيسَةَ وَيُطْعِمَ رَقِيقَهُ مِمَّا دُونَ ذَلِكَ] 1 (السَّادِسَةُ) : فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إطْعَامُ الْمَمْلُوكِ مِنْ جِنْسٍ مَأْكُولِهِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْأَطْعِمَةَ النَّفِيسَةَ وَيُطْعِمَ رَقِيقَهُ مِمَّا دُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِذَلِكَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ مُوَاسَاتَهُ قَالُوا وَالْوَاجِبُ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ الْمَمَالِيكُ فِي الْبَلَدِ، وَكَذَا الْأُدُمُ الْغَالِبُ وَالْكِسْوَةُ الْغَالِبَةُ. (السَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِإِكْثَارِ الْمَرَقِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ كَذَلِكَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ» وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «قَالَ أَنَسٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ» ..   Q [حَدِيث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ] الْحَدِيثُ السَّادِسُ) وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأَوَّلُ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ «فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ شِمَالِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ أَعْرَابِيًّا عَنْ يَمِينِهِ» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي طُوَالَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ «وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ» زَادَ مُسْلِمٌ «يُرِيهِ إيَّاهُ ثُمَّ اتَّفَقَا فَأَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ قَالَ أَنَسٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ فِي سُنَّةٍ» وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ بَدَلُ قَوْلِهِ. (الْأَيْمَنُونَ) الثَّالِثَةُ، أَلَا فَيَمِّنُوا، وَفِي عَزْوِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ هَذَا اللَّفْظَ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ فَهِيَ سُنَّةٌ ثَلَاثًا لِمُسْلِمٍ فَقَطْ نَظَرٌ فَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا فِي الْهِبَةِ مِنْ صَحِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ شَوْبِ اللَّبَنِ أَيْ خَلْطِهِ بِالْمَاءِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ اسْتِعْمَالَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ لِأَضْيَافِهِ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ شَوْبُهُ بِالْمَاءِ فِيمَا إذَا أَرَادَ بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي شَوْبِهِ أَنْ يَبْرُدَ أَوْ يَكْثُرَ أَوْ لِلْمَجْمُوعِ. (قُلْت) : وَقَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ إزَالَةُ حَمْضِهِ أَوْ تَخْفِيفُهُ. (الثَّالِثَةُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ «أَنَّهُ قِيلَ لَهُ مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ جَاءَنَا فِي مَسْجِدِنَا بِقُبَاءَ فَجِئْت وَأَنَا غُلَامٌ حَدَثٌ حَتَّى جَلَسْت عَنْ يَمِينِهِ وَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ ثُمَّ دَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ وَنَاوَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ» وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُبْهَمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِ أَنْصَارِيًّا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَلَا يُقَالُ لَهُ أَعْرَابِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَابَ سُكَّانُ الْبَوَادِي فَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهَا عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [فَائِدَة مَنْ سَبَقَ إلَى مَجْلِسِ الْعَالِمِ أَوْ الْكَبِيرِ وَجَلَسَ فِي مَكَان عَالٍ لَا يُنَحَّى عَنْهُ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى مَجْلِسِ الْعَالِمِ أَوْ الْكَبِيرِ وَجَلَسَ فِي مَكَانٍ عَالٍ لَا يُنَحَّى عَنْهُ لِمَجِيءِ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فَيَجْلِسُ ذَلِكَ الْجَائِي حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ وَلَوْ كَانَ دُونَ مَجْلِسِ مَنْ هُوَ دُونَهُ. 1 - (الْخَامِسَةُ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ الْبُدَاءَةُ فِي الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ بِمَنْ هُوَ عَلَى يَمِينِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ هُوَ عَلَى يَسَارِهِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى وُجُوبِهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ مُنَاوَلَةُ غَيْرِ الْأَيْمَنِ إلَّا بِإِذْنِ الْأَيْمَنِ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُنَاوِلَ أَحَدًا فَلَهُ ذَلِكَ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ رُوِيَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأَحَقُّ الْأَيْمَنُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ وَوَجْهُ النَّصْبِ وَهُوَ أَشْهَرُ إضْمَارُ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ أَعْطِ الْأَيْمَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. [فَائِدَة سُنَّةُ الشُّرْبِ الْعَامَّةِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ] (السَّابِعَةُ) بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ أَنَّ هَذَا سُنَّةُ الشُّرْبِ الْعَامَّةِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَأَنَّ تَقْدِيمَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ لَيْسَ لِمَعْنًى فِيهِ بَلْ لِمَعْنًى فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَهُوَ فَضْلُهَا عَلَى جِهَةِ الْيَسَارِ وَفِي ذَلِكَ تَطْيِيبٌ لِخَاطِرِ مَنْ هُوَ عَلَى الْيَسَارِ بِإِعْلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَرْجِيحًا لِمَنْ هُوَ عَلَى الْيَمِينِ بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِجِهَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة التَّيَامُنِ فِي الشَّرَابِ وَأَشْبَاهِهِ] 1 (الثَّامِنَةُ) الْحَدِيثُ فِي الشُّرْبِ وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهِ بَلْ الْأَكْلُ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْأَيْمَنِ إذَا لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالشَّرَابِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ مَالِكٍ، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرَهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي الشُّرْبِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ فِي غَيْرِهِ بِالْقِيَاسِ لَا بِسُنَّةٍ مَنْصُوصَةٍ فِيهِ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَكَيْفَ كَانَ فَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّيَامُنِ فِي الشَّرَابِ وَأَشْبَاهِهِ. (التَّاسِعَةُ) إنْ قُلْت هَلْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَعْرَابِيِّ أَبَا بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ؟ (قُلْت) لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى التَّصْرِيحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَالِسًا تُجَاهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ عَلَى يَمِينِ الْأَعْرَابِيِّ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى يَمِينِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ آثَرَ أَبَا بَكْرٍ بِنَصِيبِهِ مِنْ التَّقْدِيمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. [فَائِدَة تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) (إنْ قُلْتَ) : كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَقَى قَالَ ابْدَءُوا بِالْكُبَرَاءِ أَوْ قَالَ بِالْأَكَابِرِ» (قُلْت) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَمِينِهِ أَحَدٌ بَلْ كَانَ الْقَوْمُ جَالِسِينَ مُتَفَرِّقِينَ إمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ وَرَاءَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا كُلَّهُمْ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ فَلْيُنَاوِلْ الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ وَلَا بُدَّ: لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ «كَبِّرْ الْكُبْرَ» قَالَ فَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ نَصٌّ صَرِيحٌ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ مُنَاوَلَةِ الشَّرَابِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِ قِصَّةِ حُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ لِكَوْنِهِ وَارِدًا فِي السَّقْيِ وَذَاكَ فِي أَنَّ الْأَكْبَرَ يَتَوَلَّى الْبُدَاءَةَ فِي الْكَلَامِ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ فِي الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) (إنْ قُلْت كَيْفَ تَقَدَّمَ عُمَرُ بِالْكَلَامِ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ؟) (قُلْت) لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَالْجَزْمِ وَإِنَّمَا قَالَهُ تَذْكِيرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَوَازِ اشْتِغَالِهِ عَنْهُ، وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَهُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ «يُرِيهِ إيَّاهُ» أَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ إعْلَامَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي عَلَى الْيَمِينِ بِجَلَالَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) (إنْ قُلْتَ) : قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَيْمَنَ أَحَقُّ وَلَهُ أَنْ يُؤْثِرَ بِأَحَقِّيَّتِهِ فَلِمَ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَعَلَ فِي قَضِيَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَيْثُ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ، وَكَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَاسْتَأْذَنَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِيثَارِ» فَهَلَّا اسْتَأْذَنَ الْأَعْرَابِيَّ كَمَا اسْتَأْذَنَ ابْنَ عَبَّاسٍ؟ (قُلْت) الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ إنَّمَا اسْتَأْذَنَ الْغُلَامَ دُونَ الْأَعْرَابِيِّ إدْلَالًا عَلَى الْغُلَامِ، وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَثِقَةً بِطِيبِ نَفْسِهِ بِأَصْلِ الِاسْتِئْذَانِ لَا سِيَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 كِتَابُ الصَّيْدِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِي نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»   Qوَالْأَشْيَاخُ أَقَارِبُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «عَمُّك وَابْنُ عَمِّك أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ» . (ثَانِيهَا) أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِ الْأَشْيَاخِ فَإِنَّ مِنْهُمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ مَعَ رِيَاسَتِهِ فِي قَوْمِهِ وَشَرَفِ نَسَبِهِ فَأَرَادَ تَأْلِيفَهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهُ مُطْمَئِنُّ الْخَاطِرِ رَاضٍ بِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَغَيَّرُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى بَعْضِ هَذَا النَّوَوِيُّ فَقَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا تَأَلُّفًا لِقُلُوبِ الْأَشْيَاخِ وَإِعْلَامًا بِوُدِّهِمْ وَإِيثَارِ كَرَامَتِهِمْ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا سُنَّةٌ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ قَدْ يَكُونُ فِي خُلُقِهِ جَفَاءٌ وَنُفْرَةٌ كَمَا يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى الْأَعْرَابِ فَخَشِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اسْتِئْذَانِهِ أَنْ يَتَوَهَّمَ إرَادَةَ صَرْفِهِ إلَى أَصْحَابِهِ وَرُبَّمَا سَبَقَ إلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ هَلَكَ بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَعَدَمِ تَمَكُّنِهِ فِي مَعْرِفَةِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ النُّصُوصُ عَلَى تَأَلُّفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَلْبَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ وَلِهَذَا جَلَسَ عَلَى يَمِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [كِتَابُ الصَّيْدِ] [مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ] (كِتَابُ الصَّيْدِ) . (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» ، وَعَنْ نَافِعٍ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِي نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ» ..   Qفِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ قَالَ سَالِمٌ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ «أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ» ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ بِلَفْظِ «نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ» ، وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَرْبَعَتِهِمْ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» وَأَبُو الْحَكَمِ هُوَ عِمْرَانُ بْنُ الْحَارِثِ السُّلَمِيُّ ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيُّ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ إذَا كَانَ بِإِحْدَى صِفَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ كَلْبَ صَيْدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالضَّارِي الْمَذْكُورِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَيْ مُعَدٍّ لِحِفْظِهَا وَجَمْعُ الْمَاشِيَةِ مَوَاشٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ أَوْ الْغَنَمُ وَالْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْغَنَمِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (غَنَمٌ) بَدَلُ مَاشِيَةٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّهُ رَخَّصَ فِي إمْسَاكِ الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، اقْتِنَاؤُهُ لِخَصْلَةٍ ثَالِثَةٍ وَهُوَ حِفْظُ الزَّرْعِ وَالْبَسَاتِينِ وَنَحْوِهَا. وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُهُ سَالِمٌ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ سَالِمٍ، وَكَانَ أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ صَاحِبَ حَرْثٍ وَسَبَقَهُ إلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ أَبُوهُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالَ الْعُلَمَاءُ لَيْسَ هَذَا تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا شَكًّا فِيهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَحَرْثٍ اعْتَنَى بِذَلِكَ وَحَفِظَهُ وَأَتْقَنَهُ وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِشَيْءٍ يُتْقِنُهُ مَا لَا يُتْقِنُهُ غَيْرُهُ وَيَتَعَرَّفُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا لَا يَتَعَرَّفُهُ غَيْرُهُ. وَتَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ذِكْرُ الزَّرْعِ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ هُوَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَحَقَّقَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَادَهَا فِي حَدِيثِهِ الَّذِي كَانَ يَرْوِيهِ بِدُونِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَاهَا وَنَسِيَهَا فِي وَقْتٍ فَتَرَكَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَتِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ انْفَرَدَ بِهَا لَكَانَتْ مَقْبُولَةً مُرْضِيَّةً مُكَرَّمَةً انْتَهَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَاخْتَلَفُوا فِي اقْتِنَائِهِ لِخَصْلَةٍ رَابِعَةٍ وَهِيَ اقْتِنَاؤُهُ لِحِفْظِ الدُّورِ وَالدُّرُوبِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِالنَّهْيِ إلَّا لِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ: يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى الثَّلَاثَةِ عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْحَدِيثِ وَهِيَ الْحَاجَةُ. [فَائِدَة اتِّخَاذَ كَلْبٍ لِيَصْطَادَ بِهِ] 1 (الثَّالِثَةُ) لَوْ أَرَادَ اتِّخَاذَ كَلْبٍ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ، وَلَا يَصْطَادُ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ لِيَحْفَظَ الزَّرْعَ أَوْ الْمَاشِيَةَ إذَا صَارَ لَهُ ذَلِكَ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ يَصْطَدْ بِهِ فِي الْحَالِ. [فَائِدَة اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِاصْطِيَادُ بِهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ أَنَّهُ اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ تَحْرِيمُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْقَطْعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اقْتَنَاهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْكِلَابِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا كَلْبًا يَصْطَادُ بِهِ. [فَائِدَة اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُحْسِنُ الصَّيْدَ لَكِنْ يَقْصِدُ تَعْلِيمَهُ] (الْخَامِسَةُ) فَلَوْ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُحْسِنُ الصَّيْدَ لَكِنْ يَقْصِدُ تَعْلِيمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ جَرْوًا يُرَبَّى ثُمَّ يُعَلَّمُ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلْبُ صَيْدٍ فِي الْمَآلِ وَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَتَعَذَّرَ اتِّخَاذُ كِلَابِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى تَعْلِيمُهَا إلَّا مَعَ اقْتِنَائِهَا. [فَائِدَة صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ] 1 (السَّادِسَةُ) : اسْتَثْنَى ابْنُ حَزْمٍ مِنْ جَوَازِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَنَحْوِهِ مَا إذَا كَانَ أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ ذَا نُقْطَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ فَلَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ وَلَا تَعْلِيمُهُ وَلَا الِاصْطِيَادُ بِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي حِلِّ قَتْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ كَرَاهَةَ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي أَكْلِ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ مِنْ الصَّيْدِ انْتَهَى، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ. [فَائِدَة اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِغَيْرِ الْمَنَافِعِ] 1 (السَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِغَيْرِ الْمَنَافِعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهَا قَتْلُهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَتْلِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأَجْرِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَعْصِيَةٍ ارْتَكَبَهَا وَحَكَى الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَهُ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اقْتِنَاءَهَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا اتِّخَاذُهُ وَاقْتِنَاؤُهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى كُلِّ حَالٍ نَقَصَ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ، وَلَيْسَ هَذَا سَبِيلَ النَّهْيِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَدُلُّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى الْكَرَاهَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَنَا عَلَى التَّحْرِيمِ بِالنُّقْصَانِ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ أَحْبَطَ ثَوَابَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَمَا كَانَ عَدَمُ قَبُولِ صَلَاةِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَآتِي الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهَا هُوَ الَّذِي أَحْبَطَ ثَوَابَهَا بِخِلَافِ عَدَمِ قَبُولِ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِاقْتِرَانِ مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ شَرْطٍ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ أَجْرِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْ عَمَلِهِ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قِيرَاطَانِ، وَفِي بَعْضِهَا قِيرَاطٌ وَالْقِيرَاطُ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْمُرَادُ نَقْصُ جُزْءٍ مِنْ عَمَلِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي الْقِيرَاطِ وَالْقِيرَاطَيْنِ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي نَوْعَيْنِ مِنْ الْكِلَابِ أَحَدُهُمَا أَشَدُّ أَذًى مِنْ الْآخَرِ أَوْ لِمَعْنًى فِيهِمَا. (الثَّانِي) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَيَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِزِيَادَةِ فَضْلِهَا وَالْقِيرَاطُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَدَائِنِ أَوْ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدَائِنِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْقُرَى وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَوَادِي. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ ذَكَرَ الْقِيرَاطَ أَوَّلًا ثُمَّ زَادَ التَّغْلِيظَ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَيْنِ لَمَّا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ اتِّخَاذِهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْبَحْرِ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِمَا يَنْقُصُ مِنْهُ فَقِيلَ يَنْقُصُ مِمَّا مَضَى مِنْ عَمَلِهِ وَقِيلَ مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ نَقْصِ الْقِيرَاطَيْنِ فَقِيلَ يَنْقُصُ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَقِيلَ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ. [فَائِدَة سَبَبِ نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ] (الْعَاشِرَةُ) : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ ذَلِكَ لِمَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنْ الْأَذَى مِنْ تَرْوِيعِ الْكَلْبِ لَهُمْ وَقَصْدِهِ إيَّاهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ. (ثَانِيهَا) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَبَّدَ بِهَا فِي الْكِلَابِ مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعًا إذَا وَلَغَتْ فِيهِ لَا يَكَادُ يُقَامُ بِهِ وَلَا يَكَادُ يُتَحَفَّظُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُتَّخِذَهَا لَا يَسْلَمُ مِنْ وُلُوغِهَا فِي إنَائِهِ وَلَا يَكَادُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ فِي الْغَسَلَاتِ مِنْ ذَلِكَ الْوُلُوغِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالْعِصْيَانُ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْصًا فِي أَجْرِهِ يُدْخِلُ السَّيِّئَاتِ عَلَيْهِ. (ثَالِثُهَا) ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ. (رَابِعُهَا) : ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِذَهَابِ أَجْرِهِ فِي إحْسَانِهِ إلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِحْسَانِ إلَى كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرًا لَكِنَّ الْإِحْسَانَ إلَى الْكَلْبِ يَنْقُص الْأَجْرُ فِيهِ أَوْ يُتْلِفُهُ مَا يَلْحَقُ مُقْتَنِيهِ مِنْ السَّيِّئَاتِ بِتَرْكِ أَدَائِهِ لِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ وُلُوغِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِالْغَسَلَاتِ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِثْلُ تَرْوِيعِ الْمُسْلِمِ وَشِبْهِهِ انْتَهَى. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ عَيَّنَ أَنَّ الَّذِي يُبْطِلُ أَجْرَهُ مِنْ عَمَلِهِ هُوَ الْإِحْسَانُ إلَى الْكَلْبِ دُونَ بَقِيَّةِ حَسَنَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (خَامِسُهَا) أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُ لِاِتِّخَاذِهِ مَا نَهَى عَنْ اتِّخَاذِهِ، وَعِصْيَانِهِ بِذَلِكَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ {أَوْ ضَارِي} كَذَا هُوَ بِالْيَاءِ فِي أَصْلِنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ مُعْظَمِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي بَعْضِهَا ضَارِيَا بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْيَاءِ مَنْصُوبًا (قُلْت) : وَهُوَ الَّذِي فِي أَصْلِنَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» زَادَ مُسْلِمٌ «إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ   Qرَوَى ضَارِي بِالْيَاءِ وَضَارٍ بِحَذْفِهَا وَضَارِيَا فَالْأَوَّلُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَاشِيَتِهِ، وَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ كَمَاءِ الْبَارِدِ، وَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] وَ (كَدَارِ الْآخِرَةِ) وَيَكُونُ ثُبُوتُ الْيَاءِ فِي ضَارِي عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْمَنْقُوصِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ وَلَامٍ، وَالْمَشْهُورُ حَذْفُهَا وَقِيلَ إنَّ لَفْظَةَ ضَارٍ هُنَا لِلرَّجُلِ الصَّائِدِ صَاحِبِ الْكِلَابِ الْمُعْتَادِ لِلصَّيْدِ فَسَمَّاهُ ضَارِيًا اسْتِعَارَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَائِدٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ «إلَّا كَلْبَ ضَارِيَةٍ» . وَتَقْدِيرُهُ إلَّا كَلْبَ ذِي كِلَابٍ ضَارِيَةٍ وَالضَّارِي هُوَ الْمُعَلَّمُ لِلصَّيْدِ الْمُعْتَادِ لَهُ يُقَالُ مِنْهُ ضَرَى الْكَلْبُ يَضْرِي كَشَرِبَ يَشْرَبُ ضَرًا وَضَرَاوَةً وَأَضْرَاهُ صَاحِبُهُ أَيْ عَوَّدَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ ضَرَّى بِالصَّيْدِ إذَا لَهِجَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ لِلَّحْمِ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ. [حَدِيث الْأَمَرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِزِيَادَةٍ «فَأَرْسَلَ فِي أَقْطَارِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُقْتَلَ» ، وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِزِيَادَةٍ «فَتَتَبَّعْت فِي الْمَدِينَةِ وَأَطْرَافِهَا فَلَا نَدَعُ كَلْبًا إلَّا قَتَلْنَاهُ حَتَّى إنَّا لَنَقْتُلُ كَلْبَ الْمُرِّيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَتْبَعُهَا كُلُّهُمْ» عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلَهُ «أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ النَّسَائِيّ قِصَّةَ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) : الْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْكَلْبُ قَدْ أَجْمَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 يَقُولُ أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَفِيهِ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا» وَقَالَ «عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَكَلْبِ الْغَنَمِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَالزَّرْعِ» .   Qالْعُلَمَاءُ عَلَى قَتْلِهِ. (الثَّانِي) مَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ لِلْمَنَافِعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ قَتْلِهِ. وَ (الثَّالِثُ) مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) قَتْلُهَا مُطْلَقًا تَمَسُّكًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَدْ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عُمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً مَعْمُولًا بِهَا عِنْدَ الْخُلَفَاءِ لَمْ يَنْسَخْهَا عِنْدَ مَنْ عَمِلَ بِهَا خَبَرٌ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) الْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهَا وَأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ إبَاحَةُ اتِّخَاذِهَا لِمَنَافِعَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَكَلْبِ الْغَنَمِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ» وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْبَيْعِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَزَادَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ كُلُّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْهَا الْيَوْمَ لَا الْأَسْوَدِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا الْكَلْبَ الْعَقُورَ لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ: إنَّ قَتْلَهَا مَكْرُوهٌ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْغَصْبِ وَالنَّوَوِيُّ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ وَزَعَمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ   Qشَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ قَتْلِهَا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهَا. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِهَا إلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَةُ كَلَامِهِ فِي الْفَائِدَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى إنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدُمُ مِنْ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» وَقِيلَ فِي مَعْنَى كَوْنِهِ شَيْطَانًا أَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ الْمَنَافِعِ قَرِيبٌ مِنْ الْمَضَرَّةِ وَالْأَذَى. (الثَّالِثَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ كَانَ قَبْلَ نَسْخِهِ عَامًّا أَوْ مَخْصُوصًا بِمَا عَدَا الْمُنْتَفَعَ بِهِ لِلصَّيْدِ وَنَحْوِهِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ: عِنْدِي أَنَّ النَّهْيَ أَوَّلًا كَانَ عَامًّا عَنْ اقْتِنَاءِ جَمِيعِهَا وَأَمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعِهَا ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ مَا سِوَى الْأَسْوَدِ، وَمَنَعَ الِاقْتِنَاءَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَيَكُونُ حَدِيثُ ابْنِ مُغَفَّلٍ مَخْصُوصًا بِمَا عَدَا الْأَسْوَدَ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ فَيُخَصُّ مِنْهُ الْأَسْوَدُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» فِيهِ تَكْرَارٌ، وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ أَعَمُّ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْغَنَمِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ التِّرْمِذِيَّ وَالنَّسَائِيُّ اقْتَصَرَا فِي رِوَايَتِهِمَا عَلَى الْمَاشِيَةِ. [فَائِدَة تَحْرِيمُ أَكْلِ الْكِلَابِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِالْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا؛ لِأَنَّ مُبَاحَ الْأَكْلِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ. [حَدِيث جِبْرِيلُ إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مَا حَبَسَك؟ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 مَا حَبَسَك؟ قَالَ إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ» انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ «أَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَزَادَ فِي آخِرِهِ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ» .   Qإنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ» انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَيْمُونَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَك مُنْذُ الْيَوْمَ فَقَالَ إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي أُمَّ وَاَللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي، فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ؛ فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ لَهُ قَدْ كُنْتَ وَعَدْتنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى إنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ» وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ احْتِبَاسَ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَعَ مَوْعِدٍ وَعَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ هَذَا سَبَبُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَرَوَيْت هَذِهِ الْقِصَّةَ بِنَحْوِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. (الثَّانِيَةُ) حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ خِلَافًا فِي أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ كَلْبٌ خَاصٌّ بِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَوْ عَامٌّ لِجَمِيعِهِمْ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ جَمْعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ إنَّا لِلتَّعْظِيمِ، وَعَلَى الثَّانِي لِلْمُشَارَكَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ، هُمْ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّنْزِيلِ وَالِاسْتِغْفَارِ. وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ فِي كُلِّ بَيْتٍ وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي حَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ، وَكِتَابَتِهَا. [فَائِدَة سَبَبُ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَة مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ] 1 (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ النَّجَاسَاتِ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ؛ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 بَابُ النَّذْرِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ أَكُنْ قَدَّرْتُهُ لَهُ وَلَكِنْ يُلْفِيهِ النَّذْرُ قَدْ قَدَّرْتُهُ   Qالْقَبِيحَةَ؛ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَدَفْعَهَا أَذَى الشَّيْطَانِ. [فَائِدَة كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّمَا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَابِ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ. وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ: وَلِأَنَّ الْجَرْوَ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ السَّرِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ، وَعَلَّلَ بِالْجَرْوِ فَلَوْ كَانَ الْعُذْرُ فِي وُجُودِ الْكَلْبِ لَا يَمْنَعُهُمْ لَمْ يَمْتَنِعْ جِبْرِيلُ انْتَهَى. وَفِيمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرٌ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مِمَّا نَقَلَ هُوَ عَنْ الْعُلَمَاءِ التَّعْلِيلَ بِهِ أَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهَا، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ الْجَرْوِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِهِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلْغَفْلَةِ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دُخُولِهِمْ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى أَصْحَابِ الْبَيْتِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ. امْتِنَاعُهُمْ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ مَأْذُونٌ فِي اتِّخَاذِهِ؛ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ مَعَ الْإِذْنِ، وَمَا جَاءَ نُقْصَانُ أَجْرِ الْعَمَلِ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الِاتِّخَاذِ فَكَذَلِكَ امْتِنَاعُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ النَّذْرِ] [حَدِيث لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ أَكُنْ قَدَّرْتُهُ لَهُ] (بَابُ النَّذْرِ) . (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 لَهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَا تُنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» .   Qأَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ وَلَكِنْ يُلْفِيهِ النَّذْرُ قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ؛ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ؛ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا تُنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إيَّاكُمْ وَالنَّذْرَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنْعِمُ نِعْمَةً عَلَى الرَّشَا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» . (الثَّانِيَةُ) : النَّذْرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ ضَمَّ النُّونِ أَيْضًا وَهُوَ غَرِيبٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ خَلَلِ النُّسْخَةِ قَالَ وَهُوَ مَا يَنْذِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ يُوجِبُهُ وَيُلْزِمُهُ مِنْ طَاعَةٍ لِسَبَبٍ يُوجِبُهُ لَا تَبَرُّعًا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ نَذَرْتُ أَنْذِرُ وَأَنْذِرُ نَذْرًا إذَا أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِك تَبَرُّعًا مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّذْرَ لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَشَرْعًا الْوَعْدُ بِخَيْرٍ؛ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَخْفَى أَنَّ النَّذْرَ الْتِزَامُ شَيْءٍ وَأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ، وَقَدْ لَا يَصِحُّ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ» بِنَصْبِ ابْنِ آدَمَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ وَرَفْعِ النَّذْرِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مَا قُدِّرَ فَلَا يَظُنُّ النَّاذِرُ الَّذِي يُعَلِّقُ طَاعَةً عَلَى حُصُولِ غَرَضٍ لَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرِيضَتِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا أَنَّ النَّذْرَ هُوَ الَّذِي حَصَّلَ شِفَاءَ مَرِيضِهِ، بَلْ إنْ قُدِّرَ الشِّفَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ سَوَاءٌ نَذَرَ أَمْ لَمْ يَنْذِرْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ فَلَا يَحْصُلُ نَذَرَ أَمْ لَمْ يَنْذِرْ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ جَدْوَى النَّذْرِ. وَالْقَصْدُ مِنْهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ جَاهِلٍ يَظُنُّ خِلَافَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ يُلْفِيهِ النَّذْرُ قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ بِالْفَاءِ مِنْ أَلْفَاهُ بِمَعْنَى وَجَدَهُ وَلَقِيَهُ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ فَأَكَّدَهُ بِأَنَّ النَّذْرَ يَجِدُ ذَلِكَ الْأَمْرَ مُقَدَّرًا فَيَقَعُ عَلَى وَفْقِ التَّقْدِيرِ لَا لِأَجْلِ النَّذْرِ. وَالْمُرَادُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ يَقَعُ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ وَضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ بِالْقَافِ فِي قَوْلِهِ يُلْقِيهِ وَ (الْقَدَرُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَعْنَاهُ إنْ صَحَّ أَنَّ الْقَدَرَ هُوَ الَّذِي يُلْقِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ، وَيُوجِدُهُ لَا النَّذْرُ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُوَافِقُهُ فِي اللَّفْظِ وَيَدُلُّ لِهَذَا الضَّبْطِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُلْقِيهِ إلَى الْقَدَرِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِمَا يُوَافِقُ مَا قَدَّرْتُهُ فِي مَعْنَى الثَّانِيَةِ فَقَالَ (بَابُ إلْقَاءِ الْعَبْدِ النَّذْرَ إلَى الْقَدَرِ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ضَبْطِ يُلْقِيهِ بِالْقَافِ وَلَكِنْ لَا تَظْهَرُ مُطَابَقَةُ التَّبْوِيبِ لِلْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِنَصْبِ الْقَدَرِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ الْقَدَرَ أَيْ إلَى الْقَدَرِ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ وَنَصَبَ مَا بَعْدَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ، وَهَذَا مَسْمُوعٌ فِي أَلْفَاظٍ مُقْتَصَرٌ فِيهِ عَلَى الْمَسْمُوعِ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى -. وَقَوْلُهُ «يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَةِ تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا وَإِنَّمَا يَأْتِي بِهَا فِي مُقَابَلَةِ شِفَاءِ الْمَرِيضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُعَلِّقُ النَّذْرَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ هُنَا النُّذُورُ الْمَالِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْبُخْلَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» ، وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qانْتَهَى. وَقَوْلُهُ «يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ آتَانِي مِنْ قَبْلُ» مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ يُؤْتِي اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ مِنْ قَبْلِ تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَأْتِيَ بِتِلْكَ الْقُرْبَةِ سَوَاءٌ حَصَلَ مَطْلُوبُهُ أَمْ لَا؛ فَهَذِهِ هِيَ الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَصْلِنَا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ حِكَايَةٍ لَهُ عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ؛ لِقَوْلِهِ «قَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ» وَقَوْلُهُ «يُؤْتِينِي عَلَيْهِ» وَلِهَذَا كَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَعَلَّهُ (قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -) وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَهِيَ وَاضِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْنَادُ ضَمِيرٍ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ النَّذْرِ وَأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا مِنْ بِخَيْلٍ لَا يُعْطِي الشَّيْءَ تَبَرُّعًا، وَإِنَّمَا يُعْطِي شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لَكِنْ سِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ بَلِيَّةٍ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْأَوْصَافُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلذَّمِّ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ أَمَّا النَّذْرُ الْمُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى شَيْءٍ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أُعْتِقَ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يَقْتَضِي الْحَدِيثُ ذَمَّهُ وَلَا النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يَرَوْنَ أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ نَذْرُ الْمُجَازَاةِ آكَدُ مِنْ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ يَجْزِمُونَ بِصِحَّةِ الْأَوَّلِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَهُمْ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِالثَّانِي خِلَافٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ أَيْضًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْقِسْمَ الثَّانِيَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْبَخِيلَ لَا يَأْتِي بِالطَّاعَةِ إلَّا إذَا اتَّصَفَتْ بِالْوُجُوبِ فَيَكُونُ النَّذْرُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ فِعْلَ الطَّاعَةِ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَيَكُونُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ مِمَّا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ. (السَّادِسَةُ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّذْرِ» وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَصْحَابِنَا مَنْقُولًا يُوَافِقُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَقْلٍ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِكَرَاهَةِ النَّذْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ حَكَى عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا النَّذْرَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ فِي النَّذْرِ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ نَذَرَ الرَّجُلُ الطَّاعَةَ فَوَفَّى بِهِ فَلَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَيُكْرَهُ لَهُ النَّذْرُ. انْتَهَى. فَلَمْ يَنْقُلْ فِي ذَلِكَ كَلَامًا عَنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْهُ (قُلْت) وَقَدْ قَرَّرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ، وَعَلِمَهُ مِنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَقَائِلٌ بِهِ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ النَّذْرِ حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَجَزَمَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا أَنْذِرُ نَذْرًا أَبَدًا. وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا قَدْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ، وَمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى يَقُولُ: إنَّ الْمَكْرُوهَ مَا فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَخِلَافُ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَإِنَّمَا أُخِذَ مِنْ عُمُومٍ، فَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ مُسْتَحَبٌّ جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فَقَالُوا إنَّهُ قُرْبَةٌ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حِينَ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنَّذْرِ عَامِدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَأَشْبَهَ الدُّعَاءَ. وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ وَالنَّذْرُ الْمُبْتَدَأُ فَيُسْتَحَبُّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِي الْوَكَالَةِ فَقَالَ: أَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا فَلَا نَقُولُ إنَّهُ قُرْبَةٌ بَلْ قَدْ يُقَالُ بِالْكَرَاهَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَفِي كَرَاهَةِ النَّذْرِ إشْكَالٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ تَقْتَضِي أَنَّ وَسِيلَةَ الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَوَسِيلَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَيَعْظُمُ قُبْحُ الْوَسِيلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَكَذَلِكَ تَعْظُمُ فَضِيلَةُ الْوَسِيلَةِ بِحَسَبِ عِظَمِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَمَّا كَانَ وَسِيلَةً إلَى الْتِزَامِ قُرْبَةٍ لَزِمَ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى خِلَافِهِ، وَاتِّبَاعُ الْمَنْصُوصِ أَوْلَى انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا بَابٌ غَرِيبٌ مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ أَنْ يُنْهَى عَنْ الشَّيْءِ أَنْ يُفْعَلَ حَتَّى إذَا فُعِلَ وَقَعَ وَاجِبًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّابِعَةُ) أَجَابَ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ النَّذْرِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) مَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ تَأْكِيدٌ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرٌ عَنْ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إيجَابِهِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى لَا يُفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إذْ كَانَ بِالنَّهْيِ يَصِيرُ مَعْصِيَةً فَلَا يَلْزَمُ. قَالَ: وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجُرُّ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضَرًّا وَلَا يَرُدُّ قَضَاءً فَقَالَ لَا تَنْذِرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ أَوْ تَصْرِفُونَ بِهِ عَنْكُمْ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ عَلَيْكُمْ فَإِذَا نَذَرْتُمْ وَلَمْ تَعْتَقِدُوا هَذَا فَأَخْرَجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ. (ثَانِيهَا) مَا أَجَابَ بِهِ الْمَازِرِيُّ فَقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ كَوْنَ النَّاذِرِ يَصِيرُ مُلْتَزِمًا بِهِ فَيَأْتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاطٍ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ كَوْنَهُ يَأْتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا فِي نَذْرِهِ عَلَى صُورَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِلْأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ فَيَنْقُصُ أَجْرُهُ وَشَأْنُ الْعِبَادَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةً لِلَّهِ - تَعَالَى -. (ثَالِثُهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّهْيَ لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ النَّذْرَ يَرُدُّ الْقَدَرَ وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمُقَدَّرِ فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِلٍ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ قَالَ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ هَذَا. (رَابِعُهَا) أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ عَدَمُ الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ النَّذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة النَّذْرَ لَا يَرُدُّ الْمُقَدَّرَ] 1 (الثَّامِنَةُ) إنْ قُلْت: دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَرُدُّ الْمُقَدَّرَ، وَقَدْ يَكُونُ النَّذْرُ بِالصَّدَقَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ الصَّدَقَةَ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الصَّدَقَةُ تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. (قُلْت) لَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَبْدَ يُقَدَّرُ لَهُ مِيتَةُ السُّوءِ فَتَدْفَعُهَا الصَّدَقَةُ بَلْ الْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ كَمَا أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ مُقَدَّرَةٌ، فَمَنْ قُدِّرَ لَهُ مِيتَةُ السُّوءِ لَا تَقْدِرُ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَمَنْ لَمْ تُقَدَّرْ لَهُ مِيتَةُ السُّوءِ قُدِّرَتْ لَهُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَوَابِهِ: النَّذْرُ لَيْسَ تَنْجِيزًا لِلصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْوَعْدِ بِهَا وَرُبَّمَا لَا يَفِي بِالنَّذْرِ لِعَجْزٍ أَوْ احْتِرَامِ أَجْلٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْوَفَاءِ بِهِ فَالصَّدَقَةُ سَبَبٌ وَالْأَسْبَابُ مُقَدَّرَةٌ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» قَالَ سُفْيَانُ «وَلَا تُشَدُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ سَوَاءٍ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِي فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» وَفِيهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا   Qوَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُقَدَّرَةٌ كَالْمُسَبَّبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» قَالَ سُفْيَانُ «وَلَا تُشَدُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ سَوَاءٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ بِلَفْظِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ لَفْظُ مُسْلِمٍ «تُشَدُّ الرِّحَالُ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ «لَا تُشَدُّ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّمَا يُسَافَرُ إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ «لَا تُشَدُّ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ هَذِهِ الْمَرَّةَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَأَكْثَرُ لَفْظِهِ «تُشَدُّ الرِّحَالُ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ: تُشَدُّ الرِّحَالُ بِالرَّفْعِ لَفْظُهُ خَبَرٌ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِشَدِّهَا إلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «لَا تُشَدُّ» هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخَبَرٌ أَيْضًا، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ، وَمَحْمَلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِهَا لَا أَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِهَا مُحَرَّمٌ وَلَا مَكْرُوهٌ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا «لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالَهُ إلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» وَفِيهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا وَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِهَا مُحَرَّمٌ، وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى اخْتِيَارِهِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «وَلَا تُشَدُّ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ سَوَاءٌ» مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي رَوَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تُشَدُّ الرِّحَالُ وَهَذَا اللَّفْظُ الْآخَرُ الَّذِي فِيهِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ وَإِذَا أَخْبَرَ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ شَدَّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لِشَدِّ الرِّحَالِ إلَى غَيْرِهَا فَضْلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجِئْ بِهِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَدْخُلُهُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْبُقْعَةِ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ فِي هَذِهِ دُونَ غَيْرِهَا. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا وَذَلِكَ لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا. (الْخَامِسَةُ) : نَبَّهَ بِشَدِّ الرَّحْلِ الَّذِي لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِي الْأَسْفَارِ عَلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ وَقَصَدَهَا لِمَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ فِي إتْيَانِهَا إلَى شَدِّ رَحْلٍ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ إتْيَانَهَا قُرْبَةٌ مَعَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِشَدِّ الرَّحْلِ السَّفَرُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَغَرِّ «إنَّمَا يُسَافِرُ.» . (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَشَأْنُ الْقُرَبِ لُزُومُهَا بِالنَّذْرِ. (السَّابِعَةُ) وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إتْيَانَهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ الِاعْتِكَافِ بِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورِ. وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ فَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ. وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِذَلِكَ بِأَنَّ تَفْضِيلَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْفَرِيضَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَكْتُوبَةَ» وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّلَاةُ فِيهَا إلَّا فِي الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلَاةَ تَطَوُّعٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. (الثَّامِنَةُ) وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إتْيَانَهُ وَأَطْلَقَ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. (التَّاسِعَةُ) وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَهُ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ إتْيَانُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَغَا قَوْلُهُ بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إتْيَانِهِ فَلْيَلْغُ مَا يُخَالِفُهُ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ. [فَائِدَة نَذَرَ الصَّلَاةَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 1 (الْعَاشِرَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَهُ ذَلِكَ وَتَعَيَّنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ. [فَائِدَة نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقَاصِدِ الَّتِي يُؤْتَى لَهَا ذَلِكَ الْمَحَلُّ بَلْ هُوَ أَعْظَمُهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: عِنْدِي إذَا نَذَرَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ وَلِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ هُنَا كَلَامٌ بَشِعٌ عَجِيبٌ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ شَدِّ الرَّحْلِ لِلزِّيَارَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْبِ بَلْ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي شِفَاءِ السَّقَامِ فَشَفَى صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي أَنَّهُ كَانَ مُعَادِلًا لِلشَّيْخِ زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ فِي التَّوَجُّهِ إلَى بَلَدِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْبَلَدِ قَالَ نَوَيْتُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْخَلِيلِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ شَدِّ الرَّحْلِ لِزِيَارَتِهِ عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِ الْحَنَابِلَةِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَالَ فَقُلْت نَوَيْت زِيَارَةَ قَبْرِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ قُلْت لَهُ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَالَفْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ قَالَ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» ، وَقَدْ شَدَدْتَ الرَّحْلَ إلَى مَسْجِدٍ رَابِعٍ وَأَمَّا أَنَا فَاتَّبَعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ قَالَ «زُورُوا الْقُبُورَ» . أَفَقَالَ إلَّا قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ فَبُهِتَ (قُلْت) وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا اخْتِصَاصَ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ «لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ كَذَا، وَكَذَا» فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ شَدُّ الرَّحْلِ إلَى مَسْجِدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ لَا كُلُّ سَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِلصَّلَاةِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِلصَّلَاةِ فِيهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ قَالَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقِيلَ تَقُومُ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ، وَقِيلَ لَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَفْتَتْ امْرَأَةً نَذَرَتْ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلَّتْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِد إلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ» . 1 - (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْبُوَيْطِيُّ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ بَلْ يَلْغُو نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ فَإِذَا قُلْنَا بِانْعِقَادِ النَّذْرِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ الْإِتْيَانِ شَيْءٌ آخَرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ الْمُجَرَّدُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَحِينَئِذٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الِاعْتِكَافُ، وَقِيلَ تَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ يَكْفِي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَقَّفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزِّيَارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَتَعْظِيمِهِ. قَالَ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ صَامَ يَوْمًا كَفَاهُ قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالزِّيَارَةِ. 1 - (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إتْيَانَ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِشَدِّ الرَّحْلِ إلَيْهَا وَغَيْرُهَا لَا فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَتَكْفِي صَلَاتُهُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةً الْمَالِكِيِّ فَقَالَ إذَا نَذَرَ قَصْدَ مَسْجِدِ قَبَاءَ لَزِمَهُ قَصْدُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا، وَمَاشِيًا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَلْزَمُهُ قَصْدُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَلَا فِي أَحَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَفِي وَجْهٍ آخَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ شَاسٍ لَوْ ذَكَرَ مَوْضِعًا غَيْرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ كَرِبَاطٍ أَوْ جِهَادٍ نَاجِزٍ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَزَادَ   Q (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ ذَكَرَ النَّاذِرُ بُقْعَةً أُخْرَى مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَمِنًى، وَمُزْدَلِفَةَ، وَمَقَامِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقُبَّةِ زَمْزَمَ وَغَيْرِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ حَتَّى لَوْ قَالَ آتِي دَارَ أَبِي جَهْلٍ أَوْ دَارَ الْخَيْزُرَانٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِشُمُولِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ لِلْجَمِيعِ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَفِي إسْنَادِهِ خَيْثَمُ بْنُ مَرْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ شَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسْجِدِ الْخَيْفِ صَحِيحٌ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَصْرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ عِنْدَ ذِكْرِ نَذْرِ إتْيَانِ الْمَسَاجِدِ فَلَوْ قَالَ آتِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَهُوَ كَمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ. انْتَهَى. 1 - (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَضْعِيفَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا أُوسِعَ بَعْدَهُ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي بُقْعَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مِمَّا هُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَكَانَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَنَظَرٌ ظَاهِرٌ. 1 - (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت لِمَ سُمِّيَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غَيْرُهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْت كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً» قُلْت عَلِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ سَيُبْنَى فَيَكُونُ قَاصِيًا أَيْ بَعِيدًا مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَيَكُونُ مَسْجِدُ بَيْتِ الْقُدْسِ أَقْصَى فَسُمِّيَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولَ حَالُهُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَيْهِ تَأَوَّلَ الْخَبَرَ. [حَدِيثُ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ «مَسْجِدِي هَذَا» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ شَكَّا فِي رَفْعِهِ نَصًّا فَأَخْبَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنِّي آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ مَسْجِدِي آخِرُ الْمَسَاجِدِ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّوَاتُرَ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشُّهْرَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ «إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَقَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهُ: إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمِنْ الْمَالِكِيَّةِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْأَثَرِ، وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» . وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَزَادَ ابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث جَابِر «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَزَادَ أَحْمَد وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْرِ «وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي هَذَا»   Qعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اُخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظُ وَأَثْبَتُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ مَعَ شَهَادَةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لِلَّذِي رَفَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالثِّقَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلَاةٍ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ (قُلْت) وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ مَاجَهْ «مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ» بِدُونِ أَلْفٍ وَالْمُعْتَمَدُ مَا نَقَلْتُهُ أَوَّلًا. وَالْحَدِيثَانِ مَعًا حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَحَابِيَّةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ عَطَاءً إمَامٌ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عَنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ نَقَلَتْهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَطَاءٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا فَيَكُونَانِ حَدِيثَيْنِ، وَعَلَى هَذَا يَحْمِلُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ وَالِدِي: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِلَفْظِ «فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ» وَبِلَفْظِ «فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» قَالَ: وَهُوَ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ آخَرُ بِلَا شَكٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِأَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْبَزَّارُ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ حَدِيثٌ آخَرُ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَدْرِ الثَّوَابِ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَفِيهِ «وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ الدِّمَشْقِيُّ يَحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ أَلْفِ صَلَاةٍ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَذَكَرَ هَذَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَأْوِيلُ ابْنِ نَافِعٍ بَعِيدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاللِّسَانِ قَالَ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِتِسْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَتِسْعَةِ وَتِسْعِينَ ضِعْفًا وَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ إلَّا بِالْجَزَاءِ اللَّطِيفِ عَلَى تَأْوِيلِ ابْنِ نَافِعٍ وَحَسْبُك ضَعْفًا بِقَوْلٍ يَئُولَ إلَى هَذَا، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَثَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمِثَالٍ بَيَّنَ فِيهِ مَعْنَاهُ. فَإِذَا قُلْتَ الْيَمَنُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ بِأَلْفِ دَرَجَةٍ إلَّا الْعِرَاقَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِرَاقُ مُسَاوِيًا لِلْيَمَنِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا وَأَنْ يَكُونَ مَفْضُولًا فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا فَقَدْ عُلِمَ فَضْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى عِدَّةِ دَرَجَاتٍ إمَّا زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَاقِصَةٌ عَنْهُ. (قُلْت) هَذَا كَلَامٌ فِيهِ إنْصَافٌ بِخِلَافِ كَلَامِ ابْنِ نَافِعٍ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَاضِلٌ بِمِائَةِ دَرَجَةٍ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ، وَمِنْ غَيْرِهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ قَالَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ تِسْعِمِائَةِ صَلَاةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ تَأْوِيلٌ لَا يَعْضُدُهُ دَلِيلٌ، وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ، وَفِي لَفْظِهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ فَمِنْ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ بِلَفْظِ (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَبِلَفْظِ «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . قَالَ: فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثٍ قَدْ رُوِيَ فِيهِ ضِدُّ مَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ إلَى مَا فِي إسْنَادِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ، وَعَطَاءٌ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ يَقُولُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيهِ وَيُشِيرُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ (صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا فَضَّلَهُ عَلَيْهِ بِمِائَةِ صَلَاةٍ) ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ سُلَيْمَانُ ابْنُ عَتِيقٍ عَلَى ذِكْرِهِ عُمَرَ وَهُوَ مِمَّا أَخْطَأَ فِيهِ عِنْدَهُمْ وَانْفَرَدَ بِهِ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ. انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَلَى تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْكِنَةَ تَشْرُفُ بِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا تَكُونُ الْعِبَادَةُ فِيهِ مَرْجُوحَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَابْنِ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ حَبِيبٍ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الشَّاجِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَتَادَةَ لَكِنْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ كُلِّهَا قَالَ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي مَذْهَبِهِ تَفْضِيلُ الْمَدِينَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْك مَا خَرَجْتُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مِنْ أَصَحِّ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَهَذَا قَاطِعٌ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ. انْتَهَى. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَكَاهُ زَكَرِيَّا الشَّاجِيُّ عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْبَغْدَادِيِّينَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ حَكَاهُ عَنْ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» قَالَ وَرَكَّبُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا» قَالَ وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ ذَمَّ الدُّنْيَا وَالزُّهْدَ فِيهَا وَالتَّرْغِيبَ فِي الْآخِرَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا كُلِّهَا وَأَرَادَ بِذِكْرِ السَّوْطِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - التَّقْلِيلَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ مَوْضِعَ السَّوْطِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَوْضِعَ نِصْفِ سَوْطٍ وَرُبُعَ سَوْطٍ مِنْ الْجَنَّةِ الْبَاقِيَةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَهَبُوا إلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ شَيْءٍ مِنْ الْبِقَاعِ عَلَى شَيْءٍ إلَّا بِخَبَرٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ حَمْرَاءَ الْمُتَقَدِّمَ. وَقَالَ: كَيْفَ يُتْرَكُ مِثْلُ هَذَا النَّصِّ الثَّابِتِ، وَيُمَالُ إلَى تَأْوِيلٍ لَا يُجَامِعُ مُتَأَوِّلُهُ عَلَيْهِ،. (الرَّابِعَةُ) اسْتَثْنَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ مَكَّةَ الْبُقْعَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ وَحَكَى اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لِمَا نَقَلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ مِنْ فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ بُقْعَةً فِيهَا قَبْرُ نَبِيٍّ مَعْرُوفٍ غَيْرَهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُرِيدُ مَا لَا يُشَكُّ فِيهِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَزْعُم أَنَّ قَبْرَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَنَّ قَبْرَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُنَاكَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعَ فِي سُؤَالِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَبَّهُ أَنْ يُدْنِيهِ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا يُحْتَجُّ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِنْ أَنْكَرَ فَضْلَهَا أَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ بَعْدَ مَكَّةَ مِنْهَا فَقَدْ أَنْزَلَهَا مَنْزِلَتَهَا وَاسْتَعْمَلَ الْقَوْلَ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ وَفِيهَا ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ بُقْعَةٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ فِي الْأَرْضِ هِيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَمَا حَوْلَهُ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ) وَهَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَفِي بَعْضِ طُرُقِ أَثَرِ عُمَرَ (إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ) وَفِي حَدِيثِ الْأَرْقَمِ «أَنَّ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُحْمَلَ أَثَرُ عُمَرَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَنْ مَعَهُ وَحَدِيثُ الْأَرْقَمِ وَأَثَرُ عُمَرَ بِاللَّفْظِ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فَيُرْجَعُ إلَى التَّرْجِيحِ وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَإِنَّ أَسَانِيدَهَا صَحِيحَةٌ. قَالَ: وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّهَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ» مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ عَلَى الْأَلْفِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ» قَالَ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي تَضَاعَفَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ» فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلَاةُ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ إمَّا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَإِمَّا بِأَلْفَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَإِمَّا بِمِائَتِي أَلْفِ صَلَاةٍ عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ أَنَسٍ. لَكِنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَوَّى بَيْنَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَصَحُّ طُرُقِ أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِبَيْتِ الْمَقْدِسِ «أَنَّهَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ.» فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَسْتَوِي الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى مَعَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى» ، وَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا إلَّا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى فَإِنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْفَضْلِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى هَذَا أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ وَأَصَحُّ طُرُقِ أَحَادِيثِ التَّضْعِيفِ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفٍ وَالْأَصَحُّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّهَا بِأَلْفٍ فَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. 1 - (السَّادِسَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُطَرِّفٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ إلَى اخْتِصَاصِ التَّضْعِيفِ بِالْفَرْضِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِنَذْرِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبْ التَّطَوُّعَ فِيهَا بِالنَّذْرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (قُلْت) : قَدْ يُقَالُ لَا عُمُومَ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَسَاعَدَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ فَهُوَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: تَكُونُ النَّوَافِلُ فِي الْمَسْجِدِ مُضَاعَفَةً بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَمِائَةِ أَلْفٍ فِي مَكَّةَ وَيَكُونُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» بَلْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 1 - (السَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَضْعِيفَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ إنَّمَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِهِ وَذَاكَ هُوَ مَسْجِدُهُ، وَأَيْضًا فَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُصَلِّي عَلَى ذَلِكَ وَيَتَفَطَّنَ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: هَذَا شَبِيهٌ بِمَا إذَا اجْتَمَعَ الِاسْمُ وَالْإِشَارَةُ هَلْ تَغْلِبُ الْإِشَارَةُ أَوْ الِاسْمُ (قُلْت) لَمْ يَظْهَرْ لِي ذَلِكَ فَالِاسْمُ وَالْإِشَارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُتَّفِقَانِ هُنَا؛ لِكَوْنِهِ أَضَافَ الْمَسْجِدَ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى الْمَوْجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَلَوْ كَانَ لَفْظُهُ (مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ هَذَا) لَكَانَ مِنْ تَعَارُضِ الِاسْمِ وَالْإِشَارَةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَوْ انْتَهَى إلَى الْجَبَّانَةِ لَكَانَ الْكُلُّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَوْ زِيدَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَا زِيدَ كَانَ الْكُلُّ مَسْجِدِي» وَفِي رِوَايَةٍ «لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي» ، وَعَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ (لَوْ مُدَّ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ لَكَانَ مِنْهُ) وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ بَلَغَنِي عَنْ ثِقَاتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَا زِيدَ فِي مَسْجِدِي فَهُوَ مِنْهُ وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ» فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ بُشْرَى حَسَنَةٌ. (الثَّامِنَةُ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ التَّضْعِيفُ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا زِيدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَعُمُّ الْكُلَّ بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّضْعِيفَ يَعُمُّ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَرَمِ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَ اسْتِعْمَالَاتٍ (أَحَدُهَا) نَفْسُ الْكَعْبَةِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] . (الثَّانِي) الْكَعْبَةُ، وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] فَالْمُرَادُ نَفْسُ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ لَهُ، وَقِيلَ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ وَقِيلَ مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَكَّةَ. (الثَّالِثُ) جَمِيعُ مَكَّةَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [الفتح: 27] قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَعِظَمُ الْقَصْدِ هُنَا إنَّمَا هُوَ مَكَّةُ. (الرَّابِعُ) جَمِيعُ الْحَرَمِ الَّذِي يَحْرُمُ صَيْدُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 7] وَإِنَّمَا كَانَ عَهْدُهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّهُ الْحَرَمُ جَمِيعُهُ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ فَثَوَابُ صَلَاةٍ فِيهِ يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ أَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِجْزَاءِ عَنْ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَمْ تُجِزْهُ عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 وَعَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَتْ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَك بِالدُّفِّ قَالَ إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ فَافْعَلِي وَإِنْ كُنْتِ لَمْ تَفْعَلِي فَلَا تَفْعَلِي، فَضَرَبَتْ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ غَيْرُهُ وَهِيَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ عُمَرُ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِيَ مُقَنَّعَةٌ فَقَالَ   Qالْعَاشِرَةُ) وَجْهُ إيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَشَأْنُ الْقُرَبِ أَنْ تَلْزَمَ بِالنَّذْرِ. (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ بُرَيْدَةَ «أَنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ فَقَالَتْ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ عِنْدَك بِالدُّفِّ، قَالَ إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ فَافْعَلِي، وَإِنْ كُنْتِ لَمْ تَفْعَلِي فَلَا تَفْعَلِي؛ فَضَرَبَتْ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، وَدَخَلَ غَيْرُهُ وَهِيَ تَضْرِبُ وَدَخَلَ عُمَرُ قَالَ فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا وَهِيَ مُقَنَّعَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْك يَا عُمَرُ أَنَا جَالِسٌ هَهُنَا وَدَخَلَ هَؤُلَاءِ فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ جَامِعِهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت نَذَرْت إنْ رَدَّك اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْتِ نَذَرْت فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْرَقُ مِنْك يَا عُمَرُ، أَنَا جَالِسٌ هَهُنَا وَدَخَلَ هَؤُلَاءِ فَلَمَّا أَنْ دَخَلْتَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ «أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا» وَزَادَ فِيهِ «ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.   Qدَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتْ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْك يَا عُمَرُ إنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ فَلَمَّا دَخَلْت أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتْ الدُّفَّ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ. (إنَّ أَمَةً سَوْدَاءَ) يَحْتَمِلُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمَّاهَا أَمَةً بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى وَقَوْلُهُ وَرَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ، جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَقَدْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ تَقْدِيرَهُ، وَقَدْ رَجَعَ، (وَالدُّفُّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَعْرُوفٌ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَتْحَ فِيهِ لُغَةٌ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: «إنْ كُنْتِ فَعَلْتِ» أَيْ النَّذْرَ وَقَوْلُهُ «فَافْعَلِي» أَيْ فَاضْرِبِي، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَقَوْلُهُ «فَجَعَلَتْ دُفَّهَا خَلْفَهَا» لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (تَحْتَهَا) فَيَكُونُ تَحْتَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ (مُقَنَّعَةٌ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِهَا أَيْ مُسْتَتِرَةٌ بِقِنَاعِهَا وَقَوْلُهُ (لَيَفْرَقُ مِنْك) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ يَخَافُ. (الثَّالِثَةُ) قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ النُّذُورَ إلَى مَعْصِيَةٍ وَطَاعَةٍ، وَمُبَاحٍ فَمَنَعُوا نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ قَسَّمُوا الطَّاعَةَ إلَى (وَاجِبٍ) فَأَبْطَلُوا نَذْرَهُ وَ " مَنْدُوبٍ مَقْصُودٍ " وَهُوَ مَا شُرِعَ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ الِاهْتِمَامُ بِتَكْلِيفِ الْخَلْقِ بِإِيقَاعِهِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا فَجَزَمُوا بِصِحَّةِ نَذْرِهِ (وَمَنْدُوبٍ) لَمْ يُشْرَعْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِكَوْنِهِ عِبَادَةً، وَإِنَّمَا هُوَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّرْعُ فِيهَا لِعِظَمِ فَائِدَتِهَا، وَقَدْ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَيَنَالُ الثَّوَابَ فِيهَا كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ الْقَادِمِينَ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ. وَأَمَّا الْمُبَاحُ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَلَوْ نَذَرَ فِعْلَهَا أَوْ تُرْكَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَقَدْ يَقْصِدُ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ وَبِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عِنْدَ التَّهَجُّدِ فَيَنَالُ الثَّوَابَ لَكِنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّوَابُ يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي عُرْسٍ أَوْ خِتَانٍ فَهُوَ مَجْزُومٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِإِبَاحَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمَا فَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَحْرِيمَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: حَلَالٌ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ، وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِالضَّرْبِ بِالدُّفِّ قَصْدٌ جَمِيلٌ كَجَبْرِ يَتِيمَةٍ فِي عُرْسِهَا وَإِظْهَارِ السُّرُورِ بِسَلَامَةِ مَنْ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ ضَرْبُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِالدُّفِّ فَهُوَ مُبَاحٌ بِلَا شَكٍّ وَلَمَّا قَصَدَتْ بِهِ إظْهَارَ السُّرُورِ بِقُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَالِمًا حَصَلَ لَهَا الثَّوَابُ بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ، وَقَدْ جَزَمَ أَصْحَابُنَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَخْرِيجِ جَوَابٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ (بَابُ مَا يُوَفَّى بِهِ مِنْ نَذْرِ مَا يَكُونُ مُبَاحًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاعَةً) ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَذِنَ لَهَا فِي الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبَاحٌ وَفِيهِ إظْهَارٌ لِلْفَرَحِ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُجُوعِهِ سَالِمًا لَا أَنَّهُ يَجِبُ بِالنَّذْرِ فَتَبْوِيبُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَفْعُولَ وَفَاءٌ لِلنَّذْرِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَيُوَفَّى بِهِ. وَكَلَامُهُ عَلَى الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَفَاءً بِالنَّذْرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَفَاءٌ بِالنَّذْرِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي» . وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالنَّذْرِ هُنَا الْيَمِينُ، وَمَعْنَى قَوْلِهَا نَذَرْتُ: حَلَفْتُ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ» أَيْ حَلَفْتِ وَإِذْنُهُ فِي الضَّرْبِ إذْنٌ فِي الْبِرِّ وَفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَصَحَّ اسْتِعْمَالُ النَّذْرِ فِي الْيَمِينِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ إلْزَامُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ يَكُونُ تَارَةً بِالنَّذْرِ وَتَارَةً بِالْيَمِينِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَثَرِ اسْتِعْمَالُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّذْرِ فِي الْأَرْشِ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي الْمِلْطَاةِ بِنِصْفِ نَذْرِ الْمُوضِحَةِ فَإِذَا سَمَّى الْأَرْشَ نَذْرًا فَتَسْمِيَةُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْأَرْشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ إذْ لَوْ كَانَ عَوْرَةً مَا سَمِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّ أَصْحَابَهُ عَلَى سَمَاعِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ قَالُوا: يَحْرُمُ الْإِصْغَاءُ إلَيْهِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِتْنَةَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَأْمُونَةٌ وَلَوْ خَشِيَ أَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِتْنَةً مَا سَمِعُوا؛ هَذَا إنْ كَانَ حَصَلَ مِنْهَا صَوْتٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (وَأَتَغَنَّى) وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَلَا فِي رِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا تَغَنَّتْ بِصَوْتِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (الْخَامِسَةُ) إنْ قُلْتَ إذَا كَانَ هَذَا مُبَاحًا، وَقَدْ فُعِلَ بِحُضُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذْنِهِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى الشَّيْطَانِ وَيُوَفِّي بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ كَانَ بِتَسْوِيلِهِ فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَرَبَ الشَّيْطَانُ لِخَوْفِهِ مِنْهُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ التَّسْوِيلُ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ (قُلْت) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّرْبِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ اللَّهْوِ وَأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى مَا لَا يُرْضَى فِعْلُهُ كَمَا يُقَالُ الْغِنَاءُ بَرِيدُ الزِّنَا إلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَالِمًا بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى إنْكَارِ مِثْلِ هَذَا، وَالصُّورَةُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَخَشِيَتْ مِنْ مُبَادَرَتِهِ أَنْ يُوقِعَ بِهَا مَحْذُورًا فَقَطَعَتْ مَا هِيَ عَلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَخَافُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِيمَا كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَكِنَّ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ فَشَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَتَهَا فِي انْكِفَافِهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ بِحَالَةِ الشَّيْطَانِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ عُمَرَ وَيَهْرُبُ عِنْدَ حُضُورِهِ. (الثَّانِي) أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ وَهِيَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّهْوِ يَصِيرُ حَسَنًا بِالْقَصْدِ الْجَمِيلِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ حُصُولَ هَذَا الْقَصْدِ فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ هَرَبَ هُوَ لِظَنِّهِ أَنَّ هَذَا اللَّهْوَ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَكَمْ يَفُوتُ الْعَارِفِينَ مِنْ الدَّقَائِقِ فَضْلًا عَنْ الشَّيَاطِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) ذَكَرَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ اسْمُهَا سُدَيْسَةُ مَوْلَاةُ حَفْصَةَ " وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 كِتَابُ الْبُيُوعِ عَنْ نَافِعٍ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا» وَلَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ «ثُمَّ تُنْتَجُ وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ تَحْمِلُ الَّتِي نُتِجَتْ» .   Qفِي الِاسْتِيعَابِ (سُدَيْسَةُ الْأَنْصَارِيَّةَ) وَذَكَرَ أَنَّهَا رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَأَى الشَّيْطَانُ عُمَرَ إلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ» وَقَالَ رَوَى عَنْهَا سَالِمٌ «تُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ» وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ فَتْحُونٍ فِي نَقْدِهِ عَلَى الِاسْتِيعَابِ ضَبْطُهُ بِفَتْحِ السِّينِ وَرَأَيْته بِخَطِّ ابْنِ مُفَرِّجٍ بِضَمِّ السِّينِ عَلَى التَّصْغِيرِ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حَدِيثِهَا فَرُوِيَ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْهَا عَنْ حَفْصَةَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ] [حَدِيث نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ] (كِتَابُ الْبُيُوعِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ؛ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّانِيَةُ) (حَبَلِ الْحَبَلَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ (حَبْلِ) وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبَلَةُ هُنَا جَمْعُ حَابِلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَظَالِمٍ وَظَلَمَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ وَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ قَالَ الْأَخْفَشُ يُقَالُ: حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَابِلٌ وَالْجَمْعُ نِسْوَةٌ حَبَلَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ التَّاءُ لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ فِيهِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ: الْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنْ تَكُونَ الْحَبَلَةُ جَمْعَ حَابِلَةٍ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمُحْكَمِ حَكَى أَنَّهُ يُقَالُ نَادِرًا امْرَأَةٌ حَابِلَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ حَبَلَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَيُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ الْحَمْلُ يُقَالُ: حَمَلَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَحَبِلَتْ بِوَلَدٍ وَحَمَلَتْ الشَّاةُ سَخْلَةً وَلَا يُقَالُ حَبِلَتْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ حُبْلَى إلَّا مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَفِيمَا حَكَاهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَقَدْ جَعَلَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ هَذَا قَوْلًا وَحَكَى مَعَهُ غَيْرَهُ. فَقَالَ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ أَعَامَّةٌ لِلْإِنَاثِ أَمْ خَاصَّةٌ لِبَعْضِهِنَّ فَقِيلَ لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ حُبْلَى إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ كُلُّ ذَاتِ ظُفْرٍ حُبْلَى قَالَ أَوْ ذِيحَةٌ: حُبْلَى مُحِجٌّ مُقْرِبٌ. (الثَّالِثَةُ) فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ الْبَيْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتِجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ «كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ؛ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تَحْمِلُ الَّتِي نُتِجَتْ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» فَاعْتُبِرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَمْلُ الثَّانِيَةِ دُونَ نِتَاجِهَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ فَقَالَ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ إلَى أَنْ تَحْمِلَ هَذِهِ النَّاقَةُ وَتَلِدَ وَيَحْمِلَ وَلَدُهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى فِي سِيَاقَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَفْسِيرُهُ مَرْفُوعًا فَهَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَمْرٍو حَسْبُك بِهِ انْتَهَى. وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَهَذَا (أَحَدُ الْأَقْوَالِ) فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ أَصَحُّهَا؛ لِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ بَيْعُ نِتَاجِ النِّتَاجِ وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَأَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الرَّاوِيَ هُوَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْرَفُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي مُقَدَّمٌ إذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ انْتَهَى. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ بَيْعُ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ صَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ كَلَامَهُ فَقَالَ هُوَ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ إنَّمَا هَذَا بَيْعُ الْمَضَامِينِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَبَلِ الْحَبَلَةِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا نَهَى مِنْ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ فَالْمَضَامِينُ مَا فِي بُطُونِ إنَاثِ الْإِبِلِ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْجِمَالِ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ بَيْعٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَهُ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ يُنْتَجُ الَّذِي فِي بَطْنِهَا. (قُلْتُ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ عَكْسُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ وَالْمَضَامِينُ مَا فِي الظُّهُورِ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْحَبَلَةَ هُنَا شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيْعُ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحَهُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَيْضًا فَقَالَ وَقِيلَ مَعْنَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ حَمْلُ الْكَرْمَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ وَجَعَلَ حَمْلَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ حَبْلًا وَهَذَا كَمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ تَمْرِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يُزْهَى. انْتَهَى. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ غَرِيبَانِ. (الرَّابِعَةُ) الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ بِالتَّفَاسِيرِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَى بُطْلَانِهِ. (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَالْأَجَلُ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ. (وَأَمَّا الثَّانِي) فَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ وَمَجْهُولٌ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (وَأَمَّا الثَّالِثُ) فَلِبَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي. (وَأَمَّا الرَّابِعُ) فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا. (الْخَامِسَةُ) الْجَزُورُ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إلَّا أَنَّ اللَّفْظَةَ مُؤَنَّثَةٌ تَقُولُ هَذِهِ الْجَزُورُ، وَإِنْ أَرَدْت ذَكَرًا وَالْجَمْعُ جُزُرٌ وَجَزَائِرُ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْجَزُورِ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ قَيْدًا فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَكُونُوا يَتَبَايَعُونَ هَذَا الْبَيْعَ إلَّا فِي الْجُزُرِ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِثَالٌ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا. وَقَوْلُهُ (تُنْتَجُ) بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى، وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ وَبِالْجِيمِ أَيْ تَلِدُ وَالنَّاقَةُ فَاعِلٌ وَهَذَا الْفِعْلُ مَعَ إسْنَادِهِ لِلْفَاعِلِ عَلَى صِيغَةِ الْمُسْنَدِ لِلْمَفْعُولِ هَكَذَا صِيغَتُهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ النَّجْشِ» .   Q [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّجْشِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ النَّجْشِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَزَادَ فِيهِ الْقَعْنَبِيُّ قَالَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ (وَأَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا الْأَسْوَاقَ) وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْقُوبَ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَاضِي الْمَدَائِنِ قَالَ أَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ التَّخْيِيرِ» قَالَ وَالتَّخْيِيرُ أَنْ يَمْدَحَ الرَّجُلُ سِلْعَتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ التَّخْيِيرُ وَفَسَّرَهُ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ النَّجْشُ. انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) (النَّجْشُ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ؛ فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ لَا لِرَغْبَةٍ فِيهَا بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ وَيَغُرَّهُ لِيَزِيدَ وَيَشْتَرِيَهَا وَكَذَا فَسَّرَهُ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ كَمَا رَأَيْته فِي الْهِدَايَةِ وَكِتَابِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُحَرَّرِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ هُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدَ الشِّرَاءَ لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ هُوَ أَنْ يَزِيدَ لِيَغُرَّ وَكَذَا قَالَ صَاحِب الْمُحَرَّرِ إنَّ النَّجْشَ مُزَايَدَةُ مِنْ لَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ تَغْرِيرًا لَهُ وَقَيَّدَ التِّرْمِذِيُّ ذَلِكَ فِي جَامِعِهِ بِأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْوَى وَكَذَا قَيَّدَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فَوْقَ ثَمَنِهَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ لَوْ زَادَ فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى قِيمَتِهَا فَهُوَ مَا جَوَّزَ بِذَلِكَ وَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّقْيِيدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِهِمْ، وَلِذَلِكَ نَقَلْت عِبَارَتَهُمْ أَوَّلًا. (الثَّالِثَةُ) أَصْلُ النَّجْشِ فِي اللُّغَةِ الِاسْتِثَارَةُ وَمِنْهُ نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنَجْشُهُ بِالضَّمِّ نَجْشًا إذَا اسْتَثَرْتَهُ سُمِّيَ النَّاجِشُ فِي السِّلْعَةِ نَاجِشًا لِأَنَّهُ يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَيَرْفَعُ ثَمَنَهَا وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَصْلُ النَّجْشِ الْخَتْلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ الْخَدْعُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ نَاجِشٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتِلُ الصَّيْدَ وَيَحْتَالُ لَهُ وَكُلُّ مَنْ اسْتَثَارَ شَيْئًا فَهُوَ نَاجِشٌ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّجْشُ الْمَدْحُ وَالْإِطْرَاءُ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ «لَا يَمْدَحُ أَحَدُكُمْ السِّلْعَةَ وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا بِلَا رَغْبَةٍ» . (الرَّابِعَةُ) النَّجْشُ حَرَامٌ؛ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَالْإِثْمُ مُخْتَصٌّ بِالنَّاجِشِ) إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ فَإِنْ وَاطَأَهُ عَلَى ذَلِكَ أَثِمَا جَمِيعًا لَكِنْ هَلْ يَبْطُلُ مَعَ ذَلِكَ الْبَيْعُ أَوْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ خَاصَّةً أَوْ لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْ الْحُكْمَيْنِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: (أَحَدُهَا) : أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ النَّاجِشُ أَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكِنْ بِمُوَاطَأَتِهِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ أَوْ بِعِلْمِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَالُوا فَإِنْ فَاتَتْ الْعَيْنُ فَلَهُ الْقِيمَةُ مَا لَمْ تَزِدْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ أَوْ عِلْمِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِهِ كَابْنِهِ وَعَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا وَثُبُوتُ الْخِيَارِ إذَا كَانَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ؛ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ لَكِنْ شَرْطُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُغْبَنَ بِهِ عَادَةً نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُهُمْ بِالسُّدُسِ؛ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ. (الثَّالِثُ) : أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَعْصِيَةَ النَّاجِشِ وَشَرَطَ فِي مَعْصِيَةِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ. قَالَ الشَّارِحُونَ: السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ مَعْلُومٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْخَبَرَ بِخُصُوصِهِ. وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ الْأَخِ إنَّمَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ مِنْ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِيهِ فَلَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْخَبَرَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إضْرَارٌ أَيْضًا وَتَحْرِيمُ الْإِضْرَارِ مَعْلُومٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا   Qمِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ، وَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْمَعْصِيَةِ بِمَنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ انْتَهَى. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ فَمَنْ نَجَشَ فَهُوَ عَاصٍ بِالنَّجْشِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَفِي النَّجْشِ وَاحِدٌ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ، وَقَدْ حَكَى هَذَا النَّصَّ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَا تُصَرُّوا الْغَنَمَ وَالْإِبِلَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ) . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ ذِكْرُ التَّصْرِيَةِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْرَجِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لَهُ وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِيهِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ) وَعِنْدَ النَّسَائِيّ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَقَالَ (وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ) وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ الِاخْتِلَافَ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فِي الطَّعَامِ وَالتَّمْرِ وَذِكْرِ الثَّلَاثِ، وَإِسْقَاطِهَا، وَقَالَ وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ» ..   Qبِلَفْظِ «مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ (صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ (بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَقَالَ (صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) وَمِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَسُمْ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الْمُسْلِمِ» وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ الْعَلَاءِ وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبَوَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ (عَلَى سِيمَةِ أَخِيهِ) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ بِلَفْظِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلْأَعْرَابِيِّ، وَأَنْ يَشْتَرِطَ لِلْمَرْأَةِ طَلَاقَ أُخْتِهَا، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَنَهَى عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ التَّصْرِيَةِ» أَوْرَدَهُ فِي الشُّرُوطِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ بِمَعْنَاهُ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ تَلَقِّي الرُّكْبَانَ وَفَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِأَنْ يَتَلَقَّ طَائِفَةً يَحْمِلُونَ طَعَامًا إلَى الْبَلَدِ فَيَشْتَرِيهِ مِنْهُمْ قَبْلَ قُدُومِهِمْ الْبَلَدَ وَمَعْرِفَةِ سِعْرِهِ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ التَّلَقِّيَ لِشِرَاءِ غَيْرِ الطَّعَامِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّقْيِيدَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمْ وَمُقْتَضَى النَّهْيِ عَنْهُ تَحْرِيمُهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ التَّلَقِّي إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فَإِنْ ضَرَّ سَكَّرَهُ كَذَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ، وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْكَرَاهَةُ فِي حَالَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يُغْلِيَ السُّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَرَادَ النَّوَوِيُّ ضَرَرَ أَهْلِ الْبَلَدِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ النَّاسِ تَنَاوَلَ الصُّورَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلتَّحْرِيمِ فَإِنْ أَرَادُوا ذَلِكَ هُنَا كَانَ مَذْهَبُهُمْ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَهُ إنْ أَضَرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ دُونَ أَنْ يَحْظُرَهُ قَالَ: وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِابْتِيَاعِ الْقُوتِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُضْحِيَّةِ. قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ. (الثَّالِثَةُ) شَرَطَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَعْلَمَ النَّهْيَ عَنْ التَّلَقِّي وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَنَاهِي وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِالْجَهَالَةِ وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ إذَا كَانَ مُعْتَادًا بِذَلِكَ. (الرَّابِعَةُ) وَاخْتَلَفُوا فِي شَرْطٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ التَّلَقِّي فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ بَلْ خَرَجَ لِشُغْلٍ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ فَفِي تَحْرِيمِهِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَحْرِيمُهُ؛ لِوُجُودِ الْمَعْنَى وَسَيَأْتِي عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ اشْتِرَاطُ قَصْدِ التَّلَقِّي. (الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ يَبْطُلُ أَمْ لَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَبْطُلُ فَإِنَّ النَّهْيَ لَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يُخِلُّ هَذَا الْفِعْلُ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ بِالرُّكْبَانِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ، وَقَالَ آخَرُونَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا عُمُومَ فِيهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ قَائِلُونَ بِالْبُطْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ حَكَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَفُوزُ بِالسِّلْعَةِ، وَيَشْرَكُهُ فِيهَا أَهْلُ الْأَسْوَاقِ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَا حَكَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ الْجَمِيعِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا حَكَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ حَبِيبٍ يَذْهَبُ إلَى فَسْخِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُرِضَتْ السِّلْعَةُ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ وَاشْتَرَكُوا فِيهَا إنْ أَحَبُّوا، وَإِنْ أَبَوْهَا رُدَّتْ عَلَى مُبْتَاعِهَا. (السَّادِسَةُ) إذَا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَهَلْ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ وَيَعْلَمَ السِّعْرَ فَإِذَا قَدِمَ فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْبَلَدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ أَخْبَرَ الْمُتَلَقِّي بِالسِّعْرِ كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبِرْ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ الْغَبْنِ. (وَالثَّانِي) ثُبُوتُهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ فَمَنْ تَلَقَّى فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَكِنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِأَنْ يُغْبَنَ بِمَا لَا يُغْبَنُ بِهِ عَادَةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُهُمْ بِالسُّدُسِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ عَلَى قَوْلَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّ السِّلْعَةَ تُعْرَضُ عَلَى أَهْلِ السِّلَعِ فِي السُّوقِ فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ بِلَا زِيَادَةٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدَ لَهَا سُوقٌ عُرِضَتْ عَلَى النَّاسِ فِي الْمِصْرِ فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا إنْ أَحَبُّوا فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ. (وَالثَّانِي) يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إنْ كَانَ بَائِعُهَا لَمْ يَذْهَبْ رُدَّتْ إلَيْهِ حَتَّى تُبَاعَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ اُرْتُجِعَتْ مِنْهُ وَبِيعَتْ فِي السُّوقِ وَدُفِعَ إلَيْهِ ثَمَنُهَا. (السَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْ الْجَالِبِ وَصِيَانَتُهُ مِمَّنْ يَخْدَعُهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ قِيلَ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي سَبَبُهُ الرِّفْقُ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَاحْتُمِلَ فِيهِ غَبْنُ الْبَادِي فَالْمَنْعُ مِنْ التَّلَقِّي أَنْ لَا يُغْبَنَ الْبَادِي وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ» . فَالْجَوَابُ: أَنَّ الشَّرْعَ يَنْظُرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى مَصْلَحَةِ النَّاسِ وَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَنْظُرَ لِلْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ لَا لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَلَمَّا كَانَ الْبَادِي إذَا بَاعَ بِنَفْسِهِ انْتَفَعَ جَمِيعُ أَهْلِ السُّوقِ وَاشْتَرَوْا رَخِيصًا فَانْتَفَعَ بِهِ جَمِيعُ سُكَّانِ الْبَلَدِ نَظَرَ الشَّرْعُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى الْبَادِي. وَلَمَّا كَانَ فِي التَّلَقِّي إنَّمَا يَنْتَفِعُ الْمُتَلَقِّي خَاصَّةً وَهُوَ وَاحِدٌ فِي مُقَابَلَةِ وَاحِدٍ لَمْ تَكُنْ إبَاحَةُ التَّلَقِّي مَصْلَحَةً لَا سِيَّمَا وَيَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِأَهْلِ السُّوقِ فِي انْفِرَادِ الْمُتَلَقِّي عَنْهُمْ بِالرُّخْصِ وَقَطْعِ الْمَوَادِّ عَنْهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتَلَقِّي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَنَظَرَ الشَّرْعُ لَهُمْ عَلَيْهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي الْحُكْمِ وَالْمَصْلَحَةِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّلَقِّي هُوَ لِمَصْلَحَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَيْضًا فَإِنَّ الْقَوَافِلَ إذَا صُنِعَ مَعَهُمْ مِثْلُ هَذَا الصُّنْعِ تَأَذَّوْا مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ سَبَبًا لِانْقِطَاعِهِمْ عَنْ الْبَلَدِ فَيَتَضَرَّرُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِانْقِطَاعِ الْجَلَبِ عَنْهُمْ. وَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى النَّهْيِ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ الرِّفْقُ بِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ لِئَلَّا يُقْطَعَ بِهِمْ عَمَّا لَوْ جَلَسُوا يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فَنَهَى النَّاسَ أَنْ يَتَلَقَّوْا السِّلَعَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادًا عَلَيْهِمْ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ رِفْقًا بِصَاحِبِ السِّلْعَةِ لِئَلَّا يُبْخَسَ فِي ثَمَنِ سِلْعَتِهِ، وَقَدْ رُوِيَ بِمِثْلِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ خَبَرٌ صَحِيحٌ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ فَذَكَرَ رِوَايَةَ الْخِيَارِ، وَفِيمَا حَكَاهُ عَنْ اللَّيْثِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ فَمَذْهَبُهُ حِينَئِذٍ النَّظَرُ لِلْبَائِعِ لَا لِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ فَرَحْمَتُهُ بِأَهْلِ الْحَضَرِ وَالْجَالِبِينَ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهَا الشَّرَائِعُ تُوحَى إلَيْهِ فَيُؤَدِّيهَا كَمَا أُمِرَ. (الثَّامِنَةُ) شَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِلتَّحْرِيمِ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُتَلَقِّي الْقَافِلَةَ بِطَلَبِ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ فَلَوْ ابْتَدَءُوهُ فَالْتَمَسُوا مِنْهُ الشِّرَاءَ مِنْهُمْ وَهُمْ عَالِمُونَ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِ عَالِمِينَ فَجَعَلُوهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَانَ أَنَّ الشِّرَاءَ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْأَصَحَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ (لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ) يَتَنَاوَلُ بَيْعَ الرُّكْبَانِ لِلْمُتَلَقِّي وَبَيْعَ الْمُتَلَقِّي لَهُمْ وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا صُورَةَ الْحَدِيثِ هِيَ الْأُولَى وَحَكَوْا فِي تَحْرِيمِ الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ. (الْعَاشِرَةُ) حَيْثُ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّلَقِّي بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ الَّتِي يَتَلَقَّى إلَيْهَا قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ مَحَلَّ النَّهْيِ بِحَدٍّ مَخْصُوصٍ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْحَدِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِيلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَرْسَخَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَكْرَهُ تَلَقِّي السِّلَعِ، وَأَنْ يَبْلُغُوا بِالتَّلَقِّي أَرْبَعَةً بُرُدٍ. انْتَهَى. فَإِنْ زَادَتْ الْمَسَافَةُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ النَّهْيِ وَقِيلَ لِمَالِكٍ أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسِتَّةِ أَمْيَالٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ جَازَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي أَنَّ النَّظَرَ لِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَإِنَّمَا تَتَشَوَّفُ أَطْمَاعُهُمْ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْبَعِيدُ فَلَا تَشَوُّفَ لَهُمْ إلَيْهِ وَلَعَلَّ النَّظَرَ فِي تَحْدِيدِ الْقُرْبِ لِلْعُرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَيْهِ فَإِنْ تَلَقَّاهَا بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فَصَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (بَابَ مُنْتَهَى التَّلَقِّي) وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَبْلُغَ بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ» وَحَدِيثُهُ «كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» فَبَيَّنَ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ التَّلَقِّيَ كَانَ إلَى أَعْلَى السُّوقِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْ الْبَلَدِ وَبَيَّنَ الْبُخَارِيُّ بِتَبْوِيبِهِ مُنْتَهَى التَّلَقِّي الْجَائِزِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا وَقَعَ فِي التَّلَقِّي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا يُوَافِقُ هَذَا حَيْثُ قَالُوا فِي تَعْرِيفِهِ الَّذِي قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ (قَبْلَ قُدُومِهِمْ الْبَلَدَ) وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا قَدِمُوا الْبَلَدَ أَمْكَنَهُمْ مَعْرِفَةَ السِّعْرِ وَطَلَبِ الْحَظِّ؛ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَهُوَ بِتَقْصِيرِهِمْ. وَأَمَّا قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ السِّعْرَ وَلَوْ أَمْكَنَهُمْ تَعَرُّفُهُ فَنَادِرٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ. وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجًا عَنْ السُّوقِ فِي الْحَاضِرَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ سِعْرِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ هُنَالِكَ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى التَّلَقِّي، وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَلَيْسَ بِتَلَقٍّ قَالَ مَالِكٌ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُشْتَرَى فِي نَوَاحِي الْمِصْرِ حَتَّى يَهْبِطَ بِهِ السُّوقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبَلَغَنِي هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمَا نَهَيَا عَنْ التَّلَقِّي خَارِجَ السُّوقِ وَرَخَّصَا فِي ذَلِكَ فِي أَعْلَى السُّوقِ إلَى آخَرِ كَلَامِهِ فَرَدَّ تَبْوِيبَ الْبُخَارِيِّ إلَى مَذْهَبِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ السِّعْرِ كَانَ الشِّرَاءُ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ السِّعْرِ كَانَ جَائِزًا غَيْرَ مُلَائِمٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَكْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُ تَلَقِّي السِّلَعَ وَشِرَاءَهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى بَابِك حَتَّى تَقِفَ السِّلْعَةُ فِي سُوقِهَا الَّتِي تُبَاعُ فِيهَا قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَلَى بَابِهِ أَوْ فِي طَرِيقِهِ فَمَرَّتْ بِهِ سِلْعَةٌ يُرِيدُ صَاحِبَهَا سُوقَ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَشْتَرِيَهَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّي إنَّمَا التَّلَقِّي أَنْ يَقْصِدَ لِذَلِكَ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَجَازَ التَّلَقِّي قَالَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِسِتَّةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) : أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ هُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا ثُمَّ خَالَفَهُ فَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّ الْخَبَرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْفُتْيَا بِتَرْكِ التَّلَقِّي. (ثَانِيهَا) : أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ حَيْثُ ابْتَاعَهُ. (ثَالِثُهَا) : أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَنَهَانَا أَنْ نَبِيعَهُ أَنْ نَبْتَاعَهُ. (رَابِعُهَا) : أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ. (خَامِسُهَا) : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْبَائِعِينَ أَجَازُوا الْبَيْعَ. (سَادِسُهَا) : مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى بَيَّنَتْ أَنَّ التَّلَقِّيَ كَانَ إلَى أَعْلَى السُّوقِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنْهُ. [فَائِدَة يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْ الْحَاضِرَةِ إلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ فَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ الثَّمَرَةَ مَكَانَهُ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْ الْحَاضِرَةِ إلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ فَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ الثَّمَرَةَ مَكَانَهَا وَرَآهُ مِنْ التَّلَقِّي وَقَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا بِتَلَقٍّ وَلَكِنَّهُ اشْتَرَى الشَّيْءَ بِمَوْضِعِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي جَوَازِ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْبُلْدَانِ فِي الْأَمْتِعَةِ وَالسِّلَعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّظَرِ، وَإِنَّمَا التَّلَقِّي تَلَقِّي مَنْ خَرَجَ بِسِلْعَتِهِ يُرِيدُ بِهَا السُّوقَ. وَأَمَّا مَنْ قَصَدْتَهُ إلَى مَوْضِعِهِ فَلَمْ تَتَلَقَّهُ. انْتَهَى. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ) خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ الْجَالِبِينَ لِلْمَتَاعِ يَكُونُونَ جَمَاعَةً رُكْبَانًا فَلَوْ كَانُوا مُشَاةً أَوْ كَانَ الْجَالِبُ لِلْمَتَاعِ وَاحِدًا رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ. [فَائِدَة الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ تَحْرِيمُ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ افْسَخْ لِأَبِيعَك خَيْرًا مِنْهُ أَوْ أَرْخَصَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. [فَائِدَة الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) وَفِي مَعْنَاهُ الشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْك بِأَكْثَرَ وَهُوَ مَجْمَعٌ عَلَى مَنْعِهِ أَيْضًا، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ إلَى حَمْلِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ بِعْت بِمَعْنَى اشْتَرَيْت قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبِيعُ أَحَدٌ عَلَى بَيْعِ أَحَدٍ فِي الْعَادَةِ وَمَا أَدْرِي أَيُّ مُوجِبٍ لِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي تَسْمِيَةِ الشِّرَاءِ بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَلَكِنْ عَكْسُهُ أَشْهَرُ مِنْهُ. وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَدَّ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَوْنُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ مَرْدُودٌ وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنْهَى عَنْهُ. [فَائِدَة السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ عَلَى انْفِرَادِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ فَقَالَ إنْ كَانَ ثَابِتًا وَلَسْتُ أَحْفَظُهُ ثَابِتًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ ثَبَتَ مِنْ أَوْجُهٍ وَبَسَطَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ وَالِاسْتِيَامِ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ اللَّفْظَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ وَالنَّاقِدِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَ فِيهَا لَفْظَ الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ جَمِيعًا، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرُوا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ لَفْظَ السَّوْمِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا فَسَّرَهُ غَيْرُهُ مِنْ السَّوْمِ وَالِاسْتِيَامِ، وَإِمَّا أَنْ تُرَجَّحَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَحْفَظُهُمْ، وَأَفْقَهُهُمْ وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ، وَأَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْهُ وَبِأَنَّ رِوَايَتَهُ تُوَافِقُ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ (وَلَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّهَا شَاذَّةٌ انْتَهَى. فَيُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رِوَايَةَ السَّوْمِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَكَيْفَ عَزَاهَا لِمُسْلِمٍ خَاصَّةً وَكَيْفَ حَكَى عَنْ الْبَيْهَقِيّ شُذُوذَهَا مَعَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا ثَابِتَةٌ؟ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ شَاذٌّ زِيَادَةُ السَّوْمِ مَعَ ذِكْرِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا ذِكْرُ السَّوْمِ وَحْدَهُ فَهُوَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحَكَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِثُبُوتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ فَيَجِيءَ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَيَقُولَ رُدَّهُ حَتَّى أَبِيعَك خَيْرًا مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ يَقُولَ لِمَالِكِهِ اسْتَرَدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْك بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ وَحَمَلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ عَلَى السَّوْمِ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ مُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ إذَا كَانَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ التَّرَاضِي صَرِيحًا فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ وَلَكِنْ جَرَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ فَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَيْءٌ بَلْ سَكَتَ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالرَّدِّ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا السَّوْمُ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيمَنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَنْ يَزِيدُ وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ اشْتِرَاطَ الرُّكُونِ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ شَرْطُ تَحْرِيمِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا غَبْنًا مُفْرِطًا فَإِنْ كَانَ فَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ وَيَبِيعَ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ النَّصِيحَةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الشَّرْطُ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَافَقَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ: وَأَمَّا مَنْ رَأَى الْمُسَاوِمَ أَوْ الْبَائِعَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى الْقِيمَةِ لَكِنْ يُرِيدُ غَبْنَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ نَصِيحَةَ الْمُسْلِمِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّهْيِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدَّيْنُ النَّصِيحَةُ» . (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) مَحَلُّ التَّحْرِيمِ مَا لَمْ يَأْذَنْ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ فَإِنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ. [فَائِدَة دُخُولُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي سَوْمِهِ] 1 (الْعِشْرُونَ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ حَرْبَوَيْهِ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي سَوْمِهِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَوْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ فِي هَذَا وَعَقَدَ فَهُوَ آثِمٌ بِذَلِكَ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لِعَدَمِ اخْتِلَالِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالنَّهْيُ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ لِأَذَى غَيْرِهِ وَلَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْعَقْدِ وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيَّانِ: لَا يَنْعَقِدُ؛ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَجَزَمَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ بِالْبُطْلَانِ. وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ قَالَهُ فِي الْبَيْعِ. وَقَالَ إنَّمَا قَالَهُ فِي الْخِطْبَةِ وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَدْ يَدْخُلُ فِي السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ الْإِجَارَةُ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ فِي أَنَّهَا تُقْصَدُ وَيُعْقَدُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ تَفْرِيعًا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ فِي اللُّغَةِ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ. [فَائِدَة يَقُولُ لِمُسْلِمٍ إلَيْهِ أَنَا أُعْطِيك أَزْيَدَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُ] (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) وَكَذَلِكَ السَّلَمُ قَدْ يَدْخُلُ فِي السَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ بِأَنْ يَتَّفِقَ شَخْصٌ مَعَ آخَرَ عَلَى السَّلَمِ لَهُ فِي غَلَّةٍ؛ بِسِعْرِ كَذَا وَتَحْصُلُ الْإِجَابَةُ صَرِيحًا فَيَقُولُ شَخْصٌ لِلْمُسَلِّمِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْغَلَّةِ أَوْ مِثْلِهَا بِأَنْقَصَ مِنْ هَذَا السِّعْرِ أَوْ يَقُولُ لِمُسْلِمٍ إلَيْهِ أَنَا أُعْطِيك أَزْيَدَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُ وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْتَحِقُ السَّلَمَ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ الْبَيْعِ بِالْأَعْيَانِ. وَأَمَّا السَّلَمُ لَمَّا كَانَ بَيْعًا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ تَنَافٍ فَقَدْ يَعْقِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَكِنْ مَتَى تَمَكَّنَ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ مِنْ عَقْدِ السَّلَمِ بِرَأْسِ مَالٍ كَثِيرٍ لَا يَعْقِدُهُ بِرَأْسِ مَالٍ قَلِيلٍ فِي الْعَادَةِ فَيَحْصُلُ حِينَئِذٍ الضَّرَرُ وَهَذَا أَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي] 1 (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِينَ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى جَوَازِهِ لِحَدِيثِ «الدَّيْنُ النَّصِيحَةُ» وَقَالُوا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مَنْسُوخٌ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَرَدَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النَّهْيَ الَّذِي هُنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْرِ بِالنَّصِيحَةِ وَيَكُونُ هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَا يَقْبَلُ النَّسْخَ وَلَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى قَالَ الْقَفَّالُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْإِثْمُ عَلَى الْبَلَدِيِّ دُونَ الْبَدْوِيِّ. (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فَسَّرَ أَصْحَابُنَا بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بِأَنْ يَقْدُمَ إلَى الْبَلَدِ بَلَدِيٌّ أَوْ قَرَوِيٌّ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بَيْعُهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ لِيَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَيَأْتِيَهُ بَلَدِيٌّ فَيَقُولُ ضَعْ مَتَاعَك عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ فَلَمْ يَعْتَدُّوا الْحُكْمَ بِالْبَادِي وَجَعَلُوهُ مَنُوطًا بِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ سَوَاءٌ كَانَ بَادِيًا أَوْ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي إضْرَارِ أَهْلِ الْبَلَدِ يَتَنَاوَلُ الصُّورَتَيْنِ وَذِكْرُ الْبَادِي مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، وَجَعَلَهُ مَالِكٌ قَيْدًا فَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَنْ أَهْلُ الْبَادِيَةِ؟ قَالَ أَهْلُ الْعَمُودِ قِيلَ لَهُ الْقُرَى الْمَسْكُونَةُ الَّتِي لَا يُفَارِقُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَهْلُهَا فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ يَقْدُمُ بَعْضُهُمْ بِالسِّلَعِ فَيَبِيعُهَا لَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَالَ نَعَمْ إنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَهْلُ الْعَمُودِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ، وَأَهْلُ الْقُرَى فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدَائِنِ مِنْ أَهْلِ الرِّيفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْبَيْعِ لَهُمْ بَأْسٌ مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ يَعْرِفُ السَّوْمَ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يُشْبِهُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَ لَهُمْ حَاضِرٌ قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ وَالْبَادِي الَّذِي لَا يَبِيعُ لَهُمْ الْحَاضِرُ هُمْ أَهْلُ الْعَمُودِ، وَأَهْلُ الْبَوَادِي وَالْبَرَارِي مِثْلُ الْأَعْرَابِ. قَالَ: وَجَاءَ النَّهْيُ فِي ذَلِكَ إرَادَةَ أَنْ يُصِيبَ النَّاسِ ثَمَرَتَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ: فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ أَثْمَانَ سِلْعَتِهِمْ، وَأَسْوَاقَهَا فَلَمْ يُعْنَوْا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ يَعْنِي مَالِكًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَبِيعُ مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ وَلَا مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ وَلَكِنْ يُشِيرُ عَلَيْهِ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: وَفِي الْمُوَطَّإِ يَحْمِلُهُ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ لِجَهْلِهِمْ بِالْأَسْعَارِ وَقِيلَ بِعُمُومِهِ؛ لِقَوْلِهِ؛ وَلَا يَبِيعُ مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ وَلَا مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ. (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّمَا يَحْرُمُ بِشُرُوطٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ فِيهِ وَهَذَا شَرْطٌ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَنَاهِي. وَ (الثَّانِي) : أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ الْمَجْلُوبُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَالْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا نَادِرًا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ. (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَظْهَرَ بِبَيْعِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ؛ لِكِبَرِ الْبَلَدِ؛ أَوْ قِلَّةِ مَا مَعَهُ أَوْ؛ لِعُمُومِ وُجُودِهِ وَرُخْصِ السِّعْرِ فَوَجْهَانِ أَوْفَقُهُمَا لِلْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ. وَ (الرَّابِعُ) أَنْ يَعْرِضَ الْحَضَرِيُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَدَوِيِّ وَيَدْعُوهُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا الْتَمَسَ الْبَدَوِيُّ مِنْهُ بَيْعَهُ تَدْرِيجًا أَوْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ فِي الْبَلَدِ لِبَيْعِ ذَلِكَ فَسَأَلَ الْبَدَوِيَّ تَفْوِيضَهُ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ، وَلَوْ أَنَّ الْبَدْوِيَّ اسْتَشَارَ الْبَلَدِيَّ فِيمَا فِيهِ حَظُّهُ فَهَلْ يُرْشِدُهُ إلَى الِادِّخَارِ أَوْ الْبَيْعِ عَلَى التَّدْرِيجِ؟ وَجْهَانِ. حَكَى الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْشَادُهُ إلَيْهِ أَدَاءً لِلنَّصِيحَةِ وَعَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يُرْشِدُهُ إلَيْهِ تَوْسِيعًا عَلَى النَّاسِ. وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ هَذِهِ الشُّرُوطَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِي لِبَيْعِ شَيْءٍ بِسِعْرِ يَوْمِهِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِسِعْرِهِ وَبِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ وَيَقْصِدُهُ الْحَاضِرُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْبَدَوِيِّ يَقْدُمُ فَيَسْأَلُ الْحَاضِرَ عَنْ السِّعْرِ أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَقَالَ أَيْضًا لَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ مِصْرِيٌّ لِمَدَنِيٍّ وَلَا مَدَنِيٌّ لِمِصْرِيٍّ وَلَكِنْ يُشِيرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَبِيعُ أَهْلُ الْقُرَى لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ سِلَعَهُمْ قِيلَ لَهُ فَإِنْ بَعَثَ بِالسِّلْعَةِ إلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى لَمْ يَقْدُمْ مَعَهُ سِلْعَتَهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَبْعَثُ الْبَدَوِيُّ إلَى الْحَضَرِيِّ بِمَتَاعٍ يَبِيعُهُ لَهُ وَلَا يُشِيرُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ إنْ قَدِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَكَى عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُشِيرُ الْحَاضِرُ عَلَى الْبَادِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَشَارَ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاعَ لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ يُرَخِّصُوا إلَى أَهْلِ الْحَضَرِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالسُّوقِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالسِّعْرِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ تَدُورُ بَيْنَ اتِّبَاعِ الْمَعْنَى وَاتِّبَاعِ اللَّفْظِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي الْمَعْنَى إلَى الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ فَحَيْثُ يَظْهَرُ ظُهُورًا كَثِيرًا فَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِهِ وَتَخْصِيصِ النَّصِّ بِهِ أَوْ تَعْمِيمِهِ عَلَى قَوَاعِدِ الْقِيَاسِ، وَحَيْثُ يَخْفَى أَوْ لَا يَظْهَرُ ظُهُورًا قَوِيًّا فَاتِّبَاعُ اللَّفْظِ أَوْلَى. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَدَوِيُّ ذَلِكَ فَلَا يَقْوَى؛ لِعَدَمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ ظُهُورِ الْمَعْنَى فِيهِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ الَّذِي عُلِّلَ بِهِ النَّهْيُ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ سُؤَالِ الْبَلَدِيِّ وَعَدَمِهِ ظَاهِرٌ أَوْ أَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَمُتَوَسِّطٌ فِي الظُّهُورِ وَعَدَمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَاعِيَ مُجَرَّدَ رِبْحِ النَّاسِ عَلَى مَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْلِيلُ مِنْ قَوْلِهِ: (دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ) . وَأَمَّا اشْتِرَاطُ أَنْ يَظْهَرَ لِذَلِكَ الْمَتَاعِ الْمَجْلُوبِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا أَيْ إنَّهُ مُتَوَسِّطٌ فِي الظُّهُورِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ تَقْرِيبِ الرِّبْحِ وَالرِّزْقِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ (مِنْهَا) مَا يَقُومُ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ كَشَرْطِنَا الْعِلْمَ بِالنَّهْيِ وَلَا إشْكَالَ فِيهَا. (وَمِنْهَا) مَا يُؤْخَذُ بِاسْتِنْبَاطِ الْمَعْنَى فَيَخْرُجَ عَلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ النَّصَّ إذَا اُسْتُنْبِطَ مِنْهُ مَعْنًى يَعُودُ عَلَيْهِ بِالتَّخْصِيصِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا انْتَهَى. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ جَوَازُ الْإِشَارَةِ عَلَيْهِ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ الْبَيْعِ لَهُ لَيْسَ فِيهِ بَيْعٌ لَهُ، وَقَدْ أَمَرَ بِنُصْحِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَإِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ» انْتَهَى. وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَوْ خَالَفَ الْحَاضِرُ وَبَاعَ لِلْبَادِي حَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ لِجَمْعِهِ الْأَرْكَانَ وَالشَّرَائِطَ وَالْخَلَلَ فِي غَيْرِهِ. وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالصِّحَّةِ وَبَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ مَا لَمْ يَفُتْ وَالْقَوْلَانِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْبُطْلَانِ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ لِي غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يُرَدُّ الْبَيْعُ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَمُسْتَنَدُ الْبُطْلَانِ اقْتِضَاءُ النَّهْيِ الْفَسَادَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ الْحَاضِرُ إذَا بَاعَ لِلْبَادِي وَرَوَى عِيسَى عَنْهُ إنْ كَانَ مُعْتَادًا لِذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ لَا يُؤَدَّبُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ أَوْ جَاهِلًا. [فَائِدَة شِرَاءُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي] 1 (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) أَمَّا شِرَاءُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَمَرَّةً مَنَعَهُ وَمَرَّةً قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الشِّرَاءُ لِلْبَادِي مِثْلُ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» إنَّمَا هُوَ لَا يَشْتَرِي أَحَدُكُمْ عَلَى شِرَاءِ بَعْضٍ، قَالَ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَضَرِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْبَدَوِيِّ وَلَا أَنْ يَبِيعَ لَهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَقَدْ عَرَفْت الرَّدَّ عَلَيْهِ فِي حَمْلِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى الشِّرَاءِ قَرِيبًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَصْحَابُنَا لِمَنْعِ شِرَاءِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي. [فَائِدَة بِيَعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي بِغَيْرِ أَجْرٍ] (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَلْ يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ» قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ جَرِيرٍ «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» ، فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا ثُمَّ بَوَّبَ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ، وَرَوَى فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ بَوَّبَ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ قَالَ وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا وَهِيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يَبِيعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَاضِرٌ لِبَادٍ» وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بِغَيْرِ أَجْرٍ وَيَمْنَعُهُ إذَا كَانَ بِأَجْرٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا فَكَأَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِغَيْرِ السِّمْسَارِ إذَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النُّصْحِ. قَالَ: وَلَمْ يُرَاعِ الْفُقَهَاءُ فِي السِّمْسَارِ أَجْرًا وَلَا غَيْرَهُ وَالنَّاسُ فِي هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ فَمَنْ كَرِهَ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي كَرِهَهُ بِأَجْرٍ وَبِغَيْرِ أَجْرٍ وَمَنْ أَجَازَهُ أَجَازَهُ بِأَجْرٍ وَبِغَيْرِ أَجْرٍ. انْتَهَى. (الثَّلَاثُونَ) حَمَلَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْعَ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ الْحَضَرِيُّ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الْحَاضِرَةِ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ لِطَلَبِ زِيَادَةِ السِّعْرِ فَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَعَوَزٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ طَمَعًا فِي الثَّمَنِ الْغَالِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِانْعِدَامِ الضَّرَرِ انْتَهَى. وَيَرُدُّ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ «عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ أَعْرَابِيًّا حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدِمَ بِجَلُوبَةٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلَكِنْ اذْهَبْ إلَى السُّوقِ فَانْظُرْ مَنْ يُبَايِعُك فَشَاوِرْنِي حَتَّى آمُرَك، وَأَنْهَاك» . [فَائِدَة تَحْرِيمُ التَّصْرِيَةِ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) قَوْلُهُ (وَلَا تُصَرُّوا) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ؛ وَنَصْبِ (الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ) مِنْ التَّصْرِيَةِ، وَهِيَ الْجَمْعُ يُقَالُ صَرَّى يُصَرِّي تَصْرِيَةً فَهِيَ مُصَرَّاةٌ كَغَشَاهَا يُغَشِّيهَا تَغْشِيَةً فَهِيَ مُغَشَّاةٌ وَزَكَّاهَا يُزَكِّيهَا تَزْكِيَةً فَهِيَ مُزَكَّاةٌ وَيُقَالُ أَيْضًا صَرَى بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَوَيْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ لَا تَصُرُّوا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ مِنْ الصَّرِّ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا تُصَرُّ الْإِبِل بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تَصْرِ بِغَيْرِ وَاوٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَبِرَفْعِ الْإِبِلِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ الصَّرُّ أَيْضًا وَهُوَ رَبْطُ أَخْلَافِهَا. وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَا يَجْمَعُ اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا حَتَّى يَعْظُمَ ضَرْعُهَا فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ كَثْرَةَ لَبَنِهَا عَادَةٌ لَهَا مُسْتَمِرَّةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ صَرَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَيْ جَمَعْته وَصَرَّى الْمَاءَ فِي ظَهْرِهِ أَيْ حَبَسَهُ فَلَمْ يَتَزَوَّجْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الْمُصَرَّاةِ وَفِي اشْتِقَاقِهَا فَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّافِعِيُّ: التَّصْرِيَةُ أَنْ تُرْبَطَ أَخْلَافُ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ وَيُتْرَكُ حَلْبُهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَبَنُهَا فَيَزِيدَ مُشْتَرِيهَا فِي ثَمَنِهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ عَادَةٌ لَهَا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مِنْ صَرَّى اللَّبَنَ فِي ضَرْعِهَا أَيْ حَقَنَهُ فِيهِ، وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الرَّبْطِ لَكَانَتْ مَصْرُورَةً أَوْ مُصَرَّرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ حَسَنٌ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ. قَالَ وَالْعَرَبُ تَصُرُّ الضُّرُوعَ الْمَحْلُوبَاتِ وَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِ الْعَرَبِ الْعَبْدُ لَا يُحْسِنُ الْكَرَّ إنَّمَا يُحْسِنُ الْحَلْبَ وَالصَّرَّ، وَبِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ: فَقُلْت لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتُكُمْ ... مُصَرَّرَةٌ أَخْلَافُهَا لَمْ تُجَرَّدْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَصْلَ الْمُصَرَّاةِ مُصَرَّرَةٌ أُبْدِلَتْ إحْدَى الرَّائَيْنِ أَلِفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] أَيْ دَسَّسَتْهَا كَرِهُوا اجْتِمَاعَ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (مُحَفَّلَةٌ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ حَفَلَ فِي ضَرْعِهَا أَيْ جُمِعَ. (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِيهِ تَحْرِيمُ التَّصْرِيَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِلْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْبَيْعِ، وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ بِتَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ مُطْلَقًا لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَّلَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْحَيَوَانِ لَكِنْ رَوَى الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَمَالِكٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ التَّحْرِيمِ بِحَالَةِ الْبَيْعِ فَلَوْ حَفَلَهَا وَجَمَعَ لَبَنَهَا لِوَلَدِهَا أَوْ لِضَيْفٍ يَقْدُمُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَيُجَابُ عَنْ التَّأَذِّي بِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ مُسْتَمِرٌّ فَيُغْتَفَرُ؛ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ كَمَا يُغْتَفَرُ تَأَذِّي الدَّابَّةِ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ حَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ وَمَحْظُورٌ. (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ دُونَ غَيْرِهِمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِيمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تُصَرِّيهِ وَتَبِيعُهُ تَدْلِيسًا وَغِشًّا فَإِنَّ الْبَقَرَ قَلِيلٌ بِبِلَادِهِمْ وَغَيْرُ الْأَنْعَامِ لَا يُقْصَدُ لَبَنُهَا غَالِبًا فَلَمْ يَكُونُوا يَصُرُّونَ غَيْرَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ كَيْفَ وَهُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً وَهُوَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مُصَرَّاةٍ لَكِنْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً) فَصَرَّحَ بِذِكْرِ الْمَوْصُوفِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّصْرِيَةِ عَامٌّ فِي كُلِّ مُصَرَّاةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَنْعَامُ وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ، وَغَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مِمَّا يَحِلُّ بَيْعُهُ. وَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَرَدُّ الصَّاعِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [فَائِدَة بَيْعَ الْمُصَرَّاةِ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَ الْمُصَرَّاةِ صَحِيحٌ؛ لِقَوْلِهِ (إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا) وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرُدُّهَا بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ. (الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) (إنْ قُلْت) قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ (قُلْت) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ جَوَابُهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ أَعْنِي الْإِمْسَاكَ وَالرَّدَّ مَعَ الصَّاعِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْحَلْبِ لِتَوَقُّفِ هَذَيْنِ الْمُعَيَّنَيْنِ عَلَى الْحَلْبِ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ عِوَضٌ عَنْ اللَّبَنِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ الْحَلْبُ. انْتَهَى. (قُلْت) وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّصْرِيَةَ لَا تُعْرَفُ غَالِبًا إلَّا بِالْحَلْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَبَ أَوَّلًا لَبَنًا غَزِيرًا ثُمَّ حَلَبَ ثَانِيًا لَبَنًا قَلِيلًا عَرَفَ حِينَئِذٍ ذَلِكَ فَعَبَّرَ بِالْحَلْبِ عَنْ مَعْرِفَةِ التَّصْرِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لَهُ غَالِبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا) أَنَّ الرَّدَّ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى إطْلَاقِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ صَوَّبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجَوْرِيُّ وَالْفُورَانِيُّ كَمَا حَكَاهُ شَيْخُنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا نَقَصَ لَبَنُهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ احْتَمَلَ كَوْنُ النَّقْصِ لِعَارِضٍ مِنْ سُوءِ مَرْعَاهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلِمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ. (السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) الْقَائِلُونَ بِامْتِدَادِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَائِهَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ الْعَقْدِ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ مِنْ التَّفَرُّقِ وَشَبَّهُوا الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ الْعَقْدِ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ حِينِ تَبَيَّنَتْ التَّصْرِيَةُ. (الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ) وَرَتَّبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فُرُوعًا. (مِنْهَا) لَوْ عَرَفَ التَّصْرِيَةَ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ امْتَدَّ الْخِيَارُ إلَى آخَرِ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ التَّصْرِيَةَ فِي آخَرِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا خِيَارَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُدَّتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِامْتِنَاعِ مُجَاوَزَةِ الثَّلَاثَةِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا خِيَارَ فِي الثَّالِثِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْمُدَّةَ مِنْ حِينِ مَعْرِفَةِ سَبَبِ الْخِيَارِ، وَإِلَّا كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْفَوْرُ مُتَّصِلًا بِالْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَخِيفَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ عِلْمُهُ بِهِ عَنْ الْعَقْدِ فَاتَ الْخِيَارُ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ. وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يَكُونَ الْفَوْرُ أَوْسَعَ مِنْ الثَّلَاثِ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ تُحْسَبَ الْمُدَّةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ، وَذَلِكَ يُفَوِّتُ مَقْصُودَ التَّوَسُّعِ بِالْمُدَّةِ وَيُؤَدِّي إلَى نُقْصَانِهَا فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِهَا وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدِي أَظْهَرُ، وَأَوْفَقُ لِلْحَدِيثِ وَلِلْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْبَائِعُ التَّصْرِيَةَ بَلْ تَرَكَ الْحَلْبَ نَاسِيًا أَوْ لِشُغْلٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ تَصَرَّتْ هِيَ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُهِيَ عَنْ التَّصْرِيَةِ؛ لِأَجْلِ الْبَيْعِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مَا هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَخَيَّرَ وَهَذِهِ الصُّوَرُ الْمَذْكُورَةُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا تَصْرِيَةٌ لِأَجْلِ الْبَيْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَبِهَذَا جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَصَحَّ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِحُصُولِ ` الضَّرَرِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْبَائِعُ التَّدْلِيسَ. [فَائِدَة تَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي التَّصْرِيَةُ لَكِنْ دَرَّ اللَّبَنُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ] (الْأَرْبَعُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي التَّصْرِيَةُ لَكِنْ دَرَّ اللَّبَنُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَطْلَقَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ وَلَمْ يُفَصِّلْ لَكِنَّ هَذِهِ صُورَةٌ نَادِرَةٌ أَعْنِي تَغَيُّرَ الْحَالِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ. وَصَيْرُورَتُهَا ذَاتَ لَبَنٍ غَزِيرٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ قَبْلَ التَّصْرِيَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ مِنْ الْعُمُومِ فَلَا خِيَارَ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَيَنْبَغِي بِنَاؤُهَا عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ النَّادِرَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ أَمْ لَا، وَالصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ دُخُولُهُ لَكِنْ شَبَّهَ أَصْحَابُنَا الْوَجْهَيْنِ بِالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَيْبَ الْقَدِيمَ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ وَبِالْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ وَلَمْ تَعْلَمْ عِتْقَهَا حَتَّى عَتَقَ الزَّوْجُ وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ تَصْحِيحُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَيْنِك الصُّورَتَيْنِ. (الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) أَخَذَ أَصْحَابُنَا مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ فِيهِ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ حَبَسَ مَاءِ الْقَنَاةِ أَوْ الرَّحَى ثُمَّ أَرْسَلَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَظَنَّ الْمُشْتَرِي كَثْرَتَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ أَوْ حَمَّرَ وَجْهَ الْجَارِيَةِ أَوْ سَوَّدَ شَعْرَهَا أَوْ جَعَّدَهُ أَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ عَلَى وَجْهِهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي سَمِينَةً ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا خِلَافًا فِيمَا لَوْ لَطَّخَ ثَوْبَ الْعَبْدِ بِمِدَادٍ أَوْ أَلْبَسَهُ ثَوْبَ الْكُتَّابِ أَوْ الْخَبَّازِينَ وَخُيِّلَ كَوْنُهُ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا فَبَانَ خِلَافُهُ، أَوْ أَكْثَرَ عَلَفَ الْبَهِيمَةِ حَتَّى انْتَفَخَ بَطْنُهَا فَظَنَّهَا الْمُشْتَرِي حَامِلًا أَوْ أَرْسَلَ الزُّنْبُورَ عَلَى ضَرْعِهَا فَانْتَفَخَ فَظَنَّهَا لَبُونًا وَالْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي، وَأَثْبَتَ الْمَالِكِيَّةُ الْخِيَارَ فِي تَلَطُّخِ الثَّوْبِ بِالْمِدَادِ. [فَائِدَة إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ وَاخْتَارَ الرَّدَّ بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ وَاخْتَارَ الرَّدَّ بَعْدَ أَنْ حَلَبَهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا أُلْحِقَ بِهِمَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ الْبَلَدِ أَمْ لَا وَهَذَا مَذْهَبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةُ: يَرُدُّ صَاعًا مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالتَّمْرِ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى التَّمْرِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِصَاعٍ بَلْ يَتَقَدَّرُ الْوَاجِبُ بِقَدْرِ اللَّبَنِ وَيَخْتَلِفُ بِقِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ فَقَدْ يَزِيدُ الْوَاجِبُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَرُدُّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ رَوَاهَا عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ قَدْ سَمِعْت ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ وَلَا الْمُوَطَّإِ عَلَيْهِ وَلَهُ اللَّبَنُ بِمَا عَلَفَ وَضَمِنَ، قِيلَ لَهُ نَرَاك تُضَعِّفُ الْحَدِيثَ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُوضَعُ مَوْضِعُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ نَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ نَعَمْ أَوَلِأَحَدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَأْيٌ؟ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَنَا آخُذُ بِهِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي أَرَى لِأَهْلِ الْبُلْدَانِ إذَا نَزَلَ بِهِمْ هَذَا أَنْ يُعْطُوا الصَّاعَ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَأَهْلُ مِصْرَ عَيْشُهُمْ الْحِنْطَةُ. وَوَافَقَ زُفَرُ الْجُمْهُورَ إلَّا أَنَّهُ خَيَّرَ بَيْنَ رَدِّ صَاعِ تَمْرٍ وَنِصْفِ صَاعِ بُرٍّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا: يَرُدُّ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: كَانَ مِنْ أَكْذِبْ النَّاسِ كَانَ يَقُولُ الْكَرَاكِيُّ تُفَرِّخُ فِي السَّمَاءِ وَلَا تَقَعُ فِرَاخُهَا وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ كَانَ رَافِضِيًّا يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ كُوفِيٌّ صَالِحُ الْحَدِيثِ عَنْ عُنُقِ الشِّيعَةِ. (الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي رَدِّ الصَّاعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ بَاقِيًا أَمْ لَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ رَدُّهُ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ مَلَكَهُ وَاخْتَلَطَ بِالْمَبِيعِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزَ، وَإِذَا أَمْسَكَهُ كَانَ كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ فِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ بَدَلِهِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا؛ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ وَلَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qخِلَافَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ حَمُضَ لَمْ يُكَلَّفْ أَخْذُهُ، وَالْخِلَافُ فِي إخْبَارِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَوْا اخْتِلَافًا فِي صِحَّةِ رَدِّهِ بِاتِّفَاقِهِمَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَصِحُّ رَدُّهُ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَصِحُّ وَهُوَ إقَالَةٌ؛ وَجَزَمَ أَصْحَابُنَا بِجَوَازِهِ بِالتَّرَاضِي وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ عِنْدَ بَقَائِهِ جَازَ وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إبْدَالِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّ التَّمْرَ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ بَلْ أَوْجَبَ رَدَّ التَّمْرِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي اللَّبَنِ الْحَاصِلِ وَقْتَ الْبَيْعِ يَرُدُّهُ وَلَوْ تَغَيَّرَ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ بَدَلَهُ لَبَنًا، وَإِنْ نَقَصَ رَدَّ التَّفَاوُتَ وَلَا يَرُدُّ مَا حَدَثَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ الشِّرَاءِ. (الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) الْحَدِيثُ سَاكِتٌ عَمَّا لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّمْرِ، وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَرُدُّ قِيمَتَهُ بِالْمَدِينَةِ كَذَا جَزَمَ بِهِ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ لَكِنَّهُ حَكَى فِي الْحَاوِي وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهُ بِأَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يُقَالُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ مِنْ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ بَعْدَ ذَلِكَ دَفَعَهُ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ الَّتِي أَعْطَاهَا فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ. (الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ نَصَّ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى إلْحَاقِ الْبَقَرِ بِهِمَا فِي الْخِيَارِ وَفِي رَدِّ الصَّاعِ بَلْ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ تَعَدِّيهِ إلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يَخْتَصُّ بِالْأَنْعَامِ. وَلَوْ اشْتَرَى أَتَانًا فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ لِلَّبَنِ بَدَلًا؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ. وَ (الثَّانِي) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ بَدَلَهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ لِذَهَابِهِ إلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ مَشْرُوبٌ. وَ (الثَّالِثُ) لَا يَرُدُّهَا أَصْلًا لِحَقَارَةِ لَبَنِهَا وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً فَفِيهِ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ غَالِبًا وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ. وَ (الثَّانِي) يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ بَدَلَهُ. (وَالثَّالِثُ) لَا يَرُدُّ بَلْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ. (السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَدْ يُقَالُ إنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَدَدًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِهَا فَوَجَدَ الْكُلَّ مُصَرًّا، وَاخْتَارَ الرَّدَّ رَدَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ اثْنَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْ تَصْرِيَةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَسَخِطَهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَظَاهِرُهُ رَدُّ الصَّاعِ مَعَ الْإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَكِنْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً، فَرَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَرُدُّ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ يَرُدُّ الصَّاعَ عَنْ جَمِيعِهَا تَعَبُّدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَنٍ لِلَّبَنِ وَلَا قِيمَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالثَّانِيَ عَمَّنْ اسْتَعْمَلَ ظَوَاهِرَ الْآثَارِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ الثَّانِيَ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الْأَوَّلَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَمْ أَقِفْ لِأَصْحَابِنَا عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ. (السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَا إذَا رَدَّهَا بِسَبَبِ التَّصْرِيَةِ فَلَوْ رَدَّهَا بِسَبَبٍ آخَرَ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ تَكُونَ مُصَرَّاةً وَرَضِيَ بِإِمْسَاكِهَا كَذَلِكَ ثُمَّ اطَّلَعَ بِهَا عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ. (الثَّانِيَةُ) أَنْ لَا تَكُونَ مُصَرَّاةً فَيَحْلُبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا بِعَيْبٍ. فَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ صَاعًا كَالْمُصَرَّاةِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ بَدَلَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَنًى بِجَمْعِهِ بِخِلَافِ الْمُصَرَّاةِ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْرِيجَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا يَأْخُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ رَدَّ بَدَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى رَدِّ الصَّاعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا مُصَرَّاةٌ وَقَدْ سَخِطَهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَسْخَطْهَا؛ لِأَجْلِ التَّصْرِيَةَ بَلْ لِسَبَبٍ آخَرَ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْحَدِيثُ وَالْقِيَاسُ فِي مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَالِكِيِّ فَلَوْ رَدَّ بِعَيْبٍ غَيْرِهِ فَفِي الصَّاعِ قَوْلَانِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الصُّورَةَ الْأُولَى أَوَالثَّانِيَةَ أَوْ هُمَا مَعًا وَكَذَا عِبَارَةُ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ فَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ التَّمْرِ وَلَا شَيْءَ غَيْرَ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ فِي ضَرْعِهَا إذَا اشْتَرَاهَا. (الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) اعْتَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي مُخَالَفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَاخْتُلِفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي نَاسِخِهِ فَقِيلَ هُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَجَوَابُهُ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ، وَأَنَّ شَرْطَ النَّسْخِ مَعْرِفَةُ التَّارِيخِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا يَقِينٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَيُعْرَفُ التَّارِيخُ فَالْآيَةُ عَامَّةٌ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَقِيلَ: إنَّ النَّاسِخَ لَهُ مَا نَسَخَ الْعُقُوبَاتِ فِي الْغَرَامَاتِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِثْلِ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ شَطْرِ مَالِهِ، وَفِي سَارِقِ التَّمْرِ مِنْ غَيْرِ الْجَرِينِ غَرَامَةٌ مِثْلِيَّةٌ وَجَلَدَاتٌ تُكَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا يُوهِمُ، وَسِعْرُ اللَّبَنِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَرْخَصُ مِنْ سِعْرِ التَّمْرِ، وَالتَّصْرِيَةُ وُجِدَتْ مِنْ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّصْرِيَةِ لَأَشْبَهَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا شَيْءٍ أَوْ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ اللَّبَنِ بِكُلِّ حَالٍ لَا بِمَا قَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ قِيمَةِ اللَّبَنِ أَوْ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ دُونَ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ وَهَلَّا جَعَلَهُ شَبِيهًا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ حِينَ لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَدِّهِ فَقَضَى فِيهِ بِأَمْرٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ؛ ثُمَّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ قَضَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَرَّاةِ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْعُقُوبَاتِ فِي الْأَمْوَالِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَنْسُوخًا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ أَوَاخِرِ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَمَلَ خَبَرَ التَّصْرِيَةِ عَنْهُ فِي آخَرِ عُمُرِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَفْتَى بِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَوْ صَارَ إلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا لَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ بِالتَّوَهُّمِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي ادِّعَاءِ النَّسْخِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ غَيْرُ سَائِغٍ، وَقِيلَ نَسَخَهُ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمُصَرَّاةِ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ فِي ذِمَّتِهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَانَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً وَدَيْنًا بِدَيْنٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي تُغْنِي حِكَايَتُهُ عَنْ جَوَابِهِ أَيْ بَيْعٌ جَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى اللَّبَنِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ؟ وَمِنْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْئًا فَالْمُتْلِفُ غَيْرُ حَاضِرٍ وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّمَانِ غَيْرُ حَاضِرٍ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ حَتَّى لَا نُوجِبَ الضَّمَانَ، وَنَعْدِلَ عَنْ إيجَابِ الضَّمَانِ إلَى حُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ يَكُونُ مَا حَلَبَهُ مِنْ اللَّبَنِ حَاضِرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِنْدَهُ فِي آنِيَتِهِ أَفَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَحَلَّ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ الْحَدِيثُ لَوْ كَانَ يُصَرِّحُ بِنَسْخِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الزَّيْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُوسَى هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ كَيْفَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِ مِمَّا يُوهِمُ قَائِلَ هَذَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. انْتَهَى. وَقِيلَ نَسَخَهُ حَدِيثُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِمَا اشْتَرَاهُ بِخَرَاجِهِ لَهُ فَكَيْفَ يَغْرَمُ بَدَلَهُ لِلْبَائِعِ؟ وَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَرَدَ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ وَبِتَقْدِيرِ عُمُومِهِ فَالْمُشْتَرِي لَمْ يَغْرَمْ بَدَلَ مَا حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا غَرِمَ بَدَلَ اللَّبَنِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) قَالُوا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِقِيَاسِ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ الْأُصُولِ أَنَّ ضَمَانَ الْمِثْلِيَّاتِ بِالْمِثْلِ وَضَمَانَ الْمُقَوَّمَاتِ بِالْقِيمَةِ مِنْ النَّقْدَيْنِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِثْلِيًّا فَيَنْبَغِي ضَمَانُ مِثْلِهِ لَبَنًا، وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَقَدْ ضُمِنَ هُنَا بِالتَّمْرِ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلَيْنِ مَعًا. (الثَّانِي) أَنَّ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ بِقَدْرِ التَّالِفِ وَهُنَا ضُمِنَ اللَّبَنُ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّاعُ قَلَّ اللَّبَنُ أَوْ كَثُرَ. (الثَّالِثُ) أَنَّ اللَّبَنَ التَّالِفَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْمَبِيعِ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا بِمَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مَنَعَ الرَّدَّ وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ. (الرَّابِعُ) إثْبَاتُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ فَإِنَّ الْخِيَارَاتِ الثَّابِتَةَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا تَتَقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِمَا. (الْخَامِسُ) يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِظَاهِرِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْبَائِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ مَعَ الصَّاعِ الَّذِي هُوَ مِقْدَارُ ثَمَنِهَا. (السَّادِسُ) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الرِّبَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِصَاعٍ فَإِذَا اسْتَرَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ فَقَدْ اسْتَرْجَعَ الصَّاعَ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ صَاعًا وَشَاةً وَذَلِكَ مِنْ الرِّبَا عِنْدَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَمْنَعُونَ مِثْلَ ذَلِكَ. (السَّابِعُ) إذَا كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا لَمْ يُكَلَّفْ رَدَّهُ عِنْدَكُمْ فَإِذَا أَمْسَكَهُ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَلِفَ فَيَرُدُّ الصَّاعَ وَفِي ذَلِكَ ضَمَانُ الْأَعْيَانِ مَعَ بَقَائِهَا وَالْأَعْيَانُ لَا تُضْمَنُ بِالْبَدَلِ إلَّا مَعَ فَوَاتِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَسَائِرِ الْمَضْمُونَاتِ. (الثَّامِنُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ أَثْبَتَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ اللَّبَنِ لَوْ كَانَ عَيْبًا لَثَبَتَ بِهِ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيَةٍ وَلَا يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ شَرْطٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّمَانِيَةَ، وَأَنَّهُمْ رَتَّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ظَنِّيٌّ، وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِالطَّعْنِ فِي الْمَقَامَيْنِ مَعًا أَعْنِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، وَأَنَّهُ إذَا خَالَفَ الْأُصُولَ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ. (أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ) فَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ وَمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَخَصَّ الرَّدَّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِمُخَالَفَةِ الْأُصُولِ لَا لِمُخَالَفَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَهَذَا الْخَبَرُ إنَّمَا يُخَالِفُ قِيَاسَ الْأُصُولِ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ قَالَ: وَسَلَكَ آخَرُونَ تَخْرِيجَ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ. وَالْجَوَابُ عَنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَمِيعَ الْأُصُولِ تَقْتَضِي الضَّمَانَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ فَإِنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِالْإِبِلِ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ لَهُ وَلَا قِيمَةٍ وَالْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ وَلَيْسَتْ بِمِثْلٍ لَهُ وَلَا قِيمَةٍ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِالْقِيمَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ الْمُمَاثَلَةُ كَمَنْ أَتْلَفَ شَاةً لَبُونًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَعَ اللَّبَنِ وَلَا يُجْعَلُ بِإِزَاءِ لَبَنِهَا لَبَنٌ آخَرُ؛ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا تَتَحَقَّقُ مُمَاثَلَةُ مَا يَرُدُّهُ مِنْ اللَّبَنِ عِوَضًا عَنْ اللَّبَنِ التَّالِفِ فِي الْقَدْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ. (قُلْتُ) وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمِثْلِيَّاتِ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ وَبَعْضَ الْمُتَقَوِّمَاتِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَبَعْضُ الْأَشْيَاءِ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ مَعًا وَبَعْضُ الْمُتَقَوِّمَاتِ يُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَوَجَدْنَا صُورَةً يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَضْمُونُ بِحَسَبِ الضَّامِنِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ بِتَفَاصِيلِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ السُّنَّةَ إذَا وَرَدَتْ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهَا بِالْمَعْقُولِ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِهِ بِصَاعِ التَّمْرِ فَلِأَنَّهُ كَانَ غَالِبَ قُوتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ بَلْ وَجَبَ صَاعٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا يَرْجِعُ إلَيْهِ وَيَزُولُ بِهِ التَّخَاصُمُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرِيصًا عَلَى رَفْعِ الْخِصَامِ وَالْمَنْعِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ. وَقَدْ يَقَعُ بَيْعُ الْمُصَرَّاةِ فِي الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَفِي مَوَاضِعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يُوجَدُ بِهَا مَنْ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِيهَا. وَقَدْ يَتْلَفُ اللَّبَنُ وَيَتَنَازَعُونَ فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَفِي عَيْنِهِ فَجَعَلَ الشَّرْعُ لَهُمْ ضَابِطًا لَا نِزَاعَ مَعَهُ وَهُوَ صَاعُ تَمْرٍ وَنَظِيرُ هَذَا الدِّيَةُ فَإِنَّهَا مِائَةُ بَعِيرٍ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْقَتِيلِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَمِثْلُهُ الْغُرَّةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَامَّ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقِصَهَا جَمِيلًا أَوْ قَبِيحًا، وَمِثْلُهُ الْجُبْرَانُ فِي الزَّكَاةِ بَيْنَ السِّنِينَ جَعَلَهُ الشَّرْعُ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي) فَقِيلَ فِي جَوَابِهِ: إنَّ بَعْضَ الْأُصُولِ لَا يَتَقَدَّرُ بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ كَالْمُوضِحَةِ فَإِنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ مَعَ اخْتِلَافِهَا بِالْكِبْرِ وَالصِّغَرِ، وَالْجَنِينُ مُقَدَّرٌ وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، وَالْحُرُّ دِيَتُهُ مَقْدِرَةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبْرِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ مَا يَقَعُ فِيهِ التَّنَازُعُ وَالتَّشَاجُرُ يَقْصِدُ قَطْعَ النِّزَاعِ فِيهِ بِتَقْدِيرِهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَتُقَدَّمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ. قَالَ: (وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ) فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: مَتَى يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالنَّقْصِ إذَا كَانَ النَّقْصُ لِاسْتِعْلَامِ الْعَيْبِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَمْنُوعًا وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ. وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ) فَإِنَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مُمَاثِلًا لَهُ وَخُولِفَ فِي حُكْمٍ وَهَا هُنَا هَذِهِ الصُّورَةُ انْفَرَدَتْ عَنْ غَيْرِهَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَبَيَّنُ فِيهَا لَبَنُ الْحَلْبَةِ الْمُجْتَمِعُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَاللَّبَنُ الْمُجْتَمِعُ بِالتَّدْلِيسِ فَهِيَ مُدَّةٌ يَتَوَقَّفُ عِلْمُ الْغَيْبِ عَلَيْهَا غَالِبًا بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لِاسْتِعْلَامِ عَيْبٍ. وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسُ) فَقَدْ قِيلَ فِيهِ: إنَّ الْخَبَرَ وَارِدٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْعَادَةُ أَنْ لَا تُبَاعَ شَاةٌ بِصَاعٍ وَفِي هَذَا ضَعْفٌ. وَقِيلَ: إنَّ صَاعَ التَّمْرِ بَدَلٌ عَنْ اللَّبَنِ لَا عَنْ الشَّاةِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ (قُلْت) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ السَّادِسُ) فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِفِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ تَقَابَلَا فِي هَذَا الْعَقْدِ لَجَازَ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ السَّابِعُ) فَجَوَابُهُ فِيمَا قِيلَ إنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّبَنَ الَّذِي كَانَ فِي الضَّرْعِ حَالَ الْعَقْدِ يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ لِاخْتِلَاطِهِ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأَحَدُهُمَا لِلْبَائِعِ وَالْآخَرُ لِلْمُشْتَرِي، وَتَعَذُّرُ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ مِنْ الضَّمَانِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ. وَأَمَّا (الِاعْتِرَاضُ الثَّامِنُ) فَقِيلَ فِيهِ إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالتَّدْلِيسِ وَهَذَا مِنْهُ. قَالَ: وَأَمَّا (الْمَقَامُ الثَّانِي) وَهُوَ النِّزَاعُ فِي تَقْدِيمِ قِيَاسِ الْأُصُولِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَقِيلَ فِيهِ: إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ اعْتِبَارَ الْأُصُولِ نَصُّ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ بِاعْتِبَارِ الْقَطْعِ وَكَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَظْنُونًا فَيَتَنَاوَلُ الْأَصْلَ لِمَحَلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ؛ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَقْوَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِالِاعْتِذَارَاتِ عَنْ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِشَرْطِ أَنَّهَا تَحْلُبُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَثَلًا، وَشَرَطَ الْخِيَارَ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بَطَلَ. وَأَمَّا رَدُّ الصَّاعِ فَلِأَنَّهُ كَانَ قِيمَةُ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالتَّصْرِيَةِ، وَمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي تَعْلِيقَهُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ تَصْرِيَةٌ أَمْ لَا. انْتَهَى. (التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) قَوْلُهُ فِي أَحَدِ لَفْظَيْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ) تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ السَّمْرَاءَ وَهِيَ الْقَمْحُ لَا تُجْزِئُ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ لِفَهْمِ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ أَغْلَى الْأَقْوَاتِ، وَأَنْفَسُهَا فَإِذَا لَمْ يُجْزِئْ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ (صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالطَّعَامِ الْمَذْكُورِ فِيهِ التَّمْرَ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَعَلَى هَذَا مَشَى الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْمَذْكُورِ فِيهِ التَّمْرُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مُطْلَقَ الطَّعَامِ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُ السَّمْرَاءَ وَخَرَّجَ مَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهَا مِنْ الْأَقْوَاتِ وَالْخُضَرِ لِلْأَمْرِ فِي التَّمْرِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَعُودُ فِي الْمَعْنَى لِلَّذِي قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي التَّقْدِيرِ. [فَائِدَة اشْتَرَى نَخْلًا قَدْ أُبِّرَ فَأَكَلَ الثَّمَرَ ثُمَّ رَدَّ النَّخْلَ بِعَيْبِ] 1 (الْخَمْسُونَ) نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى نَخْلًا وَفِيهَا ثَمَرٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ أَوْ تَنَاجَشُوا أَوْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا أَوْ إنَائِهَا وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّمَا رِزْقُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ..   Qقَدْ أُبِّرَ أَوْ أَمَةً حَامِلًا فَأَكَلَ الثَّمَرَ أَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ ثُمَّ رَدَّ النَّخْلَ أَوْ الْأَمَةَ بِعَيْبٍ أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ التَّالِفِ؛ لِأَنَّ لَهُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُصَرَّاةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ فِي الثَّمَرَةِ، وَقَالَ: الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي بِالضَّمَانِ. قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ. انْتَهَى. وَمُرَادُهُ فِي الثَّمَرِ الْمُؤَبَّرِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِإِدْخَالِهِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَكُونُ لِلْبَائِعِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْقَهْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ. [حَدِيث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ أَوْ تَنَاجَشُوا أَوْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَوْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا وَلِتُنْكَحَ فَإِنَّمَا رِزْقُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (أَوْ تَنَاجَشُوا) وَكَذَا فِي رِوَايَتِنَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلٌّ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَأَوْ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالتَّقْدِيرُ نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَأَنْ تَنَاجَشُوا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ (نَهَى أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَلَا تَنَاجَشُوا) وَكَذَا أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَخْطُبَ أَوْ يَبِيعَ وَقَوْلُهُ يَخْطُبَ وَيَبِيعَ مَنْصُوبَانِ بِتَقْدِيرِ أَنْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْخِطْبَةُ هُنَا بِكَسْرِ الْخَاءِ. وَأَمَّا الْخُطْبَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا فَبِضَمِّهَا. وَقَوْلُهُ (وَلَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ) بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى النَّهْيِ وَكُسِرَتْ اللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ وَيَدُلُّ لَهُ عَطْفُهُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ (وَلْتَنْكِحْ) عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ سَنَحْكِيهِمَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَجُوزُ فِي تَسْأَلْ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ الْأَوَّلُ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا يَخْطُبُ وَلَا يَسُومُ وَالثَّانِي عَلَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ وَقَوْلُهُ (لِتَكْتَفِئَ) هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ كَفَأْت الْإِنَاءَ إذَا قَلَبْته، وَأَفْرَغْت مَا فِيهِ. وَأَمَّا أَكْفَأْت الْإِنَاءَ فَهُوَ بِمَعْنَى أَمَلْته هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِمَا، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَكْفَأْت الْإِنَاءَ كَبَبْتُهُ، وَأَكْفَأْتُهُ أَمَلْتُهُ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ خِطْبَةِ الرَّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَلَيْسَ بِنَهْيِ تَحْرِيمِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. (قُلْت) كَأَنَّ الْخَطَّابِيَّ فَهِمَ مِنْ كَوْنِ الْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّهْيَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْفُقَهَاءُ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِشُرُوطِهِ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مَحَلُّ التَّحْرِيمِ مَا إذَا صُرِّحَ لِلْخَاطِبِ بِالْإِجَابَةِ بِأَنْ يَقُولَ أَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ أَوْ يَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فِي أَنْ يُزَوِّجَهَا إيَّاهُ وَهِيَ مُعْتَبَرَةُ الْإِذْنِ فَلَوْ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِالْإِجَابَةِ لَكِنْ وُجِدَ تَعْرِيضٌ كَقَوْلِهَا لَا رَغْبَةَ عَنْك فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: تَجُوزُ. وَحَكَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ تَحْرِيمَ الْخِطْبَةِ عِنْدَ التَّعْرِيضِ أَيْضًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ التَّعْرِيضِ وَتَصْحِيحِ التَّحْرِيمِ: وَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ إذَا حَصَلَتْ الْإِجَابَةُ بِحَدِيثِ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ خَطَبَنِي مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَهْمٍ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِطْبَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فَيُقَالُ لَعَلَّ الثَّانِيَ لَمْ يَعْلَمْ بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ بِأُسَامَةَ لَا أَنَّهُ خَطَبَ لَهُ. انْتَهَى. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَلَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهَا مَا فِي أَبِي جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةَ مِمَّا يُرَغِّبُ عَنْهُمَا رَغِبَتْ عَنْهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَخَطَبَهَا حِينَئِذٍ عَلَى أُسَامَةَ، وَقَالَ أَيْضًا: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أَبِي الْجَهْمِ وَمُعَاوِيَةَ أُجِيبَ لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا. (قُلْت) وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فِي صُورَةِ التَّعْرِيضِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا وَالرُّكُونِ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ هَذَا عِنْدَنَا إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَرَضِيَتْ بِهِ وَرَكَنَتْ إلَيْهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ. وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ رِضَاهَا أَوْ رُكُونَهَا إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَهَا وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ فَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ فَاطِمَةَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِرِضَاهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ لَمْ يُشِرْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الَّذِي ذَكَرَتْ. انْتَهَى. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ رَدَّتْهُ فَلِلْغَيْرِ خِطْبَتُهَا قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ إجَابَةٌ وَلَا رَدٌّ فَقَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالْجَوَازِ، وَأَجْرَى بَعْضُهُمْ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَالُوا وَيَجُوزُ الْهُجُومُ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ لَمْ يَدْرِ أَخُطِبَتْ أَمْ لَا؛ وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أُجِيبَ خَاطِبُهَا أَمْ رُدَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ أُجِيبَ أَمْ لَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْمُعْتَبَرُ رَدُّ الْوَلِيِّ، وَإِجَابَتُهُ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَإِلَّا فَرَدُّهَا، وَإِجَابَتُهَا؛ وَفِي الْأَمَةِ رَدُّ السَّيِّدِ، وَإِجَابَتُهُ وَفِي الْمَجْنُونَةِ رَدُّ السُّلْطَانِ، وَإِجَابَتُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَا الْإِطْلَاقُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْخَاطِبُ غَيْرُ كُفْءٍ يَكُونُ النِّكَاحُ مُتَوَقِّفًا عَلَى رِضَى الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ مَعًا وَحِينَئِذٍ فَيُعْتَبَرُ فِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ إجَابَتُهُمَا مَعًا وَفِي الْجَوَازِ رَدُّهُمَا أَوْ رَدُّ أَحَدِهِمَا. قَالَ: وَأَيْضًا فَيَنْبَغِي فِيمَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِالْوَلِيِّ مُخَرَّجًا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَعَيَّنَ الْمُجْبِرُ كُفُؤًا آخَرَ هَلْ الْمُجَابُ تَعْيِينُهَا أَمْ تَعْيِينُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي اعْتِبَارِ تَصْرِيحِ الْإِجَابَةِ هُوَ فِي الثَّيِّبُ أَمَّا الْبِكْرُ فَسُكُوتُهَا كَصَرِيحِ إذْنِ الثَّيِّبِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ: فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ النَّهْيَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَاضِيَةً قَالَ وَرِضَاهَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَنْ تَأْذَنَ فِي النِّكَاحِ بِنِعَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَنْ تَسْكُتَ فَيَكُونَ ذَلِكَ إذْنًا. انْتَهَى. وَحَيْثُ اشْتَرَطْنَا التَّصْرِيحَ بِالْإِجَابَةِ فَلَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْإِذْنِ لِلْوَلِيِّ فِي زَوَاجِهَا لَهُ فَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ فِي ذَلِكَ لَمْ تَحْرُمْ الْخِطْبَةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنًى فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ وَاسْتَشْكَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ: وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْعُمُومَ الَّذِي قَصَدَ بِهِ تَقْعِيدَ قَاعِدَةٍ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ مَا أَنْكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ. (قُلْت) : لَيْسَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَحْمِلْ الشَّافِعِيُّ النَّهْيَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ بَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَخْطُوبَةٍ لَكِنْ إذَا لَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِهَا فَلَيْسَ بِيَدِ الْخَاطِبِ شَيْءٌ يَتَمَسَّكُ بِهِ، وَزَادَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الرِّضَا بِالزَّوْجِ تَسْمِيَةَ الْمَهْرِ وَهَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ. (الْخَامِسَةُ) وَمَحَلُّ التَّحْرِيمِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْخَاطِبُ لِغَيْرِهِ فِي الْخِطْبَةِ فَإِنْ أَذِنَ ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ فِي الْخِطْبَةِ هَلْ لِغَيْرِهِ الْخِطْبَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لِشَخْصٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْخِطْبَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ لِخَاطِبَيْنِ أَوْ لَيْسَ لِغَيْرِهِ الْخِطْبَةُ إذْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَزَوَالُ الْمَنْعِ إنَّمَا كَانَ لِلْإِذْنِ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ. (السَّادِسَةُ) وَمَحَلُّ التَّحْرِيمِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَتْرُكْ الْخَاطِبُ الْخِطْبَةَ وَيُعْرِضْ عَنْهَا فَإِنْ تَرَكَ جَازَ لِغَيْرِهِ الْخِطْبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ» وَقَوْلُهُ حَتَّى يَذَرَ يَعُودُ لِلْجُمْلَتَيْنِ مَعًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ قَالَ فِيهِ: حَتَّى يَذَرَ بَعْدَ كُلٍّ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ. (السَّابِعَةُ) وَمَحَلُّ التَّحْرِيمِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْخِطْبَةُ الْأُولَى جَائِزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالْوَاقِعَةِ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ. (الثَّامِنَةُ) وَمَحَلُّ التَّحْرِيمِ أَيْضًا إذَا لَمْ تَأْذَنْ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِمَّنْ يَشَاءُ فَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ كَذَلِكَ صَحَّ وَحَلَّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِمَّنْ يَشَاءُ عَائِدًا عَلَى الْوَلِيِّ فَيَنْبَغِي إذَا أَجَابَ الْوَلِيُّ الْخَاطِبَ الْأَوَّلَ أَنْ يَحْرُمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى غَيْرِهِ الْخِطْبَةُ، وَإِنْ كَانَ عَائِدًا عَلَى الْخَاطِبِ فَإِذَا خَطَبَهَا شَخْصٌ فَقَدْ شَاءَ تَزْوِيجَهَا وَقَدْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا مِمَّنْ يَشَاءُ هُوَ تَزْوِيجَهَا فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إجَابَتُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَجَابَتْهُ بِالْوَصْفِ، وَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ بِالتَّعْيِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ] 1 (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ التَّحْرِيمِ بِمَا إذَا كَانَ الْخَاطِبُ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا تَحْرِيمَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ» فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِخِطْبَةِ الْمُسْلِمِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْكَافِرِ أَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَهُمْ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَخِيهِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ يَعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} [الأنعام: 151] وقَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] وَنَظَائِرُهُ. [فَائِدَة الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فَاسِقًا أَوْ لَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ وَعُمُومُهَا وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ إلَى تَجْوِيزِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي هَذَا. اهـ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ إذْ الْفِسْقُ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. [فَائِدَة تَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ النِّكَاحِ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) حَيْثُ مَنَعْنَا الْخِطْبَةَ عَلَى الْخِطْبَةِ فَارْتَكَبَ النَّهْيَ وَخَطَبَ وَتَزَوَّجَ أَثِمَ بِفِعْلِهِ وَصَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يُفْسَخْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ دَاوُد: يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَاحْتِجَاجُ الْقَائِلِ بِالْبُطْلَانِ بِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْخِطْبَةَ وَالْخِطْبَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ إذَا فَسَدَتْ فَسَدَ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ خِطْبَةٍ جَازَ فَتَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خِطْبَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ امْرَأَةٍ أُخْرَى] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ خِطْبَةِ الرَّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ خِطْبَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِأَنْ تَرْغَبَ امْرَأَةٌ فِي تَزْوِيجِ رَجُلٍ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَهْلِ الْفَضْلِ وَتَخْطُبُهُ فَيَرْكَنُ إلَى التَّزَوُّجِ بِهَا فَتَجِيءُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَتَخْطُبُهُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ فَقَالَ: نَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ خِطْبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَأْتِي فِي التَّحْرِيمِ مَا سَبَقَ فِي الْمَرْأَةِ. انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ لِرَجُلَيْنِ وَيُمْكِنُ تَزْوِيجُ الرَّجُلِ بِامْرَأَتَيْنِ (قُلْت) الصُّورَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَزَمَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَيْثُ إنْ عَرَضَتْ الثَّانِيَةُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا يَصْرِفُهُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِالْأُولَى لِتَمَيُّزِهَا عَلَيْهَا فِي الْأَوْصَافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلرَّغْبَةِ. [فَائِدَة تَسْأَلَ الزَّوْجَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَأَنْ يَنْكِحَهَا] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي قَوْلَهُ (وَلَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) نَهَى الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ أَنْ تَسْأَلَ الزَّوْجَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ، وَأَنْ يَنْكِحَهَا وَيُصَيِّرَ لَهَا مِنْ نَفَقَتِهِ وَمَعْرُوفِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ وَنَحْوِهَا مَا كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاكْتِفَاءِ مَا فِي الصَّحْفَةِ مَجَازًا وَالْمُرَادُ بِأُخْتِهَا غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أُخْتَهَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ أُخْتَهَا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرَةً. انْتَهَى. وَحَمَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأُخْتَ هُنَا عَلَى الضَّرَّةِ فَقَالَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا لِتَنْفَرِدَ بِهِ. انْتَهَى. وَرَدَّهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَاكِحَةً وَحَمَلَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ الْأُخْتَ عَلَى الْأُخْتِ فِي الدِّينِ فَقَالَ أَرَادَ أُخْتَهَا مِنْ الدِّينِ فَإِنَّهَا مِنْ النَّسَبِ لَا تَجْتَمِعُ مَعَهَا قَالَ وَالِدِي: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا زَادَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ (فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ) وَحَمَلَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ الْمَذْكُورُ الْحَدِيثَ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَحْكَامِهِ بِلَفْظِ (نَهَى أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ) وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ (ذِكْرُ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الشُّرُوطِ) وَعَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَيْسَ هَذَا لَفْظَهُ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ «لَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتُكْفِئَ إنَاءَهَا» ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْبَيْهَقِيُّ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا مُوَافَقَةَ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ قَالَ: نَعَمْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (بَابُ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ) وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا (لَا تَشْتَرِطْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا   Qأَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا» . [فَائِدَة تَسْأَلَ الْمُسْلِمَةُ طَلَاقَ الْكَافِرَةِ] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ هُنَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ (لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) فَعَلَى مَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ حَرْبَوَيْهِ لَا يَحْرُمُ أَنْ تَسْأَلَ الْمُسْلِمَةُ طَلَاقَ الْكَافِرَةِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَا فَرْقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ سَوَّى فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) وَيَنْبَغِي عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْئُولُ طَلَاقَهَا فَاسِقَةً وَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَا فَرْقَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا مَا إذَا سَأَلَتْ طَلَاقَهَا لِمَعْنًى آخَرَ كَرِيبَةٍ فِيهَا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَجْلِهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ أَوْ يَحْصُلُ لِلزَّوْجِ مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ سُؤَالُهَا ذَلِكَ بِعِوَضٍ فَيَكُونُ خُلْعًا مَعَ أَجْنَبِيٍّ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (وَلْتَنْكِحْ) رُوِيَ بِالْجَزْمِ عَلَى الْأَمْرِ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ فِي اللَّازِمِ الْإِسْكَانُ وَالْكَسْرُ وَرُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِتَكْستَفِئَ فَيَكُونُ تَعْلِيلًا لِسُؤَالِهَا طَلَاقَ أُخْتِهَا أَيْ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إنَائِهَا وَلِتَنْكِحَ زَوْجَهَا وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ فِي اللَّازِمِ الْكَسْرُ. (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَمْرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَلْتَنْكِحْ ذَلِكَ الرَّجُلَ مَعَ وُجُودِ الضَّرَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأُخْتَ مِنْ النَّسَبِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَيُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي إدْخَالِهِ الْأُخْتَ مِنْ النَّسَبِ تَحْتَ اللَّفْظِ وَلَعَلَّهُ لَا يَرَى هَذَا الِاحْتِمَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَلْتَنْكِحْ غَيْرَهُ وَتُعْرِضْ عَنْ نِكَاحِ هَذَا الرَّجُلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَعَمُّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ أَيْ وَلْتَنْكِحْ مَنْ تَيَسَّرَ لَهَا هَذَا الرَّجُلَ أَوْ غَيْرَهُ مَعَ انْكِفَافِهَا عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ فَيَمْتَنِعُ أَيْضًا إرَادَةُ أُخْتِ النَّسَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إذَا مَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لِقْحَةً مُصَرَّاةَ أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً] (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لِقْحَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 مَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لِقْحَةً مُصَرَّاةَ أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إمَّا رَضِيَ، وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي   Qمُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إمَّا رَضِيَ، وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعُ تَمْرٍ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ سِوَى مَا تَقَدَّمَ (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ إذَا مَا اشْتَرَى كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَا زَائِدَةٌ وَكَذَا هِيَ زَائِدَةٌ فِي قَوْلِهِ إمَّا رَضِيَ وَالْأَصْلُ إنْ رَضِيَ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَخَذَهَا أَوْ لَمْ يَرُدَّهَا. (الثَّالِثَةُ) اللِّقْحَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ، بَعْدَهَا قَافٌ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَهِيَ النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ نَحْوَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَحَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَفِي الْمَشَارِقِ عَنْ ثَعْلَبٍ بَعْدَ أَنْ صَدَّرَا كَلَامَهُمَا بِأَنَّهَا ذَاتُ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَالْجَمْعُ لِقَحٌ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ. وَحَكَى فِي الْمُحْكَمِ جَمْعَهُ أَيْضًا عَلَى لِقَاحٍ قَالَ فَأَمَّا لِقَحٌ فَهُوَ الْقِيَاسُ. وَأَمَّا لِقَاحٌ فَقَالَ سِيبَوَيْهِ كَسَّرُوا فِعْلَةً عَلَى فَعَالٍ كَمَا كَسَّرُوا فِعْلَةً عَلَيْهِ حِينَ قَالُوا جِفْرَةٌ وَجِفَارٌ. انْتَهَى. ثُمَّ اعْرِفْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي اللُّغَةِ اخْتِصَاصُ اللِّقْحَةِ بِالْإِبِلِ لَكِنْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إطْلَاقُهَا عَلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي قَوْلِهِ وَاللِّقْحَةُ مِنْ الْبَقَرِ وَاللِّقْحَةُ مِنْ الْغَنَمِ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمَشَارِقِ. (وَثَانِيَهُمَا) ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللِّقْحَةَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا وَاللَّقُوحَ بِفَتْحِ اللَّامِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَغَايَرَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُحْكَمِ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ النَّاقَةُ لَقُوحٌ أَوَّلُ نِتَاجِهَا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَقِيلَ اللَّقُوحُ الْحَلُوبَةُ، وَجَمْعُ اللَّقُوحِ لِقَحٌ وَلَقَائِحُ وَلِقَاحٌ ثُمَّ قَالَ وَاللِّقْحَةُ: النَّاقَةُ مِنْ حِينِ يَسْمُنُ سَنَامُ وَلَدِهَا ثُمَّ لَا يَزَالُ ذَلِكَ اسْمُهَا حَتَّى يَمْضِيَ لَهَا سَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَيُفْصَلُ وَلَدُهَا وَذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ سُهَيْلٍ وَالْجَمْعُ لِقَحٌ وَلِقَاحٌ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ اللِّقْحَةُ وَاللِّقْحَةُ النَّاقَةُ الْحَلُوبُ. انْتَهَى. وَكَذَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ اللِّقْحَةُ النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالنِّتَاجِ وَنَاقَةٌ لَقُوحٌ إذَا كَانَتْ عَزِيزَةً وَنَاقَةٌ لَاقِحٌ إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَنُوقٌ لَوَاقِحُ وَاللِّقَاحُ ذَوَاتُ الْأَلْبَانِ وَالْوَاحِدَةُ لَقُوحٌ. انْتَهَى. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 رِوَايَةٍ (لَا سَمْرَاءَ) وَلَهُ «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» قَالَ الْبُخَارِيُّ (وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ) وَلِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً وَمُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ مَاجَهْ (مُحَفَّلَةً) وَلِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ وَكَذَّبَهُ ابْنُ نُمَيْرٍ وَابْنُ حِبَّانَ   Qفَلْيَرُدَّهَا) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَجِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي نَظِيرِهِ أَنَّهُ مَفْتُوحُ الدَّالِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ فِيهِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ كَمَا حَكَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ (إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ) . وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ قَبْلَهُ فِي أَنَّ الضَّمَّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مُرَاعَاةٌ لِلْوَاوِ الَّتِي تُوجِبُهَا ضَمَّةُ الْهَاءِ بَعْدَهَا لِخَفَاءِ الْهَاءِ فَكَأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَلِيَ الْوَاوَ وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْوَاوِ إلَّا مَضْمُومًا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةٌ لِلضَّمَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْحَرْفِ الْمُضَاعَفِ حَتَّى يَطَّرِدَ فِيمَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ ضَمِيرٌ مُؤَنَّثٌ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ ضَمِيرٍ مُثَنًّى أَوْ جَمْعٍ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ ضَمِيرٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته. وَقَدْ مَثَّلَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مَدَّ مَدَّ مَدَّ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ ضَمِيرٌ أَصْلًا. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى - {لا يَضُرُّكُمْ} [آل عمران: 120] قِيلَ حَقُّهُ الْجَزْمُ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ حُرِّكَ بِالضَّمِّ اتِّبَاعًا لِضَمَّةِ الضَّادِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: حَكَى النَّحْوِيُّونَ (لَمْ تَرُدُّهَا) بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ مَجْزُومٌ لَكِنَّهُ لَمَّا احْتَاجَ إلَى حَرَكَةِ الدَّالِ أَتْبَعَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلِبْسَتَيْنِ أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ فِي إزَارِهِ إذَا مَا صَلَّى إلَّا أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَنَهَى عَنْ اللَّمْسِ وَالنَّجْشِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ   Qمَا قَبْلَهَا وَهُوَ حَرَكَةُ الصَّادِ. انْتَهَى. فَنُقِلَ عَنْ النُّحَاةِ الضَّمُّ اتِّبَاعًا مَعَ دُخُولِ الضَّمِيرِ لِلْمُفْرَدِ الْمُؤَنَّثِ وَفِي الْإِفْصَاحِ حَكَى الْكُوفِيُّونَ رَدَّهَا بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَرَدَّهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ. انْتَهَى. وَإِنَّمَا حَكَيْت عِبَارَاتِهِمْ لِيَتَّضِحَ الرَّدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِكَلَامِهِ لِجَلَالَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ] (الْحَدِيثُ السَّادِسُ) وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَلِبْسَتَيْنِ أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ فِي إزَارِهِ إذَا مَا صَلَّى إلَّا أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَنَهَى عَنْ اللَّمْسِ وَالنَّجْشِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) الرِّوَايَةُ الْأُولَى فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَأَبِي الزِّنَادِ كِلَاهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 «وَعَنْ صِيَامَيْنِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ» وَزَادَ مُسْلِمٌ «أَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ التَّفْسِيرَ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ..   Qعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ جَمَاعَةٍ رِوَايَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. انْتَهَى. وَأَسْقَطَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذِكْرَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّرَاجِمِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا كَانَ جَمِيعُهُ عَنْ رِوَايَتَيْنِ ثِقَتَيْنِ جَازَ حَذْفُ أَحَدِهِمَا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْهُمَا مُقْتَصِرَيْنِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَقَطْ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ فَقَطْ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَاقْتَصَرَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَلَى الْبَيْعَتَيْنِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْبَيْعَتَيْنِ فَقَطْ وَزَادَ أَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ لَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ التَّفْسِيرَ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا قِصَّةَ الْبَيْعَتَيْنِ بِدُونِ تَفْسِيرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ: وَرُوِيَ بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى اسْمِ الْفِعْلِ وَالْأَوَّلُ هُنَا أَوْجَهُ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: رُوِيَ بِالضَّمِّ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْأَوَّلُ الْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَرَّةُ مِنْ الْبَيْعِ وَلِمَا فَصَّلَ ذِكْرَ الْبَيْعَتَيْنِ قَبْلَ اللِّبْسَتَيْنِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٌ. وَلِأَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسَهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولَ صَاحِبُهُ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُك مَقَامَ نَظَرِك وَلَا خِيَارَ لَك إذَا رَأَيْتَهُ. (الثَّانِي) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا فَيَقُولُ إذَا لَمْسَتَهُ فَهُوَ مَبِيعٌ لَك. (الثَّالِثُ) أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهُ انْقَطَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ يُوَافِقُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَكَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا. (أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ) فَوَاضِحٌ إنْ أَبْطَلْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ. وَأَمَّا إذَا صَحَّحْنَاهُ فَلِإِقَامَةِ اللَّمْسِ مَقَامَ النَّظَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَرَّجُ عَلَى نَفْيِ شَرْطِ الْخِيَارِ. (وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي) فَالتَّعْلِيقُ فِي الصِّيغَةِ وَعُدُولُهُ عَنْ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ شَرْعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا مِنْ صُوَرِ الْمُعَاطَاةِ (وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ) فَلِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ. [فَائِدَة بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ] 1 (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْضًا وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ ثَوْبَهُ لِلْآخَرِ لَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يَقْلِبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إلَيْهِ وَلِأَصْحَابِنَا فِي تَفْسِيرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا وَهُوَ تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ. (وَالثَّانِي) أَنْ يَقُولَ بِعْتُك فَإِذَا نَبَذْتُهُ إلَيْك انْقَطَعَ الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ. وَ (الثَّالِثُ) الْمُرَادُ نَبْذُ الْحَصَاة وَفِي بَيْعِ الْحَصَاةِ تَأْوِيلَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَقُولَ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ. وَ (الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ بِعْتُك عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إلَى أَنْ أَرْمِيَ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ. وَ (الثَّالِثُ) أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بِالْحَصَاةِ بَيْعًا فَيَقُولَ إذَا رَمَيْت هَذَا الثَّوْبَ بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيعٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْك بِكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَاطَاةِ وَبَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَإِذَا عُلِّلَ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَإِذَا فُسِّرَ بِأَمْرٍ لَا يَعُودُ إلَى ذَلِكَ اُحْتِيجَ حِينَئِذٍ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُعَاطَاةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا. (قُلْت) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُعَاطَاةَ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْمُحَقَّرَاتِ أَوْ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِالْمُعَاطَاةِ، وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ عِنْدَ مَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا لَا يَخُصُّهُمَا بِذَلِكَ لَكِنْ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ فَنَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْرِي فِي بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُعَاطَاةِ فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قَرِينَةِ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعَاطَاةُ بِعَيْنِهَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ فِي حُكْمِ الْمُعَاطَاةِ. انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. [فَائِدَة بَيْعِ الْغَائِبِ] 1 {الْخَامِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ بَيْعِ الْغَائِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) : الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ. وَ (الثَّانِي) الصِّحَّةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ وُصِفَ أَمْ لَا وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ مَالِكٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي الْقَاسِم الْقَزْوِينِيِّ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إجَازَةُ بَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ إذَا نَظَرَ إلَيْهِ وَافَقَ الصِّفَةَ أَوْ لَمْ يُوَافِقْهَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ سَوَاءٌ، قَالَ هَذَا فِي كُتُبِهِ الْمِصْرِيَّةِ. انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْرَفُ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي كُتُبِهِ الْمِصْرِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَ (الثَّالِثُ) الصِّحَّةُ إنْ وُصِفَ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّرْفِ مِنْ الْجَدِيدِ وَصَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الْمَبِيعِ وَنَوْعِهِ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى النَّوْعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْجِنْسِ أَيْضًا فَيَقُولُ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي أَوْ كَفِّي أَوْ خِزَانَتِي أَوْ مِيرَاثِي مِنْ فُلَانٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ وَهُمَا شَاذَّانِ ضَعِيفَانِ. وَفِي وَجْهٍ يُفْتَقَرُ إلَى ذِكْرِ مُعْظَمِ الصِّفَاتِ وَضَبْطِ ذَلِكَ بِمَا يَصِفُهُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَفِي وَجْهٍ يُفْتَقَرُ إلَى صِفَاتِ السَّلَمِ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ. وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لَمْ يُجَوِّزُوا بَيْعَ الْغَائِبِ إلَّا مَعَ وَصْفِهِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَصْفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِهِ وَاشْتَرَطُوا أَيْضًا أَلَّا يَكُونَ الْمَبِيعُ فِي مَكَان بَعِيدٍ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ خُرَاسَانَ وَلَا قَرِيبٍ يُمْكِنُ رُؤْيَتَهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنْ كَانَ بِمَشَقَّةٍ جَازَ عَلَى الْأَشْهَرِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْدَالِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ الْمَطْوِيَّةِ وَشِبْهِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَمَلُ الْمَاضِينَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: أَجَازَ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ وَمَنَعَ الْيَسِيرَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا خِيَارَ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الصِّفَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَمَّا ذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْوَصْفَ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ دَلِيلًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ وَصْفًا، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَنْعِ الْغَائِبِ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ قَالَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ إذَا وُصِفَ عَنْ رُؤْيَةٍ وَخِبْرَةٍ وَمَعْرِفَةٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِمَا اشْتَرَى فَأَيْنَ الْغَرَرُ. قَالَ: وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَتَبَايَعُونَ الضِّيَاعَ بِالصِّفَةِ وَهِيَ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ بَاعَ عُثْمَانُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَالًا لِعُثْمَانَ بِخَيْبَرَ بِمَالٍ لِابْنِ عُمَرَ بِوَادِي الْقُرَى انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَمَّا فَصَّلَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقُلْ سِوَى قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعَمَلُ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَوْ كَانَ هُنَا إجْمَاعٌ لَأَخَذْنَا بِهِ وَالنَّاصِرُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ يَقُولُونَ فِي الْمُعَايَنَةِ وَالرُّؤْيَةِ مَا لَا يُدْرَكُ بِالْوَصْفِ وَلَيْسَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ كَالسَّلَمِ فَالْقَصْدُ هُنَا الْأَعْيَانُ وَهُنَاكَ الْأَوْصَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ] {السَّادِسَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَعْمَى وَلَا شِرَاؤُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ سَوَاءٌ قُلْنَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَصْفِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى رُؤْيَتِهِ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْوَصْفِ وَيُقَامُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَصْفُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَهُ مَقَامُ رُؤْيَتِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا كَانَ عَمَاهُ أَصْلِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَجْوِيزُ الْبَيْعِ بِدُونِ رُؤْيَةٍ وَوَصْفٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى، وَقَالَ فِي الْأَعْمَى: إنَّ خِيَارَهُ يَسْقُطُ بِجَمْعِهِ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ وَبِشَمِّهِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ وَبِذَوْقِهِ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ كَمَا فِي الْبَصِيرِ قَالَ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ فَقَالَ رَضِيت سَقَطَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِجْرَاءِ الْمُوسَى مَقَامَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ فِي الْحَجِّ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ يُوَكَّلُ وَكِيلًا يَقْبِضُهُ وَهُوَ يَرَاهُ، قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ رُؤْيَةُ الْمُوَكِّلِ. [فَائِدَة وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ] 1 {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (يَحْتَبِي) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالِاحْتِبَاءُ بِالْمَدِّ هُوَ أَنْ يَقْعُدَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَلْيَتِهِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَحْتَوِيَ عَلَيْهِمَا بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِيَدِهِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ يُقَالُ لَهَا الْحُبْوَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَكَانَ هَذَا الِاحْتِبَاءُ عَادَةً لِلْعَرَبِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَنَهَى عَنْهُ إذَا أَدَّى إلَى انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ قَصِيرٌ فَإِذَا قَعَدَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا قَصِيرَةٌ بِحَيْثُ تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهُ إذَا جَلَسَ هَكَذَا كَانَ حَرَامًا أَيْضًا، وَذِكْرُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِيثِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ الِانْكِشَافَ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ دُونَ الثِّيَابِ الْكَثِيرَةِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ بِحُضُورِ النَّاسِ وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَاقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذِكْرِ الْفَرْجِ لِفُحْشِهِ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ الْعَوْرَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَوْرَةَ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ، وَكَرِهَ الصَّلَاةَ مُحْتَبِيًا ابْنُ سِيرِينَ، وَأَجَازَهَا الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَعُرْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ حَلَّ حَبْوَتَهُ ثُمَّ قَامَ وَرَكَعَ، وَصَلَّى التَّطَوُّعَ مُحْتَبِيًا عَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. [فَائِدَة اشْتِمَالِ الرَّجُلِ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ] 1 {الثَّامِنَةُ} فِيهِ النَّهْيُ عَنْ اشْتِمَالِ الرَّجُلِ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَقَدْ فَسَّرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى يُجَلِّلَ بِهِ صَدْرَهُ لَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا وَلَا يَبْقَى مَا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ وَهَذَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ صَمَّاءَ؛ لِأَنَّهُ سَدَّ الْمَنَافِذَ كُلَّهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا صَدْعٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَقُولُونَ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعَهُ عَلَى أَحَدِ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَعَلَى تَفْسِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ يُكْرَهُ الِاشْتِمَالُ الْمَذْكُورُ لِئَلَّا تَعْرِضَ لَهُ حَاجَةٌ مِنْ دَفْعِ بَعْضِ الْهَوَامِّ وَنَحْوِهَا أَوْ غَيْرِهَا فَيَعْسُرُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَعَذَّرُ فَيَلْحَقُهُ الضَّرَرُ، وَعَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ الِاشْتِمَالُ الْمَذْكُورُ إنْ انْكَشَفَ بَعْضُ الْعَوْرَةِ، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ. (قُلْت) : وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْفُقَهَاءُ قَوْلُهُ فِيهِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَلَيْسَ فِي تَفْسِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ رَفْعُهُ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا مَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لِلْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ مِنْ عَجْزِهِ عَنْ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الِاحْتِيَاطُ لِلْعَوْرَةِ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ وَذَلِكَ يُؤْمَنُ بِالْمُخَالَفَةِ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَرَبْطِهِ عَلَى عَاتِقِهِ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ لَا يُؤَيِّدُهُ إلَّا تَأَكُّدًا وَشِدَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {التَّاسِعَةُ} اللَّمْسُ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْمُلَامَسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَذَكَرَ فِيهَا بَدَلَ الْمُنَابَذَةِ النَّجْشَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. [فَائِدَة مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةً أَمْ لَا] {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ) لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ النَّهْيِ بِالْمَذْكُورِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى انْتِفَاءِ النَّهْيِ عَنْ لِبْسَةٍ ثَالِثَةٍ وَبَيْعَةٍ ثَالِثَةٍ فَإِنَّ هَذَا فِي مَعْنَى مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ فِي أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةً أَمْ لَا، وَأَمَّا هَذَا فَسَمَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَفْهُومَ الْمَعْدُودِ وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَانِ وَدَمَانِ» وَذَكَرَ أَنَّ مَفْهُومَهُ لَيْسَ حُجَّةً وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْعَدَدِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ بِأَنَّ الْعَدَدَ شِبْهُ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَك فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي قُوَّةِ قَوْلِك فِي إبِلٍ خَمْسٍ بِجَعْلِ الْخَمْسِ صِفَةً لِلْإِبِلِ وَهِيَ إحْدَى صِفَتَيْ الذَّاتِ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ قَدْ تَكُونُ خَمْسًا وَقَدْ تَكُونُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَمَّا قَيَّدَ وُجُوبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّاةِ بِالْخَمْسِ فُهِمَ أَنَّ غَيْرَهَا يُخَالِفُهُ فَإِذَا قَدَّمْت لَفْظَ الْعَدَدِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْمَعْدُودُ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ يُفْهَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَصَارَ كَاللَّقَبِ وَاللَّقَبُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ مَثْنًى أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت رِجَالٌ لَمْ يُتَوَهَّمْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ عَدَدٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْهَا مَا يُفْهَمُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَدَدِ فَكَذَلِكَ الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا زَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَحَبَلِ الْحُبْلَةِ وَبَيْعَ الْحَصَاةِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَحَبَلِ الْحُبْلَةِ وَبَيْعَ الْحَصَاةٍ وَعَسْبِ الْفَحْلِ، وَأَشْبَاهِهَا مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا نُصُوصٌ خَاصَّةٌ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ وَنُهِيَ عَنْهَا؛ لِكَوْنِهَا مِنْ بَيْعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْبُيُوعِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَقَدْ تَحْتَمِلُ بَعْضَ الْغَرَرِ تَبَعًا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَمَا إذَا بَاعَ الشَّاةَ الْحَامِلَ وَاَلَّتِي فِي ضَرْعِهَا اللَّبَنُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْأَسَاسَ تَابِعٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّارِ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَرٌ حَقِيرٌ. (مِنْهَا) أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَرَ حَشْوَهَا وَلَوْ بِيعَ حَشْوُهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ الْمَاءَ وَفِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ السِّقَاءِ بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَةِ قَدْرِ الْمَشْرُوبِ وَاخْتِلَافِ عَادَةِ الشَّارِبِينَ. قَالَ: وَعَكْسُ هَذَا أَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ، وَالصِّحَّةُ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَنَّهُ إنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَا وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْبَابِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «وَلَا يَسُمْ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ. إنَّهَا شَاذَّةٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ» زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا (حَتَّى يَذَرَ) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ (إلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ) وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ حِلْسًا وَقَدَحًا فِيمَنْ يَزِيدُ» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.   Qوَفَسَادِهِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ الْغَرَرَ حَقِيرٌ فَيَجْعَلُهُ كَالْمَعْدُومِ فَيُصَحِّحُ الْبَيْعَ؛ وَبَعْضُهُمْ يَرَاهُ لَيْسَ بِحَقِيرٍ فَيُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ الِاسْتِحْرَازِ مِنْ الْأَسْوَاقِ بِالْأَوْرَاقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ حَاضِرًا حَتَّى يَكُونَ مُعَاطَاةً وَلَمْ يُوجَدْ صِيغَةٌ يَصِحُّ بِهَا الْعَقْدُ. [حَدِيث لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ] {الْحَدِيثُ السَّابِعُ} وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. {الْحَدِيثُ الثَّامِنُ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ) فَوَائِدُ. {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِمُسْلِمٍ زِيَادَةٌ فِيهِ (وَلَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُبْلَغَ بِهَا إلَى السُّوقِ) كَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَلَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ» وَمِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ «سَمِعْت رَجُلًا يُقَالُ لَهُ شَهْرٌ كَانَ تَاجِرًا وَهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَحَدٍ حَتَّى يَذَرَ إلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ» وَمِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ بِهِ مِثْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَعُمَرُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ الشَّرْعَبِيُّ مُوَثَّقٌ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَالْوَاقِدِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَالْإِسْنَادُ الثَّانِي مِنْ أَسَانِيدِ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذِهِ لَا يَأْمَنُ بِهِ. {الثَّانِيَةُ} تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ اسْتِثْنَاءُ الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَمُقْتَضَاهَا جَوَازُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ فِيهِمَا خَاصَّةً، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الْبَابُ وَاحِدٌ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ غَنِيمَةٌ وَلَا مِيرَاثٌ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ ذَلِكَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَعَلَى مَا كَانُوا يَعْتَادُونَ الْبَيْعَ فِيهِ مُزَايَدَةً وَهِيَ الْغَنَائِمُ وَالْمَوَارِيثُ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي غَيْرِهِمَا مُزَايَدَةً فَالْمَعْنَى وَاحِدٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) وَقَدْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى بَيْعِهِ لِشَخْصٍ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ زِيَادَةٍ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ فِي الْغَنِيمَةِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لَا عَكْسًا وَلَا طَرْدًا، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} تَقَدَّمَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الرُّكُونُ. وَأَمَّا مَا دَامَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَالِبًا لِلزِّيَادَةِ فَإِنَّ الْمُزَايَدَةَ فِيهِ جَائِزَةٌ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ حِلْسًا وَقَدْ جَاءَ فِيمَنْ يَزِيدُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي أَرَادُوهُ هُوَ لَفْظُ النَّسَائِيّ؛ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (بَاعَ حِلْسًا) وَقَدْ جَاءَ (وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْحِلْسَ وَالْقَدَحَ فَقَالَ رَجُلٌ آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ) . وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُهُ فَقَالَ أَمَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك وَاشْتَرِ بِالْآخِرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ» . وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا الْمَبِيعَ لَمْ يَكُنْ مِنْ غَنِيمَةٍ وَلَا مِيرَاثٍ (وَالْحِلْسُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ اللَّامِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ تَحْتَ بَرْذَعَةِ الْبَعِيرِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي بَاعَ الْقَدَحَ وَالْحِلْسَ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بَيْعِ الْحَاكِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ وَلَكِنْ لَمْ يَنْقُلْ هُنَا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يَبِيعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ: كَانَتْ نَفَقَةُ أَهْلِهِ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فَهِيَ كَالدَّيْنِ، وَأَرَادَ الِاكْتِسَابَ بِالسُّؤَالِ فَكَرِهَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّؤَالَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فَبَاعَ عَلَيْهِ بَعْضَ مَا يَمْلِكُهُ وَاشْتَرَى لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «قَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جُزَافًا يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ» وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدُنَا طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ) وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ   Qبِهِ آلَةً يَكْتَسِبُ بِهَا. وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِرِضَاهُ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي أَمْوَالِ أُمَّتِهِ بِمَا شَاءَ. فَتَصَرَّفَ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث ابْنِ عُمَر كُنَّا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ] {الْحَدِيثُ التَّاسِعُ} وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ» {الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ} وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ. {الْأُولَى} الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ زَادَ أَبُو دَاوُد وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ يَعْنِي جُزَافًا وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 وَابْنِ عَبَّاسٍ (حَتَّى يَكْتَالَهُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعَ حَيْثُ تُشْتَرَى حَتَّى يَحُوزَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا إلَى رَحْلِهِ»   Qجُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ ذَكَرُوا فِيهِ عَنْهُ الْجُزَافَ كَمَا ذَكَرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ ذِكْرَهُ الْقَعْنَبِيُّ وَيَحْيَى فَقَطْ تَوَهُّمًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ جُزَافًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِمْ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ» ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَبْلُغَ بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ» . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرُّكْبَانِ فَنَهَاهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ الَّذِي ابْتَاعُوا فِيهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ إلَى سُوقِ الطَّعَامِ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (قُلْت) يَمْنَعُهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفِي أَوَّلِهِ قِصَّةٌ.   Qعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُشْتَرَى حَتَّى يَحُوزَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا إلَى رَحْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لَيَبْعَثُ رِجَالًا فَيَضْرِبُونَا عَلَى ذَلِكَ» وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. (قُلْت) قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالْعَنْعَنَةِ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ابْتَعْت زَيْتًا فِي السُّوقِ فَلَمَّا اسْتَوْجَبْته لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ زَيْتًا حَسَنًا فَأَرَدْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يُحْرِزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» . وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جُزَافًا يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يُؤْوُوهُ إلَى رِحَالِهِمْ» . وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ حَتَّى (يَقْبِضَهُ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا مَا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» {الثَّانِيَةُ} اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (يَعْنِي جُزَافًا) وَبِجَزْمِهِ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ جُزَافٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ جُزَافًا أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِكَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا غَيْرِهِمَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ قَدْرَهَا أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَلَكِنَّ (الْأَظْهَرَ) مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا كَانَ بَائِعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا يَعْلَمُ قَدْرَهَا. (قُلْت) الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ مِقْدَارَ الْمَبِيعِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَنْ يَبِيعَهُ جُزَافًا حَتَّى يُعَرِّفَ الْمُشْتَرِيَ بِمَبْلَغِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ غَاشٌّ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ كَالْعَيْبِ وَقَالَ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُزَافَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَأَشْهَرُ. [فَائِدَة مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَنْقُلَهُ] 1 {الثَّالِثَةُ} فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَنْقُلَهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِيهِ إلَى مَكَانٍ آخَرَ وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ الِاسْتِيفَاءَ هُوَ الْقَبْضُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَالْقَبْضُ فِي الْمَنْقُولَاتِ يَكُونُ بِالنَّقْلِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ تَحْوِيلُهُ إلَى مَكَان لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ بِإِذْنِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمَطْعُومِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اسْتِثْنَاءَ أَمْرَيْنِ مِنْ الْمَطْعُومِ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ. (أَحَدُهُمَا) الْمَاءُ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُ فِي الْمَاءِ رِوَايَتَيْنِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) الطَّعَامُ الْمُشْتَرَى جُزَافًا قَالَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ مَالِكًا مِنْ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَفْرِقَتِهِ بَيْنَ مَا اشْتَرَى جُزَافًا مِنْ الطَّعَامِ وَبَيْنَ مَا اشْتَرَى مِنْهُ كَيْلًا إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا جُزَافًا فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرَى، وَإِنْ اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَدْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهَذَا تَنَاقُضٌ ثُمَّ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِمَالِكٍ بِرِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَبِيعَ أَحَدٌ طَعَامًا اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» قَالَ فَقَوْلُهُ (بِكَيْلٍ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا خَالَفَهُ بِخِلَافِهِ. (قُلْت) لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي نَهْيِ الَّذِينَ يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا عَنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ مِنْ مَكَانِهِ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا كَانَ اشْتَرَاهُ جُزَافًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمَطْعُومِ سَوَاءٌ اشْتَرَى جُزَافًا أَوْ مِقْدَارًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الْوَقَارُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عُمَرَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِثُبُوتِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلِ أَصْحَابِهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: وَحُجَّتُهُمْ عُمُومُ قَوْلِهِ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا لَمْ يَقُلْ جُزَافًا وَلَا كَيْلًا بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ فِيمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا جُزَافًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ حَتَّى يَنْقُلَهُ وَيَقْبِضَهُ قَالَ وَضَعَّفُوا الزِّيَادَةَ فِي قَوْلِهِ طَعَامًا بِكَيْلٍ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَا اشْتَرَى مِقْدَارًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ عَدَدٍ سَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَا فَإِنْ اشْتَرَى بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبَضَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عَنْهُ. انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فَكُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَذَلِكَ حُكْمُهُ. (قُلْت) وَيَرُدُّ هَذَا الْمَذْهَبَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى إنْ صَبَّرَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ خَاصَّةً كَبَيْعِهِمَا كَيْلًا وَوَزْنًا. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) طَرْدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الْمَطْعُومِ وَغَيْرِهِ. وَالْمُقَدَّرُ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا إلَّا الْعَقَارَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) مَنْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الْعَقَارِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى قَالَ وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ» رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ (وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ) وَفِي لَفْظٍ لَهُ (وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ) وَفِي لَفْظٍ لَهُ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) وَفِي لَفْظٍ لَهُ (حَتَّى يَكْتَالَهُ) وَكَذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ أَعْنِي أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا فَهِمَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُرَادَ وَالْمَغْزَى وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ؟ فَقَالَ إذَا اشْتَرَيْت بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِاخْتِلَافٍ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْإِسْنَادُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ فَفِيهِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ اسْتِظْهَارٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعَ حَيْثُ تُشْتَرَى حَتَّى يَحُوزَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا إلَى رَحْلِهِ» فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ حُجَّةٌ لِهَذَا الْمَذْهَبِ وَلِلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ الَّذِي قَبْلَهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَقَارَ؛ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ فِيهِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ نَادِرٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. (الْقَوْلُ السَّادِسُ) جَوَازُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ بِالسُّنَّةِ وَالْحُجَّةِ الْمُجْمِعَةِ عَلَى الطَّعَامِ فَقَطْ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَمْ يَحْكِهِ الْأَكْثَرُونَ بَلْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الطَّعَامِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالُوا: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا سِوَاهُ فَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ. (قُلْت) وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. (الْقَوْلُ السَّابِعُ) : مَنْعُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْقَمْحِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِهِ إنَّهُ مَلَكَهُ بِالشِّرَاءِ خَاصَّةً وَيُعْتَبَر أَيْضًا فِي الْقَمْحِ خَاصَّةً مَعَ الْقَبْضِ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْيَدِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَى مَكَان آخَرَ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ فَإِذَا اكْتَالَهُ حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ مَوْضِعِهِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَتَمَسَّكَ فِي الْقَمْحِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ فَهُوَ الطَّعَامُ) وَقَالَ فَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلطَّعَامِ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً وَعُمُومٌ لَهُ بِأَيِّ وَجْهِ مِلْكٍ، وَاسْمُ الطَّعَامِ فِي اللُّغَةِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْقَمْحِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ بِإِضَافَةٍ، وَتَمَسَّكَ فِي غَيْرِ الْقَمْحِ بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَيْعٍ وَلِكُلِّ ابْتِيَاعٍ وَالْمَذْكُورُ فِي حَدِيثَيْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ حَكِيمِ فَهُوَ أَعَمُّ ثُمَّ حَكَى مِثْلَ قَوْلِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَالْحَسَنِ وَابْنُ شُبْرُمَةَ. [فَائِدَة الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ] 1 {الرَّابِعَةُ} الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مَنْعُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْبَيْعِ وَتَجْوِيزُ غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ قَالَ: وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ كُلُّهَا بُيُوعٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) : أَنَّ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَنْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمْته مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ لِإِطْلَاقِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ التَّصَرُّفَ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) طَرْدُ الْمَنْعِ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ شَبَهِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأُرَخِّصُ فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُعَاوَضَاتٌ فِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَابْنِ حَزْمٍ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا فِي الْمَدِينَةِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ» وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: مَا نَعْلَمُ رُوِيَ هَذَا إلَّا عَنْ رَبِيعَةَ وَطَاوُسٍ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَخَبَرُ رَبِيعَةَ مُرْسَلٌ وَلَوْ كَانَتْ اسْتِفَاضَةً عَنْ أَصْلٍ صَحِيحٍ لَكَانَ الزُّهْرِيُّ أَوْلَى بِأَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ مِنْ رَبِيعَةَ؛ وَالزُّهْرِيُّ مُخَالِفٌ لَهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ: التَّوْلِيَةُ بَيْعٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَقِيلَ لَهُ أَبِرَأْيِك تَقُولُهُ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَخَذْنَاهُ عَنْ سَلَفِنَا، وَأَصْحَابِنَا، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ سَلَفُ الْحَسَنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَالرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا   Qهُمْ الصَّحَابَةُ أَدْرَكَ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةٍ، وَأَكْثَرَ، وَأَصْحَابُهُ أَكَابِرُ التَّابِعِينَ فَلَوْ أَقْدَمَ امْرُؤٌ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ هُنَا لَكَانَ أَصَحَّ مِنْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) الْمَنْعُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ إلَّا الْعِتْقَ وَالِاسْتِيلَادَ وَالتَّزْوِيجَ وَالْقِسْمَةَ؛ هَذَا حَاصِلُ الْفَتْوَى فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَعَ الْخِلَافِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ. وَأَمَّا الْوَقْفُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ: إنْ قُلْنَا إنَّ الْوَقْفَ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْإِعْتَاقِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَقَالَ يَصِيرُ قَابِضًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ عَنْهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَمَنْ قَصَرَ الْمَنْعَ عَلَى الْبَيْعِ اقْتَصَرَ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَمَنْ عَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ فَبِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فَهْمِ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ وَوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ الْمَقِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَنْعُ فِيمَا مُلِكَ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَمَّا مُلِكَ بِغَيْرِهِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَلْتَحِقُ بِالْمَمْلُوكِ بِالْبَيْعِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ كَالْأُجْرَةِ وَالْعِوَضِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ عَنْ الْمَالِ. وَكَذَا الصَّدَاقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانَ عَقْدٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَمَّا مَا لَيْسَ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِرْثِ أَوْ مَضْمُونًا ضَمَانَ يَدٍ وَهُوَ الْمَضْمُونُ بِالْقِيمَةِ كَالْمُسْتَامِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِتَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ نَحْوُهُ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَكُلُّ عَيْنٍ مُلِكَتْ بِنِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدًا أَوْ عِتْقٍ فَهِيَ كَالْبَيْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَكِنْ يَجِبُ بِتَلَفِهَا مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا، وَلَا فَسْخَ لِعَقْدِهَا بِحَالٍ فَأَمَّا مَا مُلِكَ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ وَفَرَّقَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَمْحِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ فِي الْقَمْحِ: إنَّهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: مَتَى مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ فَلَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. [بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَالرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا] [حَدِيث مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ] {بَابُ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَالرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا} {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ سَالِمٌ وَخَالَفَهُ نَافِعٌ فَرَوَى قِصَّةَ النَّخْلِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِصَّةَ الْعَبْدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ الْقَوْلُ مَا قَالَ نَافِعٌ، وَإِنْ كَانَ سَالِمٌ أَحْفَظَ مِنْهُ   Qلِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . " فِيهِ " فَوَائِدُ. {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَرَوَاهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قِصَّةَ الْعَبْدِ رَوَاهَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ كَذَا رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ سَالِمٌ وَخَالَفَهُ نَافِعٌ فَرَوَى قِصَّةَ النَّخْلِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِصَّةَ الْعَبْدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ كَذَلِكَ قَالَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ. انْتَهَى. وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الْأَرْجَحِ مِنْ رِوَايَتَيْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) تَرْجِيحُ رِوَايَةِ نَافِعٍ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ اخْتِلَافِ سَالِمٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّ حَدِيثَ سَالِمٍ أَصَحُّ، وَذَكَرَ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ قَالَ فَكَأَنَّهُ رَأَى الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَرَفَعَ الْقِصَّتَيْنِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِالْقِصَّتَيْنِ..   Qوَنَافِعٍ فِي قِصَّةِ الْعَبْدِ فَقَالَا الْقَوْلُ مَا قَالَ نَافِعٌ، وَإِنْ كَانَ سَالِمٌ أَحْفَظَ مِنْهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَشَارَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَهَذِهِ إشَارَةٌ مَرْدُودَةٌ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) تَرْجِيحُ رِوَايَةِ سَالِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَحُّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ شَيْخُهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: إنَّهُ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِرَفْعِ الْقِصَّتَيْنِ مَعًا وَهَذَا مُرَجِّحٌ لِرِوَايَةِ سَالِمٍ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) تَصْحِيحُهُمَا مَعًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقُلْت لَهُ: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ بَاعَ عَبْدًا) وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَيُّهُمَا أَصَحُّ؟ قَالَ: إنَّ نَافِعًا خَالَفَ سَالِمًا فِي أَحَادِيثَ وَهَذَا مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ رَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ كَأَنَّهُ رَأَى الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَنْهُمَا جَمِيعًا. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَلَيْسَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْعِلَلِ اخْتِلَافٌ فَحُكْمُهُ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ بِالصِّحَّةِ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ فِي الْجَامِعِ بِأَنَّ حَدِيثَ سَالِمٍ أَصَحُّ بَلْ صِيغَةُ أَفْعَلَ تَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي الصِّحَّةِ. (قُلْت) الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ فِي مِثْلِ هَذَا وَالْمَعْرُوفُ مِنْ اصْطِلَاحِهِمْ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالُوا إنَّهَا أَصَحُّ، وَالْحُكْمُ لِلرَّاجِحِ فَتَكُونُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ شَاذَّةً ضَعِيفَةً، وَالْمُرَجَّحَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَحِينَئِذٍ فَبَيْنَ النَّقْلَيْنِ تَنَافٍ لَكِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْجَامِعِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالْجَزْمِ وَالْيَقِينِ بِخِلَافِ مَا فِي الْعِلَلِ فَإِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّ مَا فِي الْعِلَلِ هُوَ الَّذِي يَمْشِي عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ؛ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بِأَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَبِيهِ فَرَفَعَهُ تَارَةً وَسَمِعَهُ كَذَلِكَ سَالِمٌ وَوَقَفَهُ تَارَةً، وَسَمِعَهُ كَذَلِكَ نَافِعٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَعْنِي قِصَّةَ الْعَبْدِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فَسَالِمٌ ثِقَةٌ بَلْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ نَافِعٍ فَزِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ. انْتَهَى. وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ رَفْعُ الْقِصَّتَيْنِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْقِصَّتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ قَالَ شُعْبَةُ فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِالنَّخْلِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَمْلُوكِ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ عَبْدُ رَبِّهِ لَا أَعْلَمُهَا جَمِيعًا إلَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ مَرَّة أُخْرَى فَحَدَّثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَشُكَّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَيْضًا مُخْتَصَرًا (مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا) جَمِيعًا وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ أَيُّوبَ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِالْقِصَّتَيْنِ، وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ حَدِيثُ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَيُّوبَ أَيْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بِقِصَّةِ الْعَبْدِ خَاصَّةً مَوْقُوفَةً وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بِالْقِصَّتَيْنِ مَرْفُوعًا قَالَ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَبَرْت النَّخْلَ آبُرُهُ أَبْرًا بِالتَّخْفِيفِ كَأَكَلْتُهُ آكُلُهُ أَكْلًا، وَأَبَّرْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أُؤَبِّرُهُ تَأْبِيرًا كَعَلَّمْتُهُ أُعَلِّمُهُ تَعْلِيمًا وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ طَلْعَ النَّخْلَةِ لِيُذَرَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ ذَكَرِ النَّخْلِ، وَالْأُبَارُ هُوَ شَقُّهُ سَوَاءٌ حُطَّ فِيهِ شَيْءٌ أَمْ لَا. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ بِمَنْطُوقِهِ أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَبِمَفْهُومِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَكَانَتْ لِلْمُشْتَرِي وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُد وَبَقِيَّةُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ. وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَنْطُوقِهِ فِي الْمُؤَبَّرَةِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَأَلْحَقَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ بِالْمُؤَبَّرَةِ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يُخَالِفُ الْمُشْتَرِيَ فِي حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْبَيْعِ كَمَا أَنَّ الْجَنِينَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ الْمُنْفَصِلُ. انْتَهَى. وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إلَى أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِصَرِيحِ السُّنَّةِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ؛ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ رَدُّوا هَذِهِ السُّنَّةَ بِتَأْوِيلٍ وَرَدَّهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى جَهْلًا بِهَا. {الرَّابِعَةُ} هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ عِنْدَ إطْلَاقِ بَيْعِ النَّخْلِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلثَّمَرَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَإِنْ شَرَطَهَا الْمُشْتَرِي بِأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْت النَّخْلَةَ بِثَمَرَتِهَا كَانَتْ لِلْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَإِنْ شَرَطَهَا الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّأْبِيرِ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ، وَكَانَتْ لِلْبَائِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ شَرْطُهَا لِلْبَائِعِ. {الْخَامِسَةُ} : اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) بِدُونِ ضَمِيرٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ بَلْ بَعْضَهَا كَأَنْ يَشْتَرِطَ نِصْفَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ لَهُ شَرْطُ بَعْضِهَا بَلْ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَهَا أَوْ يَسْكُتَ عَنْهُ. [فَائِدَة بَاعَ نَخْلًا عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ] 1 {السَّادِسَةُ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا بَاعَ نَخْلًا عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي نَخَلَاتٍ بِشَرْطَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ فَلَوْ أَفْرَدَ كُلًّا مِنْ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ بِصَفْقَةٍ (فَالْأَصَحُّ) أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمًا. وَ (الثَّانِي) أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْبَائِعِ اكْتِفَاءً بِوَقْتِ التَّأْبِيرِ (ثَانِيهِمَا) اتِّحَادُ الْبُسْتَانِ فَلَوْ كَانَ فِي بَسَاتِينَ أُفْرِدَ كُلُّ بُسْتَانٍ بِحُكْمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ النَّوْعِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّهُ إذَا أَبَّرَ الْبَعْضَ كَانَ الْكُلُّ لِلْبَائِعِ لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إنْ أُبِّرَ الْأَكْثَرُ غَلَبَ حُكْمُهُ عَلَى الْبَاقِي فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ أُبِّرَ الْأَقَلُّ غَلَبَ حُكْمُهُ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ أُبِّرَ النِّصْفُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْمُشْتَرِي كَذَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّمْهِيدِ لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ إذَا أُبِّرَ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ لَوْ تَأَبَّرَ شَطْرُ الثِّمَارِ حُكِمَ بِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ فِيهِ دُونَ الشَّطْرِ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ، وَإِنْ تَأَبَّرَ أَكْثَرُهَا حُكِمَ بِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْكُلِّ وَرُوِيَ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ تَبَعٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ. انْتَهَى. فَمَنْ جَعَلَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ تَبَعًا لِلْمُؤَبَّرِ قَالَ: إنَّهُ إذَا أُبِّرَ بَعْضُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ الْمَبِيعَةِ صَدَقَ فِي الْعُرْفِ أَنَّهُ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ وَمَنْ قَالَ لَا يَتْبَعُ قَالَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ فَمَنْ سَمَّاهُ مُؤَبَّرًا فَلَيْسَ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مَجَازٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ نَفْيِهِ وَمَنْ جَعَلَ الْحُكْمَ لِلْأَكْثَرِ غَلَّبَ. {السَّابِعَةُ} لَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ النَّخْلَةُ بَلْ تَأَبَّرَتْ هِيَ وَتَشَقَّقَتْ بِنَفْسِهَا وَظَهَرَتْ الْكِيزَانُ مِنْهَا كَانَ كَمَا لَوْ أُبِّرَتْ فَيَكُونُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْبَائِعِ صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ. انْتَهَى. وَذِكْرُ التَّأْبِيرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهَا تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي. فَقَالَ: وَلَوْ ظَهَرَتْ ثَمَرَةٌ بِغَيْرِ إبَارٍ لَمْ يَحِلَّ اشْتِرَاطُهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَمَا أَدْرِي لِمَ أَعْمَلَ قَوْلَهُ قَدْ أُبِّرَتْ فِي إخْرَاجِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْبِيرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاشْتِرَاطِ، وَلَمْ يُعْمِلْهُ بِالنِّسْبَةِ لِكَوْنِهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ قَدْ أُبِّرَتْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ بَلْ تَأَبَّرَتْ بِنَفْسِهَا أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. {الثَّامِنَةُ} ادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمُؤَبَّرِ اشْتِرَاطُ الثَّمَرَةِ إلَّا إنْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَلَاثَ نَخَلَاتٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ نَخْلَةً أَوْ نَخْلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ اشْتِرَاطُ ثَمَرَتِهَا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ نَخْلٍ ثَلَاثٌ فَصَاعِدًا وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى جُمُودِهِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ لَا يَجْعَلَ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لِلْبَائِعِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ نَخْلَةً أَوْ نَخْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا جَعَلَهَا لَهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ نَخْلًا فَعَدَلَ عَنْ هَذَا وَجَعَلَ الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ لَهُ مُطْلَقًا قَلَّ الْمَبِيعُ أَوْ كَثُرَ وَلَمْ يَجْعَلْ التَّقْيِيدَ بِالنَّخْلِ إلَّا فِي اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ خَاصَّةً، وَمَا أَدْرَى لِمَ جَعَلَ هَذَا قَيْدًا فِي الْوَصْفِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَيْدًا فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ هَذَا مُقْتَضَى الْجُمُودِ. وَأَمَّا مُقْتَضَى الْفِقْهِ وَفَهْمِ الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ النَّادِرَ فِي حُكْمِ الْمُفْرَدِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيَدْخُلُ بِالشَّرْطِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْمَعْنَى إذَا فُهِمَ لَمْ يَجُزْ الْجُمُودُ عَلَى الْأَلْفَاظِ إلَّا عِنْدَ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقِيَاسِ بَلْ اللَّفْظُ فِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ مِنْ ذَلِكَ وَالْكَثِيرَ وَالْعُرْفُ فِي مِثْلِ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْجُمُودِ عَلَى مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْإِبَارِ لِلنَّخْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّمَارِ] 1 {التَّاسِعَةُ} وَفِيهِ جَوَازُ الْإِبَارِ لِلنَّخْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الثِّمَارِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. {الْعَاشِرَةُ} جَعَلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَفْهُومَ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي خَاصًّا بِإِنَاثِ النَّخْلِ وَقَالَ إنَّ ثَمَرَةَ الذُّكُورِ لِلْبَائِعِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَشَقِّقَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ لِلْقَطْعِ وَالْأَكْلِ وَهِيَ كَذَلِكَ فَأَشْبَهَتْ الْمُؤَبَّرَةَ مِنْ الْإِنَاثِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي عَمَلًا بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ. [فَائِدَة بَاعَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً هَلْ يَدْخُلُ الثَّمَرُ فِي الْبَيْعِ] {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} نَصُّ الْحَدِيثِ فِي النَّخْلِ وَفَهِمَ الْفُقَهَاءُ مِنْهُ حُكْمَ مَا عَدَاهُ فَقَالُوا: إذَا بَاعَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ ظَهَرَتْ أَوْ بَعْضُهَا فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَاقْتِصَارُهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى ثَمَرَةِ النَّخْلِ إمَّا؛ لِكَوْنِهِ كَانَ الْغَالِبَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ. وَوَافَقَ الظَّاهِرِيَّةُ غَيْرَهُمْ فِي أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الثِّمَارِ لِلْبَائِعِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ إنَّمَا جَاءَ النَّصُّ بِهِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ، وَقَدْ يُقَالُ كَانَ مُقْتَضَى الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةُ غَيْرِ النَّخْلِ الظَّاهِرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي اسْمِ الشَّجَرَةِ وَكَوْنُهُ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِدُونِ شَرْطِ الْقَطْعِ لَا يُنَافِي انْدِرَاجَهَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّبَعِيَّةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ. [فَائِدَة بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ لِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرُ] 1 {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ لِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرُ مِنْ تِلْكَ النَّخْلَةِ أَوْ مِنْ أُخْرَى حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْحُكْمِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ لِلْبَائِعِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ مُتَعَلِّقٌ مِنْ الْحَدِيثِ فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ جَعَلَ الشَّرْعُ ثَمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْبَائِعِ وَهَذَا مِنْ ثَمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّمَا جُعِلَ لَهُ مَا وُجِدَ وَظَهَرَ فَأَمَّا مَا لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ أَقْيَسُ وَالْأَوَّلُ أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ، وَأَقْرَبُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَاعَ عَبْدًا وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ هَلْ تَدْخُلُ الثِّيَابُ فِي الْبَيْعِ] 1 {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ عَبْدًا وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي لِانْدِرَاجِ الثِّيَابِ تَحْتَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَهُ مَالٌ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ. وَ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهَا تَدْخُلُ. وَ (الثَّالِثُ) يَدْخُلُ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ تَدْخُلُ ثِيَابُ الْمِهْنَةِ الَّتِي عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَدْخُلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ الْمُعْتَادِ. [فَائِدَة الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا ثُمَّ بَاعَهُ] {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ لَكِنَّهُ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ لَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا أَصْلًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ فَأُضِيفَ ذَلِكَ الْمَالُ إلَى الْعَبْدِ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَالُ جُلُّ الدَّابَّةِ وَسَرْجُ الْفَرَسِ. قَالُوا: فَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ فَذَلِكَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ بَاعَ شَيْئَيْنِ الْعَبْدَ وَالْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ مَالُ الْعَبْدِ تَبَعٌ لَهُ فِي الْبَيْعِ لَا يَحْتَاجُ مُشْتَرِيهِ فِيهِ إلَى اشْتِرَاطٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ بِالسُّنَّةِ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُمَا وَعَنْ شُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَقَالَ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي مَالَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَالثَّمَنُ دَنَانِيرُ. أَوْ حِنْطَةً وَالثَّمَنُ حِنْطَةٌ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَعَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بُطْلَانُهَا مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاحْتِرَازِ فِيهِ عَنْ الرِّبَا وَكَأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَجْعَلْ لِهَذَا الْمَالِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ. {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي مَالِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُ أَمْ لَا لَكِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا وَقَدْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَأَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ وَلَوْ كَانَ مَجْهُولًا وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ صَحَّ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مَجْهُولًا، وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اُعْتُبِرَ عِلْمُهُ وَسَائِرُ شُرُوطِ الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الْعَبْدَ لَا الْمَالَ فَلَا يُشْتَرَطُ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» زَادَ مُسْلِمٌ (وَتَذْهَبَ عَنْهَا الْعَاهَةُ وَقَالَ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ) وَلِلْبَيْهَقِيِّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُؤْمَنَ عَلَيْهَا الْعَاهَةُ قِيلَ وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ   Qنَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُمَا. {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ بِدُونِ ضَمِيرٍ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ مَالِ الْعَبْدِ إمَّا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، وَإِمَّا جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ قَالَ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَبُو سُفْيَانَ وَقَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ إلَّا الْجَمِيعَ أَوْ يَدَعَ. {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} الْجَارِيَةُ فِي ذَلِكَ كَالْعَبْدِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَفْظُ الْعَبْدِ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى جِنْسِ الْعَبْدِ وَالْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَبْدٌ وَعَبَدَةٌ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ كَمَا تَقُولُ الْإِنْسَانُ وَالْفَرَسُ وَالْحِمَارُ. [حَدِيث نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا] {الْحَدِيثُ الثَّانِي} وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ.» (فِيهِ) فَوَائِدُ. {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُوسَى بْنِ عُتْبَةَ وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ «لَا تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَتَذْهَبَ عَنْهَا الْآفَةُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ (يَبْدُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 إذَا طَلَعَتْ الثُّرَيَّا) وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» وَزَادَ مُسْلِمٌ وَبَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: (وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ) . ..   Qصَلَاحُهُ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ) كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» الْحَدِيثَ. وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ مَا صَلَاحُهُ فَقَالَ تَذْهَبُ عَاهَتُهُ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِيهِ: (قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَصَلَاحُهُ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يُؤْمَنَ عَلَيْهِ الْعَاهَةُ قِيلَ وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ إذَا طَلَعَتْ الثُّرَيَّا» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ (حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا) أَيْ يَظْهَرَ وَهُوَ بِلَا هَمْزٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى يَبْدُوَا بِأَلْفٍ فِي الْخَطِّ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا فِي مِثْلِ هَذَا لِلنَّاصِبِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي إثْبَاتِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَاصِبٌ مِثْلُ زَيْدٌ يَبْدُوَا وَالِاخْتِيَارُ حَذْفُهَا أَيْضًا. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَهَذَا يَشْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ. (إحْدَاهَا) بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَهَذَا صَحِيحٌ وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ فَخَصَّ النَّهْيَ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى مَنْعِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا قَالَ وَمِمَّنْ مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ مُطْلَقًا لَا بِشَرْطٍ وَلَا بِغَيْرِهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. انْتَهَى. وَهَذَا يَقْدَحُ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: فَلَوْ شَرَطَ الْقَطْعَ ثُمَّ لَمْ يَقْطَعْ فَالْبَيْعُ بَاقٍ عَلَى صِحَّتِهِ وَيُلْزِمُهُ الْبَائِعُ بِالْقَطْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى إبْقَائِهِ جَازَ. قَالُوا: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالْجَوْزِ وَالْكُمَّثْرَى لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) بَيْعُهَا بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلِفَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ إدْرَاكِهَا فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ أَكَلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ فَإِذَا شَرَطَ الْقَطْعَ فَقَدْ انْتَفَى هَذَا الضَّرَرُ وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَبِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ صَفْقَتَيْنِ وَهُوَ إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ. (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْبُطْلَانُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الصِّحَّةِ وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ سَبَبُهُمَا الْخِلَافُ فِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ هَلْ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ فَيَبْطُلُ كَمَا فِي اشْتِرَاطِهَا أَوْ الْقَطْعَ فَيَصِحُّ كَاشْتِرَاطِهِ وَالْأَوَّلُ رَأْيُ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي حِكَايَتِهِمْ عَنْ الْمَذْهَبِ وَتَابَعَهُمْ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَيْ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحْرِزٍ وَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِقْرَاءً مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةَ نَخْلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَجَذَّهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ: الْبَيْعُ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَيْعٍ شَرْطٌ أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ صَرْفُ الْإِطْلَاقِ إلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ كَمَا بَعْدَ الزَّهْوِ؛ وَلِأَنَّ التَّبْقِيَةَ انْتِفَاعٌ بِمِلْكٍ آخَرَ لَمْ يُشْتَرَطْ وَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ وَتُخْلَقَ فَهُوَ كَالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِهِ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صُفْرَتُهُ وَحُمْرَتُهُ وَبِأَنَّهُ صَلَاحُهُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ وَبِأَنَّهُ ذَهَابُ عَاهَتِهِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الثُّرَيَّا أَيْ مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا رُفِعَتْ الْعَاهَةُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ» وَالنَّجْمُ الثُّرَيَّا، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحِجَازِ خَاصَّةً لِشِدَّةِ حَرِّهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا عَنْ بَعْضِ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ قَدْ عَرَفْنَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِذَلِكَ الْأَخْبَارِ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَعَرَفْنَا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ نَهْيَهُ عَنْ بَيْعِهَا مُطْلَقًا إذَا كَانَتْ مَا لَمْ يَبْدُو فِيهَا الصَّلَاحُ بِمَا يُوجَدُ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الثِّمَارُ عِدَّةً فَقَالَ حَتَّى تَزْهُوَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ حَتَّى تُشَقِّحَ قِيلَ وَمَا تُشَقِّحُ؟ قَالَ تَحْمَارُّ أَوْ تَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ حَتَّى تَطِيبَ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهَا فِي الْبَيْعِ خِلَافُ حُكْمِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ فِيهَا مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ. انْتَهَى. (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيهِ وَالْأَدَبِ وَالْمَشُورَةِ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَةِ مَا كَانُوا يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ فِيهِ وَهَذَا مَرْدُودٌ، وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَصْرِفَهُ عَنْ ذَلِكَ صَارِفٌ وَوَافَقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْجُمْهُورَ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ ثَابِتَةً فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً صَحَّ بَيْعُ ثَمَرَتِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَبْقَى عَلَيْهَا فَقَبْضُهُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ. {الرَّابِعَةُ} ذَهَبَ الْقَفَّالُ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْكُرُومُ فِي بِلَادٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ بِحَيْثُ لَا تَنْتَهِي ثِمَارُهَا إلَى الْحَلَاوَةِ وَاعْتَادَ أَهْلُهَا قَطَعَهُ حِصْرِمًا وَيَكُونُ الْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَمَنَعَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصُّوَرِ، وَلَمْ يَكْتَفُوا بِهَذِهِ الْعَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْأَشْجَارُ لِلْمُشْتَرِي بِأَنْ يَبِيعَ إنْسَانٌ شَجَرَةً وَتَبْقَى الثَّمَرَةُ لَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ الثَّمَرَةَ أَوْ يُوصِيَ لِإِنْسَانٍ بِالثَّمَرَةِ فَيَبِيعَهَا لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ تَصْحِيحُهُ لَكِنْ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ هُنَا بَلْ لَهُ الْإِبْقَاءُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثِمَارِهِ عَنْ أَشْجَارِهِ وَقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِ الْقَطْعِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ دِينَارٍ. {السَّادِسَةُ} حَمَلَ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى مَا إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَاعَهَا مُفْرَدَةً عَنْ الْأَشْجَارِ فَإِنْ بَاعَهَا مَعَ الْأَشْجَارِ صَحَّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَبَشَّعَ فِي إنْكَارِهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَأَيُّ مَعْنًى لِلْقَطْعِ وَالْأَشْجَارُ لَيْسَتْ بَاقِيَةً لِلْبَائِعِ بَلْ هِيَ مَبِيعَةٌ لِلْمُشْتَرِي. {السَّابِعَةُ} مُقْتَضَى قَوْلِهِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا وَقَدْ جَعَلَ النَّهْيَ مُمْتَدًّا إلَى غَايَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ تُؤْمَنَ فِيهَا الْعَاهَةُ وَتَغْلِبَ السَّلَامَةُ فَيُوثَقَ بِحُصُولِهَا لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ فَسَوَّى بَيْنَ مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَمَا بَعْدَهُ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَغَايَرَ بَيْنَ حُكْمِهِمَا وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ لَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْبَيْعَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ فِيهِمَا، وَأَبْطَلَهُ حَالَةَ شَرْطِ التَّبْقِيَةِ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ فَإِنْ تَرَكَهَا بِإِذْنِهِ طَابَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ، وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَ مَا تَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لِغَيْرِ حَالَةٍ لَا تُحَقِّقُ زِيَادَةً. [فَائِدَة سَائِرِ الْأَشْجَارِ يَجُوزُ بَيْعِ ثَمَرَتِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا] 1 {الثَّامِنَةُ} لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالنَّخْلِ بَلْ سَائِرُ الْأَشْجَارِ كَذَلِكَ فِي جَوَازِ بَيْعِ ثَمَرَتِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ وَامْتِنَاعِهِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ مَعَ كَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. {التَّاسِعَةُ} قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي كُلِّ عُنْقُودٍ بَلْ إذَا بَاعَ ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهَا كَانَ كَمَا لَوْ بَدَا فِي كُلِّهَا حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ. وَلَوْ بَاعَ ثِمَارَ أَشْجَارٍ بَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِهَا نُظِرَ إنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يُغَيِّرْ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي جِنْسٍ حُكْمَ جِنْسٍ آخَرَ؛ فَلَوْ بَاعَ رُطَبًا وَعِنَبًا بَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ اتَّحِدْ الْجِنْسُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ نَخْلٍ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالُوا مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ تَبَعٌ لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَالْبُسْتَانِ دُونَ النَّوْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إذَا غَلَبَ صَلَاحُ نَوْعٍ فِي بُسْتَانٍ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ إلَّا مَا بَدَا صَلَاحُهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْهُ عَلَى انْفِرَادِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ النَّوْعِ وَلَا الْبُسْتَانِ بَلْ يُبَاعُ بِطِيبِ الْحَوَائِطِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْكُلَّ فِي مَعْنَى الْحَائِطِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَوْ هَدَمَ الْجِدَارَ الْفَاصِلَ صَارَ الْجَمِيعُ حَائِطًا وَاحِدًا لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ طِيبُهُ مُتَلَاحِقًا فَلَوْ كَانَ الَّذِي طَابَ نَوْعًا يُبَكِّرُ جِدًّا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ غَيْرُهُ وَقِيلَ يُشْتَرَط اتِّحَادُ الْبُسْتَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ يُلْحَقُ بِهِ حَوَائِطُ الْبَلَدِ كُلُّهَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَرْجِعُ إلَى إقَامَةِ وَقْتِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مَقَامَ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مِمَّا تُطْعِمُ بَطْنَيْنِ فِي السَّنَةِ فَفِي جَوَازِ بَيْعِ الْبَطْنِ الثَّانِي بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ الْمَسْأَلَةَ. [فَائِدَة بُدُوُّ الصَّلَاحِ بِمَ يَحْصُلُ] 1 {الْعَاشِرَةُ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ بِظُهُورِ النُّضْجِ وَمَبَادِئِ الْحَلَاوَةِ وَزَوَالِ الْعُفُوصَةِ أَوْ الْحُمُوضَةِ الْمُفْرِطَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ وَفِيمَا يَتَلَوَّنُ بِأَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ أَوْ يَسْوَدَّ قَالُوا وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ فَإِنْ عُرِفَ بِهَا بُدُوُّ الصَّلَاحِ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا شَرْطًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِثَّاءَ لَا يَتَصَوَّرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا بَلْ يُسْتَطَابُ أَكْلُهُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا، وَإِنَّمَا بُدُوُّ صَلَاحِهِ أَنْ يَكْبُرَ بِحَيْثُ يُجْنَى فِي الْغَالِبِ وَيُؤْكَلُ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ فِي الصِّغَرِ عَلَى النُّدُورِ وَكَذَا الزَّرْعُ لَا يَتَصَوَّرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ بَيْعُ أَوْرَاقِ التُّوتِ قَبْلَ تَنَاهِيهَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبَعْدَهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَالْعِبَارَةُ الشَّامِلَةُ أَنْ يُقَالَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ صَيْرُورَتُهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ غَالِبًا لِكَوْنِهَا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ تَأْكِيدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ أَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَكِبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِيهِ وَيَقُولُ أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ اعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّ الْمَنْعَ لِمَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُعَرَّضَةٌ لِطَوَارِئِ الْعَاهَاتِ عَلَيْهَا فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهَا حَصَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» قَالَ سُفْيَانُ كَذَا حَفِظْنَاهُ الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ، وَأَخْبَرَهُمْ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qالْإِجْحَافُ لِلْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ الَّذِي بَذَلَهُ وَمَعَ فَقَدْ مَنَعَهُ الشَّرْعُ وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ كَمَا نَهَى الْبَائِعَ وَكَأَنَّهُ قَطَعَ بِذَلِكَ النِّزَاعَ وَالتَّخَاصُمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا] {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَقَالَ فَلَمْ يُحَذِّرْ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلَاحِ عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. (قُلْت) وَلِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ الزَّكَوِيِّ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الْبُطْلَانُ) فِي الْجَمِيعِ. وَ (الصِّحَّةُ) فِي الْجَمِيعِ. وَ (الْأَظْهَرُ) الْبُطْلَانُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالصِّحَّةُ فِي الْبَاقِي فَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيْعَ إمَّا فِي الْجَمِيعِ، وَإِمَّا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَلِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْأَصْنَافِ بِهَا كَمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِهَا إذَا كَانَتْ مَزْهُوَّةً كَسَائِرِ الْمَزْهُوَّاتِ وَالْمَنْعُ فِي الْحَدِيثِ لِمَعْنًى وَهُوَ تَعَرُّضُهَا لِلْآفَاتِ وَذَلِكَ يَزُولُ غَالِبًا بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ فَإِذَا كَانَ فِيهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مَانِعٌ آخَرُ مِنْ الصِّحَّةِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الصِّحَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَانِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ] {الْحَدِيثُ الثَّالِثُ} وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» {الْحَدِيثُ الرَّابِعُ} وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» قَالَ سُفْيَانُ كَذَا حَفِظْنَاهُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَأَخْبَرَهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ» وَلِأَبِي دَاوُد بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا» ..   Qالْحَدِيثُ الْخَامِسُ} وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ (ثَمَرُ النَّخْلِ) وَبِلَفْظِ (الْعِنَبِ) وَبِزِيَادَةِ (بَيْعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا) وَفِي لَفْظٍ لَهُ (وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ (وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَكِيلٍ مُسَمًّى إنْ زَادَ فَلِيَ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ (أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ بِكَيْلٍ) وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ (أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إنْ كَانَتْ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُمْ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَ (الْحَدِيثُ الثَّانِي) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ (قَالَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ بِلَفْظِ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. وَ (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا» . وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «وَالْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ تُجْعَلُ لِلْقَوْمِ فَيَبِيعُونَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ «رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا» قَالَ يَحْيَى: الْعَرِيَّةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخَلَاتِ لِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطَبًا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا» وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَالْعَرَايَا نَخَلَاتٌ مَعْلُومَاتٌ يَأْتِيهَا فَيَشْتَرِيهَا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ خَمْسَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ؛ وَرَوَى أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» . وَبِهَذَا الْأَسْنَادِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يَشْهَدُ لِرِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدٍ (وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ قَالَ فَقَوْل زَيْدٍ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ هُوَ النَّهْيُ عَنْ الْمُزَابَنَةِ) . {الثَّانِيَةُ} الْمُزَابَنَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ نُونٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الْمُخَاصَمَةُ وَالْمُدَافَعَةُ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَبَيْعُ الْكَرْمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالزَّبِيبِ كَيْلًا وَالثَّمَرُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ، وَإِسْكَانِ الْمِيمِ فَالْأَوَّلُ اسْمٌ لَهُ وَهُوَ رُطَبٌ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالثَّانِي اسْمٌ لَهُ بَعْدَ الْجِدَادِ وَالْيُبْسِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَإِنْ كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْأَخْذِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فَهُمْ رُوَاةُ الْحَدِيثِ، وَأَعْرَفُ بِتَفْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ عَلِمْته بَلْ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُزَابَنَةٌ وَلِذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُ كَيْلٌ بِجُزَافٍ وَلَا جُزَافٌ بِجُزَافٍ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَهْلَ الْمُسَاوَاةِ وَلَا يُؤْمَنُ مَعَ ذَلِكَ التَّفَاضُلُ. (قُلْت) وَحَقِيقَتُهَا الْجَامِعَةُ لِأَفْرَادِهَا بَيْعُ الرُّطَبِ مِنْ الرِّبَوِيِّ بِالْيَابِسِ مِنْهُ وَفَسَّرَهَا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ مِنْ صِنْفِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَصْلًا، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْمُخَاطَرَةِ وَالْقِمَارِ، وَأَدْخَلَهُ فِي مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ فَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْجُزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ أَنْ يُبَاعَ بِشَيْءٍ مُثْمِرٍ مِنْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّرُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ النَّوَى أَوْ الْقَصَبِ أَوْ الْعُصْفُرِ أَوْ الْكَرَفْسِ أَوْ الْكَتَّانِ أَوْ الْغَزْلِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ كِلْ سِلْعَتَك أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ أَوْ اُعْدُدْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعَدُّ فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا صَاعًا فَعَلَيَّ غُرْمُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لِي أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ فَلَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الْغَرَرُ وَالْمُخَاطَرَةُ وَالْقِمَارُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ لَهُ الثَّوْبُ أَضْمَنُ لَك مِنْ ثَوْبِك هَذَا كَذَا وَكَذَا طَهَارَةُ قَلَنْسُوَةٍ قَدْرُ كُلِّ طَهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ لِي ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً أُخْرَى ثُمَّ قَالَ فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ. انْتَهَى. مَعَ إسْقَاطِ بَعْضِهِ اخْتِصَارًا. وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُزَابَنَةَ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ جُزَافًا بِجُزَافٍ أَوْ مَعْلُومًا بِجُزَافٍ أَوْ مَعَ التَّسَاوِي وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا رُطَبٌ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ. قَالَ: وَأَمَّا إذَا قَالَ أَضْمَنُ لَك صُبْرَتَك هَذِهِ بِعِشْرِينَ صَاعًا فَمَا زَادَ فَلِي وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ تَمَامُهَا فَهَذَا مِنْ الْقِمَارِ وَلَيْسَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ فِي تَفْسِيرِ الْمُزَابَنَةِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ فِي ذَلِكَ قَالَ وَيَشْهَدُ لِقَوْلِ مَالِكٍ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَصْلُ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ فِي اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الْمُقَامَرَةُ وَالدَّفْعُ وَالْمُغَالَبَةُ وَفِي مَعْنَى الْقِمَارِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ أَيْضًا حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: إنَّ الْقَمَرَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقِمَارِ لِزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ فَالْمُزَابَنَةُ وَالْقِمَارُ وَالْمُخَاطَرَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ اشْتِقَاقِهَا وَاحِدٌ يَقُولُ الْعَرَبُ حَرْبٌ زَبُونٌ أَيْ ذَاتُ دَفْعٍ وَقِمَارٍ وَمُغَالَبَةٍ. قَالَ أَبُو الْعَوْلِ الطُّهْوِيُّ: فَوَارِسُ لَا يَمَلُّونَ الْمَنَايَا ... إذَا دَارَتْ رَحَى الْحَرْبِ الزَّبُونِ وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ لَقِيطٍ الْإِيَادِيُّ عَبْلُ الذِّرَاعِ أَبِيًّا ذَا مُزَابَنَةٍ ... فِي الْحَرْبِ يَخْتِلُ الرِّئْبَالَ وَالسَّقْبَا وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَمُسْتَعْجِبٌ مِمَّا رَأَى مِنْ إنَاثِنَا وَلَوْ زَبَنَتْهُ الْحَرْبُ لَمْ يَتَزَمْزَمْ. [فَائِدَة بَيْعِ الرُّطَبِ مِنْ الرِّبَوِيِّ بِالْيَابِسِ مِنْهُ] 1 {الثَّالِثَةُ} فِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ مِنْ الرِّبَوِيِّ بِالْيَابِسِ مِنْهُ وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ وَهَذَا مَدْلُولُ الْمُزَابَنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالتَّسَاوِي حَالَةُ الْكَمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُسَاوَاةِ الرُّطَبِ لَهُ فِي حَالَةِ الرُّطُوبَةِ مُسَاوَاتُهُ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ إذْ يَنْقُصُ بِجَفَافِهِ كَثِيرًا وَقَدْ يَنْقُصُ قَلِيلًا وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ التَّسَاوِي وَاكْتَفَى بِالْمُسَاوَاةِ حَالَةَ الرُّطُوبَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا، وَأَنَّهُ رِبَا وَعَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَسَوَاءٌ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ كَانَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ مَقْطُوعًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مَقْطُوعًا جَازَ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الْيَابِسِ. انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تَقْيِيدَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْمَقْطُوعَةِ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (كَيْلًا) لَيْسَ تَقَيُّدًا لِلنَّهْيِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ جُزَافًا فَلَا كَيْلَ بَلْ كَانَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صُورَةُ الْمُبَايَعَةِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ. {الْخَامِسَةُ} وَفِيهِ أَنَّ مِعْيَارَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْكَيْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ. {السَّادِسَةُ} وَفِيهِ تَسْمِيَةُ الْعِنَبِ كَرْمًا وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ لِلْأَدَبِ وَالتَّنْزِيهُ دُونَ الْمَنْعِ وَالتَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْعَرَايَا وَاسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ] 1 {السَّابِعَةُ} فِيهِ التَّرْخِيصُ فِي الْعَرَايَا وَاسْتِثْنَاؤُهَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَمَنْ جَعَلَهَا بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ قَالَ هِيَ مِنْ عَرَى النَّخْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مَعًا عَلَى أَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَعْرُوهَا إذَا أَفْرَدَهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ النَّخْلِ بِبَيْعِهَا رُطَبًا وَقِيلَ مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا وَمَنْ جَعَلَهَا بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ قَالَ هِيَ مِنْ عَرِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ يَعْرَى بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ فَكَأَنَّهَا عَرِيَتْ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الشَّرْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنْ يَخْرُصَ الْخَارِصُ نَخَلَاتٍ فَيَقُولَ هَذَا الرُّطَبُ الَّذِي عَلَيْهَا إذَا جَفَّ يَجِيءُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ فَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ لِإِنْسَانٍ بِثَلَاثَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَيَتَقَابَضَانِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَيُسَلِّمُ بَائِعُ الرُّطَبِ الرُّطَبَ بِالتَّخْلِيَةِ وَفِي تَفْسِيرِهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ. (أَحَدُهَا) أَنَّ مَدْلُولَ الْعَرَايَا لُغَةً عَطِيَّةُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ دُونَ رِقَابِهَا كَانَتْ الْعَرَبُ إذَا دَهَمَتْهُمْ سَنَةٌ تَطَوَّعَ أَهْلُ النَّخْلِ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ لَا نَخْلَ لَهُ فَيُعْطِيهِمْ مِنْ ثَمَرِ نَخْلِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ. وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةٍ ... وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ وَالسَّنْهَاءُ الَّتِي تَحْمِلُ سَنَةً دُونَ سَنَةٍ وَالرَّجَبِيَّةُ الَّتِي تَمِيلُ لِضَعْفِهَا فَيُدَعَّمُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُعَرَّى ثَمَرَتُهَا فِي سِنِي الْجَائِحَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا شَرْعًا بَيْعُ ذَلِكَ الْمُعَرَّى الرُّطَبَ الَّذِي مِلْكُهُ بِالْإِعْرَاءِ لِلْمُعْرِي بِتَمْرٍ وَلَا تَجُوزُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ إلَّا بَيْنَهُمَا خَاصَّةً لِمَا يَدْخُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ مِنْ الضَّرَرِ بِدُخُولِ غَيْرِهِ حَائِطَهُ أَوْ لِقَصْدِ الْمَعْرُوفِ بِقِيَامِ صَاحِبِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ وَالْكُلَفِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَشَرْطُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَأَنْ يَكُونَ بِتَمْرٍ مُؤَجَّلٍ إلَى الْجِدَادِ وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُ حَالًّا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» . قَالُوا: فَالْمُرَادُ بِأَهْلِهَا الَّذِينَ يَشْتَرُونَهَا فَقَدْ صَارُوا بِشِرَائِهَا أَهْلَهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَكُونَ أُصُولُ النَّخْلِ مِلْكَهُمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا) فَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِأَهْلِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ يَشْهَدُ لِتَأْوِيلِ مَالِكٍ أَمْرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْعَرِيَّةَ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُتَدَاوَلَةٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ نَقَلَهَا مَالِكٌ هَكَذَا. (وَالثَّانِي) قَوْلُهُ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَهِيَ الْهِبَةُ الْوَاقِعَةُ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ لَهُ نَخْلَتَانِ فِي حَائِطِ رَجُلٍ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ أَنَا آخُذُهَا بِخَرْصِهَا إلَى الْجِدَادِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِلرِّفْقِ يُدْخِلُهُ عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى صَاحِبِ النَّخْلَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَرِهَ دُخُولَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ السَّقْيِ فَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَلَا أُحِبُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ عَلَى خِلَافِ أَصْلِهِ فِي الْعَرِيَّةِ أَنَّهَا هِبَةُ الثَّمَرَةِ، وَأَنَّ الْوَاهِبَ هُوَ الَّذِي رَخَّصَ لَهُ فِي شِرَائِهَا قَالَ وَهِيَ رِوَايَةٌ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ وَبِالْعِرَاقِ إلَّا أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ رَوَوْهَا عَنْهُ بِخِلَافِ شَيْءٍ مِنْ مَعْنَاهَا فَذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَرِيَّةَ النَّخْلَةُ وَالنَّخْلَتَانِ لِلرَّجُلِ فِي حَائِطِ غَيْرِهِ. وَالْعَادَةُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ بِأَهْلَيْهِمْ فِي وَقْتِ الثِّمَارِ إلَى حَوَائِطِهِمْ فَيَكْرَهُ صَاحِبُ النَّخْلِ الْكَثِيرِ دُخُولَ الْآخَرِ عَلَيْهِ فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيك خَرْصَ نَخْلِك تَمْرًا فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا عَنْ مَالِكٍ يُضَارِعُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَرَايَا. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّ صُورَتَهَا فِيمَنْ أَعْرَى نَخْلَةٌ أَوْ نَخْلَتَيْنِ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ الْبَيْعُ بِالْمُعَرَّى فَلَهُ بَيْعُ تِلْكَ الثَّمَرَةِ مِمَّنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَاءَ فَإِذَا بَاعَهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا تَمْرًا فَهُوَ الْعَرَايَا، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَحَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا لَا أَقُولُ فِيهَا بِقَوْلِ مَالِكٍ لِلْمُعْرِي أَنْ يَبِيعَهَا فِيمَنْ شَاءَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يُبَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَمَالِكٌ يَقُولُ يَبِيعُهَا مِنْ الَّذِي أَعْرَاهَا وَلَيْسَ هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي وَيَبِيعُهَا مِمَّنْ شَاءَ وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ لِي ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ. قِيلَ لَهُ فَإِذَا بَاعَ الْمُعْرَى الْعَرِيَّةَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ السَّاعَةَ أَوْ حَتَّى يَجِدَ؟ قَالَ بَلْ يَأْخُذُهُ السَّاعَةَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعَرِيَّةُ هِيَ النَّخْلَةُ يَهَبُ صَاحِبُهَا تَمْرَهَا لِرَجُلٍ وَيَأْذَنُ لَهُ فِي أَخْذِهَا فَلَا يَفْعَلُ حَتَّى يَبْدُوَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْرَى لَمْ يَكُنْ مَلَكَهَا فَأُبِيحَ لِلْمُعْرِي أَنْ يُعَوِّضَهُ بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَيَمْنَعَهُ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ مِنْهُمْ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ لِلْمُعْرَى أَنْ يَأْخُذَ بَدَلًا مِنْ رُطَبٍ لَمْ يَمْلِكْهُ تَمْرًا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ لِلْمُعْرِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَأُخْرِجَ بِهِ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ لَيْسَ لِلْعَرِيَّةِ عِنْدَهُمْ مَدْخَلٌ فِي الْبُيُوعِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ تَمْرَ الْعَرِيَّةِ غَيْرَ الْمُعْطِي وَحْدَهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْعَرِيَّةُ عِنْدَهُمْ هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ. قَالَ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ أَصْحَابَ الْخَرْصِ أَنْ لَا يَخْرُصُوا الْعَرَايَا قَالَ: وَالْعَرَايَا أَنْ يَمْنَحَ الرَّجُلُ مِنْ حَائِطِهِ نَخْلًا ثُمَّ يَبْتَاعُهَا الَّذِي مَنَحَهَا إيَّاهُ مِنْ الْمَمْنُوحِ بِخَرْصِهَا. قَالُوا: فَالْعَرِيَّةُ مِنْحَةٌ وَعَطِيَّةٌ لَمْ تُقْبَضْ فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهَا هَذِهِ الرُّخْصَةُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْآثَارُ الصِّحَاحُ تَشْهَدُ بِأَنَّ الْعَرَايَا بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَحْظُورِ فِي ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْعَرَايَا وَمُحَالٌ أَنْ يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدٍ فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَمْلِكْ؛ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالُوا فِي الْعَرَايَا قَوْلًا لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَحِيحِ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْرَجَ عَلَيْهِ قَالَ، وَإِنْكَارُهُمْ لِلْعَرَايَا كَإِنْكَارِهِمْ لِلْمُسَاقَاةِ مَعَ صِحَّتِهَا وَدَفْعِهِمْ لِحَدِيثِ التَّفْلِيسِ إلَى أَشْيَاءَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأُصُولِ رَدُّوهَا بِتَأْوِيلٍ لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْمَبْدُوءَ بِهِ فِي تَفْسِيرِ الْعَرَايَا وَتَأَوَّلَهَا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى غَيْرِ هَذَا وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَرُدُّ تَأْوِيلَهَا. انْتَهَى. وَقَدْ رَدَّ مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ الْبَيْعُ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعَ الْعَرَايَا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْهِبَةَ لَمَا احْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْخَبَرِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ فِيهِ أُرَخِّصُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا وَالرُّخْصَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ حَظْرٍ وَالْحَظْرُ إنَّمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ ذَلِكَ لَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا هُنَا بَيْنَ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ جَائِزًا فَلَيْسَ إعْطَاؤُهُ التَّمْرَ بَدَلَهُ بَيْعًا فَإِنَّمَا هُوَ تَجْدِيدُ هِبَةٍ أُخْرَى. وَ (الرَّابِعُ) : أَنَّ الرُّخْصَةَ قُيِّدَتْ بِمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَفَسَّرَهَا ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِمِثْلِ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُ حَتَّى عَنْ الشَّافِعِيِّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ وَخَالَفَهُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ وَقَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْشَأَهُ وَلَا مَبْدَأَهُ وَلَا طَرِيقَهُ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ إسْنَادٍ. (قُلْت) وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قَالَ الشَّافِعِيُّ (قِيلَ لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَإِمَّا غَيْرُهُ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكُّوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا) وَجَزَمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنَّ الْمَسْئُولَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَدِيثُ سُفْيَانَ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ قَوْلَهُ يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا خَبَرُ أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ أَيْ يَبْتَاعُهَا؛ لِيَأْكُلَهَا وَذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا رُطَبَ لَهُ فِي مَوْضِعِهَا يَأْكُلُهُ غَيْرَهَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْحَائِطِ هُوَ الْمُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ لِيَأْكُلَهَا كَانَ لَهُ حَائِطُهُ مَعَهَا أَكْثَرَ مِنْ الْعَرَايَا يَأْكُلُ مِنْ حَائِطِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ إلَى أَنْ يَبْتَاعَ الْعَرِيَّةَ الَّتِي هِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى مَا وَصَفْت مِنْ النَّهْيِ. انْتَهَى. وَاعْتِبَارُ الْفَقْرِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجَوَازِ ذَلِكَ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفَقْرِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى فِي مَذْهَبِهِ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَقْرِ هُنَا مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ النَّقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْجُرْجَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَقِصَّةُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فِي سُؤَالِهِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تُرْشِدُ لَهُ. قَالَ: وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا لِلْمُعْسِرِ الْمُضْطَرِّ قَالَ وَلَعَلَّ هَذَا تَسَمُّحٌ فِي الْعِبَارَةِ. (قُلْت) لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ظَاهِرَ الْإِعْسَارِ وَالِاضْطِرَارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْسَارُ مِنْ النَّقْدِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ] {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ بِخَرْصِهَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بِكَسْرِ الْخَاءِ. وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَتْحُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا الْفَتْحُ أَشْهُرُ وَمَعْنَاهُ بِقَدْرِ مَا فِيهَا إذَا صَارَ تَمْرًا فَمَنْ فَتَحَ قَالَ هُوَ مَصْدَرٌ أَيْ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَمَنْ كَسَرَ قَالَ هُوَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَخْرُوصِ. انْتَهَى. وَالْخَرْصُ هُوَ التَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ {التَّاسِعَةُ} الرُّخْصَةُ وَرَدَتْ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْيُسْرُ فِي مَعْنَى الرُّطَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَوَرَدَتْ رِوَايَةٌ فِي بَيْعِهِ بِرُطَبٍ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى عَزْوُهَا لِلصَّحِيحَيْنِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبِ» فَتَمَسَّك بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِرُطَبٍ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى النَّخْلِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ خَيْرَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلِ وَمَنَعَهُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا وَيَمْتَنِعُ مَعَ الِاتِّحَادِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ بَلْ مَعْنَاهَا رَخَّصَ فِي بَيْعِهَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَشَكَّ فِيهِ الرَّاوِي فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ. انْتَهَى. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي بِالْوَاوِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدٍ الْبَرِّ ذِكْرُ الرُّطَبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ إلَّا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعِلْمِ وَهْمًا وَجَعَلَ الْقَوْلَ بِهِ شُذُوذًا وَمَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ قَالَ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فُقَهَاءُ عُدُولٌ. {الْعَاشِرَةُ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ هَذِهِ الرُّخْصَةَ هَلْ يُقْتَصَرُ بِهَا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ النَّخْلُ أَمْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) اخْتِصَاصُهَا بِالنَّخْلِ وَهَذَا قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي تَرْكِ الْقِيَاسِ. (الثَّانِي) تَعَدِّيهِمَا إلَى الْعِنَبِ بِجَامِعِ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنْ إمْكَانِ الْخَرْصِ فَإِنَّ ثَمَرَتَهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي عَنَاقِيدِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ مُسْتَتِرَةٌ بِالْأَوْرَاقِ لَا يَتَأَتَّى خَرْصُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. (الثَّالِثُ) تَعَدِّيهَا إلَى كُلِّ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الثِّمَارِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَأَنَاطُوا الْحُكْمَ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْبُسْرُ مِمَّا لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبُ مِمَّا لَا يَتَزَبَّبُ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ مِنْهُ بِخَرْصِهَا بَلْ يَخْرُجُ عَنْ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ؛ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ. (الرَّابِعُ) تَعَدِّيهَا إلَى كُلِّ ثَمَرَةٍ مُدَّخَرَةٍ وَغَيْرِ مُدَّخَرَةٍ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} لَمْ يُقَيِّدْ الرُّخْصَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكَّ دَاوُد فَجَعَلَ الْفُقَهَاءُ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَقَالُوا تَتَقَيَّدُ الرُّخْصَةُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ وَجَاءَتْ الْعَرَايَا رُخْصَةً وَشَكَّ الرَّاوِي فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهَا فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ وَهُوَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَبَقِيَتْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةُ الْمَصْرِيِّينَ الْجَوَازُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَتَوْجِيهُ جَعْلِ الْخَرْصِ أَصْلًا إلَّا فِي نَخْلٍ يَتَيَقَّنُ فِيهِ الْمَنْعُ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَخْتَصُّ الرُّخْصَةُ بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا صَرَّحَ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُحَاقَلَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْمُزَابَنَةِ، وَأَذِنَ لِأَصْحَابِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا، ثُمَّ قَالَ الْوَسْقِ وَالْوَسْقَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ» . قَالَ وَقَوْلُهُ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا فَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى بِالرُّخْصَةِ عَنْ الْقَدْرِ الْمُحَقِّقِ (قُلْت) هُوَ قَوْلٌ قَدْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فَقَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمِينَ: وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ قَالَ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ اتَّبَعَهُمَا فِي جَوَازِ الْعَرَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ إذَا كَانَتْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَعْرِفُوا حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَوْسُقِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اخْتِصَاصِ الْجَوَازِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ بِمَا دُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ أَخَذَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْلُغَ بِذَلِكَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فِي صَفْقَةٍ وَلَا فِي صَفَقَاتٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَصْلًا لَا الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الْجُمْهُورُ الْمَنْعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ فَأَمَّا مَعَ اخْتِلَافِهَا فَلَا مَنْعَ، وَلِذَلِكَ تَفَاصِيلُ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ لَوْ بَاعَ قَدْرًا كَثِيرًا فِي صَفَقَاتٍ لَا تَزِيدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ جَازَ وَكَذَا لَوْ بَاعَ فِي صَفْقَةٍ لِرَجُلَيْنِ بِحَيْثُ يَخُصُّ كُلُّ وَاحِدٍ الْقَدْرَ الْجَائِزَ فَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ كَبَيْعِ رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ. وَ (الثَّانِي) : كَبَيْعِهِ لِرَجُلٍ صَفْقَةً. وَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً لَمْ يَجُزْ فِيمَا زَادَ عَلَى عَشْرَةِ أَوْسُقٍ وَيَجُوزُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَفِي الْعَشَرَةِ الْقَوْلَانِ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ الْعُقُودُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ حَتَّى لَوْ بَاعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَلْفَ وَسْقٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِصَفَقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ جَازَ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَوْ تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ جَازَ إنْ اتَّحِدْ الشِّقُّ الْآخَرُ، وَإِنْ اتَّحِدَا أَوْ تَعَدَّدَتْ الْحَوَائِطُ وَقَدْ أَعْرَاهُ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ قَدْرَ الْعَرِيَّةِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هِيَ كَالْحَائِطِ الْوَاحِدِ لَا يُشْتَرَى مِنْهُ مِنْ جَمِيعِهَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 بَابُ بَيْعِ الْعَقَارِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَك مِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْك الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْك الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الْأَرْضَ إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا قَالَ فَتَحَاكَمَا إلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إلَيْهِ أَلَكُمَا وَلَدٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحْ الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا» .   Qمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ إنْ كَانَتْ الْعَرَايَا بِلَفْظٍ فَهِيَ كَالْحَائِيِّ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَلْفَاظِ أَزْمَانٍ مُتَغَايِرَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. [بَابُ بَيْعِ الْعَقَارِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ] [حَدِيث اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا فَوَجَدَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ] {بَابُ بَيْعِ الْعَقَارِ وَمَا يَدْخُلُ فِيهِ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَك مِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْك الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْك الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الْأَرْضَ إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا؛ قَالَ فَتَحَاكَمَا إلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إلَيْهِ أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحْ الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا " (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {الثَّانِيَةُ} الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ جَرَتْ فِيهِمْ وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا هَلْ شَرْعٌ لَنَا أَمْ لَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِهَا بَيَانَ مَنَاقِبِهِمْ وَمُسْلِمٌ أَوْرَدَهَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ. {الثَّالِثَةُ} الْعَقَارُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الْأَرْضُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا وَحَقِيقَةُ الْعَقَارِ الْأَصْلُ سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ الْعُقْرِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ وَمِنْهُ عُقْرُ الدَّابَّةِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعَقَارُ الْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ وَالنَّخْلُ وَيُقَالُ أَيْضًا فِي الْبَيْتِ عَقَارٌ حَسَنٌ أَيْ مَتَاعٌ وَأَدَاةٌ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْعُقْرُ وَالْعَقَارُ الْمَنْزِلُ وَالضَّيْعَةُ وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِالْعَقَارِ النَّخْلَ وَعَقَارُ الْبَيْتِ مَتَاعُهُ وَنَضَدُهُ الَّذِي لَا يُبْتَذَلُ إلَّا فِي الْأَعْيَادِ وَالْحُقُوقِ الْكِبَارِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْعَقَارُ الْأَصْلُ مِنْ الْمَالِ وَقِيلَ الْمَنْزِلُ وَالضِّيَاعُ وَقِيلَ مَتَاعُ الْبَيْتِ. انْتَهَى. فَجَعَلَ ذَلِكَ خِلَافًا وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (وَقَالَ بَائِعُ الْأَرْضِ إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا) لَفْظٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ (وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ) وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَتْ لَهُ الْأَرْضُ قَبْلَ بَيْعِهَا وَاخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ نُسَخُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَفِي أَصْلِنَا (الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ) وَحَكَاهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَحَكَاهَا النَّوَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَشَرَى هُنَا بِمَعْنَى بَاعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] وَلِهَذَا قَالَ: فَقَالَ الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ إنَّمَا بِعْتُك، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ الرِّوَايَةَ التَّالِيَةَ عَنْ غَيْرِ السَّمَرْقَنْدِيِّ قَالَ وَفِيهَا بُعْدٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ هُنَا الْبَائِعُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ مُشْتَرٍ لَا إنْ صَحَّ فِي اشْتَرَى أَنَّهُ مِنْ الْأَضْدَادِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي شَرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ. انْتَهَى. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ (فَتَحَاكَمَا إلَى رَجُلٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا حَكَّمَاهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا مَنْصُوبًا لِلنَّاسِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَفِي ظَاهِرِهِ يَكُونُ فِيهِ لِمَالِكٍ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إذَا حَكَّمَا بَيْنَهُمَا مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْحُكْمِ صَحَّ وَلَزِمَهُمَا حُكْمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا سَوَاءٌ وَافَقَ ذَلِكَ الْحُكْمُ رَأْيَ قَاضِي الْبَلَدِ أَوْ خَالَفَهُ وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَافَقَ رَأْيُهُ رَأْيَ قَاضِي الْبَلَدِ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْفَتْوَى مِنْهُ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ. انْتَهَى. (قُلْت) الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ التَّحْكِيمِ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ مَا عَرَفْت مِنْ أَيْنَ لِلْقُرْطُبِيِّ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا وَإِنَّمَا كَانَ مُحَكَّمًا فَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ كَمَا ذَكَرَهُ آخِرًا وَقَدْ سَمَّاهُ النَّوَوِيُّ فِي تَبْوِيبِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَاكِمًا. {السَّادِسَةُ} قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا: وَهَذَا الرَّجُلُ الْمُحَكَّمُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُنْفِقَا ذَلِكَ الْمَالَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى وَلَدَيْهِمَا وَيَتَصَدَّقَا وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَالَ ضَائِعٌ إذْ لَمْ يَدَّعِهِ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَيْتُ مَالٍ فَظَهَرَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِذَلِكَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ لِزُهْدِهِمَا وَوَرَعِهِمَا وَحُسْنِ حَالِهِمَا وَلِمَا ارْتَجَى مِنْ طِيبِ نَسْلِهِمَا وَصَلَاحِ ذُرِّيَّتِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَاخْتُلِفَ عِنْدَنَا فِيمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا فَوَجَدَ فِيهَا شَيْئًا مَدْفُونًا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِلْبَائِعٍ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؟ فِيهِ قَوْلَانِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَعْنِي بِذَلِكَ مَا يَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ كَالْحِجَارَةِ وَالْعَمَدِ وَالرُّخَامِ وَلَمْ يَكُنْ خِلْقَةً فِيهَا، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ رِكَازًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ دِفْنِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَإِنْ كَانَ جُهِلَ ذَلِكَ كَانَ مَالًا ضَائِعًا فَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ بَيْتُ مَالٍ حُفِظَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صُرِفَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِيمَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أُمُورِ الدِّينِ وَفِيمَا أَمْكَنَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَجَزَمَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا وَالْمُثَبَّتَةُ وَبِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْكُنُوزُ وَالْأَقْمِشَةُ وَالْحِجَارَةُ الْمَدْفُونَةُ. {السَّابِعَةُ} هَذِهِ الْوَاقِعَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صُورَتُهَا أَنَّهُ بَاعَهُ الْعَقَارَ مُطْلَقًا وَبَنَى الْبَائِعُ عَلَى دُخُولِ الذَّهَبِ الَّذِي فِيهَا فِي الْإِطْلَاقِ وَبَنَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ. وَالْحُكْمُ فِيهَا فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْمُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، وَالذَّهَبُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ صُورَتُهَا أَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ: إنَّهُ وَقَعَ تَصْرِيحٌ بِبَيْعِ الذَّهَبِ مَعَ الْعَقَارِ وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ لَمْ يَقَعْ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِبَيْعِ الْعَقَارِ خَاصَّةً وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَتَحَالَفَانِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا يَجْمَعُ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ فَإِذَا تَحَالَفَا فُسِخَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ الْآخَرُ، وَرَجَعَ الْعَقَارُ وَالذَّهَبُ إلَى الْبَائِعِ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقُرْطُبِيِّ إنَّ هَذَا مَالٌ ضَائِعٌ إذْ لَمْ يَدَّعِهِ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ مَرْدُودٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الذَّهَبُ لِي أَصْلًا وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ إلَى بَائِعِهِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُجْبِي وَأَمَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْبَائِعَ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ الذَّهَبَ كَانَ لَهُ وَبَاعَهُ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالُ فِي أَنْ يَبِيعَهُ مَا فِيهَا هَلْ كَانَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ أَوْ بِدُخُولِهِ تَحْتَ لَفْظِ الْأَرْضِ وَتَبَعِيَّتِهِ لَهَا فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَحُكْمُهُمَا عِنْدَنَا وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ مِنْ كَلَامَيْهِمَا يُسَمَّى عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ قَصْرُ إفْرَادٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِشَيْئَيْنِ وَهُوَ الْأَرْضُ وَالذَّهَبُ وَالْمُشْتَرِي يُقْصِرُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَرْضُ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي بَيْعَ الذَّهَبِ دُونَ الْأَرْضِ وَالْمُشْتَرِي ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الذَّهَبِ لَكَانَ قَصْرُ قَلْبٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [فَائِدَة فَضْلُ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ] 1 {الثَّامِنَةُ} وَفِيهِ فَضْلُ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ وَقَدْ عَدَّ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ الْقَضَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَظَائِفِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {التَّاسِعَةُ} الْوَلَدُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ اللَّامِ فِيهِمَا يَكُونُ مُفْرَدًا وَجَمْعًا وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لَهُمَا فَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ أَلِكُلٍّ مِنْكُمَا وَلَدٌ فَهُوَ مُفْرَدٌ، وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ أَلِمَجْمُوعِكُمَا وَلَدٌ فَالْمُرَادُ الْجَمْعُ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلَيْنِ وَلَدٌ وَاحِدٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقَدْ يَكُونُ الْوَلَدُ جَمْعَ الْوَلَدِ مِثْلَ أُسُدٌ وَأَسَدٌ. {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ أَنْفِقُوا كَذَا فِي رِوَايَتِنَا وَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَعَلَّ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ قَدْ يَكُونُ بِيَدِ الْوَالِدَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَتَصَدَّقَا فَثَنَّى الضَّمِيرَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَبَرُّعٌ فَلَا تَصْدُرُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ الرَّشِيدِ وَالْوَلَدَانِ لَيْسَ لَهُمَا مِلْكٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونَانِ مَعَ ذَلِكَ صَغِيرَيْنِ أَوْ سَفِيهَيْنِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا كَذَا هُوَ بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فِي رِوَايَتِنَا وَرِوَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» وَلَهُمَا «كُلُّ بَيْعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» وَلِلْبُخَارِيِّ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ وَرُبَّمَا قَالَ أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ) وَلَهُ   Qالْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنْفُسِكُمَا بِضَمِيرِ الْخِطَابِ. [بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ] [حَدِيث الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ] {بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ} عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي لَفْظِهِ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ طُرُقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَرُبَّمَا قَالَ (أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ إنَّهُ نَحْوُ حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ قَالَ (أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ بِلَفْظِ (إنَّ الْمُتَبَايِعِينَ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا) قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ) وَقَالَ مُسْلِمٌ (كَانَ إذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَلَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّة ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ) وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةُ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» وَلِلْبَيْهَقِيِّ (حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا) وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَ ثَلَاثَ مِرَارٍ» وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ دُونَ قَوْلِهِ (أَوْ) وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ وَيَتَخَايَرَانِ ثَلَاثَ مِرَارٍ» .   Qابْنُ عُمَرَ (إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا النَّسَائِيّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ (يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خِيَارًا) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لَهُ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا وَتَخَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ (إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ قَالَ نَافِعٌ فَكَانَ إذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّة ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَقَالَ النَّسَائِيّ (يَفْتَرِقَا) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَوْقُوفَ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنِ عُمَرَ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ كُلُّهُمْ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ طُرُقَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ هَذِهِ أَسَانِيدُ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْجَهْلِ أَنَّهُ قَالَ هَذَا خَبَرٌ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ شَتَّى فَهُوَ مُضْطَرِبٌ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ أَلْفَاظَهُ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُخْتَلِفًا. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ الْمُتَبَايِعَانِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا الْبَيِّعَانِ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ فِيمَا أَعْلَمُ الْبَائِعَانِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْبَائِعِ أَغْلَبَ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي اللُّغَةِ الْأَمْرَانِ كَمَا فِي ضَيِّقٍ وَضَائِقٍ وَصَيِّنٌ وَصَائِنٍ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى فَعْلٍ فِي أَلْفَاظٍ مَحْصُورَةٍ كَطَيِّبٍ وَسَيِّئٍ وَمَيِّتٍ وَكَيِّسٍ وَرَيِّضٍ وَلَيِّنٍ وَهَيِّنٍ وَقَالُوا بَانَ بِمَعْنَى بَعُدَ فَهُوَ بَائِنٌ وَبِمَعْنَى ظَهَرَ فَهُوَ بَيِّنٌ، وَقَامَ بِبَدَنِهِ فَهُوَ قَائِمٌ وَقَامَ بِالْأَمْرِ وَعَلَى الْيَتِيمِ فَهُوَ قَيِّمٌ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَعْنَى. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا يَفْتَرِقَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ وَبِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ الْمُفَضَّلِ أَنَّهُ قَالَ يَفْتَرِقَانِ بِالْكَلَامِ وَيَتَفَرَّقَانِ بِالْأَبْدَانِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ وَلَا يَعْضُدُهُ الِاشْتِقَاقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] فَذَكَرَ التَّفَرُّقَ فِيمَا ذَكَرَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِافْتِرَاقَ فِي قَوْلِهِ «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» (قُلْت) : التَّفَرُّقُ الَّذِي فِي الْآيَةِ وَالِافْتِرَاقُ الَّذِي فِي الْخَبَرِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَبْدَانُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِاخْتِلَافِ الْعَقَائِدِ غَالِبًا فَإِنَّ مَنْ خَالَفَ شَخْصًا فِي عَقِيدَتِهِ هَجَرَهُ وَلَمْ يُسَاكِنْهُ غَالِبًا. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَقْوَالُ فَلَا يُطَابَقُ مِنْ أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الِافْتِرَاقِ بِالْأَقْوَالِ كَمَا سَنَحْكِيهِ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ أُولَئِكَ الْمُخْتَلِفِينَ مُتَفَرِّقَةٌ وَلَا يُطَابِقُ شَيْءٌ مِنْهَا الْآخَرَ وَأَمَّا هُنَا فَإِنَّ قَوْلَيْ الْبَائِعَيْنِ مُتَوَافِقَانِ لَا يُخَالِفُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنَّهُ لَوْ خَالَفَهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ مَا دَامَا مُصْطَحِبَيْنِ فَإِذَا تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا انْقَطَعَ هَذَا الْخِيَارُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ وَسَوَّارٌ الْقَاضِي وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْبُخَارِيُّ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرُونَ وَقَالَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا إلَى إنْكَارِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَالُوا: إنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَبِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ سَلَفًا إلَّا إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَرِوَايَتُهُ مَكْذُوبَةٌ عَنْ شُرَيْحٍ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَدَّهُ غَيْرَ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. انْتَهَى. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ لَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَفَعَهُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ دَعْوَى إجْمَاعِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَابْنَ شِهَابٍ وَهُمَا أَجَلُّ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ رُوِيَ عَنْهُمَا مَنْصُوصًا الْعَمَلُ بِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ نَصَّا إلَّا عَنْ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى رَبِيعَةَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَصْرِ مَالِكٍ يُنْكِرُ عَلَى مَالِكٍ اخْتِيَارَهُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ حَتَّى جَرَى مِنْهُ لِذَلِكَ فِي مَالِكٍ قَوْلٌ خَشِنٌ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ بِهَذَا إنْكَارَ الْقَوْلِ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَكُونُ ثَلَاثًا وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ بِحَسَبِ الْمَبِيعِ. قَالَ: وَأَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَإِنَّمَا رَدَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاعْتِبَارًا وَنَظَرًا مَالَ فِيهِ إلَى رَأْيِ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدِهِ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ حَمَلَ كَلَامَ مَالِكٍ هَذَا عَلَى دَفْعِ الْحَدِيثِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَمَّنْ لَا تَحْصِيلَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِمْ قَالَ: وَقَدْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ يَعْنِي إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ: يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ وَلَمْ يَفْهَمْ ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَقْصُودَ مَالِكٍ رَدُّ الْحَدِيثِ بِأَنَّ وَقْتَ التَّفَرُّقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَالْتَحَقَ بِبُيُوعِ الْغَرَرِ كَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَسَنَحْكِي عِبَارَتَهُ فِي ذَلِكَ وَسَبَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى إنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَقَالَ مَا أَدْرِي أَتَّهِمُ مَالِكًا نَفْسَهُ أَمْ نَافِعًا وَأَعْلَمُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَنْ أَذْكُرَهُ إجْلَالًا لَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ فَحَدَّثُوا بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ أَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ قَالَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سَائِلُهُ عَمَّا قَالَ وَقَدْ أَجَابَ أَصْحَابُهُمَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَأَيْضًا فَإِجْمَاعُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَالنَّظَرُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْعَاصِمَ لِلْأُمَّةِ مِنْ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضَهُمْ وَلَا مُسْتَنَدَ لِلْعِصْمَةِ سِوَاهُ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقْبَلُ خِلَافَهُ مَا دَامَ مُقِيمًا بِهَا فَإِذَا خَرَجَ عَنْهَا لَمْ يَقْبَلْ خِلَافَهُ هَذَا مُحَالٌ فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ حَيْثُ حَلَّ وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا عَلِيٌّ وَهُوَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ أَقْوَالًا بِالْعِرَاقِ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تُهْدَرَ إذَا خَالَفَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَهُوَ كَانَ رَأْسَهُمْ وَكَذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَحَلُّهُ مِنْ الْعِلْمِ مَعْلُومٌ وَغَيْرُهُمَا قَدْ خَرَجُوا وَقَالُوا أَقْوَالًا عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ إنَّ الْمَسَائِلَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ وَادَّعَى الْعُمُومَ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. (ثَانِيهَا) ادَّعَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ إمَّا؛ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَإِمَّا لِحَدِيثِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْحَاجَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَى الْيَمِينِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَلَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَكَانَ كَافِيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ حَكَاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، أَمَّا النَّسْخُ لِأَجْلِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَمُجَرَّدُ الْمُخَالَفَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِتَقْدِيمِ دَلِيلٍ آخَرَ رَاجِحٍ فِي ظَنِّهِمْ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ أَوْ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَنِ التَّفَرُّقِ وَزَمَنِ الْمَجْلِسِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى النَّسْخِ، وَالنَّسْخُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. انْتَهَى. (ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَبَايِعِينَ الْمُتَسَاوِمَانِ وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ خِيَارُ الْقَبُولِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ إنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ وَالْبَائِعُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِيجَابِ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَرَدَّ بِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مُتَبَايِعَيْنِ مَجَازٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى بَلْ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَجَازِ مُتَعَذِّرٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ غَايَةَ الْخِيَارِ التَّفَرُّقَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ خِيَارَ الْمُتَسَاوِمَيْنِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِالتَّفَرُّقِ فَإِنْ حَمَلَ التَّفَرُّقَ عَلَى الْأَقْوَالِ فَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ سَنَحْكِيهِ وَنَرُدُّهُ وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الرَّدِّ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مَجَازٌ أَيْضًا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بِخِلَافِهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِالِاتِّفَاقِ. (رَابِعُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَبَايِعِينَ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِتَقْرِيرِ غَيْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ الْبَيْعُ إنْ شَاءَ بَاعَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَبِعْ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ قَدْ يَشْتَرِي وَقَدْ لَا يَشْتَرِي وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّ هَذَا مَعْنًى رَكِيكٌ يُصَانُ كَلَامُ الشَّارِعِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِ النَّاسِ الْأَخْيَارِ بِأَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ إنْ شَاءَا عَقَدَا الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَعْقِدَاهُ عُدَّ ذَلِكَ سُخْفًا وَحَمَاقَةً فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ. (خَامِسُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ التَّفَرُّقُ بِالْأَقْوَالِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] أَيْ عَنْ النِّكَاحِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ التَّفَرُّقُ عَنْ الْمَكَانِ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «أَيُّمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ بَيْعَةً فَإِنَّ كُلَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا» الْحَدِيثَ وَيَدُلُّ لَهُ فِعْلُ رَاوِيهِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ إذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّة ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُمَا صَرِيحَتَانِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّفَرُّقُ عَنْ الْمَكَانِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ عَمَّرَك اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ أَبِي يَحْلِفُ مَا الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مُتَّصِلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَى الِافْتِرَاقِ: خَبِّرُونَا عَنْ الْكَلَامِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الِاجْتِمَاعُ وَتَمَّ بِهِ الْبَيْعُ أَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الِافْتِرَاقُ أَمْ غَيْرُهُ فَإِنْ قَالُوا هُوَ غَيْرُهُ فَقَدْ جَاءُوا بِمَا لَا يُعْقَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ كَلَامٌ غَيْرُهُ، وَإِنْ قَالُوا هُوَ ذَلِكَ الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَهُمْ كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي بِهِ اجْتَمَعَا وَتَمَّ بِهِ بَيْعُهُمَا بِهِ افْتَرَقَا وَبِهِ انْفَسَخَ بَيْعُهُمَا هَذَا،، مَا لَا يُعْقَلُ. (سَادِسُهَا) أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ فَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَمَا احْتَاجَ إلَى اسْتِقَالَةٍ وَلَا طَلَبَ الْفِرَارَ مِنْ الِاسْتِقَالَةِ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَحِلُّ لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ فَإِنْ صَحَّتْ فَلَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ لِيُنْفِذَ بَيْعَهُ وَلَا يُقِيلَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ (ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِقَالَةِ هُنَا الْفَسْخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِالْمُفَارَقَةِ أَمَّا طَلَبُ الْإِقَالَةِ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالرِّضَا مِنْهُمَا وَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ التَّفَرُّقِ (سَابِعُهَا) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ خَالَفَهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ قَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّ هَذِهِ قَاعِدَةٌ مَرْدُودَةٌ (ثَانِيهِمَا) مَعَ تَسْلِيمِهَا فَمَالِكٌ يَنْفَرِدُ بِهِ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ وَعَمِلَ بِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَمْكَنَ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ: الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَكِنْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ. (ثَامِنُهَا) أَنَّ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يُقْبَلُ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَهُوَ الْبَيْعُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَإِنْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْبَيْعِ دَالٌّ عَلَى الرَّغْبَةِ فِيهِ فَالْحَاجَةُ لِمَعْرِفَةِ حُكْمِ فَسْخِهِ لَا تَعُمُّ وَبِتَقْدِيرِ عُمُومِهَا فَرَدُّ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيهِ مَمْنُوعٌ. (تَاسِعُهَا) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي إلْحَاقِ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِمَا بَعْدَهُ فِي مَنْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ النَّدَمُ عَلَى الْبَيْعِ لِوُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَوٍّ فَيُسْتَدْرَكُ بِالْخِيَارِ، وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ وُثُوقِ الْمُشْتَرِي بِتَصَرُّفِهِ فَجُعِلَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ حَرِيمًا لِذَلِكَ وَهَذَا فَارِقٌ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لَمْ يَرِدْ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الْفَرْعِ بِعَيْنِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ أَخْرَجَ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةَ عَنْ الْكُلِّيَّاتِ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ تَعَبُّدًا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ. (عَاشِرُهَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِهِ مُتَعَذِّرٌ فَإِنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارَ عَلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا فِي الِاخْتِيَارِ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ خِيَارٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَالْآخَرُ الْإِمْضَاءَ فَقَدْ اسْتَحَالَ أَنْ يَثْبُتَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ خِيَارٌ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ مُسْتَحِيلٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفَسْخَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مُكِّنَ مِنْهُ وَأَمَّا الْإِمْضَاءُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارٍ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْحَالُ يُفْضِي إلَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (حَادِي عَشَرَهَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْخِيَارِ هُنَا عَلَى خِيَارِ الْفَسْخِ فَلَعَلَّهُ أُرِيدَ خِيَارُ الشِّرَاءِ أَوْ خِيَارُ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ خِيَارِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَبَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَا خِيَارَ، وَلَا خِيَارَ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ لِبَقَائِهِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالْخِيَارُ الْمُثْبِتُ مَلْغِيًّا بِالتَّفَرُّقِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ الْخِيَارِ فِي خِيَارِ الْفَسْخِ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ وَلَك الْخِيَارُ وَفِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَالْمُرَادُ فِيهِمَا خِيَارُ الْفَسْخِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ. (ثَانِي عَشَرَهَا) تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ فِي رَدِّ ذَلِكَ بِالْعُمُومَاتِ مِثْلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] قَالُوا: وَفِي الْخِيَارِ إبْطَالُ الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» قَالُوا فَقَدْ أَبَاحَ بَيْعَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْمَسْلَكِ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا تُرَدُّ بِهِ النُّصُوصُ الْخَاصَّةُ، وَإِنَّمَا يُقْضَى لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا بَسَطْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ صَحِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ لِمَذْهَبِنَا فِي رَدِّ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَأَكْثَرُهُ تَشْعِيبٌ لَا يُحْصَلُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ لَازِمٍ لَا مَدْفَعَ لَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهَا جَوَابٌ صَحِيحٌ فَالصَّوَابُ ثُبُوتُهُ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَانْتَصَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ لِمَذْهَبِهِ بِمَا لَا يَقْبَلُهُ مُنْصِفٌ وَلَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ فَقَالَ الَّذِي قَصَدَ مَالِكٍ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَعَلَ الْعَاقِدَيْنِ بِالْخِيَارِ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَلَمْ يَكُنْ لِفُرْقَتِهِمَا وَانْفِصَالِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَلَا غَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ إلَّا أَنْ يَقُومَا أَوْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا عَلَى مَذْهَبٍ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ يَقِفُ مَعَهَا انْعِقَادُ الْبَيْعِ فَيَصِيرُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا لَمَسْتَهُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِذَا نَبَذْتَهُ أَوْ نَبَذْتَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَقْطُوعٌ بِفَسَادِهَا فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَحَصَّلْ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ مَفْهُومًا، وَإِنْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ رَاوِيَهُ بِفِعْلِهِ وَقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ لِيَجِبَ لَهُ الْبَيْعُ فَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِمَا يُثْبِتُ الْجَهَالَةَ فِيهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ كَمَا يُوجِبُهُ النَّهْيُ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَفْسِيرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَهْمِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَصْلُ التَّرْجِيحِ الَّذِي هُوَ قَضِيَّةُ الْأُصُولِ أَنْ يُقَدَّمَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى الْمَظْنُونِ وَالْأَكْثَرُ رُوَاةً عَلَى الْأَقَلِّ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَهُ مَالِكٌ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ إلَّا مِثْلُهُ وَلَا يَتَفَطَّنُ لَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ غَيْرُ مُدَافَعٍ لَهُ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ أَيُعْقَلُ عَلَى الشَّارِعِ، وَيُقَالُ لَهُ هَذَا الَّذِي حَكَمْت بِهِ غَرَرٌ وَقَدْ نَهَيْت عَنْ الْغَرَرِ فَلَا نَقْبَلُ هَذَا الْحُكْمَ وَنَتَمَسَّكُ بِقَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ وَأَيُّ غَرَرٍ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ رِفْقًا بِالْمُتَعَاقِدِينَ لِاسْتِدْرَاكِ نَدَمٍ، وَهَذَا الْمُخَالِفُ يُثْبِتُ خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ بِزَعْمِهِ وَحَدِيثُ خِيَارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَجْلِسِ أَصَحُّ مِنْهُ وَيَعْتَبِرُ التَّفَرُّقَ فِي إبْطَالِهِ لِلْبَيْعِ إذَا وَجَدَ قَبْلَ التَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ وَلَا يَرَى تَعْلِيقَ ذَلِكَ بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ غَرَرًا مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَرٌ فَقَدْ أَبَاحَ الشَّارِعُ الْغَرَرَ فِي مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ كَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَوَالَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ بَلْ لَوْ لَمْ يُظْهِرْ لَنَا حِكْمَتَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْأَخْذُ بِهِ تَعَبُّدًا وَالْمَسْلَكُ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ إمَامِهِ أَقَلُّ مَفْسَدَةً مِنْ الَّذِي سَلَكَهُ فَإِنَّ ذَاكَ تَقْدِيمٌ لِلْإِجْمَاعِ فِي اعْتِقَادِهِ إنْ صَحَّ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا مَا سَلَكَهُ فَفِيهِ رَدُّ السُّنَنِ بِالرَّأْيِ وَذَلِكَ قَبِيحٌ بِالْعُلَمَاءِ. (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَقَدْ اسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا لَمْ يُثْبِتُوا فِيهَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُهُ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَاسْتَثْنَى الْأَوْزَاعِيُّ مِنْ ذَلِكَ بُيُوعًا ثَلَاثَةً بَيْعَ السُّلْطَانِ لِلْغَنَائِمِ، وَالشَّرِكَةَ فِي الْمِيرَاثِ، وَالشَّرِكَةَ فِي التِّجَارَةِ قَالَ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ خِيَارٌ. (السَّادِسَةُ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ لِلتَّفْرِقَةِ ضَابِطًا وَمَرْجِعُهُ الْعُرْفُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ إذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيَّة ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا قَالَ أَصْحَابُنَا مَا عَدَّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا لَزِمَ بِهِ الْعَقْدُ فَلَوْ كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفْرِقَةُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا أَوْ يَصْعَدَ السَّطْحَ، وَكَذَا لَوْ كَانَا فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ أَوْ سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً حَصَلَ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى بَيْتٍ أَوْ صُفَّةٍ، وَإِنْ كَانَا فِي صَحْرَاءَ أَوْ سُوقٍ فَإِذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا ظَهْرَهُ وَمَشَى قَلِيلًا حَصَلَ التَّفَرُّقُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ صَاحِبِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَلَّمَهُ عَلَى الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ، وَلَا يَحْصُلْ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يُرْخَى بَيْنَهُمَا سِتْرٌ أَوْ يُشَقُّ نَهْرٌ وَهَلْ يَحْصُلُ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا، وَصَحْنُ الدَّارِ وَالْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا تَفَاحَشَ اتِّسَاعُهُمَا كَالصَّحْرَاءِ فَلَوْ تَنَادَيَا مُتَبَاعِدَيْنِ وَتَبَايَعَا فَلَا شَكَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ الطَّارِئَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ فَالْمُقَارِنُ يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ مَا دَامَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلَّى ثُمَّ إذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُ الْآخَرِ أَمْ يَدُومُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَهُ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَهُ بَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدُّ التَّفْرِقَةِ أَنْ يَتَوَارَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ التَّفَرُّقُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا. (السَّابِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ (إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ امْتِدَادِ الْخِيَارِ إلَى التَّفَرُّقِ، وَالْمُرَادُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَتَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَخْتَارَا إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَيَلْزَمُ بِنَفْسِ الْخِيَارِ وَلَا يَدُومُ إلَى التَّفَرُّقِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَهِيَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) وَرُبَّمَا قَالَ أَوْ يَكُونُ بَيْعُ الْخِيَارِ فَلَمَّا وَضَعَ قَوْلَهُ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ مَوْضِعَ بَيْعِ الْخِيَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. وَقَدْ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَاحْتَمَلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ مَعْنَيَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ وَأَوْلَاهُمَا بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا وَالْقِيَاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ، وَالْمُتَبَايِعَانِ اللَّذَانِ عَقَدَا الْبَيْعَ. حَتَّى يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ قَطْعِ الْبَيْعِ فِي السُّنَّةِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَتَفَرُّقُهُمَا هُوَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ كَانَ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ، وَكَانَ مَوْجُودًا فِي اللِّسَانِ، وَالْقِيَاسُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ يَجِبُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْفِرَاقُ أَنْ يَجِبَ بِالثَّانِي بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ إذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَانَ الِاخْتِيَارُ بِجَدِيدِ شَيْءٍ يُوجِبُهُ كَمَا كَانَ التَّفَرُّقُ بِجَدِيدِ شَيْءٍ يُوجِبُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُهُ بِمِثْلِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ كَانَ مَا وَصَفْنَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ أَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِيهِ قَالَ «خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَالَ الرَّجُلُ عَمَّرَك اللَّهُ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ» قَالَ وَكَانَ أَبِي يَحْلِفُ مَا كَانَ الْخِيَارُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهَذَا نَقُولُ، وَكَذَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ وَغَلَّطُوا قَائِلَهُ وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ بَسَطَ دَلَائِلَهُ، وَبَيَّنَ ضَعْفَ مَا يُعَارِضُهَا. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ وَالْمُرَادُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ دُونَهَا فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ فِيهِ بِالتَّفَرُّقِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٍ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَالْمَعْنَى إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ نَفْيُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ خِيَارٌ. (الثَّامِنَةُ) فَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ بِأَنْ يَقُولَا تَخَايَرْنَا أَوْ اخْتَرْنَا إمْضَاءَ الْعَقْدِ أَوْ أَمْضَيْنَاهُ أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ وَمَا أَشْبَهَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَا أَبْطَلْنَا الْخِيَارَ وَأَفْسَدْنَاهُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: اخْتَرْت إمْضَاءَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ أَوْ خَيَّرْتُك فَقَالَ الْآخَرُ: اخْتَرْت انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا، وَإِنْ سَكَتَ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ وَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْقَائِلِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا وَلَوْ أَجَازَهُ وَاحِدٌ وَفَسَخَهُ آخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ بِإِمْضَائِهِمَا بَلْ يَسْتَمِرُّ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَحَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَحْمَدَ بِالْجَزْمِ وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ: وَقَوْلُهُ خِلَافُ الْحَدِيثِ فَلَا مَعْنَى لَهُ. [فَائِدَة انْقِطَاعُ الْخِيَارِ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ] 1 (التَّاسِعَةُ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ انْقِطَاعُ الْخِيَارِ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَوْ كَانَ عَقْدُ صَرْفٍ وَلَمْ يَتَقَابَضَا بَعْدُ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا نَقَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْخِيَارِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِجَازَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَاغِيَةٌ وَيَبْقَى الْخِيَارُ مُسْتَمِرًّا وَصَحَّحَا فِي أَوَائِلِ بَابِ الرَّبَّا (وَجْهًا ثَالِثًا) أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالتَّخَايُرِ كَمَا لَوْ تَفَرَّقَا خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ لَا يَبْطُلُ. [فَائِدَة سُقُوطُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذَا شُرِطَ نَفْيُهُ فِي الْعَقْدِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِيهِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذَا شُرِطَ نَفْيُهُ فِي الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْغُوا الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَهُوَ قِيَاسُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَمْ يَرْتَضِ أَصْحَابُنَا تَفْسِيرَ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى تَضْعِيفِ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ وَقَالُوا: إنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ قَطْعِ الْخِيَارِ قَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ ثُمَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَيْعُ صَفْقَةٌ بَعْدَهَا تَفَرُّقٌ أَوْ خِيَارٌ فَمِنْ الْمُحَالِ تَعَلُّقُ وُجُوبِ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ دُونَ الصَّفْقَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّفْقَةِ دُونَ التَّفَرُّقِ أَوْ الْخِيَارِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي شَرْحِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمَزِيدَةِ فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى قَوْلُهُ (وَكَانَا جَمِيعًا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَقَوْلُهُ (أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ يَتَفَرَّقَا وَالْمُرَادُ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَخْتَارُ الْآخَرُ إمْضَاءَ الْبَيْعِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ أَمَّا لَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمْ يَخْتَرْ الْآخَرُ الْإِمْضَاءَ فَخِيَارُ ذَلِكَ السَّاكِتِ بَاقٍ. وَأَمَّا خِيَارُ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ دَلَّ بِتَمَامِهِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا خَيَّرَهُ فَاخْتَارَ الْإِمْضَاءَ إلَّا أَنْ يَعْتَمِدَ فِي ذَلِكَ لَفْظَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى قَوْلِهِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي مَجْمُوعِهَا، وَقَدْ اعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا فِي انْقِطَاعِ خِيَارِ الْقَائِلِ أَنَّ تَخْيِيرَهُ لِصَاحِبِهِ دَالٌّ عَلَى رِضَاهُ بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَيْ لَزِمَ وَانْبَرَمَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ) تَأْكِيدٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُمَا إذَا تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِ أَحَدِهِمَا لِلْبَيْعِ وَجَبَ الْبَيْعُ أَيْ لَزِمَ وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْبَيْعِ فَسْخُهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي حُصُولِ الْفَسْخِ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يُسَاعِدْهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بَلْ اخْتَارَ الْإِمْضَاءَ وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ (بَيْعٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ لَازِمٌ وَلَيْسَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْبَيْعِ وَكَيْفَ يَنْفِي أَصْلَ الْبَيْعِ وَقَدْ أَثْبَتَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ كُلُّ بَيْعَيْنِ وَتَمَسَّكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِظَاهِرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَقَالَ: إنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَيَّرَا وَالْمَعْرُوفُ صِحَّتُهُ إلَّا أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَقُولُ) كَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَالْوَجْهُ (يَقُلْ) لِعَطْفِهِ عَلَى الْمَجْزُومِ وَهُوَ قَوْلُهُ يَتَفَرَّقَا وَكَأَنَّهُ أُشْبِعَتْ ضَمَّةُ الْقَافِ فَتَوَلَّدَ مِنْهَا وَاوٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] عِنْدَ مَنْ قَرَأَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَكَذَا قَوْلُهُ (أَوْ يَكُونَ) . وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ مَنْصُوبُ اللَّامِ قَالَ وَأَوْ هُنَا نَاصِبَةٌ بِتَقْدِيرِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَوْ إلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَكَانَ مَجْزُومًا، وَلَقَالَ أَوْ يَقُلْ وَقَوْلُهُ (هُنَيْهَةً) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ، وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتَ بَعْدَهَا هَاءٌ وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَإِسْقَاطِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَهُوَ تَصْغِيرُ هَنَّهْ وَالْهَنُ وَالْهَنَةُ كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ لَا يَذْكُرُهُ بِاسْمِهِ. وَقَوْلُهُ (فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ) عَبَّرَ فِيهِ بِالْإِقَالَةِ عَنْ الْفَسْخِ الْقَهْرِيِّ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ بِالتَّرَاضِي لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَمْ لَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ، وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ أَيْ بَيْعَةَ خِيَارٍ وَسَمَّى الْبَيْعَ صَفْقَةً؛ لِأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَضَعُ أَحَدُهُمَا يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ وَقَوْلُهُ وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَ ثَلَاثَ مِرَارٍ» يُوهِمُ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَأَسْنَدَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا فَإِنَّهُ رَوَاهُ أَوَّلًا بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلِذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهَمَّامٌ فَأَمَّا هَمَّامٌ فَقَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَوْلُهُ: يَخْتَارُ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا يَخْتَارَا بِالتَّثْنِيَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ دُونَ قَوْلِهِ أَوْ وَلَفْظِهِ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) قَالَ هَمَّامٌ وَوَجَدْت فِي كِتَابِي يَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ. فَأَمَّا رِوَايَةُ التَّثْنِيَةِ فَوَاضِحَةٌ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَفْرَادِ فَتَأْوِيلُهَا يَخْتَارُ مَنْ ذُكِرَ وَهُوَ الْبَيِّعَانِ الْمَذْكُورَانِ فَإِنْ اخْتَارَا الْإِمْضَاءَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ مِنْ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ثَلَاثَ مِرَارٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 بَابُ الْحَوَالَةِ) . عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ   Qالنَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ ثَلَاثَ مِرَارٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ التَّخَايُرَ يَكُونُ ثَلَاثَ مِرَارٍ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَهُوَ احْتِيَاطٌ وَاسْتِظْهَارٌ فَإِنَّ التَّخَايُرَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَخْتَارُ ثَلَاثَ مِرَارٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَيْعِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّ قَوْلَهُ وَيَأْخُذَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَتَفَرَّقَا وَتَقْدِيرُ إدْخَالِ حَتَّى عَلَيْهِ مُمْكِنٌ لَكِنْ يَكُونُ مَدْلُولُهَا غَيْرَ مَدْلُولِهَا عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَى قَوْلِهِ يَتَفَرَّقَا فَهِيَ فِي دُخُولِهَا عَلَى قَوْلِهِ يَتَفَرَّقَا لِلْغَايَةِ وَفِي دُخُولِهَا عَلَى قَوْلِهِ يَأْخُذَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ إنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ إلَى غَايَةِ التَّفَرُّقِ وَأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِهِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ مَدْلُولُ حَتَّى تَعَذَّرَ عَطْفُ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَيُقَدَّرُ لَهُ حِينَئِذٍ فِعْلٌ تَقْدِيرُهُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَأْخُذَ إلَى آخِرِهِ وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ حَتَّى الدَّاخِلَةُ عَلَى قَوْلِهِ يَتَفَرَّقَا. وَقَوْلُهُ (وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَيْعِ) أَيْ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِجَازَةِ فَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. وَالْفَسْخَ فَيَأْخُذُ الْمُثَمَّنَ وَالْمُشْتَرِي بِعَكْسِهِ. وَقَوْلُهُ (مَا هَوِيَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَيَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَا رَضِيَ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ هَوِيَ) وَقَوْلُهُ (وَيَتَخَايَرَانِ ثَلَاثَ مِرَارٍ) نَدَبَ إلَى تَكْرِيرِ التَّخَايُرِ ثَلَاثَ مِرَارٍ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِلْقَلْبِ وَأَحْوَطُ وَهُوَ اسْتِحْبَابٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا نَعْلَمُ وَلَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَدَّ ابْنُ حَزْمٍ حَدِيثَ سَمُرَةَ بِالْإِرْسَالِ فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، وَحَدِيثَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بِأَنَّ هَمَّامًا لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَجَدَهَا فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَرْوِهَا وَلَا أَسْنَدَهَا وَقَدْ رَوَاهُ هَمَّامٌ مَرَّةً أُخْرَى فَتَرَك ذِكْرَهَا قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ هَمَّامٌ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ لَقُلْنَا بِهَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ. [بَابُ الْحَوَالَةِ] [حَدِيث مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ] (بَابُ الْحَوَالَةِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الظُّلْمِ» فَذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «وَإِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ» ..   Qالْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنَّ مِنْ الظُّلْمِ) فَذَكَرَهُ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ (وَإِذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ) أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ وَأَحَالَ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَقَالَ إنَّهُ مِثْلُهُ وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ «إنَّ مِنْ الظُّلْمِ مَطْلُ الْغَنِيِّ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى فَقَطْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ مَعْمَرٍ. (الثَّانِيَةُ) الْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ الْقَادِرِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ أَنَّهُ يَمْطُلُ بِهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ قَضَائِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْ الْوَفَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ بِالِامْتِنَاعِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ غَنِيًّا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَمِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وُجُوبُ وَفَائِهِ فِيمَا إذَا كَانَ مُسْتَحِقُّهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. وَقَالَ وَالِدِي فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّ هَذَا الثَّانِي تَعَسُّفٌ وَتَكَلُّفٌ. (الثَّالِثَةُ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغِنَى الْقُدْرَةُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ وَبِضِدِّهِ الْعَجْزُ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ غَنِيًّا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْأَدَاءِ لِغَيْبَةِ الْمَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَى الْإِمْكَانِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ مَطْلِ الْغَنِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْأَدَاءِ فَلَا يَدْخُلُ هَذَا، ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقُوَّةُ كَلَامِهِ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لِلْفُقَرَاءِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ. (الرَّابِعَةُ) لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ أَطْلَقَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَفَصَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَرَاوِيُّ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ بَيْنَ أَنْ يَلْزَمَهُ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ هُوَ عَاصٍ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ لِوَفَائِهِ أَوْ غَيْرُ عَاصٍ فَلَا. قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ فِيمَا فَعَلَهُ وَاجِبَةٌ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ. انْتَهَى. وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ التَّكَسُّبِ مُطْلَقًا لَمْ يَبْعُدْ كَالتَّكَسُّبِ لِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَكَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ فِي مَنْعِ أَخْذِ الزَّكَاةِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ لَفْظَ هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ يَتَنَاوَلُهُ إنْ فَسَّرْنَا الْغِنَى بِالْمَالِ فَلَا، وَإِنْ فَسَّرْنَاهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ فَنَعَمْ وَكَلَامُهُمْ فِيمَنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ يُوَافِقُ الثَّانِيَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَلَى مُطَالَبَةِ مُسْتَحِقِّهِ] 1 (الْخَامِسَةُ) هَلْ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ أَدَاءِ الدَّيْنِ عَلَى مُطَالَبَةِ مُسْتَحِقِّهِ أَمْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّافِعِيَّةُ فَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ النِّهَايَةِ وَأَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ فِي الْقَوَاطِعِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ الْكُبْرَى وَهُوَ مَفْهُومُ تَقْيِيدِ النَّوَوِيِّ فِي التَّفْلِيسِ بِالطَّلَبِ وَبَحَثَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وُجُوبَ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إذَا كَانَ عَلَى الْمَحْجُورِ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَضَاؤُهُ إذَا طَالَبَ بِهِ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يُطَالِبْ، وَلَكِنْ كَانَ مَالُ الْمَحْجُورِ نَاضًّا خَشْيَةَ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا تَرَكَهُمْ عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُطَالَبَةِ إذَا شَاءُوا وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْحَجْرِ أَنَّ الْوَلِيَّ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الزَّكَوَاتِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ، وَإِنْ لَمْ تُطْلَبْ وَنَفَقَةَ الْقَرِيبِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَدَمَ الْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّلَبِ: فَإِنْ ظَهَرَتْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ تُشْعِرُ بِالطَّلَبِ فَفِي وُجُوبِهِ احْتِمَالٌ وَتَرَدُّدٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ: قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ وُجُوبُهُ بِرِضَا الْمَالِكِ فَهُوَ عَلَى التَّرَاضِي وَيَتَعَيَّنُ أَدَاؤُهُ بِالْمُطَالَبَةِ أَوْ لِخَوْفٍ مِنْهُ عَلَى مَالِهِ أَنْ يَفُوتَ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَالْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَرْضَ بِوُجُوبِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَيَحْتَمِلُ فِيمَا إذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا إذَا كَانَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ عَالِمًا بِهِ. انْتَهَى. وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَنَائِزِ: إنَّهُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى وَفَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ تَبْرِئَةً لِذِمَّتِهِ وَخَوْفًا مِنْ تَلَفِ مَالِهِ، وَقَدْ تَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ الْوَفَاءِ فِي صُوَرٍ. (أَحَدُهَا) الْمُطَالَبَةُ الصَّرِيحَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ عَلَى مَحْجُورٍ يَخْشَى تَلَفَ مَالِهِ. (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ عَلَى مَيِّتٍ. (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ رِضَا مُسْتَحِقِّهِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ عَالِمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ إلَّا فِي صُورَةِ الْمُطَالَبَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَطْلِ يُشْعِرُ بِتَقَدُّمِ الطَّلَبِ. وَأَمَّا الْوُجُوبُ فِي غَيْرِهَا إذَا قِيلَ بِهِ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ. [فَائِدَة الْمُمَاطِلَ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ] 1 (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُمَاطِلَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَنَازَعَهُمَا غَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ ظُلْمًا أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً فَإِنَّ الظُّلْمَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَبُرَتْ أَوْ صَغُرَتْ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَصِيرَ عَادَةً لَهُ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ. [فَائِدَة إلْزَامِ الْمَاطِلِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ] (السَّابِعَةُ) يُسْتَدَلُّ بِتَسْمِيَةِ الْمَطْلِ ظُلْمًا عَلَى إلْزَامِ الْمَاطِلِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ مِنْ إكْرَاهِهِ عَلَى الْإِعْطَاءِ، وَأَخْذِهِ مِنْهُ قَهْرًا وَحَبْسِهِ وَمُلَازَمَتِهِ فَإِنَّ الْأَخْذَ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَاجِبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحَكَى شُرَيْحٌ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهَيْنِ فِي تَقْيِيدِ الْمَحْبُوسِ إذَا كَانَ لَحُوحًا صَبُورًا عَلَى الْحَبْسِ. [فَائِدَة الْمُعْسِرَ لَا تَجُوزُ مُطَالَبَتُهُ حَتَّى يُوسِرَ وَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ] 1 (الثَّامِنَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُعْسِرَ لَا تَجُوزُ مُطَالَبَتُهُ حَتَّى يُوسِرَ وَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ شُرَيْحٍ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالدَّيْنَ، وَإِنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْنَعُ غُرَمَاءَهُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ. [فَائِدَة اخْتَلَفَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ وَمَنْ هُوَ عَلَيْهِ] 1 (التَّاسِعَةُ) لَوْ اخْتَلَفَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ وَمَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُوسِرٌ أَوْ مُعْسِرٌ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْيَسَارُ أَوْ الْإِعْسَارُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ إلَى الثَّانِي فَصَدَّقَ الْمَالِكِيَّةُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ حَتَّى يُقِيمَ غَرِيمُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِعْسَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ بِأَنْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ بَاعَ سَلَمًا فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ لَزِمَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. وَ (الثَّانِي) : يُحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ. وَ (الثَّالِثُ) إنْ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَالصَّدَاقِ وَالضَّمَانِ لَمْ يُقْبَلْ وَاحْتَاجَ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَزِمَهُ لَا بِاخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلِفِ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ إلَّا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيِّنٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ سَبَبُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْغِنَى ظَاهِرًا وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمَطْلُ حَرَامٌ عَلَى الْغَنِيِّ دُونَ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ] (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ وَإِذَا (أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ) هُوَ بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي أُتْبِعَ وَفِي فَلْيَتْبَعْ مِثْلَ أُعْلِمَ فَلْيَعْلَمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ الْغَرِيبِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ بِتَشْدِيدِهَا فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ إذَا أُحِيلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى مُوسِرٍ فَلْيَحْتَلْ يُقَالُ مِنْهُ تَبِعْت الرَّجُلَ بِحَقِّي أَتْبَعَهُ تِبَاعًا فَأَنَا تَبِيعٌ إذَا طَلَبَتْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 69] . انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ إذَا اتَّبَعَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ أُتْبِعَ سَاكِنَةُ التَّاءِ عَلَى وَزْنِ أُفْعِلَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ الْأَمْرُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ. وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالَ بِهِ أَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَلَسْتُ، وَإِنْ أَوْجَبْتُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمُجْبِرِهِ حُكْمًا عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَبُولِ الْحَوَالَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى ذَلِكَ حُكْمًا. انْتَهَى. وَقَالَ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا إلَّا عَلَى مَلِيءٍ بِمَالِهِ وَقَوْلُهُ وَنَدَبَهُ فَيُجْبَرُ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ مُحِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْوُجُوبُ. (الثَّالِثُ) أَنَّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَأَعْلَمَ الشَّارِعُ بِهَذَا الْكَلَامِ صِحَّةَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ وَجَوَازَهَا، وَلَمْ يَطْلُبْ تَحْصِيلَهَا. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ إلَّا عَلَى مَلِيءٍ فَلَوْ أَحَالَهُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ فَهُوَ فَاسِدٌ وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ سَوَاءٌ دَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَلِيءٍ أَمْ لَا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْحَوَالَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ وَسَكَتَ عَنْ الْحَوَالَةِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَأْمُرْ بِقَبُولِهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ بَلْ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى خِيَرَةِ الْمُحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْحِكْمَةُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ؛ لِمَا فِي قَبُولِهَا مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ الْحَاصِلِ بِالْمَطْلِ فَإِنَّهُ قَدْ تَكُونُ مُطَالَبَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ سَهْلَةً عَلَى الْمُحْتَالِ دُونَ الْمُحِيلِ فَفِي قَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى تَرْكِ الظُّلْمِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ عَقَّبَ كَوْنَ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَالَ عَلَى الْمَلِيءِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الظُّلْمِ أَوْ لِأَنَّ الْمَلِيءَ لَا يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ بَلْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا وَيُوَفِّيهِ فَيَحْصُلُ الْغَرَضُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةِ بَقَاءِ الْحَقِّ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَفْظَ الْحَدِيثِ (فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ) بِالْفَاءِ وَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمَلِيءِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ظُلْمًا وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ، فَذَكَرَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَتْهُمَا آنِفًا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي. ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ بِكَوْنِ الْمَطْلِ ظُلْمًا وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي تَكُونُ الْعِلَّةُ عَدَمَ تَوَى الْحَقِّ لَا الظُّلْمِ. اهـ. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَشْهَرَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ وَيُرْوَى بِالْفَاءِ قَالَ: فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مَعَ قَوْلِهِ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ جُمْلَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِلثَّانِيَةِ بِالْأُولَى وَعَلَى الثَّانِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَطْلُ ظُلْمًا مِنْ الْغَنِيِّ فَلْيَقْبَلْ الْحَوَالَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّزُ عَنْ الظُّلْمِ وَلَا يَمْطُلُ. انْتَهَى. وَقَدْ بَيَّنَّا مَا بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ التَّعَلُّقِ وَالِارْتِبَاطِ مَعَ عَطْفِهَا عَلَيْهَا بِالْوَاوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمُعْتَبَرَ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي صِحَّةِ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِعْلَهُمَا ذَاكَ بِالْإِحَالَةِ، وَهَذَا بِقَبُولِهَا دُونَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَذَهَبَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالزُّبَيْرِيُّ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَوَالَةِ فَأَشْبَهَ الْمُحِيلَ وَالْمُحْتَالَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْمُحِيلِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ انْتِقَالُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَيَّدَ الْأَمْرَ بِقَبُولِهَا بِكَوْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَلِيئًا فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى الْمُعْسِرِ لِبَقَاءِ حَقِّهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ بِحَالِهِ وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَالَ زُفَرُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مَعِينٍ لَا يُبْرِئُ الْمُحِيلَ كَالضَّمَانِ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ لَا يَبْرَأُ إلَّا إنْ اشْتَرَطَ الْبَرَاءَةَ وَكَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مُوسِرٍ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ وَأَعْلَمَهُ بِإِعْسَارِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِإِعْسَارِهِ فَلَا بَرَاءَةَ وَلَوْ شَرَطَهَا. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) يَتَرَتَّبُ عَلَى انْتِقَالِ الدَّيْنِ وَبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ أَنَّ الْمُحْتَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى لَوْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَمَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ أَوْ جَحَدَ وَحَلَفَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا لَوْ تَعَوَّضَ عَنْ الدَّيْنِ ثُمَّ تَلِفَ الْعِوَضُ فِي يَدِهِ فَلَوْ شَرَطَ فِي الْحَوَالَةِ الرُّجُوعَ بِتَقْدِيرِ الْإِفْلَاسِ أَوْ الْجُحُودِ فَهَلْ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ وَالشَّرْطُ أَمْ الْحَوَالَةُ فَقَطْ أَمْ لَا يَصِحَّانِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا إذَا طَرَأَ الْإِفْلَاسُ فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا حَالَ الْحَوَالَةِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُحْتَالِ سَوَاءٌ شَرَطَ يَسَارَهُ أَمْ أَطْلَقَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ إنْ شَرَطَ فَقَطْ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا شَرَطَ مَلَاءَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ مُفْلِسًا. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا حَصَلَ مِنْهُ غُرُورٌ بِأَنْ يَكُونَ إفْلَاسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُقْتَرِنًا بِالْحَوَالَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِهِ مَعَ عِلْمِ الْمُحِيلِ بِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا تَوَى حَقُّهُ وَالتَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحْصُلُ التَّوَى بِأَمْرٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِإِفْلَاسِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ بِحُكْمِ الْقَاضِي عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ. انْتَهَى. وَمِنْ الْعَجِيبِ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ حَكَى قَوْلًا لَا أَحْفَظُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِإِفْلَاسِهِ حَيًّا بَلْ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهَا لَا تَوَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَزَعَمَ أَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ عَنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ عُثْمَانَ فَهُوَ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ يَبْطُلُ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَقَالَ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ خُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي إيَاسٍ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عُثْمَانَ وَأَرَادَ بِالرَّجُلِ الْمَجْهُولِ خُلَيْدُ بْنَ جَعْفَرٍ وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ جِدًّا وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مَعَ الْمُسْتَمِرِّ بْنِ الرَّيَّانِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيَانِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الْمِسْكِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ شُعْبَةُ يَرْوِي عَنْهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا وَأَرَادَ بِالرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَهُوَ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ وَلَا كَانَ فِي زَمَانِهِ انْتَهَى. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إذَا أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ وَأَفْلَسَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا بِمَحْضَرِهِمَا، وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا رَجَعَ حَضَرُوا أَوْ لَمْ يَحْضُرُوا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ، وَعَنْ الْحَكَمِ لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَمْ يَعْتَبِرْ أَصْحَابُنَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 بَابُ الْغَصْبِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ، فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ» كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَيُنْتَقَلَ وَقَالَ أَيُّوبُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فَيُنْتَثَلَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ..   Qصِحَّةِ الْحَوَالَةِ اعْتِرَافَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا قِيَامَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَلْ صَحَّحُوهَا مَعَ جُحُودِهِ وَاعْتَبَرَ مَالِكٌ ثُبُوتَهُ بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ وَاعْتَبَرَ آخَرُونَ بِثُبُوتِهِ وَلَوْ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْغَصْبِ] [حَدِيث لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ] (بَابُ الْغَصْبِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَخِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمْعًا (فَيُنْتَثَلَ) إلَّا اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فَإِنْ فِي حَدِيثِهِ (فَيُنْتَقَلَ) كَرِوَايَةِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَيُنْتَثَلَ كَرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ رَوَى فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ فَيُنْتَثَلَ بِالثَّاءِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالثَّانِيَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ أَخْذِ مَالِ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَإِنَّ اللَّبَنَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ يَتَسَامَحُ فِيهِ لِيَسَارَةِ مُؤْنَتِهِ وَلَا سِيَّمَا مَا دَامَ فِي الضُّرُوعِ قَبْلَ أَنْ يُحْرَزَ فِي الْأَوَانِي وَفِي. سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ إذْ رَأَيْنَا إبِلًا مَصْرُورَةً بِعِضَاهِ الشَّجَرِ فَثُبْنَا إلَيْهَا فَنَادَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعْنَا إلَيْهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوتُهُمْ وَيُمْنُهُمْ بَعْدَ اللَّهِ أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إلَى مَزَاوِدِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذُهِبَ بِهِ أَتَرَوْنَ ذَلِكَ عَدْلًا؟ قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّ هَذَا كَذَلِكَ» . وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ شَرِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُمَا قَاصِدَانِ الْمَدِينَةِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ لَبَنِ غَنَمِ الرَّاعِي (قُلْت) أُجِيبُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُمَا شَرِبَاهُ إدْلَالًا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ. (ثَانِيهَا) أَنَّهُ كَانَ أَذِنَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ مَنْ يَطْلُبُ. (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ كَانَ عُرْفُهُمْ إبَاحَةَ ذَلِكَ فَنَزَلَ الْأَمْرُ عَلَى عُرْفِهِمْ. (رَابِعُهَا) أَنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ. (خَامِسُهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ هَذَا أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَضْعَفُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ. (الثَّالِثَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي لَا يَجِدُ مَيْتَةً وَيَجِدُ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ لِمَالِكِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ فِي مَذْهَبِنَا وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ. (الرَّابِعَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ لَهُ إدْلَالٌ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ نَفْسَهُ تَطِيبُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ صَرِيحًا وَعَلَيْهِ حَمْلُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ خَرَجْنَا مُرَابِطِينَ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَمَرَرْنَا بِجِنَانِ اللَّيْثِ فَدَخَلْت إلَيْهِ فَقُلْت يَا أَبَا الْحَارِثِ إنَّا خَرَجْنَا مُرَابِطِينَ وَمَرَرْنَا بِجِنَانِك فَأَكَلْنَا مِنْ الثَّمَرِ وَأَحْبَبْنَا أَنْ تَجْعَلَنَا فِي حِلٍّ فَقَالَ لِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّيْثُ يَا ابْنَ أَخِي لَقَدْ نَسَكْت نُسُكًا أَعْجَمِيًّا أَمَا سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي يَسُرُّهُ بِذَلِكَ. (الْخَامِسَةُ) اسْتَثْنَى مِنْهُ بَعْضُهُمْ ابْنَ السَّبِيلِ فَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الِاضْطِرَارِ وَقَدْ بَوَّبَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ يَأْكُلُ مِنْ الثَّمَرِ وَيَشْرَبُ مِنْ اللَّبَنِ إذَا مَرَّ بِهِ ثُمَّ رَوَى فِيهِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِلَّا فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَالَ إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ «عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ أَصَابَتْنِي سَنَةٌ فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَفَرَكْتُ سُنْبُلًا فَأَكَلْتُ وَحَمَلْتُ فِي ثَوْبِي فَجَاءَ صَاحِبُهُ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مَا عَلَّمْتَ إذْ كَانَ جَاهِلًا وَلَا أَطْعَمْتَ إذَا كَانَ جَائِعًا أَوْ قَالَ سَاغِبًا وَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي وَأَعْطَانِي وَسْقًا أَوْ نِصْفَ وَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ» وَرَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ رَافِعِ بْنِ عُمَرَ وَالْغِفَارِيِّ قَالَ «كُنْت غُلَامًا أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا غُلَامَ لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ؟ قَالَ آكُلُ قَالَ فَلَا تَرْمِ النَّخْلَ وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسْفَلِهَا ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ» وَرَوَاهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. ثُمَّ بَوَّبَ أَبُو دَاوُد (بَابٌ فِيمَنْ قَالَ لَا يَحْلُبُ) وَأَوْرَدَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَكَذَا فَعَلَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بَوَّبَ عَلَى مَنْ مَرَّ؟ عَلَى مَاشِيَةٍ أَوْ حَائِطٍ هَلْ يُصِيبُ مِنْهُ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ وَرَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا، وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعِي فَنَادِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَإِنْ أَجَابَك، وَإِلَّا فَاشْرَبْ فِي غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ، وَإِذَا أَتَيْت عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ فَنَادِ صَاحِبَ الْبُسْتَانِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَإِنْ أَجَابَك فَكُلْ فِي أَنْ لَا تُفْسِدَ» وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا ثُمَّ بَوَّبَ ابْنُ مَاجَهْ عَلَى النَّهْيِ (أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا) وَرَوَى فِيهِ حَدِيثَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنِ عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَا أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَرَافِعِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثَّمَرِ لِلْمَارِّ بِهَا) وَبَوَّبَ عَلَى حَدِيثِ سَمُرَةَ (بَابُ حَلْبِ الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا.) وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَوَّلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيَعْضُدُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحِ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ أَوْ طَائِرٌ أَوْ دَابَّةٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَهَذَا أَصْلٌ يَعْضُدُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ، وَرَأَى سَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَوْلَى بِمِلْكِهِ، وَلَمْ يُطْلِقُوا النَّاسَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ فَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى طَرِيقٍ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ وَلَا يَقْصِدُ فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ الْمَارُّ وَمِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ دَارُهُ عَلَى الطَّرِيقِ لِمَا يَكْتَسِبُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَالْمَكَارِمِ، وَاَلَّذِي يَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْمُحْتَاجَ يَأْكُلُ وَالْمُسْتَغْنِي يُمْسِكُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَحْمَلَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) أَنَّ ذَلِكَ فِي بِلَادٍ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِرِضَاهُمْ بِحَلْبِ مَوَاشِيهِمْ وَأَكْلِ ثِمَارِهِمْ قَالَ وَالْأَحْكَامُ تَجْرِي عَلَى الْعَادَةِ قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتْ بِلَادُ الشَّامِ قَالَ وَبِلَادُنَا هَذِهِ يَعْنِي الْمَغْرِبَ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْفَقْرُ وَالْبُخْلُ فَلَيْسَتْ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ إلَّا فِي النَّادِرِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ الْمُحْتَاجِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ هَذَا فِي الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ طَعَامًا وَهُوَ يَخَافُ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ فِعْلُ هَذَا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْقَاعِدَةِ الْمَعْلُومَةِ أَوْلَى. وَ (ثَانِيهَا) أَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ سَنَدًا فَهُوَ أَرْجَحُ. وَ (ثَالِثُهَا) أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ طِيبُ نُفُوسِ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِالْعِبَادَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا. وَ (رَابِعُهَا) أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَوْقَاتِ الْمَجَاعَةِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ مَرَّ بِبُسْتَانِ غَيْرِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَفِيهِ ثِمَارٌ أَوْ مَرَّ بِزَرْعِ غَيْرِهِ فَمَذْهَبُنَا أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا إنْ كَانَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهَا الْمَيْتَةُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا اجْتَازَ بِهِ وَفِيهِ فَاكِهَةٌ رَطْبَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَمَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَنَا لَمْ نُخَالِفْهُ وَالْكِتَابُ وَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَالِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ هُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ غَلَطٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ يَرْوِي أَحَادِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَهِمُ فِيهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخُرَ وَلَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ: أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ لَا يَنْسُبُهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ وَيَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ كِتَابٍ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ السَّمَاعَ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَسَمَاعُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مِنْهُ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ فَلَا يَصِحُّ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ إنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي الرُّخْصَةِ لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَا شَيْءَ مَعَهُ يَشْتَرِي بِهِ وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرِّ إذَا مَرَّ بِالْحَائِطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» . انْتَهَى. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي سَفَرِ الْغَزْوِ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي أَرَاضِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عَمَلُ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ أَحَادِيثَ الْبَابِ كُلَّهَا فِي الْجِهَادِ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ ثُمَّ نُسِخَ إبَاحَةُ ذَلِكَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ. (السَّادِسَةُ) الْمَاشِيَةُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَكْثَرِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَنَمِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْمَاشِيَةُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (مَاشِيَةَ أَخِيهِ) خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَالذِّمِّيُّ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِ يُقَامُ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ مَالِهِ وَلِذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَأَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ يَتَنَاوَلُ الذِّمِّيَّ وَكَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا النَّهْيَ بَعْدِ ذِكْرِهِ تَأْكِيدًا عَلَيْهِ، وَقَدْ تَسَامَحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِوُجُوبِ الضِّيَافَةِ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ (كُنْتُ بِالشَّامِ وَكُنْتُ أَتْقَى أَنْ آكُلَ مِنْ الثِّمَارِ شَيْئًا فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ عُمَرَ اشْتَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَوْمَهُ غَيْرَ مُفْسِدٍ) وَعَنْ عَاصِمٍ الْأَعْوَرِ عَنْ أَبِي زَيْنَبَ قَالَ (صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ فِي سَفَرٍ فَكَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ الثِّمَارِ) وَعَنْ الْبَصْرِيِّ قَالَ (يَأْكُلُ وَلَا يُفْسِدُ وَلَا يَحْمِلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا كُلَّهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمُسَافِرِ يَنْزِلُ بِالذِّمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إلَّا بِإِذْنِهِ وَعَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَقِيلَ لِمَالِكٍ (أَرَأَيْت الضِّيَافَةَ الَّتِي جَعَلْت عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ كَانَ يَوْمَئِذٍ يُخَفِّفُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ) وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَائِطَ فَيَجِدَ الثَّمَرَ سَاقِطًا قَالَ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَاحِبَهُ طَيِّبُ النَّفْسِ بِذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (الثَّامِنَةُ) فِيهِ التَّمْثِيلُ فِي الْمَسَائِلِ وَتَشْبِيهُ مَا يَخْفَى حُكْمُهُ بِمَا هُوَ وَاضِحٌ مُقَرَّرٌ جَلِيٌّ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَبَّهَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ بِالطَّعَامِ الْمَحْفُوظِ فِي الْخِزَانَةِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ تَحْرِيمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَذَلِكَ الْمُشَبَّهُ، وَصَوَّرَ ذَلِكَ فِي طَعَامِ الْأَخْذِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الِانْفِكَاكِ عَنْهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَفْعَلُ مَعَ النَّاسِ مَا يَجِبُ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْقِيَاسِ وَهُوَ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ. (التَّاسِعَةُ) الْمَشْرُبَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْغَرْفَةُ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالنِّهَايَةِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ كَالْغُرْفَةِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ هِيَ الْغُرْفَةُ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هِيَ كَالْخِزَانَةِ فِيهَا الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَبِهَا سُمِّيَتْ مَشْرُبَةً أَمَّا الْمَشْرُبَةُ بِمَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُشْرَبُ مِنْهُ وَهِيَ الْمَشْرَعَةُ فَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَقَطْ وَالْمِشْرَبَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ إنَاءٌ يُشْرَبُ فِيهِ وَالْخِزَانَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَقَوْلُهُ يَخْزُنُ بِضَمِّ الزَّايِ، وَلَفْظِ الْحَدِيثِ يُفْهِمُ أَنَّ الْخِزَانَةَ مَوْضِعٌ فِي الْمَشْرُبَةِ. (الْعَاشِرَةُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ فَيُنْتَقَلَ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ مِنْ الِانْتِقَالِ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ النَّقْلِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ لَا سَمِينَ فَيُنْتَقَلَ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَيُنْتَثَلَ) كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا مَوْضِعَ الْقَافِ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ، وَمَعْنَاهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ قَوْلِهِمْ نَثَلَ كِنَانَتَهُ أَيْ صَبَّهَا وَاسْتَفْرَغَ مَا فِيهَا، وَيُقَالُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ تُرَابِ الْبِئْرِ إذَا حُفِرَتْ نَثِيلٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَأَنْتُمْ (تَنْتَثِلُونَهَا) أَيْ تَسْتَخْرِجُونَ مَا فِيهَا وَتَتَمَتَّعُونَ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَى يُنْتَثَلُ يُنْثَرُ كُلُّهُ وَيُرْمَى، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ: إنَّ مَعْنَى يَنْتَثِلُ وَيَنْتَثِرُ مُتَقَارِبَانِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرِوَايَةُ يَنْتَقِلُ أَبْيَنُ. (قُلْت) وَانْتَقَلَ لَيْسَ مُضَارِعَ نَقَلَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَاهُ يُقَالُ نَقَلَهُ وَانْتَقَلَهُ بِمَعْنَى وَلَوْ كَانَ مُطَاوَعَتُهُ لَكَانَ لَازِمًا، وَلَمْ يَصِحَّ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ. [فَائِدَة حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ طَعَامًا فَشَرِبَ لَبَنًا] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ اللَّبَنَ يُسَمَّى طَعَامًا فَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ طَعَامًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ تُخْرِجُ اللَّبَنَ. [فَائِدَة الشَّاةَ الْمَبِيعَةَ إذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ مَقْدُورٌ عَلَى حَلْبِهِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ أَنَّ الشَّاةَ الْمَبِيعَةَ إذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ مَقْدُورٌ عَلَى حَلْبِهِ فَهُوَ مُقَابِلٌ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ وَيُثْبِتُ حُكْمَهَا فِي تَقْوِيمِ اللَّبَنِ. [فَائِدَة سَرَقَ لَبَنًا مِنْ ضَرْعٍ الْمَاشِيَةُ الَّتِي مُحْرَزَةً عِنْدَهُ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ لَبَنًا مِنْ ضَرْعٍ وَكَانَتْ تِلْكَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا اللَّبَنُ مُحْرَزَةً عِنْدَهُ فِي حِرْزٍ مِثْلِهَا وَاللَّبَنُ الْمَذْكُورُ يَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَالِ الْمَسْرُوقِ بَيْنَ الطَّعَامِ الرَّطْبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وُجُوبَ الْقَطْعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْغَنَمُ فِي حِرْزٍ. [فَائِدَة حَلْبُ الدَّابَّةَ الْمَرْهُونَةَ وَشَرَّبَ لَبَنَهَا] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْلُبَ الدَّابَّةَ الْمَرْهُونَةَ وَيَشْرَبَ لَبَنَهَا فَإِنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا: يَحْلُبُ وَيَرْكَبُ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ. وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الرَّهْنُ يُرْكَبُ وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إذَا كَانَ مَرْهُونًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ «وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا يَرُدُّهُ وَيَقْضِي بِنَسْخِهِ. انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ فَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 بَابُ الْإِجَارَةِ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُفِّفَ عَلَى دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِرَاءَةُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ تُسْرَجُ فَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُسْرَجَ دَابَّتُهُ وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qصَرِيحًا فِي أَنَّ الَّذِي يَحْلُبُ وَيَرْكَبُ وَيُنْفِقُ هُوَ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى دَعْوَى النَّسْخِ وَمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خَزْنِ الطَّعَامِ وَاحْتِكَارِهِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ إبَاحَةُ خَزْنِ الطَّعَامِ وَاحْتِكَارِهِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ خِلَافًا لِغُلَاةِ الْمُتَزَهِّدَةِ الْقَائِلَةِ لَا يَجُوزُ الِادِّخَارُ مُطْلَقًا. [بَابُ الْإِجَارَةِ] [حَدِيث خُفِّفَ عَلَى دَاوُد الْقِرَاءَةُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ] (بَابُ الْإِجَارَةِ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُفِّفَ عَلَى دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِرَاءَةُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ تُسْرَجُ فَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُسْرَجَ دَابَّتُهُ وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدُ (الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ بِدَوَابِّهِ بِالْجَمْعِ وَفِي التَّفْسِيرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ بِلَفْظِ فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ يَعْنِي الْقُرْآنَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ وَرَوَى فِي الْبُيُوعِ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) الْقُرْآنُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَرَأْت فَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَقْرُوءٍ وَمِنْهُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ تَسْمِيَةِ زَبُورِ دَاوُد قُرْآنًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَى نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (الثَّالِثَةُ) الْمُرَادُ بِتَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ عَلَى دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَيْسِيرُهَا وَتَسْهِيلُهَا وَخِفَّةُ لِسَانِهِ بِهَا حَتَّى يَقْرَأَ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ مَا لَا يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ مَعَ التَّرَسُّلِ، وَإِعْطَاءِ كُلِّ حَرْفٍ وَمِنْ تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ وَتَسْهِيلِهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» ، وَاَلَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ، وَبِسَبَبِ تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ تَيَسَّرَ لِكَثِيرٍ مِنْ صَالِحِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ كَثْرَةِ التِّلَاوَةِ مَا عَسِرَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَكْثَرُ مَا بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ ابْنُ الْكَاتِبِ الصُّوفِيُّ فِي كَوْنِهِ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي اللَّيْلِ وَأَرْبَعًا فِي النَّهَارِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي لَفْظٍ آخَرَ بِدَوَابِّهِ وَمُقْتَضَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِرِوَايَةِ الْأَفْرَادِ الْجِنْسَ لَا التَّوْحِيدَ وَزَمَنُ إسْرَاجِ الدَّوَابِّ أَطْوَلُ مِنْ زَمَنِ إسْرَاجِ الدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ دَابَّةٍ سَائِسٌ فَيَسْتَوِي حِينَئِذٍ إسْرَاجُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الزَّمَنِ وَقَوْلُهُ تُسْرَجُ رَوَيْنَاهُ بِالرَّفْعِ وَكَأَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ كَأَنَّهُ قِيلَ يَأْمُرُ فِي دَابَّتِهِ بِمَاذَا فَقِيلَ تُسْرَجُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَنْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَسْمَعَ بِالْمُعِيدِي خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ، وَقَوْلُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُسْرَجَ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ إسْرَاجِهَا بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ فَضْلُ الْأَكْلِ مِنْ عَمَلِ الْيَدِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ وَالتَّعَفُّفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ» الْحَدِيثَ. مِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ عَمَلَ الْيَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ التِّجَارَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ الزِّرَاعَةَ. [فَائِدَة صِحَّةِ الْإِجَارَةِ] 1 (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ (وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَعْمَلَ بِيَدِهِ لِنَفْسِهِ فَيَقَعَ الْعَمَلُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ ثُمَّ يَبِيعَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّبْحِ بِمِقْدَارِ عَمَلِ يَدِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَلْيَقُ بِحَالِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَارَةِ لَوْ كَانَ فِيهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ فَيَقَعَ عَمَلُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ تُسْرَجُ فَإِنَّهُ قَدْ يَدُلُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ لِسِيَاسَةِ الدَّابَّةِ، وَهَذَا قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِذَلِكَ مَنْ لَيْسَ أَجِيرًا مِمَّنْ تَقْتَضِي الْعَادَةُ اسْتِخْدَامَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَقْدُ إجَارَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا أَمْرٌ خَفِيفٌ تَقْتَضِي الْعَادَةُ الْمُسَامَحَةَ بِهِ وَقَدْ يُقَالُ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ دَوَابُّ كَثِيرَةٌ فَاسْتِخْدَامُ الْمُتَبَرِّعِ عَلَيْهَا بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مَا كَانَ إلَّا بِإِجَارَةٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَاسْتِنْبَاطُ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ غَرِيبٌ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ غَيْرِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قُلْنَا: إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ وَرَدَ فِي شَرَعْنَا تَقْرِيرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَوَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ وَانْعَقَدَ عَلَيْهَا الْإِجْمَاعُ. (السَّابِعَةُ) قَدْ يُقَالُ فِي حِكْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ فِي الْأُولَى بَيَانَ حَالِهِ فِي أَمْرِ عِبَادَتِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَانَ حَالِهِ فِي أَمْرِ مَعِيشَتِهِ وَقَدْ يُقَالُ فِي ذَلِكَ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَهُ دَوَابُّ وَمَنْ يَقُومُ بِشَأْنِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَاطَى أَمْرَهَا بِيَدِهِ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ عُظَمَاءِ الدُّنْيَا فِي أَمْرِ مَعِيشَتِهِ وَالْمَأْكَلِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعَ هَذَا الِاتِّسَاعِ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ تَحَرِّيًا لِلْحَلَالِ وَاسْتِقْلَالًا مِنْ الدُّنْيَا. (الثَّامِنَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ وَيَأْكُلُ الدُّرُوعَ السَّابِغَاتِ الَّتِي يُسِّرَ لَهُ عَمَلُهَا وَأُلِينَ لَهُ حَدِيدُهَا، وَقَالَ أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ كَانَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْمَلُ الْقِفَافَ وَيَأْكُلُ مِنْهَا وَذَكَرَ مَعْمَرٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَعْمَلُ الْخُوصَ فَقِيلَ لَهُ أَتَعْمَلُ هَذَا وَأَنْتَ الْمَدَائِنُ تُجْرَى عَلَيْك رِزْقٌ قَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ آكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِي. (التَّاسِعَةُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ مَا يَأْكُلُهُ هُوَ وَعِيَالُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْتَصِرَ بِذَلِكَ عَلَى قُوتِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَهُوَ أَقْرَبُ. (الْعَاشِرَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَكِلُ أَمْرَ قُوتِهِ إلَى غَيْرِهِ فَكَانَ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى الْعَجْنَ وَالطَّبْخَ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ آلَاتِ الْأَكْلِ لِنَفْسِهِ وَتَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَلِابْنِ حِبَّانَ «لَا تَمْنَعُوا الْمَاءَ وَلَا تَمْنَعُوا الْكَلَأَ فَيَنْزِلُ الْمَالُ وَتَجُوعُ الْعِيَالُ» وَلِابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ الْمَاءُ وَالْمِلْحُ وَالنَّارُ» ، وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ..   Qهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ كَانَ يَكِلُ سِيَاسَةَ دَوَابِّهِ إلَى غَيْرِهِ وَيَتَعَاطَى أَمْرَ قُوتِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ إلَى الْفَهْمِ وَاَلَّذِي فَهِمَهُ السَّلَفُ مِنْهُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ بِعَمَلِ الْيَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] [لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ] (بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيق الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ لَا يُمْنَعُ رُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ وَبِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَالْجَزْمُ رِوَايَةُ الْحَافِظِ أَبِي ذَرٍّ عَبْدِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَرَوِيِّ وَالرَّفْعُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ خَبَرُ اللَّفْظِ نَهْيٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا تَمْنَعُوا بِلَفْظِ النَّهْيِ الصَّرِيحِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى مَاءِ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي الْمَوَاتِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ خَاصَّةً فَالْأُولَى وَهِيَ الَّتِي فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي مَوَاتٍ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ يُمْلَكُ مَاؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَفِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ الْمَحْفُورَةُ فِي مَوَاتٍ بِقَصْدِ الِارْتِفَاقِ لَا يَمْلِكُ الْحَافِرُ مَاءَهَا وَلَكِنْ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ إلَى أَنْ يَرْتَحِلَ فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ كَغَيْرِهِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي كِلَا الْحَالَتَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ وَالْمُرَادُ بِحَاجَتِهِ نَفْسُهُ وَعِيَالُهُ وَمَاشِيَتُهُ وَزَرْعُهُ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَفِي الْمَزَارِعِ احْتِمَالٌ عَلَى بُعْدٍ أَمَّا الْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ لِلْمَارَّةِ فَمَاؤُهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْحَافِرُ كَأَحَدِهِمْ وَيَجُوزُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا لِلشُّرْبِ وَسَقْيِ الزَّرْعِ فَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا فَالشُّرْبُ أَوْلَى وَكَذَا الْمَحْفُورَةُ بِلَا قَصْدٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الْمُحْرَزُ فِي إنَاءٍ فَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ وَيُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَمْلِكُهُ بَلْ هُوَ أَخَصُّ بِهِ وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ أَصْحَابِنَا، وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ مُتَقَارِبٌ فِي الْأَصْلِ وَالْمُدْرَكِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَفَاصِيلُهُمْ. وَحَكَى الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ وَقَالُوا فِي الْمَحْفُورَةِ فِي الْمِلْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِهَا وَقَالُوا فِي الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لَا تُبَاعُ وَصَاحِبُهَا وَوَرَثَتُهُ بَعْدَهُ أَحَقُّ بِكِفَايَتِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا حَظَّ فِيهَا لِلزَّوْجَيْنِ وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ لَوْ بَيَّنَ حَافِرُهَا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ مِلْكٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُ وَلَا نَصَّ فِيهِ. (الرَّابِعَةُ) مَعْنَى قَوْلِهِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ أَنْ يَكُونَ حَوْلَ الْبِئْرِ كَلَأٌ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ غَيْرُ هَذَا وَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي رَعْيَهُ إلَّا إذَا مُكِّنُوا مِنْ سَقْيِ بَهَائِمِهِمْ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ لِئَلَّا تَتَضَرَّرَ بَهَائِمُهُمْ بِالْعَطَشِ بَعْدَ الرَّعْيِ فَيَكُونَ بِمَنْعِهِ لَهُمْ مِنْ الْمَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَانِعًا لَهُمْ مِنْ رَعْيِ بَهَائِمِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَأِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ صَرِيحًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إلَى هَذَا ذَهَبَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّهْيُ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَيْسَ النَّهْيُ فِيهِ عَلَى التَّحْرِيمِ لَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ شَحَّ رَجُلٌ عَلَى مَالِهِ لَمْ يُنْتَزَعْ مِنْ يَدِهِ وَالْمَاءُ فِي هَذَا كَغَيْرِهِ مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ. قَالَ: وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ يَجُوزُ مَعَهُ تَرْكُ الظَّاهِرِ وَأَصْلُ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ. (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُهُ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْقِيمَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ تَجِبُ لَهُ الْقِيمَةُ مَعَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ يَجِبُ مَعَ أَخْذِ الْبَدَلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَرْدُودٌ وَيَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ الْقِيمَةِ الْمَنْعُ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِ أَصْحَابِ الْمَوَاشِي مِنْ بَذْلِ قِيمَةِ الْمَاءِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَلَوْ جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ لَجَازَ بَيْعُهُ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. (السَّادِسَةُ) لِوُجُوبِ ذَلِكَ شُرُوطٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَنْعُ الْفَضْلِ لَا مَنْعُ الْأَصْلِ، وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوِيَ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْبَذْلُ لِلْمَاشِيَةِ وَسَائِرِ الْبَهَائِمِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعِ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لِلزَّرْعِ أَيْضًا إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ وَلَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ الْمَاءِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا أَمْ لَا وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ سَقْيِ الزَّرْعِ بِهِ مَنْعُ الْكَلَأِ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْحَدِيثَ، إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي مَنْعِ الْبَهَائِمِ وَيَدُلُّ لِمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ» وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَنْعِ فَضْلِ الْكَلَأِ لَكِنَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَمَّنْ لَقِيَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ وَيَكُونُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ وَاخْتَلَفَ تَرْجِيحُ الرَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ لِلزَّرْعِ فِيمَا إذَا حَفَرَ الْبِئْرَ لِلْإِرْفَاقِ دُونَ التَّمَلُّكِ. (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَجِدَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ مَاءً مُبَاحًا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَتَى وَجَدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ صَاحِبِ الْبِئْرِ فَضْلَ مَائِهِ مَنْعُ الْكَلَأِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْمُبَاحِ. (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ كَلَأٌ يُرْعَى فَلَوْ خَلَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ عَنْ الْكَلَأِ فَلَهُ الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَدِيثِ. (السَّابِعَةُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ اسْتِقَاؤُهُ لَهَا بَلْ الْوَاجِبُ تَمْكِينُ أَصْحَابِهَا لِيَسْتَقُوا بِدِلَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَمْنَعُ الْمَاشِيَةَ مِنْ الْحُضُورِ عِنْدَ الْبِئْرِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ فِي مَاشِيَةٍ، وَلَا زَرْعٍ وَلَا غَيْرِهِمَا فَإِنْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ بِوُرُودِهَا مُنِعَتْ لَكِنْ يُمَكِّنُ الرُّعَاةَ مِنْ اسْتِقَاءِ فَضْلِ الْمَاءِ لَهَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا. (الثَّامِنَةُ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَارَّةِ، وَمَنْ أَقَامَ حَوْلَ الْبِئْرِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: لَا ضَرُورَةَ بِأُولَئِكَ لِلْإِقَامَةِ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُسَافِرُونَ أَحَقُّ مِنْ الْمُقِيمِينَ. [فَائِدَة هَلْ يَجِبُ الْبَذْلُ لِلرُّعَاةِ كَالْمَاشِيَةِ أَمْ لَا] 1 (التَّاسِعَةُ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الْبَذْلُ لِلرُّعَاةِ كَالْمَاشِيَةِ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ إذَا مَنَعَ الرُّعَاةَ مِنْ الشُّرْبِ امْتَنَعُوا عَنْ رَعْيِ الْكَلَأِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ إرْسَالُ الْبَهَائِمِ هَمْلًا، وَفِي حَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةٌ. وَصَاحِبُ الْوَجْهِ الْآخَرِ يَقُولُ: يُمَكِّنُهُمْ حَمْلَهُ؛ لِأَنْفُسِهِمْ لِقِلَّةِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْبَذْلُ لِسُقَاةِ النَّاسِ رُعَاةً كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْبَذْلِ لِلْمَاشِيَةِ. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْكَلَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ هُوَ النَّبَاتُ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا وَأَمَّا الْحَشِيشُ الْهَشِيمُ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ. وَأَمَّا الْخَلَا بِفَتْحِ الْخَاءِ مَقْصُورٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْعُشْبُ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالرَّطْبِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الرُّطْبُ بِضَمِّ الرَّاءِ، وَإِسْكَانِ الطَّاءِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت لِمَ بَوَّبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ وَأَيُّ دَلَالَةٍ فِيهِ عَلَى جَوَازِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ؟ قُلْت الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِيهِ هُوَ مِنْ أَحْكَامِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَإِنَّهُ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ الَّذِي فِيهِ الْكَلَأُ فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقُلْت، وَقَدْ تَكُونُ مَحْفُورَةً فِي مَمْلُوكٍ غَيْرِ مَوَاتٍ. (قُلْت) هَذِهِ لَا يَكُونُ حَوْلَهَا كَلَأٌ مُبَاحٌ فِي الْغَالِبِ بَلْ تَكُونُ مَحْفُوفَةً بِالْأَمْلَاكِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ حَوْلَهَا كَلَأٌ مُبَاحٌ وَهِيَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَتِلْكَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ فَصَحَّ التَّبْوِيبُ لِتَنَاوُلِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْبِئْر إذَا تَهَايَأْ مَالِكُهَا لِهَذَا يَوْم وَلِهَذَا يَوْم] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْبِئْرَ إذَا تَهَايَأَ فِيهَا مَالِكُهَا لِهَذَا يَوْمٌ وَلِهَذَا يَوْمٌ فَاسْتَغْنَى صَاحِبُ النَّوْبَةِ عَنْ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إمَّا بَعْدَ أَنْ سَقَى زَرْعَهُ أَوْ لَمْ يَسْقِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَسْقِيَ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَاءٌ قَدْ فَضَلَ عَنْهُ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالُوا: الْأَصْلُ الْمَنْعُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ الصُّورَةَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ الْمُخَصِّصُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَأَدْخَلَ فِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا مَا إذَا تَهَوَّرَتْ بِئْرُ صَاحِبِ بُسْتَانٍ فَلَهُ سَقْيُ أَشْجَارِهِ وَزَرْعِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءِ بِئْرِ جَارِهِ إلَى أَنْ يُصْلِحَ بِئْرَهُ إذَا خَشِيَ مِنْ تَأْخِيرِ السَّقْيِ إلَى إصْلَاحِهَا هَلَاكَهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ لِإِصْلَاحِهَا. قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْشِئَ غَرْسًا أَوْ زَرْعًا لِيَسْقِيَهُ مِنْ فَضْلِهَا إلَى إصْلَاحِ بِئْرِهِ قَالَ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ لِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَفَسَّرَهُ لِي أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَرِوَايَتَهُمْ عَنْ مَالِكٍ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَا خِلَافَ فِي قَوْلِهِ أَيْ مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْإِعْطَاءِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الْإِعْطَاءِ هَلْ هُوَ بِثَمَنٍ أَوْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ. انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِالرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَالْجُمْهُورُ يُخَالِفُونَهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَحْمِلُونَ تِلْكَ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ الْمُفَسَّرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ لِعِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَبِي لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ بَاعَ فَضْلَهُ أَتَرَى جَارَهُ الَّذِي انْقَطَعَ مَاؤُهُ أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ؟ قَالَ نَعَمْ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ فَإِنَّهُ نَهَى أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِئَلَّا يَتَذَرَّعَ بِهِ إلَى مَنْعِ الْكَلَأِ. [فَائِدَة بَيْعِ الْكَلَأِ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ أَبِي هَانِئِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي عَفَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ وَلَا تَمْنَعُوا الْكَلَأَ فَيَهْزُلَ الْمَالُ وَتَجُوعَ الْعِيَالُ» فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّصْرِيحُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَلَأِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَعُودَ إلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ بِالتَّسَبُّبِ بِأَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ فَيَكُونَ سَبَبًا لِمَنْعِ الْكَلَأِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُؤَوَّلَ بِذَلِكَ بَلْ تُجْعَلَ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَلَأِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْكَلَأُ الثَّابِتُ فِي الْمَوَاتِ فَمَنْعُهُ مُجَرَّدُ ظُلْمٍ إذْ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ أَمَّا الْكَلَأُ الثَّابِتُ فِي أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ بِالْإِحْيَاءِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُ بَيْعِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صَحَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْجَوَازَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ: يَبِيعُ وَيَمْنَعُ مَا فِي مُرُوجِهِ وَحِمَاهُ مِنْ مِلْكِهِ وَيُبَاحُ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِمَّا فِي فُحُوصِهَا مِنْ التَّوْرِ وَالْعِفَاءِ إلَّا أَنْ يَكْتَنِفَهُ زَرْعُهُ فَلَهُ مَنْعُهُمْ لِلضَّرَرِ وَسَوَّى ابْنِ الْمَاجِشُونِ بَيْنَهُمَا فِي بَيْعِهِ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ الْعِفَاءِ وَسَوَّى أَشْهَبَ فِي مَنْعِهِ وَقَالَ هُوَ كَالْمَاءِ الْجَارِي لَا يَحِلُّ مَنْعُ مَا فَضَلَ عَنْهُ وَلَا بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يُحْرِزَهُ وَيَحْمِلَهُ فَيَبِيعَهُ حَكَى هَذَا الْخِلَافَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ حَتَّى يَأْخُذَهُ فَيَحُوزَهُ وَمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَرْدُودٌ وَقَوْلُهُ فَيَهْزُلَ الْمَالُ وَتَجُوعَ الْعِيَالُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْكَلَأِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ هُزَالُ الْمَالِ وَهُوَ الْمَاشِيَةُ إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى الْعَلَفِ فَإِذَا مَنَعَ رَعْيَ مَاشِيَتِهِ فِي الْكَلَأِ هَزَلَتْ فَيَنْشَأَ عَنْ ذَلِكَ قِلَّةُ اللَّبَنِ أَوْ فَقْدُهُ فَتَجُوعَ الْعِيَالُ الَّذِينَ يَقْتَاتُونَ بِاللَّبَنِ وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ الْجُبْنِ وَغَيْرِهِ. [فَائِدَة الْكَلَأُ يَثْبُتُ فِي مَوَاتِ الْأَرْضِ يَرْعَاهُ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَصَّ بِهِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ حَوْشَبٍ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ شَيْخُ ابْنِ مَاجَهْ وَهُوَ الْأَشَجُّ وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَفِي تَرْجَمَتِهِ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةٍ رَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْفُوعًا «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي ثَلَاثٍ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ وَالنَّارُ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا مَعْنَاهُ الْكَلَأُ يَثْبُتُ فِي مَوَاتِ الْأَرْضِ يَرْعَاهُ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَصَّ بِهِ دُونَ أَحَدٍ وَيَحْجِزَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إذَا عَزَّ الرَّجُلُ مِنْهُمْ حَمِيَ بُقْعَةً مِنْ الْأَرْضِ لِمَاشِيَتِهِ تَرْعَاهَا يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّاسَ فِيهِ شُرَكَاءَ يَتَعَاوَرُونَهُ بَيْنَهُمْ فَأَمَّا الْكَلَأُ إذَا نَبَتَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِمَالِكٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مَالٌ لَهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ: وَقَوْلُهُ (وَالنَّارُ) فَسَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْحِجَارَةِ الَّتِي تُرْبِي النَّارَ فَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَجَرًا يَقْدَحُ بِهِ النَّارَ فَأَمَّا الَّتِي يُوقِدُهَا الْإِنْسَانُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ أَخْذِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا جَذْوَةً مِنْ الْحَطَبِ قَدْ احْتَرَقَ فَصَارَ جَمْرًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَصْبِحَ مِنْهَا مِصْبَاحًا أَوْ يُدْنِيَ مِنْهَا ضِغْثًا يَشْتَعِلُ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ عَيْنِهَا شَيْئًا. انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَوْ أَضْرَمَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ بِالصَّحْرَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِتِلْكَ النَّارِ، فَلَوْ جَمَعَ الْحَطَبَ مَلَكَهُ فَإِذَا أَضْرَمَ فِيهِ النَّارَ كَانَ لَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْهَا. انْتَهَى. وَأَمَّا الْمَاءُ فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ النَّابِعَةُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَلَا صُنْعَ لِلْآدَمِيَّيْنِ فِي إنْبَاعِهَا، وَإِجْرَائِهَا كَالْفُرَاتِ وَجَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ فَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ لَكِنْ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا فِي إنَاءٍ أَوْ جَعَلَهُ فِي حَوْضٍ مَلَكَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِيهِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَثَمَنُهُ حَرَامٌ) أَيْ الْمَذْكُورُ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ مُفْرَدًا، وَإِنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ثَلَاثٍ، وَإِنَّمَا كَانَ ثَمَنُهُ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَحَمْلُ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَشَجُّ لَهُ عَلَى الْجَارِي هُوَ الْغَالِبُ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الْمُبَاحُ غَيْرَ جَارٍ كَمَاءِ السُّيُولِ الرَّاكِدَةِ فِي الْمُسْتَنْقَعَاتِ فَحُكْمُهَا كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ عَمَّارِ بْنِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جُعْدَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ وَالْمِلْحُ وَالنَّارُ، قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْمَاءُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا بَالُ الْمِلْحِ وَالنَّارِ؟ قَالَ يَا حُمَيْرَاءُ مَنْ أَعْطَى نَارًا فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا أَنْضَجَتْ تِلْكَ النَّارُ وَمَنْ أَعْطَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 بَابُ الْوَصِيَّةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَهُ ثَلَاثُ لَيَالٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ   Qمِلْحًا فَكَأَنَّمَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا طَيَّبَتْ تِلْكَ الْمِلْحُ وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ الْمَاءِ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَمَنْ سَقَى مُسْلِمَةً شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ لَا يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا» . وَزُهَيْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَجْهُولٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا نُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَ أَبِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمِلْحُ» وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ جَهَالَةٌ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ الْمِلْحُ إذَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ فِي أَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُمْنَعُ مِنْ أَخْذِهِ فَأَمَّا إذَا صَارَ فِي حَوْزِ مَالِكِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ وَلَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ. انْتَهَى. قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ بُقْعَةٌ لَوْ حُفِرَتْ وَسِيقَ الْمَاءُ إلَيْهَا ظَهَرَ فِيهَا الْمِلْحُ فَلَيْسَتْ مِنْ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا يَظْهَرُ بِالْعَمَلِ فَلِلْأَمَامِ إقْطَاعُهَا وَمَنْ حَفَرَهَا وَسَاقَ الْمَاءَ إلَيْهَا وَظَهَرَ الْمِلْحُ مَلَكَهَا كَمَا لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا. [بَابُ الْوَصِيَّةِ] [حَدِيث مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 لِلْبَيْهَقِيِّ «لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ لَيْسَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ» الْحَدِيثَ. قَالَ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَوْنٍ..   Qشَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ «لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ لَيْسَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «وَيَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ» (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا فِي إسْنَادِهِ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا حَقُّ امْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالْوَصِيَّةِ» وَفَسَّرَهُ فَقَالَ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ قَالَ فِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ إلَّا وَعِنْدَهُ وَصِيَّةٌ» وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ» الْحَدِيثَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا قَالَ لَا يَحِلُّ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُسْلِمِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا حَقُّ امْرِئٍ يَحْتَمِلُ، مَا لِامْرِئٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ وَيَحْتَمِلُ مَا الْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا لَا مِنْ وَجْهِ الْفَرْضِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ مَا حَقُّهُ مِنْ جِهَةِ الْحَزْمِ وَالِاحْتِيَاطِ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإذَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تُوَافِيهِ مَنِيَّتُهُ فَتَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَبِيتَ لِيُؤَوَّلَ بِالْمَصْدَرِ أَيْ مَا حَقُّهُ بَيْتُوتَتُهُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَصْرِيحُهُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلٍ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِيهَا «أَنْ يَبِيتَ» . [فَائِدَة الْحَثُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ، وَذَهَبَ دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى وُجُوبِهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ رَوَيْنَا إيجَابَ الْوَصِيَّةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ. انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَجَعَلَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ شَاذِّينَ لَا يُعَدُّونَ خِلَافًا وَتَمَسَّكَ الْمُوجِبُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَيْفَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ «يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ» فَجَعَلَ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِإِرَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَقَدْ قَيَّدَهُ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ بِقَوْلِهِ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ وَذَلِكَ هُوَ الدُّيُونُ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهِ فَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوصَى فِيهِ وَلَوْ نَظَرْنَا إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَفْظُهَا «مَالٌ يُوصَى فِيهِ» فَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مَالٌ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] فَإِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِمَا أَرَادَ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَاتِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَتْ طَائِفَةٌ نُسِخَ الْوَالِدَانِ بِالْفَرْضِ لَهُمَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَبَقِيَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّنْ لَا يَرِثُ؛ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ جَائِزَةٌ حَرَّضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ هَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فَرَضَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ لِحَاجِبٍ أَوْ لِمَانِعٍ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَعْطَوْا مَا رَآهُ الْوَرَثَةُ أَوْ الْوَصِيُّ قَالَ وَبِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ يَقُولُ إِسْحَاقُ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَرَابَةِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ جَائِزَةٌ ثُمَّ حَكَى خِلَافًا فِيمَا إذَا تَرَكَ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ وَأَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ فَحَكَى عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَعَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ وَصِيَّتَهُ حَيْثُ جَعَلَهَا وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى أَنَّهَا تُنْزَعُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَتُرَدُّ عَلَى الْقَرَابَةِ وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْوَصِيَّةِ وَالْقَرَابَةُ ثُلُثَيْهَا. [فَائِدَة مِقْدَارِ الْمَالِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَوْ تَجِبُ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَالٌ أَوْلَى عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَلِيلُ الْمَالِ وَكَثِيرُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا الْيَسِيرُ التَّافِهُ مِنْ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ إلَى الْوَصِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مِقْدَارِ الْمَالِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَوْ تَجِبُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهَا فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ لَيْسَ بِمَالٍ فِيهِ وَصِيَّةٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَالٍ فِيهِ وَصِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا وَصِيَّةَ فِي ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي امْرَأَةٍ لَهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لَا وَصِيَّةَ فِي مَالِهَا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] الْخَيْرُ أَلْفٌ فَمَا فَوْقَهَا وَعَنْ عَلِيٍّ مَنْ تَرَكَ مَالًا يَسِيرًا فَلْيَدَعْهُ لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ. وَعَنْ عَائِشَةَ فِيمَنْ تَرَكَ ثَمَانَمِائَةٍ لَمْ يَتْرُكْ خَيْرًا فَلَا يُوصِي أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَصِيَّةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْإِيجَابِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً فِي الْكِتَابِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كَانَتْ مَنْسُوخَةً بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ. انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِيمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ مَا فِي هَذَا فَضْلٌ عَنْ وَلَدِهِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ قَلَّ مَالُهُ وَكَثُرَ عِيَالُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُفَوِّتَهُ عَلَيْهِمْ بِالْوَصِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتِحْبَابُ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَهُ مَالٌ مُطْلَقًا. [فَائِدَة الْوَصِيَّةِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ] (الْخَامِسَةُ) هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ هُوَ فِي غَيْرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَدِيعَةٌ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ دَيْنٍ لِآدَمِيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ كَانَ الْحَدِيثُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَصَايَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِي رَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَأُمُورِ الْأَطْفَالِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَحَمَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمَا فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِهِمَا وَعِنْدِي أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ الَّذِي فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا إنَّمَا مَرْجِعُهُ إلَى تَعْيِينِ شَخْصٍ يُسْنَدُ تَعَاطِي ذَلِكَ إلَيْهِ فَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ إشْهَادٌ مُتَقَدِّمٌ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُخَالِفُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَيْرُهُ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا تَجِبُ كَذَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَقَصَدَ بِذَلِكَ إخْرَاجَ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عِلْمُهُمْ مَعَ دُخُولِهِمْ فِي تَعْبِيرِ الرَّافِعِيِّ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ أَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَ الْوَرَثَةِ كَافٍ فِي الثُّبُوتِ مَعَ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّ عِلْمَهُمْ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُمْ الْغُرَمَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَقُومُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ إنْكَارِهِمْ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ فَلَا نِزَاعَ لَكِنَّ الْقِيَاسَ يُخْرِجُهُ عَلَى مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دِينِهِ فَقَضَاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَالصَّحِيحُ فِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ حَتَّى لَا يَضْمَنَ الْوَكِيلُ عِنْدَ إنْكَارِ الْقَابِضِ وَدَعْوَاهُ عِنْدَ قَاضٍ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ الْمَذْكُورَ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ كَافٍ أَيْضًا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلُهُ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا فَهُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِ. انْتَهَى. [فَائِدَة هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى] 1 (السَّابِعَةُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى فَقَالَ لَا، فَقُلْت كَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ» فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوصِ فَلَمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَيْفَ تَرَكَ الْوَصِيَّةَ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهَا أَجَابَ بِأَنَّهُ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ أَوَّلًا وَصِيَّةً خَاصَّةً وَهِيَ إمَّا وَصِيَّتُهُ فِي أَمْرِ الْأَمْوَالِ، وَإِمَّا وَصِيَّتُهُ لِعَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ كَمَا ادَّعَتْهُ الشِّيعَةُ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَمَّا ذَكَرُوا عِنْدَهَا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا فَقَالَتْ مَتَى أَوْصَى إلَيْهِ، وَقَدْ كُنْت مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَلَقَدْ انْخَنَثَ فِي حِجْرِي فَمَا شَعَرْت بِهِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَقَدْ أَوْصَى بِأُمُورٍ. (مِنْهَا) أَنَّهُ كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» . وَ (مِنْهَا) «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ» وَأَمَّا الْأَمْوَالُ «فَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبْقِي عَلَى مَالٍ مِنْ النُّقُودِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَنَحْوِهَا حَتَّى يُوصِيَ فِيهِ بَلْ كَانَ يُؤْثِرُ بِمَا يَمْلِكُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَمَا كَانَ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ وَقَفَهُ» وَأَعْلَمَ بِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ وَأَنَّ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ صَدَقَةٌ فَفِي. صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخِي جُوَيْرَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً» . وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَرَضِ بَلْ الْقَوِيُّ الِاسْتِعْدَادِ يُوصِي بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصِّحَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْمَرَضِ إلَى تَجْدِيدِ وَصِيَّةٍ، وَقَدْ كَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِي مَرَضِهِ إلَى تَجْدِيدِ وَصِيَّةٍ بِشَيْءٍ أَصْلًا فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ مِنْ صُلَحَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهِمْ وَسَلَفِهِمْ الْأَوَّلِ فَكَيْفَ بِالسَّيِّدِ الْكَامِلِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قُلْت قَدْ «تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِيَهُودِيٍّ» فَكَيْفَ لَمْ يُوصِ بِهِ، وَقَدْ قَرَّرْتُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالدُّيُونِ وَاجِبَةٌ (قُلْت) «كَانَتْ دِرْعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرْهُونَةً عِنْدَ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ» فَكَانَ الرَّهْنُ حُجَّةً لِلْيَهُودِيِّ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِلْوَصِيَّةِ بِهِ مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِهِ فَقَدْ عَلِمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَلِهَذَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. [فَائِدَة تَأَخُّرِ كِتَابَة الْوَصِيَّة] 1 (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ فِيهِ اغْتِفَارُ تَأَخُّرِ ذَلِكَ يَسِيرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْعُسْرِ فَإِنَّهُ قَدْ تَتَزَاحَمُ أَشْغَالٌ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ، وَقَدْ يَحْتَاجُ تَذَكُّرَ مَا عَلَيْهِ وَضَبْطَ مِقْدَارِهِ إلَى زَمَنٍ وَتَفْرِيغِ خَاطِرٍ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «ثَلَاثَ لَيَالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ» وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الضَّبْطِ وَالتَّحْدِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ وَالتَّوَسُّعِ وَالْإِشَارَةِ إلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ إلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي وَكَانَ الثَّلَاثُ غَايَةً لِلتَّأْخِيرِ فَيُبَادِرُ بِحَسَبِ التَّيَسُّرِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الشَّيْءِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَدَايُنِهِ وَرَدِّهِ هَلْ يَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ] (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَدَايُنِهِ وَرَدِّهِ مَعَ الْقُرْبِ هَلْ يَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى التَّضْيِيقِ وَالْفَوْرِ وَكَأَنَّهُ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ الْمَشَقَّةُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالُوا وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ مُحَقَّرَاتِ الْمُعَامَلَاتِ وَجَرَيَانِ الْأُمُورِ الْمُتَكَرِّرَةِ. [فَائِدَة الْخَطَّ فِي الْوَصِيَّةِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى الْخَطِّ وَالْكِتَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَمَدَ الْكِتَابَةَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا. وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ اعْتَمَدَ الْخَطَّ فِي الْوَصِيَّةِ خَاصَّةً وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ الْكِتَابَةَ فِي غَيْرِهَا وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَنْ وُجِدَتْ لَهُ وَصِيَّةٌ بِخَطِّهِ عُمِلَ بِهَا لَكِنَّهُ قَالَ أَيْضًا إنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَهَا وَقَالَ اشْهَدُوا بِمَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: لَا يُعْتَمَدُ الْخَطُّ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ» أَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا فَإِنَّهُ الَّذِي يُفِيدُ وَيُعْمَلُ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَبْطَ الْمَشْهُودِ بِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرَادِ الْكِتَابَةُ بِشَرْطِهَا وَيَأْخُذُونَ الشَّرْطَ مِنْ خَارِجٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] الْآيَةَ. فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّهَادَةِ فِي الْوَصِيَّةِ بَلْ عَلَى إشْهَادِ اثْنَيْنِ وَذَلِكَ يَنْفِي إشْهَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 (كِتَابُ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَصُحْبَةِ الْمَمَالِيكِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا   Qوَاحِدٍ وَيَنْفِي الِاقْتِصَارَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة وَصِيَّةُ الْكَافِرِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «مَا حَقُّ امْرِئٍ» كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْكُتُبِ السِّتَّةِ بِزِيَادَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا هُوَ فِي أَصْلِنَا مِنْ مُوَطَّإِ أَبُو مُصْعَبٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ مَالِكٍ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا فِي إسْنَادِهِ وَوَصْفُ الْمَرْءِ بِالْإِسْلَامِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يُشْعَرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ. وَوَصِيَّةُ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يُحْفَظُ عَنْهُمْ وَالْمُعْتَبَرُ فِيمَنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ الْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَجْنُونٍ وَعَبْدٍ. وَفِي صِحَّةِ وَصِيَّةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ خِلَافٌ جَوَّزَهَا مَالِكٌ إذَا عَقَلَ الْقُرْبَةَ وَلَمْ يَخْلِطْ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ إذَا جَاوَزَ السَّبْعَ وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إذَا كَانَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ وَصِيَّتَهُ صَحِيحَةٌ. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ. [فَائِدَة لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْمَرْءُ هُوَ الرَّجُلُ وَالتَّعْبِيرُ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَيْضًا فَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً أَوْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ أَذِنَ زَوْجُهَا أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَلَمْ يَأْذَنْ أَبُوهَا لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ تَحْصِيلُ قُرْبَةٍ أُخْرَوِيَّةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعُمُرِ فِي قَدْرِ مَا دُونَ فِيهِ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَصُحْبَةِ الْمَمَالِيكِ] [حَدِيث مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ] (بَاب الْعِتْق وَالتَّدْبِير وَصُحْبَة الْمَمَالِيك) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَهُ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَهُوَ عَتِيقٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ» وَقَالَ مُسْلِمٌ «ثُمَّ عَتَقَ» وَلَهُمَا عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: لَا أَدْرِي قَوْلَهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَوْلًا مِنْ نَافِعٍ أَوْ فِي الْحَدِيثِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ زَادَ النَّسَائِيّ عَنْ أَيُّوبَ وَأَكْثَرُ ظَنِّيِّ أَنَّهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ وَلَوْ   Qحِصَصَهُمْ وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ» وَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ خَلَا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «فَهُوَ عَتِيقٌ» وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ هَذِهِ قَالَ نَافِعٌ «وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» قَالَ أَيُّوبُ لَا أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد وَكَانَ نَافِعٌ رُبَّمَا قَالَ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْهُ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَأَكْثَرُ ظَنِّيِّ أَنَّهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذَكَرَهُ مِنْ فَتْوَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ يُخْبِرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِيهِ «وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَذَكَرَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 اسْتَوَيَا فِي الْحِفْظِ فَشَكَّ أَحَدُهُمَا لَا يُغَلَّطُ بِهِ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ. قَالَ: وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا فِي زِيَادَةِ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ. اهـ. وَاَلَّذِي تَابَعَ مَالِكًا عَلَى زِيَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَذَلِكَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَتِهِمَا وَرِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «رَقَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ» وَإِسْنَادُهُمَا جَيِّدٌ وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ: إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا لَا ثِقَةً وَلَا ضَعِيفًا، فَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ فِي رَاوِيهَا إسْمَاعِيلَ بْنِ مَرْزُوقٍ بِقَوْلِهِ لَيْسَ مِمَّنْ يُقْطَعُ   Qالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ «وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَلَيْسَ فِيهِ «وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَيْضًا. وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ «وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ» ، وَلَمْ يَسُقْ أَبُو دَاوُد لَفْظَهُ قَالَ إنَّهُ بِمَعْنَى مَلَكَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَقَالَ لَا أَدْرَى أَهُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالَهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ كَمَا فَعَلَ أَيُّوبُ وَلَمْ يَسُقْ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد لَفْظَهُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ كُلُّهُمْ وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مَرْزُوقٍ الْكَعْبِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 بِرِوَايَتِهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ضَعَّفَهُ وَبَاقِي إسْنَادِهَا ثِقَاتٌ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ «إذَا كَانَ لِرَجُلٍ شَرِيكُ فِي غُلَامِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ حَيٌّ أُقِيمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ فِي مَالِهِ ثُمَّ أُعْتِقَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «تُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعِتْقِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ» وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ لِمَا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ» قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَا يُرْوَى قَوْلُهُ «لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ» غَيْرُ أَبِي مُعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. اهـ. وَأَبُو مَعْبَدٍ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ   Qعَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ «وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرَقَّ مَا بَقِيَ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ إسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ لَيْسَ مِمَّنْ يُقْطَعُ بِرِوَايَتِهِ وَشَيْخُهُ يَحْيَى الْغَافِقِيُّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ضَعَّفَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِجَرْحٍ فِيهِ وَأَيُّ نَقْدٍ فَرَضْته فَهُوَ لَا يَقْطَعُ بِرِوَايَتِهِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَوْضِعًا تَكَلَّمَ بِمَا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِ وَبِيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ وَبَاقِي إسْنَادِهَا ثِقَاتٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا لَا ثِقَةً وَلَا ضَعِيفًا وَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ. انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ وَأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَلَكِنْ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ الْمُسَارَعَةُ إلَى هَذِهِ الْمُجَازَفَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 وَسُلَيْمَانُ الْأَشْدَقُ وَثَّقَهُمَا الْجُمْهُورُ وَلِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيمَةُ عَدْلٍ ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . وَلِلنَّسَائِيِّ «وَاسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِصَاحِبِهِ» . وَلِلْبَيْهَقِيِّ «اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي ثَمَنِ رَقَبَتِهِ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِسْعَاءِ بَلْ قَالَ يَضْمَنُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتَسْعَى بِهِ   Qوَلَكِنَّهَا شِنْشِنَتُهُ، وَبِهَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ شِرْكٌ فِي غُلَامٍ ثُمَّ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ حَيٌّ أُقِيمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فِي مَالِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ» ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا قَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ أَخْبَرُونَا عَنْ زَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَقَبَةِ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ ثَنَا دَاوُد بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّمَا عَبْدٍ كَانَ فِيهِ شِرْكٌ وَأَعْتَقَ رَجُلٌ نَصِيبَهُ قَالَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ يَعْتِقُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ» قَالَ زَاهِرٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ. وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ثُمَّ أَعْتَقَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أَعْتَقَ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَاسْتَسْعَى غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَفَصَلَ السِّعَايَةَ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهَا مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..   Qمُوسِرًا» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتَقَ مَا بَقِيَ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ» . . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ حِصَّةً مِنْ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ تِلْكَ الْحِصَّةَ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَكَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ الْبَاقِي عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَبْدِ وَقُوِّمَتْ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهَا وَصَارَ هُوَ مُنْفَرِدًا بِوَلَاءِ الْعَبْدِ ثُمَّ هَلْ يَعْتِقُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَوْ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لَفْظُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُحْتَمِلٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ إعْتَاقَ جَمِيعِ الْعَبْدِ مَعْطُوفًا عَلَى التَّقْوِيمِ وَإِعْطَاءِ الشَّرِيكِ حِصَّتَهُ بِالْوَاوِ الَّتِي لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ. وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ تَقْتَضِي الْعِتْقَ فِي الْحَالِ فَإِنَّ لَفْظَهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ» وَرِوَايَةُ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ لَفْظَهَا كَمَا تَقَدَّمَ «فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ» فَرَتَّبَ الْعِتْقَ عَلَى التَّقْوِيمِ بِثُمَّ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِهِ عَلَى التَّقْوِيمِ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ التَّقْوِيمَ مَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ ثُمَّ قَدْ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ، وَقَدْ لَا يَدْفَعُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ الْبَاقِي عَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ خَاصَّةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاسْتَمَرَّ الْبَاقِي عَلَى رِقِّهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ. (أَحَدُهَا) هَذَا وَأَنَّهُ يَعْتِقُ جَمِيعَهُ فِي الْحَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا بِقِيمَةِ الْبَاقِي، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ سَكَتَا عَنْ الْمُعْسِرِ فَمَا سَمِعْنَا عَنْهُمَا فِيهِ لَفْظَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَعْسَرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ نُفُوذُ الْعِتْقِ وَكَانَتْ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ ضَاعَتْ الْقِيمَةُ وَاسْتَمَرَّ عِتْقُ جَمِيعِهِ قَالُوا: وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ بَعْدَ إعْتَاقِ الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ كَانَ إعْتَاقُهُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كُلُّهُ حُرًّا. (الْقَوْلُ الثَّانِي) كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الْمُعْتِقُ الْقِيمَةَ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ابْنَ حَزْمٍ مِنْهُمْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكٍ بِزِيَادَةِ تَفَارِيعَ: مَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا يُخَيِّرُ شَرِيكَهُ بَيْنَ ثَلَاثِ أُمُورٍ إنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ نَصِيبَهُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا دَفَعَ إلَى شَرِيكِهِ عَلَى الْعَبْدِ يَسْتَسْعِيهِ فِي ذَلِكَ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ، وَمِنْهَا الْهِدَايَةُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا يُخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ وَبَيْنَ إعْتَاقِ نَصِيبِهِ وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ سَبَقَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ. (الْخَامِسُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ حُيَيِّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَنَّهُمَا قَالَا سَمِعْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَكَلَّمَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ جَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى مُعْتِقِهِ بِمَا أَدَّى فِي سِعَايَتِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَرْجِعُ فَهَذَا (مَذْهَبٌ سَادِسٌ) . ثُمَّ هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مُدَّةِ السِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ هُوَ حُرٌّ بِالسِّرَايَةِ فَهَذَا (مَذْهَبٌ سَابِعٌ) . (الثَّامِنُ) أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَارِيَةً رَائِعَةً تُرَادُ لِلْوَطْءِ فَيَضْمَنَ مَا أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. (الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ يَعْتِقُ الْكُلَّ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَاسِدَانِ مُخَالِفَانِ لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ مَرْدُودَانِ عَلَى قَائِلِهِمَا. (الرَّابِعَةُ) أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِلْعَبْدِ دُونَ الْإِمَاءِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْعُلَمَاءِ كَافَّةً. انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فِي فَتْوَى ابْنِ عُمَرَ وَفِي آخِرِهِ يُخْبِرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَارَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ مَا بَقِيَ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ مِنْ حِصَصِ شُرَكَائِهِ تَمَامَ قِيمَةِ عَدْلٍ وَيُؤَدِّي إلَى شُرَكَائِهِ قِيمَةَ حِصَصِهِمْ وَيَعْتِقُ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ إنْ كَانَ فِي مَالِ الْمُعْتِقِ بِقِيمَةِ حِصَصِ شُرَكَائِهِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. الْحَدِيثَ. وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَفْظَ الْعَبْدِ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ الْأَمَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِذِكْرِهَا وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَنَاوُلِ الْأَمَةِ لَفْظُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلْ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا لَفْظُ الْعَبْدِ وَلَا الْمَمْلُوكِ وَلَا وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ بِخُصُوصِهَا فَإِلْحَاقُهَا فِي ذَلِكَ بِالْعَبْدِ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إدْرَاكُ كَوْنِ الْأَمَةِ فِيهِ كَالْعَبْدِ حَاصِلٌ لِلسَّامِعِ قَبْلَ التَّفَطُّنِ لِوَجْهِ الْجَمْعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّهُ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَدَّى الْقِيمَةَ إذَا أَيْسَرَ، وَبِهَذَا قَالَ زُفَرُ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ إطْلَاقَ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَى الْمُعْسِرِ. (الثَّانِي عَشَرَ) أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَطَلَ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا فَبَقِيَ الْعَبْدُ كُلُّهُ رَقِيقًا كَمَا كَانَ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلِّهَا وَلِلْإِجْمَاعِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) أَنَّهُ يَنْفُذُ عِتْقُ مَنْ أَعْتَقَ وَيَبْقَى الشَّرِيكُ الْآخَرُ عَلَى نَصِيبِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَعْمَرٍ وَرَبِيعَةَ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) أَنَّ شَرِيكَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ إنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ ذَاكَ فِيهِ زِيَادَةُ خَصْلَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهِيَ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ. (السَّادِسَ عَشَرَ) أَنَّ الْعَبْدَ يُسْتَسْعَى فِي الْبَاقِي مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ مُعْسِرًا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ هَذَا أَوَّلُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْت عَنْهُ قَبْلُ. (السَّابِعَ عَشَرَ) أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَأَرَادَ الْعَبْدُ أَخْذَ نَفْسِهِ بِقِيمَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ. [فَائِدَة السِّعَايَة] 1 (الْخَامِسَةُ) قَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إنْكَارُ الِاسْتِسْعَاءِ وَأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَالْأَوَّلُونَ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ أَيْ وَلَا يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَا عَتَقَ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَسْتَمِرُّ الْبَاقِي عَلَى الْإِرْقَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى، وَأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ أَنْكَرَهَا، وَقَدْ قَدَح بَعْضُهُمْ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِ. «وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» مَرْفُوعًا فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ يَذْكُرْهَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَجُوَيْرَةَ بْنِ الْعَاصِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَلَمَّا ذَكَرَهَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ تَرَدَّدُوا هَلْ هِيَ فِي الْحَدِيثِ أَمْ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ بَلْ قَالَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: أَكْثَرُ ظَنِّيِّ أَنَّهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ نَافِعٌ مِنْ قِبَلِهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ ضَاحٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهَا بِالْجَزْمِ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَرَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَرَوَيْت أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ نَسِيَ وَمَنْ جَزَمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ تَرَدَّدَ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَعَ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِمَذْهَبِهِ صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالسِّعَايَةِ: لَسْنَا نَلْتَفِتُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَحْسَبُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَرُوَاتِهِ يَشُكُّ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْزَمَ لَهُ مِنْ أَيُّوبَ وَلِمَالِكٍ فَضْلُ حِفْظِهِ لِحَدِيثِ أَصْحَابِهِ خَاصَّةً، وَلَوْ اسْتَوَيَا فِي الْحِفْظِ فَشَكَّ أَحَدُهُمَا فِي شَيْءٍ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ صَاحِبُهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَوْضِعٌ لَأَنْ يُغَلَّطَ بِهِ الَّذِي لَمْ يَشُكَّ إنَّمَا يُغَلَّطُ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْ يَأْتِي بِشَيْءٍ فِي الْحَدِيثِ يُشْرِكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ مَا حَفِظَ مِنْهُ هُمْ عَدَدٌ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ، وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا فِي زِيَادَةِ ذَلِكَ يَعْنِي غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَزَادَ فِيهِ بَعْضُهُمْ «وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ» . انْتَهَى. وَأَيَّدَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَبِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ كَانَ لَا يُقَدِّمُ عَلَى مَالِكٍ أَحَدًا، وَبِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ الدَّارِمِيَّ قَالَ قُلْت لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ مَالِكٌ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ نَافِعٍ أَمْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ (قُلْت) فَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ أَوْلَى، وَقَدْ جَوَّدَاهُ وَهُمَا فِي نَافِعٍ أَثْبَتُ مِنْ أَيُّوبَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ كَيْفَ، وَقَدْ شَكَّ أَيُّوبُ فِيهِ. انْتَهَى. وَنَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ الْمُخَالِفِينَ أَنَّ قَوْلَهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: وَرَجَّحَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ الْمَأْمُونُونَ عَلَى الدِّينِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ «عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ الْمُعْسِرِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَبَقِيَ حُكْمُ الْمُعْسِرِ فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الِاسْتِسْعَاءِ الَّذِي سَنَحْكِيهِ. انْتَهَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ وَهُوَ عَتَقَ مَا عَتَقَ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الِاقْتِصَارُ عَلَى عِتْقِ مَا أَعْتَقَهُ وَاسْتِمْرَارُ الْبَاقِي رَقِيقًا، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِعِتْقِ مَا عَتَقَ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَاصِلٌ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَهُوَ أَيْضًا وَاضِحٌ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ بَلْ فِيهِ بُرُودَةٌ يُصَانُ عَنْهَا كَلَامُ آحَادِ الْفُصَحَاءِ فَكَيْفَ بِكَلَامِ أَفْصَحِ الْخَلْقِ وَأَبْلَغِهِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (السَّادِسَةُ) وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالِاسْتِسْعَاءِ بِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يَضْمَنَ وَفِي لَفْظِهِ لَهُ «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكٍ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ مَالِهِ» . وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ لِصَاحِبِهِ فِي قِيمَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَذْكُرْ السِّعَايَةَ، وَكَذَا بَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ السِّعَايَةَ وَبَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ مَمْلُوكٍ فَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِتْقَهُ وَغَرَّمَهُ بَقِيَّةَ ثَمَنِهِ» قَالَ قَتَادَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَصَلَ السِّعَايَةَ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهَا مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ يَعْنِي الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ بَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فَجَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِدُونِ ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ ثُمَّ قَالَ وَافَقَهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِسْعَاءَ وَشُعْبَةُ وَهِشَامٌ أَحْفَظُ مَنْ رَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ قَتَادَةَ وَرَوَاهُ هَمَّامٌ فَجَعَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَفَصَلَهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فَجَعَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَحْسَبُهُمَا وَهِمَا فِيهِ؛ لِمُخَالَفَةِ شُعْبَةَ وَهِشَامٍ وَهَمَّامٍ إيَّاهُمَا. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ ضَبَطَهُ فَفَصَلَ بَيْنَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ قَوْلِ قَتَادَةَ وَفَهِمَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّيْسَابُورِيَّ هَذَا هُوَ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْحَاكِمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيّ رَوَى رِوَايَةَ هَمَّامٍ الَّتِي فِيهَا فَصْلُ السِّعَايَةِ وَجَعَلَهَا مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْت النَّيْسَابُورِيَّ فَحَكَى الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ شَيْخَهُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي نَقْلِهِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ بِتَكْنِيَتِهِ أَبَا بَكْرٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذَا الْكَلَامُ لَا يُثْبِتُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّقْلِ مُسْنَدًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ، وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ فُتْيَا قَتَادَةَ وَلَيْسَ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِرِوَايَةِ هَمَّامٍ وَقَالَ فَقَدْ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ السِّعَايَةِ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ. قَالَ: وَأَلْحَقَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ الَّذِي مَيَّزَهُ هَمَّامٌ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ فَجَعَلَهُ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ ثُمَّ حَكَى الْخَطَّابِيُّ كَلَامَ أَبِي دَاوُد فِي الِاخْتِلَافِ فِي ذِكْرِ السِّعَايَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ السِّعَايَةَ وَاضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ مَرَّةً يَذْكُرُهَا وَمَرَّةً لَا يَذْكُرُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ وَتَفْسِيرُهُ عَلَى مَا قَالَ هَمَّامٌ وَبَيَّنَهُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ. انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ ضَعَّفَ أَمْرَ السِّعَايَةِ فِيهِ بِوُجُوهٍ. (مِنْهَا) أَنَّ شُعْبَةَ وَهِشَامًا الدَّسْتُوَائِيَّ رَوَيَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ لَيْسَ فِيهِ اسْتِسْعَاءٌ، وَهُمَا أَحْفَظُ (وَمِنْهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالتَّدَيُّنِ وَالْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَقُولُ لَوْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ عَرُوبَةَ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مُنْفَرِدًا لَا يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ مَا كَانَ ثَابِتًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُقَالُ أَنَّهُ مِنْ كِتَابٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ مَا كَتَبَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوَهِّنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَدِيثَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَعِيدًا يَنْفَرِدُ بِهِ وَالْحُفَّاظُ يَتَوَقَّفُونَ فِي إثْبَاتِ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ سَعِيدٌ لِاخْتِلَاطِهِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَقَدْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِسْعَاءِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إسْنَادَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَكْثَرُهُمْ رَوَوْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ بَشِيرٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ هِشَامٍ وَقِيلَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرٍ وَقِيلَ عَنْ بَشِيرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَكُلُّ هَذَا وَهْمٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَاَلَّذِي يُوهِنُ أَمْرَ السِّعَايَةِ فِيهِ رِوَايَةُ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى حَيْثُ جَعَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَفَصَلَهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهَا إمْلَاءً وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ شُعْبَةُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ قَتَادَةَ مَا سَمِعَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَسْمَعْ وَهِشَامٌ أَحْفَظُ وَسَعِيدٌ أَكْثَرُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَقَدْ أَجْمَعَ شُعْبَةُ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ وَعِلْمِهِ بِمَا سَمِعَ مِنْ قَتَادَةَ وَمَا لَمْ يَسْمَعْ وَهِشَامٌ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ وَهَمَّامٌ مَعَ صِحَّةِ كِتَابِهِ وَزِيَادَةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي إدْرَاجِ السِّعَايَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَفِي هَذَا مَا يُشَكِّكُ فِي ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ مِنْ فُتْيَا قَتَادَةَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ سُئِلَ عَنْ صُورَةٍ مِنْ ذَلِكَ فَحَكَى هَذَا الْإِفْتَاءَ عَنْ قَتَادَةَ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: قِيلَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَوْ اخْتَلَفَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْإِسْنَادُ أَيُّهُمَا كَانَ أَثْبَتَ قَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْت وَعَلَيْنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى الْأَثْبَتِ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ نَعَمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مَعَ حَدِيثِ نَافِعٍ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِإِبْطَالِ الِاسْتِسْعَاءِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي السِّعَايَةِ وَهُوَ مُنْكَرٌ عَنْهُ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ ذَكَرْت أَنَا وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِي حَدِيثَ الْحَجَّاجِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقِيمَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفِرْيَةِ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ فِي آلِ عُمَرَ أَثْبَتَ مِنْهُ وَلَا أَحْفَظَ وَلَا أَوْثَقَ وَلَا أَشَدَّ تَقْدِمَةً فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ فِي زَمَانِهِ فَكَانَ يُقَالُ: إنَّهُ وَاحِدُ دَهْرِهِ فِي الْحِفْظِ ثُمَّ تَلَاهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَلَمْ يَكُنْ دُونَهُ فِي الْحِفْظِ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ مِثْلُهُ أَوْ أَجْمَعُ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَرَوَاهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ مِنْ أَثْبَتِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَصَحِّهِمْ رِوَايَةً رَوَوْهُ جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا أَوْ شَقِيصًا فِي عَبْدٍ كُلِّفَ عِتْقُ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ مَا أَعْتَقَ» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اتَّفَقَ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ وَهَمَّامٌ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ فِي قَتَادَةَ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحَدِيثِ إذَا خَالَفَهُمْ فِي قَتَادَةَ غَيْرُهُمْ. ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ أَحَدٌ فِي الْجُمْلَةِ فِي قَتَادَةَ مِثْلَ شُعْبَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُوَافِقُهُ عَلَى الْإِسْنَادِ وَالسَّمَاعِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَصَوَّبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَحُكِيَ عَنْ الْأَصِيلِيِّ وَابْنِ الْقَصَّارِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ السِّعَايَةَ مِنْ الْحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّنْ ذَكَرَهَا، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ الِاسْتِسْعَاءِ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شُرَكَائِهِ بِقِيمَتِهِ لِمَا أَسَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ صَالِحٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا أَبُو مُعِيدٍ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ قَوْلُهُ «لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ» لَا يَرْوِيهِ غَيْرُ أَبِي مُعِيدٍ وَهُوَ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَبُو مُعِيدٍ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْدَقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَثَّقَهُمَا الْجُمْهُورُ. انْتَهَى. وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتَ. (الْجَوَابُ الثَّانِي) قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ مَا فَهِمَهُ مِنْهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى يُحَصِّلَ قِيمَةَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُحْرَمَ سَيِّدُهُ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَلِهَذَا قَالَ «غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ بِأَنْ يُكَلَّفَ مِنْ الْخِدْمَةِ فَوْقَ حِصَّةِ الرِّقِّ فَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا اخْتِلَافٌ لَكِنْ يَرُدُّ هَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي قِيمَتِهِ. (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ السِّعَايَةِ فَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاخْتِيَارِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ قَالَ «غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» وَفِي الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَأْبَاهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ وَإِذَا كَانَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَخْبَارِ مُخَالَفَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَرْجِيحَ إسْقَاطِهِ السِّعَايَةَ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مُدْرَكُ النَّظَرِ فَضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ كِتَابَةٌ وَالْكِتَابَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَيْهَا وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ إلَى الْعَمَلِ بِحَدِيثِ الِاسْتِسْعَاءِ، وَقَالَ: أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَحَسْبُك بِذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ أَعْلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَقُولُوا بِالِاسْتِسْعَاءِ تَعَلَّلُوا فِي تَضْعِيفِهِ بِتَعْلِيلَاتٍ لَا يُمْكِنُهُمْ الْوَفَاءُ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ فِيهَا بِأَحَادِيثَ تَرُدُّ عَلَيْهَا بِمِثْلِ تِلْكَ التَّعْلِيلَاتِ. قَالَ وَالنَّظَرُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ مُنْحَصِرٌ فِي تَقْدِيمِ إحْدَى الدَّلَالَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى أَعْنِي دَلَالَةَ قَوْلِهِ «عَتَقَ مِنْهُ عَلَى مَا عَتَقَ عَلَى رِقِّ الْبَاقِي» وَدَلَالَةُ اسْتَسْعَى عَلَى لُزُومِ الِاسْتِسْعَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأُولَى. انْتَهَى. [فَائِدَة عِتْق بَعْض الْعَبْد] 1 (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا بِكَسْرِ الشِّينِ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى شِقْصًا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْضًا وَقَالَ الشَّقِيصُ أَيْضًا بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَهُوَ النَّصِيبُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَالشِّرْكُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِ أَيِّ جُزْءٍ مُشْتَرَكٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي الْحَقِيقَةِ الْجُمْلَةُ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَ مَالِكًا لِعَبْدٍ بِكَمَالِهِ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ جَمِيعَهُ مُطْلَقًا لِمُصَادَفَةِ الْعِتْقِ مِلْكَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُشْتَرَكِ وَخَالَفَهُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَاحِبَاهُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً عَلَى الْأَوَّلِ وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادٍ وَرِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ عَبْدِهِ مَا شَاءَ. انْتَهَى. وَفِيمَا نَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ بِعِتْقِ الْجَمِيعِ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَمْلُوكًا لَهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ وَقَالَ: مَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا إنْ مَاتَ مُشَاقِصُهُ عَتَقَ بَقِيَّتَهُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَكَيْفَ يَكْمُلُ عَلَيْهِ مَعَ الشَّرِيكِ قَضَاءً جَزْمًا وَيُحْكَمُ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ بِنَفْسِ الْقَوْلِ هُنَا. انْتَهَى. [فَائِدَة وَرِثَ بَعْضُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ] (الثَّامِنَةُ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَعْتَقَ مَا إذَا أُعْتِقَ عَلَيْهِ قَهْرًا بِأَنْ وَرِثَ بَعْضُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرَ خَاصَّةً، وَلَا سِرَايَةَ وَبِهَذَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِخِلَافِهِ. [فَائِدَة أَوْصَى بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ مِنْ عَبْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ] 1 (التَّاسِعَةُ) وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا مَا إذَا أَوْصَى بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ مِنْ عَبْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَلَا سِرَايَةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَيَصِيرُ الْمَيِّتُ مُعْسِرًا بَلْ لَوْ كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ لَهُ فَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ بَعْضِهِ أُعْتِقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ، وَلَمْ يَسِرْ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ أَنَّهُ يُقَوَّمُ فِي ثُلُثِهِ وَيُجْعَلُ مُوسِرًا بَعْدَ الْمَوْتِ. 1 - (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَيْ ثَمَنَ بَقِيَّةِ الْعَبْدِ أَمَّا حِصَّتُهُ فَهُوَ مُوسِرٌ بِهَا لِمِلْكِهِ لَهَا فَيَعْتِقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُصْرَفُ فِي ثَمَنِ بَقِيَّةِ الْعَبْدِ جَمِيعُ مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ فَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَكُلُّ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَدَسْتُ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَسُكْنَى يَوْمٍ وَقَالَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يُبَاعُ مِنْ الْكِسْوَةِ مَا فَضَلَ عَمَّا يُوَارِيهِ لِصَلَاتِهِ. [فَائِدَة هَلْ يَعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ بَقِيَّةِ الْعَبْدِ فَهَلْ يَعْتِقُ مِنْ بَقِيَّةِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يُعْتَقُ مِنْ بَقِيَّتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ فِي ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَنْفِيذًا لِلْعِتْقِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «وَلَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ» وَالْوَكْسُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْكَافِّ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ النَّقْصُ وَالشَّطَطُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مُكَرَّرَةٌ الْجَوْرُ وَفِيهِ إثْبَاتُ التَّقْوِيمِ وَالْأَخْذُ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ ظَنًّا وَتَخْمِينًا مَعَ أَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ بِالْيَقِينِ لَكِنْ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي التَّقْوِيمِ لِلضَّرُورَةِ. [فَائِدَة أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ أَوْ الْعُرُوضِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَا مِثْلُهُ قَالَ: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ قَالَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد إلَى أَنَّ الْقِيمَةَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ وَمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفِ الَّذِي لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ بِالْمِثْلِ مَرْدُودٌ فَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا ضَمَّنَهُ بِالْقِيمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ أَصْحَابُنَا الضَّمَانَ بِالْمِثْلِ، وَلَوْ صُورَةً فِي الْقَرْضِ فَأَمَّا فِي بَابِ الْإِتْلَافَاتِ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لِلْمُعْتِقِ النِّصْفُ وَهُوَ مُوسِرٌ بِالْبَاقِي وَلَهُ شَرِيكَانِ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ أَيْ إنْ كَانَ لَهُ شُرَكَاءُ فَإِنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ وَاحِدٌ أَعْطَاهُ جَمِيعَ ثَمَنِ الْبَاقِي أَوْ شَرِيكَانِ أَعْطَاهُمَا. وَالْعَطِيَّةُ هُنَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ بِلَا شَكٍّ فَلَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ النِّصْفُ وَهُوَ مُوسِرٌ بِالْبَاقِي، وَلَهُ شَرِيكَانِ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَالْآخَرُ السُّدُسُ كَانَ الْمَدْفُوعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي عَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ كُلٌّ مِنْ صَاحِبِ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ حِصَّتَهُ وَهُمَا مُوسِرَانِ فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِمَا نَصِيبُ صَاحِبِ النِّصْفِ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْوِيمُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ الثَّانِي وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا كَانَتْ لِاثْنَيْنِ هَلْ يَأْخُذَانِهَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْكُلِّ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا فَرْقَ فِي الْعِتْق بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَلَوْ مَرَضَ الْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِمَا إذَا وَسِعَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِي الثُّلُثِ كَتَصَرُّفِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَعَنْ أَحْمَدَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا تَقْوِيمَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدًا مُدَبَّرًا فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ   Qالْمَرَضِ. [فَائِدَة لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ وَالشَّرِيكُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ وَالشَّرِيكُ وَالْعَبْدُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا أَوْ بَعْضُهُمْ مُسْلِمِينَ وَبَعْضُهُمْ كُفَّارًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ مُسْلِمٍ هَلْ يَسْرِي عَلَيْهِ أَمْ لَا وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلَا سِرَايَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ كَافِرًا دُونَ شَرِيكِهِ فَهَلْ يَسْرِي عَلَيْهِ أَمْ لَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا دُونَ مَا إذَا كَانَ كَافِرًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا فَرِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا سَرَى عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ. [فَائِدَة تَعَلَّقَ الْعِتْق بِمَحَلِّ السِّرَايَةِ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) وَظَاهِرُهُ أَيْضًا تَنَاوَلَ مَا إذَا تَعَلَّقَ بِمَحَلِّ السِّرَايَةِ حَقٌّ لَازِمٌ بِأَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مَرْهُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُسْتَوْلَدًا بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِي ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ السِّرَايَةُ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ دُونَ الْمُسْتَوْلَدَةِ؛ لِعَدَمِ قَبُولِهَا نَقْلَ الْمِلْكِ. [فَائِدَة لَا فَرْقَ بَيْنَ عِتْقِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ] (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِتْقِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا ضَمَانَ فِي الْإِعْتَاقِ لِمَأْذُونٍ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ أَعْتِقْ نَصِيبَك. [فَائِدَة الْإِعْتَاق بِالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ] 1 (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ بِالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ بِالصِّفَةِ مَعَ وُجُودِهَا فَإِنَّ مَجْمُوعَهُمَا كَالتَّنْجِيزِ وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُقَوَّمُ عَلَيْهِ فَيُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ شَاءَ الْمُتَمَسِّكُ قَوَّمَهُ السَّاعَةَ فَكَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا إلَى سَنَةٍ مَثَلًا وَإِنْ شَاءَ تَمَاسَكَ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا مِنْ شَرِيكِهِ وَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ قُوِّمَ عَلَى مُبْتَدِئِ الْعِتْقِ عِنْدَ التَّقْوِيمِ. [فَائِدَة كَانَ مُعْسِرًا حَالَةَ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ] 1 (الْعِشْرُونَ) قَوْلُهُ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَقْتَضِي اعْتِبَارُ ذَلِكَ حَالَةَ الْعِتْقِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُعْسِرًا حَالَةَ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسِرْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السِّرَايَةِ فِيمَا إذَا مَلَكَ قِيمَةَ الْبَاقِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كَالْخِلَافِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ أَمْ لَا. [فَائِدَة بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا مُدَبَّرًا فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ] (الْحَدِيثِ الثَّانِي) عَنْ جَابِرٍ قَالَ «بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدًا مُدَبَّرَا فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ الْأَوَّلِ فِي إمْرَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ دَبَّرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ» وَلِلْبُخَارِيِّ «فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ نَحَّامٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» . وَقَالَ مُسْلِمٌ «فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَبِيعَ بِسَبْعِمِائَةٍ أَوْ بِتِسْعِمِائَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَنْتَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ وَاَللَّهُ أَغْنَى عَنْهُ» . وَلِمُسْلِمٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ»   Qعَامَ الْأَوَّلِ فِي إمْرَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ دَبَّرَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ.» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرٌ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ بِمَعْنَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ فَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ» الْحَدِيثَ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إلَيْهِ» وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «فَبِيعَ بِسَبْعِمِائَةٍ أَوْ تِسْعِمِائَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَنْتَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ وَاَللَّهُ أَغْنَى عَنْهُ» وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ «وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ» وَفِيهِ «فَأَعْطَاهُ قَالَ اقْضِ دِينَك» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَاحْتَاجَ الرَّجُلُ» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ بِلَفْظِ «إنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ بِلَفْظِ «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 الْحَدِيثَ. وَلِمُسْلِمٍ «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ» الْحَدِيثَ. وَزَادَ ثُمَّ قَالَ «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ فَبَيْنَ يَدَيْك وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك» . وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ «وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ» وَفِيهِ «فَأَعْطَاهُ قَالَ اقْضِ دِينَك» . وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» ..   Qعَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ فَبَيْنَ يَدَيْك وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظِ لِمُسْلِمٍ وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ» وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ «كَانَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمَذْكُورِ وَكَانَ لَهُ عَبْدٌ قِبْطِيٌّ فَأَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ ثُمَّ احْتَاجَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ ذَا حَاجَةٍ فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ قَالَ فَبَاعَهُ مِنْ نُعَيْمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ بِثَمَانِمِائَةٍ فَانْتَفَعَ بِهَا» خَمْسَتُهُمْ عَنْ جَابِر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا أَثَرٌ مَشْهُورٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ. (الثَّانِيَةُ) الْمُدَبَّرُ الْعَبْدُ الَّذِي عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ عَلَى الْمَوْتِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ دَبَّرَ أَمْرَ دُنْيَاهُ بِاسْتِخْدَامِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ، وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَاخْتَلَفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذَاهِبَ: (أَحَدُهَا) الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ وَحَكَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَطَاوُسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: يَبِيعُهُ الْجَرِيءُ وَيَدَعُهُ الْوَرِعُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: بَلْ يَبِيعُهُ الْوَرِعُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَرَفَعَهَا أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ صَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ مَا عَاشَ يُمْضِي مِنْهَا مَا شَاءَ وَيَرُدُّ مِنْهَا مَا شَاءَ وَحَكَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ، وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. (الثَّانِي) الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفِ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. (الثَّالِثُ) الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَيُبَاعُ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. (الرَّابِعُ) يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمُدَبَّرَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَنْهُ، وَقَالَ وَهَذَا تَفْرِيعٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. (الْخَامِسُ) جَوَازُ بَيْعِهِ إذَا احْتَاجَ صَاحِبُهُ إلَيْهِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ رَبِيعَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ طَاوُسٍ أَيْضًا. (السَّادِسُ) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا إذَا أَعْتَقَهُ الَّذِي ابْتَاعَهُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَانَ الْقَائِلُ بِهَذَا رَأَى بَيْعَهُ مَوْقُوفًا كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا فَإِنَّهُ لَوْ بَطَلَ الْبَيْعُ مِنْ الْأَوَّلِ لَمَا صَحَّ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مِلْكٍ، وَلَوْ صَحَّ مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقَلِبْ بَاطِلًا بِكَوْنِ الْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ. (السَّابِعُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ لَا يُبَاعُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ. انْتَهَى. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ قَوْلُ الْمَنْعِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَيْسَ بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ عِتْقٌ. (الثَّامِنُ) مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا، وَجَوَازُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ بِقَيْدٍ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مِنْ سَفَرِي هَذَا لَيْسَ تَدْبِيرًا، وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ جَائِزٌ وَلِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ. [فَائِدَة بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ] 1 (الرَّابِعَةُ) فَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْأَصْلُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِهَذَا الرَّجُلِ وَبِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ صِفَتِهِ وَتَأَوَّلَهُ الْمَانِعُ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ خِدْمَتِهِ وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَمَسَّكَ قَائِلُهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ «إنَّمَا بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ» وَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ مَوْصُولًا وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ قَالَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ فَإِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا مُرْسَلٌ ثُمَّ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا بَأْسَ بِبَيْعِ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ إذَا احْتَاجَ» وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ مِنْ ابْنِ طَرِيفٍ وَالصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلًا وَلِذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ ابْنِ طَرِيفٍ دَخَلَ لَهُ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ ثُمَّ أَوْضَحَ ذَلِكَ ثُمَّ رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِ مَنْ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَى هَذَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِيمَا عَلِمْتُ أَحَدٌ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ، وَلَوْ رَوَاهُ مَنْ ثَبَتَ حَدِيثُهُ مَا كَانَ لَك فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ وُجُوهٍ. قَالَ: وَمَا هِيَ قُلْت أَنْتَ لَا تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ فَكَيْفَ تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ يُخَالِفُهُ الْمُتَّصِلُ الثَّابِتُ، لَوْ كَانَ يُخَالِفُهُ لَوْ ثَبَتَ كَانَ يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ «بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَبَةً مُدَبَّرَةً» كَمَا حَدَّثَ جَابِرٌ «وَخِدْمَةَ مُدَبَّرٍ» كَمَا حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ، وَمِنْهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لِبَعْضِ مُخَالِفِيهِ أَتَقُولُ: إنَّ بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ قَالَ لَا؛ لِأَنَّهَا غَرَرٌ قُلْت: فَقَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْغَفَّارِ بْنَ الْقَاسِمِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يَرْمِيهِ بِالْوَضْعِ قَالَ وَوَصَلَهُ أَيْضًا أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبُو شَيْبَةَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِأَمْثَالِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ. قُلْت: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِبَيْعِ خِدْمَتِهِ الْإِجَارَةُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْمُخَالِفِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيْضًا لَكِنَّ شَرْطَ الْإِجَارَةٍ التَّأْقِيتُ بِمُدَّةٍ وَعَارَضُوا مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْجَوَازِ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا ثُمَّ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَقَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفًا، وَمَا قَبْلَهُ لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا وَرُوَاتُهُ ضُعَفَاءُ، وَلِذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ إسْنَادَ الْمَرْفُوعِ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي رَاوِي كُلَّ بَلِيَّةٍ، وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ إذْ ظَهَرَ فِيهِ الْبَلَاءُ ثُمَّ سَائِرُ مَنْ رَوَاهُ إلَى أَيُّوبَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ إنْ كَانَ هُوَ السِّنْجَارِيُّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ. قُلْت لَا يَحْسُنُ تَضْعِيفُهُ بِعَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ رَوَيَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ الْعَسْكَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَالْحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مُخْتَصَرٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانِ بِسَنَدِهِ «الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ» وَقَالَ سَمِعْت عُثْمَانَ يَقُولُ هَذَا خَطَأٌ وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. قَالَ وَالِدِي: وَقَدْ رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانِ عَنْ رَفَعَهُ كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا فَقَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانِ كُنْت أُحَدِّثُ بِهِ مَرْفُوعًا فَقَالَ لِي أَصْحَابِي لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَوَقَفْتُهُ قَالَ: وَالْحُفَّاظُ يَقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. انْتَهَى. وَاحْتَجَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ عِنْدِ النَّسَائِيّ وَفِيهَا «وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفِيهَا فَأَعْطَاهُ قَالَ اقْضِ دِينَك» وَيُعَارِضُهَا الرِّوَايَةُ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِيهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ الثَّمَنَ لِإِنْفَاقِهِ لَا لِوَفَاءِ دَيْنٍ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَاعَهُ لِيُنْفِقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا» إلَى آخِرِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ بَاعَهُ فِي دَيْنٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ بِهِ عَلَى قَرَابَتِهِ، وَعَلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ وَدِينِهِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ فَظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَكَانَ قَائِلُهُ تَمَسَّكَ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ بِأَنَّهُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ لِلْعِتْقِ لَازِمٌ وَقَالَ بِالنَّصِّ فِي مَوْرِدِهِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الِاحْتِيَاجِ، وَعَدَمِهِ فَتَمَسَّكَ قَائِلُهُ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَبِالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا وَكَانَ مُحْتَاجًا وَاَلَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ تَجْوِيزُ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِبَيَانِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا بَاشَرَ الْبَيْعَ وَقَهَرَهُ عَلَى تَبْطِيلِ التَّدْبِيرِ لِاحْتِيَاجِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَتَرَكَهُ، وَمَا فَعَلَ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ إذْ لَمْ يَتْرُكْ لِنَفْسِهِ مَالًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِذَلِكَ يُرَدُّ تَصَرُّفُ كُلِّ مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَقَالٍ يَلْزَمُ الِانْقِيَادُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا هِيَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ وَحِكَايَةٌ فِي حَالٍ فَلَا يُتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ هَذَا إذَا كَانَتْ مُجَرَّدَةً مِنْ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا التَّأْوِيلُ سَقَطَ مِنْهَا الدَّلِيلُ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِمَالِ فِيهَا، وَأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ طَرِيقِ الِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَقْتَضِي بَيْعًا وَلَا يُوجِبُ عِتْقًا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الرَّاوِي قَوْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ مَعْنًى، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ بَعْضِ الْحَدِيثِ وَالتَّعَلُّقُ بِبَعْضِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلَهُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَبَوَّبَ بِهِ. انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت مَعْنَى إخْبَارِ الرَّاوِي بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ. وَأَمَّا حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى السَّفَهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُبَذِّرًا لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ بِذَلِكَ إلَّا بِنَقْلٍ وَعَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الْمَالِكِيَّةِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إلَّا بِضَرْبِ الْقَاضِي وَفَرَّقَ أَصْبَغُ بَيْنَ ظَاهِرِ السَّفَهِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: مَنْ مَنَعَ بَيْعَهُ مُطْلَقًا فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الْكُلِّيَّ يُنَاقِضُهُ الْجَوَازُ الْجُزْئِيُّ، وَمَنْ أَجَازَ بَيْعَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَقُولُ أَنَا أَقُولُ بِالْحَدِيثِ فِي صُورَةِ كَذَا فَالْوَاقِعَةُ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يَقُومُ عَلَى حُجَّةٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ فِي غَيْرِهَا كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ بِكُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَمُتْ السَّيِّدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَاعَ الْمُدَبَّرَ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ] 1 (الْخَامِسَةُ) الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَاعَهُ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «فَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ» فَهُوَ وَهْمٌ نُسِبَ فِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إلَى الْخَطَأِ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ كَرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ هَكَذَا سَمِعْته مِنْهُ عَامَّةَ دَهْرِي ثُمَّ وَجَدْت فِي كِتَابِي دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا لَهُ فَمَاتَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً مِنْ كِتَابِي أَوْ خَطَأً مِنْ سُفْيَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ سُفْيَانَ فَابْنُ جُرَيْجٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ مِنْ سُفْيَانَ وَمَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَحُدُّ الْحَدِيثَ تَحْدِيدًا يُخْبِرُ فِيهِ حَيَاةَ الَّذِي دَبَّرَهُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مَعَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ مِمَّنْ وَجَدْتُهُ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ مَنْ خَطَّأْتَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا وَجَدْتَ فَقَدْ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَدِيمًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدْخِلْ فِي حَدِيثِهِ مَاتَ وَعَجِبَ بَعْضُهُمْ حِين أَخْبَرْته أَنِّي وَجَدْت فِي كِتَابِي مَاتَ، وَقَالَ لَعَلَّ هَذَا خَطَأٌ عَنْهُ أَوْ زَلَلٌ مِنْهُ حَفِظْتهَا عَنْهُ. انْتَهَى. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِيمَا عَلِمْت إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيَّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَمُجَاهِدٌ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ. شَرِيكٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ مُدَبَّرًا وَدَيْنًا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خَطَأِ شَرِيكٍ فِي ذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَحُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُهَيْلٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَلْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهَا فَفِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ «فَدَفَعَ ثَمَنَهُ إلَيْهِ» فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ فَمَاتَ. وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ سَبَبَ الْغَلَطِ فِي زِيَادَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَذَلِكَ أَنَّ مَطَرًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ فَمَاتَ فَدَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاعَهُ مِنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ» هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرِوَايَةُ مَطَرٍ هَذِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا وَإِنَّمَا أَحَالَ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ «إنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثٌ فَمَاتَ» مِنْ شَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ عَنْ مَوْتِ الْمُعْتِقِ، وَمِنْ هُنَا وَقَعَ الْغَلَطُ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ فِي ذِكْرِ وَفَاةِ الرَّجُلِ فِيهِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ وَفَاتَهُ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ يَوْمَ التَّدْبِيرِ. (السَّادِسَةُ) قَدْ تَبَيَّنَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ عِنْدِ. مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّ اسْمَ هَذَا الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ يَعْقُوبُ» وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «عَبْدًا قِبْطِيًّا» صِفَةٌ لَهُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ صِفَاتِهِ بِقَوْلِهِ «فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ» ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي ذَيْلِهِ عَلَى الِاسْتِيعَابِ يَعْقُوبُ هَذَا فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَذَكَرَ أَنَّهُ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَهْمٌ وَقَوْلُهُ «فَاشْتَرَاهُ ابْنُ النَّحَّامِ» كَذَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ «فَاشْتَرَاهُ النَّحَّامُ» سُمِّيَ بِذَلِكَ «؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا نَحْمَةً لِنُعَيْمٍ» وَالنَّحْمَةُ الصَّوْتُ وَقِيلَ هِيَ السَّعْلَةُ وَقِيلَ النَّحْنَحَةُ وَالنَّحَّامُ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا صَوَابُهُ نُعَيْمٌ النَّحَّامُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّوَابُ وَزِيَادَةُ ابْنٍ خَطَأٌ فِي بَعْضِ الرُّوَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَنُعَيْمٌ هَذَا قُرَشِيٌّ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ أَسْلَمَ قَدِيمًا قَبْلَ إسْلَامِ عُمَرَ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ فَقِيلَ: إنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ وَقِيلَ: بَعْدَ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَرَامِلَ بَنِي عَدِيٍّ، وَأَيْتَامِهِمْ فَمَنَعُوهُ الْهِجْرَةَ لِذَلِكَ وَقَالُوا: أَقِمْ عِنْدَنَا عَلَى أَيِّ دِينٍ شِئْت ثُمَّ هَاجَرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَتَبِعَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ فَقِيلَ: اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقِيلَ: اُسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ» وَهَذِهِ بِظَاهِرِهَا تُنَافِي الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ صُلْبِيَّةً وَمِنْ الْأَنْصَارِ مُخَالِفَةً أَوْ بِالْعَكْسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمَذْكُورِ. (السَّابِعَةُ) الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ: إنَّهُ «بِيعَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» . وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَبِيعَ بِسَبْعِمِائَةٍ أَوْ تِسْعِمِائَةٍ» فَلَمْ يَضْبِطْهَا رَاوِيهَا وَلِهَذَا شَكَّ فِيهَا. [فَائِدَة الْإِنْفَاقَ عَلَى النَّفْسِ] (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا» سَمَّى الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً وَهُوَ قُرْبَةٌ إذَا كَانَ مِنْ حَلَالٍ وَبِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ يَصِلُ إلَى الْوُجُوبِ وَذَلِكَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَقَوْلُهُ «فَإِنْ فَضَلَ» بِفَتْحِ الضَّادِ، وَمُضَارِعُهُ بِضَمِّهَا وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى بِكَسْرِ الضَّادِ، وَمُضَارِعُهُ بِفَتْحِهَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا فَضِلَ أَيْ بِالْكَسْرِ يَفْضُلُ بِالضَّمِّ وَهُوَ شَاذٌّ لَا نَظِيرَ لَهُ قَالَ سِيبَوَيْهِ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى لُغَتَيْنِ وَقَوْلُهُ «فَلِأَهْلِك» أَيْ زَوْجَتِك وَقَوْلُهُ «فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك فَلِذِي قَرَابَتِك» إنْ حُمِلَ عَلَى التَّطَوُّعِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ذِي قَرَابَةٍ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْوَاجِبِ اخْتَصَّ بِمَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٌ وَلِذَلِكَ تَفَارِيعُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّقِيقَ وَلَعَلَّهُ دَاخِلٌ فِي الْأَهْلِ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا رَقِيقَ لَهُمْ فَأَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ ذَاكَ الشَّخْصِ الْمُخَاطَبِ بِهَذَا الْكَلَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا رَقِيقَ لَهُ فَبَيَّنَ حَالَ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَدَّمَ الْحَنَابِلَةُ الْعَبْدَ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ أَصْحَابَنَا الشَّافِعِيَّةَ تَعَرَّضُوا لِذِكْرِ الْعَبْدِ عِنْدَ تَزَاحُمِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَكَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ جِهَةٌ يُنْفِقُ مِنْهَا وَهِيَ كَسْبُهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ كَسُوبٍ وَتَعَذَّرَتْ إجَارَتُهُ لِمَنْفَعَةٍ مِنْ الْمَنَافِعِ فَيُبَاعُ هُوَ أَوْ جُزْءٌ مِنْهُ لِنَفَقَتِهِ وَقَوْلُهُ «فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» فِيهِ تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرَابَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجَانِبِ إنْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَإِنْ كَانَ فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَوْلُهُ «فَهَكَذَا وَهَكَذَا» كَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ فَبَيْنَ يَدَيْك وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَكْرِيرَ قَوْلِهِ هَكَذَا ثَلَاثًا وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَعَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْ كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ وَتَنْوِيعِ جِهَاتِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْجِهَاتِ الْمَحْسُوسَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الِابْتِدَاءُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَمَحِلُّ تَقْدِيمِ النَّفْسِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ أَمَّا مَنْ صَبَرَ عَلَيْهَا، وَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَحْمُودٌ قَدْ جَاءَ بِمَدْحِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَفَعَلَهُ الصِّدِّيقُ وَذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ أَنَّ الْحُقُوقَ وَالْفَضَائِلَ إذَا تَزَاحَمَتْ قُدِّمَ الْآكَدُ فَالْآكَدُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَنْ يُنَوِّعَهَا فِي جِهَاتِ الْخَيْرِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يَحْصُرُهَا فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ. [فَائِدَة نَظَرُ الْإِمَامِ فِي مَصْلَحَةِ رَعِيَّتِهِ وَأَمْرُهُ إيَّاهُمْ بِمَا فِيهِ الرِّفْقُ بِهِمْ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ نَظَرُ الْإِمَامِ فِي مَصْلَحَةِ رَعِيَّتِهِ، وَأَمْرُهُ إيَّاهُمْ بِمَا فِيهِ الرِّفْقُ بِهِمْ وَإِبْطَالُهُ مَا يَضُرُّهُمْ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ الَّتِي يُمْكِنُ فَسْخُهَا. (الْعَاشِرَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ «بَاعَ» أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَتَصَرُّفُهُ عَلَيْهِمْ مَاضٍ لَا انْدِفَاعَ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَنَسَبَ إلَيْهِ الْبَيْعَ مَجَازًا لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ «ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إلَيْهِ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي غَيْبَتَهُ عَنْ الْبَيْعِ وَقَبْضَ الثَّمَنِ وَكَذَا قَوْلُهُ «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي» يَقْتَضِي مُبَاشَرَتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الْعَلَمِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُحِيطُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَبِيعُ عَلَى أَحَدٍ مَالَهُ إلَّا فِيمَا لَزِمَهُ أَوْ يَأْمُرُهُ قِيلَ لَهُ فَبِأَيِّهِمَا بَاعَهُ قَالَ: أَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ الْحَدِيثِ فِي دَفْعِهِ ثَمَنَهُ إلَى صَاحِبِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ فَإِنَّهُ دَبَّرَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ حِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اسْقِ رَبَّكَ أَطْعِمْ رَبَّكَ وَضِّئْ رَبَّكَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتَايَ فَتَاتِي غُلَامِي» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ «غُلَامِي وَجَارِيَتِي» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَلَا يَقُلْ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ فَإِنَّ مَوْلَاكُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» .   Qدَبَّرَهُ وَكَانَ يُرِيدُ بَيْعَهُ إمَّا مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ، وَإِمَّا غَيْرَ مُحْتَاجٍ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاعَهُ فَكَانَ فِي بَيْعِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ لَهُ إذَا شَاءَ، وَأَمَرَهُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ نَرَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى النَّاسِ. [فَائِدَة الْبَيْعِ فِيمَنْ يَزِيدُ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ فِيمَنْ يَزِيدُ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْآنَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ. [فَائِدَة الرُّجُوع عَنْ التَّدْبِيرِ بِالْقَوْلِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ بِالْقَوْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى نَقْلِ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ أَصْحَابِهِ مَنْعُ الرُّجُوعِ عَنْهُ بِالْقَوْلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ وَصِيَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهُ بِالتَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ جَوَازُهُ بِالْقَوْلِ فَقَدْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِصِفَتِهِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ عَامَ الْأَوَّلِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِصِفَتِهِ وَلَهُ نَظَائِرُ فَالْكُوفِيُّونَ يُجِيزُونَهُ وَالْبَصْرِيُّونَ يَمْنَعُونَهُ وَيُؤَوِّلُونَ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ هُنَا عَامَ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. [حَدِيث لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اسْقِ رَبَّكَ أَطْعِمْ رَبَّكَ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اسْقِ رَبَّك أَطْعِمْ رَبَّك وَضِّئْ رَبَّك وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي وَلْيَقُلْ فَتَايَ غُلَامِي» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا الْوَجْهِ، الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي، وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي» ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي فَإِنَّ كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ مَوْلَايَ فَإِنَّ مَوْلَاكُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي» ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي وَلَا الْمَوْلَى رَبِّي وَرَبَّتِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ الْمَالِكُ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَالْمَمْلُوكُ سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي فَإِنَّكُمْ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ نَهْيُ الْمَمْلُوكِ أَنْ يَقُولَ لِسَيِّدِهِ رَبٍّ وَكَذَلِكَ نَهْيُ غَيْرِهِ فَلَا يَقُلْ أَحَدٌ لِلْمَمْلُوكِ رَبَّك وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقُولُ اسْقِ رَبَّك فَيَضَعُ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِنَفْسِهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالنَّهْيِ مِنْ قَوْلِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ ذَلِكَ عَنْ السَّيِّدِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ حَقِيقَتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ الْقَائِمُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا حَقِيقَةً إلَّا فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ السَّيِّدِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] وَ {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50] {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا أَوْ رَبَّهَا.» قُلْت أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الثَّانِيَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَوَّلِ لِلْأَدَبِ وَالتَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الْإِكْثَارِ مِنْ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاِتِّخَاذِهَا عَادَةً شَائِعَةً، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إطْلَاقِهَا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْجَوَابَ الثَّانِيَ. (الثَّالِثَةُ) ذِكْرُ السَّقْيِ وَالْإِطْعَامِ وَالْوُضُوءِ أَمْثِلَةٌ وَالْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الرَّبِّ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ وَيَجُوزُ فِي هَمْزَةِ اسْقِ الْوَصْلُ وَالْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا. [فَائِدَة قَوْلَ الْمَمْلُوكُ عَنْ مَالِكِهِ سَيِّدِي] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ عَنْ مَالِكِهِ سَيِّدِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ السَّيِّدِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِاَللَّهِ تَعَالَى اخْتِصَاصَ الرَّبِّ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ كَاسْتِعْمَالِهَا حَتَّى نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الدُّعَاءَ بِسَيِّدِي وَلَمْ يَأْتِ تَسْمِيَتُهُ تَعَالَى بِالسَّيِّدِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي حَدِيثٍ مُتَوَاتِرٍ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» وَقَالَ «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ» وَقَالَ «اسْمَعُوا مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ يَعْنِي سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: فَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ سَيِّدِي إشْكَالٌ وَلَا لَبْسٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاتِّفَاقِ وَاخْتُلِفَ فِي السَّيِّدِ هَلْ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؟ . فَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ أَسْمَائِهِ فَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ لَا الْتِبَاسَ وَلَا إشْكَالَ يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ الرَّبِّ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ فَلَيْسَ فِي الشُّهْرَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ كَلَفْظِ الرَّبِّ فَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَالرَّبُّ مَأْخُوذٌ مِنْ " رَبَّ الشَّيْءَ وَالْوَلَدَ يُرَبِّهِ وَرَبَّاهُ يُرَبِّيهِ إذَا قَامَ عَلَيْهِ بِمَا يُصْلِحُهُ وَيُكْمِلُهُ فَهُوَ رَبٌّ وَرَابٌّ " وَالسَّيِّدُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَهُوَ التَّقَدُّمُ يُقَالُ سَادَ قَوْمَهُ إذَا تَقَدَّمَهُمْ وَلَا شَكَّ فِي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى غُلَامِهِ فَلَمَّا حَصَلَ الِافْتِرَاقُ جَازَ الْإِطْلَاقُ. انْتَهَى. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ مَوْلَايَ أَيْضًا وَيُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَعْمَشِ، وَأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعًا ذَكَرَاهَا عَنْ الْأَعْمَشِ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ لَمْ يَذْكُرْهَا عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَحَذْفُهَا أَصَحُّ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَشْهُورَةٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِيهَا فَظَهَرَ أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ، وَإِنَّمَا صِرْنَا لِلتَّرْجِيحِ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، وَالْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ وَالْعِلْمُ بِالتَّارِيخِ مَفْقُودٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّرْجِيحُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَوْجِيهِهِ جَوَازَ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَوْلَى يَقَعُ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَعْنًى سَبَقَ بَيَانُهَا مِنْهَا النَّاظِرُ وَالْمَالِكُ (قُلْت) وَقَدْ رَأَيْت مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ يَتَوَقَّفُ فِي التَّقْرِيظِ وَتَعْظِيمِ الْأَقْرَانِ فِي كِتَابَةِ سَيِّدِنَا وَيَكْتُبُ مَوْلَانَا وَسَبَبُهُ أَنَّ السَّيِّدَ وَصْفُ تَرَجُّحٍ بِلَا شَكٍّ، وَأَمَّا الْمَوْلَى فَقَدْ يُطْلَقُ خَالِيًا عَنْ الرُّجْحَانِ كَمَا فِي الْعَتِيقِ وَنَحْوِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ مَوْلَايَ أَسْهَلُ، وَأَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنْ سَيِّدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ مَوْلَايَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ سَيِّدِي. [فَائِدَة قَوْلَ السَّيِّدِ لِمَمْلُوكِهِ عَبْدِي وَأَمَتِي] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ نَهْيُ السَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي وَإِرْشَادُهُ إلَى أَنْ يَقُولَ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ وَاسْتِعْمَالِهِ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ» فَنَهَى عَنْ التَّطَاوُلِ فِي اللَّفْظِ كَمَا نَهَى عَنْ التَّطَاوُلِ فِي الْفِعْلِ، وَفِي إسْبَالِ الْإِزَارِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي فَلَيْسَ دَالًّا عَلَى الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ عَبْدِي مَعَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَإِضَافَتُهُ دَالَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60] {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} [يوسف: 62] {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] وَاسْتِعْمَالُ الْجَارِيَةِ فِي الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ مَعْرُوفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَصْلُ الْفُتُوَّةِ الشَّبَابُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الْفَتَى فِيمَنْ كَمُلَتْ فَضَائِلُهُ وَمَكَارِمُهُ كَمَا جَاءَ «لَا فَتًى إلَّا عَلِيٌّ» وَمِنْ هَذَا أَخَذَ الصُّوفِيَّةُ الْفُتُوَّةَ الْمُتَعَارَفَةُ بَيْنَهُمْ، وَأَصْلُ مَدْلُولِهِ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْتَحْكِمِ الْقُوَّةِ وَهُوَ عَلَى هَذَا إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ الْغُلْمَةِ وَهِيَ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ فِي الْإِنَاثِ كَالْغُلَامِ فِي الذُّكُورِ. [فَائِدَة التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي وَأَمَتِي] (السَّابِعَةُ) هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَبَوَّبَ بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ عَبْدِي، وَأَمَتِي وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَقَالَ {عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: 75] {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] وَقَالَ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: 42] سَيِّدِك «وَمَنْ سَيِّدُكُمْ» ثُمَّ رَوَى مَعَ حَدِيثِ الْبَابِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «إذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ» وَحَدِيثَ أَبِي مُوسَى «الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيُؤَدِّي إلَى سَيِّدِهِ» وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ» وَحَدِيثَهُ «وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ» وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «إذَا زَنَتْ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا» فَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِلْكَرَاهَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عَبْدِي، وَأَمَتِي؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ مَا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ نِعْمَ مَا لَهُ» قَالَ الْبُخَارِيُّ «وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْعَبْدَ إذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةِ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» .   Q {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّطَاوُلِ وَالْغِلْظَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ. وَاتِّبَاعُ مَا حَضَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ أَوْلَى، وَأَجْمَلُ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ عَبْدِي، وَأَمَتِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ فَيُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَمَةُ اللَّهِ فَكُرِهَ ذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِ. وَأَمَّا الرَّبُّ فَهِيَ كَلِمَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرِكَةً وَتَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْخَالِقِ لِقَوْلِهِمْ: رَبُّ الدَّابَّةِ وَرَبُّ الدَّارِ وَيُرَادُ صَاحِبُهَا فَإِنَّهَا لَفْظَةٌ تَخْتَصُّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَغْلَبِ وَالْأَكْثَرِ فَوَجَبَ أَلَا يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَخْلُوقِينَ لِنَفْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ إلَهٌ وَلَا رَحْمَانٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَحِيمٌ لِاخْتِصَاصِ اللَّهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَكَذَلِكَ الرَّبُّ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ. انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَوْلِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ رَبِّي عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى إطْلَاقُ الرَّبِّ بِلَا إضَافَةٍ أَمَّا مَعَ الْإِضَافَةِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَم. (الثَّامِنَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَاظُمِ وَالِارْتِفَاعِ لَا لِلْوَصْفِ وَالتَّعْرِيفِ. (قُلْتُ) يَنْبَغِي اسْتِمْرَارُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ قَصَدَ التَّعْرِيفَ دُونَ التَّعَاظُمِ لَكِنْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ خَلَا عَنْ الْقَصْدِ الْقَبِيحِ اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ فِي الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث نِعْمَ مَا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ مَا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يُتَوَفَّى يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ وَصَحَابَةَ سَيِّدِهِ نِعْمَ مَا لَهُ» . (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْعَبْدَ إذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «نِعْمَ مَا لِأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ «إذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَالَ فَحَدَّثْتهَا كَعْبًا فَقَالَ كَعْبٌ لَيْسَ عَلَيْهِ حِسَابٌ وَلَا عَلَى مُؤْمِنٍ مُزْهِدٍ» . وَرَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ، وَأَنَا مَمْلُوكٌ) . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «الْمُصْلِحُ» . وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «نِعِمَّا» فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ إحْدَاهَا كَسْرُ النُّونِ مَعَ إسْكَانِ الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُهُمَا وَالثَّالِثَةُ فَتْحُ النُّونِ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمِيمُ مُشَدَّدَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ نِعْمَ شَيْءٌ هُوَ وَمَعْنَاهُ نِعْمَ مَا هُوَ فَأُدْغِمَتْ الْمِيمُ فِي الْمِيمِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ نُعْمًا بِضَمِّ النُّونِ مُنَوَّنًا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ لَهُ مَسَرَّةٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ يُقَالُ نُعْمًا لَهُ وَنِعْمَةً لَهُ وَقَوْلُهُ «يُتَوَفَّى» بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَالْوَفَاةُ الْمَوْتُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ وَقَوْلُهُ «يُحْسِنُ عِبَادَةَ اللَّهِ» هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِ يُحْسِنُ وَعِبَادَةَ مَنْصُوبٌ بِهِ وَالصَّحَابَةُ هُنَا بِمَعْنَى الصُّحْبَةِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمَمْلُوكِ الْمُصْلِحِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَالنَّاصِحُ لِسَيِّدِهِ الْقَائِمُ لَهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ لِقِيَامِهِ بِالْحَقَّيْنِ وَلِانْكِسَارِهِ بِالرِّقِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَيْسَ الْأَجْرَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ أَوْجَبُ مِنْ طَاعَةِ الْمَخْلُوقِينَ قُلْت طَاعَةُ الْمَخْلُوقِ الْمَأْمُورُ بِهَا هِيَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ كَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَطَاعَةِ الزَّوْجِ وَالْمَالِكِ وَالْوَالِدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُؤَدِّيَ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ سَيِّدِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْحُرِّ وَيَعْضُدُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ مُرُّ الدِّينَا حُلْوُ الْآخِرَةِ وَحُلْوُ الدُّنْيَا مُرُّ الْآخِرَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلِلْعُبُودِيَّةِ مَضَاضَةٌ وَمَرَارَةٌ لَا تَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ. (الرَّابِعَةُ) إنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ " فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ " يُفْهَمُ أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى الْعَمَلِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عِبَادَةُ اللَّهِ وَالنُّصْحُ لِسَيِّدِهِ فَيُؤْجَرُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَمَلَيْنِ مَرَّةً وَكَذَا كُلُّ آتٍ بِطَاعَتَيْنِ يُؤْجَرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَجْرُهَا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَبْدِ بِذَلِكَ. (قُلْت) يَحْتَمِلُ (وَجْهَيْنِ) : (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جِنْسُ الْعَمَلِ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ وَالْآخَرَ طَاعَةُ مَخْلُوقٍ خَصَّهُ بِحُصُولِ أَجْرِهِ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ عَلَى عَمَلٍ لَا يَأْتِي فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَأْتِي فِي حَقِّهِ إلَّا طَاعَةً خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُحَصِّلُ أَجْرَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ أَجْرٌ، وَأَعْمَالُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ تَظْهَرُ مُشَارَكَةُ الْمُطِيعِ لِأَمِيرِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ. (ثَانِيهِمَا) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَمَلِ الْوَاحِدِ طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ سَيِّدِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ عَلَى الْعَمَلِ الْوَاحِدِ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ لِامْتِثَالِهِ بِذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ، وَأَمْرَ سَيِّدِهِ الْمَأْمُورِ بِطَاعَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ وَاجِبَانِ طَاعَةُ سَيِّدِهِ فِي الْمَعْرُوفِ وَطَاعَةُ رَبِّهِ فَقَامَ بِهِمَا جَمِيعًا كَانَ لَهُ ضِعْفَا أَجْرِ الْحُرِّ الْمُطِيعِ لِرَبِّهِ مِثْلَ طَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ سَيِّدِهِ وَنُصْحِهِ، وَأَطَاعَهُ أَيْضًا فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّهُ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ فَأَدَّاهُمَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا فَرْضٌ وَاحِدٌ فَأَدَّاهُ فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَصَلَاةٌ فَقَامَ بِهِمَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، وَأَدَّى صَلَاتَهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَعَلَى حَسَبِ هَذَا يُقْضَى فِيمَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ فَلَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْهَا وَعِصْيَانُهُ أَكْثَرُ مِنْ عِصْيَانِ مَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ تِلْكَ الْفُرُوضِ، وَقَدْ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَجُلٍ كَثِيرِ الْحَسَنَاتِ كَثِيرِ السَّيِّئَاتِ أَهُوَ أَحَبُّ إلَيْك أَمْ رَجُلٌ قَلِيلُ الْحَسَنَاتِ قَلِيلُ السَّيِّئَاتِ فَقَالَ. مَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 كِتَابُ الْفَرَائِضِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُوَرَّثْ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَأَيُّكُمْ تَرَكَ مَالًا فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ» وَلِلْبُخَارِيِّ «فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» ..   Q [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [حَدِيث أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] ِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي وَأَنَا وَلِيُّهُ، وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُوَرَّثْ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدِينِهِ وَفَاءً وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ الْبَاقُونَ قَضَاءَ بَدَلٍ فَضْلًا، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَلَيْتُهُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qضِيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلَا دَعِيَّ لَهُ» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَا مَنْ مُؤْمِنٍ إلَّا، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنْ عَلَى الْأَرْضِ مَنْ مُؤْمِنٍ إلَّا، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَأَنَا مَوْلَاهُ، وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْلَى بِهِمْ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَارَ بِهِ إلَى قَوْله تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قُلْت الَّذِي فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ فَفِيهِ زِيَادَةٌ (قُلْت) إذَا كَانَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ النَّاسِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَوْلَى بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا تَقَدَّمَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّفْسِ فَتَقَدُّمُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ أَنْفُسَهُمْ تَدْعُوهُمْ إلَى الْهَلَاكِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى النَّجَاةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا تَقَحُّمَ الْفَرَاشِ» . (الثَّالِثَةُ) يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إيثَارُ طَاعَتِهِ عَلَى شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُحِبُّوهُ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ هُنَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «وَلَمَّا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا نَفْسِي قَالَ لَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ نَفْسِك فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاَللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآنَ يَا عُمَرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُرِدْ بِهِ حُبَّ الطَّبْعِ بَلْ أَرَادَ بِهِ حُبَّ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ حُبَّ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ طَبْعٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى قَلْبِهِ قَالَ فَمَعْنَاهُ لَا تَصْدُقُ فِي حُبِّي حَتَّى تُفْنِيَ فِي طَاعَتِي نَفْسَك وَتُؤْثِرَ رِضَايَ عَلَى هَوَاك، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُك. (الرَّابِعَةُ) اسْتَنْبَطَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ مَالِكِهِمَا الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا إذَا احْتَاجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَيْهِمَا وَعَلَى صَاحِبِهِمَا الْبَذْلُ وَيُفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّهُ لَوْ قَصَدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ظَالِمٌ وَجَبَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ دُونَهُ، وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ وَاضِحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَظِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ وَتَرَكَ حَظَّهُ فَقَالَ: «وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُوَرَّثْ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانَ» . [فَائِدَة تَرَكَ أَوْلَادًا أَوْ عِيَالًا ذَوِي ضَيَاع أَيْ لَا شَيْءَ لَهُمْ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً لَفْظَةُ " مَا " زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ وَالضَّيْعَةُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ضَيَاعًا بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا عِيَالٌ مُحْتَاجُونَ ضَائِعُونَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الضَّيَاعُ وَالضَّيْعَةُ هُنَا وَصْفٌ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِالْمَصْدَرِ أَيْ تَرَكَ أَوْلَادًا أَوْ عِيَالًا ذَوِي ضَيَاعٍ أَيْ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَالضَّيَاعُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ مَا ضَاعَ وَجُعِلَ اسْمًا لِكُلِّ مَا يَعْرِضُ لَلضَّيَاعِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «كَلًّا» وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعِيَالُ، وَأَصْلُهُ الثِّقَلُ. (السَّادِسَةُ) قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَزَالَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَحْكَامًا كَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. (مِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَعَلَيَّ أَنَا وَلِيُّهُ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] » . انْتَهَى. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ حِينَ فَتَحَ الْفُتُوحَ وَاتِّسَاعِ الْأَمْوَالِ» وَكَيْفَ كَانَ فَهَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ «امْتِنَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ» مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ فَصَارَ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُوَفِّي دَيْنَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَمْ لَا فِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْجُرْجَانِيَّاتِ وَحَكَى خِلَافًا أَيْضًا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ وُجُودِ الضَّامِنِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ الضَّامِنِ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ لِيُحَرِّضَ النَّاسَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي حَيَاتِهِمْ وَالتَّوَصُّلِ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهُ لِئَلَّا تَفُوتَهُمْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ صَارَ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَيَقْضِي دَيْنَ مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ صَارَ يُوَفِّي دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَارَ يُوَفِّي دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يَفْعَلُهُ تَكَرُّمًا وَتَفَضُّلًا فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَشْهَرُ عِنْدَهُمْ وُجُوبُهُ وَعَدُّوهُ مِنْ الْخَصَائِصِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ قَضَاءُ دَيْنِ الْمُعْسِرِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ أَمْ لَا وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْضِيهِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ خَالِصِ مَالِ نَفْسِهِ وَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. [فَائِدَة قِيَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِيَالِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ] (الثَّامِنَةُ) فِيهِ قِيَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِيَالِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْصِيَ جَمِيعَ مَا فِي الْبُلْدَانِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مَنْ قَدْ احْتَلَمَ أَوْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَيُحْصِي الذُّرِّيَّةَ وَهِيَ مَنْ دُونَ الْمُحْتَلِمِ وَدُونَ الْبَالِغِ وَالنِّسَاءُ صَغِيرَتُهُنَّ وَكَبِيرَتُهُنَّ وَيَعْرِفُ قَدْرَ نَفَقَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَاتِهِمْ بِقَدْرِ مَعَاشِ مِثْلِهِمْ فِي بُلْدَانِهِمْ ثُمَّ يُعْطِي الْمُقَاتِلَةَ فِي كُلِّ عَامٍ عَطَاءَهُمْ وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ مِنْ الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْجِهَادَ ثُمَّ يُعْطِي الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ مَا يَكْفِيهِمْ لِسَنَتِهِمْ فِي كِسْوَتِهِمْ وَنَفَقَتِهِمْ. قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِينَاهُ فِي أَنْ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ، وَلَا لِلْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ. قَالَ: وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَعْدَمَا وَصَفْت وَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي إصْلَاحِ الْحُصُونِ وَالِازْدِيَادِ فِي الْكُرَاعِ وَكُلِّ مَا قَوِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ اسْتَغْنَى الْمُسْلِمُونَ، وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فَرَّقَ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَيْنَهُمْ كُلَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ. قَالَ: وَيُعْطِي مِنْ الْفَيْءِ رِزْقَ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأَحْدَاثِ وَالصَّلَاةِ بِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلَّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لَا غِنَى لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَنْهُ رِزْقَ مِثْلِهِ. انْتَهَى. [فَائِدَة الْعَصَبَةُ] 1 (التَّاسِعَةُ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ «وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا» مَا زَائِدَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَذِكْرُ الْمَالِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تُوَرَّثُ كَالْأَمْوَالِ وَقَوْلُهُ فَلْيُوَرَّثْ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَقَوْلُهُ عَصَبَتُهُ مَرْفُوعٌ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الْفَاعِلِ وَيَحْتَمِلُ نَصْبَهُ وَيَكُونُ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ فَلْيُوَرِّثْ هُوَ عَصَبَتَهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَقَوْلُهُ مَنْ كَانَ أَيْ الْعَصَبَةُ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَنْ كَانُوا، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ يَكُونُ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ الْمَيِّتَ وَالْعَصَبَةُ الْأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَذَا عَرَفَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَمِنْهُمْ الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَإِنَّمَا سُمُّوا عَصَبَةً؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبُوا بِهِ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ فَالْأَبُ طَرَفٌ وَالِابْنُ طَرَفٌ وَالْعَمُّ جَانِبٌ وَالْأَخُ جَانِبٌ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: لِأَنَّهُمْ يَعْصِبُونَهُ وَيَعْتَصِبُ بِهِمْ أَيْ يُحِيطُونَ بِهِ وَيَشْتَدُّ بِهِمْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: الْعَصَبَةُ الَّذِينَ يَرِثُونَ الرَّجُلَ عَنْ كَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ وَلَا وَلَدٍ فَأَمَّا فِي الْفَرَائِضِ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ فَهُوَ عَصَبَةٌ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الْفَرْضِ أَخَذَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ: عَصَبَةُ الْمَوَارِيثِ هُمْ الْكَلَالَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ عَدَا الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ الْأَدْنِيَاءِ، وَتَكُونُ أَيْضًا فِي الْمَوَارِيثِ كُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى وَكَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصَبَةَ مُفْرَدٌ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ جَمْعَهُ الْعَصَبَاتُ وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ الْعَصَبَةَ جَمَاعَةٌ لَيْسَ لَهَا وَاحِدٌ وَعَرَّفَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ الْعَصَبَةَ بِأَنَّهُ مَنْ وَرِثَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْضَ لَهُ وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَإِنَّ مَنْ وَرَّثَهُمْ لَا يُسَمِّيهِمْ عَصَبَةً. وَأُورِدَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ أَمْرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ لَنَا مَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ ذُو فَرْضٍ كَابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ أَوْ زَوْجٍ. (الثَّانِي) أَنَّ لَنَا مَنْ فِي إرْثِهِ خِلَافٌ وَهُوَ عِنْدَ مَنْ وَرَّثَهُ عَصَبَةٌ كَالْقَاتِلِ وَالتَّوْأَمَيْنِ الْمَنْفِيَّيْنِ بِاللِّعَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَنْ وَرَّثَ لِمُجْمَعٍ عَلَى التَّوْرِيثِ بِمِثْلِهِ بِلَا تَقْدِيرٍ ثُمَّ قَسَّمَ أَصْحَابُنَا الْعَصَبَةَ إلَى عَصَبَةٍ بِنَفْسِهِ وَعَصَبَةٍ بِغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ عَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ وَعَرَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ كُلُّ ذَكَرٍ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَوْ بِتَوَسُّطِ مَحْضِ الذُّكُورِ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الزَّوْجَ فَإِنَّهُ يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَصَبَةً وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمَوْلَاةُ الْمُعْتِقَةُ مَعَ أَنَّهَا عَصَبَةٌ وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا يَمْنَعْكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ   Qيُقَالَ هُوَ كُلُّ مُعْتِقٍ ذَكَرٍ نَسِيبٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «فَلْيُوَرَّثْ عَصَبَتُهُ» هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَإِلَى الْعَصَبَةِ مَنْ كَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِصِفَتِهِ، وَأَصْلُهُ لِلْمَوَالِي الْعَصَبَةُ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمَوَالِي الَّذِينَ لَيْسُوا عَصَبَةً فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مَوْلًى بِقَرَابَةِ إنَاثٍ أَوْ بِإِعْتَاقٍ مِنْ أَسْفَلَ أَوْ بِنَصْرٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَصَبَةً فَلَا إرْثَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَلِوَرَثَتِهِ» وَهَذِهِ أَعَمُّ لِتَنَاوُلِهَا أَصْحَابَ الْفُرُوضِ أَيْضًا وَذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ مَنْ يُوَرِّثُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى الْعَصَبَةِ؛ لِوُضُوحِ أَمْرِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، وَالنَّصُّ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. [فَائِدَة الْمَرْأَةَ إذَا تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَالْآخَرُ زَوْجٌ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنَيْ عَمٍّ (أَحَدُهُمَا) أَخٌ لِأُمٍّ (وَالْآخَرُ) زَوْجٌ أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسَ، وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَحَكَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْعُصُوبَةِ فَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضَيْهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فَمَالُهُ لِلْعَصَبَةِ» فَلَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي ذَلِكَ بِلَا مُرَجِّحٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَفِي وَجْهٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ لِزِيَادَتِهِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَأَشْبَهَ الْأَخَ الشَّقِيقَ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا يَمْنَعْكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَعَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 لِمَنْ أَعْتَقَ» كَذَا هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طُرُقٍ وَقَالَ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ فَجَعَلَهُ مِنْ حَدِيثِهَا..   Qرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى هُوَ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا أَرَادَتْ» فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ وَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الرَّبِيعُ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى وَالْمَعْرِفَةِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأَوَّلَ عَنْ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَالثَّانِيَ عَنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كَمَا ذَكَرْتُهُ، وَقَدْ عَرَفْت مُوَافَقَةَ الشَّافِعِيِّ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ إنَّ حُكْمَ أَنَّ حُكْمُ عَنْ، فَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لَوْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فَأَسْنَدَ الْقِصَّةَ إلَيْهَا وَهُوَ فِي اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ لَمْ يُسْنِدْ الْقِصَّةَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا حَكَاهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِيهَا مُجَرَّدُ ذِكْرٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ، وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ مُنْتَشِرَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ بَرِيرَةَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. انْتَهَى. وَاشْتَمَلَ حَدِيثُهَا عَلَى أَحْكَامٍ مُهِمَّةٍ وَأُمُورٍ مُشْكِلَةٍ، وَقَدْ صَنَّفَ فِي فَوَائِدِهِ الْإِمَامَانِ الْكَبِيرَانِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَبَسَطَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَلَسْنَا نَذْكُرُ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نِيَّتِهَا ذَلِكَ أَنْ تُصَرِّحَ بِاشْتِرَاطِهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ، وَمَنْ أَجَازَ قَالَ: اشْتِرَاطُ الْوَلَاءِ لَهُمْ يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ فَرْعُهُ، وَمَنْ مَنَعَ قَالَ قَدْ يَكُونُونَ إنَّمَا اشْتَرَطُوا الْوَلَاءَ إنْ أَعْتَقَتْهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ مِنْ شَرْطِ الْعِتْقِ. وَمَنْ أَجَازَ قَالَ: لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ هِيَ مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ عَلَى الْمَنْعِ، وَقَدْ مَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَطَرَدُوا فِيهِ قِيَاسَ الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي بُطْلَانِهَا فِي نَفْسِهَا وَإِبْطَالِهَا الْعَقْدَ وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَحِكْمَتُهُ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ثُمَّ مَحَلُّ الصِّحَّةِ مَا إذَا شُرِطَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ فَلَوْ شُرِطَ تَدْبِيرُ الْعَبْدِ أَوْ كِتَابَتُهُ أَوْ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ عَلَى صِفَةٍ أَوْ عِتْقِهِ بَعْدَ شَهْرٍ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شُرِطَ مَعَ الْعِتْقِ دُونَ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا أَنَّهُ صَحِيحٌ وَيَلْغُو الشَّرْطُ خَاصَّةً وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِنَقْلِهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا أَنْ يُطْلَقَ أَوْ يَقُولَ بِشَرْطٍ أَنْ تَعْتِقَهُ عَنْ نَفْسِك فَإِنْ قَالَ بِشَرْطِ أَنْ تَعْتِقَهُ عَنِّي فَهُوَ لَاغٍ. [فَائِدَة بَيْعِ الْمُكَاتَبِ] 1 (الثَّالِثَةُ) هَذِهِ الْجَارِيَةُ هِيَ بَرِيرَةُ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَقْوَالِ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْعِتْقِ فَيَجُوزُ أَوْ لِلِاسْتِخْدَامِ فَيَمْتَنِعُ، فَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ بَلْ يَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرِي مُكَاتَبًا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ النُّجُومَ عَتَقَ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَمِمَّنْ مَنَعَ بَيْعَهُ مُطْلَقًا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَبِيعَةَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِرِضَاهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ وَقَالَ: مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْمُفْتِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلَّا يُبَاعَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ وَيَرْضَى بِالْبَيْعِ، وَهُمْ لَا يَجْهَلُونَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَجَعَلَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ قَيْدًا وَقَالَ: مَحِلُّ بُطْلَانِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْجَدِيدِ مَا لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْعِ، وَحَكَى هَذَا النَّصَّ وَبَحَثَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ اسْتِنْبَاطًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَيْعُ الرَّقِيقِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ، وَقَدْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِشَرْطِ الْعِتْقِ رَضِيَ أَمْ لَمْ يَرْضَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ لِعَائِشَةَ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهَا. قَالَ: وَمَحِلُّ الْحَدِيثِ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْعُمُومِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ فَإِنَّ السَّبَبَ لَا يُخْرِجُ كَمَا فِي «الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ» فَإِنَّ السَّبَبَ كَانَ فِي أَمَةٍ. انْتَهَى. وَالْمَانِعُونَ مِنْ بَيْعِهِ مُطْلَقًا مِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ الْمَبِيعَ نُجُومُهَا لَا رَقَبَتُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَفَسَخُوا الْكِتَابَةَ وَالْأَوَّلُ جَوَابُ مَنْ يُجَوِّزُ بَيْعَ نُجُومِ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّانِي جَوَابُ مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ. [فَائِدَة مَا شَرَطُوهُ مِنْ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ لَا يَمْنَعْكِ ذَلِكَ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ إبْطَالُ مَا شَرَطُوهُ مِنْ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ (قُلْت) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ مَا أَرَادُوهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ مَانِعًا مِنْ الشِّرَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادُوهُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ فَلَا يَضُرُّ اشْتِرَاطُ خِلَافِهِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي ذَلِكَ إشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ يَثْبُتُ مَعَ ذَلِكَ عِتْقٌ وَوَلَاءٌ. (الثَّانِي) كَيْفَ يَأْذَنُ لَهَا فِي اشْتِرَاطِ مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِطِينَ، وَفِي ذَلِكَ خِدَاعٌ لَهُمْ يُصَانُ عَنْهُ الشَّرْعُ وَلِهَذَا أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا اللَّفْظَ وَذَلِكَ مَحْكِيٌّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ «لَهُمْ» بِمَعْنَى عَلَى أَيْ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: 52] وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ هَذَا التَّأْوِيلِ لَمْ يُنْكِرْهُ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالِاشْتِرَاطِ هُنَا تَرْكُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا شَرَطَهُ الْبَائِعُ، وَعَدَمُ إظْهَارِ النِّزَاعِ فِيهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ التَّخْلِيَةِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] . وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِمُخَالَفَتِهِمْ حُكْمَ الشَّرْعِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ فَعَاقَبَهُمْ فِي الْمَالِ بِتَحْسِيرِ مَا نَقَصُوا مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ كَوْنِ الْوَلَاءِ لَهُمْ وَقِيلَ مَعْنَى «اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ» أَظْهِرِي حُكْمَ الْوَلَاءَ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَقِيلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمُرَادُ الزَّجْرُ وَالتَّوْبِيخُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُمْ حُكْمُ الْوَلَاءِ، وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَمَّا لَحُّوا فِي اشْتِرَاطِهِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ قَالَ لِعَائِشَةَ هَذَا الْكَلَامَ بِمَعْنَى لَا تُبَالِي سَوَاءٌ شَرَطْتِيهِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ لَفْظَةُ اشْتَرِطِي هُنَا لِلْإِبَاحَةِ. وَقِيلَ كَانَ يُبَاحُ اشْتِرَاطُ الْوَلَاءِ لِلْبَائِعِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ نُسِخَ بِخُطْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا جَوَابُ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ وَاحْتَمَلَ هَذَا الْإِذْنَ وَإِبْطَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا. قَالُوا: وَالْحِكْمَةُ فِي إذْنِهِ فِيهِ ثُمَّ إبْطَالِهِ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي قَطْعِ عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَزَجْرِهِمْ عَنْ مِثْلِهِ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ وَجَعَلَهُ عُمْرَةً بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْمَفْسَدَةَ الْيَسِيرَةَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ. انْتَهَى. وَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ تَبَيَّنَ لَك ضَعْفُ اسْتِدْلَالِ مَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْبُطْلَانِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ بَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَالشَّرْطُ فَاسِدًا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ النَّسَائِيّ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَطَائِفَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ. [فَائِدَة الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ] (الْخَامِسَةُ) فِي قَوْلِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَرِثُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْعَتِيقَ لَا يَرِثُ سَيِّدَهُ لِحَصْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْوَلَاءَ فِي الْمُعْتِقِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ إلَى أَنَّهُ يَرِثُ كَعَكْسِهِ. [فَائِدَة أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ] 1 (السَّادِسَةُ) وَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالِ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ أَوْ اسْتَوْلَدَ أَمَةً فَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ، وَكَذَا يَتَنَاوَلُ الْوَلَاءَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَعَكْسَهُ، وَإِنْ كَانَا لَا يَتَوَارَثَانِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ إعْتَاقُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَقَالَ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ فِيهَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَالِكِيَّةُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. [فَائِدَة أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً أَيْ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ] 1 (السَّابِعَةُ) وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً أَيْ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ وَيَرِثُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ نَافِعٍ الْمَالِكِيَّانِ، وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ لِلسَّائِبَةِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ يَشَاءُ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَوَلَاؤُهُ لِجَمَاعَتِهِ الْمُسْلِمِينَ حَكَى ذَلِكَ جَمِيعَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [فَائِدَة أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ] (الثَّامِنَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: إنْ كَانَ بِعِوَضٍ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصْرَانِيًّا فَالْوَلَاءُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ بِأَمْرِهِ فَالْعِتْقُ عَنْهُ وَالْمُبَاشِرُ وَكِيلٌ وَمَتَى كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا فَالْمُعْتِقُ هُوَ الْمُبَاشِرُ فَانْدَرَجَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. [فَائِدَة لَا وَلَاءَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ أَنَّ كَلِمَةَ إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا لَزِمَ فِي إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ لَكِنَّهَا ذُكِرَتْ لِبَيَانِ نَفْيِهِ عَمَّنْ لَمْ يَعْتِقْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَاهَا الْحَصْرُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً. [فَائِدَة لَا وَلَاءَ لِمُلْتَقِطِ اللَّقِيطِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمُلْتَقِطِ اللَّقِيطِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يَثْبُتُ لِلْمُلْتَقِطِ الْوَلَاءُ عَلَى اللَّقِيطِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ..   Q [فَائِدَة لَا وَلَاءَ لِمَنْ حَالَفَ إنْسَانًا عَلَى الْمُنَاصَرَةِ] الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ حَالَفَ إنْسَانًا عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْحِلْفِ وَيَتَوَارَثَانِ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ إنْ عَقَلَ عَنْهُ وَرِثَهُ وَإِلَّا فَلَا. [فَائِدَة إنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِيرُ حُرًّا بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُكَاتَبَ يَصِيرُ حُرًّا بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى الرِّقِّ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَتَقَ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا أَدَّى نِصْفَ الْمَالِ صَارَ حُرًّا وَيَصِيرُ الْبَاقِي دَيْنًا عَلَيْهِ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ مِثْلُ هَذَا إذَا أَدَّى الثُّلُثَ وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ إذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ شَرَطَ أَنْ يَعُودَ فِي الرِّقِّ إنْ عَجَزَ كَانَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُعْتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَهُوَ كَذَلِكَ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ. [فَائِدَة الْحَرْبِيَّ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَفِيهِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا اسْتَمَرَّ وَلَاؤُهُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْعَتِيقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَتَوَلَّى مَنْ يَشَاءُ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ. [حَدِيث لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «دِينَارًا وَلَا دِرْعًا» وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ عَنْ مَالِكٍ «دَنَانِيرَ» بِلَفْظِ الْجَمْعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَتَابَعَهُ ابْنُ كِنَانَةَ وَقَالَ سَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ «دِينَارًا» وَهُوَ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَعَمُّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْجِنْسَ وَالْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَفْظُ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ «مِيرَاثًا» حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ. قَالَ: إنَّهُ نَحْوُ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ لَا تَقْتَسِمُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ أَيْ لَيْسَ يُقْسَمُ؛ لِأَنِّي لَا أُخْلِفُ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قُلْت أَشَارَ إلَى قَوْلِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ النَّهْيَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْهَى عَمَّا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ وَإِرْثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ وَمَعْنَاهُ لَا يَقْتَسِمُونَ شَيْئًا؛ لِأَنِّي لَا أُورَثُ. (الثَّالِثَةُ) ذِكْرُ الدِّينَارِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا سِوَاهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَقَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّقْيِيدَ بِهِ حَتَّى إنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. [فَائِدَة نَفَقَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ مَتْرُوكَاتِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَنْ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ لِعِظَمِ حَقِّهِنَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِفَضْلِهِنَّ وَقِدَمِ هِجْرَتِهِنَّ وَكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِإِرْثِهِنَّ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ اُخْتُصِصْنَ بِمَسَاكِنِهِنَّ مُدَّةَ حَيَاتِهِنَّ وَلَا يَرِثُهَا وَرَثَتُهُنَّ بَعْدَهُنَّ. [فَائِدَة الْمُرَادِ بِالْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ وَمُؤْنَةِ عَامِلِي] 1 (الْخَامِسَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ «وَمُؤْنَةِ عَامِلِي» فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْقَائِمُ عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، وَالنَّاظِرُ فِيهَا وَعَلَيْهِ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَقُولُونَ أَرَادَ بِعَامِلِهِ خَادِمَهُ وَقَيِّمَهُ وَوَكِيلَهُ، وَأَجِيرَهُ وَنَحْوَ هَذَا. انْتَهَى. وَقِيلَ هُوَ كُلُّ عَامِلٍ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَةٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَائِبٌ عَنْهُ فِي أُمَّتِهِ (السَّادِسَةُ) قَالَ الطَّبَرِيُّ فِيهِ: إنَّ مَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا مِنْ الْأَعْمَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِمَا فِيهِ لِلَّهِ بِرٌّ وَلِلْعَبْدِ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ أَجْرٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى اشْتِغَالِهِ بِهِ إذَا كَانَ فِي قِيَامِهِ سُقُوطُ مُؤْنَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَنْ كَافَّتِهِمْ. وَفَسَادُ قَوْلِ مَنْ حَرَمَ الْقُسَّامَ أَخْذَ الْأُجُورِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَالْمُؤَذِّنِينَ أَخَذَ الْأَرْزَاقِ عَلَى تَأْدِيَتِهِمْ وَالْمُعَلَّمِينَ عَلَى تَعْلِيمِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ فِيمَا كَانَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُؤْنَتَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِهِ فَبَانَ أَنَّ كُلَّ قَيِّمٍ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَعُمُّهُمْ نَفْعُهُ سَبِيلُهُ سَبِيلُ عَامِلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّ لَهُ الْمُؤْنَةَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكِفَايَةَ مَا دَامَ مُشْتَغِلًا بِهِ، وَذَلِكَ كَالْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَسَائِرِ أَهْلِ الشُّغْلِ بِمَنَافِع الْإِسْلَامِ. انْتَهَى. [فَائِدَة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورَثُ] (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُورَثُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُورَثْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِأَنْ جَعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً زِيَادَةً فِي فَضِيلَتِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ قُلْت وَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُورَثْ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ جَعَلَ إرْثَهُ مُسْتَحِيلًا لَا مُقْتَضًى لَهُ، وَالثَّانِي جَعَلَهُ مُمْكِنًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ عَدَمُ الْمَالِ الْمُخَلَّفِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَدَقَةٌ كَمَا يَقِفُ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيَمُوتُ وَلَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يُورَثُ؛ لِعَدَمِ مَا يُورَثُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ يُورَثُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَمَّا الرَّوَافِضُ فَلَيْسَ قَوْلُهُمْ مِمَّا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَلَا يُحْكَى مِثْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى السَّلَفِ وَالْمُخَالَفَةِ لِسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ كَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْعَبَّاسِيَّةُ بِالْأَنْبَارِ فَلَمَّا افْتَتَحَ الْكَلَامَ وَصَارَ إلَى ذِكْرِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْخُطْبَةِ قَامَ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ فِي عُنُقِهِ مُصْحَفٌ فَقَالَ: أُذَكِّرُك اللَّهَ الَّذِي ذَكَرْتَهُ إلَّا أَنْصَفْتَنِي مِنْ خَصْمِي وَحَكَمْتَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِمَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ. قَالَ لَهُ: وَمَنْ ظَلَمَك؟ . قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الَّذِي مَنَعَ فَاطِمَةَ فَدَكَ فَقَالَ لَهُ وَهَلْ كَانَ بَعْدَهُ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ. وَأَقَامَ عَلَى ظُلْمِكُمْ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَهَلْ كَانَ بَعْدَهُ أَحَدٌ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: مَنْ؟ . قَالَ: عُثْمَانُ. قَالَ: وَأَقَامَ عَلَى ظُلْمِكُمْ. قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَهَلْ كَانَ بَعْدَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ مَنْ؟ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ، وَأَقَامَ عَلَى ظُلْمِكُمْ. فَأَسْكَتَ الرَّجُلَ وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ إلَى مَا وَرَاءَهُ يَطْلُبُ مُخَلِّصًا فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَوْلَا أَنَّهُ أَوَّلُ مُقَامٍ قُمْتُهُ ثُمَّ إنِّي لَمْ أَكُنْ تَقَدَّمْتُ إلَيْك فِي هَذَا قَبْلُ لَأَخَذْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك اُقْعُدْ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْخُطْبَةِ. (الثَّامِنَةُ) لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَذَلِكَ فِي أَنَّهُمْ لَا يُوَرَّثُونَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا نُورَثُ» فَجَمَعَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ مُشَارَكَةِ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ. وَوَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] وَزَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ وِرَاثَةُ الْمَالِ. قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ وِرَاثَةَ النُّبُوَّةِ لَمْ يَقُلْ {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] إذْ لَا يُخَافُ الْمَوَالِي عَلَى النُّبُوَّةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَالْمُرَادُ بِقِصَّةِ زَكَرِيَّا وَدَاوُد وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْإِرْثِ بَلْ قِيَامَهُ مَقَامَهُ وَحُلُولَهُ مَكَانَهُ، وَلَوْ أُرِيدَ وِرَاثَةُ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِخْبَارِ بِإِرْثِ سُلَيْمَانَ لِدَاوُدَ كَبِيرُ فَائِدَةٍ لِمَا عُلِمَ مِنْ إرْثِ الْأَوْلَادِ لِأَمْوَالِ آبَائِهِمْ بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَالْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - لَا يُورَثُونَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَتَمَنَّى مَوْتَهُ فَيَهْلِكَ وَلِئَلَّا يُظَنَّ بِهِمْ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا لِوَارِثِهِمْ فَيَهْلِكَ الظَّانُّ وَيَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَلِأَنَّهُمْ أَحْيَاءُ وَلِهَذَا وَجَبَتْ نَفَقَةُ زَوْجَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ مَوْتِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ لِعِظَمِ شَأْنِهِمْ لَا تَكُونُ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إلَّا عَائِدَةً عَلَى أُخْرَاهُمْ، وَلَا يُسْلَبُونَ مَنْفَعَةَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ وُرِثُوا لَسُلِبُوا مَنْفَعَةَ مَا وَرِثُوهُ وَكَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِوَرَثَتِهِمْ لَا لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا الْمَالُ الْآنَ لِلْوَارِثِ وَهَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَعْنًى حَسَنٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (الْعَاشِرَةُ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى بَعْضِ جَهَلَةِ الشِّيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ مَا نَافِيَةٌ وَهُوَ غَلَطٌ قَبِيحٌ بَلْ هُوَ بِالرَّفْعِ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَرِوَايَتُنَا صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِيهَا «فَهُوَ صَدَقَةٌ» . (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِلْحُقُوقِ أَيْضًا، وَأَشَارَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُورَثُ عَنْهُ حُقُوقُهُ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِيمَا لَوْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ عَنْ قَاذِفِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ. أَوْ نَقُولُ: هُمْ لَا يَنْحَصِرُونَ فَهُوَ كَقَذْفِ مَيِّتٍ لَيْسَتْ لَهُ وَرَثَةٌ خَاصَّةً لَكِنَّ الرَّافِعِيُّ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَجُوزُ أَنَّ حَدَّ قَذْفِهِ لَا يُورَثُ كَمَا لَا يُورَثُ مَا تَرَكَهُ. انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ. [فَائِدَة يَحْبِسَ مَالَهُ عَلَى سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ تَجْوِيزِ الْأَوْقَافِ، وَأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْبِسَ مَالَهُ عَلَى سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ يَجْرِي عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (قُلْت) حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيمَا تَرَكَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ كَمَا يُنْفَقُ فِي حَيَاتِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. (وَالثَّانِي) أَنَّ سَبِيلَ مَا خَلَّفَهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي الْجُرْجَانِيَّاتِ ثُمَّ حَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَى وَرَثَتِهِ، وَأَنَّهُ إذَا صَارَ وَقْفًا هُوَ الْوَاقِفُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَجْهَانِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: كُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْتَصُّ بِهِ الْوَرَثَةُ، وَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ احْتِمَالٌ مِنْ احْتِمَالَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اتِّخَاذ الْأَمْوَالِ وَاكْتِسَابِ الصُّنَّاعِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ اتِّخَاذِ الْأَمْوَالِ وَاكْتِسَابِ الصُّنَّاعِ وَمَا يَسَعُ الْإِنْسَانَ لِنَفْسِهِ وَعُمَّالِهِ، وَأَهْلَيْهِمْ وَيُوَاتِيهِمْ وَمَا يَفْضُلُ عَنْ الْكِفَايَةِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ فِي قَطْعِ الِاكْتِسَابِ الْمُبَاحِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ؟ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ إخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ»   Q [حَدِيث أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ؟ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ إخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا، وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» أَيْ أَخَصُّ بِهِ، وَأَقْرَبُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ «فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» أَيْ لِأَقْرَبَ، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ «فِي الدُّنْيَا» أَيْ بِقُرْبِ الزَّمَانِ بَيْنَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي «وَفِي الْآخِرَةِ» لَعَلَّهُ بِتَزَوُّجِهِ بِأُمِّهِ مَرْيَمَ فَإِنَّهَا مِنْ زَوْجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَيَحْتَمِلُ أَنَّ سَبَبَ أَوْلَوِيَّتِهِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَوْنُهُ يَصِيرُ مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْتَدِينَ بِشَرِيعَتِهِ عِنْدَ نُزُولِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَلَعَلَّ هَذَا أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة أَوْلَادُ الْعَلَّاتِ] 1 (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَوْلَادُ الْعَلَّاتِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُمْ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ مِنْ أُمَّهَاتٍ شَتَّى قَالَ فِي الصِّحَاحِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَى أُولَى قَدْ كَانَتْ قَبْلَهَا ثُمَّ عَلَّ مِنْ هَذِهِ؛ وَالْعَلَلُ الشُّرْبُ الثَّانِي يُقَالُ عَلَلٌ بَعْدَ نَهَلٍ وَعَلَّهُ يَعُلُّهُ وَيُعِلُّهُ إذَا سَقَاهُ السَّقْيَةَ الثَّانِيَةَ وَعَلَّ بِنَفْسِهِ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وَقَالَ غَيْرُهُ سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ ضَرَائِرَ وَالْعَلَّاتُ الضَّرَائِرُ. وَأَمَّا الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَيُقَالُ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَوْلَادُ الْأَخْيَافِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَخِيَاف الرِّجَالِ أَيْ أَخْلَاطِ الرِّجَالِ. [فَائِدَة أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ مَعَ بَقِيَّة الْأَنْبِيَاءِ كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْلَ إيمَانِهِمْ وَاحِدٌ وَشَرَائِعَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي أَصْلِ التَّوْحِيدِ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي فُرُوعِ الشَّرَائِعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] فَاسْتَعْمَلَ الْأُمَّهَاتِ فِي فُرُوعِ الشَّرْعِ وَالْأَبَ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَقَوْلُهُ شَتَّى أَيْ مُخْتَلِفُونَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] وَقَوْلُهُ «وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» أَيْ أَصْلُ التَّوْحِيدِ أَوْ أَصْلُ الطَّاعَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا أَوْ أَصْلُ التَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ جَمِيعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي أَزْمَانِهِمْ وَبَعْضُهُمْ بَعِيدُ الْوَقْتِ مِنْ بَعْضٍ فَهُمْ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ إذْ لَمْ يَجْمَعْهُمْ زَمَانٌ وَاحِدٌ كَمَا لَمْ يَجْمَعْ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ بَطْنٌ وَاحِدٌ وَعِيسَى لَمَّا كَانَ قَرِيبَ الزَّمَانِ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا نَبِيٌّ كَانَا كَأَنَّهُمَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَكَانَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْقَاضِي، وَلَا رَجَّحَهُ وَإِنَّمَا صَدَّرَ كَلَامَهُ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ فَحَكَى هَذَا كَذَا فِي الْمَشَارِقِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ عِيسَى كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَنَّهُ مَعَ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُشْبِهَانِ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ فِي أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ الْمُشَبَّهَ بِالْأَبِ وَاحِدٌ، وَفَرْعَهُ الْمُشَبَّهَ بِالْأُمِّ مُخْتَلِفٌ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَوْلَى بِهِ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ مَعَهُ كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ بَلْ كَأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إنَّمَا صَارُوا كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ؛ لِتَبَاعُدِ زَمَانِهِمْ وَلَمَّا تَقَارَبَ زَمَنُ نَبِيِّنَا وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - صَارَ كَأَنَّهُ زَمَنٌ وَاحِدٌ فَشُبِّهَا بِأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَقَارَبَ زَمَنُهُمْ حَتَّى كَانَ يَجْتَمِعُ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقُرْبُ بَعْضِ أُولَئِكَ مِنْ بَعْضٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَشَدُّ مِنْ قُرْبِ نَبِيِّنَا لِعِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - بِهَذِهِ النِّسْبَةِ، وَقَدْ كَانَ يَحْيَى ابْنَ خَالَتِهِ وَمُجْتَمِعًا مَعَهُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» دُخُولُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ نَبِيُّنَا أَوْلَى بِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَيْهِ يَتَرَتَّبُ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ حَكَيْنَاهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَوْلَى أَهْلِ زَمَانِهِ بِهِ وَيَكُونُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ رَدًّا عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ زَعَمُوا تَوَلِّيَ عِيسَى، وَاتِّبَاعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ لِلْيَهُودِ «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» . الْحَدِيثَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ يُبْعِدُهُ قَوْلُهُ «وَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ» ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ تَرْجِيحُهُ بِذَلِكَ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا لِاتِّفَاقِهِمْ فِي أَصْلِ الدِّينِ وَيَزْدَادُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قُرْبُ زَمَنِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَبِيٌّ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْلَى أَهْلِ زَمَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) أَوْرَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى تَقْرِيرِ الْقَاضِي عِيَاضٍ مِنْ أَنَّ وَجْهَ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ كَأَوْلَادِ الْعَلَّاتِ وَمَعَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَأَوْلَادِ الْأَعْيَانِ فَلِذَلِكَ اُخْتُصَّ عَنْهُمْ فِي أَنَّهُ أَوْلَى بِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَرَجُّحِ أَوْلَادِ الْأَعْيَانِ عَلَى أَوْلَادِ الْعَلَّاتِ، وَأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْمُتَوَفَّى مِنْهُمْ فَيَكُونُ الْإِرْثُ لَهُمْ دُونَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعَلَّاتِ يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحَارِثِ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. (السَّابِعَةُ) فِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ بَعْدَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِيَاءُ وَرُسُلٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ الْحَوَارِيِّينَ كَانُوا أَنْبِيَاءً، وَأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إلَى النَّاسِ بَعْدَ عِيسَى وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النَّصَارَى لَعَنَهُمْ اللَّهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 كِتَابُ النِّكَاحِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ " كُنْت أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بِمِنًى فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا نُزَوِّجُك جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا أَنْ تُذَكِّرَك مَا مَضَى مِنْ زَمَانِك؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَا لَئِنْ قُلْت ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ..   Q [كِتَابُ النِّكَاحِ] [حَدِيث يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ] (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ " كُنْت أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بِمِنًى فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا أُزَوِّجُك جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا أَنْ تُذَكِّرَك مَا مَضَى مِنْ زَمَانِك، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَا لَئِنْ قُلْت ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ ذَكَرَ الْأَسْوَدُ مَعَهُ أَيْضًا وَقَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ لِلْأَعْمَشِ فِيهِ إسْنَادَانِ وَقَدْ كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا عَلَيْهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنْت مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِتْيَةٍ فَقَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ» الْحَدِيثَ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُثْمَانَ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. (الثَّانِيَةُ) فِي قَوْلِ عُثْمَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَأُزَوِّجَنَّكَ جَارِيَةً شَابَّةً إلَى آخِرِهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الصَّاحِبِ هَذَا عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلتَّزْوِيجِ بِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الشَّابَّةِ لِأَنَّهَا الْمُحَصِّلَةُ لِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا أَلَذُّ اسْتِمْتَاعًا وَأَطْيَبُ نَكْهَةً وَأَرْغَبُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَأَحْسَنُ عِشْرَةً وَأَفْكَهُ مُحَادَثَةً وَأَجْمَلُ مَنْظَرًا وَأَلْيَنُ مَلْمَسًا وَأَقْرَبُ إلَى أَنْ يُعَوِّدَهَا زَوْجُهَا الْأَخْلَاقَ الَّتِي يَرْتَضِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ جَارِيَةً بِكْرًا وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِكْرِ وَتَفْضِيلِهَا عَلَى الثَّيِّبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ (لَعَلَّهَا أَنْ تُذَكِّرُك مَا مَضَى مِنْ زَمَانِك) مَعْنَاهُ تُذَكِّرُ بِهَا مَا مَضَى مِنْ نَشَاطِك وَقُوَّةِ شَبَابِك وَغُلْمَتِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنْعِشُ الْبَدَنَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ لَعَلَّهَا تُرْجِعُ إلَيْك مَا كُنْت تَعْهَدُ مِنْ نَفْسِك، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ قَلَّتْ رَغْبَتُهُ فِي النِّسَاءِ إمَّا لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ وَإِمَّا لِلسِّنِّ وَإِمَّا لِمَجْمُوعِهِمَا فَحَرَّكَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْشَرُ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ فَالشَّبَابُ مَعْشَرٌ وَالشُّيُوخُ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءُ مَعْشَرٌ وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ، وَالشَّبَابُ جَمْعُ شَابٍّ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شُبَّانٍ بِضَمِّ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَآخِرُهُ نُونٌ، وَشَبِيبَةٌ وَالشَّابُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هُوَ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُجَاوِزْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّبَابَ بِالْمُخَاطَبَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ قُوَّةُ الشَّهْوَةِ فِيهِمْ بِخِلَافِ الشُّيُوخِ وَالْكُهُولِ لَكِنَّ الْمَعْنَى مُعْتَبَرٌ إذَا وُجِدَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا. (الرَّابِعَةُ) فِي الْبَاءَةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ وَالثَّانِيَةُ الْبَاهُ بِلَا مَدٍّ، وَالثَّالِثَةُ الْبَاءُ بِالْمَدِّ بِلَا هَاءٍ وَالرَّابِعَةُ الْبَاهَةُ بِهَاءَيْنِ بِلَا مَدٍّ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْجِمَاعُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَبَاءَةِ وَهُوَ الْمَنْزِلُ وَمِنْهُ مَبَاءَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ مَوَاطِنُهَا ثُمَّ قِيلَ: لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاءَةً؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا. (الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ، وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيِّهِ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَعَ الْخِطَابُ مَعَ الشَّبَابِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَفُكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَاَلَّذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» . وَالْعَاجِزُ عَنْ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَلِذَلِكَ حَمَلْنَا الْبَاءَةَ عَلَى الْمُؤَنِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ اشْتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَاسْتَطَاعَهُ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لِمَنْ اشْتَاقَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَاسْتَطَاعَهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْإِيجَابِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ وَلَا التَّسَرِّي سَوَاءٌ خَافَ الْعَنَتَ أَمْ لَا، كَذَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَهُ إلَّا دَاوُد وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَلْزَمُهُ إذَا خَافَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى قَالُوا: وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ خَوْفَ الْعَنَتِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّزَوُّجُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ اهـ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ نَظَرٌ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِهِ تَعَيُّنُ النِّكَاحِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِوُجُوبِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ النِّكَاحُ السَّابِقُ سُنَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الزِّنَا بِتَرْكِهِ فَيَجِبُ وَعَنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. انْتَهَى. وَالْوُجُوبُ عِنْدَ خَوْفِ الْعَنَتِ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا الْوَجْهُ لَا يُحَتِّمُ النِّكَاحَ بَلْ يُخَيِّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ زَادَ فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّا نَقُولُ بِمُوجَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ الشَّابِّ الْمُسْتَطِيعِ الَّذِي يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنْ الْعُزْبَةِ بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهِ. انْتَهَى وَنَقْلُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ مَرْدُودٌ لَكِنْ يُقَلَّدُ فِي نَقْلِ ذِهْنِهِ فِي ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَبِهِ يَحْصُلُ الرَّدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَلَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ بِخَوْفِ الْعَنَتِ وَعِبَارَتَهُ فِي الْمُحَلَّى: وَفُرِضَ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: قَسَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ النِّكَاحَ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ أَعْنِي الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ، وَجَعَلَ الْوُجُوبَ فِيمَا إذَا خَافَ الْعَنَتَ وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَاجِبًا بَلْ إمَّا هُوَ وَإِمَّا التَّسَرِّي وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّسَرِّي تَعَيَّنَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ لِلْوُجُودِ لَا لِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ. انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا التَّقْسِيمُ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَدْ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ وَقَالَ: إنَّهُ وَاضِحٌ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو سَعْدٍ الْهَرَوِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَرْضُ كِفَايَةٍ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ أَهْلُ قُطْرٍ أُجْبِرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَصَرَفَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرَ هُنَا عَنْ ظَاهِرِهِ لِشَيْئَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَيَّرَ بَيْنَ التَّزْوِيجِ وَالتَّسَرِّي بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ثُمَّ قَالَ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَالتَّسَرِّي لَيْسَ بِوَاجِبٍ إجْمَاعًا فَالنِّكَاحُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ يَرْفَعُ وُجُوبَ الْوَاجِبِ وَبَسْطُ هَذَا فِي الْأُصُولِ، وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الْمَازِرِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَصِحُّ مَا حَكَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ. (وَثَانِيهِمَا) قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] وَلَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبِ: إنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ مَلُومٍ قَالَ: ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فِي حَقِّ الشَّابِّ الْمُسْتَطِيعِ الَّذِي يَخَافُ الضَّرَرَ مِنْ الْعُزْبَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ عَنْهُ وَرَدَ نَقْلُهُ الِاتِّفَاقَ، ثُمَّ قَالَ وَ (الثَّانِي) أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يَجِبُ الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ الْفَوَائِدِ الَّتِي أَرْشَدَ إلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَحْصِينِ الْفَرْجِ وَغَضِّ الْبَصَرِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ دَفْعُ الشَّبَقِ إلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ وَمَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ لَمْ يَذْهَبُوا إلَيْهِ. (قُلْت) وَمِنْ الْعَجِيبِ اسْتِدْلَالُ الْخَطَّابِيِّ بِهِ عَلَى النِّكَاحِ غَيْرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَبِتَقْدِيرِ صَرْفِهِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ قَاصِرَ الدَّلَالَةِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ، ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ بَيَانَ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ مِنْ أَعْدَادِ النِّسَاءِ لَا بَيَانَ حُكْمِ أَصْلِ الْقَاعِدَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] فَإِنَّهُ أَمْرٌ لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْإِنْكَاحِ وَلِلْأَزْوَاجِ بِالنِّكَاحِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِهِ عَلَى النِّسَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ: إنَّ النِّكَاحَ لِلنِّسَاءِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ عَدَمِهَا وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الزَّنْجَانِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ الْمُسَمَّى بِالْمُوجَزِ. لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِلنِّسَاءِ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النِّكَاحَ فِي حَقِّهِنَّ أَوْلَى مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُنَّ يَحْتَجْنَ إلَى الْقِيَامِ بِأُمُورِهِنَّ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الرِّجَالِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي حَقِّهِنَّ الضَّرَرُ النَّاشِئُ مِنْ النَّفَقَةِ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ أَيْ أَشْهَدُ غَضًّا لَهُ وَقَوْلُهُ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ أَيْ أَشَدُّ إحْصَانًا لَهُ وَمَنْعًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ فِيهِ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ الْمُبَالَغَةِ. (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهَا فَإِنَّ التَّقْوَى سَبَبٌ لِغَضِّ الْبَصَرِ وَتَحْصِينِ الْفَرْجِ وَفِي مُعَارَضَتِهَا الشَّهْوَةَ وَالدَّاعِي إلَى النِّكَاحِ وَبَعْدَ النِّكَاحِ يَضْعُفُ هَذَا الْمُعَارِضُ فَيَكُونُ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنَ لِلْفَرْجِ مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ وُقُوعَ الْفِعْلِ مَعَ ضَعْفِ الدَّاعِي إلَى وُقُوعِهِ أَنْدَرُ مِنْ وُقُوعِهِ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي. [فَائِدَة مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مُؤَنَ النِّكَاحِ أَوْ نَفْسَ النِّكَاحِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَيْ مُؤَنَ النِّكَاحِ أَوْ نَفْسَ النِّكَاحِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمُؤَنِ أَيْ مَعَ تَوَقَانِهِ إلَيْهِ فَهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِالنِّكَاحِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ تَرْكَهُ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْشَدَ إلَى مَا يُنَافِيه وَيُضْعِفُ دَوَاعِيه وَهُوَ الصَّوْمُ وَقَدْ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ النِّكَاحِ، وَزَادَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَذَكَرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ التَّرْكِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ اسْتِحْبَابُ النِّكَاحِ لِلتَّائِقِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُؤَنِ، وَقَدْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي ذَلِكَ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ لَهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ تَائِقًا اُسْتُحِبَّ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا مَكْرُوهٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ. انْتَهَى. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ اجْتَمَعَ لَهُ فَوَائِدُ النِّكَاحِ مِنْ النَّسْلِ وَالتَّحْصِينِ وَغَيْرِهِمَا وَانْتَفَتْ عَنْهُ آفَاتُهُ مِنْ تَخْلِيطٍ فِي الْكَسْبِ وَتَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِنَّ اُسْتُحِبَّ لَهُ وَعَكْسُهُ الْعُزْلَةُ لَهُ أَفْضَلُ فَإِنْ اجْتَمَعَا اجْتَهَدَ وَعُمِلَ بِالرَّاجِحِ. (التَّاسِعَةُ) مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ التَّائِقِ قَادِرًا عَلَى الْمُؤَنِ كَانَ أَوْ عَاجِزًا عَنْهَا فَأَمَّا غَيْرُ التَّائِقِ فَإِنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ حَالَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ النِّكَاحِ لِعِلَّةٍ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ فَهَذَا يُكْرَهُ لَهُ النِّكَاحُ. (الثَّانِيَةُ) أَنْ لَا يَكُونَ عَاجِزًا وَهَذِهِ الْحَالَةُ يَدْخُلُ تَحْتَهَا صُورَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ فَاقِدًا لِمُؤَنِ النِّكَاحِ فَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا. (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمُؤَنِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكِنَّ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ فَالنِّكَاحُ لَهُ أَفْضَلُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا وَأَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ غَيْرَ الْقَادِرِ إمَّا خِلْقَةً أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَكُونُ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ عِبَادَةً وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنْ الْخِلَافِ نِكَاحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ قَطْعًا قَالَ: وَمِنْ فَوَائِدِهِ نَقْلُ الشَّرِيعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَنَقْلُ مَحَاسِنِهِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّهُ مُكَمِّلُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. [فَائِدَة الْإِغْرَاءُ بِالْغَائِبِ] (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: فِيهِ إغْرَاءٌ بِالْغَائِبِ وَمِنْ أُصُولِ النَّحْوِيِّينَ أَنْ لَا يُغْرِيَ بِغَائِبٍ وَقَدْ جَاءَ شَاذًّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: عَلَيْهِ رَجُلًا لَيْسَنِي عَلَى جِهَةِ الْإِغْرَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا الْكَلَامُ مَوْجُودٌ لِابْنِ قُتَيْبَةَ وَالزَّجَّاجِيِّ وَلَكِنْ فِيهِ عَلَى قَائِلِهِ أَغَالِيطُ ثَلَاثَةٌ. (أَوَّلُهَا) قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْإِغْرَاءُ بِالْغَائِبِ وَصَوَابُهُ إغْرَاءُ الْغَائِبِ، فَأَمَّا الْإِغْرَاءُ بِالْغَائِبِ فَجَائِزٌ، وَهَذَا نَصُّ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا كَلَامُ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَ (ثَانِيهَا) عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ رَجُلًا لَيْسَنِي مِنْ إغْرَاءِ الْغَائِبِ وَقَدْ جَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالسِّيرَافِيُّ مِنْهُ وَرَوَاهُ شَاذًّا وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا حَقِيقَةَ الْإِغْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتَهُ فَلَمْ يُرِدْ هَذَا الْقَائِلُ تَبْلِيغَ هَذَا الْغَائِبِ وَلَا أَمْرَهُ بِإِلْزَامِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْغَائِبِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَتٍّ لَهُ مِنْهُ مَا يُرِيدُ فَجَاءَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُمْ إلَيْك عَنِّي أَيْ اجْعَلْ شُغْلَك بِنَفْسِك عَنِّي وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُغْرِيَهُ بِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ دَعْنِي وَكُنْ كَمَنْ شَغَلَ عَنِّي. وَ (ثَالِثُهَا) عَدُّهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ إغْرَاءِ الْغَائِبِ جُمْلَةً وَالْكَلَامُ كُلُّهُ لِلْحُضُورِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهَا هُنَا لَيْسَتْ لِلْغَائِبِ وَإِنَّمَا هِيَ لِمَنْ خُصَّ مِنْ الْحَاضِرِينَ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ إذْ لَا يَصِحُّ خِطَابُهُ بِكَافِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُمْ وَلِإِبْهَامِهِ بِلَفْظَةِ مَنْ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] وَكَقَوْلِهِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184] وَكَقَوْلِهِ {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا} [الأحزاب: 31] فَهَذِهِ الْهَاءَاتُ كُلُّهَا ضَمَائِرُ لِلْحَاضِرِ لَا لِلْغَائِبِ وَمِثْلُهُ لَوْ قُلْتَ لِرَجُلَيْنِ: مَنْ قَامَ الْآنَ مِنْكُمَا فَلَهُ دِرْهَمٌ فَهَذِهِ الْهَاءُ لِمَنْ قَامَ مِنْ الْحَاضِرِينَ. انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَعُدَّ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مِنْ إغْرَاءِ الْغَائِبِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَإِنْكَارُ الْقَاضِي ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَأَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ. [فَائِدَة التَّائِقِ إلَى النِّكَاحِ الْعَاجِزِ عَنْ مُؤَنِهِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ إرْشَادُ التَّائِقِ إلَى النِّكَاحِ الْعَاجِزِ عَنْ مُؤَنِهِ إلَى الصَّوْمِ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ شَهْوَةَ النِّكَاحِ تَابِعَةٌ لِشَهْوَةِ الْأَكْلِ تَقْوَى بِقُوَّتِهَا وَتَضْعُفُ بِضَعْفِهَا وَفِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ بِهَذَا الْقَصْدِ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْجِيمِ مَمْدُودٌ، وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: وَجَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْقَصْرِ قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَفَاءُ فِي ذَوَاتِ الْخُفِّ. انْتَهَى. وَالْوِجَاءُ هُوَ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ وَأَصْلُهُ الْغَمْزُ وَالطَّعْنُ وَمِنْهُ وَجَأَهُ فِي عُنُقِهِ وَوَجَأَ بَطْنَهُ بِالْخِنْجَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوِجَاءُ أَنْ تُوجَأَ الْعُرُوقُ وَالْخُصْيَتَانِ بَاقِيَتَانِ بِحَالِهِمَا وَالْخِصَاءُ شَقُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَاسْتِئْصَالُهُمَا وَالْجَبُّ أَنْ تُحْمَى السُّفْرَةُ ثُمَّ يُسْتَأْصَلُ بِهَا الْخُصْيَتَانِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْوِجَاءِ بَلْ سَمَّى الصَّوْمَ وِجَاءً؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَدْفَعُ شَرَّ الْجِمَاعِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْوِجَاءُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. [فَائِدَة التَّعَالُجِ لِقَطْعِ الْبَاءَةِ بِالْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 نِكَاحِ الْبِكْرِ وَعَنْ «جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ نَكَحْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْت: ثَيِّبٌ، قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إلَيْهِنَّ خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةٌ تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ: أَصَبْتَ زَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ قَالَ خَيْرًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ الْعَذَارَى وَلُعَابِهَا» ..   Qقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ جَوَازُ التَّعَالُجِ لِقَطْعِ الْبَاءَةِ بِالْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهَا. (قُلْت) لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِرْشَادِ لِلصَّوْمِ لِكَسْرِ الشَّهْوَةِ الْإِرْشَادُ لِاسْتِعْمَالِ مَا يَقْطَعُهَا فَإِنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ السَّعَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَيَجِدُ شَهْوَتَهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَإِذَا اسْتَعْمَلَ مَا يَقْطَعُهَا فَاتَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ لَا يَكْسِرُهَا بِالْكَافُورِ وَنَحْوِهِ فَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَنْقُولُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِنْبَاطُهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي النِّكَاحِ الْوَطْءُ وَأَنَّ الْخِيَارَ فِي الْعُنَّةِ وَاجِبٌ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ. (قُلْت) قَدْ وَطَّأَ لَهُ بِاسْتِدْلَالِهِ بِهِ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي النِّكَاحِ الْوَطْءُ أَيْ وَالْعُنَّةُ مُفَوِّتَةٌ لِمَقْصُودِهِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَأْثِيرُهَا فِيهِ لَكِنَّ تَأْثِيرَ الْخِيَارِ بِخُصُوصِهِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِالتَّعْيِينِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ نَكَحْتَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي. وَعَنْ «جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ نَكَحْتَ؟ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ ثَيِّبٌ، قَالَ فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إلَيْهِنَّ خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةٌ تَمْشُطُهُنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَصَبْت» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ «تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا. «أَوْ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» وَفِي رِوَايَتِهِمَا وَرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ أَوْ سَبْعًا» وَفِي رِوَايَتِهِمَا «فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْ قَالَ: خَيْرًا» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ» وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ «فَدَعَا لِي» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ فَقَالَ. «مَا لَك وَلِلْعَذَارَى وَلُعَابِهَا» ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَ. «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ الْعَذَارَى وَلُعَابِهَا» ؛ قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْته مِنْ جَابِرٍ وَإِنَّمَا قَالَ «فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ «أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي أَثْنَاءِ قِصَّةِ الْجَمَلِ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ وَوَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرٍ. (الثَّانِيَةُ) الْبِكْرُ هِيَ الْجَارِيَةُ الْبَاقِيَةُ عَلَى حَالَتِهَا الْأُولَى وَالثَّيِّبُ الْمَرْأَةُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَكَأَنَّهَا ثَابَتْ إلَى حَالِ كِبَارِ النِّسَاءِ غَالِبًا وَقَوْلُهُ: (قُلْتُ ثَيِّبٌ) بِالرَّفْعِ كَذَا فِي رِوَايَتِنَا هُنَا وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ أَيْ الْمَنْكُوحَةُ ثَيِّبٌ. وَقَوْلُهُ: «هَلَّا بِكْرًا» مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَلَّا نَكَحْتَ بِكْرًا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا وَقَوْلُهُ «تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» مِنْ اللِّعْبِ الْمَعْرُوفِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ «وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عُبَيْدٍ «وَتُدَاعِبُهَا وَتُدَاعِبُكَ» مِنْ الدُّعَابَةِ وَهِيَ الْمَزْحُ، هَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ اللُّعَابِ وَهُوَ الرِّيقُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (وَلِعَابِهَا) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ مَصْدَرُ لَاعَبَ مِنْ الْمُلَاعَبَةِ كَقَاتَلَ مُقَاتَلَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالرِّوَايَةُ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ، وَرِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْتَمْلِي لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلُعَابُهَا بِالضَّمِّ يَعْنِي بِهِ رِيقَهَا عِنْدَ التَّقْبِيلِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ بُعْدٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «فَهَلَّا بِكْرًا تَعَضُّهَا وَتَعَضُّكَ» . (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ لِكَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَضَّ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ أَنْتَقُ أَرْحَامًا بِالنُّونِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ، وَالْقَافِ أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الْكَثِيرَةِ الْوَلَدِ: نَاتِقٌ؛ لِأَنَّهَا تَرْمِي بِالْأَوْلَادِ رَمْيًا، وَالنَّتْقُ الرَّمْيُ وَالنَّفْضُ وَالْحَرَكَةُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَشَجَرَةٌ لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيُّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ، قَالَ فِي الشَّجَرَةِ الَّتِي لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا قَالَتْ: فَأَنَا هِيَ، تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا» وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ الْحَضَّ عَلَى الْبِكْرِ مَعَ الْحَضِّ عَلَى الْوَلُودِ وَقَالَ: إنَّهُمَا صِفَتَانِ مُتَنَافِيَتَانِ فَإِنَّهَا مَتَى عُرِفَتْ بِكَثْرَةِ الْوِلَادَةِ لَا تَكُونُ بِكْرًا وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ تُعْرَفُ كَثْرَةُ أَوْلَادِهَا مِنْ أَقَارِبِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ: هُمَا صِفَتَانِ مُرَغَّبٌ فِيهِمَا فَإِمَّا أَنْ يَحْصُلَ عَلَى الْبِكْرِ أَوْ عَلَى كَثْرَةِ الْأَوْلَادِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَلُودِ كَثْرَةَ الْأَوْلَادِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْ هِيَ فِي مَظِنَّةِ الْوِلَادَةِ وَهِيَ الشَّابَّةُ دُونَ الْعَجُوزِ الَّتِي انْقَطَعَ حَبَلُهَا فَالصِّفَتَانِ حِينَئِذٍ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَهُمَا مُتَّفِقَتَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَتَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَمُلَاطَفَتُهُ لَهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ مُلَاعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَمُلَاطَفَتُهُ لَهَا وَتَضَاحُكُهُمَا وَحُسْنُ الْعِشْرَةِ بَيْنَهُمَا. [فَائِدَة سُؤَالُ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أُمُورِهِمْ] 1 (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ سُؤَالُ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أُمُورِهِمْ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى يَتِيمٍ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ» .   Qوَأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ النِّكَاحِ لَا يَنْبَغِي الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُ. [فَائِدَة عِنْدَ تَزَاحُمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ يَنْبَغِي تَقَدُّمُ أَهَمِّهِمَا] (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِيثَارِهِ مَصْلَحَةَ إخْوَانِهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ يَنْبَغِي تَقَدُّمُ أَهَمِّهِمَا وَقَدْ صَوَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَفْعَلُ وَدَعَا لَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَفِيهِ الدُّعَاءُ لِمَنْ فَعَلَ خَيْرًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالدَّاعِي. [فَائِدَة خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَأَوْلَادَهُ وَأَخَوَاتِهِ وَعِيَالَهُ] 1 (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ جَوَازُ خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَأَوْلَادَهُ وَأَخَوَاتِهِ وَعِيَالَهُ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى الرَّجُلِ فِي قَصْدِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا تَفْعَلُهُ بِرِضَاهَا. (الثَّامِنَةُ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا الْجَزْمُ بِأَنَّ أَخَوَاتِهِ كُنَّ تِسْعًا مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الَّتِي فِيهَا التَّرَدُّدُ بَيْنَ التِّسْعِ وَالسَّبْعِ فَإِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. (التَّاسِعَةُ) الْخَرْقَاءُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ الْحَمْقَاءُ الْجَاهِلَةُ بِأَعْمَالِ الْمَنْزِلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَهِيَ تَأْنِيثُ الْأَخْرَقِ وَقَوْلُهُ: أَجْمَعَ إلَيْهِنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَهُ مَعْنَى أَضُمُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] وَفِي قَوْلِهِ {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] وَفِي قَوْلِهِ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ (وَلَكِنْ امْرَأَةٌ) رَوَيْنَاهُ بِالرَّفْعِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ ثَيِّبٌ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَقَوْلُهُ (تَمْشُطُهُنَّ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الشِّينِ أَيْ تُسَرِّحُ شَعْرَهُنَّ وَقَوْلُهُ. (وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ) أَيْ تَقُومُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِنَّ وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ. [حَدِيث خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ نِسَاءٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَمَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَعَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَقَالَ الْآخَرُ: نِسَاءُ قُرَيْشٍ وَقَالَ: أَحْنَاهُ عَلَى يَتِيمٍ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَرْعَاهُ عَلَى وَلَدٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ. «نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ أَحَنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ» وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي أَوَّلِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ أُمَّ هَانِئَ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلِي عِيَالٌ فَقَالَ: خَيْرُ نِسَاءٍ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَمِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ تَفْضِيلُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَقَوْلُهُ رَكِبْنَ الْإِبِلَ إشَارَةٌ إلَى الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُعْهَدُ عِنْدَهُمْ رُكُوبُ الْإِبِلِ فَعَبَّرَ بِرُكُوبِ الْإِبِلِ عَنْ الْعَرَبِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْعَرَبَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِنَّ فَيُسْتَفَادُ بِذَلِكَ تَفْضِيلُهُنَّ مُطْلَقًا. (الثَّالِثَةُ) اسْتَنْبَطَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ: رَكِبْنَ الْإِبِلَ إخْرَاجَ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْكَبْ بَعِيرًا قَطُّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَفْضِيلُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ عَلَيْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ لِمَرْيَمَ فَضْلًا وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَأَشَارَ وَكِيعٌ إلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ تَفْسِيرَ الضَّمِيرِ فِي نِسَائِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ نِسَاءِ الْأَرْضِ أَيْ كُلُّ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ النِّسَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرُ نِسَاءِ الْأَرْضِ فِي عَصْرِهَا، وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ. (قُلْتُ) وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي نِسَائِهَا عَلَى مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ وَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ خَبَرًا وَالْمُؤَخَّرُ مُبْتَدَأً وَالتَّقْدِيرُ مَرْيَمُ خَيْرُ نِسَائِهَا أَيْ خَيْرُ نِسَاءِ زَمَانِهَا وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَبِيَّةً وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِنُبُوَّتِهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي فَضْلِهَا عَلَى خَدِيجَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إخْرَاجُ مَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - مِنْ هَذَا التَّفْضِيلِ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ قَوْلِهِ: رَكِبْنَ الْإِبِلَ؛ لِأَنَّ تَفْضِيلَ الْجُمْلَةِ لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ عُلِمَ فَضْلُ مَرْيَمَ بِمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ؛ وَلَوْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ: رَكِبْنَ الْإِبِلَ إخْرَاجَ نِسَاءِ غَيْرِ الْعَرَبِ لَلَزِمَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ فَضْلٌ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا الرُّومِ وَلَا الْفُرْسِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى تَفْضِيلِهِنَّ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَفْضِيلِهِنَّ عَلَى بَقِيَّةِ الْعَرَبِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَفْضِيلِ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِمْ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا سِيقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي مَعْرَضِ التَّرْغِيبِ فِي نِكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ فَلَمْ يَقْصِدْ التَّعَرُّضَ لِمَرْيَمَ الَّتِي انْقَضَى زَمَانُهَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَفِي غَيْرِهَا نِسَاءُ قُرَيْشٍ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَالْمَحْكُومُ لَهُ بِالْخِيرَةِ إنَّمَا هُوَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ لَا غَيْرِهِنَّ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَيَعْنِي بِالصَّلَاحِ هُنَا صَلَاحَ الدِّينِ وَصَلَاحَ الْمُخَالَطَةِ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَحْنَاهُ وَأَرْعَاهُ. [فَائِدَة الْحَانِيَةُ عَلَى وَلَدِهَا] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ: أَحْنَاهُ أَيْ أَشْفَقَهُ وَالْحَانِيَةُ عَلَى وَلَدِهَا الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ تَيَتُّمِهِمْ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَ بِحَانِيَةٍ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَقَوْلُهُ: عَلَى وَلَدٍ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى يَتِيمٍ فَقَدْ يُجْعَلُ هَذَا مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ فَهِيَ حَانِيَةٌ عَلَى وَلَدِهَا مُطْلَقًا لَكِنَّ الَّذِي تَقْوَى حَاجَتُهُ إلَى حُنُوِّهَا هُوَ الْيَتِيمُ أَمَّا مَنْ أَبُوهُ حَيٌّ فَمُسْتَغْنٍ عَنْهَا بِرَفْدِ أَبِيهِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْوَلَدَ بِالصِّغَرِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ حُنُوِّ الْأُمِّ بَعْدَ كِبَرِهِ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ أَيْ أَحْفَظُ وَأَصْوَنُ وَقَوْلُهُ فِي ذَاتِ يَدِهِ أَيْ فِي مَالِهِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ حِفْظُهَا مَالَ الزَّوْجِ وَحُسْنُ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتُهُ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ أَحْنَاهُ وَأَرْعَاهُ أَصْلُهُ أَحْنَاهُنَّ وَأَرْعَاهُنَّ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إلَّا مُفْرَدًا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خُلُقًا» وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: «عِنْدِي أَحْسَنَ الْعَرَبِ وَأَجْمَلَهُ أُمُّ حَبِيبَةَ» . (الثَّامِنَةُ) فِيهِ فَضْلُ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ. (إحْدَاهُمَا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 وَعَنْ عُمَرَ «قَالَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ أَوْ حُذَيْفَةَ شَكَّ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ   Qالْحُنُوُّ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَحُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا أَيْتَامًا وَنَحْوُ ذَلِكَ. (وَالثَّانِيَةُ) مُرَاعَاةُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَالْأَمَانَةُ فِيهِ وَحُسْنُ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [فَائِدَة نِكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ] 1 (التَّاسِعَةُ) إيرَادُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي نِكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ الزَّوْجِ فِي حَيَاتِهِ فِي مَالِهِ وَنَفَقَتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِيمَنْ يَخْلُفُهُ يَتِيمًا، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ النَّسِيبَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ نَسَبُهَا أَعْلَى تَأَكَّدَ الِاسْتِحْبَابُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ فَضْلِ الْقُرَشِيَّاتِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَمْرُ الْكَفَاءَةِ وَأَنَّ غَيْرَهُنَّ لَيْسَ كُفُؤًا لَهُنَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ تَوْفِيرِهِنَّ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إنْفَاقُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ. (الْعَاشِرَةُ) قَدْ عُرِفَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ اعْتِذَارُ أُمِّ هَانِئٍ لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِبَرِ سِنِّهَا وَبِأَنَّهَا ذَاتُ عِيَالٍ فَرَفَقَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِتَزَوُّجِ كَبِيرَةِ السِّنِّ وَلَا بِمُخَالَطَةِ عِيَالِهَا وَهُمْ فِي إخْلَائِهَا نَفْسَهَا لِمَصَالِحِهِمْ وَتَعِزُّ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهَا لَآثَرَ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ مُعْرِضًا عَنْ مَصْلَحَةِ الزَّوْجِ وَالْعِيَالِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا فِي أَسْبَابِ الْحَدِيثِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث عُمَرَ قَالَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ. وَعَنْ عُمَرَ «قَالَ: تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ أَوْ حُذَيْفَةَ شَكَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 قُلْت: إنْ شِئْت أَنْكَحْتُك حَفْصَةَ قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَلَبِثْت لَيَالِي فَلَقِيَنِي فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَلَمْ يُرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَخَطَبَهَا إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْكَحْتُهَا إيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أُرْجِعْ إلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُرْجِعَ إلَيْك شَيْئًا حِينَ عَرَضْتَهَا عَلَيَّ إلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهَا وَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ تَرَكَهَا نَكَحْتُهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا» .   Qعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَلَقِيت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْت عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْت: إنْ شِئْت أَنْكَحْتُك حَفْصَةَ قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَلَبِثْت لَيَالِيَ فَلَقِيَنِي فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيت أَبَا بَكْرٍ فَقُلْت: إنْ شِئْت أَنْكَحْتُك حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَلَمْ يُرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا فَكُنْت عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْت لَيَالِيَ فَخَطَبَهَا إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْكَحْتهَا إيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّك وَجِدْت عَلَيَّ حِينَ عَرَضْت عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أُرْجِعْ إلَيْك شَيْئًا قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُرْجِعَ إلَيْك شَيْئًا حِينَ عَرَضْتهَا عَلَيَّ إلَّا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهَا وَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ تَرَكَهَا نَكَحْتهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْبُخَارِيُّ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ غَيْرِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّسَائِيّ أَوَّلًا، خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَفِيهَا أَيْضًا قَبِلْتهَا بَدَلُ نَكَحْتهَا. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ تَأَيَّمَتْ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْأَيِّمَ فِي كُلِّ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الصِّحَاحِ. (الثَّالِثَةُ) خُنَيْسٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ ابْنُ حُذَافَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى شَكِّ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَمَّا رَوَى النَّسَائِيّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ خُنَيْسٌ وَحَذَفَ الشَّكَّ فِي اسْمِ أَبِيهِ وَهُوَ قُرَشِيٌّ سَهْمِيٌّ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى شُهُودِهِ بَدْرًا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا أَيْضًا وَحَصَلَتْ لَهُ بِهَا جِرَاحَةٌ مَاتَ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ وَضَعَّفَ ذَلِكَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ. انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّضْعِيفَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ اسْتِشْهَادُ خُنَيْسٍ بِأُحُدٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا مِنْ السُّنَّةِ مَا تَنْقَضِي فِيهِ الْعِدَّةُ، وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الذَّهَبِيُّ ذَلِكَ وَحَلَّ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِتَوْهِيمِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِأُحُدٍ وَبَسَطَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ هَذَا الشَّرْحِ. (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَرْضِ الْإِنْسَانِ بِنْتَه وَغَيْرَهَا مِنْ مُوَلِّيَاتِهِ عَلَى مَنْ يُعْتَقَدُ خَيْرُهُ وَصَلَاحُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ الْعَائِدِ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمَعْرُوضَةِ عَلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (الْخَامِسَةُ) الْمَعْرُوفُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ عَرْضَهَا عَلَى عُثْمَانَ كَانَ قَبْلَ عَرْضِهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعَكَسَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ حَفْصَةَ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَكَا إلَيْهِ عُثْمَانَ وَأَخْبَرَهُ بِعَرْضِهِ حَفْصَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ زَادَ الْبُخَارِيُّ «حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» . وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ «حَتَّى يَذَرَ»   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَتَزَوَّجُ حَفْصَةَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ وَيَتَزَوَّجُ عُثْمَانُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ حَفْصَةَ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ وَالذَّهَبِيُّ وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَرْجَمَةِ حَفْصَةَ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ وَهْمٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ رُقَيَّةَ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «آمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَتْ حَفْصَةُ مِنْ زَوْجِهَا فَمَرَّ عُمَرُ بِعُثْمَانَ فَقَالَ: هَلْ لَك فِي حَفْصَةَ وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهَا فَلَمْ يُجِبْهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ أَتَزَوَّجُ أَنَا حَفْصَةَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ خَيْرًا مِنْهَا أُمَّ كُلْثُومٍ» قَالَ: هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي التَّمْهِيدِ وَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِيمَا قَصَدْنَاهُ. انْتَهَى. وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ السَّاكِتَ لِكَوْنِهِ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي تَرْجَمَةِ حَفْصَةَ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا الْمُرْسَلِ. السَّادِسَةُ (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ عَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا؟ (قُلْت) لَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا لَزَوَّجَهَا لَهُ بِشَرْطِهِ وَهُوَ رِضَاهَا وَقَدْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُخَالِفُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ بَابَ إنْكَاحِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ فَإِنْ أَرَادَ بِالْإِجْبَارِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا، وَإِنْ أَرَادَ بِالرِّضَا فَمُسَلَّمٌ. (السَّابِعَةُ) كَانَ عَرْضُهَا عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ عَزَبٌ بَعْدَ وَفَاةِ رُقَيَّةَ وَقَبْلَ تَزَوُّجِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَأَمَّا عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ هَذَا الْمَالُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ هَذَا الْمَالُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ   Qأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ وَأُمُّ رُومَانَ تَحْتَهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَقِيلَ: عَام الْخَنْدَقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ بَعْدَ تَزَوُّجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ بِلَا شَكٍّ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَرْضِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ عَلَى مَنْ هُوَ مُتَزَوِّجٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ فَوَائِدِهِ فِي الْبَيْعِ. [حَدِيث إنْ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ هَذَا الْمَالُ] الْحَدِيثُ السَّادِسُ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ هَذَا الْمَالُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ أَبِي ثُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنِ وَاضِحٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ. (الثَّانِيَةُ) الْحَسَبُ بِفَتْحِ السِّينِ أَصْلُهُ الشَّرَفُ بِالْآبَاءِ وَمَا يُعِدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِهِمْ وَجَمْعُهُ أَحْسَابٌ وَقَوْلُهُ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَيْهِ كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا مِنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَصَوَابُهُ الَّذِي يَذْهَبُونَ إلَيْهِ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْوَجْهُ أَنَّ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّتِي يَذْهَبُونَ إلَيْهَا فَيُؤْتَى بِوَصْفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَحْسَابِ مُؤَنَّثًا؛ لِأَنَّ الْجُمُوعَ مُؤَنَّثَةٌ وَكَأَنَّهُ رُوعِيَ فِي التَّذْكِيرِ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ وَأَمَّا الَّذِينَ فَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَصْفًا لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ لِأَحْسَابِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ اكْتَسَبَ ذَلِكَ مِنْهُ لِلْمُجَاوَرَةِ كَاكْتِسَابِ الْإِعْرَابِ مِنْ الْمُجَاوِرِ فِي قَوْله تَعَالَى. {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَفِي قَوْلِهِ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ فِي أَمْثِلَةٍ لِذَلِكَ مَعْرُوفَةٍ. (الثَّالِثَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الذَّمِّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْسَابَ إنَّمَا هِيَ بِالْإِنْسَانِ لَا بِالْمَالِ فَصَاحِبُ النَّسَبِ الْعَالِي هُوَ الْحَسِيبُ، وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا وَالْوَضِيعُ فِي نَسَبِهِ لَيْسَ حَسِيبًا وَلَوْ كَانَ ذَا مَالٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّقْرِيرِ لَهُ وَالْإِعْلَامِ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ تَفَاخَرَ الْإِنْسَانُ بِآبَائِهِ الَّذِينَ انْقَرَضُوا مَعَ فَقْرِهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ حَسَبٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ حَسَبُهُ وَشَرَفُهُ بِمَالِهِ فَهُوَ الَّذِي يَرْفَعُ شَأْنَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَيِّبَ النَّسَبِ، وَيَدُلُّ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَسَبَ وَالْكَرَمَ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ، وَالشَّرَفُ الْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْآبَاءِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَرَمُ الْمَرْءِ دِينُهُ وَمُرُوءَتُهُ عَقْلُهُ وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ» وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. [فَائِدَة الْمَالَ هَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي كَفَاءَةِ النِّكَاحِ] 1 (الرَّابِعَةُ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ الْمَالَ هَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي كَفَاءَةِ النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْفَقِيرُ كُفُؤًا لِلْغَنِيَّةِ أَوْ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فَإِنَّ الْحَسَبَ لَيْسَ هُوَ الْمَالُ وَإِنَّمَا هُوَ النَّسَبُ إنْ جَعَلْنَاهُ ذَمًّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ تَقْرِيرًا اعْتَبَرْنَاهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ لِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَقَدْ فَهِمَ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْرَدَهُ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْحَسَبُ وَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ الْيَسَارِ فِي الْكَفَاءَةِ فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ يَسَارٌ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَإِذَا أَيْسَرَ بِهِ فَهُوَ كُفُؤٌ لِصَاحِبَةِ الْأُلُوفِ أَوْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ بَلْ النَّاسُ أَصْنَافٌ غَنِيٌّ وَمُتَوَسِّطٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ ".   Qوَفَقِيرٌ وَكُلُّ صِنْفٍ أَكْفَاءٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاتِبُ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ الثَّانِي، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الْبِكْرَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا رَجُلًا مُعْسِرًا بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِبَخْسِ حَقِّهَا كَتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفُؤٍ. [بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ] [حَدِيث نَهَى عَنْ الشِّغَارِ] بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ " (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِيهِ قُلْت لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ " يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ " وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ بِدُونِ تَفْسِيرِ الشِّغَارِ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بِلَفْظِ لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّانِيَةُ) ظَاهِرٌ أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِنْ تَتِمَّةِ الْمَرْفُوعِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُدْرَجًا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أَدْرِي تَفْسِيرَ الشِّغَارِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ مِنْ نَافِعٍ أَوْ مِنْ مَالِكٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَعْرِفَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْأَئِمَّةُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِنْدِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّهُمْ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ الشِّغَارِ مَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ التَّفْسِيرَ لِمَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا مُنْتَقَضٌ بِالْقَعْنَبِيِّ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا التَّفْسِيرَ فِي رِوَايَتِهِمَا عَنْ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْ الْأَوَّلِ أَبُو دَاوُد وَمِنْ طَرِيقِ الثَّانِي التِّرْمِذِيُّ لَكِنْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَفِيهِ هَذَا التَّفْسِيرُ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّفْسِيرَ مَرْفُوعٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْحَقُّ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِدْرَاجِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: جَاءَ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي مَسَاقِهِ وَظَاهِرُهُ الرَّفْعُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ وَكَيْفَ مَا كَانَ فَهُوَ تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ أَهْلُ اللِّسَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ فَمَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، أَيْ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَكَانَ الشِّغَارُ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ. (الرَّابِعَةُ) اعْتَبَرَ فِي الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ الشِّغَارِ وَصْفَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) اشْتِرَاطُ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ: (وَالثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صُورَةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَنَشَأَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي اقْتَضَى بُطْلَانَهُ فَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ التَّشْرِيكَ فِي الْبُضْعِ فَإِنَّ بُضْعَ كُلٍّ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ قَدْ جُعِلَ مَوْرِدًا لِلْعَقْدِ وَصَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَاسْتَنْبَطُوا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ عَدَمَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ جَعْلُ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لَا يُرَادُ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَخَرَّجُوا عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي الْوَصْفَيْنِ مَعًا اشْتِرَاطَ تَزْوِيجِ الْآخَرِ ابْنَتَهُ لَهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُجْرِ شَرْطٌ بَلْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي وَتَزَوَّجْت بِنْتَك وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ وَصَحَّحُوا الْبُطْلَانَ، وَلَوْ سَمَّيَا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا كَمَا سَيَأْتِي وَالْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَهَذَا مُسْتَقِلٌّ عِنْدَهُمْ بِالْإِبْطَالِ لِلْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ وَهُوَ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ وَجَعَلُوا هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَنْبَطًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ وَعَدَمَ ذِكْرِ الصَّدَاقِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعَ الْعَقْدِ عَلَى الْبُضْعِ جَعَلَهُ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى فَجَعَلُوا هَذَا الْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَعَمِلُوا بِالْوَصْفَيْنِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَإِنْ أَلْغَوْهُمَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَلَمْ يَجْعَلُوا خُصُوصِيَّةَ الشَّرْطِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ تَرْكِ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ مُعْتَبَرَةً. وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ مَا دَلَّا عَلَيْهِ مِنْ التَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ وَقَصَرُوا الْإِبْطَالَ عَلَى مَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَقَبِلَ الْآخَرُ وَلَمْ يُصَرِّحَا بِجَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا صَحَّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ إذَا نَكَحَ الرَّجُلُ ابْنَةَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةَ يَلِي أَمْرَهَا مَنْ كَانَتْ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُسَمِّ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا فَهَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ النِّكَاحُ وَهُوَ مَفْسُوخٌ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يُوَافِقُ التَّفْسِيرَ الْمَنْقُولَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَخَصَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ هَذِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا وَقَطَعَ بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَقَالَ: لَيْسَ الْفَرْقُ لِذِكْرِ الْمَهْرِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ إثْبَاتُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ صَاحِبُهُ ابْنَتَهُ؛ فَفَسَّرَ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ غَيْرِ مَزِيدٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ هَذَا التَّفْسِيرُ حَاصِلٌ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمَهْرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِتَرْكِ الْمَهْرِ كَمَا لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذِكْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِلْفَرْقِ. انْتَهَى. وَلَوْ صَرَّحَ مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا بِتَسْمِيَةِ مَهْرٍ بَطَلَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلِذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ حَزْمٍ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَدَارَ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ خَاصَّةً. وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَبُضْعُ بِنْتِك صَدَاقٌ لِبِنْتِي فَقِيلَ: صَحَّ الْأَوَّلُ وَبَطَلَ الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ: وَبُضْعُ بِنْتِي صَدَاقٌ لِبِنْتِكَ بَطَلَ الْأَوَّلُ وَصَحَّ الثَّانِي قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ تَفْسِيرِ الشِّغَارِ: كَأَنَّهُ يَقُولُ: صَدَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الْأُخْرَى حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ لِلتَّفْسِيرِ الَّذِي رَوَاهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٌ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالشِّغَارِ أَنْ يَنْكِحَ هَذِهِ بِهَذِهِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ؛ بُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ وَبُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ، قَالَ: فَيُشْبِهُ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةً أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْقَفَّالُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: الْعِلَّةُ فِي بُطْلَانِهِ التَّعْلِيقُ وَالتَّوْقِيفُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ لَك نِكَاحُ بِنْتِي حَتَّى يَنْعَقِدَ لِي نِكَاحُ بِنْتِك، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: وَمَهْمَا انْعَقَدَ نِكَاحُ بِنْتِي انْعَقَدَ نِكَاحُ بِنْتِك؛ وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: صُورَتُهُ الْكَامِلَةُ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَمَهْمَا انْعَقَدَ نِكَاحُ ابْنَتِي انْعَقَدَ نِكَاحُ ابْنَتِك، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا فِيهِ تَعْلِيقٌ وَشَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَتَشْرِيكٌ فِي الْبُضْعِ. قَالَ الْإِمَامُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْبُضْعِ صَدَاقًا آخَرَ لِلْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيمَا إذَا ذَكَرَ مَعَ الْبُضْعِ صَدَاقًا آخَرَ. انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِثْلَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَزَادَ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اشْتِرَاطَ عَدَمِ الصَّدَاقِ وَهُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ. (قُلْت) وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ مَعَ الْبُضْعِ صَدَاقًا آخَرَ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَعَيِّنَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ بِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ التَّشْرِيكُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ إذَا زُوِّجَتَا مِنْ رَجُلَيْنِ وَهُنَا لِلتَّشْرِيكِ بِجِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَلْحَقَ بِمَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ صَدَقَهَا امْرَأَةً. انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُشْبِهُهُ بِرَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاسْتَثْنَى عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا وَهُوَ مَا لَا خِلَافَ فِي فَسَادِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ زَوَّجَ وَلِيَّتَهُ وَاسْتَثْنَى بُضْعَهَا حِينَ جَعَلَهُ مَهْرًا لِصَاحِبَتِهَا قَالَ: وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ لَهُ مَعْقُودٌ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهَا وَبِهَا فَصَارَ كَالْعَبْدِ تَزَوَّجَ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَقَبَتُهُ صَدَاقًا لِلْمَرْأَةِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ إلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْمَحْكِيَّ عَنْ بَعْضِهِمْ حِينَ ذَكَرَ التَّعْلِيلَ بِالتَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ فَقَالَ: وَرُبَّمَا شُبِّهَ بِهَذَا قَالَ: كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ نَاكِحًا وَصَدَاقًا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً وَصَدَاقًا، ثُمَّ اعْتَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِلْكُ الزَّوْجَةِ الزَّوْجَ، وَهَذَا مَعْنَى لَوْ عُرِضَ رَفْعُ النِّكَاحِ فَإِذَا قَارَنَ ابْتِدَاءَ مَنْعِ الِانْعِقَادِ. انْتَهَى. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي تَعْلِيلِ الْقَفَّالِ بِالتَّعْلِيقِ وَالتَّوْقِيفِ: إنَّ اقْتِضَاءَ التَّعْلِيقِ وَالتَّوْقِيفِ الْبُطْلَانُ ظَاهِرٌ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي صُورَةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ الْمَشْهُورِ لَفْظُهُ تَعْلِيقٌ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى لَفْظِ الِاشْتِرَاطِ ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: كَانَ الْعَرَبُ يَفْهَمُونَ مِنْهُ التَّعْلِيقَ إذْ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَهُ. انْتَهَى. وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ اخْتِلَافُ الشَّافِعِيَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ هَلْ هُوَ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ أَوْ الشَّرْطُ أَوْ الْخُلْفُ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ التَّعْلِيقُ وَالتَّوْقِيفُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَصَحَّحَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَوَّلَ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْخِرَقِيِّ وَعَلَى الثَّالِثِ نَصَّ أَحْمَدُ. وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ وَمَنْ زَوَّجَ وَلِيَّتِهِ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ فَأَجَابَهُ وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَيُسَمَّى نِكَاحَ الشِّغَارِ وَإِنْ سَمَّى مَهْرًا صَحَّ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَقِيلَ: إنْ قَالَ فِيهِ: وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ جُمْلَةَ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الرَّجُلُ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ أَوْ وَلِيَّتَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْهُ ابْنَتَهُ أَوْ وَلِيَّتِهِ وَيَكُونُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى دُونَ صَدَاقٍ قَالَ: وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الشِّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ: إنَّ الشِّغَارَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ رَجُلًا وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْآخَرُ وَلِيَّتَهُ بِلَا صَدَاقٍ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ. انْتَهَى. فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَعِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَنِكَاحُ الشِّغَارِ يُفْسَخُ أَبَدًا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَهُوَ مِثْلُ زَوِّجْنِي ابْنَتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ سَمَّى شَيْئًا فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فُسِخَ مَا سَمَّى قَبْلَ الْبِنَاءِ وَفُسِخَ الْآخَرُ أَبَدًا وَجَعَلَ الظَّاهِرِيَّةُ وَمِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ عِلَّةَ الْبُطْلَانِ الشَّرْطَ فَصَوَّرُوهُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ هَذَا وَلِيَّةَ هَذَا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ، وَقَالُوا: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا أَمْ لَا وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ الشِّغَارِ مَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ وَقَالُوا: إنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةً يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَوْلُهُ: وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا يُشْعِرُ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ لِمُلَازَمَتِهِ لِجِهَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عَدَمَ الصَّدَاقِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي النَّهْيِ. (الْخَامِسَةُ) حَمَلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَالُوا بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُفْسَخُ بَعْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى صِحَّتِهِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ حَزْمٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ الْبُطْلَانُ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا الْبُطْلَانُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ نَهْيٌ يَقْتَضِي إبْطَالَ النِّكَاحِ أَمْ لَا فَحَكَى الْخِلَافَ فِي إبْطَالِهِ وَصِحَّتِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَنْعِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا وَقَعَ هَلْ يُفْسَخُ؟ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَتَبِعَهُمْ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَحَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَفِيمَا ذَكَرُوهُ نَظَرٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ يَقُولُونَ بِجَوَازِهِ وَقَدْ عَبَّرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِالْجَوَازِ وَكَذَا عَبَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَيُوَافِقُ هَذَا أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّهْيَ يَشْتَمِلُ التَّحْرِيمَ وَالْكَرَاهَةَ، وَاَلَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ إنَّمَا هُوَ صِيغَةُ افْعَلْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ هَؤُلَاءِ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةَ وَقَدْ يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْبُطْلَانُ، فَإِنَّ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّهْيَ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ فَهَلَّا صَحَّ وَبَطَلَ الْمُسَمَّى كَمَا قَالُوا فِي الْمَهْرِ الْفَاسِدِ، وَجَوَابُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ فَلَا يَحِلُّ الْمُحَرَّمُ مِنْ النِّسَاءِ بِالْمُحَرَّمِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالشِّغَارُ مُحَرَّمٌ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَهَكَذَا كُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِكَاحٍ لَمْ يَحِلَّ بِهِ الْمُحَرَّمُ. انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِنْتَه وَكَانَا جُعِلَا صَدَاقًا «فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقَوْلُهُ وَكَانَا جُعِلَا صَدَاقًا هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلَانِ أَوْ النِّكَاحَانِ وَقَدْ ضَبَطْنَاهُ كَمَا ذَكَرْته بِالضَّمِّ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ الْكُبْرَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ لِلْخَطَّابِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَا جَعَلَاهُ صَدَاقًا بِزِيَادَةِ ضَمِيرٍ وَفَهِمَ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا سَمَّيَا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا فَيَرُدُّ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّهُ لَوْ سَمَّى مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا صَحَّ قَالَ: فَهَذَا مُعَاوِيَةُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ يَفْسَخُ هَذَا النِّكَاحَ وَإِنْ ذَكَرَا فِيهِ الصَّدَاقَ وَيَقُولُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْته. (السَّادِسَةُ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الْبِنْتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثَالٌ فَكُلُّ مُوَلِّيَةٍ كَذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَ الْأُخْتَ أَيْضًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنْ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَخِ وَالْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْإِمَاءُ كَالْبَنَاتِ فِي هَذَا. انْتَهَى. وَلَيْسَتْ صُورَةُ الْإِمَاءِ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك جَارِيَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي جَارِيَتَك فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ شَرْطَ نِكَاحِ الْأَمَةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ وَلَا صُورَتُهُ زَوَّجْتُك جَارِيَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَتَكُونُ رَقَبَةُ جَارِيَتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النِّكَاحَيْنِ فِيهَا صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَشْرِيكَ فِيمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ عَقْدَ النِّكَاحِ وَيُفْسِدُ الصَّدَاقَ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْمِثْلِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، ثُمَّ قَالَا: وَيَجِيءُ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَالتَّوْقِيفِ أَنْ يَحْكُمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحَيْنِ. انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَالتَّوْقِيفِ مَرْجُوحٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا صُورَتُهَا زَوَّجْتُك أَمَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَيَكُونَ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ أَمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَلْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الرَّفْعُ يُقَال: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لِيَبُولَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَرْفَعْ رِجْلَ بِنْتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ بِنْتِك. انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِب النِّهَايَةِ قِيلَ لَهُ: شِغَارٌ لِارْتِفَاعِ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ. انْتَهَى. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ هَذَا عَنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْقَائِلُ لَا يَنْفَصِلُ مِمَّنْ قَالَ بَلْ سُمِّيَ شِغَارًا؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فَارْتَفَعَ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ مَعًا وَيُبَيِّنُ لَك أَنَّ النَّهْيَ قَدْ انْطَوَى عَلَى الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَنَّ الْبَدَلَ هُنَا لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْعَقْدِ وَلَا الْعَقْدُ شَيْئًا غَيْرَ الْبَدَلِ فَهُوَ إذَا فَسَدَ مَهْرًا فَسَدَ عَقْدًا وَإِذَا أَبْطَلَتْهُ الشَّرِيعَةُ فَإِنَّمَا أَفْسَدَتْهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانُوا يُوقِعُونَهُ وَكَانُوا يُوقِعُونَهُ مَهْرًا وَعَقْدًا فَوَجَبَ أَنْ يَفْسُدَا مَعًا. انْتَهَى. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عَلَى تَفْسِيرِ الشِّغَارِ بِالرَّفْعِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ إنَّ الْكَلْبَ إذَا كَانَ يَبُولُ حَيْثُ يَصِلُ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ قِيلَ: شَغَرَ الْكَلْبُ بِرِجْلِهِ فَسُمِّيَ شِغَارًا لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ فِيهِ بِالْمَهْرِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِلشِّغَارِ فِي اللُّغَةِ مَعْنًى لَا مَدْخَلَ لِذِكْرِهِ هُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عِنْدَهُمْ مِنْ شِغَارِ الْكَلْبِ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ وَذَلِكَ زَعَمُوا أَلَّا يَكُونَ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الصِّغَرِ عَلَى حَالٍ يُمْكِنُ فِيهَا طَلَبُ الْوُثُوبِ عَلَى الْأُنْثَى لِلنَّسْلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا»   Qوَهُوَ عِنْدَهُمْ لِلْكَلْبِ إذَا فَعَلَهُ عَلَامَةُ بُلُوغِهِ إلَى حَالِ الِاحْتِلَامِ مِنْ الرِّجَالِ وَلَا يَرْفَعُ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ إلَّا وَهُوَ قَدْ بَلَغَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ يُقَالُ مِنْهُ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ فَبَالَ أَمْ لَمْ يَبُلْ، وَيُقَالُ شَغَرَتْ الْمَرْأَةُ أَشْغَرَهَا شَغْرًا إذَا رَفَعَتْ رِجْلَهَا لِلنِّكَاحِ. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا خَلَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الصَّدَاقِ. انْتَهَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُقَالُ لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيلَ: الشَّغْرُ الْبُعْدُ وَقِيلَ: الِاتِّسَاعُ. انْتَهَى. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ الْخُلُوُّ وَالْبُعْدُ وَالِاتِّسَاعُ وَعَبَّرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ مِنْ رَفْعِ الصَّدَاقِ فِيهِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ. انْتَهَى. وَهَذَا يَقْتَضِي رُجُوعَ الْبُعْدِ إلَى الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث قَالَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا] الْحَدِيثُ الثَّانِي. وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا وَلَا الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ فَرَفَعَهُمَا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إسْمَاعِيلَ الْقَنَّادِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ طَرِيقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّعْبِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنَرَى خَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (حَرَّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَنَرَى خَالَةَ أَبِيهَا وَعَمَّةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» . لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُخْتَصَرٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَمْ يُرْوَ مِنْ وَجْهٍ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَ مِنْ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمِنْ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَإِنَّمَا اتَّفَقَا وَمَنْ قَبْلَهُمَا وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ عَلَى إثْبَاتِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدَ وَابْنُ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَالْحُفَّاظُ يَرَوْنَ رِوَايَةَ عَاصِمٍ خَطَأً وَأَنَّ الصَّحِيحَ رِوَايَةُ ابْنِ عَوْنٍ وَدَاوُد وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ التُّرْكُمَانِيِّ مُعْتَرِضًا عَلَى الْبَيْهَقِيّ قَدْ أَثْبَتَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ اثْنَيْنِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُمَا أَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَجَابِرًا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَخْطِئَةِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى أَنَّ دَاوُد بْنَ أَبِي هِنْدٍ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِيهِ فَرَوَى عَنْهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخْرِجَاهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ لَا يَكُونَ صَحِيحًا كَمَا عَرَفَ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ سَمَاعُ الشَّعْبِيِّ لَهُ مِنْهُمَا صَرَّحَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ فِي الْأَطْرَافِ إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ حَكَى عَنْ الْحُفَّاظِ أَنَّ رِوَايَةَ عَاصِمٍ خَطَأٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَحِيحٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ وَإِنْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ. وَكُلٌّ مِنْ دَاوُد وَابْنِ عَوْنٍ لَوْ انْفَرَدَ أَوْلَى مِنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ لِأَنَّهُمَا مُجْمَعَانِ عَلَى ثِقَتِهِمَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِمَا، وَتَكَلَّمَ فِي عَاصِمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ فَكَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ يَسْتَضْعِفُهُ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْدَهُمْ وَلَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ ابْنُ إدْرِيسَ لِسُوءِ مَا فِي سِيرَتِهِ وَلَسْنَا نُرِيدُ بِذَلِكَ تَضْعِيفَ عَاصِمٍ بَلْ تَرْجِيحَ رِوَايَتِهِمَا عَلَيْهِ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَكَوْنُهُمَا مُجْمَعًا عَلَى ثِقَتِهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَيِّنُ ضَعْفَ جَمِيعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ غَيْرَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الشَّافِعِيِّ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجَابِرٌ كَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَمْ يُسَمِّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَائِلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِيَّ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ فَهُوَ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَرْوِهِ وَإِنَّمَا قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَظُنُّ قَائِلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ لَمْ يُصَحِّحْ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَصَحَّحَ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَدِيثَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ: لَا يَجْمَعُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِ مِنْ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَيَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ قُلْت: وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا هُوَ بِالرَّفْعِ أَيْضًا عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ بِمَعْنَى النَّهْيِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ قَوْلُ مَنْ لَقِيت مِنْ الْمُفْتِينَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا عَلِمْته حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ: إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ: يَجُوزُ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: أَجَازَ الْخَوَارِجُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنْ الدِّينِ وَخَرَجُوا مِنْهُ وَلِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَذِكْرُهُ الْأُخْتَيْنِ هُنَا سَبْق قَلَمٍ، فَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْقُرْآنِ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا عَنْ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْقَائِلَ بِمَقَالَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى هَذَا جُمْهُورُ النَّاسِ إلَّا عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ. (الرَّابِعَةُ) لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْعَمَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَلَا بِالْخَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ الْأُمِّ بَلْ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ أَوْ أَبِي الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَأُخْتُ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَإِنْ عَلَتْ كَذَلِكَ فِي التَّحْرِيمِ بِلَا خِلَافٍ. (الْخَامِسَةُ) فِي مَعْنَى عَمَّةِ النَّسَبِ وَخَالَتِهِ عَمَّةِ الرَّضَاعِ وَخَالَتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَقَدْ ضَبَطَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ رَضَاعٌ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَحَرُمَتْ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُمَا وَقَصَدُوا بِقَيْدِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا وَبِنْتِ زَوْجِهَا فَإِنَّ هَذَا الْجَمْعَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِقَرَابَةٍ وَلَا رَضَاعٍ بَلْ بِمُصَاهَرَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا رَحِمٌ يُحْذَرُ قَطْعُهَا بِخِلَافِ الرَّضَاعِ وَالْقَرَابَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ فَأَمَّا الْحَسَنُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ رُجُوعُهُ عَنْ هَذَا، وَأَمَّا إسْنَادُ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ فَفِيهِ مَقَالٌ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ امْرَأَتَيْنِ إذَا جَعَلْت مَوْضِعَ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَاطِلٌ فَقِيلَ لَهُ: عَمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّسَبِ وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ زَوْجِهَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا سَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا وَلَا الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا زَادَ مُسْلِمٌ وَعَمَّةُ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ» ..   Qوَغَيْرِهِمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَالَ: وَقَدْ كَرِهَهُ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ قَدِيمٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ الْآنَ، وَحَكَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا الْمَذْهَبَ الشَّاذَّ عَنْ زُفَرَ وَخَرَّجَ بِهَذَا الضَّابِطِ بِنْتَا الْعَمِّ وَبِنْتَا الْخَالَةِ وَنَحْوَهُمَا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ حَرَّمَهُ وَهُوَ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ وَيَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ أَجْلِ الْقَطِيعَةِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ نَاسًا لَيَتَّقُونَهُ، وَقَالَ مَرَّةً غَيْرُهُ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ كَرَاهَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَنْ عَطَاءٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ قَالَ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَائِزٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْطَلَهُ. [فَائِدَة يَمْلِكَ أُخْتَيْنِ وَجَارِيَةً وَعَمَّتَهَا وَجَارِيَةً وَخَالَتَهَا] 1 (السَّادِسَةُ) لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالنِّكَاحِ بَلْ يَحْرُمُ جَمْعُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ لَا فِي أَصْلِ الْمِلْكِ فَلَهُ أَنْ يَمْلِكَ أُخْتَيْنِ وَجَارِيَةً وَعَمَّتَهَا وَجَارِيَةً وَخَالَتَهَا وَلَكِنْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ فَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى عَلَى نَفْسِهِ إمَّا بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ كَبَيْعِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا أَوْ هِبَتِهِ مَعَ الْإِقْبَاضِ أَوْ بِالْإِعْتَاقِ، وَإِمَّا بِإِزَالَةِ الْحِلِّ بِالتَّزْوِيجِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَلَا يَكْفِي الْحَيْضُ وَالْإِحْرَامُ وَالْعِدَّةُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ لَمْ تُزِلْ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ وَكَذَا الرِّدَّةُ لَا تُبِيحُ الْأُخْرَى وَكَذَا الرَّهْنُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَحَيْثُ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ الْوَطْءُ لَا تَحِلُّ بِهِ الثَّانِيَةُ وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالْحِلِّ وَلَا يَكْفِي اسْتِبْرَاءُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْفِرَاشَ وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْقِيَاسَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ قَالَ: غَلِطَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: إذَا قَالَ: حَرَّمْتهَا عَلَى نَفْسِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَحَلَّتْ الْأُخْرَى هَذَا كَلَامُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَاكْتَفَى الْحَنَابِلَةُ بِاسْتِبْرَائِهَا وَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الِاكْتِفَاءِ بِالْكِتَابَةِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى وَطْءِ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِمَا تَقَدَّمَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى وَطْءِ أَيَّتَهمَا شَاءَ، فَإِذَا وَطِئَ وَاحِدَةً حُرِّمَتْ الْأُخْرَى وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَكْفِي هِبَتُهَا لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ وَلَوْ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ إذْ لَهُ انْتِزَاعُهَا بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فَقَطْ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ جَوَازَهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، قَالَ: وَهُوَ خِلَافٌ شَاذٌّ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشِّيعَةِ وَأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي النِّكَاحِ قَالَ: وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ لَا يُقْبَلُ بَلْ جَمِيعُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ مُحَرَّمَاتٌ بِالنِّكَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمِيعًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِإِنْكَاحِهَا فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (حَرَّمَتْهَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهَا آيَةٌ وَلَمْ أَكُنْ أَفْعَلُهُ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَّ رَجُلًا آخَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ: لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْت أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْته نَكَالًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ أُرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ. [فَائِدَة تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ] 1 (السَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَخَصُّوا بِهَا قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنٌ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا مَشْهُورٌ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ بِمِثْلِهِ. [فَائِدَة الْجَمْعَ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ] (الثَّامِنَةُ) ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ مَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ قَطْعِ الْأَرْحَامِ النَّاشِئِ عَنْ التَّبَاغُضِ الَّذِي يَثُورُ مِنْ الْغَيْرَةِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ إبَاحَةُ الْجُمْهُورِ الْجَمْعَ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ آكَدُ فِي الْمَحَارِمِ فَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي غَيْرِهِنَّ وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّعْلِيلِ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ قَالَ: إنَّكُنَّ إذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ» وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «لَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا» .   Q [حَدِيث لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ. وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَازِقُهَا» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ «لَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ إنَاءَهَا» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ لَفْظِ الْبُخَارِيِّ «وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا» وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الشُّرُوطَ فِي الطَّلَاقِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ (تَسْأَلُ) . (الثَّانِيَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَجُوزُ فِي تَسْأَلُ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ الْأَوَّلُ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَهُ وَلَا يَخْطُبُ وَلَا يَسُومُ وَالثَّانِي عَلَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَسْرَ فِي اللَّامِ عَارِضٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ، وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى تَجْوِيزِ النَّوَوِيِّ الْوَجْهَيْنِ. (الثَّالِثَةُ) دَلَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ بِطَلَاقِ أُخْرَى» وَيَنْبَغِي حَمْلُ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا إذَا جَرَى ذَلِكَ شَرْطًا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ فَلَوْ لَمْ يَقَعْ إلَّا مُجَرَّدُ سُؤَالٍ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ فِي مُبَاحٍ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ بَابَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا تَشْتَرِطُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيُّ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ «وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا» وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ فَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ مَا نَهَى فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ بِلَفْظِ نُهِيَ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لَكِنَّهُ عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ وَلَا لِوَلِيِّهَا أَنْ تَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا وَلِهَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ شَرْطَ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ عِنْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا أَنَّهَا إنَّمَا تَنْكِحُهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ طَالِقٌ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَعَقْدُ نِكَاحِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ دَخَلَ فِي الصَّدَاقِ الْمُسْتَحِلِّ بِهِ الْفَرْجَ فَفَسَدَ؛ لِأَنَّهُ طَابَقَ النَّهْيَ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَرَى الشَّرْطَ بَاطِلًا وَالنِّكَاحَ صَحِيحًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَكْرَهُونَ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الْعَقْدِ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ وَهُوَ أَوْلَى مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ هَذَا الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَقَدَهُ بِيَمِينٍ فَيَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْأَبْرَارِ وَلَا مِنْ مَنَاكِحِ السَّلَفِ اسْتِبَاحَةُ النِّكَاحِ بِالْأَيْمَانِ الْمَكْرُوهَةِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «إنْ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» وَهَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ. انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ أَيْضًا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الشَّرْطِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الَّتِي لَفْظُهَا لَا يَحِلُّ ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ اشْتَرَطَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَإِنْ عُقِدَ عَلَيْهِ نِكَاحٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. (الرَّابِعَةُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ تَسْأَلُ الزَّوْجَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَأَنْ يَنْكِحَهَا هِيَ بَدَلًا عَنْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الزَّوْجَةَ الَّتِي هِيَ فِي الْعِصْمَةِ تَسْأَلُ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا لِتَنْفَرِدَ هِيَ بِالزَّوْجِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ النَّوَوِيُّ وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِقَوْلِهِ وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الَّتِي لَيْسَتْ الْآنَ نَاكِحَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَدَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَا ذَكَرْته وَالثَّالِثُ مُحْتَمَلٌ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلْتَنْكِحْ عَلَى أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا) فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ تَحْصِيلَ حَظِّ الْأُخْرَى مِنْ الزَّوْجِ مَضْمُومًا إلَى حَظِّهَا. (الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِأُخْتِهَا غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أُخْتَهَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ أُخْتَهَا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرَةً. انْتَهَى. فَأَمَّا أُخْتُهَا مِنْ النَّسَبِ فَكَيْفَ يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي الْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّتِهِ: وَلْتَنْكِحْ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا زَوْجَهَا مُتَعَذِّرٌ مَعَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ: يُرِيدُ ضَرَّتَهَا الْمُسْلِمَةَ فَهِيَ أُخْتُهَا مِنْ الدِّينِ وَلَمْ يُرِدْ الْأُخْتَ مِنْ قِبَلِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَدْ يُرَادُ لِتَنْكِحْ مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا تَسْعَى فِي طَلَاقِ أُخْتِهَا لِمَنْفَعَةٍ زَائِدَةٍ تَتَوَقَّعُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلْتَنْكِحْ غَيْرَهُ فَإِنَّهَا لَا يَنَالُهَا إلَّا مَا قُدِّرَ لَهَا وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَخُصُّهُ بِالْمُسْلِمِ وَقَالَ بِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ وَيَخْتَارُهُ الْخَطَّابِيُّ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ: فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ هُنَاكَ عَلَى تَعْمِيمِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. (قُلْت) وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ الْمُتَقَدِّمُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا أَيْ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِيثَارَ عَلَيْهَا فَتَكُونُ كَمَنْ أَفْرَغَ صَحْفَةَ غَيْرِهِ وَكَفَأَ مَا فِي إنَائِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَيَقْلِبُهُ فِي إنَاءِ نَفْسِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَجَازِيٌّ وَمَعْنَاهُ لِتَنْفَرِدَ بِزَوْجِهَا وَمِثْلُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ قَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ فَإِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مُصْفًى إنَاؤُهُ ... إذَا لَمْ يُزَاحَمْ خَالَهُ بَابَ خُلْدٍ (السَّابِعَةُ) اسْتِفْرَاغُ صَحْفَتِهَا اسْتِعَارَةٌ لِنَيْلِ الْحَظِّ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَمُعَاشَرَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ عَلَى ذَلِكَ مَشَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا مَثَلٌ لِإِمَالَةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صَاحِبَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا إلَى نَفْسِهَا ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَالرَّغْبَةِ فِي كَثْرَةِ الْوَلَدِ قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. (الثَّامِنَةُ) فَصَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ بِمَا رُكِّبْنَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَيْرَةِ طَلَبُ الِانْفِرَادِ بِالزَّوْجِ دُونَ الضَّرَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي الِاسْتِبْدَادِ بِالصُّحْبَةِ وَالِانْفِرَادِ بِالْمُعَاشَرَةِ فَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْمُضَايَقَةِ فِي الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَفِيهِ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فَمَنَعَهَا إذَا خَطَبَتْ أَنْ تَقُولَ: لَا أَتَزَوَّجُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُفَارِقَ الَّتِي عِنْدَهُ رَغْبَةً فِي حَظِّهَا مِنْ الْمَعِيشَةِ لِتَزْدَادَ بِهَا فِي مَعِيشَتِهَا فَإِنَّ الرِّزْقَ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ فَلَا تَطْلُبُ مِنْهُ مَا عِنْدَ غَيْرِهَا وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الدَّاخِلَةِ أَنْ تَمْنَعَ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّخُولِ وَتَقُولَ لِلزَّوْجِ: لَا تَنْكِحْهَا فَإِنَّهَا تُضَايِقُنَا فِي مَعِيشَتِنَا وَتَمْنَعُهُ مِنْهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْ حَظِّ تِلْكَ شَيْئًا وَإِنَّمَا كَرِهَتْ أَنْ تُشَارِكَهَا فِي حَظِّهَا وَذَلِكَ لَا يُنَاقِضُ الْقَدْرَ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْدَادَ بِهِ فِي الْمُتْعَةِ أَلَا تَرَى إلَى «أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَ أُخْتِهَا وَقَالَتْ: لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ وَأُحِبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرِ أُخْتِي» فَتَمَنَّتْ الْإِخْلَاءَ بِهِ دُونَ كُلِّ زَوْجَةٍ لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشْتَرِطَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا عَلَيْهَا قَدْ صَارَتْ أُخْتًا لَهَا فَلَا تَسْأَلُ طَلَاقَهَا وَإِنَّمَا لَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ وَإِذَا شَرَطَهُ لَهَا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» . انْتَهَى. وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ طَلَبِ الِانْفِرَادِ بِالْمُعَاشَرَةِ وَطَلَبِ الِانْفِرَادِ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا بَيْنَ الدَّاخِلَةِ وَالْخَارِجَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَتَحْرُمُ الْمُؤْمِنَةُ عَلَى الْكَافِرِ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ، قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ» .   Qوَالْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فَإِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَلَا طَلَبْته وَإِنَّمَا فَهِمَ مِنْهَا تَمَنِّيَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ تَمَّنِي الشَّيْءِ إبَاحَةُ طَلَبِهِ وَاشْتِرَاطِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ: وَلْتَنْكِحْ أَمْرٌ بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ أَوْ الْإِرْشَادِ وَالِاسْتِحْبَابِ، وَذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي بِكَسْرِ اللَّامِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِتَسْتَفْرِغَ وَيَتَعَيَّنُ مَعَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ تَسْأَلُ طَلَاقَ الزَّوْجَةِ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا أَيْ لَا يَنَالُهَا مِنْ الرِّزْقِ سِوَى مَا قُدِّرَ لَهَا وَلَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ مَنْ تَظُنُّ أَنَّهَا تُزَاحِمُهَا فِي رِزْقِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ أَحَادِيثِ الْقَدَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسَّنَدِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ فِي السُّلُوكِ عَلَى مَجَارِي الْقَدَرِ وَذَلِكَ لَا يُنَاقِضُ الْعَمَلَ فِي الطَّاعَاتِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ التَّحَرِّي فِي الِاكْتِسَابِ وَخَزْنِ الْأَقْوَاتِ وَالنَّظَرِ لِغَدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ سَبِيلِ السُّنَّةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْبِدْعَةِ وَلَا يَرْكَنُ إلَى أَحَدٍ عَلَى مَظِنَّةٍ مُضِرَّةٍ وَلَا يَرْبِطُ عَلَيْهَا نِيَّةً. [بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَتَحْرُمُ الْمُؤْمِنَةُ عَلَى الْكَافِرِ] [حَدِيث إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ] (بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَتَحْرِيمُ الْمُؤْمِنَةِ عَلَى الْكَافِرِ) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْهُ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ: إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ وَهُوَ تَنْبِيهُ الْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ: إيَّاكُمْ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ وَاجِبِ الْإِضْمَارِ تَقْدِيرُهُ: اتَّقُوا وَنَحْوَهُ، قِيلَ: كَانَ أَصْلُهُ: اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ اسْتَغْنَى عَنْ النَّفْسِ وَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَاخْتُلِفَ فِي إعْرَابِ قَوْلِهِ: وَالدُّخُولَ؛ فَقِيلَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى إيَّاكُمْ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَاسْتِعْمَالُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى تَحْذِيرٍ شَدِيدٍ وَنَهْيٍ أَكِيدٍ وَهُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: إيَّاكَ وَالْأَسَدَ وَإِيَّاكَ وَالشَّرَّ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَهُ شَرْطَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاخِلُ زَوْجًا لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَلَا مَحْرَمًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِكَاحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ» وَإِنَّمَا خَصَّ فِيهِ الثَّيِّبَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُدْخَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَصُونَةٌ فِي الْعَادَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ. (ثَانِيهمَا) أَنْ يَتَضَمَّنَ الدُّخُولُ الْخَلْوَةَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا. «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ. «إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «أَلَا لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ» عَلَى أَنَّ هَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَحْرُمُ خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِامْرَأَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا، قَالَ النَّوَوِيُّ فَيَتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى جَمَاعَةٍ يَبْعُدُ وُقُوعُ الْمُوَاطَأَةِ مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ لِصَلَاحِهِمْ أَوْ مُرُوءَتِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. انْتَهَى. فَلَوْ دَخَلَ بِحُضُورِ الزَّوْجِ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى الْمُغِيبَاتِ وَهُنَّ اللَّاتِي غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَلَوْ كَانَتْ غَيْبَتُهُنَّ فِي الْبَلَدِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ وَيَدُلُّ لَهُ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَذَكَرُوا رَجُلًا صَالِحًا مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي» وَلَا يَكْفِي إذْنُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَا حُضُورُ مَحْرَمٍ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ يُدْخَلَ عَلَى النِّسَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا انْتَفَتْ الْخَلْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَوَقُّفُ جَوَازِ الدُّخُولِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغِيبَاتِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ» . وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِبَاحَتِهَا بِالْمَحَارِمِ وَالْمَحْرَمُ هِيَ كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَقَوْلُنَا عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ وَمِنْ بِنْتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَقَوْلُنَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا فَإِنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَكِنْ لَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ وَقَوْلُنَا لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمُلَاعَنَةِ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا لِحُرْمَتِهَا بَلْ لِلتَّغْلِيظِ. [فَائِدَة فِي الحم أَرْبَعُ لُغَاتٍ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاءَ أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ كَابْنِهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ وَالْأُخْتَانِ أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ، وَالْأَصْهَارُ تَقَعُ عَلَى النَّوْعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي الْحَمْ أَرْبَعُ لُغَاتٍ إحْدَاهَا هَذَا حَمُوك بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الرَّفْعِ وَرَأَيْت حَمَاك وَمَرَرْت بِحَمِيك، وَالثَّانِيَةُ هَذَا حَمْؤُك بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ مَرْفُوعَةٍ وَرَأَيْت حَمْأَك وَمَرَرْت بِحَمْئِك، وَالثَّالِثَةُ حَمَا كَقَفَا هَذَا حَمَاك وَرَأَيْت حَمَاك وَمَرَرْت بِحَمَاك، وَالرَّابِعَةُ حَمٌ كَأَبٍ وَأَصْلُهُ حَمَوٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ، وَحَمَاةُ الْمَرْأَةِ أُمُّ زَوْجِهَا لَا يُقَالُ فِيهَا غَيْرُ هَذَا، وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ لَفْظَ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْهَمْزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَ فِيهَا مَعَ إسْكَانِ الْمِيمِ إلَّا الْهَمْزُ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ وَقَدْ جَاءَ الْحَمْوُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَهْمُوزًا وَالْهَمْزُ أَحَدُ لُغَاتِهِ لَكِنْ لَمْ أَرَ صَاحِبَ النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْهَمْزَ وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِلَا هَمْزٍ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ حَمْوُ كَدَلْوِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمُرَادُ بِالْحَمْوِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهُنَا فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَيْسَ مَحْرَمًا لِلزَّوْجَةِ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهُهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ كَابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ فَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَمَحَارِمُ لِزَوْجَتِهِ تَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَعَادَةُ النَّاسِ الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمَوْتُ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. انْتَهَى. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَحْرَمِ كَالْأَبِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلُوا مَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ يُقَالُ: الْحَمْوُ أَبُو الزَّوْجِ كَأَنَّهُ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا، وَكَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّ الْحَمْوَ هُنَا أَبُو الزَّوْجِ وَقَالَ: إذَا نَهَى عَنْ أَبِي الزَّوْجِ وَهُوَ مَحْرَمٌ فَكَيْفَ بِالْغَرِيبِ وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هَذَا هُوَ صَوَابُ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الثَّانِي: هَذَا كَلَامٌ مَرْدُودٌ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ. (السَّادِسَةُ) اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ الْحَمْوُ الْمَوْتُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: احْذَرْ الْحَمْوَ كَمَا تَحْذَرُ الْمَوْتَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالشَّرُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ وَالْفِتْنَةُ أَكْثَرُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، قَالَ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ مَعْنَى الْحَمْوِ الْمَوْتُ فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَلُ هَذَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ كَمَا يَقُولُ: الْأَسَدُ الْمَوْتُ أَيْ لِقَاؤُهُ مِثْلُ الْمَوْتِ، وَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ الْخَلْوَةُ بِالْأَحْمَاءِ مُؤَدِّيَةٌ إلَى الْفِتْنَةِ وَالْهَلَاكِ فِي الدِّينِ فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْتِ فَوَرَدَ الْكَلَامُ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ دُخُولُهُ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ يُشْبِهُ الْمَوْتَ فِي الِاسْتِقْبَاحِ وَالْمَفْسَدَةِ أَيْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مَعْلُومُ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي الْحَذَرِ عَنْ ذَلِكَ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لَا لِفَهْمِ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَرْأَةِ عَادَةً، وَخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْعَرَبِ: الْأَسَدُ الْمَوْتُ وَالْحَرْبُ الْمَوْتُ، أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمُ عَلَى الْمَرْأَةِ يُفْضِي إلَى مَوْتِ الدِّينِ أَوْ إلَى مَوْتِهَا بِطَلَاقِهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ {عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا» وَعَنْهَا قَالَتْ «مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْتَحِنُ الْمُؤْمِنَاتِ إلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12] وَلَا وَلَا» .   Qعِنْدَ غَيْرَةِ الزَّوْجِ أَوْ بِرَجْمِهَا إنْ زَنَتْ مَعَهُ. انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ بِتَقْدِيرِ تَفْسِيرِهِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَإِنْ فَسَّرَ بِالْمَحْرَمِ فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يَعْنِي أَنَّ خَلْوَةَ الْحَمْ مَعَهَا أَشَدُّ مِنْ خَلْوَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَبَاءِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَسَّنَ لَهَا أَشْيَاءَ وَحَمَلَهَا عَلَى أُمُورٍ تَثْقُلُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْتِمَاسِ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَوْ سُوءِ عِشْرَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُؤَثِّرُ أَنْ يَطَّلِعَ الْحَمُ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهِ بِدُخُولِ بَيْتِهِ. انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجَةِ لَا مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إبَاحَةِ دُخُولِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ. [حَدِيث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا» وَعَنْهَا قَالَتْ «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْتَحِنُ الْمُؤْمِنَاتِ إلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ} [الممتحنة: 12] وَلَا وَلَا» فِيهِ عَشْرُ فَوَائِدَ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَنْ مَحْمُودٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ «مَا كَانَ يَمْتَحِنُ إلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] » الْآيَةَ قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَ امْرَأَةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ «كَانَ الْمُؤْمِنَاتُ إذَا هَاجَرْنَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْتَحِنُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] » إلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ: لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُنَّ وَلَا وَاَللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ» قَالَتْ عَائِشَةُ «مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ: إذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ. «مَا مَسَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ: اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُك» . (الثَّانِيَةُ) الْمُبَايَعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُبَايِعَ لِلْإِمَامِ يَلْتَزِمُ لَهُ أُمُورًا كَأَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا وَأَخَذَ عِوَضَهَا ثَوَابَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةَ وَالِامْتِحَانُ الِاخْتِبَارُ وَالْمُرَادُ اخْتِبَارُ صِحَّةِ إيمَانِهِمْ بِإِقْرَارِهِنَّ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَالْتِزَامِهِنَّ إيَّاهَا وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ فَقَدْ بَايَعَ الْبَيْعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الشَّرْعِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ» أَيْ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ كَفٍّ وَلَا مُصَافَحَةٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَيْعَةَ الرِّجَالِ بِأَخْذِ الْكَفِّ وَالْمُصَافَحَةِ مَعَ الْكَلَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَى بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ فِيهِ يَدَهُ ثُمَّ غَمَسَ فِيهِ أَيْدِيَهُنَّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا صَافَحَهُنَّ بِحَائِلٍ وَكَانَ عَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ، وَقِيلَ: كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُصَافِحُهُنَّ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ وَكَيْفَ يَفْعَلُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمْرًا لَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُ الْعِصْمَةِ الْوَاجِبَةِ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ تَمَسَّ يَدُهُ قَطُّ يَدَ امْرَأَةٍ غَيْرِ زَوْجَاتِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ لَا فِي مُبَايَعَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ هُوَ ذَلِكَ مَعَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعِصْمَتِهِ وَانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ فِي حَقِّهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَدَّ جَوَازُهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: إنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَوْرَتِهَا كَالْوَجْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّظَرِ حَيْثُ لَا شَهْوَةَ وَلَا خَوْفَ فِتْنَةٍ فَتَحْرِيمُ الْمَسِّ آكَدُ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَمَحَلُّ التَّحْرِيمِ مَا إذَا لَمْ تَدْعُ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً كَتَطْبِيبٍ وَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَقَلْعِ ضِرْسٍ وَكَحْلِ عَيْنٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُوجَدُ امْرَأَةٌ تَفْعَلُهُ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِعْلُهُ لِلضَّرُورَةِ. [فَائِدَة مَسُّ كُلِّ مَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمَحَارِمِ] 1 (الْخَامِسَةُ) دَخَلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَحَارِمُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ تَمَسَّ يَدُهُ يَدَ أَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَرُّعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ امْتِنَاعَهُ حَيْثُ قَالَ: وَيَحْرُمُ مَسُّ كُلِّ مَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمَحَارِمِ لَكِنَّهَا عِبَارَةٌ مُؤَوَّلَةٌ وَغَيْرُ مَأْخُوذٍ بِظَاهِرِهَا، وَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مَسُّ بَطْنِ أُمِّهِ وَلَا ظَهْرِهَا وَلَا أَنْ يَغْمِزَ سَاقَهَا وَلَا رِجْلَهَا وَلَا أَنْ يُقَبِّلَ وَجْهَهَا وَقَدْ يَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ مِنْ الْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ أَوْ يَدَّعِي دُخُولَ الْمَحَارِمِ فِيمَا يَمْلِكُهُ أَيْ يَمْلِكُ مَسَّهُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ. (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا فِي آخِرِ الْفَائِدَةِ الْأُولَى عَنْ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد مَا مَسَّ بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَتَقْدِيرُهُ مَا مَسَّ امْرَأَةً قَطُّ لَكِنْ يَأْخُذُ عَلَيْهَا الْبَيْعَةَ بِالْكَلَامِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَا بُدَّ مِنْهُ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ مَا كَانَ يَمْتَحِنُ الْمُؤْمِنَاتِ إلَّا بِالْآيَةِ أَيْ يَتْلُو الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَزِيدُ شَيْئًا مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِنَّ تَرْكَ النِّيَاحَةِ قِيلَ: هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْرُوفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ. {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ «كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا جَاءَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّفَهَا عُمَرُ بِاَللَّهِ مَا خَرَجْت رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ وَبِاَللَّهِ مَا خَرَجْت الْتِمَاسَ دُنْيَا وَبِاَللَّهِ مَا خَرَجْت إلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ (وَلَا وَلَا) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ عُقْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تُبَايِعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ عَلَيْهَا أَلَّا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَزْنِينَ الْآيَةَ قَالَتْ: فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا حَيَاءً فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَى مِنْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَقِرِّي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ فَوَاَللَّهِ مَا بَايَعْنَا إلَّا عَلَى هَذَا قَالَتْ: فَنَعَمْ إذًا فَبَايَعَهَا بِالْآيَةِ» . انْفَرَدَ أَحْمَدُ بِهَذَا الطَّرِيقِ.   Qإشَارَةً إلَى بَقِيَّةِ الْآيَةِ وَهُوَ {وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] إلَى آخِرِهَا. [فَائِدَة قَطُّ تَأْكِيدُ النَّفْيِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَطُّ تَأْكِيدُ النَّفْيِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَجَمَعَ فِيهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ أَرْبَعَ لُغَاتٍ وَهِيَ فَتْحُ الْقَافِ وَضَمُّهَا مَعَ تَشْدِيدِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَهِيَ مَضْمُومَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَزَادَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لُغَةً خَامِسَةً وَهِيَ فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ وَكَسْرُهَا وَسَادِسَةٌ وَسَابِعَةٌ وَهُمَا فَتْحُ الْقَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الطَّاءِ سَاكِنَةً وَمَكْسُورَةً وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سِوَى خَمْسِ لُغَاتٍ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهَا ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ سِوَى ثَلَاثِ لُغَاتٍ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ: قَطُّ بِالتَّشْدِيدِ قَطُطٌ فَلَمَّا سُكِّنَ الْحَرْفُ الثَّانِي جُعِلَ الْآخَرُ مُتَحَرِّكًا إلَى إعْرَابِهِ وَلَوْ قِيلَ فِيهِ بِالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ لَكَانَ وَجْهًا فِي الْعَرَبِيَّةِ. انْتَهَى. فَأَمَّا الْكَسْرُ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّوَوِيَّ حَكَاهُ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ لُغَةً ثَامِنَةً وَهِيَ فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ وَفَتْحُهَا وَأَشْهَرُ هَذِهِ اللُّغَاتِ فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ وَضَمُّهَا. [حَدِيث جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ عُقْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تُبَايِعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تُبَايِعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ عَلَيْهَا {أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] الْآيَةَ قَالَتْ: فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا حَيَاءً فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَأَى مِنْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَقِرِّي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ فَوَاَللَّهِ مَا يُبَايِعُنَا إلَّا عَلَى هَذَا قَالَتْ: فَنَعَمْ إذًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَبَايَعَهَا بِالْآيَةِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى الشَّكِّ فِي رَاوِيهَا عَنْ عُرْوَةَ هَلْ هُوَ الزُّهْرِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ لَهَا بِالصِّحَّةِ لِلْجَهْلِ بِرَاوِيهَا وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَذْكُرَهَا مَعَ الْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَبْوِيبِهِ وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَمْ تَشْتَهِرْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَنْ فَاطِمَةَ هَذِهِ وَإِنَّمَا اشْتَهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أُخْتِهَا هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ زَوْجِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ «فِي تَرْجَمَةِ هِنْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ، قَالَتْ: وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ أَوْ تَسْرِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا قَالَ: وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ قَالَتْ قَدْ رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا وَقَتَلْتهمْ أَنْتَ بِبَدْرٍ كِبَارًا» أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ. انْتَهَى. وَفِي كُتُبِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ جَلَسَ عَلَى الصَّفَا وَبَايَعَ النِّسَاءَ فَتَلَا عَلَيْهِنَّ الْآيَةَ فَجَاءَتْ هِنْدُ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ مُتَنَكِّرَةً فَلَمَّا سَمِعَتْ وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَقَدْ أَصَبْت مِنْ مَالِهِ فَمَا أَدْرِي يَحِلُّ لِي أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَصَبْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لَك حَلَالٌ، وَلَمَّا سَمِعَتْ وَلَا يَزْنِينَ قَالَتْ: أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَتْ قُلُوبُ نِسَاءِ الْعَرَبِ عَلَى قَلْبِ هِنْدٍ مَا زَنَتْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ قَطُّ، وَلَمَّا سَمِعَتْ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ قَالَتْ: رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا فَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا فَلَمَّا سَمِعَتْ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا جَلَسْنَا مَجْلِسَنَا وَفِي أَنْفُسِنَا أَنْ نَعْصِيَك فِي شَيْءٍ» . (الثَّانِيَةُ) لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَسْرِقْنَ} [الممتحنة: 12] ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ غَرَضُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَزْنِينَ لِيَذْكُرَ مَا فَعَلَتْهُ عِنْدَ تِلَاوَتِهَا. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُ عَائِشَةَ أَقِرِّي مِنْ الْإِقْرَارِ وَقَوْلُهَا فَوَاَللَّهِ مَا بَايَعْنَا إلَّا عَلَى هَذَا فَرَوَيْنَاهُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ عَلَى إسْنَادِ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ وَفِي كَلَامِهَا هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُبَايَعَةَ كَانَتْ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ بِهَا الْمُهَاجِرَاتِ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ امْتِحَانًا لِإِيمَانِهِنَّ. (الرَّابِعَةُ) إنْ قُلْت: لَمْ يُورِدْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ فِي التَّبْوِيبِ وَتَحْرِيمُ الْمُؤْمِنَةِ عَلَى الْكَافِرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. (قُلْت) كَأَنَّ ذَلِكَ فَهْمٌ مِمَّا عَلِمَ مِنْ آيَةِ الِامْتِحَانِ وَأَنَّ سَبَبَهَا مُهَاجَرَةُ مُؤْمِنَاتٍ فِي الْهُدْنَةِ وَأَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلْنَ إلَى فَاطِمَةَ ابْنَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَ لَهَا: قَوْلِي لَهُ: إنَّ نِسَاءَك يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَتْ: فَدَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إنَّ نِسَاءَك أَرْسَلَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُحِبِّينَنِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبِّيهَا، فَرَجَعَتْ إلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ مَا قَالَ لَهَا، فَقُلْنَ: إنَّك لَمْ تَصْنَعِي   Qكَانَ مُقْتَضَى الصُّلْحِ رَدَّهُنَّ فَنَزَلَ نَقْضُ الصُّلْحِ فِي النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] فَقَدْ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ قِصَّةٍ ذَكَرَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ] [حَدِيث اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ] بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلْنَ فَاطِمَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْنَ لَهَا قُولِي لَهُ: إنَّ نِسَاءَك يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ قَالَتْ فَدَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ لَهُ إنَّ نِسَاءَك أَرْسَلْنَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُحِبِّينَنِي؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ: فَأَحِبِّيهَا فَرَجَعَتْ إلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ مَا قَالَ لَهَا فَقُلْنَ: إنَّك لَمْ تَصْنَعِي شَيْئًا فَارْجِعِي إلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ إلَيْهِ فِيهَا أَبَدًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتْ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: إنَّ أَزْوَاجَك أَرْسَلْنَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 شَيْئًا فَارْجِعِي إلَيْهِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ إلَيْهِ فِيهَا أَبَدًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَتْ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: إنَّ أَزْوَاجَك أَرْسَلْنَنِي إلَيْك وَهُنَّ يَنْشُدْنَك الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، قَالَ كَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ تَشْتُمُنِي فَجَعَلْت أَرْقُبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْظُرُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، قَالَ كَذَا، فَشَتَمَتْنِي حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلْتهَا فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَفْحَمْتهَا قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَبْذَلَ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى   Qفِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ تَشْتُمُنِي فَجَعَلْت أَرْقُبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْظُرُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَشَتَمَتْنِي حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ مِنْهَا فَاسْتَقْبَلْتهَا فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَفْحَمْتهَا قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا وَأَكْثَرَ صَدَقَةً وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ وَأَبْذَلَ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ زَيْنَبَ مَا عَدَا سَوْرَةَ مِنْ غَرْبٍ حَدٍّ كَانَ فِيهَا يُوشِكُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ يُرِيدُ جَعْلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ مَكَانَ عُرْوَةَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ: أَنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ زَيْنَبَ مَا عَدَا سَوْرَةَ غَرْبٍ حَدٍّ كَانَ فِيهَا يُوشِكُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ يُرِيدُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ إنَّهُ الصَّوَابُ.   Qمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ يُرِيدُ مَا رَوَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَشُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَيُونُسَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٍ مِنْ الْمَوَالِي عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: «كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنْت فَاطِمَةُ» ، هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ زِيَادَةٍ فَطَوَى الْقِصَّةَ لِتَقَدُّمِهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا فِي الْبُخَارِيِّ مُسْنَدَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِيهِ مُعَلَّقَةٌ كَمَا عَرَفْته وَمَا صَوَّبَهُ النَّسَائِيّ وَافَقَهُ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَتَبِعَهُمَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَبَسَطَ فِيهِ الِاخْتِلَافَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى هَذِهِ أَرْجَحُهَا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالْحِزْبُ الْآخَرُ فِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا حَتَّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْعَطِيَّةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةً فَلْيُهْدِ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إلَيْهَا فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ مَا قَالَ لِي شَيْئًا فَقُلْنَ لَهَا كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَك فَدَارَ إلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إلَّا عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ دُونَ قَوْلِ عَائِشَةَ وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا إلَى آخِرِهِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهَا: اجْتَمَعْنَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَرَدَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالسُّنَّةِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ النَّاسِ بِلُغَةِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وَلَوْ قَالَتْ: أَكَلَنِي لَكَانَ أَفْصَحَ، وَقَدْ تَبَيَّنَّ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ عِنْدِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَدَا حَفْصَةَ وَصَفِيَّةَ وَسَوْدَةَ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ يَنْشُدْنَك هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِضَمِّ الشِّينِ أَيْ يَسْأَلْنَك كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأُخْرَى يُقَالُ: نَشَدْت فُلَانًا إذَا قُلْت لَهُ: نَشَدْتُك اللَّهَ أَيْ سَأَلْتُك اللَّهَ كَأَنَّك ذَكَّرْته إيَّاهُ أَيْ تَذَكَّرَ، وَنِسْبَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَى أَبِي قُحَافَةَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا سَائِغًا إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعُ غَضٍّ مِنْهَا لِنَقْصِ رُتْبَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِيهَا الصِّدِّيقِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي قُحَافَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ يَسْأَلْنَك التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَبِيتِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْقَلْبِ فَكَانَ يُحِبُّ عَائِشَةَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُنَّ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ عَلَى الدَّوَامِ وَالْمُسَاوَاةُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ إيثَارٍ وَحِرْمَانٍ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا الْعَدْلِ فِي كَانَ حَاصِلًا قَطْعًا وَلِهَذَا كَانَ يُطَافُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى ضَعُفَ فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَمْرَضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَذِنَّ لَهُ. (قُلْت) الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وُجُوبُ الْقَسْمِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ الْإِصْطَخْرِيُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَارٍ عَلَيْهِنَّ فَمَنْعُهُنَّ حَقًّا هُوَ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَكِنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ بِمُقْتَضَى الْغَيْرَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُنَّ مِثْلُ مَا كَانَ لِعَائِشَةَ مِنْ إهْدَاءِ النَّاسِ لَهُ إذَا كَانَ فِي بُيُوتِهِنَّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُنَّ طَلَبْنَ مِنْهُ التَّسْوِيَةَ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ؛ وَلِذَلِكَ «قَالَ لِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ -: أَلَسْت تُحِبِّينَ مَنْ أُحِبُّ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَأَحَبِّي هَذِهِ» وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَجِبُ الْعَدْلُ بَيْنَ النِّسَاءِ فِيهِ أَمَّا الْهَدِيَّةُ فَلَا تُطْلَبُ مِنْ الْمُهْدِي فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهَا وَقْتٌ وَأَمَّا الْحُبُّ فَغَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ وَلَا كَسْبِهِ. (قُلْت) مُقْتَضَى الْقِصَّةِ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ عِنْدِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الَّذِي طَلَبْنَهُ مِنْهُ مُسَاوَاتُهُنَّ لِعَائِشَةَ فِي الْإِهْدَاءِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بُيُوتِهِنَّ وَقَدْ صَرَّحَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِذَلِكَ مِرَارًا قَبْلَ حُضُورِ فَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ وَلَمْ يَصْدُرْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ عَنْ اعْتِدَالٍ وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِطَلَبِ الْهَدِيَّةِ وَاسْتِدْعَائِهَا وَذَلِكَ يُنَافِي كَمَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْ أَنْ يَقُولَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ. أَمَّا قَوْلُهُ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ عَلَى سَبِيلِ الِانْبِسَاطِ إلَيْهِ وَتَكْرِيمِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ بَلْ آحَادٌ ذَوِي الْمَوَدَّاتِ يَمْتَنِعُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي جَوَابِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إلَّا عَائِشَةَ» إشَارَةً إلَى أَنَّ تَقْلِيبَ قُلُوبِ النَّاسِ لِلْإِهْدَاءِ فِي نَوْبَةِ عَائِشَةَ أَمْرٌ سَمَاوِيٌّ لَا حِيلَةَ لِي فِيهِ وَلَا صُنْعَ بِدَلِيلِ اخْتِصَاصِهَا بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيَّ وَأَنَا فِي ثَوْبِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُمْكِنُنِي قَطْعُ ذَلِكَ وَلَا أَمْرُ النَّاسِ بِخِلَافِهِ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ دُخُولُ فَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ وَلَا مَا يُسْتَقْبَحُ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ خَاصَّتِهِ وَأَهْلِهِ. (قُلْت) قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانٍ فَلَوْ كُرِهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُخُولُهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَحَجَبَهُمَا أَوْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالَتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. (فَإِنْ قُلْت) فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ النَّهْيِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَلِمْت حَتَّى دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَهِيَ غَضْبَى فَذَكَرْت شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ. (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ أُخْرَى وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحًا. (السَّادِسَةُ) الْمِرْطُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كِسَاءٌ مُعَلَّمٌ يَكُونُ تَارَةً مِنْ خَزٍّ وَتَارَةً مِنْ صُوفٍ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي وَصْفِهِ أَنْ يَكُونَ مُرَبَّعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ سَدَاه مِنْ شَعْرٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا أَيْ لَهُ عَلَمٌ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهَا تُسَامِينِي أَيْ تُعَادِينِي مِنْ قَوْلِهِمْ سَامَهُ خُطَّةَ خَسْفٍ أَيْ كَلَّفَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيُذِلُّهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهَا يَشْتِمُنِي بِكَسْرِ التَّاءِ وَالطَّرْفُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْبَصَرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَشَارَ بِعَيْنِهِ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ لِنَفْسِهَا فَلَمْ يَنْهَهَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا بَدَأَتْهَا بِالْعَتْبِ وَاللَّوْمِ كَانَتْ كَأَنَّهَا ظَالِمَةٌ فَجَازَ لِعَائِشَةَ أَنْ تَنْتَصِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] . (قُلْت) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ النَّهْيِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ فَأَعْرَضْت عَنْهَا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَك فَانْتَصِرِي فَأَقْبَلْت عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتهَا قَدْ يَبِسَتْ رِيقُهَا فِي فِيهَا مَا تَرُدُّ عَلَى شَيْءٍ» وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهَا حَتَّى أَفْحَمْتهَا بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَسْكَتُّهَا، يُقَالُ: أَفْحَمَهُ إذَا أَسْكَتَهُ فِي خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إلَى كَمَالِ فَهْمِهَا وَحُسْنِ نَظَرِهَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَصْلِهَا الْكَرِيمِ الَّذِي نَشَأَتْ عَنْهُ وَاكْتَسَبَتْ الْجَزَالَةَ وَالْبَلَاغَةَ وَالْفَضِيلَةَ مِنْهُ وَطِيبُ الْفُرُوعِ بِطِيبِ عُذُوقِهَا، وَغِذَاؤُهَا مِنْ عُرُوقِهَا كَمَا قَالَ: طِيبُ الْفُرُوعِ مِنْ الْأُصُولِ وَلَمْ يُرَ، فَرْعٌ يَطِيبُ وَأَصْلُهُ الزَّقُّومُ. فَفِيهِ مَدْحُ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. (قُلْت) وَلَعَلَّهُ اسْتَحْسَنَ مِنْهَا كَوْنَهَا لَمْ تَبْدَأْ زَيْنَبُ بِالْكَلَامِ حَتَّى تَكَلَّمَتْ زَيْنَبُ وَزَادَتْ فَصَارَتْ عَائِشَةُ مُنْتَصِرَةً لَا سَبِيلَ عَلَيْهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَلَغَتْ مَا أَرَادَتْ فَكَانَ لَهَا الْعَاقِبَةُ وَالظَّفَرُ بِالْمَقْصُودِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُمَّتَيْ الْمُؤْمِنِينَ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَمَّا زَيْنَبُ فَلِمَا اتَّصَفَتْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ. وَأَمَّا عَائِشَةُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهَا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَصْفِهَا بِمَا تَعْرِفُهُ مِنْهَا وَقَوْلُهَا. (وَأَبْذُلُ لِنَفْسِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبَذْلِ وَهُوَ الْعَطَاءُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الْبِذْلَةِ وَهُوَ الِامْتِهَانُ بِالْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ فَكَانَتْ زَيْنَبُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَعْمَلُ بِيَدِهَا عَمَلَ النِّسَاءِ مِنْ الْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِعَمَلِهِ وَالتَّكَسُّبِ بِهِ، وَكَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ وَتَصِلُ بِهِ ذَوِي رَحِمِهَا وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا بِالْعَمَلِ وَالصَّدَقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَسْرَعُكُنَّ لِحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» ، وَقَوْلُهَا مِنْ زَيْنَبَ وَضَعَتْ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ تَقُولَ مِنْهَا كَمَا قَالَتْ أَوَّلًا وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً خَيْرًا مِنْهَا. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهَا. (مَا عَدَا) مِنْ صِيَغِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ مَعَ مَا، فِعْلٌ يُنْصَبُ مَا بَعْدَهُ وَبِدُونِهَا حَرْفٌ يُخْفَضُ مَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَ (السَّوْرَةِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ هَاءٌ الثَّوَرَانُ وَعَجَلَةُ الْغَضَبِ وَمِنْهُ سَوْرَةُ الشَّرَابِ وَهِيَ قُوَّتُهُ وَحِدَّتُهُ وَ (الْغَرْبُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الْحِدَّةُ وَهِيَ شِدَّةُ الْخُلُقِ وَثَوَرَانُهُ وَمِنْهُ غَرْبُ السَّيْفِ وَهُوَ حَدُّهُ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ، يُقَالُ: فِي لِسَانِهِ غَرْبٌ أَيْ حِدَّةٌ وَالْحَدُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ مِنْ حَدِّ الشَّرَابِ وَهُوَ صَلَابَتُهُ وَحَدُّ الرَّجُلِ وَهُوَ بَأْسُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ غَضَبٌ بَالِغٌ أَقْصَى الْغَايَةِ مِنْ حَدِّ الشَّيْءِ وَهُوَ مُنْتَهَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: " غَرْبٍ " فَإِنَّ الْحِدَّةَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَآخِرُهُ هَاءٌ وَالْحَدُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا هَاءٍ آخِرُهُ مَا يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ النَّزَقِ وَالْغَضَبِ وَكَذَا فِي رِوَايَتِنَا مِنْ غَرْبٍ حَدٍّ بِتَنْوِينِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ سُورَةً مِنْ حَدٍّ لَيْسَ فِيهِمَا لَفْظُ غَرْبٍ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ مِنْ حِدَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْهَاءِ وَقَوْلُهَا يُوشِكُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُسْرِعُ وَقَوْلُهُ الْفَيْئَةَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ الرُّجُوعُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ يُوشِكُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ وَصْفُهَا بِأَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ إلَّا أَنَّ فِيهَا شِدَّةَ خُلُقٍ وَسُرْعَةَ غَضَبٍ تَرْجِعُ عَنْهَا سَرِيعًا وَلَا تُصِرُّ عَلَيْهَا فَهِيَ سَرِيعَةُ الْغَضَبِ سَرِيعَةُ الرِّضَا فَتِلْكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 وَعَنْهَا قَالَتْ. «وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِأَنْظُرَ إلَى لِعْبِهِمْ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ لِلْهَوَى كَذَا فِي سَمَاعِنَا مِنْ الْمُسْنَدِ لِلْهَوَى وَقَالَ الشَّيْخَانِ عَلَى اللَّهْوِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ» ..   Qبِتِلْكَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ صَحَّفَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفًا قَبِيحًا جِدًّا فَقَالَ مَا عَدَا سَوْدَةَ بِالدَّالِ وَجَعَلَهَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَذَا مِنْ فَاحِشِ الْغَلَطِ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ. [حَدِيث وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهَا قَالَتْ «وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِالْحِرَابِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِأَنْظُرَ إلَى لَعِبِهِمْ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ لِلَّهْوِ وَقَالَ الشَّيْخَانِ عَلَى اللَّهْوِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ (تَسْمَعُ اللَّهْوَ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَفِيهِ وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ إلَى لَعِبِهِمْ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ وَفِيهِ حَرِيصَةٌ عَلَى اللَّهْوِ وَذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا سَاقَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُعَلَّقَةَ مُخْتَصَرَةً، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ وَفِيهِ (الْحَرِيصَةُ عَلَى اللَّهْوِ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَفِيهِ «فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْغَرْبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ» خَمْسَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى تَرَكْتهَا اخْتِصَارًا. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْجِهَادِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ: الْمَسْجِدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَوْضُوعٌ لِأَمْرِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَا كَانَ مِنْ الْأَعْمَالِ مِمَّا يَجْمَعُ مَنْفَعَةَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ وَاللَّعِبُ بِالْحِرَابِ مِنْ تَدْرِيبِ الشُّجْعَانِ عَلَى مَعَانِي الْحُرُوبِ وَهِيَ مِنْ الِاشْتِدَادِ لِلْعَدُوِّ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْحَرْبِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ. [فَائِدَة نَظَرِ النِّسَاءِ إلَى لَعِبِ الرِّجَالِ] 1 (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ إلَى لَعِبِ الرِّجَالِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ إيَّاهَا لِتَنْظُرَ إلَى اللَّعِبِ بِالْحِرَابِ لِتَضْبِطَ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ وَتَنْقُلَ تِلْكَ الْحَرَكَاتِ الْمُحْكَمَةِ إلَى بَعْضِ مَنْ يَأْتِي مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَتُعَرِّفَهُمْ بِذَلِكَ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْوِيحِ النَّفْسِ بِالنَّظَرِ إلَى بَعْضِ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ. (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ جَوَازَهُ فَتَنْظُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَ (الثَّانِي) لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ لِلْوَجْهَيْنِ. وَ (الثَّالِثُ) وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِجَمَاعَةِ تَحْرِيمِ نَظَرِهَا لَهُ كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] «وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - احْتَجِبَا عَنْهُ أَيْ عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَتَا: إنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ لَعِبَهُمْ وَحِرَابَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ. وَ (الثَّانِي) لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً قَبْلَ بُلُوغِهَا فَلَمْ تَكُنْ مُكَلَّفَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الصَّغِيرَ الْمُرَاهِقَ لَا يُمْنَعُ النَّظَرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ النَّظَرُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ حَرُمَ قَطْعًا. [فَائِدَة بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ] 1 (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَمُعَاشَرَةِ الْأَهْلِ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ: (مِنْهَا) تَمْكِينُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَائِشَةَ مِنْ النَّظَرِ إلَى هَذَا اللَّهْوِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ عَلَيْهَا بَلْ جَعَلَ الْخِيرَةَ إلَيْهَا فِي قَدْرِ وُقُوفِهَا. (وَمِنْهَا) مُبَاشَرَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سِتْرَهَا بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ وَبِرِدَائِهِ وَمُرَافَقَتُهَا فِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكِلْهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَتْ بِقَوْلِهَا: ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَقُومُ مِنْ أَجْلِي. [فَائِدَة اللَّهْوَ وَالتَّفَرُّجَ وَالنَّظَرَ إلَى اللَّعِبِ] (السَّابِعَةُ) . (إنْ قُلْت) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَوَضَعْت رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا. (قُلْت) لَا تَنَافِي بَيْنَهَا فَإِنَّهَا إذَا وَضَعَتْ رَأْسَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ صَارَتْ بَيْنَ أُذُنِهِ وَعَاتِقِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَتْ فِي ذَلِكَ صَارَ خَدُّهَا عَلَى خَدِّهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ قَارَبَ خَدُّهَا خَدَّهُ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهَا فَاقْدُرُوا هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ التَّقْدِيرِ أَيْ قَدِّرُوا فِي أَنْفُسِكُمْ قَدْرَ رَغْبَةِ مَنْ تَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ حَدَاثَةِ السِّنِّ وَالْحِرْصِ عَلَى اللَّهْوِ وَلَا مَانِعَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إلَى طُولِ مُدَّةِ وُقُوفِهَا لِذَلِكَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تُحِبُّ اللَّهْوَ وَالتَّفَرُّجَ وَالنَّظَرَ إلَى اللَّعِبِ حُبًّا بَلِيغًا وَتَحْرِصُ عَلَى إدَامَتِهِ مَا أَمْكَنَهَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ. وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْعَرِبَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ الْمُشْتَهِيَةُ لِلَّعِبِ الْمُحِبَّةُ لَهُ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ: الْحَرِيصَةُ لِلَّهْوِ، كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا مِنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا حَرِيصَةٌ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهَا مِنْ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ وَلَمْ تَتَّصِفْ بِالْحِرْصِ لِأَجْلِ مَحَبَّةِ الْمَالِ كَمَا يُعْهَدُ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَمَا كَانَ حِرْصُهَا إلَّا كَحِرْصِ الصِّغَارِ عَلَى تَحْصِيلِ مَا تَهْوَى نَفْسُهَا مِنْ النَّظَرِ لِلَّعِبِ، وَفِي الصَّحِيحِ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ وَهُوَ أَظْهَرُ تَوْجِيهًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا " الْحَدِيثَةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ " أَيْ إنَّ حَدَاثَةَ سِنِّهَا مَعَ سَمَاعِ اللَّهْوِ يُوجِبُ مُلَازَمَتَهَا لَهُ فَمَا ظَنُّك بِرُؤْيَةِ اللَّهْوِ الَّتِي هِيَ أَبْلَغُ مِنْ سَمَاعِهِ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهَا فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ (وَاَللَّهِ) فِيهِ الْحَلِفُ لِتَوْكِيدِ الْأَمْرِ وَتَقْوِيَتِهِ وَقَوْلُهَا رَأَيْت بِضَمِّ التَّاءِ وَالْحُجْرَةُ أَرَادَتْ بِهَا مَنْزِلَهَا وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ أَصْلَهَا حَظِيرَةُ الْإِبِلِ وَالْحَبَشَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ وَالشِّينِ وَيُقَالُ فِيهِمْ: حَبَشَ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَقَدْ قَالُوا: الْحَبَشَةَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ عَلَى مِثَالِ فَاعِلٍ فَيَكُونُ مُكَسَّرًا عَلَى فَعَلَةٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وَعَنْهَا قَالَتْ «كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَرْنَ مِنْهُ فَيَأْخُذُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَرُدُّهُنَّ إلَيَّ»   Q [حَدِيث كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَرْنَ مِنْهُ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْهَا قَالَتْ «كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فَيَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَإِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَرْنَ مِنْهُ فَيَأْخُذُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَرُدُّهُنَّ إلَيَّ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَهُوَ اللَّعِبُ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ قَالَ: وَهُنَّ مَخْصُوصَاتٌ مِنْ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَدْرِيبِ النِّسَاءِ فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ بَيْعَهُنَّ وَشِرَاءَهُنَّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ شِرَائِهِنَّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا وَتَنْزِيهِ ذَوِي الْمُرُوآتِ عَنْ تَوَلِّي بَيْعِ ذَلِكَ لَا كَرَاهَةِ اللَّعِبِ، قَالَ: وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصُّوَرِ. انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ مِنْ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ مِثْلُ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ الْخَطَّابِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ هَلْ تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا، وَهُوَ أَرْجَحُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَعَمْ وَفِي اطِّرَادِ مِثْلِ ذَلِكَ هُنَا نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولَ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِهَا مُبَاحًا لِحِرْصِهِ عَلَى دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْبَنَاتُ جَمْعُ بِنْتٍ وَهُنَّ الْجَوَارِي وَأُضِيفَتْ إلَى اللَّعِبِ وَهِيَ جَمْعُ لُعْبَةٍ وَهُوَ مَا تَلْعَبُ بِهِ الْبَنَاتُ؛ لِأَنَّهُنَّ اللَّوَاتِي يَصْنَعْنَهَا وَيَلْعَبْنَ بِهَا قُلْت الْمُرَادُ بِالْبَنَاتِ هُنَا نَفْسُ اللَّعِبِ وَتَسْمِيَتُهُنَّ بِذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ التَّشْبِيهِ الصُّورِيِّ كَتَسْمِيَتِهِ الْمَنْقُوشَ فِي الْحَائِطِ أَسَدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة حُسْنُ خُلُقِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ وَلَطِيفُ مُعَاشَرَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَمَنْ يَزُورُهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ حُسْنُ خُلُقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَطِيفُ مُعَاشَرَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَمَنْ يَزُورُهَا مِنْ صَوَاحِبِهَا بِتَمْكِينِهَا مِنْ ذَلِكَ وَجَمْعِ مَنْ يُسَاعِدُهَا عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ هَذَا إلَّا فِي زَمَانِ الصِّغَرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. [حَدِيث كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ] 1 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَنْهَنَا»   Qالْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ «لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ» وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُطَابِقَةً لِرِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِزِيَادَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَجَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَنْهَنَا» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَسَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، قَالَ: فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَعْزِلُ فَزَعَمَتْ الْيَهُودُ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى فَقَالَ: كَذَبَتْ الْيَهُودُ، إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ» وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ. (الثَّانِيَةُ) الْعَزْلُ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَابِرٌ عَلَى إبَاحَتِهِ بِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحْدِثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا مَعَ إضَافَتِهِ إلَى عَصْرِ الرَّسُولِ مَرْفُوعٌ حُكْمًا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالُوا: إنَّهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالِاحْتِمَالَ مَدْفُوعٌ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَنْهَنَا» فَثَبَتَ بِذَلِكَ اطِّلَاعُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ: إنَّ النِّسَاءَ أَقْسَامٌ: (أَحَدُهُمَا) الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ وَفِيهَا طَرِيقَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ الْجَوَازُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهَا إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَذِنَتْ فَوَجْهَانِ. (الثَّانِي) الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْحُرَّةِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيهَا فَفِي الْأَمَةِ أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ تَحَرُّزًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ. (الثَّالِثُ) الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَحْقُ الْوَلَدِ. (الرَّابِعُ) الْمُسْتَوْلَدَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: رَتَّبَهَا مُرَتِّبُونَ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ الرَّقِيقَةِ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ وَآخَرُونَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَاسِخَةً فِي الْفِرَاشِ وَلِهَذَا لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ، هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَاصِلُهُ الْفَتْوَى بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَغَيَّرَ إذْنُهَا. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَعْزِلُ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا عَنْ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا بِخِلَافِ السَّرَارِي، هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُ عَنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ عَزْلٌ وَفِي دَعْوَى نَفْيِ الْخِلَافِ نَظَرٌ لِمَا قَدْ عَرَفْته مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقَالَ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْته فِي مَذْهَبِنَا. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْ مَمْلُوكَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَجُوزُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يُبَحْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: بَلْ بِإِذْنِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ الْعَزْلُ بِحَالٍ وَقِيلَ: يُبَاحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: لَا يَحِلُّ الْعَزْلُ عَنْ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَّاشَةَ فِي حَدِيثٍ قَالَتْ فِيهِ «وَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَهِيَ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] » وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْعَزْلِ عَنْ الْجَارِيَةِ فَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَيُّوبُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رِوَايَةً ثَانِيَةً وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ: مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يُنْكِرَانِ الْعَزْلَ قَالَ: وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَطَاوُسٍ. انْتَهَى. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ هَؤُلَاءِ فَهِمُوا مِنْ (لَا) النَّهْيَ عَمَّا سُئِلُوا عَنْهُ، وَحَذَفَ بَعْدَ قَوْلِهِ (لَا) فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَعْزِلُوا وَعَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا تَأْكِيدًا لِذَلِكَ النَّهْيِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ هَذَا نَهْيًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَوْ ضَرَرٌ فِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا هِيَ كَائِنَةٌ» وَاسْتَدَلَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَزْلِ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَضَعْهُ فِي حَلَالِهِ وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ وَأَقْرِرْهُ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَمَاتَهُ وَلَك أَجْرٌ» وَأَقْوَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِذَلِكَ حَدِيثُ جُدَامَةَ الْمُتَقَدِّمُ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: هُوَ فَرْدٌ مِنْ حَدِيثِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي زِيَادَةِ الْعَزْلِ فِيهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مَالِكٌ فِي حَدِيثِهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عُورِضَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ قَالُوا: إنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الْعَزْلَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى، قَالَ: كَذَبَتْ الْيَهُودُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُدَامَةَ عَلَى طَرِيقِ التَّنْزِيهِ. انْتَهَى. وَحَمَلَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا حَدِيثَ جُدَامَةَ عَلَى الْعَزْلِ عَنْ الْحَامِلِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُحَذِّرُهُ مِنْ حُصُولِ الْحَمْلِ وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَغْذُوهُ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِهِ أَوْ ضَعْفِهِ فَيَكُونُ وَأْدًا خَفِيًّا، وَسَأَلَ وَالِدِي أَيْضًا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَوْجُهٍ: (مِنْهَا) أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ وَأْدٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَأْدِ الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا بِخِلَافِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحُكْمِ الظَّاهِرِ أَصْلًا فَلَا يُرَتِّبُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: إنَّ الرِّيَاءَ هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ وَإِنَّمَا شُبِّهَ بِالْوَأْدِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَرِيقِ الْوِلَادَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّهَا لَا تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْحَالَاتُ السَّبْعُ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْت أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ إبَاحَةِ الْعَزْلِ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ يُونُسَ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ دَوَاءٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَبَلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا سَبَبٌ لِامْتِنَاعِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَالْعَزْلُ فِيهِ تَرْكٌ لِلسَّبَبِ فَهُوَ كَتَرْكِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَزْلِ مَا إذَا كَانَ يَقْصِدُ التَّحَرُّزَ عَنْ الْوَلَدِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ: حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَذَلِكَ إذَا نَزَعَ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَقَعَ الْمَاءُ خَارِجًا تَحَرُّزًا عَنْ الْوَلَدِ قَالَ: وَأَمَّا إذَا عَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ. انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ فِي الْحُرَّةِ بِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةِ التَّحَرُّزِ عَنْ الْوَلَدِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَدْ أَوْضَحَ قَوْلَهُ " وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " لَوْ كَانَ شَيْئًا يَنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُطْلِعُ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى فِعْلِنَا وَيُنْزِلُ فِي كِتَابِهِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " كُنَّا نَنْتَقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ مَعَ نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَيْبَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ اسْتَدَلَّ جَابِرٌ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ غَرِيبٌ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْلَال بِتَقْرِيرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَرَأَيْت قَصْرًا أَوْ دَارًا فَسَمِعْت فِيهَا صَوْتًا فَقُلْت لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهَا فَذَكَرْت غَيْرَتَك يَا أَبَا حَفْصٍ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ مَرَّةً فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيْك يُغَارُ» قَالَ سُفْيَانُ سَمِعْته مِنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُمَرَ وَسَمِعَا جَابِرًا يُزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ   Qالْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَرَأَيْت قَصْرًا أَوْ دَارًا فَسَمِعْت فِيهَا صَوْتًا فَقُلْت: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهَا فَذَكَرْت غَيْرَتَك يَا أَبَا حَفْصٍ فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ مَرَّةً فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيْك يُغَارُ» قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْته مِنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعُمَرَ وَسَمِعَا جَابِرًا يُزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو وَحْدَهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «رَأَيْتُنِي دَخَلْت الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْت خَشَفَةً فَقُلْت مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلَالٌ وَرَأَيْت قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْت لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ فَأَرَدْت أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إلَيْهِ فَذَكَرْت غَيْرَتَك، فَقَالَ عُمَرُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِ قِصَّةِ عُمَرَ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قِصَّةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الشَّرْحِ بِمَا يُغْنِي عَنْ الْكَلَامِ عَلَيْهَا هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْغَيْرَةِ الَّتِي تَجْرِي فِي مُعَاشَرَةِ الْأَزْوَاجِ كَثِيرًا وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الشَّرْعِ وَأَنَّهَا تُرَاعَى فِي الْجُمْلَةِ وَلَا تُنْكَرُ. وَقَدْ بَوَّبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا بَنُو إسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنِزْ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ» .   Qالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابَ غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ «عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي لَأَعْلَمُ إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْت عَنِّي غَضْبَى، فَقَالَتْ: قُلْت: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَمَّا إذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّك تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وَإِذَا كُنْت عَنِّي غَضْبَى قُلْت: لَا وَرَبِّ إبْرَاهِيمَ قَالَتْ: قُلْت: أَجَلْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إلَّا اسْمَك» وَحَدِيثُهَا أَيْضًا «مَا غِرْت عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا غِرْت عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا، وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» . [حَدِيث لَوْلَا بَنُو إسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنِزْ اللَّحْمُ وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى] 1 (الْحَدِيثُ السَّادِسُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا بَنُو إسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنِزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِيهِ زِيَادَةٌ قَالَ. «لَوْلَا بَنُو إسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثْ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنِزْ اللَّحْمُ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ لَمْ يَخْنِزْ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَآخِرُهُ زَايٌ أَيْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَقَالَ: خَنِزَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا يَخْنِزُ بِهِمَا أَيْضًا أَيْ يَتَغَيَّرُ حَكَى اللُّغَتَيْنِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالنَّوَوِيُّ وَحَكَاهُمَا فِي الْمَاضِي صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ عَلَى الْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَالْفَتْحِ فِي الْمُضَارِعِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى خَزَنَ أَيْضًا وَخَمَّ وَصَلَ وَأَخَمَّ وَأَصَّلَ بِزِيَادَةِ هَمْزَةٍ فِيهِمَا وَنَتُنَ بِالضَّمِّ وَأَنْتَنَ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ يُقَالُ خَنِزَ اللَّحْمُ وَالتَّمْرُ وَالْجَوْزُ فَسَدَ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 بَابُ الْإِحْسَانِ إلَى الْبَنَاتِ) عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ «عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتهَا إيَّاهَا فَأَخَذَتْهَا   Qالْمَنَّ وَالسَّلْوَى نُهُوا عَنْ ادِّخَارِهِمَا فَادَّخَرُوا فَفَسَدَ وَأَنْتَنَ، وَاسْتَمَرَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقِيلَ أَنَّهُ كَانَ يَسْقُطُ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَسُقُوطِ الثَّلْجِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ لِلْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ فَإِنْ قَعَدُوا إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَ فَادَّخَرُوا فَفَسَدَ عَلَيْهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ التَّغَيُّرَ كَانَ قَدِيمًا قَبْلَ وُجُودِ بَنِي إسْرَائِيلَ سَبَبُهُ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ مِمَّا يَحْدُثُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) حَوَّاءُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَمْدُودٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سُمِّيَتْ حَوَّاءُ لِأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيِّ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا وَلَدَتْ لِآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلِّ بَطْنٍ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، وَاخْتَلَفُوا مَتَى خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِهِ فَقِيلَ قَبْلَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ فَدَخَلَاهَا، وَقِيلَ فِي الْجَنَّةِ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ الدَّهْرَ مَنْصُوبٌ أَيْ لَمْ تَخُنْهُ أَبَدًا، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهَا أُمُّ بَنَاتِ آدَمَ فَأَشْبَهْنَهَا، وَنُزِعَ الْعِرْقُ إلَيْهَا لِمَا جَرَى لَهَا فِي قِصَّةِ الشَّجَرَةِ مَعَ إبْلِيسَ فَزَيَّنَ لَهَا أَكْلَ الشَّجَرَةِ فَأَغْرَاهَا فَأَخْبَرَتْ آدَمَ بِالشَّجَرَةِ فَأَكَلَا مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خِيَانَةً فِي فِرَاشٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ لِامْرَأَةِ نَبِيٍّ قَطُّ حَتَّى وَلَا امْرَأَةِ نُوحٍ، وَلَا امْرَأَةِ لُوطٍ الْكَافِرَتَانِ فَإِنَّ خِيَانَةَ الْأُولَى إنَّمَا هُوَ بِإِخْبَارِهَا النَّاسَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَخِيَانَةَ الثَّانِيَةِ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الضَّيْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ. [فَائِدَة عِشْرَةِ النِّسَاءِ] 1 (السَّادِسَةُ) أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ إشَارَةً إلَى التَّسَلِّي فِيمَا يَقَعُ مِنْ النِّسَاءِ بِمَا وَقَعَ لِأُمِّهِنَّ الْكُبْرَى، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِبِلَّاتِهِنَّ وَطَبَائِعِهِنَّ إلَّا أَنَّ مِنْهُنَّ مَنْ تَضْبِطُ نَفْسَهَا، وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَضْبِطُ، وَفِي اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى احْتِمَالِهِنَّ، وَدَوَامِ عِشْرَتِهِنَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِحْسَانِ إلَى الْبَنَاتِ] [حَدِيث مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ] (بَابُ الْإِحْسَانِ إلَى الْبَنَاتِ) عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ «عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 فَشَقَّتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ هِيَ وَابْنَتَاهَا، وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَفِئَةِ ذَلِكَ فَحَدَّثْته حَدِيثَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَكَانَ يَذْكُرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَا كَانَ فِي كِتَابِهِ يَعْنِي الزُّهْرِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِزِيَادَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَيْنَ الزُّهْرِيِّ، وَعُرْوَةَ.   Qشَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتهَا إيَّاهَا فَأَخَذَتْهَا فَشَقَّتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ هِيَ وَابْنَتَاهَا، وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَفِئَةِ ذَلِكَ فَحَدَّثْته حَدِيثَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَكَانَ يَذْكُرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِزِيَادَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بَيْنَ الزُّهْرِيِّ، وَعُرْوَةَ (فِيهِ) . فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ مَسْلَمَةً عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوعِ بِلَفْظِ «فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ» ، وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِتَمَامِهِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِتَمَامِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْت الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ وَأَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ عَلَى تَفِئَةِ ذَلِكَ أَيْ عَلَى أَثَرِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ تَاءُ تَأْنِيثٍ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى عَلَى تَئِفَةِ ذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ عَلَى الْفَاءِ، وَقَدْ تُشَدَّدُ قَالَ: وَالتَّاءُ فِيهِمَا زَائِدَةٌ عَلَى أَنَّهَا تَفْعِلَةٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ لَوْ كَانَتْ تَفْعِلَةً لَكَانَتْ عَلَى وَزْنِ تَهْنِئَةٍ فَهِيَ إذًا لَوْلَا الْقَلْبُ لَكَانَتْ فَعِيلَةً لِأَجْلِ الْإِعْلَالِ، وَلَامُهَا هَمْزَةٌ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَتَيْته عَلَى تَفِئَةِ ذَاكَ أَيْ عَلَى حِينِهِ وَزَمَانِهِ حَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِيهِ الْهَمْزَ وَالْبَدَلَ، وَلَيْسَ عَلَى التَّخْفِيفِ الْقِيَاسِيِّ لِأَنَّهُ قَدْ اُعْتُدَّ بِهِ لُغَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقَالُ عَلَى تَيْئِفَةِ ذَاكَ كَتَفْيِئَةٍ فَعِلَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَتَفْعِلَةٌ عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ، وَعَقَدَ الْجَوْهَرِيُّ مَادَّةَ تَفَأٍّ، وَقَالَ تَفِىءَ تَفْئًا إذَا احْتَدَّ وَغَضِبَ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا سَبَقَ مَأْخُوذًا مِنْ هَذَا فَإِنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى أَثَرِ الشَّيْءِ يَكُونُ فِي حِينِهِ وَفَوْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ اُبْتُلِيَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ اُمْتُحِنَ وَاخْتُبِرَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّمَا سَمَّاهُ ابْتِلَاءً لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ فِي الْعَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58] ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِبَارِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ لِلتَّحْقِيرِ، وَهُوَ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ بِشَيْءٍ يُصَدَّقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ فَالْإِحْسَانُ إلَيْهَا سِتْرٌ مِنْ النَّارِ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ السَّبْقُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الصَّحِيحِ «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى يَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ وَضَمَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» . (السَّادِسَةُ) وَدَخَلَ فِي الْحَدِيثِ مَا إذَا كَانَ الْمُبْتَلَى بِذَلِكَ رَجُلًا، وَمَا إذَا كَانَ امْرَأَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَ الْمُرَبِّي لَهَا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ يَتِيمَةً أَمْ لَا. (السَّابِعَةُ) الْمُرَادُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِنَّ صِيَانَتُهُنَّ، وَالْقِيَامُ بِمَا يُصْلِحُهُنَّ مِنْ نَفَقَةٍ وَكُسْوَةٍ وَغَيْرِهَا، وَالنَّظَرُ فِي أَصْلَحِ الْأَحْوَالِ لَهُنَّ، وَتَعْلِيمُهُنَّ مَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ، وَتَأْدِيبُهُنَّ وَزَجْرُهُنَّ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِنَّ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْإِحْسَانِ، وَإِنْ كَانَ بِنَهْرٍ أَوْ ضَرْبٍ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لِذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهُ فِي ذَلِكَ وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَمِنْ تَمَامِ الْإِحْسَانِ أَنْ لَا يُظْهِرَ بِهِنَّ ضَجَرًا وَلَا قَلَقًا وَلَا كَرَاهَةً، وَلَا اسْتِثْقَالًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَدِّرُ الْإِحْسَانَ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ أَيْ كُنَّ سَبَبًا فِي أَنْ يُبَاعِدَهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ وَيُجِيرَهُ مِنْ دُخُولِهَا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ النَّارَ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَا مَنْزِلَ سِوَاهُمَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ. (التَّاسِعَةُ) إنَّمَا خَصَّ الْبَنَاتَ بِذَلِكَ لِضَعْفِ قُوَّتِهِنَّ وَقِلَّةِ حِيلَتِهِنَّ وَعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِنَّ وَاحْتِيَاجِهِنَّ إلَى التَّحْصِينِ وَزِيَادَةِ كُلْفَتِهِنَّ وَالِاسْتِثْقَالِ بِهِنَّ وَكَرَاهَتِهِنَّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا خَرَجَ عَلَى وَاقِعَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ، وَيَكُونُ الصِّبْيَانُ كَذَلِكَ، وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا وَرَدَ فِي كَافِلِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ الْأُنْثَى، وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهَا ابْنَاهَا فَسَأَلَتْهُ فَأَعْطَاهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَمْرَةٌ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً فَأَكَلَا ثُمَّ نَظَرَا إلَى أُمِّهِمَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ نِصْفَيْنِ، وَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ تَمْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَحِمَهَا اللَّهُ بِرَحْمَةِ ابْنَيْهَا» ، وَفِي إسْنَادِهِ خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ. (الْعَاشِرَةُ) إنَّمَا أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَابَ عَقِبَ عِشْرَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَمُعِينٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِزَوْجَتِهِ وَيُسَيِّئُ عِشْرَتَهَا لِكَثْرَةِ مَا تَلِدُ لَهُ مِنْ الْبَنَاتِ فَيَضُمُّ إلَى تَرْكِ الْإِحْسَانِ لَهُنَّ سُوءَ عِشْرَةِ أُمِّهِنَّ بِسَبَبِهِنَّ فَإِذَا عَلِمَ مَا فِي الْإِحْسَانِ إلَيْهِنَّ مِنْ الثَّوَابِ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهُنَّ، وَأَحْسَنَ إلَى أُمِّهِنَّ تَبَعًا لِإِحْسَانِهِ لَهُنَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُنِيلُ الْإِنْسَانَ الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنْ النَّارِ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّحِيحِ «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» ، وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 بَابُ الْوَلِيمَةِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ» وَفِي أُخْرَى «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ وَزَادَ فِي أُخْرَى فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَزَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ» . ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَلِابْنِ مَاجَهْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ» الْحَدِيثَ.   Q [بَابُ الْوَلِيمَةِ] [حَدِيث إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا] عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ فَإِذَا عُبَيْدُ اللَّهِ يُنْزِلُهُ عَلَى الْعُرْسِ» وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ مَالِكٍ زَادَ «فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ» مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ بِلَفْظِ «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ بِمَعْنَى لَفْظِ أَيُّوبَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ بِلَفْظِ «إنْ دُعِيتُمْ إلَى كُرَاعٍ فَأَجِيبُوا فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ لَهُمْ» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ «أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ الَّتِي دُعِيتُمْ لَهَا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ، وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَهُوَ صَائِمٌ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ بِلَفْظِ «ائْتُوا الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ» ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ طَارِقٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ بِلَفْظِ «مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا» كُلُّهُمْ، وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْوَلِيمَةِ فَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُهَا بِطَعَامِ الْعُرْسِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ، وَابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْأَمْلَاكِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هِيَ كُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِعُرْسٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ النِّكَاحِ، وَقِيلَ طَعَامُ الْأَمْلَاكِ، وَقِيلَ هُوَ طَعَامُ الْعُرْسِ خَاصَّةً. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ تَقَعُ الْوَلِيمَةُ عَلَى كُلِّ دَعْوَةٍ تُتَّخَذُ لِسُرُورٍ حَادِثٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ خِتَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَكِنَّ الْأَشْهَرَ اسْتِعْمَالُهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي النِّكَاحِ، وَتُقَيَّدُ فِي غَيْرِهِ فَيُقَالُ وَلِيمَةُ الْخِتَانِ وَغَيْرِهِ، وَيُقَالُ لِدَعْوَةِ الْخِتَانِ إعْذَارٌ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَلِدَعْوَةِ الْوِلَادَةِ عَقِيقَةٌ، وَلِسَلَامَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْوِلَادَةِ خُرْسٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَقِيلَ الْخُرْسُ طَعَامُ الْوِلَادَةِ، وَلِقُدُومِ الْمُسَافِرِ نَقِيعَةٌ بِالنُّونِ مِنْ النَّقْعِ، وَهُوَ الْغُبَارُ، وَلِإِحْدَاثِ الْبِنَاءِ وَكِيرَةٌ مِنْ الْوَكْرِ، وَهُوَ الْمَأْوَى وَالْمُسْتَقَرُّ، وَلِمَا يُتَّخَذُ لِمُصِيبَةٍ وَضِيمَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَلِمَا يُتَّخَذُ بِلَا سَبَبٍ مَأْدُبَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إلَى الْوَلِيمَةِ وَحُضُورِهَا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي وَلِيمَةِ النِّكَاحِ بِلَا شَكٍّ، وَهَلْ هُوَ أَمْرُ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْإِجَابَةَ إلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَنَقَلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقَاضِي عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْإِجَابَةَ سُنَّةٌ لَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ، وَشَبَّهَهَا فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ غِنَاءٌ، وَنَحْوُهُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ، وَذَلِكَ يُفْهِمُ الْوُجُوبَ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إجَابَتُهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ خَصَّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ إجَابَتَهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ بِمَا إذَا دَعَا الْجَمِيعَ، وَقَالَ لَوْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِالدَّعْوَةِ تَعَيَّنَتْ الْإِجَابَةُ عَلَى الْكُلِّ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ إنَّمَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ أَوْ تُسْتَحَبُّ بِشُرُوطٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَعُمَّ عَشِيرَتَهُ وَجِيرَانَهُ أَوْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ أَغْنِيَاءَهُمْ وَفُقَرَاءَهُمْ دُونَ مَا إذَا خَصَّ الْأَغْنِيَاءَ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَنَحْوُهُ نَحَا ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ (ثَانِيهَا) أَنْ يَخُصَّهُ بِالدَّعْوَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِرْسَالِ شَخْصٍ إلَيْهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ لِيُحْضِرَ مَنْ أَرَادَ أَوْ قَالَ لِشَخْصٍ اُحْضُرْ، وَأَحْضِرْ مَعَك مَنْ شِئْت فَقَالَ لِغَيْرِهِ اُحْضُرْ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَلَا تُسْتَحَبُّ، وَكَذَا اعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ يَدْعُوَ مُعَيَّنًا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ احْتِمَالٍ لَوْ قِيلَ بِخِلَافِهِ انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دُعِيَ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُدْعَ، وَإِنَّمَا مُكِّنَ مِنْ الْحُضُورِ، وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ رَأَيْت أَنْ تَجْمُلَنِي لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ. (ثَالِثُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ إحْضَارُهُ لِخَوْفٍ مِنْهُ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ أَوْ لِتَعَاوُنِهِ عَلَى بَاطِلٍ بَلْ يَكُونُ لِلتَّقَرُّبِ وَالتَّوَدُّدِ. (رَابِعُهَا) أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي لَهُ مُسْلِمًا فَلَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ فَهَلْ هُوَ كَالْمُسْلِمِ أَمْ لَا تَجِبُ قَطْعًا، طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَلَا يَكُونُ الِاسْتِحْبَابُ فِي إجَابَتِهِ كَالِاسْتِحْبَابِ فِي دَعْوَةِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ عَنْ طَعَامِهِ لِنَجَاسَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ الْفَاسِدِ، وَكَذَا اعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ (خَامِسُهَا) أَنْ يُدْعَى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qادَّعَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ يُونُسَ فِي التَّعْجِيزِ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ لِوَصْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الثَّانِي) بِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ، وَاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ، وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ، وَطَعَامُ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ قَالَ وَكِيعٌ. زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَعَ شَرَفِهِ لَا يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «الْوَلِيمَةُ أَوَّلُ يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَالثَّالِثُ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَرَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الثَّانِي أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ أَعْوَرَ مِنْ ثَقِيفٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ (مَعْرُوفٌ) أَيْ يُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا إنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ فَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَلَا يُعْرَفُ لِزُهَيْرٍ صُحْبَةٌ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ، وَلَا زُهَيْرًا، وَأَخْرَجَهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي أَيْضًا ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ هَذَا بِقَوِيٍّ، بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ تَكَلَّمُوا فِيهِ انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت بِمَا بَسَطْنَاهُ ضَعْفَ جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَلَا تُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ» ، وَلَمْ يَخُصَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا غَيْرَهَا قَالَ، وَهَذَا أَصَحُّ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ حَفْصَةَ «أَنَّ سِيرِينَ عَرَّسَ بِالْمَدِينَةِ فَأَوْلَمَ وَدَعَا النَّاسَ سَبْعًا، وَكَانَ فِيمَنْ دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَجَاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ فَدَعَا لَهُمْ بِخَيْرٍ، وَانْصَرَفَ» ، وَأَشَارَ لِذَلِكَ فِي صَحِيحِهِ بِقَوْلِهِ بَابُ الْحَقِّ إجَابَةُ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ، وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ وَلَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا، وَلَا يَوْمَيْنِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قِصَّةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسِيرِينَ هَذِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ كَوْنَهَا أُسْبُوعًا ثُمَّ قَالَ، وَذَلِكَ إذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُكَرِّرْ عَلَيْهِمْ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْعِمْرَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْبَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا تُكْرَهُ الْإِجَابَةُ إذَا كَانَ الْمَدْعُوُّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ هُوَ الْمَدْعُوُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا صَوَّرَهُ الرُّويَانِيَّ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَتْ الْوَلِيمَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَدَعَاهُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَدْعُوَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ لَا تَصْرِيحَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَأَيْت لِلْمَالِكِيَّةِ فِيهِ خِلَافًا، وَاسْتَبْعَدَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ بْنِ النَّقِيبِ مَا قَدَّمْته عَنْ الْبَيَانِ فَإِنَّ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ وَصَفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّيَاءِ فَلَا يُسَاعَدُ عَلَيْهِ. (سَادِسُهَا) أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ إلَى صَاحِبِ الدَّعْوَةِ فَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ زَالَ الْوُجُوبُ، وَارْتَفَعَتْ كَرَاهَةُ التَّخَلُّفِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قِيَاسُ حُقُوقِ الْعِبَادِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَرَدِّ السَّلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الرَّدِّ بِرِضَى الْمُسْلِمِ بِتَرْكِهِ، وَقَدْ يُظْهِرُ الرِّضَى، وَيُورِثُ مَعَ ذَلِكَ وَحْشَةً انْتَهَى فَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَلَّمُ بِانْقِطَاعِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ الْقَاضِي مُجَلِّي فِي الذَّخَائِرِ. (سَابِعُهَا) أَنْ لَا يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ فَإِنْ دَعَاهُ اثْنَانِ أَجَابَ الْأَسْبَقَ فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَجَابَ الْأَقْرَبَ رَحِمًا ثُمَّ دَارًا، وَعَكَسَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَقَدَّمَا قُرْبَ الْجِوَارِ عَلَى قُرْبِ الرَّحِمِ، وَذَكَرَا بَعْدَهُمَا الْقُرْعَةَ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ يُقَدَّمُ أَدْيَنُهُمَا ثُمَّ أَقْرَبُهُمَا رَحِمًا ثُمَّ حِوَارًا ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ، وَإِجَابَةُ الْأَوَّلِ هُوَ امْتِثَالٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الثَّانِي إذَا تَزَاحَمَا فِي الْوَقْتِ لِيُعْذَرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَامِنُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ، وَلَا تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ، وَكَذَا اعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْوُجُوبِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ أَرَاذِلُ، وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إلَى حِكَايَةِ وَجْهٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ لَوْ دَعَا مُحْتَشِمًا مَعَ سُفَهَاءِ الْقَوْمِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ، وَجْهَانِ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ أَلَّا يَكُونَ عَدُوًّا لِلْمَدْعُوِّ، وَلَا يَكُونَ فِي الدَّعْوَةِ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَأَيُّ تَأَذٍّ أَشَدُّ مِنْ مُجَالَسَةِ الْعَدُوِّ. (تَاسِعُهَا) أَلَّا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْمَلَاهِي فَإِنْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنُظِرَ إنْ كَانَ الشَّخْصُ الْمَدْعُوُّ مِمَّنْ إذَا حَضَرَ رُفِعَ الْمُنْكَرُ فَلْيَحْضُرْ إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ، وَلَا يَسْتَمِعَ، وَيُنْكِرَ بِقَلْبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ يُضْرَبُ الْمُنْكَرُ فِي جِوَارِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ، وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعِرَاقِيُّونَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَوْ بَعْضُهُمْ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً، وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اقْتَرَنَتْ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى فَإِنْ كَانَ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ يَخْرُجُ، وَلَا يَقْعُدُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ، وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْحُضُورِ لَا يَحْضُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَجَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ انْتَهَى. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ الْحُضُورُ) لِأَنَّهُ كَالرِّضَى بِالْمُنْكَرِ وَإِقْرَارِهِ، وَبِهِ قَالَ الْمَرَاوِزَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَضَرَ نَهَاهُمْ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلْيَخْرُجْ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْقُعُودِ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ بِأَنْ كَانَ فِي اللَّيْلِ، وَخَافَ فَيَقْعُدُ كَارِهًا، وَلَا يَسْتَمِعُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي جَرَى الْحَنَابِلَةُ قَالُوا فَإِنْ عَلِمَ بِالْمُنْكَرِ، وَلَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَلَهُ الْجُلُوسُ، وَكَذَا اعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَمَّا اللَّهْوُ الْخَفِيفُ مِثْلُ الدُّفِّ فَلَا يَرْجِعُ، وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَرْجِعَ قَالَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا فِيهِ لَعِبٌ ثُمَّ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُقْتَدَى بِهِ وَغَيْرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ امْتِنَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ دُخُولِهِ بَيْتَهُ لَمَّا رَأَى فِيهِ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ (بَابُ هَلْ يَرْجِعُ إذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ) قَالَ، وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ. ، وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبْنَا عَلَيْهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنِّسَاءَ فَقَالَ مَنْ كُنْت أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْك، وَاَللَّهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ. (عَاشِرُهَا) أَنْ لَا يَدْعُوَهُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَمَنْ هُوَ كَذَلِكَ تُكْرَهُ إجَابَتُهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ حَرَامٌ حَرُمَتْ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ، وَغَلَبَ الْحَلَالُ لَمْ يَتَأَكَّدْ الْإِجَابَةَ أَوْ الْحَرَامَ أَوْ الشُّبْهَةَ كُرِهَتْ. (حَادِيَ عَشَرَهَا) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَوْ دَعَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهُ، وَلَا لَهَا، وَلَمْ تَخْلُ بِهِ بَلْ جَلَسَتْ فِي بَيْتٍ، وَبَعَثَتْ بِالطَّعَامِ إلَيْهِ مَعَ خَادِمٍ إلَى بَيْتٍ آخَرَ مِنْ دَارِهَا لَمْ يُجِبْهَا مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَقَرَّهُ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ، وَهُوَ الصَّوَابُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَمَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَضْرَابُهُ يَزُورُونَ رَابِعَة الْعَدَوِيَّةَ، وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهَا فَإِذَا وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مِثْلُ رَابِعَةَ، وَرَجُلٌ مِثْلُ سُفْيَانَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُمَا ذَلِكَ قُلْت أَيْنَ مِثْلُ سُفْيَانَ، وَرَابِعَةَ بَلْ الضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ الْحُضُورُ إلَيْهَا لِأَمْرٍ دِينِيٍّ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ إنْ أَرَادَ الْمَرْوَزِيِّ تَحْرِيمَ الْإِجَابَةِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ عَدَمَ الْوُجُوبِ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ وُجُودِ مَحْرَمٍ لِأَنَّ هُنَا مَانِعًا آخَرَ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ الْعُمُومِ. (ثَانِيَ عَشَرَهَا) أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ إلَّا فِي الْوَلِيمَةِ وَحْدَهَا لِلْحَدِيثِ، وَفِي الْمُوَازَنَةِ أَكْرَهُ أَنْ يُجِيبَ أَحَدًا، وَهُوَ فِي الدَّعْوَةِ خَاصَّةً أَشَدُّ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ، وَلَا يُجِيبُ الْخَاصَّةَ فَإِنْ تَنَزَّهَ عَنْ مِثْلِ هَذَا فَهُوَ أَحْسَنُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ، وَالْعُمُومُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ قَالَ: وَاَلَّذِينَ اسْتَثْنَوْا الْقَاضِيَ فَإِنَّمَا اسْتَثْنَوْهُ لِمُعَارِضٍ قَامَ عِنْدَهُمْ، وَكَأَنَّهُ طَلَبَ صِيَانَتَهُ عَمَّا يَقْتَضِي ابْتِذَالَهُ، وَسُقُوطَ حُرْمَتِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَفِي ذَلِكَ عَوْدُ ضَرَرٍ عَلَى مَقْصُودِ الْقَضَاءِ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْهَيْئَاتِ مُعِينَةٌ عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا رَجَعَ إلَى الْأَمْرِ، وَإِنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ سَبَبِ التَّخْصِيصِ قَدْ لَا يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَنْعِ مَا فِيهِ مِنْ اسْتِمَالَتِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْنَى قَبُولِهِ الْهَدِيَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَالِثَ عَشَرَهَا) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالدَّاعِي مُكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا، وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَالِهِ، وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدُ الْعَبْدِ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْحُرِّ. (رَابِعَ عَشَرَهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ حُرًّا فَلَوْ دَعَا عَبْدًا لَزِمَهُ إنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حُضُورُهُ بِكَسْبِهِ فَإِنْ ضَرَّ، وَأَذِنَ سَيِّدُهُ فَوَجْهَانِ. وَالْمَحْجُورُ فِيمَا إذَا كَانَ مَدْعُوًّا كَالرَّشِيدِ. (خَامِسَ عَشَرَهَا) أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمُرَخَّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَا: وَلَوْ اعْتَذَرَ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَإِنْ مَنَعَا غَيْرَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا. (سَادِسَ عَشَرَهَا) قَالَ شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ السُّبْكِيُّ فِي التَّوْشِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا دَعَاهُ فِي وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ دُونَ مَا إذَا دَعَاهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا قَالَ، وَلَمْ يُرَ فِي صَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَعَيُّنُ وَقْتِهَا فَاسْتَنْبَطَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِ الْبَغَوِيّ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ جَائِزٌ فِي الْعَقْدِ، وَالزِّفَافِ قَبْلُ، وَبَعْدُ قَرِيبًا مِنْهُ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ قَالَ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا بَعْدَ الدُّخُولِ (قُلْت) وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَلَى وَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ «بَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَنِي فَدَعَوْت رِجَالًا» الْحَدِيثَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ فِعْلِهَا فَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِحْبَابُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ اسْتِحْبَابُهَا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَبَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ سَبَقَ أَنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ انْتَهَى. وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِيمَا إذَا عُلِمَتْ الْوَلِيمَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ وَاضِحٌ، وَلَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَلِيمَةَ عُرْسٍ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ دُعِيَ قَبْلَ الْعَقْدِ لِيَحْضُرَ الْعَقْدَ، وَيَأْكُلَ طَعَامًا قَدْ هُيِّئَ هَلْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ أَمْ لَا فِيهِ احْتِمَالٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْقِدْ إلَى الْآنَ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ لِكَوْنِ الْوَلِيمَةِ إنَّمَا تُفْعَلُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ الْإِعْلَامُ بِهَا سَابِقًا، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّا إذَا اسْتَحْبَبْنَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَعُمِلَتْ قَبْلَهُ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهَا وَلِيمَةُ عُرْسٍ، وَإِنْ عَدَلَ بِهَا صَاحِبُهَا عَنْ الْأَفْضَلِ فَهُوَ كَمَنْ أَوْلَمَ بِغَيْرِ شَاةٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا. (سَابِعَ عَشَرَهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا فَلَوْ دَعَا مُسْلِمٌ كَافِرًا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qجَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ أَحْكَامَنَا إلَّا عَنْ تَرَاضٍ فَلَوْ رَضِيَ ذِمِّيَّانِ بِحُكْمِنَا أَخْبَرْنَاهُمَا بِإِيجَابِ الْإِجَابَةِ، وَهَلْ يُخْبَرُ الْمَدْعُوُّ أَمْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ فَهَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَاعْتَبَرَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ زِحَامٌ وَلَا إغْلَاقُ بَابٍ دُونَهُ حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الزِّحَامِ فَقَدْ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا بِخِلَافِهِ، وَقَالَ إنَّ الزِّحَامَ لَيْسَ عُذْرًا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُخْتَلِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ اعْتِبَارِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ فَإِنَّ الزِّحَامَ مِمَّا يُتَأَذَّى بِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ إغْلَاقُ الْبَابِ دُونَهُ فَإِنْ أُرِيدَ اسْتِمْرَارُ إغْلَاقِهِ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ أَصْلًا فَهَذَا وَاضِحٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حُضُورِ الْوَلِيمَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ إغْلَاقُهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى الْأَعْلَامِ، وَالتَّوَسُّلِ فَيُفْتَحُ فَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَلَا يَبْعُدُ عَلَى قَوَاعِدِنَا الْقَوْلُ بِهِ لِمَا فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْأَبْوَابِ مِنْ الذُّلِّ الَّذِي يَصْعُبُ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ احْتِمَالُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ فِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي مِمَّنْ يَجُوزُ هَجْرُهُ، وَالْقَوْلُ بِهِ عِنْدَنَا قَرِيبٌ لِأَنَّ التَّوَدُّدَ بِحُضُورِ الْوَلِيمَةِ أَشَدُّ وَأَبْلَغُ مِنْ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ فَإِذَا لَمْ يُحَيَّ فَحُضُورُ الْوَلِيمَةِ أَوْلَى فَهَذِهِ عِشْرُونَ شَرْطًا. [فَائِدَة الْإِجَابَةِ فِي وَلِيمَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي وَلِيمَةِ غَيْرِ الْعُرْسِ تَمَسُّكًا بِلَفْظِ الْوَلِيمَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ» ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ كَانَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ الْقَاضِي، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِتَبْوِيبِهِ عَلَى رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بَابَ إجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى الْجَزْمِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي بَقِيَّةِ الْوَلَائِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتَّقْيِيدُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِقَوْلِهِ وَلِيمَةُ عُرْسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ إجَابَةَ وَلِيمَةِ غَيْرِ الْعُرْسِ مُبَاحَةٌ لَا تُسْتَحَبُّ، وَلَا تُكْرَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ، وَالْوَلِيمَةُ الَّتِي تُعْرَفُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ، وَكُلُّ دَعْوَةٍ دُعِيَ إلَيْهَا رَجُلٌ، وَاسْمُ الْوَلِيمَةِ يَقَعُ عَلَيْهَا فَلَا أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَبِنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكِهَا كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ (إنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ الْوَلِيمَةَ عَلَى عُرْسٍ، وَلَمْ أَعْلَمْهُ أَوْلَمَ عَلَى غَيْرِهِ) رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ لَمْ نَجِدْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا فِي إجَابَةِ دَعْوَةِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ خَاصَّةً، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي اخْتِصَاصِ وَلِيمَةِ النِّكَاحِ بِالْإِجَابَةِ مَا فِيهِ مِنْ إعْلَانِ النِّكَاحِ، وَالْإِشَادَةِ بِهِ. (السَّادِسَةُ) إذَا عَدَّيْنَا الْإِيجَابَ أَوْ الِاسْتِحْبَابَ إلَى سَائِرِ الْوَلَائِمِ فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ إنَّ الْحَدِيثَ عَامَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَرِهَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ أَنْ يُجِيبُوا كُلَّ مَنْ دَعَاهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى غَيْرِ الْوَلِيمَةِ قَالَ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى غَيْرِ أَسْبَابِ السُّرُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّا يُصْنَعُ تَفَضُّلًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَكُلَّمَا لَزِمَ الْقَاضِي مِنْ النَّزَاهَاتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ بِهِ أَجْمَلُ وَأَوْلَى، وَإِنَّا لَنُحِبُّ هَذَا لِذِي الْمُرُوءَةِ وَالْهُدَى أَنْ لَا يُجِيبَ إلَّا فِي الْوَلِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَخٍ فِي اللَّهِ أَوْ خَاصَّةِ أَهْلِهِ أَوْ ذَوِي قَرَابَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ آخَرُ، وَمُقْتَضَاهُ أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ يَعْنِي اسْتِثْنَاءَ الْقَاضِي قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْإِجَابَةَ وَالْمُرُوءَةُ وَالْفَضْلُ وَالْهُدَى فِي اتِّبَاعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ إذَا تَحَقَّقَتْ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فَقَدْ يُجْعَلُ ذَلِكَ مُخَصَّصًا انْتَهَى. (السَّابِعَةُ) الْعُرْسُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَفِيهَا لُغَةٌ بِالتَّذْكِيرِ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ، وَهِيَ مِهْنَةُ الْبَنَّاءِ وَالْأَمْلَاكِ، وَقِيلَ طَعَامُهُ خَاصَّةً، وَالدَّعْوَةُ هُنَا بِفَتْحِ الدَّالِ. وَأَمَّا دَعْوَةُ النَّسَبِ فَبِكَسْرِهَا هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَعَكْسُهُ تَيْمُ الرِّبَابِ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَقَالُوا الطَّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسَبُ بِالْفَتْحِ (قُلْت) إنَّمَا حَكَى ذَلِكَ صَاحِبَا الصِّحَاحِ، وَالْمُحْكَمِ عَنْ عَدِيِّ الرِّبَابِ لَا عَنْ تَيْمِ الرِّبَابِ، وَذَكَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقُطْرُبٌ فِي مُثَلَّثِهِ أَنَّ دَعْوَةَ الطَّعَامِ بِضَمِّ الدَّالِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَغَلَّطُوهُ فِيهِ [فَائِدَة الْخُرُوجَ مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ لَهُمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلْيُصَلِّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَا الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَعْهُودَةُ، وَالْمُرَادُ الدُّعَاءُ لِأَهْلِ الطَّعَامِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْبَرَكَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ هُنَا الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُهَا، وَتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ لِأَهْلِ الْمَنْزِلِ وَالْحَاضِرِينَ، وَقَدْ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ، وَيُقَالُ يَأْتِي بِالْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ، وَعَقِبَهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ. (التَّاسِعَةُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَدْعُ لَهُمْ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ إنْ كَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا جَازَ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمَنْ جَوَّزَ الْخُرُوجَ مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ جَوَّزَ الْفِطْرَ وَتَرْكَهُ، وَأَمَّا الْأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى الدَّاعِي صَاحِبِ الطَّعَامِ صَوْمُهُ فَالْأَفْضَلُ الْفِطْرُ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ، وَأَطْلَقَ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ اسْتِحْبَابَ الْفِطْرِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الدَّاعِي تَرْكُهُ أَمْ لَا ثُمَّ حَكَى عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ شَقَّ أَوْ أُلِحَّ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ الِاكْتِفَاءُ عِنْدَهُمْ بِالْإِلْحَاحِ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ عَدَمُ الْمَشَقَّةِ بِتَرْكِهِ. (الْعَاشِرَةُ) فِي قَوْلِهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَهُوَ صَائِمٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ لَهُمْ» ، وَبِهِ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَالْمَدْعُوُّونَ كُلُّهُمْ مُكَلَّفُونَ صَائِمُونَ قَالَ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا رُؤْيَةَ طَعَامِهِ، وَالْقُعُودُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ مُشْقٍ فَإِنْ أَرَادَ هَذَا فَلْيَدْعُهُمْ عِنْدَ الْغُرُوبِ قَالَ: وَهَذَا وَاضِحٌ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ إلَى طَعَامٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْطِرِ الْأَكْلُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَكْلُ، وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الصِّيَامِ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَمِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ، وَتَوَقَّفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَوُجُوبُ أَكْلِ الْمُفْطِرِ مُحْتَمَلٌ، وَتَمَسَّكَ الَّذِينَ أَوْجَبُوا بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» . وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَحَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، وَلَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ فَإِنَّهُ أُعْلِمَ لَهُ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا أُعْلِمَ لَهُ عَلَيْهِ فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. (ثَانِيهَا) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ إيجَابُ الْأَكْلِ زَائِدًا عَلَى هَذَا، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا (قُلْت) لَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي إيجَابِ الْأَكْلِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَرِدُ لِلِاسْتِحْبَابِ. وَأَمَّا التَّخْيِيرُ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فَالْأَخْذُ بِهِ، وَتَأْوِيلُ الْأَمْرِ مُتَعَيَّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَالِثُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ مَنْ أَوْجَبَ تَأْوِيلَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَلَى مَنْ كَانَ صَائِمًا (قُلْت) وَأَشَارَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى تَأْيِيدِ هَذَا التَّأْوِيلِ بِأَنَّ ابْنَ مَاجَهْ رَوَى حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا فِي الصَّوْمِ مِنْ نُسْخَتِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ بِلَفْظِ «مَنْ دُعِيَ إلَى طَعَامٍ، وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ رِوَايَةَ ابْنِ جُرَيْجٍ هَذِهِ، وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا بَلْ قَالَ إنَّهَا مِثْلُ الْأُولَى، وَقَدْ عَرَفْت زِيَادَةَ هَذِهِ الْفَائِدَةِ فِيهَا، وَهَذَا الْجَوَابُ أَقْوَى هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْأَكْلِ فَيَحْصُلُ ذَلِكَ، وَلَوْ بِلُقْمَةٍ، وَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَكْلًا، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَنِثَ بِلُقْمَةٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَخَيَّلُ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَنَّ امْتِنَاعَهُ بِشُبْهَةٍ يَعْتَقِدُهَا فِي الطَّعَامِ فَإِذَا أَكَلَ لُقْمَةً زَالَ ذَلِكَ التَّخَيُّلُ، وَحَكَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالتَّخْيِيرِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا النَّاسُ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ   Qالْمَازِرِيُّ، وَجْهًا أَنَّ الْأَكْلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. [فَائِدَة وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ، وَقَالَ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَمَا كَانَتْ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَاجِبَةً وَرَدَّ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَرَدُّهُ وَاجِبٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ [كِتَابُ الطَّلَاقِ وَالتَّخْيِيرِ] [حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ] (بَابُ الطَّلَاقِ وَالتَّخْيِيرِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً» فَعَزْوُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِمُسْلِمٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَاجَعْتهَا، وَحَسِبْت لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتهَا» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ» ..   Qوَحْدَهُ فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ مُسْلِمٌ جَوَّدَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لِأَحَدِهِمْ أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْت امْرَأَتَك مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي بِهَذَا، وَإِنْ كُنْت طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، وَعَصَيْت اللَّهَ فِيمَا أَمَرَك مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك» . وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ أَخَصْرُ مِنْهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قُلْت لِنَافِعٍ مَا صَنَعَتْ التَّطْلِيقَةُ؟ قَالَ وَاحِدَةً اُعْتُدَّ بِهَا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَفِيهِ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ «فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِيهِ «، وَالطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ» . وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي لَفْظٍ «فَيُرَاجِعْهَا وَحَسِبْتُ لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتُهَا» . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ، وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقَةٌ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ، وَهُوَ الْحَقُّ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِيهَا. وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبُو مَعْمَرَ هَذَا مِنْ شُيُوخِهِ فَرِوَايَتُهُ عَنْهُ بِصِيغَةٍ قَالَ مُتَّصِلَةٌ لِثُبُوتِ لُقِيِّهِ لَهُ، وَانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ فِي حَقِّهِ لَا سِيَّمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ اتِّصَالُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ «سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا قُلْت تَحْتَسِبُ، قَالَ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ» . وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ «فَقَالَ لِيُرَاجِعْهَا قُلْت فَتُحْتَسَبُ قَالَ فَمُهُ» . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (قُلْت) «فَاعْتَدَدْت بِتِلْكَ الَّتِي طَلَّقْت، وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ مَالِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كُنْت عَجَزْت وَاسْتَحْمَقْت» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ «فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرَاجِعْهَا فَرَدَّهَا، وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَقَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] » . لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ فَرَدَّهَا عَلَيَّ، لَفْظُ أَبِي دَاوُد فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا، وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْتُطَلِّقْ أَوْ لِتُمْسِكْ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، وَمَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، وَمَعْنَاهُمْ كُلُّهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، وَنَافِعٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ أَوْ أَمْسَكَ» . وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ رِوَايَةِ نَافِعٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ انْتَهَى. وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى لَمْ أَذْكُرْهَا اخْتِصَارًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَيْضًا فِي أَلْفَاظِهِ عَنْ نَافِعٍ. وَرَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ سَوَاءٌ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا مُنْكَرٌ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يَرَهَا عَلَى اسْتِقَامَةٍ أَيْ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا مُسْتَقِيمًا لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ طَلَاقُهُ لَهَا عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا تَامًّا تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ، وَلَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا جَائِزًا فِي السُّنَّةِ مَاضِيًا فِي حُكْمِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ. (الثَّانِيَةُ) هَذِهِ الْمَرْأَةُ قِيلَ اسْمُهَا أُمَيَّةُ بِنْتُ عَقَّارٍ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمُبْهَمَاتِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ» أَيْ لِيَعْرِفَ الْحُكْمَ فِيمَا وَقَعَ، وَفِيمَا يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ حُكْمَ مَا وَقَعَ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِتَغَيُّظِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا تَغَيَّظَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ سُؤَالُ عُمَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا (مِنْهَا) أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا قَبْلَ هَذِهِ النَّازِلَةِ مِثْلَهَا فَأَرَادُوا السُّؤَالَ لِيَعْلَمُوا الْجَوَابَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . وَقَوْلُهُ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقُرْءٍ فَافْتَقَرَ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ، وَالْأَوْسَطُ أَقْوَاهَا انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَتَغَيُّظُهُ إمَّا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِي الْمَنْعَ كَانَ ظَاهِرًا، وَكَانَ مُقْتَضَى الْحَالِ التَّثَبُّتَ فِي الْأَمْرِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْتَضِي الْأَمْرُ الْمُشَاوَرَةَ لِلرَّسُولِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالنَّوَوِيُّ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ تَعَبُّدٌ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ بَلْ مَعْنَاهُ تَضَرُّرُ الْمَرْأَةِ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَرَى الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَطْوِيلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَامِلَةٍ فَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ دَلِيلُهَا، وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الرَّغْبَةِ، وَهُوَ الطُّهْرُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ زَمَنُ النَّفْرَةِ فَلَا يُبَاحُ فِيهِ الطَّلَاقُ، وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ صُوَرًا (إحْدَاهَا) أَنْ يُطَلِّقَهَا بِعِوَضٍ مِنْهَا فَلَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَرَضِيَتْ بِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ فِيهِمَا، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إبَاحَةُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَلَوْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهَا فَفَعَلَتْهُ مُخْتَارَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُ الْخُلْعِ كَالطَّلَاقِ (ثَانِيهَا) إذَا طُولِبَ الْمُولِي بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَ فِي الْحَيْضِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ لِأَنَّهَا طَالَبَتْهُ رَاضِيَةً قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا بِالْإِيذَاءِ إلَى الطَّلَبِ، وَهُوَ غَيْرُ مُلْتَجِئٍ لِلطَّلَاقِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا بِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي الْحَيْضِ، وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، وَيُطَلِّقُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ الْكَفَّارَةِ لَهُ فَيَسْقُطُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ. (ثَالِثُهَا) لَوْ رَأَى الْحَكَمَانِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَا فِي الْحَيْضِ فَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ الشَّرِّ. (رَابِعُهَا) لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك أَوْ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ آخِرِ حَيْضِك فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ سُنِّيٌّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ. وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ فَلَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَصَادَفَ حُدُوثَ الْحَيْضِ عَقِبَ طَلَاقِهِ أَوْ نَجَّزَهُ فِي الْحَيْضِ فَصَادَفَ حُدُوثَ الطُّهْرِ عَقِبَ طَلَاقِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى سُنِّيٌّ، وَمَعَ ذَلِكَ تُسْتَحَبُّ الرَّجْعَةُ لِطُولِ الْعِدَّةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِدْعِيٌّ لَكِنْ لَا تُسْتَحَبُّ الرَّجْعَةُ لِعَدَمِ التَّطْوِيلِ، وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ لِلْبِدْعَةِ حُكْمَيْنِ الْإِثْمَ وَاسْتِحْبَابَ الرَّجْعَةِ فَثَبَتَ هُنَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ، وَهُوَ اسْتِحْبَابُ الرَّجْعَةِ دُونَ الْإِثْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (خَامِسُهَا) لَوْ كَانَتْ الْحَامِلُ تَرَى الدَّمَ، وَقُلْنَا هُوَ حَيْضٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَطَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يُجْزَمْ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ إنَّهُ لَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَآخَرُونَ. (سَادِسُهَا) غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يُعَلِّلُونَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِهِ إنَّ الرَّغْبَةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا صَادِقَةٌ لَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ، وَقَالَ زُفَرُ يَحْرُمُ طَلَاقُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْحَيْضِ كَالْمَدْخُولِ بِهَا، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَحْفَظْ قَوْلَ زُفَرَ ثُمَّ حَكَى عَنْ أَشْهَبَ مِثْلَهُ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا حَائِضًا. (سَابِعُهَا) إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ طَلْقَةً ثَانِيَةً مَسْبُوقَةً بِأُولَى فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ فَهَذِهِ الثَّانِيَةُ حَرَامٌ إنْ قُلْنَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَهُوَ الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ لِعَدَمِ التَّطْوِيلِ فَاسْتِثْنَاءُ هَذِهِ عَلَى ضَعْفٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ النِّفَاسَ كَالْحَيْضِ فِي تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِيهِ إلَّا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ الْقِيَاسِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ أَيْضًا لِاعْتِقَادِهِ دُخُولَ النِّفَاسِ فِي مُسَمَّى الْحَيْضِ، وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْحَيْضِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي النِّفَاسِ، وَهُوَ ذُهُولٌ فَقَدْ قُرِّرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ خِلَافُهُ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَخَابِيلِ مِمَّنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِهِ إنَّ النُّفَسَاءَ لَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ. [فَائِدَة الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَمْ لَا] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِعُمَرَ مُرْهُ» فَأَمَرَهُ بِأَمْرِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي اقْتِضَاءِ ذَلِكَ الطَّلَبِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي أَنَّ لَوَازِمَ صِيغَةِ الْأَمْرِ هَلْ هِيَ لَوَازِمٌ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ أَمْ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُمَا هَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا قُلْت الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِذَلِكَ، وَلَا يُتَّجَهُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ آمِرًا لِابْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَلِّغٌ لَهُ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي بِهَذَا، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، وَمِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْهُ لِيُرَاجِعْهَا، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ «لِيُرَاجِعْهَا» ، وَفِي رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ «فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا» فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَمْرُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ أَمْرِ عُمَرَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُتَّجَهُ هُنَا مَا قَالُوهُ فِي تَمَسُّكِ الْآمِرِ بِالْأَمْرِ بِأَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ مُرْ عُمْرًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ يَبِيعَ هَذِهِ السِّلْعَةَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ الثَّالِثُ قَبْلَ إذْنِ الثَّانِي لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ لَوْ حَضَرَ، وَسَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ وُجُوبُ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى أَمْرِ عُمَرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ» لِأَنَّ الصِّبْيَانَ لَيْسُوا مَحَلًّا لِلتَّكْلِيفِ فَلَا يَأْمُرُهُمْ الشَّارِعُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُمْ الْأَوْلِيَاءُ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّمْرِينِ كَسَائِرِ مَا يُرَبُّونَهُمْ عَلَيْهِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَمْرُ بِمُرَاجَعَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي الْحَيْضِ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِمُرَاجَعَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي الْحَيْضِ، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ سَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ هِيَ وَاجِبَةٌ يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْأَدَبِ فَإِنْ أَبَى ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَلَوْ، وَطِئَهَا بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا حَكَيْته أَوَّلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ، وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ لَكِنْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ قَالَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَرَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَدَفْعًا لِضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ انْتَهَى. وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا، وَلَا يُجْبَرُ إذَا طَلَّقَهَا نُفَسَاءَ، وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً فَلَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ فِيهِ إلَى أَنْ يَقُولَ تَرْكُ الْمُرَاجَعَةِ مَكْرُوهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْكَرَاهَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَلِدَفْعِ الْإِيذَاءِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ خِلَافًا فِي سَبَبِ الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ قِيلَ عُقُوبَةً لَهُ، وَقِيلَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، وَقَالَ الزَّوْجُ فِي طُهْرٍ فَقَالَ سَحْنُونٌ الْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. (السَّادِسَةُ) الْأَمْرُ بِالْمُرَاجَعَةِ صَرِيحٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً، وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَسِبْت لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، وَقَالَ شَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ انْتَهَى. وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا مُخَالِفَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَهْلَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ بَعْضِ الرَّافِضِيِّينَ، وَهُوَ شُذُوذٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ انْتَهَى. وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الشُّذُوذِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَأَجَابَ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمُرَاجَعَةِ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ اجْتَنَبَهَا فَأَمَرَهُ بِرَفْضِ فِرَاقِهَا، وَأَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلُ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ حَمْلُ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى مَدْلُولِهَا اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الرَّدُّ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ حُسِبَتْ عَلَيَّ تَطْلِيقَةً بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الَّذِي حَسِبَهَا تَطْلِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ حَسِبْتهَا فَنَسَبَ الْفِعْلَ إلَى نَفْسِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ حُسِبَتْ فَأَقَامَ الْمَفْعُولَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْمُتَصَرِّفِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلِهِ أُمِرْنَا بِكَذَا، وَنُهِينَا عَنْ كَذَا ثُمَّ تَمَسَّكَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِرِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ. وَعَنْ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا فَكَيْفَ يَتَمَسَّكُ بِرِوَايَةٍ شَاذَّةٍ، وَيَتْرُكُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي هِيَ مِثْلُ الشَّمْسِ فِي الْوُضُوحِ، وَقَوْلُهُ إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ مَرْدُودٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ، وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ تَأْوِيلُهَا بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهَا، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى ضَعْفِهَا، وَتَأْوِيلِهَا فَقَالَ، وَنَافِعٌ أَثْبَتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إذَا خَالَفَهُ، وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الثَّبْتِ فِي الْحَدِيثِ حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ قَالَ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] لَمْ يُخَصِّصْ طَلَاقًا دُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَلَاقٍ قَالَ: وَلَمْ تَكُنْ الْمَعْصِيَةُ إنْ كَانَ عَالِمًا يُطْرَحُ عَنْهُ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَزِيدُ الزَّوْجَ خَيْرًا إنْ لَمْ يُرِدْ شَرًّا، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ، وَحَمَلَ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْسِبْهُ شَيْئًا صَوَابًا غَيْرَ خَطَأٍ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ أَلَّا يُقِيمَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا طَاهِرَةً كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، وَأَخْطَأَ فِي جَوَابٍ أَجَابَهُ، لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا يَعْنِي لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا صَوَابًا انْتَهَى ثُمَّ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَرَدَّهُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَوْجُودٌ ثُمَّ أَخَذَ يَسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ الْخِلَافِ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ إنَّهُ يَحْرُمُ طَلَاقُهَا حَائِضًا، وَقَالَ مُحَالٌ أَنْ يُجِيزَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا يُخْبِرُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَافَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ هُوَ حَرَامٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ نَافِذٌ. وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ يُحَرِّمُهُ وَيُوقِعُهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَهُ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَمَنْ خَالَفَ فَإِنَّا لَا نُطِيقُ خِلَافَهُ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا شَيْءٌ مِمَّا قَالَهُ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ ثُمَّ حَكَى عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا، وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ بِأَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَرَاهُ طَلَاقًا مُبَاحًا ثُمَّ حَكَى عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَالْعَجَبُ مِنْ جَرَاءَةِ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ أَعَاضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا عَنْهُ وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هُنَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فِي الْعِدَّةِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْصُوصًا أَنَّهُ قَالَ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ. [فَائِدَة تَطْلِيقِهَا فِي الطُّهْرِ التَّالِي لِتِلْكَ الْحَيْضَةِ] (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ» يَقْتَضِي مَنْعَ تَطْلِيقِهَا فِي الطُّهْرِ التَّالِي لِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَفِي ذَلِكَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَكَأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَأَدَّى بِهِ الِاسْتِحْبَابُ بِتَمَامِهِ فَأَمَّا أَصْلُ الْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ بِلَا خِلَافٍ لِانْدِفَاعِ ضَرَرِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ قَالَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي هَذَا الطُّهْرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ، وَمَالَ النَّوَوِيُّ إلَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ إنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ شَاذٌّ أَوْ مُؤَوَّلٌ فَلَا يُغْتَرُّ بِظَاهِرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ عَنْ ذَلِكَ الطُّهْرِ التَّالِي لِتِلْكَ الْحَيْضَةِ اسْتِحْبَابٌ، وَكَلَامُ الْحَنَابِلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ فِي الْجَوَازِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الْمُتَعَقِّبِ لَهُ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ، وَعَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ، وَحَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُطَلِّقُهَا فِيهِ بَلْ يُؤَخِّرُ إلَى الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيه، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» ، وَهَكَذَا رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَأَبُو وَائِلٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ نَافِعٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ أَيْضًا عَنْ سَالِمٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ. (الثَّامِنَةُ) الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِإِمْسَاكِهَا فِي الطُّهْرِ التَّالِي لِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِوَطْئِهَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ جِمَاعُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِيَظْهَرَ مَقْصُودُ الرَّجْعَةِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ نَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ فِي دَمِهَا حَائِضٌ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِذَا طَهُرَتْ مَسَّهَا حَتَّى إذَا طَهُرَتْ أُخْرَى فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا» ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اسْتِحْبَابِهِ اكْتِفَاءً بِإِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ. (التَّاسِعَةُ) ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي تَأْخِيرِ الطَّلَاقِ إلَى طُهْرٍ بَعْدَ طُهْرٍ أَيْ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْحَيْضِ أُمُورًا: (أَحَدُهَا) لِئَلَّا تَصِيرَ الرَّجْعَةُ لِغَرَضِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْسِكَهَا زَمَانًا كَانَ يَحِلُّ لَهُ فِيهِ طَلَاقُهَا، وَإِنَّمَا أَمْسَكَهَا لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الرَّجْعَةِ، وَهَذَا جَوَابُ أَصْحَابِنَا، وَ (الثَّانِي) أَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَهُ وَتَوْبَةٌ مِنْ مَعْصِيَتِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِاسْتِدْرَاكِ جِنَايَتِهِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ فَإِنَّهُ عَجَّلَ مَا حَقُّهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْلَ وَقْتِهِ فَمُنِعَ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ، وَصَارَ كَمُسْتَعْجِلِ الْإِرْثِ يَقْتُلُ مُورِثَهُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ مَعَ الْحَيْضِ الَّذِي يَلِيهِ، وَهُوَ الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ كَقُرْءٍ وَاحِدٍ فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ طُهْرٍ لَكَانَ كَمَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ، وَ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ لِيَطُولَ مَقَامُهُ مَعَهَا فَلَعَلَّهُ يُجَامِعُهَا فَيَذْهَبُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ سَبَبِ طَلَاقِهَا فَيُمْسِكَهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَهَذَا أَشْبَهُهَا، وَأَحْسَنُهَا. [فَائِدَة الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» أَيْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا فِيهِ تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَفِيهِ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ لَمْ تَقُلْ الْمَالِكِيَّةُ هُنَا بِإِجْبَارِهِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا قَالُوهُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ، وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ يُجْبَرُ كَالْمَحِيضِ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الرَّجْعَةُ هُنَا أَوْ لَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهَا تَأَكُّدَهُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَعَلَّلَ أَصْحَابُنَا تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ حَمْلُهَا فَيَنْدَمُ، وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إذَا جَامَعَهَا فَتَرَتْ رَغْبَتُهُ عَنْهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ حَاجَتُهُ إلَى الطَّلَاقِ، وَرَأَى الظَّاهِرِيَّةُ، وَمِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ طَلَاقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ نَافِذٌ كَمَا قَالُوهُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ فَطَهُرَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ حَرُمَ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) مَحَلُّ تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا فَإِنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا لَمْ يَحْرُمْ طَلَاقُهَا، وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا «ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَّلَهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ فَقَدْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَلَا يَنْدَمُ، وَعَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ زَمَنَ الْحَمْلِ زَمَنُ الرَّغْبَةِ فِي الْوَطْءِ، وَفِيهَا لِمَكَانِ وَلَدِهِ مِنْهَا فَإِقْدَامُهُ عَلَى الطَّلَاقِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ كَوْنِهِ لَا يُحَرِّمُ طَلَاقَ الْحَامِلِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْهُ لِيُحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا وَوَطِئَهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَطَلَّقَهَا أَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ بِشُبْهَةٍ، وَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِدْعِيًّا لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَقَعُ بَعْدَ قَطْعِ الْحَمْلِ، وَالنَّقَاءِ مِنْ النِّفَاسِ فَلَا تَشْرَعُ عَقِبَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ. [فَائِدَة الطَّلَاقِ بِغَيْرِ سَبَبٍ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) فِي قَوْلِهِ «ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إثْمَ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْكَرَاهَةُ ثُمَّ قَدْ يَجِبُ أَوْ يَحْرُمُ لِعَارِضٍ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا، وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الطَّلَاقِ بِلَا سَبَبٍ مَعَ اسْتِقَامَةِ الْحَالِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَقَدْ عَرَفْت لَهُ صُورَتَيْنِ، وَلَهُ صُورَةٌ ثَالِثَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ فَيَقْسِمُ، وَيُطَلِّقُ وَاحِدَةً قَبْلَ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا. وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَفِي صُورَتَيْنِ (أَحَدُهُمَا) فِي الْحَكَمَيْنِ إذَا بَعَثَهُمَا الْقَاضِي عِنْدَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَرَأَيَا الْمَصْلَحَةَ فِي الطَّلَاقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ، وَ (الثَّانِيَةُ) الْمُولِي إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَطَالَبَتْ الْمَرْأَةُ بِحَقِّهَا فَامْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ قَالُوا، وَيَكُونُ الطَّلَاقُ مَنْدُوبًا، وَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ عَفِيفَةٍ أَوْ خَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَظَهَرَ بِذَلِكَ انْقِسَامُ الطَّلَاقِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ حَرَامٍ، وَمَكْرُوهٍ، وَوَاجِبٍ، وَمَنْدُوبٍ، وَكَذَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ، وَلَا يَكُونُ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ، وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ مُبَاحًا قَالَ وَلَمْ يُصَوِّرْهُ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَا يَهْوَاهَا، وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِالْتِزَامِ مُؤَنِهَا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ غَرَضِ الِاسْتِمْتَاعِ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الطَّلَاقِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ يُبَاحُ الطَّلَاقُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. [فَائِدَة جَمْعِ الطَّلْقَاتِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا بِدْعَةَ فِي جَمْعِ الطَّلْقَاتِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُقَيِّدْ الطَّلَاقَ الَّذِي جَعَلَهُ إلَى خِيرَتِهِ بِعَدَدٍ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ حَزْمٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ كَانَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ عَلَّمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ إيَّاهُ لِأَنَّ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا كَانَ مَا يَكْرَهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَيُحِبُّ لَوْ كَانَ فِيهِ مَكْرُوهٌ أَشْبَهَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ اهـ. وَعَكَسَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالِاسْتِدْلَالَ قَالَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الطَّلْقَةِ الْأُولَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فَتَخْرُجَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إيقَاعُ طَلْقَتَيْنِ فِي فَرْدٍ وَاحِدٍ قَالَ، وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ الْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ طَلَاقِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِئَلَّا تَطُولَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ لَمْ تَكُنْ يَنْفَعُهَا حِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَامِعَهَا فِي الطُّهْرِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْمُرَاجَعَةِ، وَإِذَا جَامَعَهَا لَمْ يَكُنْ أَنْ يُطَلِّقَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ انْتَهَى. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ جَمْعَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ، وَبِهِ قَالَ دَاوُد، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. [فَائِدَة الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» أَيْ فِيهَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِطَلَاقِهِنَّ فِي الْحَيْضِ بَلْ حَرَّمَهُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ هِيَ الْحَيْضُ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ تَعُودُ إلَى الْحَيْضَةِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ، وَإِنَّمَا الْإِشَارَةُ إلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ حَالَةُ الطُّهْرِ أَوْ إلَى الْعِدَّةِ. وَقَالَ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ مَنْ قَالَ بِالْأَطْهَارِ، وَجَعَلَهَا قُرْأَيْنِ، وَبَعْضَ الثَّالِثِ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ، وَنَحْنُ نَشْتَرِطُ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَوَامِلَ فَهِيَ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ، وَلِهَذَا صَارَ الزُّهْرِيُّ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ إلَى أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَامِلَةٍ، وَلَا تَنْقَضِي بِطُهْرَيْنِ، وَبَعْضِ الثَّالِثِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَوْ طَلَّقَهَا، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ يَسِيرَةٌ حَسِبَتْ قُرْءًا، وَيَكْفِيهَا طُهْرَانِ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ الشَّيْئَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، وَمُدَّتُهُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] ، وَالْمُرَادُ يَوْمٌ وَبَعْضُ الثَّانِي. [فَائِدَة الرَّجْعَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى رِضَى الْمَرْأَةِ وَلَا وَلِيِّهَا وَلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى رِضَى الْمَرْأَةِ، وَلَا وَلِيِّهَا، وَلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ] (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقُهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى   Qطَالِقٌ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُطَلِّقٍ لِلسُّنَّةِ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَالَ فَالْمُطَلِّقُ لِلسُّنَّةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مُخَيَّرًا وَقْتَ طَلَاقِهِ بَيْنَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَتَرْكِهِ [حَدِيث أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقُهَا] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك، قَالَتْ، وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى خَمْسَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) رِفَاعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْقُرَظِيّ بِضَمِّ الْقَافِ، وَبِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُوَ ابْنُ سَمَوْأَلٍ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ، وَقِيلَ ابْنُ رِفَاعَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 رِفَاعَةَ، لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك، قَالَتْ، وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟» ..   Qوَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: 51] الْآيَةَ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَامْرَأَتُهُ هَذِهِ اسْمُهَا تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ كَمَا. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَزَوَّجَهَا فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسَّهَا فَطَلَّقَهَا، وَلَمْ يَمَسَّهَا فَأَرَادَ رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَهُوَ زَوْجُهَا الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَهَاهُ عَنْ تَزْوِيجِهَا، وَقَالَ لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» . هَكَذَا أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا لَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَجَلِّ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ هَذَا الشَّأْنَ، وَأَثْبَتِهِمْ فِيهِ قَالَ فَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَتَابَعَ ابْنُ وَهْبٍ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ مُتَّصِلًا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي مُسْنَدِ مَالِكٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ قَالَ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ كُلِّهِمْ عَنْ مَالِكٍ، وَفِيهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَكَذَا رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ مُتَّصِلًا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ انْتَهَى. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ أَنَّهَا تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ بَشْكُوَالَ فِي مُبْهَمَاتِهِ، وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي مُبْهَمَاتِهِ هِيَ أُمَيْمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ تَمِيمَةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ الْقُرَظِيَّةُ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِفَتْحِ الزَّايِ، وَكَسْرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبَاءِ بِلَا خِلَافٍ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَالزُّبَيْرُ هُوَ ابْنُ بَاطَا، وَقِيلَ بَاطَيَا قُرَظِيٌّ قُتِلَ عَلَى يَهُودِيَّتَه فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا (مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ) أَنَّهُ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الْأَوْسِ، وَأَنَّهُ الزُّبَيْرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَلَيْسَ يُجِيدُ. وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَوَّلَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَأَمَّا ابْنُهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقِيلَ هُوَ كَجَدِّهِ بِالْفَتْحِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَحَكَاهُ عَنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَابْنِ وَهْبٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَحُكِيَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْر، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنِ مَا كُولَا أَنَّهُ بِالضَّمِّ كَالْجَدِّ، وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ فَبَتَّ طَلَاقَهَا هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ أَيْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَأَصْلُ الْبَتِّ الْقَطْعُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ، وَفِي رِوَايَةِ لِلنَّسَائِيِّ (فَأَبَتَّ) رُبَاعِيٌّ، وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ، وَحَكَى عَنْ الْأَصْمَعِيِّ إنْكَارَهَا يُقَالُ بَتَّ يَبُتُّ بِالضَّمِّ فِي الْمُضَارِعِ، وَحَكَى فِيهِ الْكَسْرَ أَيْضًا قَالَ فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ شَاذٌّ لِأَنَّ بَابَ الْمُضَاعَفِ إذَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْهُ مَكْسُورًا لَا يَجِيءُ مُتَعَدِّيًا إلَّا أَحْرُفٌ مَعْدُودَةٌ، وَهِيَ بَتَّهُ يَبُتُّهُ وَيَبِتُّهُ، وَعَلَّهُ فِي الشُّرْبِ يَعُلُّهُ وَيَعِلُّهُ، وَتَمَّ الْحَدِيثُ يَتُمُّهُ وَيُتِمُّهُ، وَشَدَّهُ يَشُدُّهُ وَيَشِدُّهُ، وَحَبَّهُ يُحِبُّهُ قَالَ وَهَذِهِ وَحْدَهَا عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ، وَهِيَ الْكَسْرُ قَالَ: وَإِنَّمَا سَهَّلَ تَعَدِّيَ هَذِهِ الْأَحْرُفِ إلَى الْمَفْعُولِ اشْتِرَاكُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ فِيهِنَّ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ تَطْلِيقُهُ إيَّاهَا بِالْبَتَاتِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ بِأَنْ يَكُونَ بِإِرْسَالِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِإِيقَاعِ آخِرِ طَلْقَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِإِحْدَى الْكِنَايَاتِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْنُونَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ عُمُومٌ، وَلَا إشْعَارٌ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ، وَمَنْ احْتَجَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ بِالْحَدِيثِ فَلَمْ يُصِبْ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْبَتِّ، وَالدَّالُّ عَلَى الْمُطْلَقِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ قَيْدَيْهِ بِعَيْنِهِ قُلْت اعْتَبَرَ الشَّيْخُ لَفْظَ الرِّوَايَةِ الَّتِي شَرَحَهَا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي هُنَا صَرِيحَةٌ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَإِنَّ لَفْظَهَا فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهَا لَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَفْظَ الرِّوَايَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ الْمُوَطَّإِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ آخِرَ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِبَيَانٍ انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ صَرِيحُ لَفْظِ الرِّوَايَةِ الَّتِي نَحْنُ فِي شَرْحِهَا، وَاعْتَبَرَ الْقُرْطُبِيُّ لَفْظَةَ فَبَتَّ طَلَاقَهَا، وَقَالَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَيَكُونُ حُجَّةً لِمَالِكٍ عَلَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ آخِرَ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَجَازَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْبَتَاتِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ قَطَعَتْ جَمِيعَ الْعَلَقِ انْتَهَى. وَكُلُّ ذَلِكَ ذُهُولٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ» إلَى آخِرِهِ لَيْسَ فِيهِ حِكَايَةُ لَفْظِهَا، وَلَوْ حَكَاهُ كَمَا هُوَ لَقَالَ إنِّي كُنْت إلَى آخِرِهِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ سَائِغٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تَقُولُ قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْرَمَهُ، وَقُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْرَمَك. (السَّادِسَةُ) (الْهُدْبَةُ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ هِيَ طَرَفُ الثَّوْبِ الَّذِي لَمْ يُنْسَجْ، وَهُوَ مَا يَبْقَى بَعْدَ قَطْعِ الثَّوْبِ مِنْ السَّدَاءِ شُبِّهَ بِهُدْبِ الْعَيْنِ، وَهُوَ شَعْرُ جَفْنِهَا ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهُ الذَّكَرِ بِالْهُدْبَةِ لِصِغَرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِاسْتِرْخَائِهِ، وَعَدَمِ انْتِشَارِهِ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ التَّبَسُّمَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ جَهْرِهَا وَتَصْرِيحِهَا بِهَذَا الَّذِي تَسْتَحِي النِّسَاءُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ أَوْ لِرَغْبَتِهَا فِي زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، وَكَرَاهَةِ الثَّانِي قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ مُدَّعِيَتِهِ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهَا، وَلَا تُوَبَّخُ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ فِي مَعْرِضِ الْمُطَالَبَةِ بِالْحُقُوقِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُنْكِرْ، وَإِنْ كَانَ خَالِدٌ قَدْ حَرَّكَهُ الْإِنْكَارُ وَحَضَّهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ» هَكَذَا رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْهَا إرَادَةَ فِرَاقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِرَادَةَ أَنْ يَكُونَ فِرَاقُهُ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ إلَى رِفَاعَةَ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهَا إنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَتْ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ «لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَفَتْحِ السِّينِ تَصْغِيرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَسَلَةٍ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ شَبَّهَ لَذَّتَهُ بِلَذَّةِ الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ قَالُوا وَأَنَّثَ الْعُسَيْلَةُ لِأَنَّ فِي الْعَسَلِ لُغَتَيْنِ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ، وَقِيلَ أَنَّثَهَا عَلَى إرَادَةِ اللَّذَّةِ، وَقِيلَ أَنَّثَهَا عَلَى إرَادَةِ النُّطْفَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ لَا يُشْتَرَطُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ صُغِّرَتْ الْعَسَلَةُ بِالْهَاءِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَسَلِ التَّأْنِيثُ قَالَ، وَيُقَالُ إنَّمَا أَنَّثَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعَسَلَةُ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الذَّهَبِ ذَهَبَةٌ اهـ. وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّ الْعُسَيْلَةَ الْجِمَاعُ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ لِعُمَرَ أَيْ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِنْزَالُ. (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَيَطَأَهَا ثُمَّ يُفَارِقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي عَلَيْهَا، وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا عَقَدَ الثَّانِي عَلَيْهَا ثُمَّ فَارَقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وَطْءُ الثَّانِي لِقَوْلِهِ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَمُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ، وَلَعَلَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِقَوْلِ سَعِيدٍ فِي هَذَا إلَّا طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنْ تَغْيِيبَ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِهَا كَافٍ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالِ الْمَنِيِّ، وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فَشَرَطَ فِي التَّحْلِيلِ إنْزَالَ الْمَنِيِّ، وَجَعَلَهُ حَقِيقَةَ الْعُسَيْلَةِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ الْإِيلَاجُ مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ وَالْعُسَيْلَةِ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ وَلَوْ وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ يَحِلُّهَا. وَحُكِيَ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَهُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَوِيَّ الِانْتِشَارِ أَوْ ضَعِيفَهُ فَاسْتَعَانَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ أُصْبُعِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتِشَارٌ أَصْلًا لِتَعْنِينٍ أَوْ شَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَحْصُلْ التَّحْلِيلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِهِمْ لِعَدَمِ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ، وَحَصَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ لِحُصُولِ الْوَطْءِ وَأَحْكَامِهِ، وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَيْضًا الِانْتِشَارَ، وَاكْتَفَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِالْوَطْءِ، وَلَوْ مَعَ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ النَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ أَوْ فِيهَا، وَبِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ عِلْمِ الزَّوْجَةِ خَاصَّةً بِالْوَطْءِ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْمُعْتَبَرُ عِلْمُ الزَّوْجِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ ابْنُ الْمُنْذِرِ يَقُولُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ وَاقَعَهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَا تَحُسُّ بِاللَّذَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا لَمْ تَذُقْ الْعُسَيْلَةَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ عَقْلِهَا بِإِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ جُنُونٍ، وَلَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ حِسِّهِ وَمِنْ حِسِّهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَوْ فِي النَّوْمِ مَا تُدْرِكُ بِهِ اللَّذَّةَ أَحَلَّهَا ذَلِكَ، وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ بُلُوغَ الزَّوْجِ. وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَاكْتَفَى الشَّافِعِيَّةُ بِتَأَتِّي الْجِمَاعِ مِنْهُ، وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا، وَلَعَلَّ التَّعْبِيرَيْنِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْمَعْنَى، وَاكْتَفَى الشَّافِعِيَّةُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَمَسَائِلُ التَّحْلِيلِ كَثِيرَةٌ فَلْنَقْتَصِرْ مِنْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. [فَائِدَة شَهَادَةِ الْمُخْتَبِئِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْمُخْتَبِئِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ رَتَّبَ عَلَى سَمَاعِ كَلَامِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ وَرَاءَ حِجَابٍ قَوْلَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَأَجَازَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ، وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ السَّمْعُ شَهَادَةٌ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ لِمَ تُشْهِدُونِي عَلَى شَيْءٍ، وَإِنِّي سَمِعْت كَذَا وَكَذَا، وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ جَوَازُ شَهَادَةِ الْمُخْتَفِي لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَالَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَمَنَعَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ شَهَادَةَ الْمُخْتَفِي إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَخْدُوعًا أَوْ خَائِفًا. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ) أَيْ تَرْفَعُ صَوْتَهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَفِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ (تَهْجُرُ) مِنْ الْهُجْرِ، وَهُوَ الْفُحْشُ مِنْ الْقَوْلِ. [فَائِدَة الْعِنِّينَ لَا نَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا وَلَا نَفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحَ زَوْجَتِهِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعِنِّينَ لَا نَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا، وَلَا نَفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحَ زَوْجَتِهِ إذَا تَبَيَّنَتْ عُنَّتُهُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَضْرِبْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ أَجَلًا عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَكَمُ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُد، وَخَالَفَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ، وَتَوَهُّمُهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لَا أَصْلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ لِأَنَّهَا لِمَ تَأْتِ شَاكِيَةً زَوْجَهَا، وَطَالَبَتْهُ فَسْخَ نِكَاحِهِ بِالْعُنَّةِ فَإِنَّهُ طَلَّقَهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي سُقْنَاهَا مِنْ الْمُوَطَّإِ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ» قَالَ، وَهُوَ حَدِيثٌ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي نَاقِلِيهِ (قُلْت) وَالتَّصْرِيحُ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُصْدِقْهَا عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ كَذَبَتْ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى رِفَاعَةَ. [فَائِدَة إرَادَةَ الْمَرْأَةِ الرُّجُوعَ إلَى زَوْجِهَا لَا يَضُرُّ الْعَاقِدَ عَلَيْهَا] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ «تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إرَادَةَ الْمَرْأَةِ الرُّجُوعَ إلَى زَوْجِهَا لَا يَضُرُّ الْعَاقِدَ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى التَّحْلِيلِ الْمُسْتَحِقِّ صَاحِبُهُ اللَّعْنَةَ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ اشْتِرَاطَ الْوَطْءِ فِي التَّحْلِيلِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ الْعَقْدُ إلَّا فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ مَعًا، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ فِي الْأَيْمَانِ إلَّا بِأَكْمَلِ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ يَقَعُ بِأَقَلِّ شَيْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْأَبِ وَالِابْنِ يَحْصُلُ لِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَوْ طَلَّقَ بَعْضَ امْرَأَتِهِ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ بَعْضِهَا لَزِمَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ بَعْضَ نِكَاحٍ أَوْ عَلَى بَعْضِ امْرَأَةٍ نِكَاحًا لَمْ يَصِحَّ قَالَ، وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَحْصُلُ فِي الرَّبِيبَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ الدُّخُولُ (قُلْت) وَأَلْزَمَ ابْنُ حَزْمٍ الْمَالِكِيَّةَ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ الْحَسَنِ فِي اعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ لِاعْتِبَارِهِمْ فِي التَّحْلِيلِ بِأَكْمَلِ الْأَشْيَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 وَعَنْهَا فَقَالَتْ «لَمَّا نَزَلَتْ {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 29] دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِي فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك قَالَتْ قَدْ عَلِمَ أَبَوَيَّ، وَاَللَّهِ إنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ فَقَرَأَ عَلَيَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] فَقُلْت إلَى هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» ذَكَرَهُ   Q [حَدِيث لَمَّا نَزَلَتْ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْهَا قَالَتْ «لَمَّا نَزَلَتْ {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 29] دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِي فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك قَالَتْ قَدْ عَلِمَ وَاَللَّهِ إنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ فَقَرَأَ عَلَيَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] قُلْت أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ هَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الثِّقَاتِ تَابَعَ مَعْمَرًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُرِيدُ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تَعْلِيقًا فَقَالَ عَقِبَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَسْنَدَهَا ابْنُ مَاجَهْ فَرَوَاهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَلَفْظُهُ «قَدْ اخْتَرْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ، وَكَذَا رَوَاهَا النَّسَائِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الثِّقَاتِ تَابَعَ مَعْمَرًا عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَرَوَاهُ هَكَذَا ابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الثِّقَةِ تَابَعَ مَعْمَرًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُرِيدُ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَلَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مَرْزُوقٍ عَنْهَا «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَكَانَ طَلَاقًا، وَلِلْبُخَارِيِّ فَاخْتَرْنَا اللَّهَ، وَرَسُولَهُ فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا، وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ، وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ فَلَمْ يُعَدَّ طَلَاقًا» .   Qهَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ثِقَةٌ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَمُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ تَعْلِيقًا وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَعْيَنَ عَنْ مَعْمَرٍ، وَكَذَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ أَرْبَعَتِهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ، وَحَدِيثُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنِ عَلِيٍّ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ «ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ مَا فَعَلَتْ» ، وَجَمَعَ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، وَيُونُسَ، وَذَكَرَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِينَ قَالَهُ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَرْنَهُ طَلَاقًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُنَّ اخْتَرْنَهُ. (الثَّانِيَةُ) سَبَبُ نُزُولِ آيَةِ التَّخْيِيرِ فِيمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - طَلَبَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبًا فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ إمَّا عِنْدَ اللَّهِ يُرِدْنَ أَوْ الدُّنْيَا، وَهَذَا مُرْسَلٌ لَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: وَهُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلَاهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ عِنْدَهُ قُلْنَ وَاَللَّهِ مَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] » فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْآيَةِ هَلْ كَانَ بَيْنَ إقَامَتِهِنَّ فِي عِصْمَتِهِ وَفِرَاقِهِنَّ أَوْ بَيْنَ أَنْ يَبْسُطَ لَهُنَّ فِي الدُّنْيَا أَوْ لَا يَبْسُطَ لَهُنَّ فِيهَا فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ عَائِشَةُ وَجَابِرٌ، وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ حَكَى ذَلِكَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَقَالَ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَعَائِشَةُ صَاحِبَةُ الْقَصْدِ، وَهِيَ أَعْرَفُ بِذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] ، وَهُوَ الطَّلَاقُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ إنَّمَا بَدَأَ بِهَا لِفَضِيلَتِهَا (قُلْت) وَإِنْ صَحَّ أَنَّهَا السَّبَبُ فِي نُزُولِ الْآيَةِ فَلَعَلَّ الْبُدَاءَةَ بِهَا لِذَلِكَ [فَائِدَة الْمُبَادَرَةُ إلَى الْخَيْرِ وَإِيثَارُ أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي) مَعْنَاهُ مَا يَضُرُّك أَنْ لَا تَعْجَلِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا هَذَا شَفَقَةً عَلَيْهَا، وَعَلَى أَبَوَيْهَا، وَنَصِيحَةً لَهُنَّ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سِنِّهَا، وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ فَيَجِبَ فِرَاقُهَا فَتَنْضَرَّ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا (قُلْت) وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَسْأَلُك أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِك الَّذِي قُلْت فَقَالَ لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَخْبَرْتهَا إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعْنِتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ لَهَا ذَلِكَ الْكَلَامَ مَحَبَّتُهُ لَهَا، وَكَرَاهَةُ فِرَاقِهَا، وَهُوَ مَنْقَبَةٌ لَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. (الْخَامِسَةُ) فِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ ثُمَّ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - بِاخْتِيَارِهِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْخَيْرِ وَإِيثَارُ أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا. (السَّادِسَةُ) عَدَّ أَصْحَابُنَا مِنْ خَصَائِصِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْيِيرُ نِسَائِهِ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ، وَجْهًا أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ كَانَ مُسْتَحَبًّا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. [فَائِدَة خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْ الطَّلَاق] 1 (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَلَمْ تَقَعْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِهِ فُرْقَةٌ، وَقَدْ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِقَوْلِهَا خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا، وَفِي لَفْظٍ فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَفِي لَفْظٍ فَلَمْ يَعُدَّهُ عَلَيْنَا شَيْئًا، وَفِي لَفْظٍ أَفَكَانَ طَلَاقًا، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ قَوْلَانِ شَاذَّانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَقَعُ بِذَلِكَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ فَسُئِلَ عَنْ الْخِيَارِ فَقَالَ سَأَلَنِي عَنْهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ فَقُلْت إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، فَقَالَ لَيْسَ كَمَا قُلْت إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ مُتَابَعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا وُلِّيتُ وَأَتَيْت فِي الْفُرُوجِ رَجَعْت إلَى مَا كُنْت أَعْرِفُ فَقِيلَ لَهُ رَأْيُك فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك فِي الْفُرْقَةِ فَضَحِكَ، وَقَالَ أَمَّا إنَّهُ أَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ كِلَاهُمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ نَفْسَ التَّخْيِيرِ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ انْتَهَى. وَفِي حِكَايَتِهِمَا عَنْ عَلِيٍّ وُقُوعَ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْهُ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ يَكُونُ زَوْجُهَا أَحَقَّ بِهَا، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ حَكَاهَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ. (الثَّامِنَةُ) الَّذِي صَدَرَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - اخْتِيَارُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لَوْ فُرِضَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاخْتَارَتْ الدُّنْيَا هَلْ كَانَ يَحْصُلُ الْفِرَاقُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَاقِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى، وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ كَانَ جَوَابُهُنَّ مَشْرُوطًا بِالْفَوْرِ أَمْ لَا، وَالْأَصَحُّ لَا، فَإِنْ قُلْنَا بِالْفَوْرِ فَهَلْ كَانَ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ الْمَجْلِسِ أَمْ الْمُعْتَبَرُ مَا يُعَدُّ جَوَابًا فِي الْعُرْفِ؟ ، وَجْهَانِ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ كَانَ قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي صَرِيحًا فِي الْفِرَاقِ أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ، وَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّزَوُّجُ بِهَا بَعْدَ الْفِرَاقِ؟ وَجْهَانِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ مَا اخْتَرْنَهُ، وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا لَا، وَالثَّانِي نَعَمْ، وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ عَقِيبَ اخْتِيَارِهِنَّ، وَلَا يَحْرُمُ إذَا انْفَصَلَ، وَدَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ قَاصِرَةٌ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَالْخَوْضُ فِيهَا قَلِيلُ الْجَدْوَى مَعَ الِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ، وَلَا نَعْلَمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ) الَّذِي دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَلَا عَلَيْهِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ، وَلَا نَدْرِي هَلْ تَكَلَّمَ مَعَهَا بِشَيْءٍ أَمْ لَا، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ قَالَ الشَّخْصُ لِزَوْجَتِهِ اخْتَارِي فَعَدَّهُ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ كِنَايَةً فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ أَمْ تَوْكِيلٌ فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا تَمْلِيكٌ، وَهُوَ الْجَدِيدُ فَعَلَى هَذَا تَطْلِيقُهَا يَتَضَمَّنُ الْقَبُولَ، وَيُشْتَرَطُ مُبَادَرَتُهَا لَهُ فَلَوْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ ثُمَّ طَلُقَتْ لَمْ يَقَعْ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ لَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ مَتَى شَاءَتْ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا فَإِذَا قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك، وَيَرَى تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت، وَنَوَتْ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ، وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي، وَلَمْ يَقُلْ نَفْسَك، وَنَوَى تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ فَقَالَتْ اخْتَرْت فَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَقُولَ اخْتَرْت نَفْسِي، وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا كَلَامِهَا مَا يُشْعِرُ بِالْفِرَاقِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِهِ فَانْصَرَفَ كَلَامُهَا إلَيْهِ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ إذَا قَالَتْ اخْتَرْتُ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْتُ اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي وَنَوَتْ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ، وَتَكُونُ رَجْعِيَّةً إنْ كَانَتْ مَحَلًّا لِلرَّجْعَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ زَوْجِي أَوْ النِّكَاحَ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت الْأَزْوَاجَ أَوْ اخْتَرْت أَبَوَيَّ أَوْ أَخِي أَوْ عَمِّي طَلُقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ سَوَاءٌ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك أَوْ اخْتَارِي فَقَطْ، هَذَا كَلَامُ أَصْحَابِنَا، وَقَسَّمَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ فَالْكِنَايَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ خَيَّرْتُك بَيْنَ أَنْ تَبْقَيْ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ أَوْ تَطْلُقِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَتَقُولُ هِيَ اخْتَرْت الطَّلَاقَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ يُطَلِّقُهَا لَا أَنَّهُ فَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِيمَا لَوْ اخْتَارَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الدُّنْيَا لَا يَحْصُلُ الْفِرَاقُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَاقِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي التَّخْيِيرِ فَقَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ التَّفْوِيضَ إلَى تَوْكِيلٍ وَتَمْلِيكٍ وَتَخْيِيرٍ فَقَالُوا فِي التَّخْيِيرِ، وَهَذَا عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالتَّخْيِيرُ مِثْلُ اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك، وَهُوَ كَالتَّمْلِيكِ إلَّا أَنَّهُ لِلثَّلَاثِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ نَوَيَا أَوْ لَمْ يَنْوِيَا مَا لَمْ يُقَيِّدْ فَيَتَعَيَّنْ مَا قُيِّدَ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَنْتَزِعُهُ الْحَاكِمُ لَهُ مِنْ يَدِهَا مَا لَمْ تُوقِعْهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مَمْنُوعَةٌ، وَقِيلَ يَجُوزُ بِآيَةِ التَّخْيِيرِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ السَّرَاحَ فِيهَا لَا يَقْتَضِي الثَّلَاثَ، وَإِنَّمَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَنْدَمُ، وَلَا يَرْتَجِعُ، وَقِيلَ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقِيلَ رَجْعِيَّةٌ كَالتَّمْلِيكِ، وَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِيمَا زَادَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقَعْ، وَفِي بُطْلَانِ اخْتِيَارِهَا قَوْلَانِ أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتُوقِعُ الثَّلَاثَ، وَلَهُ نِيَّتُهُ، وَيَحْلِفُ، وَإِلَّا وَقَعَتْ أَيْ الثَّلَاثُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ فُرُوعِ ذَلِكَ، وَتَرَكْتُهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ مَعْرِفَةِ أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْته. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ مَلَكَتْهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَلَوْ قَالَ مَكَانَهُ اخْتَارِي اخْتَصَّ بِالْمَجْلِسِ مَا دَامَا فِيهِ، وَلَمْ يَشْتَغِلَا بِمَا يَقْطَعُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَبِأَيِّهِمَا يَلْحَقُ عَلَى وَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَلَفْظُ الْخِيَارِ تَوْكِيلٌ بِكِنَايَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ، وَيَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَبِرَدِّ مَنْ وَكَّلَهُ ثُمَّ قَالَ وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهِ اخْتَارِي فَوْقَ طَلْقَةٍ إلَّا بِنِيَّةِ الزَّوْجِ ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ وَإِذَا نَوَى بِقَوْلِهِ اخْتَارِي طَلَاقَهَا فِي الْحَالِ لَزِمَهُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا، وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ غَيْرِهِ فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَتَنَوَّعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَهِيَ طَالِقٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا قَالَتْ لَا بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، وَتَجُوزُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِكَايَةً عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ حَالَةٍ قَائِمَةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الِانْطِلَاقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي بِتَطْلِيقَةٍ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا الِاخْتِيَارَ لَكِنْ بِتَطْلِيقَةٍ، وَهِيَ مُعْقِبَةٌ لِلرَّجْعَةِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا حَكَيْتُ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ فِي التَّخْيِيرِ فِيمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْبَابُ عَنْ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّبْوِيبِ، وَإِنَّمَا حَكَيْتُ عِبَارَةَ هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفِينَ لِتَبَايُنِ مَذَاهِبِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فِي تَفَارِيعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا عَرَفْتَهُ، وَاقْتَصَرْتُ عَلَى الْمُهِمِّ مِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَذْكُرْ الْخِلَافَ الْعَالِيَ اخْتِصَارًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْخَطَّابِيَّ قَالَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ نَعُدَّ ذَلِكَ شَيْئًا، فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُنَّ لَوْ كُنَّ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَلِذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الْخِيَارِ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى النُّطْقِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 بَابُ اللِّعَانِ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْأَنْصَارِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَرَّقَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي عَجْلَانَ، وَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَأَبَيَا فَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ فَذَكَرَهَا ثَلَاثًا، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ مَالِي قَالَ لَا مَالَ لَكَ إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ تَسْمِيَتُهُ بِعُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ» ..   Qالطَّلَاقِ سِوَى الْخِيَارِ يُقْتَبَسُ ذَلِكَ مِنْ مَفْهُومِ لَفْظِهَا انْتَهَى قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا جَرَى فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَمِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ الطَّلَاقَ [بَابُ اللِّعَانِ] [حَدِيث أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا] (بَابُ اللِّعَانِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ) وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأُمِّ، وَحَكَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ فِيهِ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ أَوْ بِالْأُمِّ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ حَسْبُك بِمَالِكٍ حِفْظًا وَإِتْقَانًا، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إنَّ مَالِكًا أَثْبَتُ فِي نَافِعٍ، وَابْنِ شِهَابٍ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَإِنَّ فِيهِ «فَكَانَ الْوَلَدُ يُدْعَى لِأُمِّهِ» وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ انْفِرَادَ مَالِكٍ بِذَلِكَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثَ مِنْ الْمُوَطَّإِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيِّ بِلَفْظِ وَانْتَقَلَ مِنْ وَلَدِهَا قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ قَالَ: وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ فِيهِ (انْتَفَى، وَلَا انْتَقَلَ) ثُمَّ رَوَاهُ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ قَوْمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْمُوَطَّإِ، وَلَا نَعْرِفُهُ مِنْ مَذْهَبِهِ ثُمَّ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ مُهَجِّعٍ خَالِ مُسَدِّدٍ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ سَوَّارٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَامْرَأَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ قَذَفَهَا، وَأَحْلَفَهُمَا» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا» ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي عَجْلَانَ، وَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَأَبَيَا فَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا فَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «قَالَهَا ثَلَاثًا» ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ مَالِي قَالَ لَا مَالَ لَكَ إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَك» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (إنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ) قَدْ عَرَفْت أَنَّ. فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّهُ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَبَنُو الْعَجْلَانِ مِنْ بَلِيٍّ. وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَنْصَارِ بِالْحِلْفِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ: وَلَهُمَا أَيْ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ تَسْمِيَتُهُ بِعُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ عُوَيْمِرٌ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ هُوَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ جَزَمَ الشَّيْخُ، وَقَبْلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَالْقُرْطُبِيُّ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ (قُلْت) كَلَامُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُبْهَمِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَلَمَّا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَرَّقَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي عَجْلَانَ تَعَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيُّ لَا هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ قَدْ لَاعَنَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ أَنْكَرَ مُلَاعَنَةَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ النَّاسُ هُوَ وَهْمٌ مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَعَلَيْهِ دَارَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ فَبَيَّنَ فِيهِ الصَّوَابَ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخُو الْمُهَلَّبِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ، وَالصَّحِيحُ عُوَيْمِرٌ، وَنَحْوًا مِنْهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ إنَّمَا هُوَ عُوَيْمِرٌ، وَهُوَ الَّذِي قَذَفَهَا بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ فِي الْمُلَاعِنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عُوَيْمِرٌ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ. وَحُكِيَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَظْهَرُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ عُوَيْمِرٌ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ، وَكُنْت أَنْكَرْت عَلَى النَّوَوِيِّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ لِلْجَزْمِ بِأَنَّ هِلَالًا لَاعَنَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ، وَكَتَبْت ذَلِكَ فِي الْمُبْهَمَاتِ قَبْلَ أَنْ أَرَى هَذَا الْإِنْكَارَ لَكِنْ فِي حِكَايَةِ قَوْلٍ بِأَنَّهُ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ نَظَرٌ فَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ عَاصِمًا لَاعَنَ زَوْجَتَهُ بَلْ لَمْ نَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. وَقَدْ أَنْكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَوْلَهُ إنَّ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ دَارَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ فَرَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عِشَاءً فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا فَرَأَى بِعَيْنِهِ، وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ يَهْجُهُ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ عَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ نُزُولَ الْآيَةِ وَقِصَّةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللِّعَانِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَطْوَلَ مِنْهُ قَالَ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَتَابَعَهُمَا أَيْضًا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ: وَقَوْلُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ الْقَاسِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ يُوهِمُ أَنَّ الْقَاسِمَ سَمَّى الْمُلَاعِنَ عُوَيْمِرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَبْهَمَهُ لَمْ يُسَمِّ عُوَيْمِرًا، وَلَا هِلَالًا، وَإِنَّمَا قَالَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ أَيْ مِنْ قَوْمِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ. وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِعُوَيْمِرٍ قَالَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْعَجْلَانِيُّ، وَامْرَأَتِهِ وَالْعَجْلَانِيُّ هُوَ عُوَيْمِرٌ كَمَا ثَبَتَ مُسَمًّى مَنْسُوبًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كُنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذْ قَالَ رَجُلٌ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَلَأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ اللِّعَانِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» الْحَدِيثَ قَالَ وَالِدِي، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ فَقَدْ بُيِّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الَّذِي سَأَلَ أَوَّلًا غَيْرُ الَّذِي قَذَفَ ثَانِيًا، وَأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَ الثَّانِي، وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ (قُلْت) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وُقُوعُ اللِّعَانِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُقْتَضَى صِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي مُبْهَمَاتِهِ أَنَّ الْمُلَاعِنَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ هُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ سَهْلٍ الْحَارِثُ الْعَجْلَانِيُّ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَلَمْ يُبَيَّنْ الْمُبْهَمُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ عُوَيْمِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ مِنْ أَنَّ عُوَيْمِرًا هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ يَنْبَغِي النَّظَرُ فِيهِ فَإِنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ تَسْمِيَتَهُ عُوَيْمِرَ بْنَ أَشْقَرَ الْعَجْلَانِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ الْعَجْلَانِيُّ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ اللِّعَانِ، وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ عُوَيْمِرَ بْنَ الْأَشْقَرِ بْنَ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيَّ قِيلَ إنَّهُ مِنْ بَنِي مَازِنَ شَهِدَ بَدْرًا يُعَدُّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ الْمُلَاعِنُ فَحَصَلَ فِي اسْمِ وَالِدِ عُوَيْمِرٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْحَارِثُ أَشْقَرُ أَبْيَضُ، وَالْأَوْسَطُ هُوَ الْأَوْلَى لِوُرُودِ الرِّوَايَةِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد كَمَا ذَكَرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي مُبْهَمَاتِهِ اسْمُ امْرَأَةِ هِلَالٍ الْمَقْذُوفَةِ خَوْلَةُ بِنْتُ عَاصِمٍ لَهَا ذِكْرٌ، وَلَيْسَتْ لَهَا رِوَايَةٌ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ هُوَ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُوَيْمِرٍ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ، وَفِي صَاحِبَتِكَ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالٍ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي قَالَ الْأَكْثَرُونَ قَضِيَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَسْبَقُ مِنْ قَضِيَّةِ الْعَجْلَانِيُّ قَالَ: وَالنَّقْلُ فِيهِمَا مُشْتَبِهٌ مُخْتَلِفٌ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ قِصَّةُ هِلَالٍ تُبَيِّنُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ أَوَّلًا قَالَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُوَيْمِرٍ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِيك، وَفِي صَاحِبَتِكَ فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا، وَسَبَقَ هِلَالٌ بِاللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَا وَذَاكَ، وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ انْتَهَى. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فَقَالَ لَعَلَّهُمَا اتَّفَقَا كَوْنَهُمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مِيقَاتَيْنِ، وَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَرَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَا نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ إلَّا لِكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّتَانِ مُتَقَارِبَتَيْ الزَّمَانِ فَنَزَلَتْ بِسَبَبِهِمَا مَعًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ أَيْ كُرِّرَ نُزُولُهَا عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَتَكَرَّرَ نُزُولُهَا بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ، وَإِنْ بَعُدَتْ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَطْرُقَ الْوَهْمُ لِلرُّوَاةِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ انْتَهَى. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّ نُزُولَهَا بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ [فَائِدَة أَلْفَاظ اللِّعَانِ] 1 (الْخَامِسَةُ) اللِّعَانُ هُوَ الْكَلِمَاتُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي يُلَقَّنُهَا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ عِنْدَ قَذْفِهِ إيَّاهَا، وَهِيَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. وَقَوْلُ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْزِيلُ، وَسُمِّيَ لِعَانًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ، وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ عَلَى لَفْظِ الْغَضَبِ، وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَفِي صُورَةِ اللِّعَانِ لِأَنَّ لَفْظَ اللَّعْنَةِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَلِأَنَّ جَانِبَ الرَّجُلِ فِيهِ أَقْوَى مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِاللِّعَانِ دُونَهَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَنْفَكُّ لِعَانُهُ عَنْ لِعَانِهَا، وَلَا يَنْعَكِسُ، وَقِيلَ سُمِّيَ لِعَانًا مِنْ اللَّعْنِ، وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَبْعُدُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ وَغَيْرِهِ، وَاللِّعَانُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَمِينٌ، وَقِيلَ شَهَادَةٌ، وَقِيلَ يَمِينٌ فِيهَا شَوْبُ شَهَادَةٍ، وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَيْمَانِ شَيْءٌ مُتَعَدِّدٌ إلَّا اللِّعَانَ، وَالْقَسَامَةَ، وَلَا يَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إلَّا فِيهِمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ، وَجُوِّزَ اللِّعَانُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَدَفْعِ الْمَعَرَّةِ عَنْ الْأَزْوَاجِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ اللِّعَانِ فِي الْجُمْلَةِ قَالُوا وَكَانَتْ قِصَّةُ اللِّعَانِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَمِمَّنْ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ. [فَائِدَة لِعَانِ الْحَامِلِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ] 1 (السَّادِسَةُ) تَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَكَانَتْ حَامِلًا أَنَّ قَوْلَهُ هُنَا (وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا) أَرَادَ بِهِ الْحَمْلَ الَّذِي لَمْ تَضَعْهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرَ «قَالَ حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ وَامْرَأَتِهِ، وَأَنْكَرَ حَمْلَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا، وَقَالَ هُوَ لِابْنِ سَحْمَاءَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاتِ امْرَأَتَك فَقَدْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِيكُمَا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ» ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ لِعَانِ الْحَامِلِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَانُ الْحَامِلِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِدَفْعِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَ الْقَذْفِ فَإِنْ كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ حَامِلًا لَمْ يَنْتَفِ الْحَمْلُ قَالَ الْحَنَابِلَةُ إلَّا أَنْ يَصِفَ زِنًا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُهُ كَمَنْ ادَّعَى زِنَاهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، وَاعْتَزَلَهَا حَتَّى ظَهَرَ حَمْلُهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا لِذَلِكَ ثُمَّ وَضَعَتْهُ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ مِنْ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ، وَاعْتَلَّ هَؤُلَاءِ فِي إنْكَارِ نَفْيِ الْحَمْلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَفَ وُجُودَ الْحَمْلِ بِالْوَحْيِ، وَفِيهِ نَظَرٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا يُرَتِّبُ الْأَحْكَامَ عَلَى الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهَا الْحُكَّامُ بَعْدَهُ، وَقَدْ رُتِّبَ عَلَى الْحَمْلِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ كَإِبِلِ الدِّيَةِ إذْ قَالَ فِيهَا «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» ، وَطَلَاقِ الْحَامِلِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» ، وَتَأْخِيرِ رَجْمِ الْحَامِلِ فِي نَظَائِرَ عَدِيدَةٍ كَإِيجَابِ النَّفَقَةِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالنَّهْيِ عَنْ وَطْئِهَا فِي السَّبْيِ. (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ سَبَبٌ لِلِّعَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنْ لِلِّعَانِ سَبَبَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَذْفُ الزَّوْجَةِ بِالزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ، وَ (الثَّانِي) نَفْيُ الْوَلَدِ، وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَذْفٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ ذِكْرُ قَذْفٍ لَكِنْ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرَّوِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ] (الثَّامِنَةُ) اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّفْرِيقِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَلَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَحْرِيمٌ مُؤَبَّدٌ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حُصُولُ الْفُرْقَةِ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَفْرِيقٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ لِعَانِهِ هُوَ وَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنْ هِيَ، وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا مَعًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ قَالُوا: وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ إنْشَاءَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بَلْ إظْهَارَ ذَلِكَ، وَبَيَانَ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ (لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا) رَاجِعًا إلَى الْمَالِ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ» قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ ذَلِكُمْ عَنْ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَك عَلَيْهَا، وَقَالَ كَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْفِرَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحُكْمٍ فَقَدْ نُفِّذَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ الْحَاكِمِ الْأَعْظَمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ ذَلِكُمْ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَوْ أَشَارَ إلَى الطَّلَاقِ لَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ بِحُكْمِ الْقُرْآنِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ، وَقَضَى أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا، وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي حَدِيثِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قَالَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَا مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ قَرِيبُ الْمُدْرَكِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَاتِلِ السَّلْبَ، وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ هُوَ يَقِفُ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى إذْنِ الْإِمَامِ، وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ» تَنْفِيلًا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» إذْنًا حُكْمِيًّا يُحْتَاجُ مَعَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى إذْنِ خَلِيفَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا أَذِنَ هُوَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا جُعِلَ تَفْرِيقُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُنَا بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ حَتَّى يُحْتَاجَ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ إلَى تَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَالْجُمْهُورُ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بَيَانًا لِلشَّرْعِ الْعَامِّ الْمُطَّرِدِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِي قَوْلِهِ لَا أَثَرَ لِلِّعَانِ فِي الْفُرْقَةِ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ فِرَاقٌ أَصْلًا، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَحَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَيُقَابِلُهُ فِي الْبُعْدِ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْقَذْفِ بِغَيْرِ لِعَانٍ. (التَّاسِعَةُ) نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ قَالَ سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَيْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَخْطَأَ لَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ لَمْ يُتَابِعْ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنْ صَحَّ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَهْمٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ ابْنِ مَعِينٍ عَلَى حَدِيثِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلٍ فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَعِينٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا أَيْ مُطْلَقًا، وَهُوَ خَطَأٌ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ اللِّعَانَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. [فَائِدَة مِيرَاث الْمُلَاعِنِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ (وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ نَفَى عَنْهُ نَسَبَ الْأَبِ، وَأَبْقَى عَلَيْهِ الْأُمَّ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ يُتَخَيَّلُ مِنْ انْتِفَاءِ نَسَبِ الْأَبِ انْتِفَاءُ نَسَبِ الْأُمِّ أَيْضًا، وَقِيلَ جَعَلَهَا لَهُ أَبًا وَأُمًّا، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ فَلَمْ يُورِثُوا الْأُمَّ مِنْهُ إلَّا مَا كَانَتْ تَرِثُهُ مِنْهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ، وَهُوَ السُّدُسُ فِي حَالَةٍ، وَالثُّلُثُ فِي أُخْرَى، وَوَرَّثُوا إخْوَتَهُ لِأُمِّهِ مِنْهُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ السُّدُسُ، وَلِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَهَا، وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، وَالذَّاهِبُونَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ أُمَّهُ تَحُوزُ جَمِيعَ مِيرَاثِهِ فَإِنَّهَا عَصَبَةٌ، وَبِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَطَائِفَةٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. (الثَّانِي) أَنَّ عَصَبَتَهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ قَالَ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ. (الثَّالِثُ) أَنَّ مِيرَاثَهُ لِأُمِّهِ، وَلِإِخْوَتِهِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُو فَرْضٍ بِحَالٍ فَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ صَادِرَةٌ عَنْ مَنْ يُوَرِّثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورِ. [فَائِدَة لَفْظَةَ أَحَدٍ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النَّفْيِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشَرَ) قَوْلُهُ «وَقَالَ: وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنْ اللِّعَانِ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْكَاذِبَ التَّوْبَةُ قَالَ: وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا قَالَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ تَحْذِيرًا لَهُمَا مِنْهُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْلَى بِسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ النُّحَاةِ إنَّ لَفْظَةَ أَحَدٍ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النَّفْيِ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْوَصْفِ، وَلَا تَقَعُ مَوْقِعَ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا نَفْيٍ، وَوَقَعَتْ مَوْقِعَ وَاحِدٍ، وَقَدْ أَجَازَهُ الْمُبَرِّدُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] قَالَ النَّوَوِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَكَاذِبَيْنِ لَا يُعَاقَبُ وَاحِدٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْهُمَا، وَإِنْ عَلِمْنَا كَذِبَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ [فَائِدَة لَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ] وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لِمَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ كَفَّارَةً، وَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْبَيَانِ (قُلْت) وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْحَانِثَ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَقَدْ حَصَلَ الْبَيَانُ بِأَنَّهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة ثُبُوتِ مَهْرِ الْمُلَاعَنَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) (فَأَبَيَا) أَيْ أَبَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْكَذِبِ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الدَّاوُدِيِّ فَإِنَّ فِيهَا بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُمَا هَذَا الْكَلَامَ ثَلَاثًا، وَإِبَائِهِمَا (فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) . (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (مَالِي) أَيْ طَلَبَ الْمَهْرَ الَّذِي أَصْدَقَهَا إيَّاهُ فَأَجَابَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِالْمَهْرِ سَوَاءٌ صَدَقَ أَمْ كَذَبَ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ، وَاسْتَوْفَى مَا قُوبِلَ بِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ، وَلَوْ مَرَّةً، وَإِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ ظَلَمَهَا فِي عِرْضِهَا فَكَيْفَ يَجْمَعُ إلَى ذَلِكَ ظُلْمَهَا فِي مَالِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْرَارِ (الْمَهْرِ) بِالدُّخُولِ، وَعَلَى ثُبُوتِ مَهْرِ الْمُلَاعَنَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالْمَسْأَلَتَانِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا، وَفِيهِ أَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ، وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ مَهْرُهَا، أَمَّا لَوْ تَلَاعَنَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ، وَحَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَيْسَ هَذَا شَيْءٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَحَكَاهُ الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ الْمَذْهَبِ (قُلْت) وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ سُقُوطَ جَمِيعِ الْمَهْرِ بِالْفَسْخِ قَبْلَ الْمَسِيسِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ لَهَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَلَيْهَا النِّصْفَ انْتَهَى. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَتَانِ فِي التَّنْصِيفِ وَالسُّقُوطِ، وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو الزِّنَادِ لَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ إذْ لَيْسَ بِطَلَاقٍ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ. قَالَ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ حُمْرٌ، قَالَ فِيهَا أَوْرَقُ؟ قَالَ إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ أَنَّى أَتَاهُ ذَلِكَ؟ قَالَ عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ قَالَ: وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ» .   Q [حَدِيث جَاءَ رَجُل مِنْ بَنِي فَزَارَة إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِن امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَد] الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ قَالَ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا أَوْرَقُ؟ قَالَ إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: أَنَّى أَتَاهُ ذَلِكَ؟ قَالَ عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ: وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، وَفِيهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ تَعَرَّضَ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، وَفِيهِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَفِي آخِرِهِ «فَمِنْ أَجْلِ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْ وَلَدٍ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهُ رَأَى فَاحِشَةً» خَمْسَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَهُوَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْته، وَفِيهِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَلَمْ يَسُقْ أَبُو دَاوُد بَقِيَّةَ لَفْظِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا قَالَ: وَقِيلَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ قِيلَ عَنْ التابلتي عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ يُونُسَ، وَقَالَ لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ، وَالْمَحْفُوظُ حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ» هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَبِالزَّايِ، وَبَعْدَ الْأَلْفِ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ ضَمْضَمُ بْنُ قَتَادَةَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَشْكُوَالَ، وَابْنُ طَاهِرٍ قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنْيِ عِجْلٍ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ» تَعْرِيضٌ بِنَفْيِهِ لِمُخَالَفَةِ لَوْنِهِ لِلَوْنِهِ [إذْ] هُوَ كَانَ أَبْيَضَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِنَفْيِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَإِنِّي أَنْكَرْته فَمَعْنَاهُ اسْتَنْكَرْت بِقَلْبِي أَنْ يَكُونَ مِنِّي، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لَيْسَ نَفْيًا. (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى وُجُوبِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ إذَا كَانَ مَفْهُومًا، وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لَطِيفٌ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْعَيْبَ، وَكَانَ عَلَى جِهَةِ الشَّكْوَى أَوْ الِاسْتِفْتَاءِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بَعْدَ ذِكْرِهِ إنَّ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّعْرِيضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لَا يُوجِبُ حَدًّا كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ الْحَدِّ أَوْ التَّعْزِيرِ عَنْ الْمُسْتَفْتِينَ. (الْخَامِسَةُ) الْأَوْرَقُ هُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ لَيْسَ بِحَالِكٍ بَلْ يَمِيلُ إلَى الْغَبَرَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّمَادِ أَوْرَقُ، وَلِلْحَمَامَةِ وَرْقَاءُ، وَالْجَمْعُ وُرْقٌ بِضَمِّ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ كَأَحْمَرَ وَحُمْرٌ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ (أَنَّى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ مِمَّنْ أَتَاهُ هَذَا اللَّوْنُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلَوْنِ أَبَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِرْقِ هُنَا الْأَصْلُ مِنْ النَّسَبِ تَشْبِيهًا بِعِرْقِ الشَّجَرَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ مُعَرَّقٌ فِي النَّسَبِ وَالْحَسَبِ، وَفِي اللُّؤْمِ وَالْكَرَمِ، وَمَعْنَى نَزَعَهُ أَشْبَهَهُ وَاجْتَذَبَهُ إلَيْهِ وَأَظْهَرَ لَوْنَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَيْهِ، وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ فَكَأَنَّهُ جَذَبَهُ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ يُقَالُ مِنْهُ نَزَعَ الْوَلَدُ لِأَبِيهِ، وَإِلَى أَبِيهِ، وَنَزَعَهُ أَبُوهُ إلَيْهِ. [فَائِدَة ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَتَشْبِيهُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ] 1 (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ، وَتَشْبِيهُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ لِأَنَّ هَذَا السَّائِلَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا فِي الْآدَمِيِّينَ فَشَبَّهَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَعْرِفُهُ هُوَ، وَيَأْلَفُهُ، وَلَا يُنْكِرُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسٍ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَبَّهَ هَذَا الرَّجُلَ الْمُخَالِفَ لِلَوْنِهِ بِوَلَدِ الْإِبِلِ الْمُخَالِفِ لِأَلْوَانِهَا، وَذَكَرَ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ، وَهِيَ نُزُوعُ الْعِرْقِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ، وَاَلَّذِي حَصَلَتْ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ هُوَ التَّشْبِيهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ انْتَهَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ. [فَائِدَة الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ وَإِنْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَهُ] 1 (الثَّامِنَةُ) وَفِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ، وَإِنْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَبْيَضَ، وَالْوَلَدُ أَسْوَدَ، وَعَكْسُهُ لَحِقَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّوْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ أَبْيَضَيْنِ فَجَاءَ الْوَلَدُ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ مِنْ أَحَدِ أَسْلَافِهِ، وَقَدْ جَزَمَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْأُدْمَةِ وَالسُّمْرَةِ وَالشُّقْرَةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْبَيَاضِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بِالْبَيَاضِ، وَالسَّوَادِ فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ بِذَلِكَ، وَأَطْلَقَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةُ الزِّنَا حَرُمَ النَّفْيُ، وَإِنْ انْضَمَّتْ أَوْ كَانَ مُتَّهِمَهَا بِرَجُلٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ عَلَى لَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَفِيهِ، وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَصَاحِبَيْ الْحَاوِي، وَالْعُدَّةِ وَالنَّوَوِيِّ تَحْرِيمُ النَّفْيِ أَيْضًا، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا جَوَازُهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَيْ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ أَبْيَضَيْنِ فَجَاءَ الْوَلَدُ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسُهُ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (قُلْت) إنْ كَانَ هَذَا الْوَجْهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ قَرِينَةُ الزِّنَا فَلَمْ يَحْكِهِ هُوَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ نَعَمْ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ انْضِمَامِهَا فَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ غَلَطٌ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ النَّفْيُ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَالْخِلَافُ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهُوَ عَكْسُ التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. (التَّاسِعَةُ) فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لِلْأَنْسَابِ، وَإِثْبَاتُهَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 بَابُ لِحَاقِ النَّسَبِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لِأَخِيهِ سَعْدٍ تَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ جَارِيَةِ زَمْعَةَ ابْنِي، قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَأَى سَعْدٌ الْغُلَامَ فَعَرَفَهُ بِالشَّبَهِ فَاحْتَضَنَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ أَخِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَجَاءَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ بَلْ هُوَ أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ جَارِيَتِهِ فَانْطَلَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، قَالَتْ   Qبِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ، وَالْإِمْكَانِ. (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ الزَّجْرُ عَنْ تَحْقِيقِ ظَنِّ السُّوءِ. [فَائِدَة الْحَوَادِثَ لَا بُدَّ لَهَا أَنْ تَسْتَنِدَ إلَى أَوَّلٍ لَيْسَ بِحَادِثٍ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ التَّسَلْسُلِ الْعَقْلِيِّ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ لَا بُدَّ لَهَا أَنْ تَسْتَنِدَ إلَى أَوَّلٍ لَيْسَ بِحَادِثٍ كَمَا يُعْرَفُ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامِيَّةِ. [فَائِدَة قَوْلَهُ لَيْسَ مِنِّي لَيْسَ قَذْفًا لِأُمِّهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ إنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ مِنِّي لَيْسَ قَذْفًا لِأُمِّهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ مِنْ زَوْجٍ مُتَقَدِّمٍ (قُلْت) لَمْ يَصْدُرْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا عَرَّضَ بِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. [بَابُ لِحَاقِ النَّسَبِ] [حَدِيث الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ] بَابُ لِحَاقِ النَّسَبِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لِأَخِيهِ سَعْدٍ تَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ جَارِيَةِ زَمْعَةَ ابْنِي قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَأْي سَعْدٌ الْغُلَامَ فَعَرَفَهُ بِالشَّبَهِ فَاحْتَضَنَهُ إلَيْهِ، وَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَجَاءَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ بَلْ هُوَ أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ جَارِيَتِهِ فَانْطَلَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 عَائِشَةُ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَهًا لَمْ يَرَ النَّاسُ شَبَهًا أَبْيَنَ مِنْهُ بِعُتْبَةَ، فَقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ جَارِيَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَوَاَللَّهِ مَا رَآهَا حَتَّى مَاتَتْ» زَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَزَادَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بَعْدَ قَوْلِهِ، «وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ فَلَيْسَ لَك بِأَخٍ» ، وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَاهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» ..   Qشَبَهًا لَمْ يَرَ النَّاسُ شَبَهًا أَبْيَنَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ هُوَ أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ جَارِيَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَوَاَللَّهِ مَا رَآهَا حَتَّى مَاتَتْ» . الْحَدِيثُ الثَّانِي، وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَاهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَفِيهِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ زُهَيْرٌ كَمَا هُنَا عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ عَمْرٌو ثَنَا سُفْيَانُ مَرَّةً عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَمَرَّةً عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَرَّةً عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الِاخْتِلَافَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ مِنْ أَوْجُهِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا يَعْنِي عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (تَعَلَّمْ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ اعْلَمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ تَعَلَّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا ... فَبَالِغِ بِلَفْظٍ فِي التَّحَيُّلِ وَالْمَكْرِ وَهَذَا الِابْنُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَمْعَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا أَيْضًا. (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْتِنُونَ الْوَلَائِدَ، وَيَضْرِبُونَ عَلَيْهِنَّ الضَّرَائِبَ فَيَكْتَسِبْنَ بِالْفُجُورِ، وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِمْ إلْحَاقُ النَّسَبِ بِالزُّنَاةِ إذَا ادَّعَوْا الْوَلَدَ كَهُوَ فِي النِّكَاحِ، وَكَانَتْ لِزَمْعَةَ أَمَةٌ كَانَ يُلِمُّ بِهَا، وَكَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا ضَرِيبَةٌ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهَلَكَ عُتْبَةُ كَافِرًا لَمْ يُسْلِمْ فَعَهِدَ إلَى سَعْدٍ أَخِيهِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ الْحَمْلَ الَّذِي بِأَمَةِ زَمْعَةَ، وَكَانَ لِزَمْعَةَ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدٌ فَخَاصَمَ سَعْدٌ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ فِي الْغُلَامِ الَّذِي وَلَدَتْهُ الْأَمَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَقَالَ سَعْدٌ هُوَ ابْنُ أَخِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ بَلْ هُوَ أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْإِسْلَامِ، قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَبَطَلَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فَمَنْ اعْتَرَفَتْ الْأُمُّ أَنَّهُ لَهُ أَلْحَقُوهُ بِهِ، وَقَالَ: وَلَمْ يَكُنْ حَصَلَ إلْحَاقُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إمَّا لِعَدَمِ الدَّعْوَى، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْأُمِّ لَمْ تَعْتَرِفْ بِهِ لِعُتْبَةَ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ فَمَنْ أَلْحَقَتْهُ الْمَزْنِيُّ بِهَا الْتَحَقَ بِهِ، وَمَنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ الزُّنَاةِ بِهَا الْتَحَقَ بِهِ إذَا لَمْ يُنَازِعْهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ: وَكَأَنَّ عَبْدًا قَدْ سَمِعَ أَنَّ الشَّرْعَ يُلْحِقُ بِالْفِرَاشِ، وَإِلَّا فَلَمْ تَكُنْ عَادَتُهُمْ الْإِلْحَاقَ بِهِ. [فَائِدَة الِاسْتِلْحَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَبِ بَلْ يَجُوزُ مِنْ الْأَخِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَبِ بَلْ يَجُوزُ مِنْ الْأَخِ لِأَنَّ الْمُسْتَلْحِقَ هُنَا أَخُو الْمُسْتَلْحِقِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ لَكِنْ بِشُرُوطٍ: (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ حَائِزًا لِلْإِرْثِ أَوْ يَسْتَلْحِقُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ (ثَانِيهَا) أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُ الْمُسْتَلْحَقِ وَلَدًا لِلْمَيِّتِ (ثَالِثُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ (رَابِعُهَا) أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَإِنْ قِيلَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ بَلْ عَبْدٌ فَقَطْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِزَمْعَةَ يَوْمَ مَاتَ، وَارِثٌ غَيْرُ عَبْدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَقَدْ لَا يُنْكَرُ أَيْضًا إنْ ثَبَتَ أَنَّ سَوْدَةَ وَارِثَةٌ أَنْ تَكُونَ وَكَّلَتْ أَخَاهَا فِي الدَّعْوَى أَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ تَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا تَأْوِيلَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ سَوْدَةَ اسْتَلْحَقَتْهُ أَيْضًا، وَ (الثَّانِي) أَنَّ زَمْعَةَ مَاتَ كَافِرًا فَلَمْ تَرِثْهُ سَوْدَةُ لِكَوْنِهَا مُسْلِمَةً وَوَرِثَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ انْتَهَى. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ إلَى اخْتِصَاصِ الِاسْتِلْحَاقِ بِالْأَبِ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْأُخُوَّةِ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ وَطْءَ زَمْعَةَ تِلْكَ الْأَمَةِ بِطَرِيقٍ اعْتَمَدَهَا مِنْ اعْتِرَافٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحَكَمَ بِذَلِكَ لَا بِاسْتِلْحَاقِ الْأَخِ، وَ (الثَّانِي) إنَّ حُكْمَهُ بِهِ لَهُ لَمْ يَكُنْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِلْحَاقِ بَلْ بِالْفِرَاشِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَهَذَا تَقْعِيدُ قَاعِدَةٍ فَإِنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ إلْحَاقُ هَذَا الْوَلَدِ بِالزَّانِي لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُلْحَقَ بِصَاحِبِ الْفِرَاشِ إذْ قَدْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ، وَقَالَ إنَّ الثَّانِيَ أَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ (قُلْت) هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ فَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إلْحَاقَ هَذَا الْوَلَدِ بِزَمْعَةَ لِلْفِرَاشِ الَّذِي قَدْ عُلِمَ بِثُبُوتِ الْوَطْءِ لَا بِاسْتِلْحَاقِ الْأَخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْأَمَةُ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ أَنَّ الْأَمَةَ تَكُونُ فِرَاشًا، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ مِلْكِهَا فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ فَإِذَا اعْتَرَفَ سَيِّدُهَا بِوَطْئِهَا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَأَنْ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِذَا أَتَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ بِوَلَدٍ أَوْ أَوْلَادٍ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ لَحِقُوهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ كَالزَّوْجَةِ إلَّا أَنَّ تِلْكَ فِرَاشٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَالْأَمَةُ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَةَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ خَاصَّةً فَجُعِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَالْوَطْءِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَتُرَادُ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَأَنْوَاعٍ مِنْ الْمَنَافِعِ غَيْرَ الْوَطْءِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ أُخْتَيْنِ، وَأُمًّا، وَبِنْتَهَا، وَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ تَصِرْ بِنَفْسِ الْمِلْكِ فِرَاشًا حَتَّى يَطَأَهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا، وَاسْتَلْحَقَهُ فَمَا تَأَتَّى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَلْحَقُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ، وَاعْتَبَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اعْتِرَافَهُ بِوَطْئِهَا فِي كُلِّ وَلَدٍ تَأْتِي بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَهَلْ يَلْحَقُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ: وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوَّلًا فَاسْتَلْحَقَهُ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا بَعْدَهُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَقِيلَ يَلْحَقُهُ اهـ. وَهَذَا غَيْرُ الْمَذْهَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَإِنَّهُ اكْتَفَى بِالِاعْتِرَافِ بِالْوَطْءِ أَوَّلًا عَنْ الِاسْتِلْحَاقِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِاسْتِلْحَاقِ وَلَدٍ فِي لِحَاقِ مَا بَعْدَهُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِلْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِزَمْعَةَ وَلَدٌ آخَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ قَبْلَ هَذَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ زَمْعَةَ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ مَصِيرُ أَمَةِ أَبِيهِ فِرَاشًا لِزَمْعَةَ فَلِهَذَا أَلْحَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ أَنَّ بَعْضَ الْمَشْرِقِيِّينَ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انْتَفَى مِنْ وَلَدِ جَارِيَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ أَقَرَّتْ بِالْمَكْرُوهِ. وَأَمَّا زَيْدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَعَرَفَا أَنْ لَيْسَ مِنْهُمَا فَحَلَالٌ لَهُمَا، وَكَذَلِكَ لِزَوْجِ الْحُرَّةِ إذَا عَلَّمَ أَنَّهَا حَبِلَتْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ زِنًا أَنْ يَدْفَعَ وَلَدَهَا، وَلَا يُلْحِقُ بِنَسَبِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ أَحَدَكُمْ لَا يُقِرُّ بِإِصَابَتِهِ جَارِيَتَهُ إلَّا أَلْحَقَتْ بِهِ الْوَلَدَ مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا لِصَاحِبٍ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ (قُلْت) الِانْتِفَاءُ مِنْ الْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى لِحَاقِ نَسَبِهِ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى النَّفْيِ فَفِعْلُ زَيْدٌ وَابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقٌ لَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَنَعَ مِنْ صَيْرُورَةِ الْأَمَةِ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ، وَقَالَ لَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ، وَحَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَأَخْرَجَ الْأَمَةَ عَنْ عُمُومِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ هَذَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَهِيَ الْأَمَةُ الْمَوْطُوءَةُ. قَالَ الْإِمَامُ فَتَوَهَّمَ الْوَاقِفُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ الْعُمُومِ قَطْعًا، وَالْأَمَةُ هِيَ السَّبَبُ فِي وُرُودِ الْعُمُومِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا اهـ. وَمِمَّنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ، وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ فَنَقَلُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ (الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ) وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامُ، وَقَالَ مَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَة الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ] (السَّادِسَةُ) فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ فِي الزَّوْجَةِ أَيْضًا أَخْذًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ فَلَوْ نَكَحَ مَشْرِقِيٌّ مَغْرِبِيَّةً، وَلَمْ يُفَارِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَطَنَهُ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَلْحَقْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَا لَكِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا لَمْ يَلْحَقْهُ أَيْضًا. هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِمْكَانَ بَلْ اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَ عَقِبَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ وَطْءٍ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي إطْلَاقِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ حُصُولُ الْإِمْكَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْفِرَاشُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ الْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّ الْوَاطِئَ يَسْتَفْرِشُهَا أَيْ يُصَيِّرُهَا كَالْفِرَاشِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ قَالَ الْإِمَامُ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْمِلُونَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَاحِبُ الْفِرَاشِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطُوا إمْكَانَ الْوَطْءِ فِي الْحُرَّةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ جَرِيرٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشُهَا ... خَلِقَ الْعَبَاءَةِ فِي الدِّمَاءِ قَتِيلًا يَعْنِي زَوْجَهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاشْتِقَاقِ، وَلِأَنَّ مَا قَدَّرَهُ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَا مَا يُحْوِجُ إلَيْهِ، انْتَهَى. وَفِيهِ تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ التَّقْدِيرَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ قَالَ، وَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِإِطْلَاقِ جَرِيرٍ الْفِرَاشَ عَلَى الزَّوْجِ وَرَدَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ الِاشْتِقَاقَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّقْدِيرِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ مَعَ التَّقْدِيرِ لَا مُخَالَفَةَ فِي الِاشْتِقَاقِ، وَالْحَقُّ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ مِنْ تَقْدِيرِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ بُرُوزُ هَذَا الْمُضَافِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَقْصُودُهُمْ مِنْ اللِّحَاقِ بِلَا إمْكَانٍ لِخُرُوجِهِ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْلَا قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِمْكَانِ لَحَصَلَ مَقْصُودُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ الْمُضَافُ الْمَذْكُورُ فَفِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) مَا ذَكَرْته مِنْ التَّنَاقُضِ. (ثَانِيهَا) كَوْنُهُ رُدَّ تَقْدِيرًا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قَدَّرَهُ كَذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ. (ثَالِثُهَا) مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِمْ مَعَ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ لَا مَعَ تَقْدِيرِهِ. (رَابِعُهَا) كَيْفَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْجُمْهُورِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْفِرَاشِ هُوَ الْمَوْطُوءُ لِأَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْمَوْطُوءَةِ، وَلَيْسَ هَذَا الْمُرَادَ قَطْعًا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ. (خَامِسُهَا) الْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْفِرَاشَ هُوَ الْمَوْطُوءَةُ ثُمَّ قَالَ، وَيَعْنِي أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِالْوَاطِئِ فَكَيْفَ حُمِلَ لَفْظٌ لِلْفِرَاشِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ ثُمَّ جُعِلَ الْحُكْمُ اللِّحَاقَ بِالْوَاطِئِ، وَهَلْ يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلُهُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ أَيْ تَابِعٌ لِلْفِرَاشِ أَوْ مَحْكُومٌ بِهِ لِلْفِرَاشِ أَوْ مَا يُقَارِبُ هَذَا. (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ حُكْمَ الشُّبْهَةِ، وَحُكْمَ الْقَافَةِ إنَّمَا يُعْتَمَدُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْوَى مِنْهُ كَالْفِرَاشِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَلْحَقَ بِالْفِرَاشِ مَعَ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الشَّبَهِ مَعَ اعْتِمَادِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ الْفِرَاشُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِالشَّبَهِ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ جَاءَ عَلَى الشَّبَهِ الْمَكْرُوهِ. [فَائِدَة الْوَلَدَ لَا يَنْتَفِي عَمَّنْ لَهُ الْفِرَاشُ] 1 (الثَّامِنَةُ) حُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْتَفِي عَمَّنْ لَهُ الْفِرَاشُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا بِلِعَانٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى سَبَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى سَبَبِهِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَعَّدَ قَاعِدَةَ اللِّعَانِ فِي حَقِّ الْأَزْوَاجِ، وَأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَفِي بِالْتِعَانِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْعُمُومُ الْمَظْنُونُ مُخَصَّصًا بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْتِعَانِهِمَا بَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ هِيَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ الْأَوَّلُ فَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَأْتِي فِي الْأَمَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمَةَ إذَا كَانَتْ فِرَاشًا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ نَفْيُهُ إذَا ادَّعَى الِاسْتِبْرَاءَ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ، وَخَالَفَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَوْلُهُ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ لَهُ مَعْنَيَانِ: (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ أَعَمُّهُمَا، وَأَوْلَاهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ مَا لَمْ يَنْفِهِ رَبُّ الْفِرَاشِ بِاللِّعَانِ الَّذِي نَفَاهُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا نَفَاهُ بِاللِّعَانِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ وَغَيْرُ لَاحِقٍ بِمَنْ ادَّعَاهُ بِزِنًا، وَإِنْ أَشْبَهَهُ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي إذَا تَنَازَعَ الْوَلَدَ رَبُّ الْفِرَاشِ، وَالْعَاهِرُ فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْفِرَاشِ. [فَائِدَة مَنْعُ زَوْجَتِهِ عَنْ مَحَارِمِهَا] 1 (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ أَمَرَهَا بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَالتَّنَزُّهِ عَنْ الشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ أَخُوهَا لِأَنَّهُ أُلْحِقَ بِأَبِيهَا لَكِنْ لَمَّا رَأَى الشَّبَهَ الْبَيِّنَ بِعُتْبَةَ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَائِهِ فَيَكُونَ أَجْنَبِيًّا مِنْهَا فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ احْتِيَاطًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ. وَقَدْ كَانَ جَائِزًا أَلَّا يَرَاهَا لَوْ كَانَ أَخَاهَا ثَابِتَ النَّسَبِ، وَلِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِنَّ مِنْ النِّسَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِالشَّبَهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِنَوْعٍ مِنْ الِاعْتِبَارِ ثُمَّ لَا يُقْطَعُ الْحُكْمُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي قِصَّةِ الْمُلَاعَنَةِ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَمَا أَرَاهُ إلَّا كَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَمَا أَرَاهُ إلَّا صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ ثُمَّ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِالشَّبَهِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ أَقْوَى مِنْهُ كَالْحُكْمِ بِالْقَافَةِ. وَهَذَا كَمَا يُحْكَمُ فِي الْحَادِثَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْقِيَاسِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ فَإِنْ وُجِدَ تُرِكَ لَهُ الْقِيَاسُ، وَفِي قَوْلِهِ هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ مَا قَطَعَ الشَّبَهَ، وَرَفَعَ الْإِشْكَالَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ احْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخٍ، وَلَيْسَ بِالثَّابِتِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (لَيْسَ لَك بِأَخٍ) لَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ هِيَ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَرْدُودٌ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الزُّبَيْرِ مَوْلًى لَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَيُوسُفَ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ، وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَغْلِيظِ أَمْرِ الْحِجَابِ فِي حَقِّ سَوْدَةَ لِأَنَّهَا مِنْ زَوْجَاتِهِ، وَقَدْ غَلَّظَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِنَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِحَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ فِي حَقِّ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» . «وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ انْتَقِلِي إلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ» فَأَبَاحَ لَهَا مَا مَنَعَهُ لِأَزْوَاجِهِ (قُلْت) ، وَلِآحَادِ النَّاسِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ [عَنْ] مَحَارِمِهَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ لَيْسَ فَرْضًا عَلَى الْمَرْأَةِ رُؤْيَةُ أَخِيهَا لَهَا إنَّمَا الْفَرْضُ عَلَيْهَا صِلَةُ رَحِمِهِ فَقَطْ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ لَا تَصِلَهُ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " هُوَ لَك أَيْ هُوَ عَبْدُك " ثُمَّ قَالَ الثَّابِتُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ أَخُوك، وَلَوْ قَضَى بِهِ عَبْدًا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَحْتَجِبَ عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. [فَائِدَة الْحُكْمُ بَيْنَ حُكْمَيْنِ] (الْعَاشِرَةُ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ، وَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ حُكْمَيْنِ، وَذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَرْعُ شَبَهًا مِنْ أُصُولٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيُعْطِيَ أَحْكَامًا مُتَعَدِّدَةً، وَلَا تُمْحَضُ لِأَحَدِ الْأُصُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفِرَاشَ مُقْتَضٍ لِإِلْحَاقِهِ بِزَمْعَةَ، وَالشَّبَهُ الْبَيِّنُ مُقْتَضٍ لِإِلْحَاقِهِ بِعُتْبَةَ فَرُوعِيَ الْفِرَاشُ فِي النَّسَبِ، وَأُلْحِقَ بِزَمْعَةَ، وَرُوعِيَ الشَّبَهُ بِأَمْرِ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ فَأُعْطِيَ الْفَرْعُ حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ، وَلَمْ يُمْحَضْ أَمْرُ الْفِرَاشِ فَتَثْبُتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَوْدَةَ، وَلَا [رُوعِيَ] الشَّبَهُ مُطْلَقًا فَيُلْحَقُ بِعُتْبَةَ، وَإِلْحَاقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ، وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ مَا إذَا دَار الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ يَقْتَضِي الشَّرْعُ إلْحَاقَهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَهُنَا لَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ إلَّا الْإِلْحَاقَ بِالْفِرَاشِ، وَالشَّبَهُ هُنَا غَيْرُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُقْتَضٍ لِلْإِلْحَاقِ شَرْعًا فَيُحْمَلُ الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى بَيَانِ وُجُوبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَرْكُ مُبَاحٍ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. [فَائِدَة الْوَطْءَ بِالزِّنَا لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ بِالزِّنَا لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لِأَنَّ سَوْدَةَ أُمِرَتْ بِالِاحْتِجَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَطْءَ عُتْبَةَ بِالزِّنَا لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ لَا أَثَرَ لِوَطْءِ الزِّنَا لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ بَلْ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتَهَا بَلْ زَادَ الشَّافِعِيُّ فَجَوَّزَ الْبِنْتَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَاطِلٌ، وَعَجِيبٌ مِمَّنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ الزِّنَا فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ سَوْدَةَ لَا يَحِلُّ الظُّهُورُ لَهُ سَوَاءٌ أُلْحِقَ بِالزَّانِي أَمْ لَا فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. [فَائِدَة حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِيلُ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ فَإِذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ زُورٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُحِلْ الْمَحْكُومَ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ قَالَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِهِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَأَنَّهُ أَخٌ لَهُ، وَلِسَوْدَةِ، وَاحْتُمِلَ بِسَبَبِ الشَّبَهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُتْبَةَ فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يُحِيلُ الْبَاطِنَ لَمَا أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة معني وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَاهِرُ الزَّانِي، وَعَهَرَ زَنَى، وَعَهَرَتْ زَنَتْ، وَالْعَهْرُ الزِّنَا، وَمَعْنَى لَهُ الْحَجَرُ أَيْ لَهُ الْخَيْبَةُ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَقُولَ لَهُ الْحَجَرُ، وَبِفِيهِ الْأَثْلَبُ أَيْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِهَا، وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَهُوَ التُّرَابُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُرِيدُونَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْخَيْبَةُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَجَرِ هُنَا أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ زَانٍ يُرْجَمُ، وَإِنَّمَا يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ خَاصَّةً، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَجْمِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ عَنْهُ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْهُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ (عَنْ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَاهُمَا) كَذَا فِي أَصْلِنَا بِالْأَلِفِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَجْعَلُ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي حَالٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ أَحَدُهُمَا بَلْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ أَيْ كِلَاهُمَا يَرْوِيهِ فَحُذِفَ الْخَبَرُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 بَابُ الرَّضَاعِ. عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ سَالِمًا كَانَ يُدْعَى لِأَبِي حُذَيْفَةَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] ، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، وَأَنَا فُضُلٌ، وَنَحْنُ فِي مَنْزِلٍ ضَيِّقٍ فَقَالَ: أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ» ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ، وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَقَالَتْ إنَّهُ ذُو لِحَيَّةٍ فَقَالَ أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ» ، وَلَهُ (أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ   Q [بَابُ الرَّضَاعِ] [حَدِيث أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ] ِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْت سُهَيْلٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ سَالِمًا كَانَ يُدْعَى لِأَبِي حُذَيْفَةَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ أَدُعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، وَأَنَا فُضُلٌ، وَنَحْنُ فِي مَنْزِلٍ ضَيِّقٍ فَقَالَ أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ» . كَمَا «تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدًا» ، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إلَيْهِ، وَوَرِثَ مِيرَاثَهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] إلَى قَوْلِهِ {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] فَرُدُّوا إلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخَا فِي الدِّينِ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا فَكَانَ يَأْوِي مَعِي، وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 كَانَتْ تَقُولُ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ، وَاَللَّهِ مَا نَرَى هَذِهِ إلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَالِمٍ خَاصَّةً) ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ مِنْ الثُّدِيِّ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» ..   Qفِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَيَرَانِي فُضُلًا. وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْت فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا، وَبَنَاتِ إخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا، وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضِعَ فِي الْمَهْدِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ، وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا فَاطِمَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَنَّى سَالِمًا فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ إلَى قَوْلِهِ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَذَكَرَ» الْحَدِيثَ: وَلَمْ يَسُقْ الْبُخَارِيُّ بَقِيَّتَهُ، وَسَاقَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَسَاقَ مِنْهُ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ مَا قَدْ عَلِمْت، وَقَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَعَزْوُ الْبَيْهَقِيّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِلْبُخَارِيِّ يُوهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْهُ رَضَاعَ الْكَبِيرِ الَّذِي بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَام عَلَى عَزْوِ الْحَدِيثِ لِمُسْلِمٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّهُ سَكَتَ عَلَيْهِ فِي الصُّغْرَى، وَمُقْتَضَاهُ اتِّفَاقُ الشَّيْخَيْنِ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ أَصْلُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ هَذِهِ إلَى قَوْلِهِ، وَأَخًا فِي الدِّينِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ كِتَابَةً عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ فَأَرْضَعْته خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا، وَفِيهِ، وَقُلْنَ مَا نَرَى الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ إلَّا رُخْصَةً فِي سَالِمٍ وَحْدَهُ، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّإِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ لِلِقَاءِ عُرْوَةَ عَائِشَةَ، وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِلِقَاءِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ وَقَدْ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ بِذِكْرِ عَائِشَةَ ثُمَّ رَوَاهُ كَذَلِكَ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ رَوْحٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَقِيلَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرُوا فِي إسْنَادِهِ عَائِشَةَ أَيْضًا. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ، وَهُوَ حَلِيفُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ، وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ «، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا» لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَزَادَ النَّسَائِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ «ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدُ فَقَالَتْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا رَأَيْت فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بَعْدَ شَيْئًا أَكْرَهُهُ» ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ خَالَفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَ الْحَدِيثَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَفِيهِ قَالَتْ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ لَسْت أَعْلَمُ أَنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبُ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَرَجَعَتْ إلَيْهِ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q، وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ حَتَّى تَذْهَبَ غِيرَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ فَأَرْضَعَتْهُ، وَهُوَ رَجُلٌ» . قَالَ رَبِيعَةُ، وَكَانَتْ رُخْصَةَ سَالِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ «سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَاَللَّهِ مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ يَرَانِي الْغُلَامُ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ لِمَ، قَدْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَأَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضِعِيهِ فَقَالَتْ إنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ فَقَالَ أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَقَالَتْ، وَاَللَّهِ مَا عَرَفْته فِي وَجْه أَبِي حُذَيْفَةَ» . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيق ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ، وَرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ عَشْرًا، وَلَقَدْ كَانَتْ فِي صَحِيفَةٍ تَحْتَ سَرِيرِي فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا» . (الثَّانِيَةُ) سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بَعْدَ اسْتِشْهَادِ زَوْجِهَا بِالْيَمَامَةِ، وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْقَافِ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَانَ مِنْ الْفُرْسِ يُكَنَّى عَبْدًا لِثُبَيْتَةَ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ بَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ. وَقِيلَ: بُثَيْنَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ بَعْدَهَا نُونٌ، وَقِيلَ عَمْرَةُ، وَقِيلَ سَلْمَى بِنْتُ يَعَارٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ، وَقِيلَ الْمُثَنَّاةُ مِنْ فَوْقُ الْأَنْصَارِيَّةُ فَأَعْتَقَتْ سَائِبَةً فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ ابْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَاسْمُهُ قَيْسٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْيَرَقِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الِاسْتِيعَابِ بَلْ قَالَ يُقَالُ اسْمُهُ مِهْشَمٌ، وَيُقَالُ هُشَيْمِ وَقِيلَ هَاشِمٌ فَتَبَنَّاهُ حَتَّى جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ، وَكَانَا مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ، وَاسْتُشْهِدَا بِالْيَمَامَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَوُجِدَ رَأْسُ أَحَدِهِمَا عِنْدَ رِجْلَيْ الْآخَرِ، وَقَوْلُهَا كَانَ يُدْعَى لِأَبِي حُذَيْفَةَ أَيْ يُنْسَبَ إلَيْهِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهَا (وَأَنَا فُضُلٌ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ، وَأَنَا مُتَبَذِّلَةٌ فِي ثِيَابِ مَهْنَتِي يُقَالُ تَفَضَّلَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تَبَدَّلَتْ فِي ثِيَابِ مَهْنَتِهَا، وَذَكَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِثْلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَزَادَ أَوْ كَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْخَلِيلُ: رَجُلٌ مُتَفَضِّلٌ، وَفُضُلٌ إذَا تَوَشَّحَ بِثَوْبٍ فَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ قَالَ، وَيُقَالُ امْرَأَةٌ فُضُلٌ، وَثَوْبٌ فُضُلٌ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُنْكَشِفٌ بَعْضُهَا مِثْلَ الشَّعْرِ، وَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَهِيَ كَيْفَ أَمْكَنَهَا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فُضُلٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ، وَالصَّدْرِ، وَقِيلَ الْفُضُلُ الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَلَا إزَارَ تَحْتَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ انْكِشَافَ الصَّدْرِ مِنْ الْحُرَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى أَهْلِ الدِّينِ عِنْدَ ذِي مَحْرَمٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ لِأَنَّ الْحُرَّةَ عَوْرَةٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا إلَّا وَجْهَهَا، وَكَفَّيْهَا انْتَهَى. وَيُوَافِقُ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُ الصَّحَاحِ تَفَضَّلَتْ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا إذَا كَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَالْخَيْعَلِ، وَنَحْوِهِ أَيْ، وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَمِيصٌ لَيْسَ لَهُ كُمَّانِ، وَذَلِكَ الثَّوْبُ مِفْضَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالْمَرْأَةُ فُضُلٌ بِالضَّمِّ مِثَالَ جُنُبٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، وَإِنَّهُ لَحَسَنُ الْفَضْلَةِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ مِثَالَ الْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ، وَيُوَافِقُ الْمَحْكِيَّ عَنْ الْخَلِيلِ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ فَقَالَ التَّفَضُّلُ التَّوَشُّحُ، وَأَنْ يُخَالِفَ اللَّابِسَ بَيْنَ أَطْرَافِ ثَوْبِهِ عَلَى عَاتِقِهِ يُقَالُ ثَوْبٌ فُضُلٌ، وَرَجُلٌ مُتَفَضِّلٌ، وَفُضُلٌ، وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى، وَالْمُفْضَلُ، وَالْمُفْضَلَةُ الثَّوْبُ الَّذِي تَتَفَضَّلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ انْتَهَى. [فَائِدَة لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّضَاعِ إلَّا بِالْإِرْضَاعِ فِي الصِّغَرِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّضَاعِ بِإِرْضَاعِ الْبَالِغِ كَمَا يَثْبُتُ بِإِرْضَاعِ الطِّفْلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَحَكَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا، وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْت بِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ لَا تَنْكِحْهَا، وَنَهَاهُ عَنْهَا، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لَهُ، وَذَلِكَ رَأْيُك قَالَ نَعَمْ كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتَ أَخِيهَا قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ، وَعَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّضَاعِ إلَّا بِالْإِرْضَاعِ فِي الصِّغَرِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد «وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضِعَ فِي الْمَهْدِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ، وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ «أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدَخِّلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ، وَاَللَّهِ مَا نَدْرِي، هَذِهِ رُخْصَةٌ أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ، وَلَا رَائِينَا» ، وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ قَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ التَّحْرِيمِ بِرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ انْقَطَعَ انْتَهَى. [فَائِدَة السِّنِّ الَّذِي يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْإِرْضَاعِ فِيهِ] 1 ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السِّنِّ الَّذِي يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالْإِرْضَاعِ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ حَوْلَانِ عَلَى طَرِيقِ التَّحْدِيدِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَمَتَى وَقَعَ الرَّضَاعُ بَعْدَهُمَا، وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ دَاوُد أَيْضًا، وَهَذَا يُخَالِفُ نَقْلَ النَّوَوِيُّ عَنْ دَاوُد قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا، وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلَانِ بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ اُعْتُبِرَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ، وَيَكْمُلُ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ قَالَ، وَيُحْسَبُ ابْتِدَاؤُهُمَا مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِ الْوَلَدِ بِتَمَامِهِ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ لَوْ خَرَجَ نِصْفُ الْوَلَدِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ خَرَجَ بَاقِيه فَابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ فِي الرَّضَاعِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ خُرُوجِهِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَحَكَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ ارْتَضَعَ قَبْلَ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] ، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِالْأَمْصَارِ عَلَى هَذَا انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّضَاعَةَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْحُرْمَةُ مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ وَالرَّضِيعُ طِفْلٌ يَقُوتُهُ اللَّبَنُ، وَيَسُدُّ جُوعَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْحَالِ الَّتِي لَا يُشْبِعُهُ فِيهَا إلَّا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ مِنْ الثُّدِيِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ فَتَقَ الْأَمْعَاءَ بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ أَيْ وَسِعَهَا لِاغْتِذَاءِ الصَّبِيِّ بِهِ وَقْتَ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ انْتَهَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصَّ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ، وَهُوَ مُسْتَمِرُّ الرَّضَاعِ أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مِنْ فِصَالِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَفِي الْقَرِيبَةِ عِنْدَهُمْ أَقْوَالٌ قَبْلَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، وَقِيلَ شَهْرٌ، وَقِيلَ شَهْرَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَكَأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْطَمُ الصَّبِيُّ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بَلْ فِي أَيَّامٍ، وَعَلَى تَدْرِيجٍ فَتِلْكَ الْأَيَّامُ الَّتِي يُحَاوَلُ فِيهَا فِطَامُهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَوْلَيْنِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِمُعَاوَدَتِهِ الرَّضَاعَ فِيهَا. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) تَقْدِيرُ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ وَنِصْفٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَعَلَ قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] دَالًّا عَلَى تَقْدِيرِ كُلٍّ مِنْ الْحَمْلِ، وَالْفِصَالِ بِذَلِكَ كَالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِلْمَدِينَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُهُ وَالشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمُدَّةُ لِلْمَجْمُوعَةِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] عَلَى حِصَّةِ الْفِصَالِ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَتْ بَقِيَّةُ الْمُدَّةِ، وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَهِيَ أَقَلُّهُ مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ أَكْثَرُ الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَنِصْفٌ، وَإِنَّمَا يَقُولُ إنَّهُ سَنَتَانِ. (الْقَوْلُ الرَّابِعِ) تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ كَذَا أَطْلَقَ النَّقْلَ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ بِأَنْ يَجْتَزِئَ بِاللَّبَنِ، وَلَا يُطْعَمُ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ إنْ فُطِمَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَمَا رَضَعَ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَلَوْ أُرْضِعَ ثَلَاثَ سِنِينَ لَمْ يُفْطَمْ كَانَ رَضَاعًا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَحَكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَوْ فَطَمَتْهُ أُمُّهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ فَأَرْضَعَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ لِمَنْ لَمْ يُعَدْ رَضَاعًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْحُجَّةُ لَهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَوْلَيْنِ {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ» (قُلْت) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَالْقَوْلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِأَنَّ الْإِرْضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ لَا حُكْمَ لَهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَكَاهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. (الْخَامِسَةُ) الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ، وَمُقْتَضَى سِيَاقِهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ أَيْضًا [إذْ] لَوْلَا ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ لَمَا حَصَلَ مَقْصُودُهَا مِنْ دُخُولِهِ عَلَيْهَا حَالَةَ مَهْنَتِهَا وَانْكِشَافِ بَعْضِ جَسَدِهَا، وَبِهَذَا قَالَ مَنْ أَثْبَتَ حُكْمَ الرَّضَاعِ لِلْكَبِيرِ إلَّا أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيَّ نَقَلَ عَنْ دَاوُد أَنَّ رَضَاعَةَ الْكَبِيرِ تَرْفَعُ تَحْرِيمَ الْحِجَابِ لَا غَيْرُ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ أُخِذَ بِهَذَا فِي الْحِجَابَةِ لَمْ أَعِبْهُ، وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَمَا عَلِمْت مَنْ أَخَذَ بِهِ عَامًّا إلَّا عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا تَرَى رَضَاعَةَ الْكَبِيرِ تَحْرِيمًا عَامًا نَظَرٌ فَإِنَّ نَصَّ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ عَنْهَا إنَّمَا كَانَتْ تَأْخُذُ بِذَلِكَ فِي الْحِجَابِ خَاصَّةً (قُلْت) لَا يَسْتَقِيمُ لِعَالِمٍ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ الْخِلْوَةِ مَعَ إبَاحَةِ النِّكَاحِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا بِرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ كُلَّ مَا ثَبَتَ بِرَضَاعَةِ الصَّغِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلِبَسْطِ ذَلِكَ مَوْضِعٌ آخَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِسَالِمٍ، وَامْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ سِوَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَدِيثِ كَانَ رُخْصَةً لِسَالِمٍ خَاصَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَخَذْنَا بِهِ يَقِينًا لَا ظَنًّا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ الَّذِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قُلْنَ ذَلِكَ بِالظَّنِّ، وَرَوَاهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِالْقَطْعِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَتْ تَخْلُو قِصَّةُ سَالِمٍ [مِنْ] أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً أَوْ خَاصَّةً لِسَالِمٍ، وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِمَّا عَلَى النَّسْخِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَطْلَقَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى حَدِيثِ سَالِمٍ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَظُنّهُ سَمَّى التَّخْصِيصَ نَسْخًا، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ النُّسَخِ لَمْ تَحْصُلْ هُنَا عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي الْأُصُولِ (قُلْت) كَيْفَ يُرِيدُ بِالنُّسَخِ التَّخْصِيصَ مَنْ يُرَدِّدُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُرِدْ قَائِلُ هَذَا الْكَلَامِ بِالنَّسْخِ مَا فَهِمَهُ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ هَذَا الَّذِي أُمِرَتْ بِهِ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ هُوَ الشَّرْعُ الْعَامُ لِكُلِّ أَحَد ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى اعْتِبَارِ الصِّغَرِ فِي وَقْتِ الْإِرْضَاعِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ ذَلِكَ، وَرَدَّهُ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ أُرْضِعُهُ، وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ دَالٌّ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَمَّا دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الصِّغَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) اسْتَشْكَلَ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيَّاهَا بِإِرْضَاعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ، وَهُوَ مَحْرَمٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الرَّضَاعَ الْمُعْتَبَرَ، وَتَصِيرُ مَحْرَمًا لَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَعَلَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا، وَلَا الْتَقَتْ بَشَرَتَاهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عُفِيَ عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خَصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ انْتَهَى. وَجَعَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ تَحْرِيمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ ثَدْيَ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ لَا يَجُوزُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ قَالَ، وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَرْضِعَ، وَلَا يَطَّلِعُ لِأَنَّا نَقُولُ نَفْسُ الْتِقَامِ حَلَمَةِ الثَّدْيِ بِالْفَمِ اطِّلَاعٌ فَلَا يَجُوزُ انْتَهَى. وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي مِنْ شُرْبِهِ بَعْدَ حَلْبِهِ، وَلَمْ يَسْتَصْوِبْ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ جَوَازَهُ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ كَيْفَ يَحِلُّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَرْضَعَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَقَضَهُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ لِلْأَمَةِ الصَّلَاةَ عُرْيَانَةً يَرَى النَّاسُ ثَدْيَهَا، وَخَاصِرَتَهَا، وَأَنَّ لِلْحُرَّةِ أَنْ تَتَعَمَّدَ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْ شَفَتَيْ فَرْجِهَا قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ تُصَلِّي كَذَلِكَ، وَإِنْ تَكَشَّفَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ بَطْنِهَا كَذَلِكَ انْتَهَى، وَالْحَقُّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ شُرْبِهِ مَحْلُوبًا، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ قَوْلَ رَجُلٍ لِعَطَاءٍ سَقَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ لَبَنِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ هَكَذَا رَضَاعَ الْكَبِيرِ كَمَا ذَكَرَ عَطَاءٌ يُحْلَبُ لَهُ اللَّبَنُ، وَيُسْقَاهُ، وَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا كَمَا يُصْنَعُ بِالطِّفْلِ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ. [فَائِدَة مَا يَشْرَبُهُ الْغُلَامُ الرَّضِيعُ مِنْ لَبَنِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَمُصَّهُ مِنْ ثَدْيِهَا] وَقَدْ أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمَا يَشْرَبُهُ الْغُلَامُ الرَّضِيعُ مِنْ لَبَنِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ يَمُصَّهُ مِنْ ثَدْيِهَا انْتَهَى. وَاعْتَبَرَ ابْنُ حَزْمٍ فِي التَّحْرِيمِ الِامْتِصَاصَ مِنْ الثَّدْي، وَحَكَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ. (الثَّامِنَةُ) أَطْلَقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلَهُ أَرْضِعِي سَالِمًا، وَقَيَّدَهُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِقَوْلِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهَا الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَقِيلَ لَا مِنْ سَبْعِ رَضَعَاتٍ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ عَشْرٍ، وَهُمَا مَرْوِيَّانِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 كِتَابُ الْأَيْمَانِ. عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ «سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَا أَحْلِفُ بِأَبِي فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قَالَ عُمَرُ فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْت بَعْدُ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا» وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ عُمَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: وَأَبِي وَأَبِي فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» فَذَكَرَهُ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يَسِيرُ   Qعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ تُفْتِي بِخَمْسٍ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْعَشْرَ عَنْ حَفْصَةَ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ شَاذٌّ، وَقِيلَ يُكْتَفَى بِثَلَاثِ رَضَعَاتٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَدَاوُد، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَاسْتَرْوَحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت إلَّا دَاوُد، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ فِي ذَلِكَ، وَالِاكْتِفَاءِ بِقَلِيلِ الرَّضَاعِ، وَكَثِيرِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحُكِيَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ صَدَّرَ بِهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ كَلَامَهُ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [حَدِيث إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ] كِتَابُ الْأَيْمَانِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ «سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَا أَحْلِفُ بِأَبِي فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قَالَ عُمَرُ فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْت بِهَا بَعْدُ ذَاكِرًا، وَلَا آثِرًا» ، وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ عُمَرَ، وَهُوَ يَقُولُ، وَأَبِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 فِي رَكْبٍ، وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» ..   Qوَأَبِي فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» فَذَكَرَهُ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» (فِيهِ) فَوَائِدُ (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْن الْعَبْدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّبَيْرِيِّ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ «مَا حَلَفْت بِهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْهَا وَلَا تَكَلَّمْت بِهَا وَلَمْ يَقُلْ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا» وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّرِيقِ الْأُولَى تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالزُّبَيْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرُ انْتَهَى وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ عَلَى سَالِمٍ أَوْ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ أَوْ ابْنِ عُمَرَ وَالِاخْتِلَافُ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ أَيْضًا فَالْجُمْهُورُ جَعَلُوهُ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ مُسْنَدِ ابْن عُمَرَ حَكَاهُ عَنْهُمْ وَالِدِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْمُقْرِي، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّالِثَةِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ تِسْعَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَجَعَلَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ رِوَايَةَ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِإِثْبَاتِ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى نَافِعٍ كَسَالِمٍ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ، وَلَا يَخْتَصُّ النَّهْيُ بِذَلِكَ بَلْ يَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَلِهَذَا قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» . «، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» ، وَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ، وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاَللَّهِ إلَّا، وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَيْضًا فِي رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَّةَ، وَابْنِ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ، وَإِنَّمَا خَصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْآبَاءَ بِالذِّكْرِ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وُرُودُهُ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ سَمَاعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْلِفُ بِأَبِيهِ (ثَانِيهمَا) خُرُوجُهُ مَخْرَجَهُ الْغَالِبَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقَعُ مِنْهُمْ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ إلَّا بِالْآبَاءِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ قَرِيبًا، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَقَالَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ. 1 - وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِمَخْلُوقٍ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَكِنْ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْكَرَاهَةُ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ التَّحْرِيمُ، وَبِهِ قَالَ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَيُوَافِقُهُ مَا جَاءَ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ «لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِائَةَ مَرَّةٍ فَآثَمَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ فَأَبَرَّ» ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ لِأَحَدٍ بِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ إذَا أَحْنَثَ فَأَوْجَبَهَا بَعْضُهُمْ، وَأَبَاهَا بَعْضُهُمْ، وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً قَالَ أَصْحَابُهُ أَيْ حَرَامًا، وَإِثْمًا قَالُوا فَأَشَارَ إلَى تَرَدُّدٍ فِيهِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ، وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَيُوَافِقُهُ تَبْوِيبُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالتِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمِلَّةٍ غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَأَمَّا الْحَلِفُ بِنَحْوِ هَذَا فَهُوَ حَرَامٌ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ عُظِّمَتْ بِالْعِبَادَةِ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ بِالْمَخْلُوقِ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى كَفَرَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» انْتَهَى فَمُعَظِّمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى كَافِرٌ لِأَنَّ تَعْظِيمَهَا لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مُعَظِّمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكَعْبَةِ وَالْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَعْنًى غَيْرِ الْعِبَادَةِ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ لَكِنَّ الْحَلِفَ بِهِ مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَظَمَةِ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي» فَلَا يَنْبَغِي مُضَاهَاةُ غَيْرِهِ بِهِ فِي الْأَلْفَاظِ، وَإِنْ لَمْ تَرِدْ تِلْكَ الْعَظَمَةُ الْمَخْصُوصَةُ بِالْإِلَهِ الْمَعْبُودِ. [فَائِدَة الْحَلِفُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ] 1 وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا أَشُكُّ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَهَا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَقْتَضِي حَقِيقَتَهَا، وَذَلِكَ كُفْرٌ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ الْحَالِفُ أَنَّهُ أَرَادَ تَعْظِيمَهَا حِينَ كَانَتْ حَقًّا قَبْلَ نَسْخِهَا فَلَا أُكَفِّرُهُ حِينَئِذٍ، وَلَكِنْ أَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْعِصْيَانِ لِبَشَاعَةِ هَذَا اللَّفْظِ وَالتَّشَبُّهِ فِيهِ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَا، وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْعَبْدِ دُونَ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَفْسِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَهُ كُفْرٌ أَوْ شِرْكٌ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهِ» ، وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الرِّيَاءُ شِرْكٌ» فَقَدْ فَسَّرَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَذِهِ الْآيَةَ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا} [الكهف: 110] الْآيَةَ قَالَ لَا يُرَائِي انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يُرِيدُ بِهِ شِرْكُ الْأَعْمَالِ، وَكُفْرِهَا لَيْسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشِرْكَ الِاعْتِقَادِ، وَلَا كُفْرِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَبِقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ» ، وَنِسْبَةُ الْكُفْرِ إلَى النِّسَاءِ، وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بِالزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَقُولُ لَا، وَالْكَعْبَةِ فَرَفَعَ عَلَيْهِ الدِّرَّةَ، وَقَالَ الْكَعْبَةُ،، لَا أُمَّ لَك تُطْعِمُك وَتَسْقِيك، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ «قَالَ عُمَرُ حَدَّثْت قَوْمًا حَدِيثًا فَقُلْت لَا وَأَبِي فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قَالَ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنْ أَحَدُكُمْ حَلَفَ بِالْمَسِيحِ لَهَلَكَ، وَالْمَسِيحُ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمْ» ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ إنَّكُمْ تُشْرِكُونَ قَالُوا وَكَيْفَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ لَا وَأَبِي لَا وَأَبِيك، لَا لَعَمْرِي لَا لَحَيَاتِي لَا وَحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ، لَا وَالْإِسْلَامِ، وَأَشْبَاهَهُ مِنْ الْقَوْلِ، وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ (مَا أُبَالِي حَلَفْت بِحَيَاةِ رَجُلٍ أَوْ بِالصَّلِيبِ) رَوَاهَا كُلَّهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. (الثَّالِثَةُ) إنْ قُلْت كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا النَّهْيِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» (قُلْت) أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) تَضْعِيفُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ لَفْظٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ هَذَا الْحَدِيثُ، وَفِيهِ: أَفْلَحَ وَاَللَّهِ إنْ صَدَقَ، وَدَخَلَ الْجَنَّةَ، وَاَللَّهِ إنْ صَدَقَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى (وَأَبِيهِ) لِأَنَّهَا لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ تَرُدُّهَا الْآثَارُ الصِّحَاحُ انْتَهَى. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَبِيهِ تَصْحِيفٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاَللَّهِ (ثَانِيهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا كَلِمَةٌ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْيَمِينُ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ مَنْسُوخٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ حَتَّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ» ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا هَذِهِ لَفْظَةٌ إنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ، وَبِغَيْرِ اللَّهِ» ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّارِيخِ، وَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ (قُلْت) لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى النَّسْخِ (رَابِعُهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَضْمَرَ فِيهِ اسْمَ اللَّهِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا وَرَبِّ أَبِيهِ، وَالنَّهْيُ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ لَمْ يُضْمِرْ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَلْ قَصَدَ تَعْظِيمَ أَبِيهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ (خَامِسُهَا) أَنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ لَهَا اسْتِعْمَالَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَارَةً يُقْصَدُ بِهَا التَّعْظِيمُ، وَتَارَةً يُرِيدُونَ بِهَا تَأْكِيدَ الْكَلَامِ وَتَقْوِيَتَهُ دُونَ الْقَسَمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَطِيبُ سَفَاهًا مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهَا ... لِأَهْجُوَهَا لَمَّا هَجَتْنِي مُحَارِبُ فَلَا وَأَبِيهَا إنَّنِي بِعَشِيرَتِي ... وَنَفْسِي عَنْ ذَاكَ الْمُقَامِ لَرَاغِبُ وَمُحَالٌ أَنْ يُقْسِمَ بِأَبِي مَنْ يَهْجُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْظَامِ لَحِقَهُ فِي أَمْثِلَةٍ عَدِيدَةٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ مَا عَدَا الْأَوَّلَ الْخَطَّابِيُّ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ إنْ قِيلَ فَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] . {وَالذَّارِيَاتِ} [الذاريات: 1] . {وَالطُّورِ} [الطور: 1] فَالْجَوَابُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا يَشَاءُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهِ انْتَهَى. وَتَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ (لِلَّهِ) مُنْكَرٌ، وَلَوْ قَالَ إنَّ اللَّهَ يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْسِمَ إلَّا بِاَللَّهِ» . (الْخَامِسَةُ) قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِهَا بَعْدُ ذَاكِرًا، وَلَا آثِرًا هُوَ بِالْمَدِّ، وَبِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَاكِيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَيْ مَا حَلَفْت بِهَا، وَلَا حَكَيْت عَنْ غَيْرِي أَنَّهُ حَلَفَ بِهَا يُقَالُ آثَرْت الْحَدِيثَ إذَا ذَكَرْته عَنْ غَيْرِك، وَمِنْهُ كَمَا قِيلَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ تَقَدَّمَتْ، وَلَا تَكَلَّمْت بِهَا (فَإِنْ قُلْت) الْحَاكِي لِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ حَالِفًا بِهِ (قُلْت) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ مَا حَلَفَتْ بِهَا ذَاكِرًا، وَلَا ذَكَرْته آثِرًا، وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلَفْت مَعْنَى نَطَقْت أَوْ قُلْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْعَمَلِ فِيهِمَا كَمَا قَدْ ذَكَرَ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ، إمَّا أَنْ يُقَدِّرَ سَقَيْتهَا، وَإِمَّا أَنْ يُضَمِّنَ عَلَفْتهَا مَعْنَى أَنَلْتهَا، وَمَا أَشْبَهَ، وَقَدْ ذَكَرَ كَهَذَا السُّؤَالِ، وَجَوَابِهِ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ (فَإِنْ قُلْت) إذَا تَوَرَّعَ عَنْ النُّطْقِ بِذَلِكَ حَاكِيًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ نَطَقَ بِهِ حَاكِيًا لَهُ عَنْ نَفْسِهِ (قُلْت) حِكَايَتُهُ لَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ ضَرُورَةِ تَبْلِيغِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَرِوَايَتِهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ يُرِيدُ نَفْيَ حِكَايَةِ كَلَامِ الْحَالِفِ بِهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ. وَأَمَّا هُوَ فَإِنَّمَا حَلَفَ بِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَبْلَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (آثِرًا) وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُخْتَارًا يُقَالُ آثَرَ الشَّيْءَ اخْتَارَهُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَاكِرًا مِنْ الذُّكْرِ بِالضَّمِّ خِلَافَ النِّسْيَانِ أَيْ مَا حَلَفْت بِهَا ذَاكِرًا الْيَمِين غَيْرَ مُجْبَرٍ، وَلَا مُخْتَارٍ مَرِيدًا لِذَلِكَ (ثَانِيهِمَا) أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ آثِرًا أَيْ عَلَى طَرِيقِ التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ وَالْإِكْرَامِ لَهُمْ يُقَالُ آثَرَهُ أَيْ أَكْرَمَهُ لَكِنْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي النُّطْقِ بِذَلِكَ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ. [فَائِدَة الْحَلِفِ بِاَللَّهِ] (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ فِيهِ إبَاحَةُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِخُصُوصِهِ بَلْ كُلُّ مَا يُطَلَّقُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالْحَلِفِ بِهِ، وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ الْكَلَامُ، وَالتَّفْصِيلُ فِي أَلْفَاظٍ اُسْتُعْمِلَتْ فِي حَقِّ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. (السَّابِعَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَنْعَقِدُ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا تَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالصَّمْتِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَنْهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الْمَخْلُوقَاتِ بِالِانْعِقَادِ، وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْهُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ حَلَفَ بِمَا لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ [إلَّا بِهِ] فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ ثُمَّ رَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا كَفَرَ فَيَلْزَمُهُ إذَا حَلَفَ بِهَا أَنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ. (الثَّامِنَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَهِيَ يَمِينٌ تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ إذَا فَعَلَ مَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ، وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فِي ذَلِكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ فِيهِ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ يَمِينٌ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ إيضَاحٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّامِنِ. [فَائِدَة قَالَ أَقْسَمْت لِأَفْعَلَن كَذَا وَكَذَا] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ أَنَّهُ [إذَا] قَالَ أَقْسَمْت لِأَفْعَلَن كَذَا وَكَذَا لَا تَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إنْ نَوَى بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ كَانَ يَمِينًا، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ يَمِينٌ مُطْلَقًا. [فَائِدَة الْحَالِفَ بِالْأَمَانَةِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالْأَمَانَةِ لَيْسَ يَمِينًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ..   Qلِانْتِفَاءِ الِاسْمِ، وَالصِّفَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ حَكَاهُ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ، وَاَلَّذِي فِي كُتِبَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَمَانَةُ اللَّهِ لِأَفْعَلَن كَذَا، وَأَرَادَ الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ كَالْعِبَادَاتِ فَلَيْسَ يَمِينًا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ، وَقَدْ فُسِّرَتْ الْأَمَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] بِالْعِبَادَاتِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ إنْ قَصْدَ الصِّفَةَ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إنْ قَالَ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ وَالْأَمَانَةِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِي صِفَةَ اللَّهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ إذَا قَالَ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِيهَا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ يَمِينًا» . [حَدِيث إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَلَيْسَ فِيهِ «أَنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْرَجِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ «لَا يَحْفَظْهَا أَحَدٌ إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ «وَمَنْ حَفِظَهَا» ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «أَحْصَاهَا» ، وَسَاقَهَا التِّرْمِذِيُّ مِنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ فَقَالَ «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ الْوَهَّابُ الرَّزَّاق الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ الْغَفُورُ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الْحَفِيظُ الْمُقِيتُ الْحَسِيبُ الْجَلِيلُ الْكَرِيمُ الرَّقِيبُ الْمُجِيبُ الْوَاسِعُ الْحَكِيمُ الْوَدُودُ الْمُجِيبُ الْبَاعِثُ الشَّهِيدُ الْحَقُّ الْوَكِيلُ الْقَوِيُّ الْمَتِينُ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ الْمُحْصِي الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْوَاجِدُ الْمَاجِدُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ الْمُقَدِّمُ الْمُؤَخِّرُ الْأَوَّلُ الْآخِرُ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ الْوَالِي الْمُتَعَالِي الْبَرُّ التَّوَّابُ الْمُنْتَقِمُ الْعَفُوُّ الرَّءُوفُ مَالِكُ الْمُلْكِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْمُقْسِطُ الْجَامِعُ الْغَنِيُّ الْمُغْنِي الْمَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الْهَادِي الْبَدِيعُ الْبَاقِي الْوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُورُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَدَّثَنَا بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ أَيْ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ وَلَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا نَعْرِفُ فِيهِ كَثِيرَ شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ فِيهِ الْأَسْمَاءَ، وَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ، وَرَوَاهُ أَبُو الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَسْمَاءَ (قُلْت) وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْأَسْمَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ شُعَيْبٍ، وَسَاقَهَا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ، وَلَفْظُهُ «مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ» فَذَكَرَهَا مَعَ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَذَكَرَ الْبَارَّ بَدَلَ الْبَرِّ، وَالرَّاشِدَ بَدَلَ الرَّشِيدِ، وَزَادَ ذِكْرَ الْجَمِيلِ، وَالرَّبِّ، وَالْمُبِينِ، وَالْبُرْهَانِ، وَالشَّدِيدِ، وَالْوَاقِي، وَذِي الْقُوَّةِ، وَالْقَائِمِ، وَالدَّائِمِ، وَالْحَافِظِ، وَالنَّاظِرِ، وَالسَّامِعِ، وَالْأَبَدِ، وَالْعَالِمِ، وَالصَّادِقِ، وَالْمُنِيرِ، وَالتَّامِّ، وَالْقَدِيمِ، وَالْوِتْرِ، وَالْأَحَدِ، وَزَادَ عَلَى الْعِدَّةِ أَرْبَعَةَ أَسْمَاءٍ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينِ اسْمًا وَاحِدًا، وَيَجْعَلْ قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٍ تَابِعًا لِقَوْلِهِ الصَّمَدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَيَكُونُ مِائَةً وَأَحَدًا، وَأَسْقَطَ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَرَّرَ ذِكْرَ الصَّمَدِ ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَآخِرًا فَهِيَ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ زُهَيْرٌ أَيْ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَبَلَغَنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَوَّلَهَا يُفْتَحُ بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِالْحُسْنِ وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ الْمُقِيتُ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ آخِرَ وَالْمُغِيثُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ آخِرَهُ وَرُوِيَ الْقَرِيبُ بَدَلَ الرَّقِيبِ وَرُوِيَ الْمُبِينُ بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْمَتِينِ بِالْمُثَنَّاةِ [مِنْ] فَوْقُ قَالَ وَالْمَشْهُورُ الْمُثَنَّاةُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي إحْصَائِهَا مُضْطَرِبَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرَ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةُ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارُ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ «قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ» قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا (قُلْتُ) تَتِمَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ أَسْمَاءُ رَبِّي، وَلَوْ جِئْنَا بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ مِثْلِهِ مَدَدًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِزَيْدٍ مِائَةُ دِينَارٍ أَعَدَّهَا لِلصَّدَقَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ هِيَ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلصَّدَقَةِ لَا غَيْرَهَا انْتَهَى. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ شَيْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا فَنَفَى الزِّيَادَةَ وَأَبْطَلَهَا لَكِنْ يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَا يَفْعَلُ تَعَالَى (قُلْت) قَوْلُهُ مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا مُجَرَّدُ تَأْكِيدٍ لِقَوْلِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لِجَوَازِ اشْتِبَاهِهَا فِي الْخَطِّ بِسَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ، وَلَمْ يُفِدْ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَقُولَ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِيهِ نَفْيُ الزِّيَادَةِ وَإِبْطَالُهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَبْلَهُ مُوَطِّئٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ تَعْيِينُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَفِيهَا اخْتِلَافٌ، ثَبَتَتْ أَسْمَاءٌ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى أَسْمَاءٌ أُخَرُ تُخَالِفُهَا، وَقَدْ اعْتَنَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَخْرِيجِ مَا مِنْهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُفْرَدًا غَيْرَ مُضَافٍ، وَلَا مُشْتَقٍّ مِنْ غَيْرِهِ كَقَادِرٍ، وَقَدِيرٍ، وَمُقْتَدِرٍ، وَمَلِكِ النَّاسِ، وَمَالِكٍ، وَعَلِيمٍ، وَعَالِمِ الْغَيْبِ فَلَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْعَدَدَ، وَاعْتَنَى آخَرُونَ بِذَلِكَ فَحَذَفُوا التَّكْرَارَ، وَلَمْ يَحْذِفُوا الْإِضَافَاتِ فَوَجَدُوهَا عَلَى مَا قَالُوا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا عَلَى تَفْسِيرِهَا فِي الْحَدِيثِ، وَاعْتَنَى آخَرُونَ بِجَمْعِهَا مُضَافَةً، وَغَيْرَ مُضَافَةٍ، وَمُشْتَقَّةً، وَغَيْرَ مُشْتَقَّةٍ، وَمَا وَقَعَ مِنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَبَلَّغَهَا أَضْعَافَ هَذَا الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ مَخْفِيَّةٌ فِي جُمْلَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ فِيهَا، وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي السَّنَةِ انْتَهَى. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْأَحَادِيثَ بِإِحْصَائِهَا مُضْطَرِبَةٌ لَمْ تَصِحْ قَالَ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَقَدْ بَلَغَ إحْصَاؤُهَا إلَى مَا يَذْكُرُهُ، وَهِيَ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ الْكَرِيمُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ الْقَيُّومُ [ذُو] الْإِكْرَامِ السَّلَامُ التَّوَّابُ الرَّبُّ الْوَهَّابُ الْإِلَهُ الْقَرِيبُ السَّمِيعُ الْمُجِيبُ الْوَاسِعُ الْعَزِيزُ الشَّاكِرُ الْقَاهِرُ الْآخَرُ الظَّاهِرُ الْكَبِيرُ الْخَبِيرُ الْقَدِيرُ الْبَصِيرُ الْغَفُورُ الشَّكُورُ الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْمُصَوِّرُ الْبَرُّ الْمُقْتَدِرُ الْبَارِئُ الْعَلِيُّ الْغَنِيُّ الْوَلِيُّ الْقَوِيُّ الْحَيُّ الْحَمِيدُ الْمَجِيدُ الْوَدُودُ الصَّمَدُ الْأَحَدُ الْوَاحِدُ الْأَوَّلُ الْأَعْلَى الْمُتَعَالِي الْخَالِقُ الْخَلَّاقُ الرَّزَّاقُ الْحَقُّ اللَّطِيفُ رَءُوفٌ عَفُوٌّ الْفَتَّاحُ الْمَتِينُ الْمُبِينُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْبَاطِنُ الْقُدُّوسُ الْمَالِكُ مَلِيكٌ الْأَكْبَرُ الْأَعَزُّ السَّيِّدُ سُبُّوحٌ وِتْرٌ حَنَّانٌ جَمِيلٌ رَفِيقٌ الْمُيَسِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الشَّافِي الْمُعْطِي الْمُقَدِّمُ الْمُؤَخِّرُ الدَّهْرُ هَذَا آخَرُ مَا ذَكَرَهُ، وَجُمْلَتُهُ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ. [فَائِدَة الْكَلَامَ إذَا كَانَ فِيهِ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ عَمِلَ بِهِ] 1 (الرَّابِعَةُ) أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ، وَالثُّنْيَا فِي الْإِقْرَارِ، وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا قَالَ مِائَةً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ أَدْخِلْ رِكَابَك فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَك يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَخْرُجْ فَقَالَ شُرَيْحٌ مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهُوَ عَلَيْهِ. ، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ إنَّ رَجُلًا بَاعَ طَعَامًا، وَقَالَ إنْ لَمْ آتِك الْأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي، وَبَيْنَك بَيْعٌ فَلَمْ يَجِئْ فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي أَنْتَ أَخْلَفْت فَقَضَى عَلَيْهِ (قُلْت) وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَتِمُّ بِآخِرِهِ فَإِذَا كَانَ فِيهِ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ عَمِلَ بِهِ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مِائَةً إلَّا وَاحِدًا، وَهُوَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مُسْلِمٌ فَلَوْ قَالَ فِي الْبَيْعِ بِعْت مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ مِائَةَ صَاعٍ إلَّا صَاعًا صَحَّ، وَعُمِلَ بِهِ، وَكَانَ بَائِعًا بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ، وَلَا يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ، وَيُلْغِي آخِرَهُ لَكِنْ فِي اسْتِنْبَاطِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِائَةً إلَّا وَاحِدًا إنَّمَا ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يُسْتَفَدْ بِهِ فَائِدَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ حَتَّى يَسْتَنْبِطَ مِنْهُ هَذَا الْحُكْمَ لِحُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ بِقَوْلِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، نَعَمْ كَانَ يَصِحُّ إيرَادُ هَذَا الْكَلَامِ الثَّانِي مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْغَرَضُ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَلَيْسَتْ صُورَةَ الْحَدِيثِ، وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ كَثِيرٌ فِي تَصْحِيحِ الشُّرُوطِ، وَإِبْطَالِهَا وَالتَّفْصِيلِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى] 1 (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسُ الْقُشَيْرِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى إذْ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ كَانَتْ الْأَسْمَاءُ لِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. الِاسْمُ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ هُوَ الْكَلِمَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَمْرٍ مُفْرَدٍ. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحَدُّ فَلَا فِعْلَ وَلَا حَرْفَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ اصْطِلَاحُ النَّحْوِيِّينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْآنَ مِنْ غَرَضِنَا وَإِذَا فَهِمْت هَذَا فَهِمْت غَلَطَ مَنْ قَالَ إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى حَقِيقَةً كَمَا قَالَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْ جُهَّالِ الْحَشَوِيَّةِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ، وَاعْتَقَدُوهُ حَتَّى أَلْزَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ (سُمٌّ) مَاتَ. وَمَنْ قَالَ (نَارٌ) احْتَرَقَ، وَهَؤُلَاءِ أَخَسُّ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِمُخَاطَبَتِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ، وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى فَلَمْ يُرِيدُوا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّهُ هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُقَيِّدُ إلَّا هُوَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْمُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى ذَاتِ الْمُسَمَّى دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مَزِيدِ أَمْرٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ دَلَّ عَلَى تِلْكَ الذَّاتِ مَنْسُوبَةً إلَى ذَلِكَ الزَّائِدِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّك إذَا قُلْت زَيْدٌ مَثَلًا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُتَشَخِّصَةٍ فِي الْوُجُودِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ فَلَوْ قُلْت مَثَلًا (الْعَالِمُ) دَلَّ هَذَا عَلَى تِلْكَ الذَّاتِ مَنْسُوبَةً إلَى الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْت الْغَنِيُّ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تِلْكَ الذَّاتِ مَعَ إضَافَةِ مَالٍ إلَيْهَا، وَمِنْ هُنَا صَحَّ عَقْلًا أَنْ تَكْثُرَ الْأَسْمَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ لَا يُوجِبُ تَعَدُّدًا فِيهَا وَلَا تَكْثِيرًا، وَقَدْ غَمُضَ فَهْمُ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ عَلَى بَعْضِ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَفَرَّ مِنْهُ هَرَبَا مِنْ لُزُومِ تَعَدُّدٍ فِي ذَلِكَ الْإِلَهِ حَتَّى تَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنْ قَالَ إنَّ الِاسْمَ فِيهِ يُرَادُ بِهِ التَّسْمِيَةُ، وَرَأَى أَنَّ هَذَا يُخَلِّصُهُ مِنْ التَّكْثِيرِ. وَهَذَا فِرَارٌ مِنْ غَيْرِ مَفَرٍّ إلَى غَيْرِ مَفَرٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ إنَّمَا هِيَ وَضْعُ الِاسْمِ أَوْ ذِكْرُ الِاسْمِ فَهِيَ نِسْبَةُ الِاسْمِ إلَى مُسَمَّاهُ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ تَسْمِيَةً اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا يَنْسُبُهَا كُلَّهَا إلَيْهِ فَبَقِيَ الْإِلْزَامُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ الِاسْمُ قَدْ تَطْلُقُ، وَيُرَادُ بِهَا الْمُسَمَّى كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] أَيْ سَبِّحْ رَبَّك فَأُرِيدَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى انْتَهَى. وَوَجَدْت لِشَيْخِنَا الْإِمَامِ بَهَاءِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَحْقِيقًا حَسَنًا فَقَالَ وَجْهُ التَّحْقِيقِ فِيهَا عَلَى مَا تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ أَفْوَاهِ مَشَايِخِنَا أَنْ يُقَالَ إذَا سَمَّيْت شَيْئًا بِاسْمٍ فَالنَّظَرُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ذَلِكَ الِاسْمُ. وَهُوَ اللَّفْظُ وَمَعْنَاهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، وَمَعْنَاهُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ الذَّاتُ الَّتِي أُطْلِقَ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، وَالذَّاتُ وَاللَّفْظُ مُتَغَايِرَانِ قَطْعًا، وَالنُّحَاةُ إنَّمَا يُطْلِقُونَ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُسَمَّى قَطْعًا عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ، وَالذَّاتُ هِيَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَيْسَ هُوَ الِاسْمُ قَطْعًا، وَالْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَعْنَى اللَّفْظِ قَبْلَ التَّلْقِيبِ فَعَلَى قَوَاعِدِ الْمُتَكَلِّمِينَ يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ الثَّالِثُ أَوَّلًا، وَالْخِلَافُ عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ فِي الِاسْمِ الْمَعْنَوِيِّ هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوَّلًا، لَا فِي الِاسْمِ اللَّفْظِيِّ. وَأَمَّا النُّحَاةُ فَلَا يُطْلِقُونَ الِاسْمَ عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ لِأَنَّ صِنَاعَتَهُمْ إنَّمَا تَنْظُرُ فِي الْأَلْفَاظِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْمُتَكَلِّمُ لَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا الْإِطْلَاقَ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَدْلُولِ عَلَى الدَّالِّ، وَيَزِيدُ شَيْئًا آخَرَ دَعَاهُ عِلْمُ الْكَلَامِ إلَى حَقِيقَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَإِطْلَاقِهَا عَلَى الْبَارِي تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ إذَا قُلْت عَبْدُ اللَّهِ أَنْفُ النَّاقَةِ فَالنُّحَاةُ يُرِيدُونَ بِاللَّقَبِ لَفْظَ أَنْفِ النَّاقَةِ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ يُرِيدُونَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ. وَقَوْلُ النُّحَاةِ إنَّ اللَّقَبَ، وَيَعْنُونَ بِهِ اللَّفْظَ مُشْعِرٌ بِضِعَةٍ أَوْ رِفْعَةٍ لَا يُنَافِيه لِأَنَّ اللَّفْظَ يُشْعِرُ بِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُقْتَضِي لِلضِّعَةِ أَوْ الرِّفْعَةِ، وَذَاتُ عَبْدِ اللَّهِ هِيَ الْمُلَقَّبُ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ فَهَذَا تَنْقِيحُ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ تَنْقِيحٌ حَسَنٌ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاسْمَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرِهِ خَاصٌّ بِأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ الْمُشْتَقَّةِ لَا فِي كُلِّ اسْمٍ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأُصُولِ الدِّينِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ انْتَهَى. [فَائِدَة أَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى دَلَالَتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ] (السَّادِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَافْهَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فَلَا تَعَدُّدَ فِي ذَاتِهِ، وَلَا تَرْكِيبَ لَا عَقْلِيًّا كَتَرْكِيبِ الْمَحْدُودَاتِ، وَلَا مَحْسُوسًا كَتَرْكِيبِ الْجُسْمَانِيَّاتِ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ أَسْمَاؤُهُ تَعَالَى بِحَسَبِ الِاعْتِبَارَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الذَّاتِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (فَمِنْهَا) مَا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ مُجَرَّدَةً كَاسْمِهِ (اللَّهُ) تَعَالَى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَنَّهُ عَلَمٌ غَيْرُ مُشْتَقٍّ، وَهُوَ الْخَلِيلُ، وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَوْجُودِ الْحَقِّ الْمَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ دَلَالَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِقَيْدٍ، وَلِأَنَّهُ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ حَتَّى يُعْرَفَ كُلُّ أَسْمَائِهِ بِهِ فَيُقَالَ الرَّحْمَنُ اسْمُ اللَّهِ، وَلَا يُقَالُ اللَّهُ اسْمُ الرَّحْمَنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ عَامَلَتْهُ مُعَامَلَةَ الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ فِي النِّدَاءِ فَجَمَعُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَاءِ النِّدَاءِ، وَلَوْ كَانَ مُشْتَقًّا لَكَانَتْ لَامُهُ زَائِدَةً، وَحِينَئِذٍ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي النِّدَاءِ كَمَا لَا يُقَالُ يَا الْحَارِثُ، وَلَا يَا الْعَبَّاسُ (وَمِنْهَا) مَا يَدُلُّ عَلَى صِفَاتِ الْبَارِئِ تَعَالَى الثَّابِتَةِ لَهُ كَالْعَالِمِ، وَالْقَادِرِ، وَالسَّمِيعِ، وَالْبَصِيرِ (وَمِنْهَا) مَا يَدُلُّ عَلَى إضَافَةِ أَمْرٍ مَا لَهُ كَالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ (وَمِنْهَا) مَا يَدُلُّ عَلَى سَلْبِ شَيْءٍ عَنْهُ كَالْقُدُّوسِ وَالسَّلَامِ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ لَازِمَةٌ مُنْحَصِرَةٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَاخْتَبِرْهَا تَجِدْهَا كَذَلِكَ انْتَهَى. [فَائِدَة أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى إلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ] 1 (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى إلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَقِيلَ يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَقِيلَ إنْ وَرَدَ الْفِعْلُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُوهِمْ نَقْصًا، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ. [فَائِدَة الْحَلِفِ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِجَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرُهَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا أَسْمَاؤُهُ، وَانْدِرَاجِهَا فِي قَوْلِهِ فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا اللَّفْظَ بِخُصُوصِهِ بَلْ كُلُّ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ تَعَالَى مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَوْرَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ أَنَّ الْحَلِفَ بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ صَرِيحٌ، وَمُقَابِلُهُ وَجْهٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ صَرِيحٌ فِي الْحَلِفِ إلَّا (اللَّهَ) ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ انْقِسَامُ الْأَسْمَاءِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، وَكَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ: (أَحَدُهَا) مَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى، وَلَا يُطْلَق فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَنَحْوِهَا فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَلَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى (ثَانِيهَا) مَا يُطْلَق عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ لَكِنَّ الْغَالِبَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ بِقَيْدٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّقْيِيدِ كَالْجَبَّارِ، وَالْحَقِّ، وَالرَّبِّ، وَنَحْوِهَا فَالْحَلِفُ بِهِ يَمِينٌ، وَلَوْ أُطْلِقَ فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِيَمِينٍ (ثَالِثُهَا) مَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَالْحَيِّ، وَالْمَوْجُودِ، وَالْمُؤْمِنِ، وَنَحْوِهَا فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أُطْلِقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَى اللَّهَ تَعَالَى فَوَجْهَانِ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَكَذَا فِي الْمُحَرَّرِ لِلرَّافِعِيِّ لَكِنْ صَحَّحَ فِي شَرْحَيْهِ عَلَى الْوَجِيز الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَصَحَّحَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَوَّلَ، وَقَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِالثَّانِي. [فَائِدَة قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ] (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْإِحْصَاءُ فِي هَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا (أَظْهَرُهَا) الْعَدُّ لَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضُهَا لَكِنْ يَدْعُو اللَّهَ بِهَا كُلِّهَا، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِجَمِيعِهَا فَيَسْتَوْجِبُ الْمَوْعُودَ عَلَيْهَا مِنْ الثَّوَابِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَاءِ فِيهَا الْإِطَاقَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» أَيْ لَنْ تُطِيقُوا أَنْ تَبْلُغُوا كُنْهَ الِاسْتِقَامَةِ، وَلَكِنْ اجْتَهَدُوا فِي ذَلِكَ مَبْلَغَ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ، وَالْمَعْنَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ الْقِيَامَ نَحْوَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ مَعَانِيَهَا فَيُلْزِمَ نَفْسَهُ بِوَاجِبِهَا فَإِذَا قَالَ الرَّزَّاقُ وَثِقَ بِالرِّزْقِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ عَقَلَهَا، وَأَحَاطَ عِلْمًا بِمَعَانِيهَا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ فُلَانٌ ذُو حَصَاةٍ أَيْ ذُو عَقْلٍ وَمَعْرِفَةٍ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ، وَالْمَرْجُوُّ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى. أَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ إحْصَاءُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَى إحْدَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ مَعَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ لَكِنَّ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى رُتْبَةُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِيَةَ وَهِيَ الَّتِي فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ ثَالِثًا لِلسَّابِقِينَ، وَالثَّالِثَةَ وَهِيَ الَّتِي فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ (ثَانِيًا) لِلصِّدِّيقِينَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ حِفْظُهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ حَفِظَهَا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ حِفْظُ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لَهَا قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَحَكَاهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ إنَّهُ وِتْرٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَالْوِتْرُ الْفَرْدُ، وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ اللَّهِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ فَهُوَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ فَلَا انْقِسَامَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي إلَهِيَّتِهِ فَلَا نَظِيرَ لَهُ، وَوَاحِدٌ فِي مُلْكِهِ وَمِلْكِهِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَوْلُهُ «يُحِبُّ الْوِتْرَ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ مَعْنَاهُ فَضْلُ الْوِتْرِ فِي الْعَدَدِ عَلَى الشَّفْعِ فِي أَسْمَائِهِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالتَّفَرُّدِ [وَقِيلَ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى صِفَةِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ] عَلَى سَبِيلِ الْإِخْلَاصِ لَا يُشْرِكُ فِي عِبَادَتِهِ أَحَدًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَأْمُرُ، وَيُفَضِّلُ الْوِتْرَ فِي الْأَعْمَالِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الطَّاعَاتِ كَمَا جَعَلَ الصَّلَوَاتِ خَمْسًا وِتْرًا، وَشُرِعَتْ أَعْدَادُ الطَّهَارَاتِ، وَالِاسْتِطَابَةُ، وَأَكْفَانُ الْمَيِّتِ، وَنُصُبُ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَمْسِ أَوَاقٍ، وَالْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَنِصَابُ الْإِبِلِ، وَأَكْثَرُ نِصَابِ الْغَنَمِ، وَأَوَّلُ نِصَابِ الْبَقَرِ وِتْرًا فِي الْعُقُودِ، وَخَلْقًا كَثِيرًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى عَدَدِ الْوِتْرِ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْبُحُورِ، وَعَدَدِ الْأَيَّامِ فِي الْجُمُعَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَصَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ بِهَذَا الْأَخِيرِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَرْجِيحَهُ، وَكَذَا رَجَّحَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوِتْرَ هُنَا لِلْجِنْسِ إذْ لَا مَعْهُودَ جَرَى ذِكْرُهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُحِبُّ كُلَّ وِتْرٍ شَرَعَهُ وَأَمَرَ بِهِ، وَمَعْنَى مَحَبَّتَهُ لَهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ، وَأَثَابَ عَلَيْهِ، وَيَصْلُحُ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qلِلْعُمُومِ لِمَا خَلَقَهُ وِتْرًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَمَعْنَى مَحَبَّتِهِ لَهُ أَنَّهُ خَصَّصَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ عَلِمَهَا، وَأُمُورٍ قَدَّرَهَا قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ فَقِيلَ هُوَ صَلَاةُ الْوِتْرِ، وَقِيلَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَقِيلَ آدَم، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَكَافِئَةٌ، وَأَشْبَهَ مَا تَقَدَّمَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَوْلَى بِالْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَنَّ الْوِتْرَ يُرَادُ بِهِ التَّوْحِيدُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَكَمَالِهِ وَاحِدٌ، وَيُحِبُّ التَّوْحِيدَ أَيْ أَنْ يُوَحَّدَ، وَيُعْتَقَدُ انْفِرَادُهُ بِهِ دُونَ خَلْقِهِ فَيَلْتَئِمُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ وَظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ انْتَهَى. [حَدِيث وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا تَبَعًا لِلْبُخَارِيِّ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَلِفِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْهَا ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كَقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ أَوْ أُصَلِّي لَهُ أَوْ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ أَوْ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ فِيمَا إذَا نَوَى اللَّهَ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَالَ قَصَدْت غَيْرَهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا قَطْعًا، وَلَا بَاطِنًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ، وَحُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ. [فَائِدَة الْخَوْفِ وَشِدَّةِ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَعِظَمِهِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْخَوْفِ، وَشِدَّةِ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَعِظَمِهِ، وَفِيهِ تَمَيُّزُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَعَارِفَ قَلْبِيَّةٍ وَبَشَرِيَّةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ، وَحَظُّ الْأُمَّةِ مِنْهَا مَعْرِفَتُهَا عَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنَّ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَفَاصِيلِهَا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   Qلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالُوا وَمَا رَأَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَأَيْت الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» فَجَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ مَعَ الْخِشْيَةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَاسْتِحْضَارِ الْعَظَمَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُجْمَعْ لِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ «إنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمكُمْ بِاَللَّهِ أَنَا» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِتَقْوِيَةِ الْخَبَرِ بِهِ وَتَأْكِيدِهِ. [حَدِيث وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ» ، وَهَذَا اللَّفْظُ مُخَالِفٌ لِلَّفْظِ الَّذِي نَقَلْته وَرَوَيْته عَنْ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ حَاصِلَ رِوَايَتِنَا إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ يَأْتِي عَلَى الْإِنْسَانِ زَمَانٌ يَكُونُ رُؤْيَتُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَهُوَ غَرِيبٌ فَقِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ فَقْدِ رُؤْيَتِهِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِتَكْرِيرِ اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ لَأَنْ يَرَانِي ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي مَعَهُمْ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَهُوَ عِنْدِي مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ، وَتَبِعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى ذَلِكَ، وَزَادَ أَيْضًا التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي قَوْلِهِ لَا يَرَانِي أَيْ رُؤْيَتُهُ إيَّايَ أَحْظَى عِنْدَهُ وَأَحَبُّ إلَيْهِ، وَهُوَ أَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تَقْدِيمِ لَأَنْ يَرَانِي، وَتَأْخِيرِ ثُمَّ لَا يَرَانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَمَا قَالَ: وَأَمَّا لَفْظُ مَعَهُمْ فَهِيَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَفِي مَوْضِعهَا، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ يَأْتِي عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي فِيهِ لَحْظَةً ثُمَّ لَا يَرَانِي بَعْدَهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ جَمِيعًا انْتَهَى. وَتَوْجِيهُ مَا قَالَهُ ابْنُ سُفْيَانَ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي مِنْ تَقْدِيرِ تَقْدِيمِ مَعَهُمْ أَنَّ مَعْنَاهُ لَأَنْ يَرَانِي مَوْجُودًا كَائِنًا مَعَهُمْ، وَجَمَعَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الرَّأْيِ وَأَصْحَابِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَعَهُ بِالْإِفْرَادِ نَقَلَهَا الْقَاضِي، وَتَوْجِيهُ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ مُؤَخَّرًا عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ مَعَهُمْ عَلَى الْأَهْلِ أَيْ إنَّ رُؤْيَتَهُ إيَّايَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ مَالِهِ مَعَ أَهْلِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَحُ الْإِنْسَانُ بِفِرَاقِ أَهْلِهِ، وَلَا يَسْمَحُ بِفِرَاقِ مَالِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُقَدِّرَ قَوْلَهُ، وَلَا يَرَانِي مُؤَخَّرًا بَلْ يَبْقَى بِحَالِهِ مِنْ التَّقْدِيمِ، وَالْمَعْنَى إنْذَارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِفِرَاقِهِ، وَأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى أَصْحَابِهِ وَقْتٌ لَا يَرَوْنَهُ فِيهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ لِوَفَاتِهِ، وَرُؤْيَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ لَمَّا ذَكَرَ لَفْظَ مُسْلِمٍ قَالَ كَذَا صَحِيحُ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالنَّوَوِيُّ. [فَائِدَة الْإِخْبَارِ بِوُقُوعِ رُؤْيَتُهُ النَّبِيَّ فِي الْمُسْتَقْبِلِ] 1 (الثَّانِيَةُ) إنْ قُلْت مَا مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبِلِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا، وَيَجِبُ فِدَاؤُهُ لَوْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ (قُلْت) لَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ بَلْ وَفِي رُؤْيَتِهِ لَحْظَةً وَاحِدَةً فَلَوْ خُيِّرَ صَحَابِيٌّ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ رُؤْيَتِهِ فِي لَحْظَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَفَقْدِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَبَيْنَ انْتِفَاءِ رُؤْيَتِهِ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَاخْتَارَ بَقَاءَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الرُّؤْيَةِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ، وَفَقْدُ الْأَهْلِ وَالْمَالِ الَّذِي بِهِمَا قِيَامُ النَّاسِ يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ الْبَلِيغُ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِغَلَبَةِ الْمَيْلِ عِنْدَ فَقْدِهِمْ رُؤْيَتِهِ بِحَيْثُ يُؤْثِرُونَ رُؤْيَتَهُ لَحْظَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ حَصَلَ فِرَاقُهُمْ لَهُ عَقِبَهَا عَلَى الْأَهْلِ [وَالْمَالِ] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة حَثُّهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُلَازَمَةِ مَجْلِسِهِ الْكَرِيمِ وَمُشَاهَدَتِهِ حَضَرًا وَسَفَرًا] 1 (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ حَثُّهُمْ عَلَى مُلَازَمَةِ مَجْلِسِهِ الْكَرِيمِ، وَمُشَاهَدَتِهِ حَضَرًا وَسَفَرًا لِلتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ وَتَعَلُّمِ الشَّرَائِعِ وَحِفْظِهَا لِيُبَلِّغُوهَا، وَإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُمْ سَيَنْدَمُونَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ وَمُلَازَمَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْهَانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، وَمَاتَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ   Qعَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ (قُلْت) وَقَدْ وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي حَقِّ أَنْفُسِنَا وَمُعَلِّمِينَا [فَقَدْ] نَدِمْنَا غَايَةَ النَّدَمِ عَلَى التَّقْصِيرِ فِي مُلَازَمَتِهِمْ إلَى وَفَاتِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَنَا سُوءُ الرَّأْيِ فِي ظَنِّنَا أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي حَصَلْنَاهُ عَنْهُمْ كَافٍ، وَفَاتَنَا بِذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ مَا لَا نُحْصِيه فَكَيْفَ بِسَيِّدِ السَّادَاتِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ إخْبَارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهُ إذَا فُقِدَ تَغَيَّرَتْ الْحَالُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ عَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ وَفَقْدِ عَظِيمِ فَوَائِدِهَا، وَلِمَا طَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْمِحَنِ وَالْكُرَبِ وَالْفِتَنِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَسَاعَةُ مَوْتِهِ اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ وَنَجَمَتْ الْأَهْوَاءُ، وَكَادَ النِّظَامُ يَنْحَلُّ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَدَارَكَهُ بِثَانِي اثْنَيْنِ، وَأَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ، وَقَدْ عَبَّرَ الصَّحَابَةُ عَنْ مَبْدَأِ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ لَنَا بِقَوْلِهِمْ مَا سَوَّيْنَا التُّرَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا فَكُلَّمَا حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي كُرْبَةٍ مِنْ تِلْكَ الْكُرَبِ وَدَّ أَنَّهُ يَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُلِّ مَا مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ، وَذَلِكَ لِتَذَكُّرِهِ مَا فَاتَ مِنْ بَرَكَاتِ مُشَاهَدَتِهِ، وَلِمَا حَصَلَ بَعْدَهُ مِنْ فَسَادِ الْأَمْرِ وَتَغَيُّرِ حَالَتِهِ انْتَهَى. (الْخَامِسَةُ) هَذَا الْحَدِيثُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي أَنَّ إيرَادَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، وَمَاتَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي أُرْسِلْت بِهِ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ يَهُودِيٌّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ مَا أُوتِيَكُمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَا أَمْنَعُكُمُوهُ إنْ أَنَا إلَّا خَازِنٌ أَصْنَعُ حَيْثُ أُمِرْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qوَلَا نَصْرَانِيٌّ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِهِ، وَمِنْ يَتَجَدَّدُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذِكْرُهُ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْعَرَبَ الَّذِينَ هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَحِينَئِذٍ فَعَطَفَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ عَلَى بَابِهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَتِنَا: وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ يُوَافِقُ ذَلِكَ. (الثَّالِثَةُ) وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الْخَامِسَةُ) وَفِيهِ الِانْتِفَاعُ بِالْإِسْلَامِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَلَوْ فِي الْمَرَضِ الشَّدِيدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمُعَايَنَةِ. (السَّادِسَةُ) وَفِيهِ تَكْفِيرُ مَنْ أَنْكَرَ بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيثُ وَاَللَّهِ مَا أُوتِيَكُمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَا أَمْنَعُكُمُوهُ إنْ أَنَا إلَّا خَازِنٌ] 1 الْحَدِيثُ السَّادِسُ. وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ مَا أُوتِيَكُمْ مِنْ شَيْءٍ، وَلَا أَمْنَعُكُمُوهُ إنْ أَنَا إلَّا خَازِنٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ «مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْت» . (الثَّانِيَةُ) أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْخُمُسِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ قَوْله تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ لِلنَّبِيِّ خُمُسَ الْخَمْسِ مِلْكًا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q/وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقِيلَ فِي الْغَنَائِمِ كُلِّهَا (لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) كَمَا قِيلَ فِي الْخُمُسِ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَكَانَتْ الْأَنْفَالُ كُلُّهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مَرْدُودٌ إلَيْهِ فَقَسَّمَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ فِيهَا كَرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلْ لَعَلَّ مَا أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ حَظِّ رَجُلٍ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقِيلَ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّهُ لَا شِرْكَ بَيْنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَإِنَّ مَا كَانَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَالْمَعْنِيُّ بِهِ وَاحِدٌ لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ، وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] قَالَ هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامِ وَلِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَإِنَّمَا خَصَّ بِنِسْبَةِ الْخُمُسِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَانِمِينَ فِيهِ دَعْوَى، وَإِنَّمَا هُوَ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَإِنْ رَأَى دَفْعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا يَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ دَفَعَهُ، أَوْ يَجْعَلُهُ فِيمَا يَرَاهُ، وَقَدْ يُقَسِّمُ مِنْهُ لِلْغَانِمِينَ كَمَا أَنَّهُ يُعْطِي مِنْ الْمَغَانِمِ لِغَيْرِ الْغَانِمِينَ كَمَا قَسَّمَ لِجَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ، فَالْخُمُسُ وَغَيْرُهُ [يَرْجِعُ] إلَى قِسْمَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاجْتِهَادِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْخُمُسِ مِلْكٌ، وَلَا يَتَمَلَّكُ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَعْنًى لِتَسْمِيَتِهِ الْقَاسِمَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ بِمُوجِبَةٍ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَثَرَةٌ فِي اجْتِهَادِهِ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ فَظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ لِلرَّسُولِ مِلْكًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّامِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمِلْكِ فَصَرْفُهَا عَنْ مَدْلُولِهَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ فِي الْخُمُسِ فَكَيْفَ تَرِدُ دَلَالَةُ الْقُرْآنِ الصَّرِيحَةِ بِمَا لَا دَلِيلَ فِيهِ، وَهَلْ يَدُلُّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنَا قَاسِمٌ أَوْ أَنَا خَازِنٌ عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَهَذَا مِنْ أَيِّ الدَّلَالَاتِ. وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ افْتِتَاحُ كَلَامٍ فَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِ سَهْمٍ لِلَّهِ وَلَهُ جَمِيعُ الْأُمُورِ، وَلَوْ جُعِلَ لِلَّهِ سَهْمٌ لَكَانَتْ قِسْمَةُ الْخُمُسِ عَلَى سِتَّةٍ، وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ بَشَرٌ يَتَأَتَّى لَهُ الْمِلْكُ كَالْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ يُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَسَهْمٍ لِذَوِي قَرَّبَاهُ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ يَشْتَرِكُ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَسَهْمٍ لِلْيَتَامَى وَهُوَ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ بِشَرْطِ الْفَقْرِ، وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ. فَسَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَصَالِحِهِ، وَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي السِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي سَائِرِ الْمَصَالِحِ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُصْرَفُ هَذَا السَّهْمُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لِسَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْأَئِمَّةِ، وَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا السَّهْمَ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ السِّهَامِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَذَكَرَ أَبُو الْفَتْحِ الزَّاز أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ جَعَلَ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَحْسَنَ، وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَجْهًا أَنَّ هَذَا السَّهْمَ يُصْرَفُ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَهَذَانِ النَّقْلَانِ شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّ هَذَا السَّهْمَ يُصْرَفُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالْمُقَاتِلَةِ خَاصَّةً، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى سُقُوطِ سَهْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ أَسْقَطُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَوْتِهِ، وَقَالَ إنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنُّصْرَةِ، وَقَدْ زَالَتْ بِمَوْتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ يُعْطَى الْفَقِيرُ مِنْهُمْ مِنْ السَّهْمَانِ الثَّلَاثَةَ، وَتَقَدَّمَ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: الْفَقِيرُ مِنْهُمْ سَاقِطٌ أَيْضًا فَالْقِسْمَةُ الْآنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فَقَطْ. (الرَّابِعَةُ) فِي رِوَايَتِنَا أَنَّهُ خَازِنٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (قَاسِمٌ) وَالْأَمْرَانِ مَجْمُوعَانِ لَهُ الْيَدُ لَهُ حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ الْخَزْنَ، وَالصَّرْفَ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ الْقَسْمَ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يَسْتَنِدُ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ مِنْ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ إلَى غَرَضِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَاقِفٌ مَعَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَيُعْطِي لِلَّهِ، وَيَمْنَعُ لِلَّهِ، وَلَا يَقْصِدُ بِكُلِّ أَفْعَالِهِ إلَّا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» . (الْخَامِسَةُ) . أَوْرَدَهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ مِنْ أَمْرِ الرَّعِيَّةِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَئِمَّةَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَطَاؤُهُمْ وَمَنْعُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى. (السَّادِسَةُ) أَوْرَدَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَللَّهِ «لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِالْيَمِينِ فِي أَهْلِهِ فَإِنَّهُ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا» ..   Qالْمُصَنِّفُ هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَعَلَى الْحَلِفِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ وَتَقْوِيَتِهِ، وَلَوْ أَوْرَدَهُ فِي الْإِمَارَةِ كَمَا فَعَلَ أَبُو دَاوُد لَكَانَ أَكْبَرَ فَائِدَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث وَاَللَّهِ لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ] الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَلْجَجَ أَحَدُكُمْ بِالْيَمِينِ فِي أَهْلِهِ فَإِنَّهُ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ. 1 - الْحَدِيثُ السَّابِعُ: وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اسْتَلْجَجَ أَحَدُكُمْ بِالْيَمِينِ فِي أَهْلِهِ فَإِنَّهُ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِاللَّفْظِ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْيَمِينِ وَلَمْ يَقُلْ فِي أَهْلِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَنْ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهُوَ أَعْظَمُ إثْمًا لِيَبَرَّ يَعْنِي الْكَفَّارَةَ» ، وَلَمْ يَسُقْ ابْنُ مَاجَهْ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ إنَّهُ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (لَأَنْ) بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ، وَقَوْلُهُ (يَلَجُّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ يَتَمَادَى فِي يَمِينِهِ وَيُصِرُّ عَلَيْهَا وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْحِنْثِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (اسْتَلْجَجَ) هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ (اسْتَلَجَّ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَالْإِدْغَامِ وَهِيَ أَشْهَرُ، وَرِوَايَتُنَا هَذِهِ جَاءَتْ بِالْفَكِّ وَإِظْهَارِ الْإِدْغَامِ، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ يُظْهِرُونَهُ مَعَ الْجَزْمِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ مِنْ اللَّجَاجِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُوَ التَّمَادِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الشَّيْءِ وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ يُقَالُ لَجِجْت فِي الْأَمْرِ بِكَسْرِ الْجِيم الْأُولَى أَلَجُّ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَلَجَجْت بِفَتْحِ الْجِيمِ أَلِجُّ بِكَسْرِ اللَّامِ لَجَجًا وَلَجَاجًا وَلَجَاجَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُحْكَمِ، وَقَوْلُهُ فِي أَهْلِهِ يُرِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْيَمِينِ تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ، وَيَتَضَرَّرُونَ بِعَدَمِ حِنْثِهِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ (آثَمُ) بِالْمَدِّ أَوَّلَهُ أَيْ أَكْثَرَ إثْمًا أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْإِثْمِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَمَادِيَ الْحَالِفِ عَلَى يَمِينِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْحِنْثِ مَعَ تَضَرُّرِ أَهْلِهِ بِبَقَائِهِ عَلَيْهَا شَرٌّ مِنْ حِنْثِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِالْكَفَّارَةِ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَذَلِكَ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَجَاءَ قَوْلُهُ آثَمُ عَلَى لَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُقَابَلَةَ اللَّفْظِ عَلَى زَعْمِ الْحَالِفِ وَتَوَهُّمِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَهَّمُ أَنَّ عَلَيْهِ إثْمًا فِي الْحِنْثِ مَعَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْإِثْمُ عَلَيْهِ فِي اللَّجَاجِ أَكْثَرُ لَوْ ثَبَتَ الْإِثْمُ، وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي يَمِينِهِ مُصِيبٌ فَيَلَجُّ فِيهَا، وَلَا يُكَفِّرُهَا، وَالْمَشْهُورُ فِي مَعْنَاهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فِعْلًا وَتَرْكًا؛ وَلَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ فَيَمِينُهُ طَاعَةٌ وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا وَاجِبَةٌ، وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةٌ، وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ فَيَمِينُهُ مَعْصِيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْلٍ كَصَلَاةِ تَطَوُّعٍ، وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ فَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا طَاعَةٌ، وَالْمُخَالَفَةُ مَكْرُوهَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ نَفْلٍ فَالْيَمِينُ مَكْرُوهَةٌ، وَالْإِقَامَةُ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْنَثَ، وَعَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا، وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا، وَقَالَ الْيَمِينُ عَلَيْهِ مَكْرُوهَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهَا يَمِينُ طَاعَةٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُودِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالضِّيقِ وَالسَّعَةِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، وَهَذَا أَصْوَبُ. [فَائِدَة حَلَفَ عَلَى مُبَاحٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] وَإِنْ حَلَفَ عَلَى مُبَاحٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِثْلُ هَذَا الْغَرَضِ كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ، وَلِبْسِ ثَوْبٍ، وَتَرَكَهَا فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَهُ أَنْ يَحْنَثَ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ بِالْيَمِينِ أَمْ الْحِنْثُ أَمْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَا تَرْجِيحَ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ (فِيهِ أَوْجُهٌ) أَصَحُّهَا الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي حَلِفِهِ وَاجِبٌ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى تَرْكُ مَنْدُوبٍ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ فَالْحِنْثُ مُسْتَحَبٌّ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الْيَمِينِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُبَاحٍ فَقَدْ عَرَفْت الْخِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَعَ تَعَلُّقِهِ بِالْأَهْلِ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ أَوْ جَلْبِ ضَرَرٍ لَهُمْ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْحِنْثُ فِيهِ مَطْلُوبٌ. وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ فِي بَيْتٍ مَخْصُوصٍ، وَكَانَ لَا يَحْصُلُ لِأَهْلِهِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَا نَفْعَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحِنْثُ مَعْصِيَةً، وَلَوْ تَضَرَّرَ أَهْلُهُ بِبَقَائِهِ عَلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَلَا يَفْعَلُ مَصْلَحَةَ أَهْلِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى. [فَائِدَة الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فِيهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) إنْ قُلْت كَيْفَ قَابَلَ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى مُقْتَضَى الْيَمِينِ وَإِعْطَاءِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنَّمَا الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فِيهَا (قُلْت) لَمَّا كَانَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَازِمًا لِلْحِنْثِ عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْحِنْثِ مِنْ إطْلَاقِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ، وَأُشِيرَ بِذِكْرِ الْكَفَّارَةِ إلَى أَنَّهَا جَابِرَةٌ لِلْحِنْثِ رَافِعَةٌ لِمَفْسَدَةِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْإِثْمِ فَإِذَا قَابَلْنَا بَيْنَ بَقَائِهِ عَلَى مُقْتَضَى الْيَمِينِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَبَيْنَ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَانْتِفَاعِ الْآخِذِينَ بِهَا النَّاشِئِ عَنْ الْحِنْثِ، وَجَدْنَا إعْطَاءَ الْكَفَّارَةِ أَعْظَمَ مَصْلَحَةً وَأَتَمَّ نَفْعًا، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي» . (الْخَامِسَةُ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الْأَهْلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ نَفْعَ الْإِنْسَانِ وَضَرَرَهُ إنَّمَا يَعُودُ عَلَى أَهْلِهِ فَلَوْ عَادَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَادَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا» الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ. (السَّادِسَةُ) فِيهِ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِتَقْدِيرِ الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ كَذَا فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.   Qرِوَايَتِنَا، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِنَا لِأَنَّ حَذْفَ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ فِي مِثْلِ هَذَا مُمْتَنِعٌ بَلْ التَّقْدِيرُ فَرَضَهَا اللَّهُ لِأَنَّ حَذْف الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ فِي مِثْلِ هَذَا جَائِزٌ. [حَدِيث مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ] الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (فِيهِ) فَوَائِدُ (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَّةَ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظٍ مَنْ قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْإِسْلَامُ سَالِمًا، وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ» أَيْ عَلَّقَ بَرَاءَتَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ عَلَى أَمْرٍ كَأَنْ قَالَ إنْ فَعَلَ يَعْنِي نَفْسَهُ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ السُّنَنِ مَنْ قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَيْ عَلَّقَ عَلَى أَمْرٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا تَقْسِيمُ حَالِهِ إلَى كَاذِبٍ وَصَادِقٍ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا مَعَ التَّعْلِيقِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَحْمَدَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ مِنْ الْمُسْنَدِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعَمْدِ الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَةً هُوَ الْقَسَمُ بِهِ، وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَمَا تَقُولُ الْفُقَهَاءُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى كَذَا، وَمُرَادُهُمْ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِهِ، وَهَذَا مَجَازٌ، وَكَأَنَّ سَبَبَهُ مُشَابَهَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ بِالْيَمِينِ فِي اقْتِضَاءِ الْحَثِّ أَوْ الْمَنْعِ ثُمَّ جَوَّزَ الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ إنَّ الثَّانِي أَقْرَبُ، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الثَّانِي كَمَا قَرَّرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ أَيْ أَخْبَرَ بِأَمْرٍ مَاضٍ، وَعَلَّقَ بَرَاءَتَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ عَلَى كَذِبِهِ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ، وَكَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ أَيْ مِنْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كُفْرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فِي الْمَاضِي وَكَانَ قَدْ دَخَلَ، نَعَمْ لَوْ بَنَى إخْبَارَهُ بِذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكَفَّرَ لِأَنَّهُ رَبَطَ الْكُفْرَ بِأَمْرٍ يَظُنُّ أَنَّهُ غَيْرُ حَاصِلٍ فَلَا خَلَلَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَلَا فِي لَفْظِهِ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَدِيثَ هَذِهِ الصُّورَةَ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّعَمُّدَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ. وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُهُ فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا) مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَقَصَ كَمَالُ إسْلَامِهِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لَفْظَ ابْنِ مَاجَهْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ الْإِسْلَامُ سَالِمًا، وَاللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ فَنَقَصَ هُوَ يَتَعَاطَى هَذَا اللَّفْظَ، وَنَقَصَ إسْلَامُهُ بِذَلِكَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا اللَّفْظِ، وَلَوْ كَانَ صَادِقًا فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَوُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالنَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ بَيَانُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْحَلِفِ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا أَوْ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَشِبْهِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ كَاذِبًا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالِاحْتِرَازُ مِنْ الْحَلِفِ بِهَا صَادِقًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ الْحَالِفُ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ كَاذِبًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعَظِّمًا لِمَا حَلَفَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا عَظَمَتَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي الصُّورَةِ لِأَنَّهُ عَظَّمَهُ بِالْحَلِفِ بِهِ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ كَاذِبًا حَمَلَ التَّقْيِيدَ بِكَوْنِهِ كَاذِبًا عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِصُورَةِ الْحَالِ، وَيَكُونُ التَّقْيِيدُ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى {وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 112] وَنَظَائِرِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مُعَظِّمًا لِمَا حَلَفَ بِهِ كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظِّمًا بَلْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي حَلِفِهِ بِمَا لَا يُحْلَفُ بِهِ، وَمُعَامَلَتُهُ إيَّاهُ مُعَامَلَةَ مَا يَحْلِفُ بِهِ، وَلَا يَكُونُ كَافِرًا خَارِجًا عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْكُفْرِ، وَيُرَادُ كُفْرُ النِّعْمَةِ انْتَهَى وَالتَّقْسِيمُ الَّذِي فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُ هَذَا إنَّمَا هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ أَيْضًا قَوْلَهُ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا. (الْخَامِسَةُ) تَقْسِيمُهُ إلَى صَادِقٍ وَكَاذِبٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْ مَاضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْخَبَرَ هُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَمَّا إذَا وَقَعَ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا التَّعْلِيقِ عَلَى وُقُوعِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ يُقَالُ يَلْحَقُ بِالْمَاضِي، وَيُقَالُ إنَّ فِعْلَ ذَلِكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ أَوَّلًا مُتَنَاوِلٌ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا فَصَلَ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، وَيُعْرَفُ مِنْهُ حُكْمُ الْقَسَمِ الْآخَرِ، وَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ عَنْ مَاضٍ فَقَدْ حَقَّقَ الْكُفْرَ عَلَى نَفْسِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ الْأَمْرُ، وَقَدْ لَا يَقَعُ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْآتِي بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ إبْعَادَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ بِرَبْطِهِ بِأَمْرٍ لَا يَقَعُ مِنْهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الْإِسْلَامِ وَإِبْعَادَ النَّفْسِ عَنْ التَّهَوُّدِ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا قَصَدَ الْقَائِلُ تَبْعِيدَ النَّفْسِ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الرِّضَى بِالتَّهَوُّدِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْحَالِ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَقْصِدَ تَبْعِيدَ النَّفْسِ عَنْ التَّهَوُّدِ وَلَا الرِّضَى بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَصْدَهُ بِمَوْتِهِ سَرِيعًا أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 بَابُ النَّفَقَاتِ. عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ هِنْدٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمْ اللَّهُ   Qالْقِيَاسَ التَّكْفِيرُ إذَا عَرِيَ عَنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيه قَالَ: وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي الْأَذْكَارِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الْإِسْلَامِ وَإِبْعَادَ النَّفْسِ عَنْ التَّهَوُّدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ إطْلَاقُ الْإِثْمِ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فَقَالَ يَحْرُمُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَهُ، وَأَرَادَ حَقِيقَةَ فِعْلِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ صَارَ كَافِرًا فِي الْحَالِ، وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ لَكِنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ إنَّهُ مَعْصِيَةٌ. (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى قَائِلِ هَذَا اللَّفْظِ مُطْلَقًا قَالَ لِأَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَتَهُ فِي دِينِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِي مَالِهِ شَيْئًا، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَمِينٌ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ فِيهِ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ إيجَابَهُمْ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هُوَ إذَا تَعَلَّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ فَإِنَّ تَعَلَّقَ بِمَاضٍ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. [بَابُ النَّفَقَاتِ] [حَدِيث هِنْد إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ] بَابُ النَّفَقَاتِ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ هِنْدٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِك، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِزَّهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِك، فَقَالَ رَسُولُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 مِنْ أَهْلِ خِبَائِك، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِزَّهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حَرَجَ عَلَيْك أَنْ تُنْفِقِي عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي، وَيَكْفِي بَنِيَّ إلَّا مَا آخُذُهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيك، وَيَكْفِي بَنِيك» ..   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَيْضًا، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حَرَجَ عَلَيْك أَنْ تُنْفِقِي عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِلَفْظِ مُمْسِكٌ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ قِصَّةُ الْخِبَاءِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَلَفْظُ يُونُسَ، وَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ فَقَالَ لَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إلَّا مَا آخُذُهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيك، وَيَكْفِي بَنِيك» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أَخَصْرَ مِنْ هَذَا. (الثَّانِيَةُ) (هِنْدٌ) هِيَ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ زَوْجُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِنَسَبِهَا فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ، وَفِي لَفْظِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّرْفُ، وَعَدَمُهُ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهَا مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودٌ كَذَا رَوَيْنَاهُ عَنْ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَهْلِ خِبَاءٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ " أَهْلِ " فِي رِوَايَتِنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (يُذِلُّهُمْ) إنْ صَحَّ حَذْفُهُ فِي رِوَايَتِنَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنْ أَرَادَتْ بِهِ نَفْسَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَكَنَّتْ عَنْهُ بِهَذَا، وَأَكْبَرَتْهُ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ وَتَعْيِينِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِأَهْلِ الْخِبَاءِ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَالْخِبَاءُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مَسْكَنِ الرَّجُلِ، وَدَارِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَكُونُ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ، وَلَا يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ أَهْلُ بَيْتٍ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَسُمِّيَ الْبَيْتُ خِبَاءً لِأَنَّهُ يُخَبِّئُ مَا فِيهِ، وَالْخِبَاءُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ تَقُولُ خَبَأْت الشَّيْءَ خَبْئًا وَخِبَاءً انْتَهَى. وَفِي الْمُحْكَمِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ أَصْلُهُ مِنْ خَبَأْت خِبَاءً قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْخَبْأَ أَصْلُهُ الْهَمْزُ إلَّا هُوَ بَلْ قَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَوَصْفُ هِنْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَاءَ لَهَا فِي الْكُفْرِ، وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبُغْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَا آبَتْ إلَيْهِ حَالُهَا لَمَّا أَسْلَمَتْ، تَذَكُّرٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهَا بِمَا أَنْقَذَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَبِمَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِ، وَتَعْظِيمٌ لِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِتَنْبَسِطَ فِيمَا تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهُ، وَلِتَزُولَ آلَامُ الْقُلُوبِ لِمَا كَانَ مِنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فِي شَأْنِ حَمْزَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَأَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَيْ سَتَزِيدِينَ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَمَكَّنُ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِك، وَيَزِيدُ حُبُّك لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقْوَى رُجُوعُك عَنْ بُغْضِهِ. وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظِ آضَ يَئِيضُ أَيْضًا إذَا رَجَعَ، وَفِي هَذَا بُشْرَى لَهَا بِقُوَّةِ إيمَانِهَا وَتَمَكُّنِهِ وَمَنْقَبَةٌ لَهَا بِذَلِكَ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهَا (إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ) أَيْ شَحِيحٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَالشُّحُّ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبُخْلِ، وَقِيلَ الشُّحُّ لَازِمٌ كَالطَّبْعِ، وَضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِوَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ (أَحَدُهُمَا) مَسِيكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، وَالثَّانِي بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسِّينِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَكَانُوا يُرَجِّحُونَ فَتْحَ الْمِيمِ، وَالْآخَرُ جَائِزٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا قَالُوا: شِرِّيبٌ وَسِكِّيرٌ، وَالْأَوَّلُ أَيْضًا مِنْ أَبْنِيَةِ جَمْعِ الْمُبَالَغَةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ تُرِدْ أَنَّهُ شَحِيحٌ مُطْلَقًا فَتَذُمُّهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَصَفَتْ مَعَهَا فَإِنَّهُ كَانَ يُقَتِّرُ عَلَيْهَا، وَعَلَى أَوْلَادِهَا كَمَا قَالَتْ لَا يُعْطِينِي وَبَنِي مَا يَكْفِينِي، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْبُخْلِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ هَذَا مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّهُ يَرَى غَيْرَهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ، وَأَوْلَى لِيُعْطِيَ غَيْرَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بَخِيلًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهَذَا. [فَائِدَة ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُهُ] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُهُ إذَا كَانَ لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّشَكِّي وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهَا الْغِيبَةُ. [فَائِدَة سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ] 1 (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَهَذَا إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ أَوْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِثْلَ الْمَنْعِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ. [فَائِدَة نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ] (الثَّامِنَةُ) فِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَقْدِيرِهَا بِالْإِمْدَادِ فَقَالَ عَلَى الْمُوسِرِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّانِ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِنَا، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ فِي الْيَوْمِ، وَقَدَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فِي الشَّهْرِ إلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّ مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْنَ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ. (التَّاسِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفَقَةِ بِحَالِ الْمَرْأَةِ، وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مَا يَكْفِيك) لَكِنْ عَارَضَ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا مَعًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. [فَائِدَة نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ الْفَقْرُ فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْغَنِيِّ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ الصِّغَرُ، وَالزَّمَانَةُ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ. [فَائِدَة نَفَقَةِ خَادِمِ الْمَرْأَةِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ خَادِمِ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ رَئِيسٌ فِي قَوْمِهِ وَيَبْعُدُ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ نَفَقَتَهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي نَفَقَةِ خَادِمِهَا فَأُضِيفَ ذَلِكَ إلَيْهَا إذْ كَانَتْ الْخَادِمُ فِي ضِمْنِهَا وَمَعْدُودَةً فِي جُمْلَتِهَا انْتَهَى. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ إيجَابُ نَفَقَةِ خَادِمِ الزَّوْجَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا عَادَةً أَوْ تَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَرَضٍ، وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُوسِرًا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ، وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. (ثَالِثُهَا) إنْ طَالَبَهَا بِأَحْوَالِ الْمُلُوكِيَّةِ لَزِمَهُ، وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ، وَقَالَ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمٍ لِزَوْجَتِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ ابْنُ الْخَلِيفَةِ، وَهِيَ بِنْتُ خَلِيفَةٍ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِمَنْ يَأْتِيَهَا بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ مُهَيِّئًا مُمْكِنًا لِلْأَكْلِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَمَنْ يَكْفِيهَا جَمِيعَ الْعَمَلِ مِنْ الْكَنْسِ وَالْفَرْشِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ قَالَ: وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِيجَابِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا عَلَيْهِ. [فَائِدَة لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِيفَائِهِ] (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِيفَائِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِأَنَّ مَنْزِلَ الشَّحِيحِ لَا يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَسَائِرِ الْمَرَافِقِ الَّتِي تَلْزَمُهُ لَهُمْ ثُمَّ أُطْلِقَ الْإِذْنُ لَهَا فِي أَخْذِ كِفَايَتِهَا وَكِفَايَةِ أَوْلَادِهَا مِنْ مَالِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَأَنَّهُ لَا يُدْخِلُ عَلَى بَيْتِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي. [فَائِدَة إطْلَاق الْفَتْوَى] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الْفَتْوَى، وَيَكُونُ الْمُرَادُ تَعْلِيقُهَا بِثُبُوتِ مَا يَقُولُهُ الْمُسْتَفْتِي، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ إنْ ثَبَتَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَا، وَكَذَا بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْإِطْلَاقُ كَمَا أَطْلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَهَذِهِ الْإِبَاحَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَفْظًا فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ مَعْنًى فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ صَحَّ مَا ذَكَرْتِ فَخُذِي. [فَائِدَة لِلْمَرْأَةِ مَدْخَلًا فِي كَفَالَةِ أَوْلَادِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مَدْخَلًا فِي كَفَالَةِ أَوْلَادِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ أَبِيهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَذِنَ الْقَاضِي لِأُمِّهِ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَوْ الِاسْتِقْرَاضِ عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّغِيرِ بِشَرْطِ أَهْلِيَّتِهَا لِذَلِكَ، وَلَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ إذْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إفْتَاءً، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فَإِنْ قُلْنَا كَانَ قَضَاءً فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي. [فَائِدَة اعْتِمَاد الْعُرْفِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَحْدِيدٌ شَرْعِيٌّ] (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ اعْتِمَادُ الْعُرْفِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَحْدِيدٌ شَرْعِيٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُنْكِرِينَ لَهُ لَفْظًا الْآخِذِينَ لَهُ عَمَلًا انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ أَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا حَرَجَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ إلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَيْ لَا تُنْفِقِي إلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ لَا حَرَجَ إذَا لَمْ تُنْفِقِي إلَّا بِالْمَعْرُوفِ (قُلْت) وَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا تُنْفِقِي إلَّا بِالْمَعْرُوفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَا الِاسْتِدْلَال عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَانَتْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا بِهَا، وَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مُسْتَتِرًا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَزِّزًا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَبِي سُفْيَانَ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ، وَفِي كَوْنِ إذْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إفْتَاءً أَوْ قَضَاءً وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إفْتَاءٌ انْتَهَى. وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْقَضَاءِ فِي الْغَائِبِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ بِقَضِيَّةِ هِنْدٍ، وَكَانَ ذَلِكَ قَضَاءً مِنْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَدُ   Qعَلَى زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ غَائِبٌ انْتَهَى. وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَيْنِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الرِّبَاعِ ثُمَّ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. [فَائِدَة لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ] 1 (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَضَاءٌ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ قَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الزَّوْجِيَّةِ، وَأَنَّهُ كَانَ كَالْمُسْتَفِيضِ عِنْدَهُمْ بُخْلُ أَبِي سُفْيَانَ انْتَهَى، وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعُهُ إلَّا فِي عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمُحَاكَمَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَلَوْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِهِ فَفِي فَسْخِهِ قَوْلَانِ، وَأَمَّا مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ فَحَكَمَ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ فَلَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يَحْكُمُ فَلَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ لَمْ يُفِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمِنْ الْعَجِيبِ جَمْعُ الْبُخَارِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ، وَغَيْرِهِمَا بَيْنَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْفَتْوَى، وَهَذَانِ: الِاسْتِدْلَال عَلَى الْقَضَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذَّرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ] (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ قَالَ: وَهَذَا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ (قُلْت) لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ الْإِذْنُ الصَّرِيحُ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيمَا تَقُومُ الْقَرَائِنُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهِ. (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا لِحَاجَتِهَا إذَا أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ رِضَاهُ بِهِ. [حَدِيث الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ] الْحَدِيثُ الثَّانِي، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» زَادَ الْبُخَارِيُّ (تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي، فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ لَا، هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ) .   Qالسُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ (أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غَنِيٌّ) الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي [أَوْ تُطَلِّقَنِي] ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ لَا هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ) ؟ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد الْمَوْقُوفَ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَنْ يَعُولُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي، وَعَبْدُك يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَابْنُك يَقُولُ إلَى مِنْ تَذَرُنِي، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ رَفَعَ ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ فَقِيلَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك مِمَّنْ تَعُولُ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي؛ خَادِمُك يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا خَاصَّةً فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. (الثَّانِيَةُ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) فَمَعْنَاهُ (بِمَنْ تُمَوِّنُ) وَيَلْزَمُك نَفَقَتُهُ مِنْ عِيَالِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلْيَكُنْ لِلْأَجَانِبِ يُقَالُ عَالَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَعُولُهُمْ وَأَعَالَهُمْ وَعُيَّلَهُمْ إذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: وَعِيَالُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَتَكَفَّلُ بِهِمْ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ: هُمْ مَنْ يُقَوِّتُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ. [فَائِدَة النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ، وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ. (الرَّابِعَةُ) تَرْجَمَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِهِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَصَحَّحَهُ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْتِيبُ إذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَبِضْعَتِهِ فَإِذَا ضَيَّعَهُ هَلَكَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالزَّوْجَةِ، وَأَخْرَجَهَا عَنْ دَرَجَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقْ عَلَيْهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لَهَا مَنْ يُمَوِّنُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي رَحِمٍ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَإِذْ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرَّوِيَّتَانِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَدَّمَ السُّفْيَانَانِ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ حَمَّادٍ ذِكْرَ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ، وَأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَقَدَّمَ اللَّيْثُ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادٍ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ، وَهِيَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ انْتَهَى. وَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ كَمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَا بِالْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا لَكِنْ اعْتَرَضَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ نَفَقَتَهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَتْ كَالدُّيُونِ، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ تُقَدَّمُ عَلَى الدُّيُونِ، وَخَرَجَ لِذَلِكَ احْتِمَالًا فِي تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ، وَأَيَّدَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلَّيْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ الطِّفْلِ تُقَدَّمُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخَطَّابِيَّ مَشَى عَلَيْهَا فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَلَّلَهُ بِمَا سَبَقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ كُلَّ مَنْ يُمَوِّنُهُ الْإِنْسَانُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ الْعِيَالَ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ وَالْعَادَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ حُرٍّ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الزَّوْجَةُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا فَإِنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَلَوْ جُعِلَتْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَفِي تَمْيِيزِ نَصِيبِهَا مِنْهُ وَنَصِيبِهِ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ عُسْرٌ أَوْ خِلَافٌ فِي الْأَخْذِ بِصِفَتَيْنِ، وَفِي إفْرَادِ كُلٍّ بِالصَّرْفِ مِنْ غَيْرِ تَبِعَةِ عُسْرٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِسْكِينَةً، وَلَهَا وَلَدٌ لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَزِمَهَا نَفَقَتُهُ فَهُوَ مِنْ عِيَالِهَا. [فَائِدَة الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهِ] 1 (السَّادِسَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْبَدَاءَةِ بِمَنْ يَعُولُ، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ دُونَ قُوتِ عِيَالِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الضِّيَافَةِ الْفَضْلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا قَالَ: وَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ صَدَقَةً، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَ صِبْيَانِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ لِلْأَكْلِ، وَإِنَّمَا طَلَبُوهُ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 كِتَابُ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ، وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» ، وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ «وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ» ..   Q [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ] [حَدِيث لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَنْفُسَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «أُمِرْت أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْت بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا» الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَيْفَ نُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَدِيثُ وَجَعَلَهُ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ. (الثَّانِيَةُ) أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُقَاتَلَةِ النَّاسِ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَامْتَثَلَ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَفْعَلُهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ نَبِيَّ الْمَلْحَمَةِ أَيْ الْقِتَالِ، وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ الَّتِي يَجِبُ الْقِيَامُ بِهَا فَإِنَّ الْأَمْرَ لَهُ أَمْرٌ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَفَائِدَةُ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ أَنَّهُ الدَّاعِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُبَيِّنُ عَنْهُ مَعْنَى مَا أَرَادَ، وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] فَافْتَتَحَ الْخِطَابَ بِاسْمِهِ خُصُوصًا ثُمَّ خَاطَبَهُ وَسَائِرَ أُمَّتِهِ بِالْحُكْمِ عُمُومًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْقِتَالِ قَوْلُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي حُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ شَيْئًا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا كَانَ يَجْحَدُهُ، وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ذَلِكَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ مَنْ أَتَى مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ بِكَلِمَةٍ تُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ أَتَى مِنْهُمَا بِمَا يُوَافِقُهُ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فَقَالَ فِي الْوَثَنِيِّ وَالْمُعَطِّلِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ فِي الْيَهُودِيِّ إذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ قَالَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ إذَا اعْتَرَفَ بِصَلَاةٍ تُوَافِقُ مِلَّتَنَا أَوْ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا هَلْ يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا قَالَ وَمَيْلُ مُعْظَمِ الْمُحَقِّقِينَ إلَى كَوْنِهِ إسْلَامًا، وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي ضَبْطِهِ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا كَفَرَ الْمُسْلِمُ بِجَحْدِهِ كَانَ الْكَافِرُ الْمُخَالِفُ لَهُ مُسْلِمًا بِعَقْدِهِ ثُمَّ إنْ كَذَّبَ مَا صَدَّقَ بِهِ كَانَ مُرْتَدًّا، وَقَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إنَّمَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْعَرَبِ، وَكَانُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ لَا يُوَحِّدُونَ فَاخْتَصَّ هَذَا الْحُكْمُ بِهِمْ، وَبِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا بِنُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ فِيهِ اخْتِصَارًا، وَحَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ، وَالْحَدِيثُ إذَا جُمِعَتْ طُرُقُهُ تَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِرِوَايَةٍ، وَنَتْرُكَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَاتِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ الْعَرَبَ، وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ بَلْ ذَكَرَهُ شَرْعًا عَامًّا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَاسْتَغْنَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِذِكْرِ إحْدَاهَا عَنْ الْأُخْرَى لِارْتِبَاطِهِمَا، وَشُهْرَتِهِمَا، وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْإِسْلَامَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِهِ، وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُهُمْ عَلَى كَافِرٍ يَعْتَرِفُ بِأَصْلِ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ يَقُولُونَ إنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً فَهَؤُلَاءِ لَا بُدَّ فِي حَقِّهِمْ مِنْ الْبَرَاءَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. [فَائِدَة إكْفَارِ الْمُنَافِقِينَ] 1 (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ الْكَرَّامِيَّةُ، وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ عَقْدِ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُعْتَبَرْ سِوَى ذَلِكَ، وَجَوَابُ الْجَمَاعَةِ عَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ، وَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ. وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ فَلَا سَبِيلَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ لَكِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي الْبَاطِنِ مُسْلِمًا بِدُونِهِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ لَنَا بِاعْتِقَادِهِ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وَمِنْ أَقْوَى مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى إكْفَارِ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 84] إلَى قَوْلِهِ {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 85] ، وَمِمَّا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي الصَّحِيحِ حَتَّى يَشْهَدُوا، وَالشَّهَادَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ لِلِّسَانِ بِدَلِيلِ تَكْذِيبِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ (نَشْهَدُ إنَّك لِرَسُولِ اللَّهِ) . [فَائِدَة أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ حُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَسَرَّ الْكُفْرَ يُقْبَلُ إسْلَامُهُ فِي الظَّاهِرِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا الْخَطَّابِيُّ إلَى أَنَّ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ، وَهُوَ الَّذِي يُنْكِرُ الشَّرْعَ جُمْلَةً لَا تُقْبَلُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ تَابَ مَرَّةً وَاحِدَةً قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَسْلَمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ، وَإِلَّا قُبِلَ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ قَبُولُهَا مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ. [فَائِدَة قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَانِعِ الزَّكَاةِ] (السَّادِسَةُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَرِيحٌ فِي قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَمَانِعِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْجَاحِدِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ. وَأَمَّا تَارِكُ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا تَارِكُ الزَّكَاةِ بُخْلًا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا فَإِنْ امْتَنَعَ بِالْقِتَالِ قُوتِلَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وَلِهَذَا بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُوَافَقَتِهِ لَهَا، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] وَحُكِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَامَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْفَرَائِضَ أَوْ وَاحِدَةً مِنْهَا فَلَا يُخَلَّى سَبِيلُهُ، وَلَيْسَ بِأَخٍ فِي الدِّينِ، وَلَا يُعْصَمُ دَمُهُ وَمَالُهُ قَالَ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» . (السَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْصِمُ الدَّمَ وَالْمَالَ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرْضُ، وَبِهَذَا خَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، وَقَوْلُهُ (إلَّا بِحَقِّهَا) أَيْ بِحَقِّ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ النَّفْسَ لِكَوْنِهَا قَتَلَتْ مُكَافِئًا لَهَا عَمْدًا عُدْوَانًا أَوْ الْمَالَ بِطَرِيقٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ حِينَئِذٍ مَا اسْتَحَقَّ، وَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الْعِصْمَةِ، وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ وَمُوجِبُهُ، وَتَارَةً إلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ لِتَعَلُّقِهِ بِهَا. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ (وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) أَيْ فِيمَا يَسْتَتِرُونَ بِهِ، وَيُخْفُونَهُ دُونَ مَا يُخَلَّوْنَ بِهِ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْوَاجِبَةِ فَإِنَّ حُكَّامَ الْمُسْلِمِينَ يُقِيمُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تُجْرَى عَلَى الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أَشُقَّ عَلَى قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا عَنْ بُطُونِهِمْ» لَمَّا قَالَ لَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ كَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ» فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ وَالْجَمَاهِيرِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ نَارٍ» .   Qاعْتَقَدَ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ كَفَاهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَمَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ، وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَفَى بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمَعْرِفَةَ بِالدَّلِيلِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِهَذَا أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ يُحَصِّلُ مَجْمُوعُهَا التَّوَاتُرَ بِأَصْلِهَا وَالْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ انْتَهَى. (الْعَاشِرَةُ) أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْمُسْلِمِ مَعْصُومَةٌ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ، وَتَفَاصِيلُهَا مَعْرُوفَةٌ (الثَّانِي) دَلَالَتُهُ عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ تَزُولُ بِارْتِكَابِ الْمُسْلِمِ مَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ قَتْلَهُ بِهِ فَلَا يَكُونُ الْجَانِي مَعْصُومًا بِالنِّسْبَةِ إلَى، وَلِيِّ الدَّمِ، وَتَفَاصِيلُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْمُقَاتَلَةُ إلَى غَايَةِ الْإِسْلَامِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ إلَى إحْدَى غَايَتَيْنِ إمَّا الْإِسْلَامُ أَوْ بَذْلُ الْجِزْيَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . [حَدِيث لَا يَمْشِينَ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي. وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْشِيَنَّ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ نَارٍ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بِلَفْظِ (لَا يُشِيرُ) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (لَا يَمْشِيَنَّ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا عِنْدَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْمَشْيِ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يُشِيرُ مِنْ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَكَذَا وَقَعَ فِيهِمَا بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ مَرْفُوعًا، وَهُوَ نَهْيٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] وقَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] ، وَهُوَ أَبْلَغُ وَآكَدُ مِنْ صِيغَةِ النَّهْيِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى إنْ ثَبَتَتْ فَهِيَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَرَاجِعَةٌ إلَيْهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُهُ عَنْ الْمَشْيِ إلَى جِهَتِهِ مُشِيرًا لَهُ بِالسِّلَاحِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْإِشَارَةِ إلَى الْمُسْلِمِ بِالسِّلَاحِ، وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَإِنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، وَلَعْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَقٍّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ إلَّا فَاعِلُ الْمُحَرَّمِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْجَدِّ أَوْ الْهَزْلِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُشِيرُ إلَى شَقِيقِهِ بِالسِّلَاحِ عَلَى سَبِيلِ الْجَدِّ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ مَعَهُ هَزْلًا، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْجَدِّ فَتَحْرِيمُ ذَلِكَ أَغْلَظُ مِنْ تَحْرِيمِ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ غَايَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْهَزْلُ فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ عَلَى طَرِيقِ الْجَدِّ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَ مُسْلِمٍ أَوْ جَرْحَهُ، وَكِلَاهُمَا كَبِيرَةٌ، وَأَمَّا الْهَزْلُ فَلِأَنَّهُ تَرْوِيعُ مُسْلِمٍ، وَأَذًى لَهُ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ أَيْضًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» . (الرَّابِعَةُ) الْمُرَادُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ الذِّمِّيُّ أَيْضًا لِتَحْرِيمِ أَذَاهُ، وَخَرَجَ الْحَدِيثُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَدَخَلَ فِي السِّلَاحِ مَا عَظُمَ مِنْهُ وَصَغُرَ، وَهَلْ تَدْخُلُ الْعَصَا فِي ذَلِكَ فِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّ التَّرْوِيعَ حَاصِلٌ، وَكَذَلِكَ احْتِمَالُ سُقُوطِهَا مِنْ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يُرَادُ بِذَلِكَ إلَّا مَا لَهُ نَصْلٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِحَدِيدَةٍ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ بِكَسْرِ الزَّايِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَمَعْنَاهُ يَرْمِي فِي يَدِهِ، وَيُحَقِّقُ ضَرْبَتَهُ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَهُ، وَيُحَقِّقُ إشَارَتَهُ وَالنَّزْعُ الْعَمَلُ بِالْيَدِ كَالِاسْتِقَاءِ بِالدَّلْوِ وَنَحْوِهِ، وَأَصْلُهُ الْجَذْبُ وَالْقَلْعُ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ، وَأَصْلُ فَعَلَ إذَا كَانَ عَيْنُهُ أَوْ لَامُهُ حَرْفَ حَلْقٍ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلُهُ كَذَلِكَ مَفْتُوحًا، وَلَمْ يَأْتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَكْسُورًا إلَّا يَنْزِعُ، وَيُهَنِّئُ (قُلْت) ، وَمِثْلُهُ يَرْجِعُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، وَنَقَلَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا   Qالنَّوَوِيُّ عَنْ نُسَخِ بِلَادِنَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضًا يَنْزَغُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَبَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ، وَمَعْنَاهُ يَحْمِلُهُ عَلَى تَحْقِيقِ ضَرْبِهِ، وَيُزَيِّنُ ذَلِكَ لَهُ، وَنَزْغُ الشَّيْطَانِ إغْرَاؤُهُ، وَإِغْوَاؤُهُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ فَيَقَعُ رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ لِكَوْنِهِ فِي جَوَابِ التَّرَجِّي، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} [غافر: 36 - 37] قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالنَّصْبِ، وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ. (السَّابِعَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي أَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَعَاطَى بِيَدِهِ جُرْحَ الْمُسْلِمِ أَوْ يُغْرِي الْمُشِيرَ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَجَازٌ عَلَى طَرِيقِ نِسْبَةِ الْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ الْمُسْتَنْكَرَةِ إلَى الشَّيْطَانِ، وَالْمُرَادُ سَبْقُ السِّلَاحِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. (الثَّامِنَةُ) فِيهِ تَأَكُّدُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ، وَالنَّهْيَ الشَّدِيدَ عَنْ تَرْوِيعِهِ، وَتَخْوِيفِهِ، وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيهِ. (التَّاسِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ إلَى آخِرِهِ. (الْعَاشِرَةُ) وَجْهُ إيرَادِهِ فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا قَدْ يَنْتَهِي إلَى الْجِنَايَةِ فَتَحْرِيمُ الْجِنَايَةِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى. . [حَدِيث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ. وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا فَقَالَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا فَقَالَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا فَقَالَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا نَعَمْ، فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ الْقَوَدَ فَعَرَضْت عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا أَفَرَضِيتُمْ، قَالُوا لَا، فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُفُّوا فَكَفُّوا ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، وَقَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ؛ قَالَ فَإِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ أَرَضِيتُمْ؟ قَالُوا نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.   Qالْقَوَدَ فَعَرَضْت عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا أَفَرَضِيتُمْ قَالُوا لَا فَهَمَّ الْمُهَاجِرُونَ بِهِمْ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُفُّوا فَكَفُّوا ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، وَقَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي خَاطِبٌ النَّاسَ، وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ؛ فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ أَرَضِيتُمْ قَالُوا نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى يَقُولُ تَفَرَّدَ بِهَذَا مَعْمَرٌ لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرُهُ. (الثَّانِيَةُ) أَبُو جَهْمٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ مُكَبَّرٌ قِيلَ اسْمُهُ عَامِرٌ، وَقِيلَ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ قُرَشِيٌّ عَدَوِيٌّ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي قُرَيْشٍ مُعَظَّمًا، وَكَانَتْ فِيهِ فِي بَيْتِهِ شِدَّةٌ، وَفِيهِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ يُشِيرُ أَنَّ ضَرْبَهُ لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ عَالِمًا بِالْأَنْسَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُعَمِّرِينَ شَهِدَ بُنْيَانَ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقِيلَ إنَّهُ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأَنْبِجَانِيَّةِ. . (الثَّالِثَةُ) الْمُصَدِّقُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا، وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا هُوَ عَامِلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا، وَأَمَّا بِتَشْدِيدِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّادِ فَهُوَ الْمُعْطِي، وَأَصْلُهُ الْمُتَصَدِّقُ أُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الصَّادِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجِهِمَا. وَقَالَ ثَابِتٌ إنَّهُ يُقَالُ بِالتَّخْفِيفِ لِلَّذِي يَأْخُذُهَا، وَاَلَّذِي يُعْطِيهَا، وَجَاءَ اسْتِعْمَالُ الْمُشَدَّدِ فِي طَالِبِ الصَّدَقَةِ أَيْضًا، وَأَنْكَرَ ثَعْلَبٌ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (فَلَاجَّهُ رَجُلٌ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ، وَرَوَيْنَاهُ أَيْ تَمَادَى فِي خُصُومَتِهِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْمُلَاجَّةُ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ لَجَّ فِي الْأَمْرِ تَمَادَى عَلَيْهِ، وَأَبَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُد فَلَاحَّهُ بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ بِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى مِنْ الْإِلْحَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَلَحَّ السَّحَابُ أَيْ قَامَ مَطَرُهُ، وَأَوْرَدَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ دَاسَّةَ عَنْ أَبِي دَاوُد فَلَاجَّهُ رَجُلٌ أَوْ لَاحَاهُ عَلَى الشَّكِّ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْأُولَى، إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ لَاحَاهُ، وَقَالَ مَعْنَاهُ نَازَعَهُ، وَخَاصَمَهُ، وَفِي بَعْضِ الْأَمْثَالِ (عَادَاك مِنْ لَاحَاك) . (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ (فَشَجَّهُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْجِيمِ أَيْ جَرَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَالشَّجَّةُ الْجِرَاحَةُ فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْبَدَنِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَخَصَّصَهَا صَاحِبَا الصِّحَاحِ، وَالْمَشَارِقِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ، وَلَعَلَّهُمَا ذَكَرَا الْغَالِبَ، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الشَّجُّ فِي الرَّأْسِ خَاصَّةً فِي الْأَصْلِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي غَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ الْمَشْجُوجُ، وَمَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِآخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي لَيْثٍ، وَالْقَوَدُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ الْقِصَاصُ، وَهُوَ سَنُصَوِّبُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ فَطَلَبَ الْقَوَدَ. [فَائِدَة لَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ] 1 (السَّابِعَةُ) تَقْرِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا عَلَى طَلَبِ الْقَوَدِ وَمُرَاضَاتُهُ لَهُ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْعِوَضِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ، وَذَلِكَ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَبْوِيبِهِ فِي سُنَنِهِ (الْعَامِلُ يُصَابُ عَلَى يَدِهِ الْخَطَأُ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ. (الثَّامِنَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ، وَهِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْشِفُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا قَبْلَهَا أَيْضًا مِنْ الْجِرَاحَاتِ، وَهِيَ الْحَارِصَةُ، وَالدَّامِيَةُ، وَالْبَاضِعَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْمُتَلَاحِمَةُ وَالسِّمْحَاقُ، وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا بَعْدَهَا مِنْ الْهَاشِمَةِ، وَغَيْرِهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ يَجِبُ فِي الْهَاشِمَةِ الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ تَصِيرَ مُنَقِّلَةً، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ تَصِيرَ مُنَقِّلَةً، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي سَائِرِ الْجُرُوحِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنْ تَكُونَ مُوضِحَةً لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيمَا سِوَاهَا، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ لِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ لِأَنَّهَا، وَاقِعَةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ فَلَا اسْتِدْلَالَ بِهَا. (التَّاسِعَةُ) فِيهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْوَالِي كَغَيْرِهِ مِنْ الْجُنَاةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَادَا مِنْ الْعُمَّالِ، وَمِمَّنْ رَأَى عَلَيْهِمْ الْقَوَدَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ (قُلْت) لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عِنْدَ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الْخَطَأِ الْمَقْصُودِ بِهِ التَّأْدِيبُ وَالتَّعْزِيرُ. [فَائِدَة أَرْشُ الْمُوضِحَةِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) إنْ قُلْت أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلِمَ وَقَعَتْ الْمُمَاكَسَةُ فِي ذَلِكَ وَالْمُرَاوَضَةُ، وَلِمَ لَا أُلْزِمُوا بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ؟ (قُلْت) هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ عَمْدًا فَكَانَتْ الْخِيَرَةُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ فَرُوضِيَ عَنْ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَا لِيَعْفُوَ عَنْ الْقِصَاصِ، وَلِهَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إرْضَاءِ الْمَشْجُوجِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الشَّجَّةِ إذَا طَلَبَ الْمَشْجُوجُ الْقِصَاصَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى وُقُوفَ الْحَاكِمِ عَنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَضُوا بِمَا أَعْطَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ لَمْ يُلْزِمْهُمْ بِرِضَاهُمْ الْأَوَّلِ حَتَّى كَانَ مَا رَضُوا ظَاهِرًا (قُلْت) ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُجَوِّزُ لِلْحُكْمِ بِالْعِلْمِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ أَوَّلًا تَصْرِيحٌ بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُمْ رُكُونٌ لِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُمْ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يُقَالُ كَانَ قَصْدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطْيِيبَ خَوَاطِرِهِمْ، وَاسْتِمَالَتَهَا، وَكَانَ يُعْطِيهِمْ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ مِنْ عِنْدِهِ فَقَصَدَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ الرِّضَى بِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ عُذِرَ الْجَاهِلُ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِمَا لَوْ فَعَلَهُ الْعَالِمُ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ لَكَانَ كَافِرًا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ اللَّيْثِيِّينَ كَذَّبُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 بَابُ اشْتِبَاهِ الْجَانِي بِغَيْرِهِ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ، قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ «فِي أَنْ قَرَصَتْك نَمْلَةٌ أَهْلَكْت أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ» ؟ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ (أُحْرِقَتْ) .   Qعُذِرُوا بِالْجَهَالَةِ فَلَمْ يَكْفُرُوا (قُلْت) وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا الِاسْتِمْرَارَ عَلَى ذَلِكَ الرِّضَى حَيْثُ يَجُوزُ لَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَقَعْ تَصْرِيحٌ بِالْعَفْوِ أَوْ ظَنُّوا أَنَّ لَهُمْ الرُّجُوعَ بَعْدَ الْعَفْوِ الصَّرِيحِ لَا أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِلَا شَكٍّ كَمَا قَالَ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي الصَّدَقَةِ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّاعِي ضَرْبُهُ، وَإِكْرَاهُهُ عَلَى مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مِنْ مَالِهِ. [بَابُ اشْتِبَاهِ الْجَانِي بِغَيْرِهِ] [حَدِيث نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ] (بَابُ اشْتِبَاهِ الْجَانِي بِغَيْرِهِ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُحْرِقَ مِنْ تَحْتِهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ فِي النَّارِ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَلِأَنْ قَرَصَتْك نَمْلَةٌ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ أَحْرَقَتْ وَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبَاقُونَ أَهْلَكْت أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ،، (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ لَدَغَتْهُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَرَصَتْهُ، وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ ذَوَاتِ السُّمُومِ أَمَّا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْخَفِيفُ مِنْ إحْرَاقِ النَّارِ كَالْكَيِّ وَنَحْوِهِ، وَالْجَهَازُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا الْمَتَاعُ، وَقَوْلُهُ (فَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ تِلْكَ النَّمْلَةُ لَكِنْ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الشَّجَرَةِ، وَهِيَ الَّتِي عَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مِنْ تَحْتِهَا، وَالْمُرَادُ إحْرَاقُهَا لِتَحْرِقَ النَّمْلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى قَرْيَةِ النَّمْلِ، وَهِيَ مَنْزِلُهُنَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، وَقَوْلُهُ (فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً) وَاحِدَةً مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَهَلَّا أَحْرَقْت أَوْ عَاقَبْت نَمْلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي قَرَصَتْك لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَتْ لَهَا جِنَايَةٌ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ ذَلِكَ النَّبِيِّ كَانَ فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ، وَجَوَازُ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَلَمْ يُعْتَبْ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ بَلْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لِلْحَيَوَانِ إلَّا إذَا أَحْرَقَ إنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَلِيِّهِ الِاقْتِصَاصُ بِإِحْرَاقِ الْجَانِي، وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ الْقُمَّلُ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا اللَّهُ» . وَأَمَّا قَتْلُ النَّمْلِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَتْلِ النَّمْلِ وَكُلِّ مُؤْذٍ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَتَبَهُ عَلَى التَّشَفِّي لِنَفْسِهِ بِقَتْلِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْعَظِيمَةَ الْمُسَبِّحَةَ بِسَبَبِ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ كَانَ عَتْبُهُ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا جَاءَ فِي خَبَرٍ أَنَّهُ مَرَّ بِقَرْيَةٍ أَهْلَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ يَا رَبِّ قَدْ كَانَ فِيهِمْ صِبْيَانٌ وَدَوَابُّ، وَمَنْ لَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْبًا ثُمَّ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَجَرَتْ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِهِ تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْهُ. وَفِيهِ أَنَّ الْجِنْسَ الْمُؤْذِيَ يُقْتَلُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذِ، وَتُقْتَلُ أَوْلَادُهَا، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْأَذَى عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُؤْذِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَا يُقْدَرُ عَلَى دَفْعِهِمْ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيُسْتَخَفَّ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ إنَّمَا عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ بِإِهْلَاكِ جَمْعٍ أَذَاهُ مِنْهُ وَاحِدٌ. وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ الصَّبْرَ وَالصَّفْحَ لَكِنْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مُؤْذٍ لِبَنِي آدَمَ، وَحُرْمَةُ بَنِي آدَمَ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ النَّاطِقِ فَلَوْ انْفَرَدَ لَهُ هَذَا النَّظَرُ، وَلَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ التَّشَفِّي الطَّبِيعِيُّ لَمْ يُعَاتَبْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ لَمَّا انْضَافَ التَّشَفِّي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ عُوتِبَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا التَّمَسُّكُ بِأَصْلِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاَللَّهِ وَبِأَحْكَامِهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ عِنْدَنَا مَحَلُّهُ فِي النَّمْلِ الْكَبِيرِ الْمَعْرُوفِ بِالسُّلَيْمَانِيِّ كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْمُسَمَّى بِالنَّمْلِ فَاسْمُهُ الذَّرُّ، وَقَتْلُهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ الْإِحْرَاقِ، وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ الْإِيضَاحِ لِلصَّيْمَرِيِّ أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي مِنْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ شَارِحُ التَّنْبِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَطْلَقَ كَرَاهَةَ قَتْلِ النَّمْلِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْجَوَازِ فِي الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ إمَّا عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ، وَقَدْ بَوَّبَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ «قَتْلِ الذَّرِّ» . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ قِصَّةَ هَذَا النَّبِيِّ كَانَتْ فِي الذَّرِّ فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي حُكْمُهَا عِنْدَنَا، وَفِي شَرِيعَتِهِ. (الرَّابِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِهِ «فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً» تِلْكَ النَّمْلَةُ الَّتِي قَرَصَتْهُ أَيْ هَلَّا اقْتَصَرْت عَلَى مُعَاقَبَتِهَا وَحْدَهَا دُونَ مَنْ لَمْ يَجْنِ عَلَيْك، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَتِهَا بِعَيْنِهَا احْتَاجَ إلَى الِانْكِفَافِ عَنْ الْكُلِّ، وَلِهَذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اشْتِبَاهُ الْجَانِي بِغَيْرِهِ) وَيَكُونُ هَذَا وَجْهَ الْعَتْبِ. وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ بَلْ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّمْلَةِ الْوَاحِدَةِ لَكِنْ مَا أَدْرِي كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ جَوَازِ قَتْلِ النَّمْلِ فِي شَرِيعَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَإِحْرَاقِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَلْدَغْهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ إنَّمَا ذُكِرَتْ ضَرْبَ مَثَلٍ لَهُ فِي سُؤَالِهِ عَنْ إهْلَاكِ الْقَرْيَةِ، وَفِيهَا مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ بِحُكْمِ الْمُلْكِ أَنْ يُهْلِكَ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ الْمُذْنِبُ بِغَيْرِهِ، وَأُهْلِكُوا بِعَامٍّ شَمِلَ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِهَذَا النَّبِيِّ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ أَنْ يَحْرُقَ مِنْ النَّمْلِ مَا لَمْ يَلْدَغْهُ. فَإِذَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 (كِتَابُ الْجِهَادِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ قَالَ فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُول لَا تَسْتَطِيعُونَهُ» .   Qاخْتَلَطَ مَا لَدَغَهُ بِغَيْرِهِ فَلَهُ إهْلَاكُ الْجَمِيعِ فَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ هَذَا الْوَحْيُ إنْكَارًا لِمَا فَعَلَ بَلْ جَوَابًا لَهُ وَإِيضَاحًا لِحِكْمَةِ شُمُولِ الْهَلَاكِ لِجَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ أَهْلَكْت أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ تَسْبِيحُ مَقَالٍ، وَنُطْقٍ كَمَا قَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ النَّمْلَةِ الَّتِي سَمِعَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْلَهَا «اُدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ» إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لَهَا نُطْقًا لَكِنْ لَا يُسْمَعُ إلَّا بِخَرْقِ عَادَةٍ لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إدْرَاكِنَا لَهُ عَدَمُهُ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يَجِدُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ قَوْلًا، وَلَا يَسْمَعُ مِنْهُ إلَّا بِنُطْقٍ، وَقَدْ خَرَقَ اللَّهُ الْعَادَةَ لِنَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَسْمَعَهُ كَلَامَ النَّفْسِ مِنْ قَوْمٍ تَحَدَّثُوا مَعَ أَنْفُسِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِهِ وَكَذَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَإِيَّاهُ عَنَى بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدِّثِينَ وَإِنْ عُمَرُ مِنْهُمْ» انْتَهَى بِمَعْنَاهُ. [كِتَابُ الْجِهَادِ] [حَدِيث مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] كِتَابُ الْجِهَادِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ قَالَ فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فَذَكَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ» ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لَا أَجِدُهُ قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَك فَتَقُومَ، وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ، قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَتَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٌ» وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» . (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ الْجِهَادِ جِدًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْقِيَامَ بِآيَاتِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَدْ عَدَلَهَا الْمُجَاهِدُ، وَصَارَتْ جَمِيعُ حَالَاتِهِ مِنْ تَقَلُّبِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ أَكْلِهِ وَنَوْمِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لِمَا يَحْتَاجُهُ، وَأَجْرُهُ فِي ذَلِكَ كَأَجْرِ الْمُثَابِرِ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَتِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُفْتَرُ، وَقَلِيلٌ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ عَطَاءٌ وَإِحْسَانٌ قُلْت الْمُجَاهِدُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ فِي عِبَادَةٍ مَعَ الْمَشَقَّةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ، وَمُخَاطَرَتِهِ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِيَ أَعَزُّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ، وَبَذْلِهِ لَهَا فِي رِضَى اللَّهِ تَعَالَى. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ (حَتَّى تَرْجِعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ انْتِهَاءَ رُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ، وَأَكَّدَ بِهَذِهِ الْغَايَةِ اسْتِيعَابَ هَذَا الْفَضْلِ جَمِيعَ حَالَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ عَنْ كَوْنِهِ مَثَلَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ ابْتِدَاءُ رُجُوعِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ شَبَّهَ الْمُجَاهِدَ فِي حَالَةِ الْجِهَادِ، وَفِي وَسَائِلِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ بِحَالَةِ مَنْ لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ فَكَانَ هُوَ بِمُفْرَدِهِ كَهَذِهِ الْأَعْمَالِ بِمَجْمُوعِهَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى عَمَلِ الْبَدَنِ، وَالْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي هِيَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» .   Qوَسَائِلُ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ، وَوَسِيلَةٌ إلَى غَيْرِهِ، وَفَضِيلَةُ الْوَسِيلَةِ بِحَسْبِ فَضِيلَةِ الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ، وَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ إلَى إعْلَانِ الدِّينِ وَنَشْرِهِ وَإِخْمَالِ الْكُفْرِ وَدَحْضِهِ فَفَضِيلَتُهُ بِحَسَبِ فَضِيلَةِ ذَلِكَ. [حَدِيث تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي، وَعَنْهُ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَهُ عِنْدَهُمَا غَيْرُ هَذَا الطَّرِيقِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (تَكَفَّلَ اللَّهُ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ تَضَمَّنَ اللَّهُ، وَمَعْنَاهُمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَهَذَا الضَّمَانُ، وَالْكَفَالَةُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] الْآيَةَ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَيْ كَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ فَيُعَادِي مَنْ أَبَاهُمَا، وَقِيلَ تَصْدِيقُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لِلْمُجَاهِدِينَ مِنْ عَظِيمِ الثَّوَابِ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ اعْتِبَارُ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَزْكُو مِنْهَا إلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِهِ مِنْ بَيْتِهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُودِ هَذَا الْقَصْدِ مِنْ ابْتِدَاءِ ذَلِكَ الْعَمَلِ. [فَائِدَة أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ (أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُدْخِلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] ، وَفِي الْحَدِيثِ أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَخَرَ لَهُ الْجَنَّةَ عِنْدَ دُخُولِ السَّابِقِينَ، وَالْمُقَرَّبِينَ بِلَا حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ، وَلَا مُؤَاخَذَةٍ بِذَنْبٍ، وَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مُكَفِّرَةً لِذَنْبِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ أَوْ يَرْجِعَهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَوْلُهُ إلَى مَسْكَنِهِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ تَأْكِيدٌ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ مَحَبَّةِ الْوَطَنِ. [فَائِدَة الْعَسْكَرَ إذَا لَمْ يَغْنَمْ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ] 1 (السَّابِعَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ «مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فَمَتَى حَصَلَتْ لِلْمُجَاهِدِ غَنِيمَةٌ لَا أَجْرَ لَهُ، وَلَا أَعْلَمُ قَائِلًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُنْقِصُ مِنْ أَجْرِ الْغَانِمِ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ سَرِيَّةٍ أَسَرَتْ فَأَخْفَقَتْ أَيْ لَمْ تَغْنَمْ شَيْئًا إلَّا كُتِبَ لَهَا أَجْرُهَا مَرَّتَيْنِ» قَالُوا وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَسْكَرَ إذَا لَمْ يَغْنَمْ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ، قَالُوا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتُصِيبُ غَنِيمَةً إلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ، وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا إنَّمَا فِيهِ تَعْجِيلُ بَعْضِ الْأَجْرِ مَعَ التَّسْوِيَةِ فِيهِ لِلْغَانِمِ وَغَيْرِ الْغَانِمِ إلَّا أَنَّ الْغَانِمَ عُجِّلَ لَهُ ثُلُثَا أَجْرِهِ، وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي جُمْلَتِهِ، وَقَدْ عَوَّضَ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فِي الْآخِرَةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ: الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْغُزَاةَ إذَا سَلِمُوا وَغَنِمُوا يَكُونُ أَجْرُهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ، أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَمْ، وَأَنَّ الْغَنِيمَةَ هِيَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْرِ غَزْوِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْغَزْوِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْغَنِيمَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ، وَهَذَا يُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِهِ «مِنَّا مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدَبُهَا» أَيْ يَجْنِيهَا، قَالَ: وَلَمْ يَأْتِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ صَحِيحٌ يُخَالِفُ هَذَا، وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى مَا ذَكَرْته بَعْدَ حِكَايَتِهِ أَقْوَالًا فَاسِدَةً (مِنْهَا) قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ ثَوَابُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ كَمَا لَمْ يُنْقَصُ ثَوَابُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَهُمْ أَفْضَلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَهِيَ أَفْضَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qغَنِيمَةٍ قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ أَنَّ أَبَا هَانِئٍ حُمَيْدٍ بْنَ هَانِئٍ رَاوِيَهُ مَجْهُولٌ، وَرَجَّحُوا الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي أَنَّ الْمُجَاهِدَ يَرْجِعُ بِمَا يَنَالُ مِنْ أَجْرٍ، وَغَنِيمَةٍ فَرَجَّحُوهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِشُهْرَتِهِ وَشُهْرَةِ رِجَالِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا فِي مُسْلِمٍ خَاصَّةً، وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ مِنْ أَوْجُهٍ فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ رُجُوعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ الْغَنِيمَةَ تُنْقِصُ الْأَجْرَ أَمْ لَا، وَلَا قَالَ أَجْرُهُ كَأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ فَهُوَ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَبُو هَانِئٍ مَجْهُولٌ فَغَلَطٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَيْوَةُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ كَوْنُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا فِي أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ فَلَيْسَ فِي غَنِيمَةِ بَدْرٍ نَصٌّ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا لَكَانَ أَجْرُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِهِمْ، وَقَدْ غَنِمُوا فَقَطْ، وَكَوْنُهُمْ مَغْفُورًا لَهُمْ مَرْضِيًّا عَنْهُمْ، وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ وَرَاءَ هَذَا مَرْتَبَةٌ أُخْرَى هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ شَدِيدُ الْفَضْلِ عَظِيمُ الْقَدْرِ، وَمِنْ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّ الَّذِي تَعَجَّلَ ثُلُثَيْ أَجْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ إذْ لَوْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ وَجْهِهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتَ الْأَجْرِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الَّتِي أَخْفَقَتْ يَكُونُ لَهَا أَجْرٌ بِالْأَسَفِ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَيُضَاعِفُ ثَوَابَهَا كَمَا يُضَاعِفُ لِمَنْ أُصِيبَ فِي مَالِهِ وَأَهْلِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ مُبَايِنٌ لِصَرِيحِ الْحَدِيثِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَاهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ بِلَا غَنِيمَةٍ إنْ لَمْ يَغْنَمْ أَوْ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ مَعًا إنْ غَنِمَ فَالْأَجْرُ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَعَ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِهِ، وَكَيْفَ [يَكُونُ] الْمُجَاهِدُ الْمُخْلِصُ بِلَا أَجْرٍ مَعَ كَوْنِهِ كَالصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ فَمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِلَا أَجْرٍ، وَقَدْ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ لَنَا، وَلَوْ كَانَ حُصُولُهَا مَانِعًا مِنْ الْأَجْرِ لَمْ تَحْصُلْ بِهَا الْمِنَّةُ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ نِقْمَةٌ، وَقَدْ «ضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُثْمَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى» .   Q- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ بَدْرٍ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ» ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ (أَوْ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَكَذَا وَقَعَ بِالْوَاوِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ. [حَدِيث وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ. وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أُشْهِدُ اللَّهَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ بِمَعْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْيَمِينِ وَانْعِقَادِهَا بِقَوْلِهِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْيَمِينُ تَكُونُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ. [فَائِدَة الْحَلِفِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى ذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ الِاسْتِخْفَافُ بِالْيَمِينِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ نَفْسِي بِإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ بِفَتْحِ الْفَاءِ لَكَانَ كَلَامًا صَحِيحًا لَكِنْ لَا يَجُوزُ النُّطْقُ بِالْحَدِيثِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ، وَالْيَدُ هُنَا الْقُدْرَةُ وَالْمِلْكُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. [فَائِدَة تَمَنِّي الْإِنْسَانِ الْخَيْرَ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ تَمَنٍّ الْإِنْسَانِ الْخَيْرَ، وَإِنْ كَانَ مُحَالًا فِي الْعَادَةِ وَالْمَكْرُوهُ إنَّمَا هُوَ التَّمَنِّي فِي الشَّهَوَاتِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا. (السَّادِسَةُ) لَمْ يَتَمَنَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا بَعْدَ الْمُقَاتَلَةِ لِيَكُونَ مِنْهُ عَمَلٌ وَإِقَامَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إذَا طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ» قَالَ قَالَ أَبِي يَعْنِي (الْعَرْفَ الرِّيحَ) ..   Qلِلدِّينِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111] . (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (أُحْيَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثًا أَيْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَقَوْلُهُ أُشْهِدُ اللَّهَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ تَأْكِيدٌ لِمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ تَمَنِّيه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقَدْ وَرَدَ تَمَنِّيه ذَلِكَ أَرْبَعًا، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ» . (الثَّامِنَةُ) فِيهِ فَضْلُ الْجِهَادِ وَالشَّهَادَةِ. [حَدِيث وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إذَا طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ، قَالَ أَبِي يَعْنِي الْعَرْفَ الرِّيحَ» . (فِيهِ) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (لَا يُكْلَمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُخَفَّفَةً أَيْ لَا يُجْرَحُ، وَالْكَلْمُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ الْجُرْحُ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ نَبَّهَ بِهَا عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (يَثْعَبُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ يَجْرِي مُنْفَجِرًا كَثِيرًا، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَفَجَّرُ دَمًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِهَا، وَأَصْلُهُ تَتَفَجَّرُ فَحُذِفَتْ إحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَحَدٌ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُسْلِمِ الْكَامِلُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ لَا يَكُونُ كَلْمُهُ إلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَكُونُ هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَجَاءَ عَلَى التَّأْنِيثِ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ (كَهَيْئَتِهَا) وَفِي قَوْلِهِ (إذَا طُعِنَتْ) وَفِي قَوْلِهِ تَفَجَّرُ مَعَ تَقْدِيمِ التَّذْكِيرِ فِي قَوْلِهِ كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ عَلَى التَّأْوِيلِ بِالْجِرَاحَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِذَا طُعِنَتْ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الدَّالِ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ (قُلْت) وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ إذْ بِدُونِ أَلِفٍ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالَةٍ مَاضِيَةٍ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِإِذَا لِتَصْوِيرِ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَأَنَّهَا فِي الْقِيَامَةِ كَحَالَةِ الْجِرَاحَةِ. (السَّادِسَةُ) إنْ قُلْت أَيْنَ خَبَرُ قَوْلِهِ كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ (قُلْت) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَامِلُ الْإِسْلَامِ فَأَخْبَرَ بِأَنَّ جَمِيعَ كُلُومِ الْمُسْلِمِ الْكَامِلِ الْإِسْلَامِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى آخِرِهِ، وَثُمَّ زَائِدَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلَهُ اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ لَك مِنْ تَتِمَّةِ أَوْصَافِ الْمُبْتَدَأِ فَمَحَطُّ الْفَائِدَةِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ جِرَاحَاتِ سَبِيلِ اللَّهِ تَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ رَائِحَتُهَا كَالْمِسْكِ. (السَّابِعَةُ) (الْعَرْفُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الرِّيحُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَدْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْقَائِلُ قَالَ أَبِي هُوَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَوْ قَالَ يَعْنِي بِالْعَرْفِ الرِّيحَ لَكَانَ أَوْلَى، وَكَأَنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ مِنْ قَوْلِهِ الْعَرْفَ عَلَى طَرِيقِ التَّوَسُّعِ فَانْتَصَبَ. [فَائِدَة المجروح فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَحْيَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ أَنَّ الْمَجْرُوحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَحْيَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ حَالَةَ الْجِرَاحَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ أَوْ تَبْرَأَ جِرَاحَتُهُ لِقَوْلِهِ كُلُّ كَلْمٍ،، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدُ فَضِيلَتِهِ، وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. [فَائِدَة مَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَتْلِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ] 1 (التَّاسِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالُوا وَهَذَا الْفَضْلُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَتْلِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَفِي إقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بِالْمَعْنَى هَذِهِ الْأُمُورُ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (قُلْت) وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي دُخُولِ الْمُقَاتِلِ دُونَ مَالِهِ فِي هَذَا الْفَضْلِ لِإِشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى اعْتِبَارِ الْإِخْلَاصِ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، وَالْمُقَاتِلُ دُونَ مَالِهِ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ إنَّمَا يَقْصِدُ صَوْنَ مَالِهِ، وَحِفْظَهُ فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِدَاعِيَةِ الطَّبْعِ لَا بِدَاعِيَةِ الشَّرْعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَهِيدًا أَنْ يَكُونَ دَمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرِيحِ الْمِسْكِ، وَأَيُّ بَذْلٍ بَذَلَ نَفْسَهُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَسْتَحِقَّ هَذَا الْفَضْلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة فَضْلَ الشَّهِيدِ] (الْعَاشِرَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ يُبْعَثُ عَلَى حَالِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ فَضْلَ الشَّهِيدِ أَنَّ رِيحَ دَمِهِ كَرِيحِ الْمِسْكِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ قَالَ: وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمَوْتَى جُمْلَةً يُبْعَثُونَ عَلَى هَيْئَتِهِمْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعَ الْحَدِيثَ فِي الشَّهِيدِ فَتَأَوَّلَهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَيَكُونُ الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِهِ هُوَ الشَّهِيدَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُزَمَّلَ بِثِيَابِهِ، وَيُدْفَنَ فِيهَا، وَلَا يُغْسَلَ عَنْهُ دَمُهُ، وَلَا يُغَيَّرَ شَيْءٌ مِنْ حَالِهِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّكُمْ تُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] ، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إبْرَاهِيمُ» قَالَ: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يُخْتَمُ لَهُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى (قُلْت) وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا نَزَعَ الثِّيَابَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ لِنَجَاسَةٍ فِيهَا إمَّا مُحَقَّقَةٌ، وَإِمَّا مَشْكُوكَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ بِثِيَابٍ مُحَقَّقَةِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الْمَأْمُورِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ انْخِتَامِ الْآجَالِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَحْثُوثٌ عَلَى أَنْ يَخْتِمَ أَعْمَالَهُ بِالصَّالِحَاتِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الشَّهِيدَ لَا يُزَالُ عَنْهُ الدَّمُ بِغُسْلٍ وَلَا غَيْرِهِ] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُزَالُ عَنْهُ الدَّمُ بِغُسْلٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا لَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى ذَلِكَ ضَعِيفًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ غُسْلِنَا الدَّمَ إقَامَةً لِوَاجِبِ التَّطْهِيرِ وَالْغُسْلِ ذَهَابُ الْفَضْلِ الْحَاصِلِ بِالشَّهَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا لَزِمَ بِغُسْلِهِ لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِيءُ دَمُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْبَدِيعَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ كُلُّ كَلْمٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَرْكِ غُسْلِ دَمِ الشَّهِيدِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ. [فَائِدَة الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ بِنَجَاسَةٍ دُونَ لَوْنِهِ] 1 {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ مَا يَقَعُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالْمَاءِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ حَدِيثًا صَحِيحَ السَّنَدِ فِي الْمَاءِ فَاسْتَدَلَّ عَلَى حُكْمِ الْمَاءِ الْمَائِعِ بِحُكْمِ الدَّمِ الْمَائِعِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ، وَلَا فِي الدَّمِ مَعْنَى الْمَاءِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَلَا يَشْتَغِلُ الْفُقَهَاءُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ اللُّغْزُ بِهِ، وَإِشْكَالُهُ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ إيضَاحُهُ وَبَيَانُهُ، وَبِهَذَا أُخِذَ الْمِيثَاقُ عَلَيْهِمْ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ، وَلَا يَكْتُمُونَهُ انْتَهَى ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ بِنَجَاسَةٍ دُونَ لَوْنِهِ أَنَّ الْحُكْمَ لِرَائِحَتِهِ فَيَكُونُ نَجِسًا، وَلَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَرَائِحَتُهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ لِأَنَّ دَمَ الشَّهِيدِ لَمَّا اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَرَائِحَتُهُ كَانَ الْحُكْمُ لِرَائِحَتِهِ، وَعَكَسَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ فَقَالَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَاعَى فِي الْمَاءِ تَغَيُّرُ لَوْنِهِ دُونَ رَائِحَتِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى هَذَا الْخَارِجَ مِنْ جُرْحِ الشَّهِيدِ دَمًا، وَإِنْ كَانَ رِيحُهُ رِيحَ الْمِسْكِ، وَلَمْ يُسَمِّهِ مِسْكًا فَغَلَّبَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالِاسْمَ لِلَوْنِهِ عَلَى رَائِحَتِهِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى تَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُنَا فِيمَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ بِالْمُجَاوَرَةِ فَأَمَّا بِمَا خَالَطَهُ فَعَبْدُ الْمَلِكِ يَقُولُ لَا يُعْتَدُّ بِالرَّائِحَةِ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ يَعْتَبِرُونَ الرَّائِحَةَ كَاعْتِبَارِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَظْهَرُ ثُمَّ إنَّ فَرْضَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّغَيُّرِ بِالنَّجَاسَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ أَحَدِ الْأَوْصَافِ بِالنَّجَاسَةِ كَافٍ فِي تَنْجِيسِهِ، وَقَدْ نَقَلَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا الْإِجْمَاعَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّغَيُّرِ بِالظَّاهِرِ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هُوَ كَالتَّغَيُّرِ بِالنَّجَاسَةِ يَكْفِي فِيهِ أَحَدُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي اللَّوْنُ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنْ يَفْرِضَ ذَلِكَ فِي التَّغَيُّرِ بِالطَّاهِرِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ إيرَادَ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلرُّخْصَةِ فِي الرَّائِحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّغْلِيظِ بِعَكْسِ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ الدَّمَ لَمَّا انْتَقَلَ بِطِيبِ رَائِحَتِهِ مِنْ حُكْمِ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ، وَمِنْ الْقَذَارَةِ إلَى الطِّيبِ بِتَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ، وَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمِسْكِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ يَنْتَقِلُ عَلَى الْعَكْسِ بِخُبْثِ الرَّائِحَةِ أَوْ تَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى النَّجَاسَةِ انْتَهَى. وَجَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَاسْتَنْبَطَ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَمَّا حُكِمَ لِلدَّمِ بِالطَّهَارَةِ بِتَغَيُّرِ رِيحِهِ إلَى الطِّيبِ وَبَقِيَ فِيهِ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَغَيُّرَهُمَا إلَى الطِّيبِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ إذَا تَغَيَّرَ مِنْهُ وَصْفَانِ بِالنَّجَاسَةِ وَبَقِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ قِيلَ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمْت لِأَنَّ رِيحَ الْمِسْكِ حُكْمٌ لِلدَّمِ بِالطَّهَارَةِ فَكَانَ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ تَبَعًا لِلظَّاهِرِ، وَهُوَ الرِّيحُ الَّذِي انْقَلَبَ رِيحَ مِسْكٍ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ إذَا تَغَيَّرَ مِنْهُ وَصْفٌ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةٍ حَلَّتْ فِيهِ كَانَ الْوَصْفَانِ الْبَاقِيَانِ تَبَعًا لِلنَّجَاسَةِ، وَكَانَ الْمَاءُ بِذَلِكَ خَارِجًا عَنْ حَدِّ الطَّهَارَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ صِفَةِ الْمَاءِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا انْتَهَى. [فَائِدَة اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُضَافِ الْمُتَغَيِّرَةِ أَوْصَافُهُ إلَى الطِّيبِ] {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا أَبُو حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُضَافِ الْمُتَغَيِّرَةِ أَوْصَافُهُ إلَى الطِّيبِ، وَحُجَّتُهُ بِذَلِكَ تَضْعُفُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْت خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِي، وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي» .   Q [حَدِيث وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مَا قَعَدْت خَلْفَ سَرِيَّةٍ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْت خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً؛ فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِي، وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَقْعُدُوا بَعْدِي» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ خَمْسَتِهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. {الثَّانِيَةُ} السَّرِيَّةُ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ تَنْفَرِدُ بِالْغَزْوِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ مَا بَيْنَ خَمْسَةِ أَنْفُسٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقِيلَ هِيَ مِنْ الْخَيْلِ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ خُلَاصَةً لِلْعَسْكَرِ، وَخِيَارَهُمْ مِنْ الشَّيْءِ السِّرِّيِّ النَّفِيسِ، وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يُنَفِّذُونَ سِرًّا وَخُفْيَةً، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِأَنَّ لَامَ السِّرِّ رَاءٌ، وَهَذِهِ يَاءٌ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ أَيْ بَعْدَهَا، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَاضِحٌ، وَفِيهِ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْجِهَادِ، وَقَدْ أَوْضَحَ فِي الْحَدِيثِ صُورَةَ الْمَشَقَّةِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا تَطِيبُ أَنْفُسُ الصَّحَابَةِ بِالتَّخَلُّفِ عَنْ الْغَزْوِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفَقَةٍ وَكُلْفَةٍ مَعَ ضِيقِ الْحَالِ، وَقَوْلُهُ فَأَحْمِلَهُمْ بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ النَّفْيِ وَالسَّعَةُ بِفَتْحِ السِّينِ. {الرَّابِعَةُ} وَفِيهِ رِفْقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمَّتِهِ وَرَأْفَتُهُ بِهِمْ، وَأَنَّهُ يَتْرُكُ بَعْضَ أَعْمَالِ الْبِرِّ خَشْيَةَ أَنْ يَتَكَلَّفُوهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الرِّفْقِ بِالْمُسْلِمِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ يُقْتَلُ هَذَا فَيَلِجُ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيه إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَضْحَكُ اللَّهُ لِرَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ» .   Qوَالسَّعْيِ فِي زَوَالِ الْمَكْرُوهِ وَالْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ بُدِئَ بِأَهَمِّهَا. {الْخَامِسَةُ} وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا فَرْضَ عَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ كَانَ فِي زَمَنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَدْ يَتَعَيَّنُ لِعَارِضٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ] الْحَدِيثُ السَّادِسُ. وَعَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ يُقْتَلُ هَذَا فَيَلِجُ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْآخَرِ فَيَهْدِيه إلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُسْتَشْهَدُ» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَضْحَكُ اللَّهُ لِرَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ الطَّرِيقِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 وَعَنْ جَابِرٍ «قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ أُحُدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qالثَّانِيَةِ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ» . {الثَّانِيَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الضَّحِكُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الضَّحِكُ الْمَعْرُوفُ فِي صِفَتِنَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الْأَجْسَامِ، وَمِمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ تَغَيُّرُ الْحَالَاتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِهِ الرِّضَى بِفِعْلِهِمَا، وَالثَّوَابُ عَلَيْهِ، وَحَمْدُ فِعْلِهِمَا، وَمَحَبَّتُهُ، وَتَلَقِّي رُسُلِ اللَّهِ لَهُمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الضَّحِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ مَا يَرْضَاهُ، وَسُرُورِهِ بِهِ وَبِرِّهِ لِمَنْ يَلْقَاهُ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا ضَحِكَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمْ لِقَبْضِ رُوحِهِ وَإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ كَمَا يُقَالُ قَتَلَ السُّلْطَانُ فُلَانًا أَيْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ يَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَتَلَقَّى بِالرُّوحِ، وَالرَّاحَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ، وَهَذَا مَجَازٌ مَفْهُومٌ قَالَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ الْخَوْضَ فِي مِثْلِ هَذَا. {الثَّالِثَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ كَانَ كَافِرًا، وَتَوْبَتُهُ إسْلَامُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. [فَائِدَة سَبَبِ تَسْمِيَةِ الشَّهِيدِ شَهِيدًا] 1 {الرَّابِعَةُ} اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الشَّهِيدِ شَهِيدًا فَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَهِدَتْ، وَحَضَرَتْ دَارَ السَّلَامِ، وَأَرْوَاحُ غَيْرِهِمْ إنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أُعِدَّ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ، وَقِيلَ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحَهُ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ، وَخَاتِمَةُ الْخَيْرِ ظَاهِرُ حَالِهِ، وَقِيلَ لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا، وَهُوَ الدَّمُ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ الرِّسَالَةَ إلَيْهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ. [حَدِيث قَالَ رَجُلٌ يَوْم أُحُدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ قُتِلْت فَأَيْنَ أَنَا] الْحَدِيثُ السَّابِعُ. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ أُحُدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ قُتِلْت فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 إنْ قُتِلْت فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ فِي الْجَنَّةِ، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو تَخَلَّى مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا» .   Qالْجَنَّةِ فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو تَخَلَّى مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ قَوْلُهُ قَالَ (غَيْرُ عَمْرٍو) وَمَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَأَنَّهُ قَالَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُرْسَلًا. {الثَّانِيَةُ} ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنِ بَشْكُوَالَ، وَأَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ فِي مُبْهَمَاتِهِمْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، وَمُسْتَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُومُوا إلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحُمَامِ بَخٍ بَخٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَحْمِلُك عَلَى قَوْلِك بَخٍ بَخٍ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَإِنَّك مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَاخْتَرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قِرَانِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ لَئِنْ أَنَا حَيِيت حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ» وَفِيمَا ذَكَرُوهُ نَظَرٌ لِأَنَّ قِصَّةَ الْمُبْهَمِ كَانَتْ فِي أُحُدٍ، وَهَذِهِ فِي بَدْرٍ، وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِهَا، وَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ كَانَتْ قِصَّةَ يَوْمِ بَدْرٍ لَا يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِ رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَا تَوْجِيهَ لِذَلِكَ بَلْ الضَّعِيفُ تَفْسِيرُ هَذِهِ بِهَذِهِ، وَكُلٌّ مِنْهَا صَحِيحَةٌ، وَهُمَا قِصَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إنَّهُ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَعَلَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ إحْدَى الْقِصَّتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ الْحُمَامِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ ابْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ، وَقِيلَ إنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْقَاتِلُ لَهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيُّ، وَقَتِيلٌ بَلْ أَوَّلُ قَتِيلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ. [فَائِدَة ثُبُوتُ الْجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ] 1 {الثَّالِثَةُ} وَفِيهِ ثُبُوتُ الْجَنَّةِ لِلشَّهِيدِ وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 وَعَنْهُ قَالَ «كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» .   Qبِالْخَيْرِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَغَلُ عَنْهُ بِحُظُوظِ النُّفُوسِ، وَفِيهِ جَوَازُ الِانْغِمَاسِ فِي الْكُفَّارِ وَالتَّعَرُّضِ لِلشَّهَادَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (تَخَلَّى مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ فَرَغَ فُؤَادُهُ مِنْهُ وَالتَّخَلِّي التَّفَرُّغُ، وَمِنْهُ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ. [حَدِيث كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعِمِائَةٍ] الْحَدِيثُ الثَّامِنُ. وَعَنْهُ قَالَ «كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعِمِائَةٍ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَلَهُ عَنْهُ طُرُقٌ. {الثَّانِيَةُ} الْحُدَيْبِيَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَتَخْفِيفِهَا، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُونَهَا، وَالصَّوَابُ تَخْفِيفُهَا، وَهِيَ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ فِيهَا، وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ عُمْرَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ فَصُدَّ عَنْ الْبَيْتِ، وَصَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى الِاعْتِمَارِ فَاعْتَمَرَ مِنْ قَابِلٍ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِعُمْرَةِ الْقَضَّةِ، وَهِيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُمْ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ، وَالرِّوَايَاتُ الثَّلَاثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا، وَسِتِّمِائَةٍ، وَأَكْثَرُ، وَرِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ وَكَسْرًا فَمَنْ قَالَ أَرْبَعَمِائَةٍ لَمْ يَعْتَبِرْ الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ وَخَمْسَمِائَةٍ اعْتَبَرَهُ، وَمَنْ قَالَ: وَثَلَثَمِائَةٍ تَرَكَ بَعْضَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ الْعَدَّ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجَمْعِ تَعَرُّضٌ لِرِوَايَةِ وَسِتِّمِائَةٍ، وَيُنَافِي هَذَا الْجَمْعُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا حَتَّى يَكُونَ إثْمًا فَإِذَا كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ الْإِثْمِ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ،   Qأَيْضًا مَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَحْرَمَ مَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي مَبْدَأِ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ غَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] الْآيَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَلِجُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْحُدَيْبِيَةَ» ، وَهُمْ الْمُرَادُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة: 100] فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ آخَرُونَ هُمْ أَهْلُ بَدْرٍ. {الْخَامِسَةُ} أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا السَّفَرُ إنَّمَا كَانَ سَفَرَ اعْتِمَارٍ لَكِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْبَيْعَةُ عَلَى الْجِهَادِ. [حَدِيث مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ] الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا كَانَ أَحَبُّهُمَا إلَيْهِ أَيْسَرَهُمَا حَتَّى يَكُونَ إثْمًا فَإِذَا كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ الْإِثْمِ وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ..   Qحُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ «مَا ضَرَبَ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً قَطُّ» مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ «وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ» إلَى آخِرِهِ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ سَاقَ الْبُخَارِيُّ لَفْظَهُ، وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ إنَّهُ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَأَحَالَ بِهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ بِكَمَالِهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الْخَادِمِ، وَنَحْوَهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعَاتِبْهُ قَطُّ. [فَائِدَة الضَّرْبُ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] 1 {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهَا (وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ) مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَأَفْرَدَ ذَلِكَ لِيُسْتَثْنَى مِنْهُ الضَّرْبُ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَخَصَّ الْخَادِمَ بِالذِّكْرِ أَوَّلًا لِوُجُودِ سَبَبِ ضَرْبِهِ لِلِابْتِلَاءِ بِمُخَالَطَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ غَالِبًا، وَفِيهِ فَضْلُ الْجِهَادِ، وَالْمُقَاتَلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ التَّنَزُّهُ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ بِنَفْسِهِ بَلْ يُقِيمُ لَهَا مَنْ يَتَعَاطَاهَا، وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. [فَائِدَة الْأَخْذِ بِالْأَيْسَرِ وَالْأَرْفَقِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا] 1 {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (إلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا) كَذَا رَوَيْنَاهُ بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَرَفْعِ الثَّانِي عَلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ فِي الِاسْمِيَّةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَخْذِ بِالْأَيْسَرِ وَالْأَرْفَقِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا، وَفِي أَخْذِ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْحَدِيثِ نَظَرٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِعْلُ الْمَكْرُوهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُ مَا عَسِرَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَرْكُ الْإِلْحَاحِ فِيهِ إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ، وَالْمَيْلُ إلَى الْأَيْسَرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبَدًا، وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخْذُ بِرُخَصِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُخَصِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَرُخَصِ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ خَطَأً بَيِّنًا قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالسَّعَةِ مَا لَمْ يَخَفْ الْمَأْثَمَ؛ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الْعِلْمُ أَنْ تَسْمَعَ بِالرُّخْصَةِ مِنْ ثِقَةٍ فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيَحُسُّهُ كُلُّ أَحَدٍ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْيِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا فِيهِ عُقُوبَتَانِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ أَوْ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ فِي الْمُجَاهَدَةِ فِي الْعِبَادَةِ أَوْ الِاقْتِصَادِ فَكَانَ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ فِي كُلِّ هَذَا قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا فَيُتَصَوَّرُ إذَا خَيَّرَهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَأَمَّا إنْ كَانَ التَّخْيِيرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا. [فَائِدَة الْحَثُّ عَلَى الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى] {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ» فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْعَفْوِ، وَالصَّفْحِ، وَالْحِلْمِ، وَاحْتِمَالِ الْأَذَى، وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأَئِمَّةِ، وَالْقُضَاةِ، وَسَائِرِ وُلَاةِ الْأُمُورِ التَّخَلُّقُ بِهَذَا الْخُلُقِ الْكَرِيمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ. [فَائِدَة أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 1 {السَّادِسَةُ} قَوْلُهُ (حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ) أَيْ يُرْتَكَبَ مَا حَرَّمَهُ، وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ لِأَنَّ انْتِقَامَهُ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ لَيْسَ انْتِقَامًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ فِيهِ انْتِقَامًا فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ لَا حَقِيقَةً لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ أَيْ بِإِيذَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَا فِيهِ غَضَاضَةٌ فِي الدِّينِ فَذَلِكَ مِنْ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا لَا يَجُوزُ أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلٍ مُبَاحٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ أَذَى غَيْرِهِ بِمَا يُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي إرَادَةِ عَلِيٍّ تَزْوِيجَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ «إنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ يُؤْذِينِي مَا أَذَاهَا، وَلَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا» ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] الْآيَةَ فَأَطْلَقَ وَعَمَّمَ، وَقَالَ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] فَقَدْ شَرَطَ (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) قَالَ مَالِكٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْفُو عَنْ شَتْمِهِ، وَقَدْ عَفَا عَنْ الَّذِي قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إلَى رَبَاعِيَتِهِ، وَقَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .   Qلَهُ إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الدِّينِ فَقَدْ يَكُونُ عَفْوُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الطَّعْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا الَّذِي يَصِحُّ الْخَطَأُ مِنْهُ فِيهَا، وَالصَّوَابُ، أَوْ كَانَ هَذَا اسْتِئْلَافًا لِمِثْلِهِ كَمَا اسْتَأْلَفَهُمْ بِمَالِهِ وَمَالِ اللَّهِ رَغْبَةً فِي إسْلَامِ مِثْلِهِ. [حَدِيث اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إلَى رَبَاعِيَتِهِ، وَقَالَ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ جُرِحَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَغْسِلُ الدَّمَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَسْكُبُ عَلَيْهَا بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةَ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا فَأَلْصَقَتْهُ بِالدَّمِ فَاسْتَمْسَكَ» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] » قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَذَكَّرَنِي رَبِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ شَجَّهُ فِي وَجْهِهِ وَأَنَّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ وَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الَّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَأَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَتَّى اسْتَوَى قَائِمًا وَمَصَّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الدَّمَ مِنْ وَجْهِهِ ثُمَّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ مَصَّ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» ، وَرَوَى عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَقَطَتْ شَفَتُهُ ثُمَّ نَزَعَ الْأُخْرَى فَسَقَطَتْ شَفَتُهُ الْأُخْرَى فَكَانَ سَاقِطَ الشَّفَتَيْنِ» وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ «أَنَّ ابْنَ قَمِئَةَ لَمَّا رَمَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُحُدٍ قَالَ خُذْهَا، وَأَنَا ابْنُ قَمِئَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْمَأَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَانْصَرَفَ ابْنُ قَمِئَةَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى أَهْلِهِ فَخَرَجَ إلَى غَنَمِهِ فَوَافَاهَا عَلَى ذُرْوَةِ جَبَلٍ فَأَخَذَ يَعْتَرِضُهَا فَشَدَّ عَلَيْهِ تَيْسُهَا فَنَطَحَهُ نَطْحَةً أَرْدَاهُ مِنْ شَاهِقِ الْجَبَلِ فَتَقَطَّعَ» . {الثَّانِيَةُ} (الرَّبَاعِيَةُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِهَا وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَتَخْفِيفِهَا هِيَ السِّنُّ الَّتِي تَلِي الثَّنِيَّةَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَلِلْإِنْسَانِ أَرْبَعُ ثَنَايَا، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى، وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلُ وَتَلِيهَا الرَّبَاعِيَاتُ أَرْبَعٌ أَيْضًا ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى، وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلُ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي كُسِرَ مِنْ رَبَاعِيَاتِهِ الرَّبَاعِيَةُ الْيُمْنَى السُّفْلَى. {الثَّالِثَةُ} ، وَفِيهِ أَنَّ وُقُوعَ الْأَسْقَامِ، وَالْآلَامِ لِلْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ لِيَنَالُوا جَزِيلَ الْأَجْرِ، وَلِتَعْرِفَ أُمَمُهُمْ وَغَيْرُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، وَيَتَأَسَّوْا بِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُمْ مِنْ الْبَشَرِ تُصِيبُهُمْ مِحَنُ الدُّنْيَا، وَيَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِهِمْ مَا يَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِ الْبَشَرِ فَيَسْتَيْقِنُوا أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ، وَلَا يُفْتَتَنُ بِمَا ظَهَرَ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ، وَلَا تَلَبَّسَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُوتِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ» زَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ بِالرُّعْبِ «عَلَى الْعَدُوِّ» .   Qالشَّيْطَانُ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا لَبَّسَهُ عَلَى النَّصَارَى، وَغَيْرِهِمْ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ (عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَمَّنْ يَقْتُلُهُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا لِأَنَّ مَنْ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ قَاصِدًا قَتْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ «قَصَدَ يَوْمَ أُحُدٍ قَتْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَضَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَلَّوْا طَرِيقَهُ وَطَعَنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَرْبَتِهِ فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ طَعْنَتِهِ دَمٌ فَرَجَعَ إلَى قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكَّةَ أَنَا أَقْتُلُك فَوَاَللَّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي فَمَاتَ بِسَرِفَ، وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكَّةَ» ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ «قَالَ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ» . [حَدِيث نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُوتِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ] الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ. وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُوتِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ» تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ التَّيَمُّمِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا، وَنَذْكُرُ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يُفَنِّدْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُدَّةَ نَصْرِهِ بِالرُّعْبِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَتَّى إنَّ الْعَدُوَّ لَيَخَافَنِي مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ» ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا «نُصِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرُّعْبِ عَلَى عَدُوِّهِ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ» ، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا «وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ شَهْرًا أَمَامِي وَشَهْرًا خَلْفِي» ، وَفِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ..   Q [حَدِيث الْحَرْبُ خُدْعَةٌ] الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ. وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» . فِيهِ فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيِّ عَنْ الثَّوْرِيِّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَهَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، وَرَوَاهُ مَعَ ابْنِ عُيَيْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، وَغَيْرُهُ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ (خُدْعَةٌ) فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ (أَشْهُرُهَا) فَتْحُ الْخَاءِ وَإِسْكَانُ الدَّالِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا أَفْصَحُهُنَّ قَالَ ثَعْلَبٌ، وَغَيْرُهُ وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) الَّذِي رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْغَنَوِيِّ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لُغَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ إذَا خُدِعَ الْمُقَاتِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا إقَالَةٌ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) هَذَا وَ (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَخْدَعُ أَهْلَهَا وَصَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ (ثَالِثُهَا) أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لِلْمَفْعُولِ كَمَا قِيلَ ضَرَبَ الْأَمِيرُ أَيْ مَضْرُوبُهُ (اللُّغَةُ الثَّانِيَةُ) ضَمُّ الْخَاءِ، وَإِسْكَانُ الدَّالِ أَيْ أَنَّهَا تَخْدَعُ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ إذَا خَدَعَ صَاحِبَهُ فِيهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ خَدَعَتْ. (الثَّالِثَةُ) ضَمُّ الْخَاءِ وَفَتْحُ الدَّالِ أَيْ أَنَّهَا تَخْدَعُ أَهْلَهَا، وَتُمَنِّيهِمْ الظَّفَرَ أَبَدًا، وَقَدْ يَنْقَلِبُ بِهِمْ الْحَالُ لِغَيْرِهَا كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ لُعْبَةٌ وَضُحَكَةٌ لِلَّذِي يُكْثِرُ اللَّعِبَ وَالضَّحِكَ، وَحَكَى فِيهِ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِي السُّنَنِ رَابِعَةً، وَهِيَ فَتْحُهُمَا فَقَالَ: وَمِنْ فَتْحِهِمَا جَمِيعًا كَانَ جَمْعُ خَادِعٍ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَطْمَئِنُّ إلَيْهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ خُدْعَةٌ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ قَالَ: وَأَصْلُ الْخَدْعِ إظْهَارُ أَمْرٍ، وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ، وَيُقَالُ خَدَعَ الرِّيقُ فَسَدَ فَكَأَنَّ الْخَدَّاعَ يُفْسِدُ تَدْبِيرَ الْمَخْدُوعِ، وَيَفِلُّ رَأْيَهُ، وَقِيلَ الْخُدْعَةُ مِنْ خَدَعَ الدَّهْرُ إذَا تَلَوَّنَ انْتَهَى. [فَائِدَة الْخِدَاعِ فِي الْحَرْبِ] 1 {الثَّالِثَةُ} فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْخِدَاعِ فِي الْحَرْبِ، وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ خَدَعَهُ خَصْمُهُ، وَكَانَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ سَبَبًا لِانْتِكَاسِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ فَلَا يُهْمِلُ خَدِيعَةَ غَرِيمِهِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْدَعْهُ خَدَعَهُ هُوَ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَ أَمْكَنَ الْخِدَاعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَحِلُّ انْتَهَى. وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِتْيَانِ بِالتَّاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَحْدَةِ، فَإِنْ كَانَ الْخِدَاعُ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ فَكَأَنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْكُفَّارِ فَمَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ خِدَاعِهِمْ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ قَدْ يَنْشَأُ عَنْ تِلْكَ الْمَرَّةِ الْهَزِيمَةُ، وَلَوْ حَصَلَ الظَّفَرُ قَبْلَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَلَا يَنْبَغِي التَّهَاوُنُ بِذَلِكَ لِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَلَوْ قَلَّ الْخِدَاعُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الرُّخْصَةِ فِي الْكَذِبِ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ] 1 {الرَّابِعَةُ} بَوَّبَ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بَابَ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْكَذِبِ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْكَذِبِ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمَعَارِيضُ وَالتَّوْرِيَةُ فَلَا تَخْلُو الْخَدِيعَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ الْكَذِبُ الصَّرِيحُ فَقَدْ تَخْلُو الْخَدِيعَةُ عَنْهُ فَمِنْ الْمَعَارِيضِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا، وَكَانَ يَقُولُ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ، وَمَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ فِي شَيْءٍ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (قُلْت) هَذَا شَيْءٌ سَمِعْته، فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» ، وَقَدْ وَرَدَ التَّرْخِيصُ فِي الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أَنَّهُ] قَالَ «لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ كَذِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَرْبِ وَالْإِصْلَاحِ الْحَدِيثُ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ تَحْدِثَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ» ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ الْمَعَارِيضُ دُونَ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ إبَاحَةُ حَقِيقَةُ نَفْسِ الْكَذِبِ لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّعْرِيضِ أَفْضَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِي الْحُرُوبِ] {الْخَامِسَةُ} فِيهِ الْإِشَارَةُ إلَى اسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ فِي الْحُرُوبِ، وَلَا شَكَّ فِي احْتِيَاجِ الْمُحَارِبِ إلَى الرَّأْيِ وَالشَّجَاعَةِ، وَإِنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الرَّأْيِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى الشَّجَاعَةِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا عَلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) .   Qمَا يُشِيرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . «وَالنَّدَمُ تَوْبَةٌ» ، وَقَالَ الشَّاعِرُ الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ ... هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً ... بَلَغَتْ مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ. [فَائِدَة ذَمُّ الْحَرْبِ] 1 {السَّادِسَةُ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ مَا تَقَدَّمَ إنَّ مَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْخِدَاعِ فِي الْحَرْبِ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَرْبَ تَتَرَاءَى لِأَخَفِّ النَّاسِ بِالصُّورَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ تَمَّ تَتَجَلَّى عَنْ صُورَةٍ مُسْتَقْبَحَةٍ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ... تَسْعَى بِبَزَّتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ ، وَقَالَ الْحَرْبُ لَا تُبْقِي لِجِمَاحِهَا النَّخِيلَ وَالْمُرَاحَ. وَفَائِدَةُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا مَا قَالَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ» انْتَهَى. وَهَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ ذَمُّ الْحَرْبِ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا سَبَقَ فِي مَعْرِضِ مَدْحِهَا وَالتَّحَيُّلِ فِيهَا بِالْمُخَادَعَةِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي ذَمِّهَا فَذَاكَ فِي الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ النَّاشِئَةِ عَنْ التَّنَافُسِ فِي الدُّنْيَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ] الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ. وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِزِيَادَةِ «مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعَدُوُّ» ، وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ بِلَفْظِ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ سِتَّتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ لَمْ يَقُلْ كُرِهَ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ بِشْرٍ، وَرَوَاهُ أَبُو هَمَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ فَاتَّفَقُوا عَلَى لَفْظَةِ النَّهْيِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَابْنُ بُكَيْر، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَعْنِي بِلَفْظِ قَالَ مَالِكٌ «أَرَاهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِي آخِرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، وَفِي سِيَاقَةِ الْحَدِيثِ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ (قُلْت) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَيُّوبُ، وَاللَّيْثُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ قَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَكَّ هَلْ هِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا، وَقَدْ رَوَيْت عَنْ مَالِكٍ مُتَّصِلًا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَغَلِطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ النَّهْيُ عَنْ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُصْحَفُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِلتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ» ، وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ التَّحْرِيمُ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ (كُرِهَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وَظَاهِرُهُ التَّنْزِيهُ فَقَطْ، وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ (بَابُ كَرَاهِيَةِ السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ «سَافَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ» انْتَهَى. وَفِي بَعْض نُسَخِهِ بَابُ السَّفَرِ بِدُونِ ذِكْرِ الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى لَفْظِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ عَرَفْت مِنْ كَلَامِ الْبَرْقَانِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ لَفْظُ النَّهْيِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لَا يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَرْضِ الْعَدُوِّ فِي السَّرَايَا وَالْعَسْكَرِ الصَّغِيرِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ الْكَبِيرِ الْمَأْمُونِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُفَرِّقْ مَالِكٌ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ فِي السَّفَرِ بِالْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنْ أُمِنَتْ الْعِلَّةُ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ عَلَيْهِمْ فَلَا كَرَاهَةَ، وَلَا مَنْعَ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبُخَارِيُّ، وَآخَرُونَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالنَّهْيِ مُطْلَقًا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا، وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مَا سَبَقَ انْتَهَى، وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ إنْ قَصَدَ بِهِ مُعَارَضَةَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَتَمَكَّنُوا مِنْهُ فَيَنْتَهِكُوا حُرْمَتَهُ، وَلَيْسَ آدَمِيًّا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُمْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُدَافَعَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا يُعَدُّ الْمُهِينُ لَهُمْ مُهِينًا لِلْمُصْحَفِ لِأَنَّ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ، وَاَلَّذِي فِي الْمُصْحَفِ مُشَاهَدٌ مَحْسُوسٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ] 1 {الثَّالِثَةُ} يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِاسْتِهَانَةِ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَلْ يَصِحُّ لَوْ وَقَعَ، اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ (وَالثَّانِي) إجْرَاءُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى عِظَمِ حُرْمَةِ الْمُصْحَفِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ. {الرَّابِعَةُ} فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ: فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوُّ خَاصَمُوكُمْ بِهِ يَعْنِي بِهِ أَنَّكُمْ لَمَّا خَالَفْتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ نَبِيُّكُمْ فَمَكَّنْتُمْ عَدُوَّكُمْ مِنْ الْمُصْحَفِ نَالُوهُ وَتَوَجَّهَتْ حُجَّتُهُمْ عَلَيْكُمْ مِنْ حَيْثُ مُخَالَفَتِكُمْ نَبِيَّكُمْ، وَأَيْضًا فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِ وَجَدُوا فِيهِ مَا يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِالْمُخَالَفَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] الْآيَتَيْنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي تُرِكَ الْعَمَلُ بِهَا. [فَائِدَة تَعْلِيمِ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ] 1 {الْخَامِسَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَابِ فِي تَعْلِيمِ الْكَافِرِ الْقُرْآنَ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ، وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعَلَّمُونَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْصَرَفَ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ الْغَدِ عُمَرُ فَخَرَجَ فَرَجَعَ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ، وَأَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ شِدَّةٌ وَجَهْدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَدًا إلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ   Qالْقُرْآنَ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْكَرَاهَةُ، وَالثَّانِيَةُ الْجَوَازُ. {السَّادِسَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا كَرِهَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ أَنْ يُعْطَى الْكَافِرُ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا فِيهِ سُورَةٌ أَوْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إذَا كَانَتْ آيَةً تَامَّةً أَوْ سُورَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قُرْآنٌ، وَلَا اسْمُ اللَّهِ، وَلَا ذِكْرٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ ضَرْبِ الرُّومِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ أَوْ آيَاتٌ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ كِتَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هِرَقْلَ. [بَابُ اللِّوَاءِ] [حَدِيث حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ.] بَابُ اللِّوَاءِ. عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «حَاصَرْنَا خَيْبَرَ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَانْصَرَفَ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ الْغَدِ عُمَرُ فَخَرَجَ فَرَجَعَ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ وَأَصَابَ النَّاسَ شِدَّةٌ، وَجَهْدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي دَافِعٌ اللِّوَاءَ غَدًا إلَى رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ وَبِتْنَا طَيِّبَةً أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَدَعَا بِاللِّوَاءِ، وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ فَدَعَا عَلِيًّا، وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَفُتِحَ لَهُ، وَقَالَ بُرَيْدَةَ، وَأَنَا فِيمَنْ تَطَاوَلَ لَهَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ «فَمَا مِنَّا إنْسَانٌ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا، وَهُوَ يَرْجُو أَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 لَا يَرْجِعُ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ: وَبِتْنَا طَيِّبَةً أَنْفُسُنَا أَنَّ الْفَتْحَ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ قَامَ قَائِمًا فَدَعَا بِاللِّوَاءِ، وَالنَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ فَدَعَا عَلِيًّا، وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ اللِّوَاءَ، وَفُتِحَ لَهُ قَالَ بُرَيْدَةَ وَأَنَا فِيمَنْ تَطَاوَلَ لَهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيّ   Qيَكُونَ صَاحِبَ اللِّوَاءِ» ، وَمِنْ طَرِيق مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَفِيهِ شِعْرُ مَرْحَبٍ، وَفِيهِ «فَاخْتَلَفَ هُوَ، وَعَلِيٌّ ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلَى هَامَتِهِ حَتَّى عَضَّ السَّيْفُ مِنْهَا أَبْيَضَ رَأْسِهِ، وَسَمِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ صَوْتَ ضَرْبَتِهِ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ وَلَهُمْ» ، وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إخْرَاجِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَهَا طُرُقٌ أُخْرَى تَكَادُ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ. {الثَّانِيَةُ} اللِّوَاءُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ هُوَ بِمَعْنَى الرَّايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَالْمُرَادُ بِهِمَا الْعَلَمُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْحُرُوبِ، وَهُوَ مِنْ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ مَوْضِعُ تَقَدُّمِ الْجَيْشِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ أَنَّ اللِّوَاءَ، وَالرَّايَةَ مُتَرَادِفَانِ صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ لَكِنْ بَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَلَى الْأَلْوِيَةِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ» ، وَقَدْ رَوَاهُ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ بَوَّبَ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ» ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ» ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِثْلَ هَذَا التَّفْرِيقِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةِ مَكْتُوبٌ فِيهِ «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ ضَعِيفٌ، وَرَوَى هَذَا التَّفْصِيلَ أَيْضًا بِدُونِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو الشَّيْخِ بْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ اللِّوَاءِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ   Qوَالرَّايَةِ، وَلَعَلَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا عُرْفِيَّةٌ فَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئَانِ يُسَمَّى أَحَدُهُمَا لِوَاءً وَالْآخَرُ رَايَةً فَالتَّخْصِيصُ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةُ وَإِنْ اسْتَوَى مَدْلُولُهُمَا فِي اللُّغَةِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ قَالَ «رَأَيْت رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفْرَاءَ» ، وَفِي كِتَابِ الْجِهَادِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الْعَصْرِيِّ قَالَ «كُنْت جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَقَدَ رَايَةَ الْأَنْصَارِ، وَجَعَلَهَا صَفْرَاءَ» وَمِنْ حَدِيثِ كُرْزِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ عَقَدَ رَايَةَ بَنِي سُلَيْمٍ حَمْرَاءَ» . {الثَّالِثَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَلْوِيَةِ فِي الْحُرُوبِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ أَمِيرِ الْجَيْشِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ» الْحَدِيثَ فَجَعَلَ الْآخِذَ لِلرَّايَةِ هُوَ الْأَمِيرَ، وَقَدْ يُقِيمُ الْأَمِيرُ فِي حَمْلِهَا غَيْرَهُ، وَدَفْعُ اللِّوَاءِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لِأَبِي بَكْرٍ تَأْمِيرٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ لِعُمَرَ ثُمَّ لِعَلِيٍّ، وَلَيْسَ فِي إعْطَائِهِ لِعَلِيٍّ عَزْلٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ وِلَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى اللِّوَاءِ كَانَتْ خَاصَّةً بِذَلِكَ الْيَوْمِ فَانْقَضَتْ بِانْقِضَائِهِ، وَلَا أَمِيرَ كَامِلَ الْإِمْرَةِ مَعَ حُضُورِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَكِنَّهُ يُقِيمُ مَنْ يَشَاءُ فِيمَا يَشَاءُ. 1 - {الرَّابِعَةُ} . (الْجَهْدُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمَشَقَّةُ أَمَّا الْجُهْدُ بِالضَّمِّ، وَالْفَتْحِ فَهُوَ الطَّاقَةُ (وَالتُّفْلُ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ نَفْخٌ مَعَ شَيْءٍ مِنْ رِيقٍ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْبَصْقِ، وَأَكْثَرُ مِنْ النَّفْثِ. [فَائِدَة مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ] 1 {الْخَامِسَةُ} فِيهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ فَالْقَوْلِيَّةُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ فَكَانَ كَذَلِكَ، وَالْفِعْلِيَّةُ بُصَاقُهُ فِي عَيْنَيْهِ، وَكَانَ أَرْمَدَ فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَفِيهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبَيَانُ شَجَاعَتِهِ وَحُبِّهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَحُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إيَّاهُ. [بَابُ قِتَالِ الْأَعَاجِمِ وَالتُّرْكِ] [حَدِيث لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزَ وَكَرْمَانَ] بَابُ قِتَالِ الْأَعَاجِمِ وَالتُّرْكِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزَ وَكَرْمَانَ قَوْمًا مِنْ الْأَعَاجِمِ حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ» وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.   Qتُقَاتِلُوا خُوزَ وَكَرْمَانَ قَوْمًا مِنْ الْأَعَاجِمِ حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ» ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ وَهِيَ عِنْدَهُ قِطْعَةٌ مِنْ الْأُولَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ «وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ» ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الْأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَيْسَ فِي لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ التَّصْرِيحُ بِالتُّرْكِ نَعَمْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ بْن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ» ، وَيَمْشُونَ فِي الشَّعَرِ. {الثَّانِيَةُ} (خُوزُ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَعْدَهَا زَايٌ مُعْجَمَةٌ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ، وَرَوَيْنَا هَذَا اللَّفْظَ هُنَا بِتَرْكِ الصَّرْفِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَرَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ خَوْزًا مَصْرُوفًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ خِفَّتُهُ مَعَ عُجْمَتِهِ، وَرَوَى خُوزَ كَرْمَانَ بِإِضَافَةِ خَوْزٍ إلَى كَرْمَانَ أُضِيفَ الْجِيلُ إلَى سَكَنِهِمْ، وَيُقَالُ لِكُورِ الْأَهْوَازِ بِلَادَ الْخَوْزِ، وَيُقَالُ لَهَا خُوزِسْتَانَ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا خُوزِيٌّ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَيُرْوَى بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مِنْ أَرْضِ فَارِسٍ، وَصَوَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقِيلَ إذَا أُضِيفَتْ فَبِالرَّاءِ، وَإِذَا عُطِفَتْ فَبِالزَّايِ انْتَهَى وَكَرْمَانُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَإِسْكَانِ الرَّاءِ حَكَاهُمَا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَصَحَّحَ الْفَتْحَ مَعَ تَصْدِيرِ كَلَامِهِ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ، وَهُوَ اسْمٌ لِصَقْعٍ مَشْهُورٍ يَشْتَمِلُ عَلَى عِدَّةِ بِلَادٍ فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِالْإِضَافَةِ فَالْأَمْرُ فِيهِ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَطْفِ فَالْمُرَادُ أَهْلُ كَرْمَانَ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ قَوْمًا مِنْ الْأَعَاجِمِ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «حُمْرَ الْوُجُوهِ» بِإِسْكَانِ الْمِيمِ أَيْ بِيضَ الْوُجُوهِ مُشْرَبَةً بِحُمْرَةٍ، وَقَوْلُهُ «فُطْسَ الْأُنُوفِ» بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ، وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي رَأْسِ الْأَنْفِ انْبِطَاحٌ، وَهُوَ ضِدُّ الشَّمَمِ فِي الْأَنْفِ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «ذُلْفَ الْأُنُوفِ» هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ الْمَشْهُورَةُ الْمُعْجَمَةُ، وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَالْمَطَالِعِ، قَالَ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ بِالْمُعْجَمَةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ، وَالصَّوَابُ الْمُعْجَمَةُ، وَهُوَ بِضَمِّ الذَّالِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ جَمْعُ أَذْلَفَ كَأَحْمَرَ وَحُمْرٍ، وَمَعْنَاهُ فُطْسُ الْأُنُوفِ قِصَارُهَا مَعَ انْبِطَاحٍ، وَقِيلَ هُوَ غِلَظٌ فِي أَرْنَبَةِ الْأَنْفِ، وَقِيلَ تَطَامُنٌ فِيهَا، وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ جَمْعُ مِجَنٍّ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ التُّرْسِ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَجَازَ فِيهِ كَسْرَ الْمِيمِ فِي الْجَمْعِ، وَإِنَّهُ خَطَأٌ، وَقَوْلُهُ «الْمُطْرَقَةُ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ هُنَا هُوَ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ، وَحُكِيَ فَتْحُ الطَّاءِ وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ الَّتِي أُلْبِسَتْ الْعَقِبَ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ الْعَصَبُ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهُ الْأَوْتَارُ، وَأَطْرَقْت بِهِ طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ قَالُوا، وَمَعْنَاهُ تَشْبِيهُ وُجُوهِ التُّرْكِ فِي عُرْضِهَا، وَتَنِزَّ وَجَنَاتِهَا، وَغِلَظِهَا بِالتِّرْسَةِ الْمُطْرَقَةِ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «نِعَالُهُمْ الشَّعَرُ» مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ نِعَالَهُمْ مِنْ حِبَالِ صُنِعَتْ مِنْ الشَّعَرِ، وَكَذَا يَفْعَلُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»   Qبَعْضُ الْأَتْرَاكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَمْشُونَ فِي الشَّعْرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْإِشَارَةُ إلَى كَثْرَةِ شُعُورِهِمْ، وَكَثَافَتِهَا وَطُولِهَا فَهُمْ بِذَلِكَ يَمْشُونَ فِيهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَدَّ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ إلَيْهَا، وَيَكُونُ مَعْنَى نِعَالُهُمْ الشَّعْرُ: أَنَّ شُعُورَهُمْ وَنَوَاصِيَهُمْ وَافِيَةٌ عَلَى قَدْرِ قُدُودِهِمْ حَتَّى يَطَئُوا أَطْرَافَ دَوَابِّهِمْ، وَهَذَا تَكَلُّفٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {السَّادِسَةُ} هَذِهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ وُجِدَ قِتَالَ هَؤُلَاءِ التُّرْكِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِمْ الَّتِي ذَكَرَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِغَارُ الْأَعْيُنِ حُمْرُ الْوُجُوهِ ذُلْفُ الْأُنُوفِ عِرَاضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ فَوُجِدُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا، وَقَاتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَرَّاتٍ فَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُقَاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعْيُنِ قَالَ يَعْنِي التُّرْكَ قَالَ تَسُوقُونَهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَمَّا فِي السِّيَاقَةِ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَيَصْطَلِمُونَ» [بَابُ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ] [حَدِيث كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ] بَابُ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ. عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ» فَذَكَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «كَمَا تُنْتَجُونَ الْإِبِلَ فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ» (فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ «عَلَى الْمِلَّةِ» ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ «فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ» .   Qعَامِلِينَ» ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ كَمَا تُنْتَجُونَ الْإِبِلَ فَهَلْ تَجِدُونَ فِيهَا جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ «سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ عَمَّنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ صَغِيرًا فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيق الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «الْمِلَّةِ» ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «هَذِهِ الْمِلَّةِ حَتَّى يُبِينَ عَنْهُ لِسَانُهُ» ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ «فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ» . {الثَّانِيَةُ} اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْفِطْرَةِ هُنَا عَلَى أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ الْخِلْقَةُ فَإِنَّ الْفَطْرَ بِمَعْنَى الْخَلْقِ، وَالْمُرَادُ الْخِلْقَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْأُولَى الْمُخَالِفَةُ لِخَلْقِ الْبَهَائِمِ أَيْ عَلَى خِلْقَةٍ يَعْرِفُ بِهَا رَبَّهُ إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَعْرِفَةِ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ قَالَ: وَأَنْكَرُوا أَنْ يُفْطَرَ الْمَوْلُودُ عَلَى كُفْرٍ أَوْ إيمَانٍ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا مَيَّزَ. وَلَوْ فُطِرَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ عَلَى شَيْءٍ مَا انْتَقَلَ عَنْهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَدْ نَجِدُهُمْ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ يَكْفُرُونَ، وَمُحَالٌ أَنْ يَعْقِلَ الطِّفْلُ حَالَ وِلَادَتِهِ كُفْرًا أَوْ إيمَانًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] فَمَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا اسْتَحَالَ مِنْهُ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْإِسْلَامُ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ هَؤُلَاءِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ فَقَدْ أَجْمَعُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أَنَّهَا دَيْنُ الْإِسْلَامِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ» . ثُمَّ رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُسْتَحِيلٌ مِنْ الطِّفْلِ، وَقَرَّرَ الْمَازِرِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ يَوْمَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] ، وَأَنَّ الْوِلَادَةَ تَقَعُ عَلَيْهَا حَتَّى يَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالْأَبَوَيْنِ، وَقَرَّرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ مُؤَهَّلَةً لِقَبُولِ الْحَقِّ كَمَا خَلَقَ أَعْيُنَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ قَابِلَةً لِلْمَرْئِيَّاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ فَمَا دَامَتْ عَلَى ذَلِكَ الْقَبُولِ، وَعَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ أَدْرَكَتْ الْحَقَّ وَدِينَ الْإِسْلَامِ، وَصَحَّحَ هَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا مِنْ عِنْدِ مُسْلِمٍ «عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ» . وَهِيَ إشَارَةٌ إلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ «جَبَلَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ» . وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُتَهَيَّأً لِلْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فَيَتْبَعُهُمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَهَذَا مَعْنَى يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَيْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي الدُّنْيَا فَإِنْ بَلَغَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فَإِنْ سَبَقَتْ لَهُ سَعَادَةٌ أَسْلَمَ وَإِلَّا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، انْتَهَى. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمُرَادَ الْبُدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَأَهُمْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ لِلْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ، وَالشَّقَاءِ، وَالسَّعَادَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَبَبُهُ مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» فَقَالَ يُفَسِّرُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ حِينَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . قَالَ: وَقَدْ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَذَكَرَهُ فِي أَبْوَابِ الْقَدَرِ فِيهِ مِنْ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَعَلَى الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَأَخَذَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمِيثَاقَ حِينَ خَلَقَهُمْ فَقَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] قَالُوا جَمِيعًا (بَلَى) فَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَقَالُوا بَلَى عَلَى مَعْرِفَةٍ لَهُ طَوْعًا مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَقَالُوا بَلَى كُرْهًا لَا طَوْعًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَسَمِعْت إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] قَالَ إِسْحَاقُ يَقُولُ لَا تَبْدِيلَ لِخِلْقَتِهِ الَّتِي جَبَلَ عَلَيْهَا وَلَدَ آدَمَ كُلَّهُمْ يَعْنِي مِنْ الْكُفْرِ، وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْإِنْكَارِ. قَالَ: وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ قَالَ إِسْحَاقُ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ إنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ، وَاحْتَجَّ لِهَذَا أَيْضًا بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قِصَّةِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ، وَأَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا، وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهَا «وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَ النَّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا» . قَالَ إِسْحَاقُ فَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْ أَرَادَ هَؤُلَاءِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَطْفَالَ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لِيَعْرِفَ مِنْهُمْ الْعَارِفُ وَيَعْتَرِفَ فَيُؤْمِنُ، وَيُنْكِرَ مِنْهُمْ الْمُنْكَرُ فَيَكْفُرَ كَمَا سَبَقَ لَهُ الْقَضَاءُ، وَذَلِكَ فِي حِينٍ يَصِحُّ مِنْهُمْ فِيهِ الْإِيمَانُ، وَالْكُفْرُ فَذَلِكَ مَا قُلْنَا، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الطِّفْلَ يُولَدُ عَارِفًا مُقِرًّا مُؤْمِنًا وَعَارِفًا جَاحِدًا كَافِرًا فِي حِينِ وِلَادَتِهِ فَهَذَا يُكَذِّبُهُ الْعِيَانُ وَالْعَقْلُ قَالَ، وَقَوْلُ إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَرْضَاهُ الْحُذَّاقُ الْفُهَمَاءُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْمُجْبِرَةِ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّ مَعْنَاهُ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِنْ الْمِيثَاقِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الدُّنْيَا يَوْمَ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ فَخَاطَبَهُمْ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] فَأَقَرُّوا لَهُ جَمِيعًا بِالرُّبُوبِيَّةِ عَنْ مَعْرِفَةٍ مِنْهُمْ بِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَصْلَابِ آبَائِهِمْ مَخْلُوقِينَ مَطْبُوعِينَ عَلَى تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ، وَذَلِكَ الْإِقْرَارِ قَالُوا، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ بِإِيمَانٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَا ذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِإِيمَانٍ، وَلَكِنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ الطَّبِيعَةِ لِلرَّبِّ فِطْرَةً أَلْزَمَهَا قُلُوبَهُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ الرُّسُلَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الِاعْتِرَافِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَدْعُوَ خَلْقَهُ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَهُوَ لَمْ يُعَرِّفْهُمْ نَفْسَهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا عِنْدَنَا حَيْثُ أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ حِينَ قَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] . (الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ مَا يُقَلِّبُ اللَّهُ قُلُوبَ الْخَلْقِ إلَيْهِ بِمَا يُرِيدُ فَقَدْ يَكْفُرُ الْعَبْدُ ثُمَّ يُؤْمِنُ فَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَقَدْ يُؤْمِنُ ثُمَّ يَكْفُرُ فَيَمُوتُ كَافِرًا، وَقَدْ يَكْفُرُ ثُمَّ لَا يُزَالُ عَلَى كُفْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَمُوتَ عَلَى الْإِيمَانِ فَالْفِطْرَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ أَوَّلِ أَحْوَالِهِمْ إلَى آخِرِهَا سَوَاءً كَانَتْ حَالَةً وَاحِدَةً لَا تَنْتَقِلُ أَوْ حَالًا بَعْدَ حَالٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ أَضْعَفُ الْأَقَاوِيلِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ حَكَاهَا كُلَّهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُ. (الْقَوْلُ السَّابِعُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ مِلَّةُ أَبِيهِ أَيْ دِينُهُ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ حُكْمَهُ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ، وَقَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ لَمْ يَرِثْهُمَا، وَلَمْ يَرِثَاهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُمَا كَافِرَانِ، وَلَمَا جَازَ أَنْ يُسْبَى فَلَمَّا فُرِضَتْ الْفَرَائِضُ، وَتَقَرَّرَتْ السُّنَنُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى دِينِهِمَا انْتَهَى. وَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ الْإِسْلَامُ لِلَّهِ وَجَعَلَهُ مَنْسُوخًا لِمَا ذَكَرَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى دَعْوَى النَّسْخِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْوِلَادَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ أَخْبَرَ فِي بَقِيَّتِهِ أَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ أَيْ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَالْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ هُوَ الْبَاطِنُ وَيَهُودِيَّتُهُ أَوْ نَصْرَانِيَّتُهُ هُوَ فِي الظَّاهِرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَظُنُّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ حَادَ عَنْ الْجَوَابِ فِيهِ لِإِشْكَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ لِكَرَاهَةِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ قَالَ، وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ قَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَالُ قَوْمٍ بَلَغُوا فِي الْقَتْلِ حَتَّى قَتَلُوا الْوِلْدَانَ فَقَالَ رَجُلٌ أَوَ لَيْسَ أَبْنَاؤُهُمْ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَ لَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وَهُوَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَيُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانُهُ وَيُهَوِّدُهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ» {الثَّالِثَةُ} حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَكَانَ أَبَوَاهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ هَوَّدَاهُ أَوْ نَصَّرَاهُ أَوْ مَجَّسَاهُ قَالُوا: وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْلُودِينَ يُولَدُونَ عَلَى الْفِطْرَةِ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَوْلُودَ عَلَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُكَفِّرَانِهِ، وَكَذَا مِنْ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَكَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِمَا فِي صِغَرِهِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَكُونَ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ حِينَئِذٍ لَا حُكْمُ أَبَوَيْهِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ فَإِنَّهُ لَمْ يُولَدْ عَلَى الْفِطْرَةِ بَلْ طُبِعَ كَافِرًا. ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «أَلَا إنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا، وَيَحْيَى مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا، وَيَحْيَى كَافِرًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مِنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا، وَيَحْيَى مُؤْمِنًا، وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مِنْ يُولَدُ كَافِرًا، وَيَحْيَى كَافِرًا، وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا» . وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَفْظُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَةِ» . {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ، وَالتَّعْلِيمِ، وَالتَّسْبِيبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالتَّبَعِيَّةِ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِعْلًا، وَفِيهِ عَلَى الثَّانِي تَبَعِيَّةُ الصَّغِيرِ لِأَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ فِي حُكْمِ الْكُفْرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ لَا يَفْعَلَانِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَإِنَّمَا يَفْعَلَانِ أَحَدَهُمَا. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ» أَيْ تَتَنَاتَجُ فَحَذَفَ إحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَقَوْلُهُ «جَمْعَاءَ» بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الْمِيمِ، وَبِالْمَدِّ أَيْ مُجْتَمَعَةً الْأَعْضَاءِ سَلِيمَةً مِنْ النَّقْصِ، وَقَوْلُهُ «هَلْ تُحِسُّ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ مِنْ الْإِحْسَاسِ، وَهُوَ الْإِدْرَاكُ بِأَحَدِ الْحَوَاسِّ، وَقَوْلُهُ «جَدْعَاءَ» بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِالْمَدِّ أَيْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ تَلِدُ الْبَهِيمَةَ كَامِلَةَ الْأَعْضَاءِ لَا نَقْصَ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا النَّقْصُ، وَالْجَدْعُ بَعْدَ وِلَادَتِهَا فَكَذَلِكَ يَخْرُجُ الْمَوْلُودُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَلِيمًا مِنْ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا يَطْرَأُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «تُنْتَجُونَ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ، وَفَتْحِ ثَالِثِهِ. وَقَوْلُهُ «الْإِبِلَ» مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَهَذَا الْفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَإِنْ كَانَتْ صِيغَتُهُ صِيغَةَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيِّ إنَّهُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إنْ أَرَادَ فِي الصُّورَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ، وَهْمٌ فَقَدْ ذُكِرَ فَاعِلُهُ مَعَهُ. {السَّادِسَةُ} قَوْلُهُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ» هَذَا السُّؤَالُ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكِلَاهُمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَقَوْلُهُ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» . اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى التَّوَقُّفِ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ أَمْ فِي النَّارِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ كَانَ مُسْلِمًا فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ كَانَ كَافِرًا كَانَ فِي النَّارِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَقِيلَ فِيهِمْ يُتَوَقَّفُ، وَاحْتَجَّ قَائِلُهُ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «تُوُفِّيَ صَبِيٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُلْت طُوبَى لَهُ عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا، وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ» . وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ إجْمَاعِ مَنْ يَعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّوَقُّفِ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقَالَ، وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ نَهَاهَا عَنْ التَّسَرُّعِ إلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ كَمَا أَنْكَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَوْلَهُ «إنِّي لَا أَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا» الْحَدِيثَ. قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا عَلِمَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُنْكِرُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] قَالَ وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَقِفُ فِيهِمْ، وَلَا يَرَى نَصًّا قَاطِعًا بِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْإِجْمَاعُ فَيَقُولُ بِهِ، وَاسْتَثْنَى قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءٍ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَالَ قَدْ تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّوَقُّفَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ: وَهُوَ نِسْبَةُ مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي أَبْوَابِ الْقَدَرِ مِنْ مُوَطَّآتِهِ، وَمَا أَوْرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْءٌ مَنْصُوصٌ إلَّا أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ (سَمِعْت مَالِكًا قِيلَ لَهُ إنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ مَالِكٌ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِآخِرِهِ قَالُوا أَرَأَيْت مِنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) وَأَمَّا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فَفِيهِمْ مَذَاهِبُ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ. (وَالثَّالِثُ) التَّوَقُّفُ فِيهِمْ. (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي حَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَوْلُودِ» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «يَقُولُ الْمَوْلُودِ رَبِّ لَمْ أُدْرِكْ الْعَقْلَ قَالَ فَتَرْتَفِعُ لَهُمْ نَارٌ فَيُقَالُ رِدُوهَا وَادْخُلُوهَا قَالَ فَيَرِدُهَا أَوْ يَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ، وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ رُسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ» . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَثَوْبَانَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الشُّيُوخِ، وَفِيهَا عِلَاوَاتٌ لَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ، وَالْقَطْعُ فِيهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضَعِيفٌ فِي الْعِلَّةِ وَالنَّظَرِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا انْتَهَى. (وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ) أَنَّهُمْ فِي بَرْزَخٍ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ قَوْمٍ قَالَ قِيلَ أَحْسَبُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ النَّارِ حَكَى النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ «إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه حِينَ رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنَّةِ، وَحَوْلَهُ أَوْلَادٌ النَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] ، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَوْلُودِ التَّكْلِيفُ، وَيَلْزَمُهُ قَوْلُ الرَّسُولِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ «وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمْ فِي النَّارِ، وَحَقِيقَةُ لَفْظِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ بَلَغُوا، وَالتَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبُلُوغِ، وَأَمَّا غُلَامُ الْخَضِرِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ قَطْعًا لِأَنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُسْلِمًا فَيُتَأَوَّلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لَكَانَ كَافِرًا لَا أَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْحَالِ، وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ انْتَهَى. وَسَفْكُ دَمِهِ فِي الْحَالِ غَيْرُ سَائِغٍ فِي شَرِيعَتِنَا، وَلَا أَظُنُّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِهَذَا أَنْكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرِيعَةُ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِيَ شَرِيعَةٌ مَنْسُوخَةٌ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ كَانَ قَدْ بَلَغَ، وَكَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ، وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ غُلَامٌ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ اجْتَمَعْت أَنَا، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَنَحْنُ غُلَامَانِ شَابَّانِ قَدْ بَلَغْنَا، وَلَكِنَّهُ قَوْلٌ بَعِيدٌ مُنْكَرٌ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ فَنَزَلَتْ {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] فَقَالَ هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ أَوْ قَالَ فِي الْجَنَّةِ» . وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَأَلْت رَبِّي اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ فَأَعْطَانِيهِمْ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا «وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . وَعَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا (أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ) . وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأَمَةِ مُوَاتِيًا أَوْ مُتَقَارِبًا أَوْ كَلِمَةً تُشِيرُ إلَى هَذَيْنِ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَنْظُرُوا فِي الْأَطْفَالِ وَالْقَدَرِ؛ قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ فَذَكَرَتْهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ فَقَالَ أَفَيَسْكُتُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْجَهْلِ؟ قُلْت فَتَأْمُرُ بِالْكَلَامِ فَسَكَتَ) . وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، وَزَادَ الشَّيْخَانِ فِي آخِرِهِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ «الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» ، وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» . بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ..   Qأَيْضًا عَنْ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ (كُنْت عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَاذَا كَانَ بَيْنَ فُلَانٍ وَبَيْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَتَكَلَّمَ رَبِيعَةُ الرَّأْيَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْقَاسِمُ: إذَا اللَّهُ انْتَهَى عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهَوْا وَقِفُوا عِنْدَهُ قَالَ فَكَأَنَّمَا كَانَتْ نَارًا فَانْطَفَأَتْ) . [فَائِدَة الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ] 1 {السَّابِعَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ» ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، وَالْجُمْهُورُ يَتْبَعُ أَيَّهمَا أَسْلَمَ سَوَاءً كَانَ هُوَ الْأَبَ أَوْ الْأُمَّ، وَقَالَ مَالِكٌ يَتْبَعُ أَبَاهُ خَاصَّةً دُونَ أُمِّهِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَأَبُوهُ كَافِرٌ اسْتَمَرَّ عَلَى الْحُكْمِ لَهُ بِالْكُفْرِ. 1 - وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا إذَا سُبِيَ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا يَتْبَعُ السَّابِيَ فَإِذَا كَانَ مُسْلِمًا فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ حَيَّيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ، وَلَوْ انْفَرَدَ عَنْهُمَا حَتَّى يُسْلِمَ اسْتِقْلَالًا بَعْدَ الْبُلُوغِ [بَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ] [حَدِيث الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ، وَفِي آخِرِهِ «الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» ، وَرَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، وَفِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» . {الثَّانِيَةُ} الْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَغَيْرُهُ قَالُوا وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ، وَمُبَارَكُ الْغُرَّةِ أَيْ الذَّاتِ (قُلْت) وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أُشِيرَ بِذِكْرِ النَّاصِيَةِ إلَى أَنَّ الْخَيْرَ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَدَّمِهَا لِلْإِقْدَامِ بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ دُونَ مُؤَخِّرِهَا لِلْإِدْبَارِ بِهَا عَنْ الْعَدُوِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْخَيْلِ وَالْخَيْرِ مِنْ الْجِنَاسِ، وَهَذَا مِنْ بَلِيغِ الْكَلَامِ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ ارْتِبَاطُهَا لِلْغَزْوِ وَقِتَالِ الْعَدُوِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ «الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّ الشُّؤْمَ يَكُونُ فِي الْفَرَسِ» ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ فَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشُّؤْمَ يَجْتَمِعَانِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْخَيْرُ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَا يَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ مِمَّا يُتَشَاءَمُ بِهِ فَقَدْ يَحْصُلُ فِي الشَّيْءِ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ بِاعْتِبَارَيْنِ. وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَيَرُدُّ الثَّانِيَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ» فَإِنَّ الْبَرَكَةَ وَالشُّؤْمَ ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ. [فَائِدَة الْجِهَادَ وَاجِبٌ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ] 1 {الرَّابِعَةُ} اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ وَاجِبٌ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَقَاءَ الْخَيْرِ فِي نَوَاصِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَفَسَّرَهُ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حُصُولِ هَذَا الْفَضْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ مَعَ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَوْ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا تُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا تُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ وَاجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ» سَكَتَ أَبُو دَاوُد عَلَيْهَا. {الْخَامِسَةُ} وَفِيهِ بُشْرَى بِبَقَاءِ الْجِهَادِ إلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 بَابُ ذَمِّ اتِّخَاذِهَا لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ» .   Qيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْمُرَادُ قُرْبُهَا، وَأَشْرَاطُهَا الْقَرِيبَةُ كَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ وَفَاةِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جِهَادٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إثْبَاتُ السَّهْمِ لِلْفَرَسِ] 1 {السَّادِسَةُ} قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ إثْبَاتُ السَّهْمِ لِلْفَرَسِ يَسْتَحِقُّهُ الْفَارِسُ مِنْ أَجْلِهِ. [فَائِدَة الْمَالَ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِاِتِّخَاذِ الْخَيْلِ] {السَّابِعَةُ} قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَفِيهِ إعْلَامٌ بِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِاِتِّخَاذِ الْخَيْلِ مِنْ خَيْرِ وُجُوهِ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَالَ خَيْرًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ مَالًا، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32] أَيْ الْخَيْلِ. [فَائِدَة تَفْضِيلُ الْخَيْلِ عَلَى سَائِرِ الدَّوَابِّ] 1 {الثَّامِنَةُ} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ تَفْضِيلُ الْخَيْلِ عَلَى سَائِرِ الدَّوَابِّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْتِ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْد النِّسَاءِ مِنْ الْخَيْلِ» [بَابُ ذَمِّ اتِّخَاذِ الْخَيْلِ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ] [حَدِيث رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ] بَابُ ذَمِّ اتِّخَاذِهَا لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَى إخْرَاجِهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ عِنْدَهُمَا طُرُقٌ أُخْرَى. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ» كَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ، وَهُمْ أَهْلُ تَجَبُّرٍ، وَغَيْرُ مُتَمَسِّكِينَ بِشَرْعٍ وَلَا كِتَابٍ، وَيَكُونُ حِينَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَكَذَلِكَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مُنْشَأُ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ فِي الدَّيْنِ بِالْبِدَعِ، وَفِي الدُّنْيَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْقَتْلِ وَسَفْكِ الدَّمِ، وَلَوْ لَمْ يَجِئْ مِنْ فِتْنَةِ الْمَشْرِقِ إلَّا خُرُوجُ التُّرْكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَسَفْكُهُمْ دِمَاءَهُمْ وَإِذْهَابُهُمْ عُلُومَهُمْ، وَتَخْرِيبُهُمْ مَدَائِنَهُمْ لَكَفَى فِي ذَلِكَ. {الثَّالِثَةُ} الْفَخْرُ هُوَ الِافْتِخَارُ وَعَدُّ الْمَآثِرِ الْقَدِيمَةِ تَعَظُّمًا «وَالْخُيَلَاءُ» بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مَمْدُودًا الْكِبْرُ، وَاحْتِقَارُ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ «الْفَدَّادِينَ» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «، وَالْفَدَّادِينَ» بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَنَّ الْفَدَادِين بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَهُوَ جَمْعُ فَدَّانٍ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَقَرِ الَّتِي تَخُورُ عَلَيْهَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَصْحَابُهَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَمِنْهُمْ الْأَصْمَعِيُّ وَجَمِيعُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى أَنَّ الْفَدَّادِينَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ جَمْعُ فَدَّادٍ بِدَالَيْنِ أُولَاهُمَا مُشَدَّدَةٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَهُمْ الَّذِينَ تَعْلُوا أَصْوَاتُهُمْ فِي خَيْلِهِمْ وَإِبِلِهِمْ وَحُرُوبِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ الْفَدِيدِ، وَهُوَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا أَنَّهُمْ سُمُّوا الْفَدَّادِينَ مِنْ أَجْلِ الْفَدَافِدِ، وَهِيَ الصَّحَارِي وَالْبَرَارِي الْخَالِيَةِ، وَأَحَدُهَا فَدْفَدٌ، وَأَنَّ الْأَخْفَشَ حَكَاهُ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ، وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى هُمْ الْمُكْثِرُونَ مِنْ الْإِبِلِ الَّذِينَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ الْمِائَتَيْنِ مِنْهَا إلَى الْأَلْفِ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ إثْبَاتُ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ، وَالْفَدَادِينَ مُوَافِقًا لِلتَّخْفِيفِ، وَحَذْفُهَا مُوَافِقًا لِلتَّشْدِيدِ، وَقَوْلُهُ «أَهْلِ الْوَبَرِ» بَعْدَ قَوْلِهِ أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ قَدْ يُسْتَشْكَلُ لِأَنَّ الْوَبَرَ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ الْخَيْلِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهِمْ جَامِعِينَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْوَبَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَهْلَ خَيْلٍ وَإِبِلٍ أَهْلُ وَبَرٍ، وَلَيْسُوا أَهْلَ مَدَرٍ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ بَادِيَةٍ فَإِنَّهُ يَعْنِي عَنْ أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَهْلِ الْمَدَرِ، وَعَنْ الْبَدْو بِأَهْلِ الْوَبَرِ وَالْبَادِيَةُ مَوْضِعُ الْجَفَاءِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَالْبُعْدِ عَنْ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ بَدَا جَفَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ رَفْعِ الصَّوْتِ، وَأَنَّ ذَلِكَ " مُنَافٍ لِلتَّوَاضُعِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْغِلْظَةِ وَالْأَذَى وَإِظْهَارِ التَّرَفُّعِ دُونَ مَا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ السَّجِيَّةِ لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَجِيَّتُهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. {الرَّابِعَةُ} هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخَيْلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ اتِّخَاذُهَا لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ فَإِذَا كَانَ لِذَلِكَ فَهِيَ مَذْمُومَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 بَابُ الْمُسَابِقَةِ بِالْخَيْلِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا» ..   Qغَيْرُ مَحْمُودَةٍ، وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ. {الْخَامِسَةُ} «السَّكِينَةُ» الطُّمَأْنِينَةُ وَالسُّكُونُ خِلَافَ مَا ذُكِرَ مِنْ صِفَةِ الْفَدَّادِينَ [بَابُ الْمُسَابِقَةِ بِالْخَيْلِ] [حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ] بَابُ الْمُسَابَقَةِ بِالْخَيْلِ. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ عَلَى الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ؛ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ أَبِي دَاوُد مُخْتَصَرٌ «كَانَ يُضْمِرُ الْخَيْلَ لِيُسَابِقَ بِهَا» وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ثَمَانِيَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ (فَقُلْت لِمُوسَى بَيْنَ ذَلِكَ يَعْنِي الْحَفْيَاءَ وَثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ؟ قَالَ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ) ، وَفِيهِ (قُلْت فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ يَعْنِي الثَّنِيَّةَ، وَمَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ) وَفِي التِّرْمِذِيِّ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ (وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ، وَبَيْنَهُمَا مِيلٌ) ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ كَلَامِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ ابْنَ بُكَيْر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ يَقُولُ عَنْ مَالِكٍ إلَى عِنْدِ مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ فَقَالُوا إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ (قُلْت) وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ اخْتِلَافًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بِلَفْظِ «كَانَ يُضْمِرُ ثُمَّ يُسْبِقُ» فَاخْتَصَرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَمَدَ وَالْغَايَةَ (قُلْت) هُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِذِكْرِ الْأَمَدِ، وَالْغَايَةِ فَهُمَا كَرِوَايَةِ غَيْرِهِ ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رِوَايَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ، وَفِيهِ «فِيمَا لَمْ يُضْمَرْ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ» . وَقَالَ هَكَذَا قَالَ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَمَالِكٌ يَقُولُ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ تَابَعَهُ عَلَيْهِ اللَّيْثُ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ (قُلْت) ، وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ. وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ خَاصَّةً، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَفَضَّلَ الْقُرَّحَ فِي الْغَايَةِ» . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا الْحَدِيثَ أَحَدٌ غَيْرُ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ هَذَا ، وَقَدْ، وَجَدْت لَهُ أَصْلًا فِيمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي وَعَمِّي عَنْ جَدِّي (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ضَمَرُوا خُيُولَهُمْ فَنَهَاهُمْ الْأَمِيرُ عُقْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ أَنْ يُجْرُوهَا حَتَّى كَتَبَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ أَرْسِلْ الْقُرَّحَ مِنْ رَأْسِ مِائَةِ عُلْوَةٍ، وَلَا يَرْكَبْهَا إلَّا أَرْبَابُهَا) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَرَاهَنَ» . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ تَجْرِي مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ لِلسَّبْقِ فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّابِقَ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ هَذَا مَجْهُولٌ. ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَجَعَلَ بَيْنَهَا سَبْقًا، وَجَعَلَ فِيهَا مُحَلَّلًا، وَقَالَ لَا سَبْقَ إلَّا فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» . وَأَوْرَدَهُ بْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، وَضَعَّفَهُ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «أُضْمِرَتْ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَتَخْفِيفِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qضُمِّرَتْ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِدُونِ هَمْزَةٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ لَمْ تُضْمَرْ الْوَجْهَانِ إسْكَانُ الضَّادِ، وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ، وَفَتْحُ الضَّادِ، وَتَشْدِيدُ الْمِيمِ. وَالْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ أُضْمِرَتْ الْأَوَّلُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ تُعْلَفَ الْخَيْلُ حَتَّى تَسْمَنَ وَتَقْوَى ثُمَّ يُقَلَّلَ عَلَفُهَا فَلَا تُعْلَفَ إلَّا قُوتًا، وَتُدْخَلَ بَيْتًا كَنِينًا، وَتُغْشَى بِالْجِلَالِ حَتَّى تَحْمَى لِتَعْرَقَ وَيَجِفَّ عِرْقُهَا فَيَخِفَّ لَحْمُهَا وَتَقْوَى عَلَى الْجَرْيِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يُطْعِمُهَا اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ فِي أَيَّام التَّصَمُّرِ، وَ «الْحَفْيَاءُ» بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْفَاءِ بَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ يَجُوزُ فِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأُفْصِحُهُمَا الْمَدُّ، وَالْحَاءُ مَفْتُوحَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي الْمُؤْتَلِفِ، وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا الْحَيْفَاءُ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ عَلَى الْفَاءِ، وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَغَيْرِهَا الْحَفْيَاءُ وَ «ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ» بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ النُّونِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ كَالثُّقْبِ. وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحْكَمِ مَعَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَيْضًا قِيلَ الطَّرِيقُ إلَى الْجَبَلِ، وَقِيلَ الْعَقَبَةُ، وَقِيلَ الْجَبَلُ نَفْسُهُ انْتَهَى. وَأُضِيفَتْ هَذِهِ الثَّنِيَّةُ إلَى الْوَدَاعِ لِأَنَّ الْخَارِجِ مِنْ الْمَدِينَةِ يَمْشِي مَعَهُ الْمُوَدِّعُونَ إلَيْهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَّعَهُ بِهَا بَعْضُ الْمُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَيَّعَ إلَيْهَا بَعْضَ سَرَايَاهُ فَوَدَّعَهُ عِنْدَهَا، وَقِيلَ إنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ الْمَدِينَةِ كَانَ يُشَيَّعُ إلَيْهَا، وَيُوَدَّعُ عِنْدَهَا قَدِيمًا، وَصَحَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْأَخِيرَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ حِينَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا ... مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ قَدِيمٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَظُنُّهَا عَلَى طَرِيقِ مَكَّةَ. وَمِنْهَا بَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَظَهَرَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي حِينِ إقْبَالِهِ مِنْ مَكَّةَ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا ... مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا ... مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعٍ انْتَهَى. (وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ إنْشَادِهِمْ هَذَا الشَّعْرَ عِنْدَ قُدُومِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَدِينَةَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي فِي كِتَابِ الشَّمَائِلِ لَهُ عَنْ ابْنِ عَائِشَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَيِّعُونَ الْحُجَّاجَ وَالْغُزَاةَ إلَيْهَا وَيُوَدِّعُونَهُمْ عِنْدَهَا، وَإِلَيْهِمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ عِنْدَ التَّلَقِّي انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ مَرْدُودٌ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَبُوكَ خَرَجَ النَّاسُ يَتَلَقَّوْنَهُ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ» . وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الشَّامِ، وَلِهَذَا لَمَّا نَقَلَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ قَالَ إنَّهُ وَهْمٌ قَالَ: وَكَلَامُ ابْنِ عَائِشَةَ مُعْضَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الثَّنِيَّةُ الَّتِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَصِلُ إلَيْهَا الْمُشَيِّعُونَ يُسَمُّونَهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ. وَقَوْلُهُ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ يَجُوزُ فِيهِ رَفْعُ الْأَوَّلِ وَنَصَبُ الثَّانِي، وَعَكْسُهُ عَلَى تَقْدِيمِ الْخَبَرِ، وَقَدْ ضَبَطْنَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ، وَالْأَمَدُ الْغَايَةُ قَالَ النَّابِغَةُ سَبَقَ الْجَوَادُ إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمَدِ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ الْأُولَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ وَثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ. ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ خَمْسَةٌ، وَأَطْلَقَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الثَّانِي عَنْ سُفْيَانَ فَظَنَّ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ فَصَرَّحَ بِذَلِكَ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الثَّوْرِيُّ كَمَا عَرَفْت، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي التِّرْمِذِيِّ الْجَزْمَ بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ. وَقَوْلُهُ مِنْ الثَّنِيَّةِ أَيْ الْمَذْكُورَةُ، وَهِيَ ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ «وَمَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ» بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ أُضِيفَ إلَيْهِمْ لِصَلَاتِهِمْ بِهِ، وَهِيَ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ لَا مِلْكٍ. {الثَّالِثَةُ} فِيهِ الْمُسَابِقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ الْمَذْمُومِ بَلْ مِنْ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْقِتَالِ كَرًّا وَفَرًّا، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا مُبَاحَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. [فَائِدَة إضْمَارُ الْخَيْلِ] 1 {الرَّابِعَةُ} وَفِيهِ إضْمَارُ الْخَيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَهِيَ الْقُوَّةُ عَلَى الْجَرْي، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي اسْتِحْبَابِهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَا يَخْفَى اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِ الْأَمْرَيْنِ بِالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ، وَمَنْ سَاوَاهُمْ فِي جَوَازِ قِتَالِهِ أَمَّا الْمُعَدَّةُ لِقِتَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ قِتَالُهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الْقَصْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لَا بُدَّ فِي مُسَابَقَةِ الخيل مِنْ إعْلَامِ ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَانْتِهَائِهَا] 1 {الْخَامِسَةُ} وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُسَابَقَةِ مِنْ إعْلَامِ ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَانْتِهَائِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا أَدَّى إلَى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنِّزَاعِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ. [فَائِدَة لَا تَسَابُقَ إلَّا بَيْنَ فَرَسَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ] {السَّادِسَةُ} وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَسَابُقَ إلَّا بَيْنَ فَرَسَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُسَابِقْ بَيْنَ الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهَا بَلْ جَعَلَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهَا مَعَ مُلَائِمِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُضْمَرَةِ لَا تُسَاوِقُ الْمُضْمَرَةَ كَيْفَ، وَقَدْ جَعَلَ مَيْدَانَ الْمُضْمَرَاتِ سِتَّةَ أَمْيَالٍ، وَمَيْدَانَ غَيْرِهَا مِيلًا وَاحِدًا، وَهَذَا تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ عُيِّنَتْ غَايَةٌ لَا تَقْدِرُ تِلْكَ الْخَيْلُ عَلَى قَطْعِهَا لَمْ يَصِحَّ، وَتَقَدَّمَ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَضَّلَ الْقُرَّحَ فِي الْغَايَةِ» وَهُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ قَارِحٍ، وَهُوَ مِنْ الْخَيْلِ مَا كَانَ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، وَهُوَ أَشَدُّ قُوَّةً مِمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ سِنًّا، وَيُقَالُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِبِلِ بَازِلٌ، وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَابْنُ اللَّبُونِ إذَا مَا لَذَّ فِي قَرْنٍ ... وَلَمْ يَنْفَعْ صَوْلَةَ الْبَزْلِ الْقَنَا عَدَسُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ إنْ صَحَّ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّتِي كَانَتْ قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ تِلْكَ الْخَيْلِ كَانَتْ قُرَّحًا، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا اللَّازِمُ. بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُسَابِقَ بَيْنَ بَعْضِ الْقُرَّحِ وَغَيْرِهَا، وَتَفْضِيلُهَا فِي الْغَايَةِ عَلَى غَيْرِهَا لَكِنْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا ضَمْرَ بَيْنَ الْخَيْلِ إلَّا الْقُرَّحَ. الْإِفْتَاءُ وَالْمَهَارَةُ. {السَّابِعَةُ} وَفِيهِ إطْلَاقُ الْفِعْلِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالْمُسَوِّغُ لَهُ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ فَقَوْلُهُ سَابَقَ أَيْ أَمَرَ لِوُجُودِ مُسَوِّغِهِ. [فَائِدَة الْمُسَابِقَةُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ] 1 {الثَّامِنَةُ} يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُسَابِقَةُ بِعِوَضٍ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ عِوَضٍ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّرْجَمَةِ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ بِالرِّهَانِ نَظَرٌ نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذِكْرَ الرَّهْنِ فِي ذَلِكَ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَغَيْرِهَا، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابِقَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهَا أَيْضًا بِعِوَضٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقِينَ إمَّا الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَبَذْلُ الرِّهَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا خَاصَّةً صَحِيحٌ، وَبَعْضُهُمْ مَنَعَ هَذِهِ الصُّورَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 بَابُ رُكُوبِ اثْنَيْنِ عَلَى الدَّابَّةِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي إذْ جَاءَ رَجُلٌ مَعَهُ حِمَارٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ، فَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا، أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِك مِنِّي إلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي، قَالَ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْته   Qمَالِكٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا لَكِنْ يَكُونُ مَعَهُمَا مُحَلِّلٌ، وَهُوَ ثَالِثٌ عَلَى فَرَسٍ مُكَافِئٍ لِفَرَسَيْهِمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَ الْمُحَلِّلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيَخْرُجَ هَذَا الْعَقْدُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ، وَمَنَعَ مَالِكٌ إخْرَاجَ السَّبْقِ مِنْهُمَا، وَلَوْ بِمُحَلِّلٍ، وَلَمْ يَعْرِفْ مَالِكٌ الْمُحَلِّلَ، وَالْأَصْلُ لِلْجُمْهُورِ فِي اعْتِبَارِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ يَعْنِي، وَهُوَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَقَدْ أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ. [فَائِدَة الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ مَرْكُوبَةً] 1 {التَّاسِعَة} وَفِي قَوْلِهِ «، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ» بِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ مَرْكُوبَةً، وَلَيْسَ الْمُرَادُ إرْسَالَ الْفَرَسَيْنِ لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُسَابَقَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الدَّوَابَّ لَا تَهْتَدِي لِقَصْدِ الْغَايَةِ بِغَيْرِ رَاكِبٍ، وَرُبَّمَا نَفَرَتْ بِخِلَافِ الطُّيُورِ إذَا جُوِّزَتْ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تَهْتَدِي لِلْمَقْصِدِ. [فَائِدَة إضَافَةِ أَعْمَالِ الْبِرِّ إلَى أَرْبَابِهَا وَنِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ] {الْعَاشِرَةُ} وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ، وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَفِيهِ جَوَازُ إضَافَةِ أَعْمَالِ الْبِرِّ إلَى أَرْبَابِهَا وَنِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَزْكِيَةٌ لَهُمْ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ، وَلَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُقَالَ مُصَلَّى بَنِي فُلَانٍ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا مُصَلًّى وَمَسْجِدٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [بَابُ رُكُوبِ اثْنَيْنِ عَلَى الدَّابَّةِ] [حَدِيث بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ يَمْشِي إذْ جَاءَ رَجُلٌ مَعَهُ حِمَارٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ] بَابُ رُكُوبِ اثْنَيْنِ عَلَى الدَّابَّةِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي إذْ جَاءَ رَجُلٌ مَعَهُ حِمَارٌ فَقَالَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 لَك. قَالَ فَرَكِبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.   Qيَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ فَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا، أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِك مِنِّي إلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي قَالَ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْته لَك قَالَ فَرَكِبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ كِلَاهُمَا عَنْ حُسَيْنِ بْنِ، وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ جَوَازُ رُكُوبِ اثْنَيْنِ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا أَطَاقَتْهُ، وَوَرَدَ رُكُوبُ ثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «لَقَدْ قُدْت بِنَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ حَتَّى أَدْخَلْتهمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا قُدَّامَهُ، وَهَذَا خَلْفَهُ» . {الثَّالِثَةُ} قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْحِكْمَةُ فِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَحَقَّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ، وَجْهَانِ (أَنَّهُ شَرَفٌ) وَالشَّرَفُ حَقُّ الْمَالِكِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي الْمَشْيِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَرَاهُ، وَيَخْتَارُهُ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ إسْرَاعٍ أَوْ بُطْءٍ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَقْصِدَهُ فِي ذَلِكَ. {الرَّابِعَةُ} فِيهِ تَوَاضُعُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرُكُوبِهِ الْحِمَارَ وَإِرْدَافِهِ وَرَاءَهُ عَلَى الْحِمَارِ، وَهَمُّهُ أَنْ يَكُونَ رَدِيفًا لِغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ [الْأَخْذُ] بِأَخْلَاقِهِ الْكَرِيمَةِ فِي ذَلِكَ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي» أَيْ التَّصَرُّفَ فِي الْمَشْيِ كَيْفَ أَرَدْت، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقَّ بِصَدْرِهَا فَإِنَّهُ يَسْتَشْكِلُ قَوْلُهُ أَنْ تَجْعَلَهُ لِي مَعَ كَوْنِهِ تَأَخَّرَ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الرُّكُوبِ عَلَى مُقَدَّمِهِ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّهُ لَهُ، وَيَنْحَلُّ الْأَشْكَالُ بِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَمْرَ قِيَادِهَا بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي سَيْرِهَا كَيْفَ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 بَابُ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَلِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سَقْفَهَا، وَلَا آخَرُ قَدْ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ حِينَ   Q [بَابُ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَلِ] [حَدِيث لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا] {الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ} عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» ، وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سَقْفَهَا، وَلَا آخَرُ قَدْ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلَادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعُوا وَغَنِمُوا فَأَقْبَلَتْ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ قَالَ فِيكُمْ غُلُولٌ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُك فَبَايَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ قَالَ فَلَصِقَ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ فَأَقْبَلَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ فَلَمْ تَحِلَّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 صَلَّى الْعَصْرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْتَبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتْ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ فَقَالَ فِيكُمْ غُلُولٌ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُك فَبَايَعَتْهُ قَبِيلَتُهُ. قَالَ فَلَصِقَ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ مِنْكُمْ الْغُلُولُ أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ. فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ، وَهُوَ بِالصَّعِيدِ فَأَقْبَلَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى عَجْزَنَا وَضَعْفَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» .   Qالْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى عَجْزَنَا وَضَعْفَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قِطْعَةٌ مِنْ الثَّانِي، وَقَدْ أَخْرَجَ الثَّانِيَ بِطُولِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيق ابْنِ الْمُبَارَكِ أَيْضًا كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ» قِيلَ إنَّهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. {الثَّالِثَةُ} الْبُضْعُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَرْجِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالنَّوَوِيُّ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أُخَرَ (أَحَدُهَا) الْجِمَاعُ (الثَّانِي) مِلْكُ الْوَلِيِّ لِلْمَرْأَةِ. (الثَّالِثُ) مَهْرُ الْمَرْأَةِ. (الرَّابِعُ) الطَّلَاقُ. (الْخَامِسُ) النِّكَاحُ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَذَكَرَهَا مَعَ الرَّابِعِ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ، وَذَكَرَ الْخَامِسَ صَاحِبَا الصِّحَاحِ، وَالنِّهَايَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْبُضْع يُطْلَقُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ مَعًا، وَعَلَى الْفَرْجِ انْتَهَى. وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْفَرْجُ فَقَدْ يُرَادُ النِّكَاحُ أَوْ الْجِمَاعُ، وَكَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ يَقْتَضِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإرَادَةَ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ أَنَّ الْبُضْعَ النِّكَاحُ قَالَ يُقَالُ مَلَكَ فُلَانَةَ بُضْعَ فُلَانَةَ قَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِتَنَ الدُّنْيَا تَدْعُو النَّفْسَ إلَى الْهَلَعِ وَالْجُبْنِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَبْنِ بِهَا أَوْ بَنَى بِهَا فَكَانَ عَلَى طَرَاوَةٍ مِنْهَا فَإِنَّ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَيَشْغَلُهُ الشَّيْطَانُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَةِ فَيَرْمِي فِي قَلْبِهِ الْجَزَعَ، وَكَذَلِكَ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعِهَا وَفِتَنِهَا انْتَهَى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ مِنْ صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ أَحَبَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ الْغَزْوِ، انْتَهَى. وَفِي تَعْبِيرِهِ بِلَمَّا فِي قَوْلِهِ، وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا دُونَ لَمْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ بِهَا مُتَوَقَّعٌ، وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] مَا فِي لَمَّا فِي مَعْنَى التَّوَقُّعِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ آمَنُوا فِيمَا بَعْدُ انْتَهَى. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُفَهَا» كَذَا ضَبْطُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ سُقُفَهَا، وَمُسْنَدُ أَحْمَدَ قَوْلُهُ سَقْفَهَا مُؤَنَّثًا مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ بُنْيَانٌ لَا تَأْنِيثَ فِيهِ، وَلَا جَمْعَ، وَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ تَأْوِيلِهِ بِجَمْعٍ كَأَبْنِيَةٍ أَوْ دُورٍ وَعَوْدُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ جَمْعُ سَقْفٍ كَذَا رَوَيْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقْفُهَا بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى جَمْعٍ بِالتَّقْدِيرِ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «بَنَى بُيُوتًا، وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا» ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا قَرَّرَنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْبُنْيَانِ بِجَمْعٍ، وَمِنْ أَنَّ السُّقُفَ بِضَمَّتَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} «الْخَلِفَاتُ» بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ جَمْعُ خَلِفَةٍ، وَهِيَ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ فَإِطْلَاقُ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِلْإِكْمَالِ أَنَّهَا الْحَوَامِلُ بِغَيْرِ قَيْدٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَقْيِيدِهَا بِالنُّوقِ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ فَقَوْلُهُ اشْتَرَى غَنَمًا أَيْ حَوَامِلَ أَيْضًا بِدَلِيلِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ خَلِفَاتٍ فَحَذَفَ الْوَصْفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ غَنَمًا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِأَنْ تَكُونَ حَوَامِلَ لِأَنَّهَا قَلِيلَةُ الصَّبْرِ فَيُخْشَى ضَيَاعُهَا بِخِلَافِ النُّوقِ تَتَقَيَّدُ بِأَنْ تَكُونَ حَوَامِلَ، وَقَوْلُهُ «يَنْتَظِرُ أَوْلَادَهَا» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «وِلَادَهَا» بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ يُقَالُ وَلَدَتْ وِلَادًا وَوِلَادَةً، وَاَلَّذِي فِي رِوَايَتِنَا صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَنْتَظِرُ الْوِلَادَ يَنْتَظِرُ الْأَوْلَادَ أَيْضًا. {السَّادِسَةُ} فِيهِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُفَوَّضَ إلَّا إلَى أُولِي الْحُزَمِ وَفَرَاغِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْبَالِ لَهَا، وَلَا تُفَوَّضُ إلَى مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُ عَزَمَهُ، وَيُفَوِّتُ كَمَالَ بَذْلِ وُسْعِهِ فِيهِ. {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا، وَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ» بِهَمْزَةِ قَطْعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالنَّوَوِيُّ عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْدِيَةً لِدَنَا أَيْ قَرُبَ فَمَعْنَاهُ أَدْنَى جُيُوشَهُ وَجُمُوعَهُ لِلْقَرْيَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَدْنَى بِمَعْنَى حَانَ أَيْ قَرُبَ فَتْحُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَدْنَتْ النَّاقَةُ إذَا حَانَ نِتَاجُهَا، وَلَمْ يَقُولُوهُ فِي غَيْرِ النَّاقَةِ. {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ «لِلشَّمْسِ أَنْتِ مَأْمُورَةٌ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْإِدْرَاكِ مَا تَصْلُحُ مَعَهُ لِلْمُخَاطَبَةِ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ لِتَقَرُّرِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحُولُهَا عَنْ عَادَتِهَا إلَّا بِخَرْقِ عَادَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ لَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخِطَابِ لَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ عَقِبَهُ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حِكَايَةَ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ كَمَا فِي قَوْلُهُ شَكَا إلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جَمِيلًا فَكِلَانَا مُبْتَلَى وَقَوْلُهُ «شَيْئًا» مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. اُخْتُلِفَ فِي حَبْسِ الشَّمْسِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَقِيلَ رُدَّتْ عَلَى أَدْرَاجِهَا، وَقِيلَ وَقَفَتْ وَلَمْ تُرَدَّ، وَقِيلَ بُطِّئَتْ حَرَكَتُهَا قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ: وَالثَّالِثُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُبِسَتْ لَهُ الشَّمْسُ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حِينَ شُغِلُوا عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَرَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» ذَكَرَ ذَلِكَ الطَّحْطَاوِيُّ وَقَالَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ (وَالثَّانِيَةُ) «صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ انْتَظَرَ الْعِيرَ الَّتِي أُخْبِرَ بِوُصُولِهَا مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ» ذَكَرَهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر فِي زِيَادَتِهِ عَلَى سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ (قُلْت) ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الشَّمْسَ فَتَأَخَّرَتْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَيْضًا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ بِالصَّهْبَاءِ ثُمَّ أَرْسَلَ عَلِيًّا فِي حَاجَةٍ فَرَجَعَ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَصْرَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ فَنَامَ فَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ إنَّ عَبْدَك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلِيًّا احْتَبَسَ بِنَفْسِهِ عَلَى نَبِيِّهِ فَرُدَّ عَلَيْهِ الشَّمْسَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَطَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَعَلَى الْأَرْضِ، وَقَامَ عَلِيٌّ فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ غَابَتْ، وَذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ» ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَكَادُ يُغْشَى عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمًا، وَهُوَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّيْت الْعَصْرَ؟ فَقَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَعَا اللَّهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّمْسَ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ قَالَتْ فَرَأَيْت الشَّمْسَ طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَابَتْ حِينَ رَدَّتْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» . {التَّاسِعَةُ} قَوْلُهُ «فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتْ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ» بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الْغَنَائِمِ أَنْ يَجْمَعُوهَا فَتَجِيءَ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتَأْكُلَهَا فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِقَبُولِهَا وَعَدَمِ الْغُلُولِ فِيهَا فَلَمَّا أَبَتْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ أَنْ تَأْكُلَهَا عَرَفَ أَنَّ فِيهِمْ غُلُولًا فَلَمَّا رَدُّوهُ جَاءَتْ فَأَكَلَتْهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ أَمْرُ قُرْبَانِهِمْ إذَا يُقْبَلُ جَاءَتْ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْهُ. {الْعَاشِرَةُ} (الْغُلُولُ) سَرِقَةُ الْمَغْنَمِ خَاصَّةً، وَأَمْرُهُ بِأَنْ يُبَايِعَهُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ لِيَظْهَرَ الْغَالُّ بِلُصُوقِ يَدِهِ، وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِوَحْيٍ، وَفِيهِ مُعَاقَبَةُ الْجَمَاعَةِ بِفِعْلِ سِفْلَتِهَا لِلُّصُوقِ يَدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ الْغُلُولُ مِنْ بَعْضِ قَبِيلَتِهِ، وَلِعَدَمِ قَبُولِ الْغَنِيمَةِ مَعَ أَنَّ الْغُلُولَ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْغَانِمِينَ، وَفِيهِ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَنْبِيَاءِ بِوَحْيٍ وَمُعْجِزَةٍ بِحَسَبِ بَاطِنِ الْأَمْرِ كَمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ يَكُونُ بِحَسَبِ ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْحُكَّامِ، وَعَلَيْهِ جَاءَ الْحَدِيثُ «فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» . [فَائِدَة إحْرَاقِ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا غُنِمَ مِنْهَا] 1 {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ «وَهُوَ بِالصَّعِيدِ» أَيْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ «فَأَقْبَلَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ» أَيْ جَمِيعَ الْمَوْضُوعِ بِالصَّعِيدِ ذَلِكَ الْمَغْلُولَ، وَغَيْرَهُ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِيهِ جَوَازُ إحْرَاقِ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا غُنِمَ مِنْهَا انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّ تِلْكَ شَرِيعَةٌ مَنْسُوخَةٌ لَا عَمَلَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ الْإِحْرَاقُ لَيْسَ بِفِعْلِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُمْ فِيهِ. [فَائِدَة تَجْدِيدِ الْبَيْعَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَقَعُ] 1 {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَجْدِيدِ الْبَيْعَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَقَعُ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ (قُلْت) لَيْسَتْ هَذِهِ مُبَايَعَةٌ حَقِيقَةٌ كَمَا، وَقَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَإِنَّمَا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصُورَتُهَا صُورَةُ الْمُبَايَعَةِ بِوَضْعِ الْكَفِّ فِي الْكَفِّ لِلْمُعْجِزَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ لُصُوقُ كَفِّ الْغَالِّ أَوْ مَنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأَمَةِ وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ] {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ إبَاحَةُ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأَمَةِ، وَأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ تَحْلِيلِ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأَمَةِ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ أَخْذِهِمْ فِدَاءَ الْأُسَارَى وَفِي آخِرِهِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67] إلَى قَوْلِهِ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ أُحِلَّتْ لَهُ الْغَنَائِمُ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَصْحَابِهِ سَرِيَّةً إلَى بَطْنِ نَخْلَةٍ فِي شَهْرِ رَجَبٍ قَبْلَ بَدْرٍ الْكُبْرَى، وَأَخَذُوا الْعِيرَ وَالْأَسِيرِينَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ إنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا غَنِمْتُمْ الْخُمُسَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُمُسَ الْعِيرِ، وَقَسَمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخَرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرِينَ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] فَحِينَئِذٍ قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيرَ وَالْأَسِيرِينَ» ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ لَيْسَ إسْنَادُهَا بِمُتَّصِلٍ وَلَا ثَابِتٍ فَإِنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ قَالَ فِيهَا، وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَذْكُرُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَيُقَالُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ غَنَائِمَ نَخْلَةَ حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلَّ قَوْمٍ حَقَّهُمْ» قَالَ: وَيُقَالُ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ خَمَّسَ مَا غَنِمَ وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ فَكَانَ أَوَّلَ خُمُسٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ. [فَائِدَة قِتَالَ آخَرِ النَّهَارِ وَإِذَا هَبَّتْ رِيَاحُ النَّصْرِ] 1 {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، وَفِيهِ أَنَّ قِتَالَ آخَرِ النَّهَارِ، وَإِذَا هَبَّتْ رِيَاحُ النَّصْرِ أَفْضَلُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ (قُلْت) لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَصَدَ الْقِتَالَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ دَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَعَلَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا اقْتَضَاهُ وُقُوعُ الْحَالِ كَذَلِكَ. . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   Q [حَدِيث أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأُولَى الْفَيْءَ الَّذِي لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ بَلْ جَلَا عَنْهُ أَهْلُهُ أَوْ صَالَحُوا عَلَيْهِ فَيَكُونُ غَنِيمَةً يَخْرُجُ مِنْهُ الْخُمُسُ، وَبَاقِيهِ لِلْغَانِمِينَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ أَيْ بَاقِيهَا. {الثَّالِثَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُمُسُ فِي الْفَيْءِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْ الْخُمُسَ إلَّا فِي الْقَرْيَةِ الْعَاصِيَةِ الَّتِي لَمْ تُؤْخَذْ الْغَنِيمَةُ مِنْهَا إلَّا بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَقَالَ فِي الْأُولَى إنَّ سَهْمَ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهَا جَارٍ فِيهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَالْجُمْهُورُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى إيجَابِ الْخُمُسِ فِي الْفَيْءِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى إيجَابِهِ فِي الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ بِالْخُمُسِ فِي الْفَيْءِ اهـ. وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] فَلَفْظُ التَّنْزِيلِ فِي الْقِسْمَيْنِ مُتَّحِدٌ فَمَا وَجْهُ تَفْرِقَةِ الْجُمْهُورِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ مَضْمُومَةً لِمَالِهِ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَكَانَ لَهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَهْمًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَظْهَرُهَا) أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ الْمُرْصَدِينَ لِلْجِهَادِ (وَالثَّانِي) لَلْمَصَالِح كَخُمُسِ الْخُمُسِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا تُقْسَمُ كَمَا يُقْسَمُ الْخُمُسُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ فَلَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلْتُقَسِّمُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .   Qجَمِيعُ الْفَيْءِ لِلْمَصَالِحِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ يَقْسِمُ جَمِيعَ الْفَيْءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، كَمَا يَقُولُهُ فِي خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ خُمُسَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، ثَلَاثَةٌ لِهَؤُلَاءِ، وَوَاحِدٌ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى. [فَائِدَة حُكْمُ أَرْضَ الْعَنْوَةِ] 1 {الرَّابِعَةُ} اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ خُمُسَهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ، وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ. [حَدِيث إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ فَلَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلْتُقَسِّمُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْمُطَرِّزُ، وَابْنُ خَالَوَيْهِ، وَآخَرُونَ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَلَامًا مُتَدَاخِلًا حَاصِلُهُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَلَكَ الرُّومِ قَيْصَرُ وَمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةِ النَّجَاشِيُّ، وَمَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ تُبَّعٌ، وَمَنْ مَلَكَ حِمْيَرَ الْقَيْلُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَقِيلَ الْقَيْلُ أَقَلُّ دَرَجَةً مِنْ الْمَلِكِ اهـ وَيَجُوزُ فِي كِسْرَى فَتْحُ الْكَافِ وَكَسْرُهَا، وَحُكِيَ الْفَتْحُ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَالْكَسْرُ عَنْ غَيْرِهِ. {الثَّالِثَةُ} مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ هَلَاكِ كِسْرَى لَكِنَّ لَفْظَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَدْ مَاتَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ» مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ الْأُخْرَى «وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ الَّتِي رَوَاهَا مِنْهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ «إذَا هَلَكَ كِسْرَى» . وَيُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَفْظُهَا «قَدْ مَاتَ كِسْرَى» مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ. «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَهْلِ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» فَظَاهِرُ الرِّوَايَتَيْنِ التَّنَافِي، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) قَبْلَ مَوْتِ كِسْرَى بِلَفْظِ «إذَا هَلَكَ كِسْرَى» وَالْأُخْرَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَفْظِ «قَدْ مَاتَ كِسْرَى» . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ بَعِيدٌ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ فَيُقَالُ إنَّ مَوْتَ كِسْرَى قَدْ وَقَعَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إهْلَاكُ مُلْكِهِ فَلَمْ يَقَعْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ «قَدْ مَاتَ كِسْرَى» مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] فَعَبَّرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَتَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ كِسْرَى بِالْعِرَاقِ، وَلَا قَيْصَرُ بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْلَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِانْقِطَاعِ مُلْكِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ وَكَانَ كَمَا قَالَ؛ فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكُهُ، وَزَالَتْ مَمْلَكَتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَتَمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا قَيْصَرُ فَانْهَزَمَ مِنْ الشَّامِ، وَدَخَلَ أَقْصَى بِلَادِهِ فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمَا، وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَا   Qتَفْرِيقِ مُلْكِ كِسْرَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ؛ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ» فَحَسِبْت أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ «فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ» وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَعْنَاهُ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَعُودُ لِلرُّومِ، وَلَا لِلْفُرْسِ مُلْكٌ قَالَ: وَهَذَا يَصِحُّ فِي كِسْرَى، وَأَمَّا الرُّومُ فَقَدْ أَنْبَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقَاءِ مُلْكِهِمْ إلَى نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» . (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا هَلَكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهُمَا مِثْلُهُمَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ، وَهَذَا أَعَمُّ وَأَتَمُّ (قُلْت) وَمِمَّا انْقَرَضَ، وَلَمْ يَعُدْ بَقَاءُ اسْمِ قَيْصَرَ لِأَنَّ مُلُوكَ الرُّومِ لَا يُسَمَّوْنَ الْآنَ بِالْأَقَاصِرَةِ، وَذَهَبَ ذَلِكَ الِاسْمُ عَنْ مُلْكِهِمْ فَصَدَقَ أَنَّهُ لَا قَيْصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَوَّلِ، وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ «لَا كِسْرَى» عَلَى ظَاهِرِهِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ «لَا قَيْصَرَ» فَفِيهِ أَرْبَعُ احْتِمَالَاتٍ: لَا قَيْصَرَ بِالشَّامِ؛ لَا قَيْصَرَ كَمَا كَانَ لَا قَيْصَرَ فِي الِاسْمِ، لَا قَيْصَرَ مُطْلَقًا، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الرَّابِعُ لِمُخَالِفَتِهِ لِلْوَاقِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «وَلْتُقَسِّمُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَقَوْلُهُ «لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَمْرَانِ وَقَعَا كَمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُسِّمَتْ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ ثُمَّ أَنْفَقَهَا الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَزْوُ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ لِلْمُجَاهِدِينَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهَا الْخُمُسُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث بَعَثَ رَسُول اللَّه سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إبِلًا كَثِيرَةً فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِلُوا بَعِيرًا» .   Qعَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُسْلِمٍ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ مَنْ سِوَى مَالِكٍ الْجَزْمُ «بِأَنَّ سُهْمَانُهُمْ بَلَغَتْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا» وَزَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ «فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «، وَنَفَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا بَعِيرًا» . وَقَالَ أَبُو دَاوُد رَوَاهُ بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ «وَنَفَلَنَا بَعِيرًا بَعِيرًا» لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً إلَى نَجْدٍ فَخَرَجْت مَعَهَا فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرَةً فَنَفَلَنَا أَمِيرُنَا بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ إنْسَانٍ ثُمَّ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَسَمَ بَيْنَنَا فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بَعْدَ الْخُمُسِ، وَمَا حَاسَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاَلَّذِي أَعْطَانَا صَاحِبُنَا، وَلَا عَابَ عَلَيْهِ مَا صَنَعَ فَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا بِنَفْلِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ، وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ الْجَيْشِ فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِلَ أَهْلُ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ» ، وَفِيهِ قَالَ الْوَلِيدُ حَدَّثَتْ ابْنَ الْمُبَارَكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ (قُلْت) وَكَذَا حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَا تَعْدِلْ مَنْ سَمَّيْت بِمَالِكٍ هَكَذَا أَوْ نَحْرُهُ يَعْنِي مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. {الثَّانِيَةُ} هَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ التَّرَدُّدِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ هَلْ بَلَغَ كُلُّ سَهْمٍ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا هُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ رَوَاهُ الْمَوْلَى كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاللَّيْثِ فَجَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْهِمَا، وَقَالَ فِيهَا فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّهُ حَمَلَ فِيهِ حَدِيثَ مَالِكٍ عَلَى حَدِيثِ اللَّيْثِ لِأَنَّ الْقَعْنَبِيَّ رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ الشَّكُّ كَمَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَلَا أَدْرِي أَمِنْ الْقَعْنَبِيِّ جَاءَ هَذَا حِينَ خَلَّطَ حَدِيثَ اللَّيْثِ بِحَدِيثِ مَالِكٍ أَمْ مِنْ أَبِي دَاوُد. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّ جَمَاعَةَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ رَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الشَّكِّ إلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ رَوَى اثْنَيْ عَشَرَ بِدُونِ شَكٍّ، قَالَ: وَأَظُنُّهُ حَمَلَهُ عَلَى رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ حَمْزَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الْجَزْمِ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَحَمَلَ حَدِيثَ مَالِكٍ عَلَى هَذَا، وَهُوَ غَلَطٌ، قَالَ: وَكَانَ سَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ [يَرْوِي] اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرٍ شَكَّ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مَالِكٍ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «قِبَلَ نَجْدٍ» بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الَّذِي يَلِي نَجْدًا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَ (قِبَلَ) يَكُونُ لِمَا وَلِيَ الشَّيْءَ تَقُولُ ذَهَبْت قِبَلَ السُّوقِ، وَقَالُوا (إلَى قِبَلَك مَالٌ) أَيْ فِيمَا يَلِيك، اتَّسَعَ فِيهِ فَأَجْرِي مَجْرَى عَلَيَّ إذَا قُلْت لِي عَلَيْك مَالٌ انْتَهَى وَ (نَجْدٌ) بِلَادٌ مُرْتَفِعَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَكُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ تِهَامَةَ إلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ فَهُوَ نَجْدٌ وَ «السُّهْمَانُ» بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَهْمٍ، وَهُوَ النَّصِيبُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ بَلَغَ هَذَا الْعَدَدَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، لَا مَجْمُوعُ الْأَنْصِبَاءِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ غَلَطٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ «وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» أَيْ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ الْأَنْفَالُ هِيَ الْعَطَايَا مِنْ الْغَنِيمَةِ غَيْرُ السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِسْمَةِ، وَأَحَدُهَا نَفَلٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحُكِيَ إسْكَانُهَا أَيْضًا. {الرَّابِعَةُ} اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّ هَذَا الْقَسْمَ وَالتَّنْفِيلَ هَلْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ أَمِيرِ السُّرِّيَّةِ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ «فَلَمْ يُغَيِّرْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ، وَلَمْ يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ «، وَنَفَلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا بَعِيرًا» ، وَظَاهِرُهُ أَنْ قَسْمَ الْغَنِيمَةِ فِعْلُ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ، وَالتَّنْفِيلَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَكْسُ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ، وَقَسْمَ الْغَنِيمَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَجَّحَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رِوَايَةَ غَيْرِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَلَى رِوَايَتِهِ قَالَ لِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ حُفَّاظٌ، وَأَشَارَ إلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ رِوَايَتِي اللَّيْثِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ نَفَلَنَا بِمَعْنَى أَجَازَ ذَلِكَ لَنَا، وَجَزَمَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَلَهُمْ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا. [فَائِدَة نَفْلِ السَّرِيَّةِ تَخْرُجُ مِنْ الْعَسْكَرِ] 1 {الْخَامِسَةُ} ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَسَائِرِ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ هَذِهِ السَّرِيَّةَ لَمْ تَكُنْ قِطْعَةً مِنْ جَيْشٍ كَبِيرٍ بَلْ هُمْ جَمَاعَةٌ أُخْرِجُوا لِذَلِكَ مُنْفَرِدِينَ فَبَلَغَ كُلُّ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ غَنِيمَتِهِمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَأُعْطُوا زِيَادَةً عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّنْفِيلِ كُلَّ وَاحِدٍ بَعِيرًا، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ تِلْكَ السَّرِيَّةَ كَانَتْ قِطْعَةً مِنْ جَيْشٍ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ بَلَغَ سَهْمُهُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَتَمَيَّزَتْ السَّرِيَّةُ عَلَى الْجَيْشِ بِنَفْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعِيرًا فَبَلَغَ سَهْمُهُ بِالتَّنْفِيلِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا» ، وَمَشَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَاعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي سُنَنِهِ بَابُ نَفْلِ السُّرِّيَّةِ تَخْرُجُ مِنْ الْعَسْكَرِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهَا بِمُعَارَضَتِهَا لِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهَا بِقَوْلِهِ لَا تَعْدِلْ مَنْ سَمَّيْت مِنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنَّمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ هَذَا لِمُخَالَفَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ مَالِكًا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَالنَّفَلَ كَانَ كُلُّهُ لَهَا لَا يَشْرَكُهَا فِيهِ جَيْشٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَجَعَلَ شُعَيْبٌ السَّرِيَّةَ مُنْبَعِثَةً مِنْ جَيْشٍ، وَأَنَّ الْغَنِيمَةَ كَانَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ، وَفُضِّلَ أَهْلُ السَّرِيَّةِ عَلَى الْجَيْشِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ لِمَوْضِعِ شَخْصِهِمْ وَنَصِيبِهِمْ قَالَ: وَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَتْهُ السَّرِيَّةُ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ أَهْلُ الْجَيْشِ، وَمَا صَارَ لِلْعَسْكَرِ تَشْرَكُهُمْ فِيهِ السَّرِيَّةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدٌّ لِصَاحِبِهِ (قُلْت) الْمُرَادُ الْجَيْشُ الْخَارِجُ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَاَلَّذِي انْفَرَدَتْ مِنْهُ هَذِهِ السَّرِيَّةُ لِمَصْلَحَةٍ أَمَّا الْجَيْشُ الْقَاعِدُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُشَارِكُ السَّرِيَّةَ الْخَارِجَةَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ وَحْدَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إثْبَاتُ نَفْلِ السَّرِيَّة] 1 {السَّادِسَةُ} فِيهِ إثْبَاتُ النَّفْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَخْصِيصُ مَنْ صَنَعَ صُنْعًا جَمِيلًا فِي الْحَرْبِ انْفَرَدَ بِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَحِلِّهِ هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا أَمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ، وَبِكُلٍّ مِنْهَا قَالَ جَمَاعَةٌ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ قَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ قَالَ الْأَوَّلُونَ: وَلَوْ كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّفْضِيلِ مَعْنًى وَلَكَانَ الْكَلَامُ مُخْتَلَّ اللَّفْظِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَكْثَرُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ الْخُمُسِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ انْتَهَى وَأَجَازَ النَّخَعِيّ أَنْ تُنَفَّلَ السَّرِيَّةُ جَمِيعَ مَا غَنِمَتْهُ دُونَ بَاقِي الْجَيْشِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَوْ نَفَلَهُمْ الْأَمَامُ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ الْعَتِيدَةِ دُونَ الْغَنِيمَةِ جَازَ، وَمَا حَكَمْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّ التَّنْفِيلَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ تَبِعْت فِيهِ النَّوَوِيَّ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ النَّفَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُرِيدَ الْإِمَامُ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْجَيْشِ بِشَيْءٍ يَرَاهُ مِنْ عَنَائِهِ وَبَأْسِهِ وَبَلَائِهِ أَوْ لِمَكْرُوهٍ تَحَمَّلَهُ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ فَيُنَفِّلَهُ مِنْ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِمَامَ إذَا بَعَثَ سُرِّيَّةً مِنْ الْعَسْكَرِ فَأَرَادَ أَنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْ دُونَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَحَقُّهُ أَنْ يُخَمِّسَ مَا غَنِمَتْ ثُمَّ يُعْطِيَ السَّرِيَّةَ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ الْخُمُسِ مَا شَاءَ رُبْعًا أَوْ ثُلُثًا، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَلَهُ، وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَبَيْنَ السَّرِيَّةِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنْ يُحَرِّضَ الْإِمَامُ وَأَمِيرُ الْجَيْشِ أَهْلَ الْعَسْكَرِ عَلَى الْقِتَالِ قَبْلَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَيُنَفِّلَ جَمِيعَهُمْ مِمَّا يَصِيرُ بِأَيْدِيهِمْ، وَيَفْتَحُهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. (الرَّابِعُ) أَوْ (الثُّلُثُ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَحْرِيضًا مِنْهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَهَذَا الْوَجْهُ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُهُ وَلَا يُجِيزُهُ وَلَا يَرَاهُ، وَكَانَ يَقُولُ قِتَالُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلدُّنْيَا، وَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى. وَكَذَا حَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى النَّفَلَ، وَالْمُرَادُ بِهِ ذِكْرُهُ أَوَّلًا لِلتَّرْغِيبِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ إنَّ التَّنْفِيلَ يَكُونُ فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ سَوَاءً الْأُولَى وَغَيْرُهَا، وَسَوَاءً غَنِيمَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّامِيِّينَ لَا يُنَفِّلُ فِي أَوَّلِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 بَابُ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي زَانٍ، وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّارِبُ حِينَ يَشْرَبُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، يَعْنِي   Qغَنِيمَةٍ، وَلَا يُنَفِّلُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً. {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «وَنُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَحَقُّوا النَّفَلَ نُفِلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّرِيَّةِ نُفِلَ (قُلْت) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّرِيَّةِ نُفِلَ، وَسَبَبُهُ زِيَادَةُ عَنَائِهِ وَنَفْعِهِ بِانْفِرَادِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْجَيْشِ بِتِلْكَ السَّفْرَةِ وَالْمَشَقَّةِ. [بَابُ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ] [حَدِيث لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ] بَابُ تَحْرِيمِ الْغُلُول عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي زَانٍ حِينَ يَزْنِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّارِبُ حِينَ يَشْرَبُ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ يَعْنِي الْخَمْرَ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ فَإِيَّاكُمْ إيَّاكُمْ» لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ الْغُلُولَ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي أُسَامَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجُمَلِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَفِيهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَؤُلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَلْعَقُ مَعَهُنَّ «وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِين يَنْتَهِبُهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجُمَلِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 الْخَمْرَ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا، وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِيَّاكُمْ إيَّاكُمْ» لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ فِيهِ الْغُلُولَ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ «يُنْزَعُ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ..   Qأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجُمَلِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَفِيهِ «، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، وَحَكَى الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ «يُنْزَعُ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ» ، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَنَذْكُرُهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيَّ، وَهُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ «الْإِيمَانُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ» ، وَرَوَى الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ هَذَا الْمَتْنَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ يَخْرُجُ الْإِيمَانُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ رَجَعَ إلَيْهِ» ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا زَنَى الْمُؤْمِنُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ» وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ جَهَالَةٌ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ زَنَى خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ هُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَفْعَلُ هَذِهِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَعَاصِي وَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ، وَهَذَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى نَفْي الشَّيْءِ، وَيُرَادُ نَفْيُ كَمَالِهِ وَمُخْتَارِهِ كَمَا يُقَالُ لَا عِلْمَ إلَّا مَا نَفَعَ، وَلَا مَالَ إلَّا الْإِبِلُ، وَلَا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ: لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَغَيْرِهِ «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ» وَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ «أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا وَلَا يَعْصُوا إلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَبْ فَهُوَ إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَعَ نَظَائِرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الزَّانِي، وَالسَّارِقَ، وَالْقَاتِلَ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ غَيْرِ الشِّرْكِ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ نَاقِصُوا الْإِيمَانِ إنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتُهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِرِ كَانُوا فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنْ شَاءَ اللَّهَ عَفَا عَنْهُمْ، وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ أَوَّلًا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ قَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ الدَّلَائِلِ تَضْطَرُّنَا إلَى تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَبَهِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَاهِرٌ سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِيهَا كَثِيرًا، وَإِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ ظَاهِرًا وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا مَعَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ الشَّرْعِ بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ يُنْزَعُ مِنْهُ اسْمُ الْمَدْحِ الَّذِي يُسَمَّى بِهِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْتَحِقُّ اسْمَ الذَّمِّ فَيُقَالُ سَارِقٌ وَزَانٍ وَفَاجِرٌ وَفَاسِقٌ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ مَعْنَاهُ يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ يُنْزَعُ مِنْهُ بَصِيرَتُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا أَشْبَهَهُ يُؤْمَنُ بِهَا، وَتُمَرُّ عَلَى مَا جَاءَتْ، وَلَا يُخَاضُ فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ مَعْنَاهَا، وَقَالَ: أَمِرَّهَا كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ، وَقِيلَ، وَفِي مَعْنَى الْحَدِيثِ غَيْرُ مَا ذَكَرْته مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ بَعْضُهَا غَلَطٌ فَتَرَكْتهَا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْتهَا فِي تَأْوِيلِهِ كُلِّهَا مُحْتَمَلَةٌ، وَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَيُوَافِقُ التَّأْوِيلَ الَّذِي صَحَّحَهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَأَدَارَ دَارَةً وَاسِعَةً فِي الْأَرْضِ ثُمَّ أَدَارَ فِي وَسَطِ الدَّارَةِ دَارَةً فَقَالَ الدَّارَةُ الْأُولَى الْإِسْلَامُ، وَالدَّارَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ الدَّارَةِ الْأُولَى الْإِيمَانُ فَإِذَا زَنَا خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا الشِّرْكُ، وَقَرَّرَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْقَوْلَ بِتَقْرِيرٍ حَسَنٍ، وَهُوَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْإِيمَانَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلُ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فَالْمُرْتَكِبُ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَخْتَلَّ اعْتِقَادُهُ وَلَا نُطْقُهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَّتْ طَاعَتُهُ فَالْإِيمَانُ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ هُوَ الطَّاعَةُ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَعْلَامِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْذَارُ بِزَوَالِ الْإِيمَانِ إذَا اعْتَادَهَا، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ «مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرْوِيه «لَا يَشْرَبْ الْخَمْرَ» بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ يَقُولُ إذَا كَانَ مُؤْمِنًا فَلَا يَفْعَلْ هَكَذَا انْتَهَى، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْحَدِيثَ، «فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ زَنَى فَقَدْ كَفَرَ فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُبْهِمَ أَحَادِيثَ الرُّخَصِ لَا يَزْنِي الزَّانِي، وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَنَّ ذَلِكَ الزِّنَا حَلَالٌ لَهُ فَإِنْ آمَنَ بِهِ أَنَّهُ لَهُ حَلَالٌ فَقَدْ كَفَرَ وَلَا يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِتِلْكَ السَّرِقَةِ أَنَّهَا لَهُ حَلَالٌ فَإِنْ آمَنَ بِهَا أَنَّهَا لَهُ حَلَالٌ فَقَدْ كَفَرَ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَنَّهَا لَهُ حَلَال فَإِنْ شَرِبَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَنَّهَا لَهُ حَلَالٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ حِينَ يَنْتَهِبُهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَنَّهَا لَهُ حَلَالٌ فَإِنْ انْتَهَبَهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَنَّهَا لَهُ حَلَالٌ فَقَدْ كَفَرَ» لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى التَّيْمِيُّ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْكَذِبِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى ذَكَرَ مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا نَهْيٌ، يَقُولُ حِينَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَفْعَلْنَ، لَا يَسْرِقُ، وَلَا يَزْنِي، وَلَا يَقْتُلُ. {الثَّالِثَةُ} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا فَنَبَّهَ بِالزِّنَى عَلَى جَمِيعِ الشَّهَوَاتِ، وَبِالسَّرِقَةِ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْحِرْصِ عَلَى الْحَرَامِ، وَبِالْخَمْرِ عَلَى جَمِيعِ مَا يَصُدُّ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُوجِبُ الْغَفْلَةَ عَنْ حُقُوقِهِ وَبِالِانْتِهَابِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِعِبَادِ اللَّهِ وَتَرْكِ تَوْقِيرِهِمْ، وَالْحَيَاءُ مِنْهُمْ، وَجَمْعُ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ وَجْهِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) وَقَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْوَعِيدِ فِي هَذِهِ الْكَبَائِرِ ثُبُوتُهُ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا مِنْ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا تَبْلُغُ مَفْسَدَتُهُ مَفْسَدَتَهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْهَا صَغِيرَةٌ لَمْ يُصِرَّ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ فَإِنَّهُ مُكَفَّرٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَبِفِعْلِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} قَيَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْيَ الْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَالَةِ الِارْتِكَابِ لَهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَمِرُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا التَّقْيِيدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَوَالَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا تَابَ أَمَّا إذَا كَانَ مُصِرًّا فَهُوَ كَالْمُرْتَكِبِ فَصِحَّةُ نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْهُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَقَدْ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ «وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ حِينَ يَزْنِي فَإِذَا زَايَلَهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْأَيْمَانُ لَيْسَ إذَا تَابَ مِنْهُ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ إذَا أَخَّرَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ» قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ، وَحَسِبْته أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِحَالَةِ الْفِعْلِ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَالْكَافِرِ فِي جَوَازِ قِتَالِهِ لِدَفْعِهِ عَنْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ بَانَ لَنَا مِنْ هَذَا مَعْنًى حَسَنٌ فِي حِكْمَةِ نَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْهُ، وَهُوَ تَشْبِيهُهُ بِغَيْرِ الْمُؤْمِنِ فِي جَوَازِ قِتَالِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِيَنْكَفَّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلَوْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ، وَإِنْ قُتِلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَهُوَ هَدَرٌ فَانْتَفَتْ فَائِدَةُ الْإِيمَانُ فِي حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ قِتَالِهِ، وَإِهْدَارِ دَمِهِ، وَزَوَالِ عِصْمَتِهِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - {الْخَامِسَةُ} «النُّهْبَةُ» بِضَمِّ النُّونِ الْمَنْهُوبِ، وَقَوْلُهُ «ذَاتَ شَرَفٍ» بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ إنَّهُ كَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَالْأُصُولِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ قَالَ: وَمَعْنَاهُ ذَاتَ قَدْرٍ عَظِيمٍ، وَقِيلَ ذَاتَ اسْتِشْرَافٍ يَسْتَشْرِفُ النَّاسُ لَهَا نَاظِرِينَ إلَيْهَا رَافِعِينَ أَبْصَارَهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَيْضًا ذَاتَ قَدْرٍ عَظِيمٍ فَالرِّوَايَتَانِ حِينَئِذٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. {السَّادِسَةُ} أَطْلَقَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرَ السَّرِقَةِ، وَقَيَّدَ النُّهْبَةَ بِأَنْ تَكُونَ ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّرِقَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَشَدُّ مِنْ الْغَصْبِ، وَيُوَافِقُ هَذَا كَلَامَ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ شَرَطَ فِي كَوْنِ الْغَصْبِ مِنْ الْكَبَائِرِ كَوْنَ الْمَغْصُوبِ نِصَابًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا سَكَتَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِهَا كَوْنُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا فَإِنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ فَإِذَا أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا كَانَ إطْلَاقَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مَحْمُولًا عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَوِي حِينَئِذٍ الْبَابَانِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ شَأْنِ الْغَصْبِ عَلَى غَيْرِهِ بِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَسَمُ يَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ. {السَّابِعَةُ} ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الزَّانِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا أَمْ لَا، وَلَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوبُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ شُرْب قَلِيلِ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ. [فَائِدَة النُّهْبَةُ الْمُحَرَّمَةُ] 1 {الثَّامِنَةُ} قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَسَّرَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَا النُّهْبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَنْ يَنْتَهِبَ مَالَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَهَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ النَّخَعِيّ وَالْحَسَنُ، وَأَمَّا النُّهْبَةُ الْمَكْرُوهَةُ فَهُوَ مَا أَذِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ لِلْجَمَاعَةِ، وَأَبَاحَهُ لَهُمْ، وَغَرَضَهُ تَسَاوِيهِمْ فِيهِ أَوْ مُقَارِبَةُ التَّسَاوِي فَإِذَا كَانَ الْقَوِيُّ مِنْهُمْ يَغْلِبُ الضَّعِيفَ، وَيَحْرِمُهُ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُ صَاحِبِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يُنْثَرُ عَلَى رُءُوسِ الصِّبْيَانِ وَفِي الْأَعْرَاسِ فَيَكُونُ فِيهِ النُّهْبَةُ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا يُخْرِجُ بِذَلِكَ شَهَادَةَ أَحَدٍ وَإِنَّمَا أَكْرَهُهُ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهُ إنَّمَا أَخَذَهُ بِفَضْلِ قُوَّةٍ وَقِلَّةِ حَيَاءٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ هُوَ وَحْدَهُ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَلَا يُعْرَفُ حَظُّهُ مِنْ حَظِّ غَيْرِهِ فَهُوَ خِلْسَةٌ وَسُخْفٌ، وَاحْتَجَّ الْكُوفِيُّونَ بِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَحَرَ الْهَدْيَ قَالَ دُونَكُمْ فَانْتَهِبُوا» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي إجَازَةِ أَخْذِ مَا يَنْثُرُ فِي الْمِلَاكِ وَغَيْرِهِ، وَأُبِيحَ أَخْذُهُ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ قَدْ عَلِمَ اخْتِلَافَ قُوَّتِهِمْ فِي الْأَخْذِ، وَلَيْسَ فِي الْبُدْنِ الَّتِي أَبَاحَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ مَعْنًى إلَّا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النِّثَارِ انْتَهَى. [فَائِدَة قَبُولِ تَوْبَةِ الْعَبْدِ] {التَّاسِعَةُ} «وَلَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ كَذَا الرِّوَايَةُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ فِيهِ لُغَةً أُخْرَى يُغِلُّ بِضَمِّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ حَكَاهَا فِي الصِّحَاحِ، وَالْمُحْكَمِ، وَالْمَشَارِقِ، وَغَيْرِهَا ثُمَّ حَكَى فِي الصِّحَاحِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَسْمَعْ فِي الْمَغْنَمِ إلَّا غَلَّ غُلُولًا، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي الْمُحْكَمِ أَنَّ الْغُلُولَ الْخِيَانَةُ ثُمَّ قَالَ: وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْخَوْنَ فِي الْفَيْءِ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ غَلَّ مِنْ الْمَغْنَمِ غُلُولًا أَيْ خَانَ، وَأَغَلَّ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْغُلُولُ مِنْ الْمَغْنَمِ خَاصَّةً، وَلَا نَرَاهُ مِنْ الْخِيَانَةِ، وَلَا مِنْ الْحِقْدِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ مِنْ الْخِيَانَةِ أَغَلَّ يَغُلُّ، وَمِنْ الْحِقْدِ غَلَّ يَغِلُّ بِالْكَسْرِ، وَمِنْ الْغُلُولُ غَلَّ يَغُلُّ بِالضَّمِّ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ كُلُّ خِيَانَةٍ غُلُولٌ لَكِنَّهُ صَارَ فِي عُرِفَ الشَّرْعِ لِخِيَانَةِ الْمَغَانِمِ خَاصَّةً، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ وَالسَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَكُلُّ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ خُفْيَةً فَقَدْ غَلَّ، وَسُمِّيَتْ غُلُولًا لِأَنَّ الْأَيْدِي فِيهَا مَغْلُولَةٌ أَيْ مَمْنُوعَةٌ مَجْعُولٌ فِيهَا غَلَّ، وَهُوَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ يَدَ الْأَسِيرِ إلَى عُنُقِهِ، وَيُقَالُ لَهَا جَامِعَةٌ أَيْضًا انْتَهَى فَإِنْ كَانَ الْغُلُولُ مُطْلَقُ الْخِيَانَةِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَغْنَمِ خَاصَّةٌ فَبَيْنَهُ، وَبَيْنَهَا عُمُومٌ، وَخُصُوصٌ مِنْ، وَجْهٍ. {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ «فَإِيَّاكُمْ إيَّاكُمْ» كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا هُنَا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ، وَمَعْنَاهُ احْذَرُوا احْذَرُوا، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ يُقَالُ إيَّاكَ وَفُلَانًا أَيْ احْذَرْهُ، وَيُقَالُ إيَّاكَ أَيْ احْذَرْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ فُلَانٍ كَمَا هُنَا {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ «وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» أَيْ بَعْدَ مُوَاقَعَتِهِ لِلذَّنْبِ فَلَمَّا قَطَعَهُ عَنْ الْإِضَافَةِ بَنَاهُ عَلَى الضَّمِّ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مَعْرُوضَةٌ أَنَّ اللَّهَ عَرَضَهَا عَلَى الْعِبَادِ فَأَمَرَهُمْ بِهَا وَوَعَدَ قَبُولَهَا، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهَا وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا، وَأَهْمَلَ أَصْحَابُنَا رُكْنًا رَابِعًا، وَهُوَ النِّيَّةُ وَالْإِخْلَاصُ فِيهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَرَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ، وَخَالَفَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} الْمُرَادُ بِنَزْعِ الْإِيمَانِ مِنْ قَلْبِهِ خُرُوجُهُ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا أَصْلُهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ مُسْنَدِ الْبَزَّارِ فِي احْتِيَاجِهَا إلَى التَّأْوِيلِ كَالرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 بَابُ كَسْرِ الصَّلِيبِ وَقَتْلِ الْخِنْزِيرِ وَوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا يَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ»   Q [بَابُ كَسْرِ الصَّلِيبِ وَقَتْلِ الْخِنْزِيرِ وَوَضْعِ الْجِزْيَةِ] [حَدِيث يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ] عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا يَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ» . (فِيهِ) فَوَائِدٌ {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «يُوشِكُ» بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ يَقْرَبُ، وَقَوْلُهُ «أَنْ يَنْزِلَ» أَيْ مِنْ السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُ «فِيكُمْ» أَيْ فِي هَذِهِ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِبَعْضِهَا مِمَّنْ لَا يَدْرِك نُزُولَهُ، وَقَوْلُهُ «حَكَمًا» بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ حَاكِمًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ لَا نَبِيًّا بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْسَخُ، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ بَلْ هُوَ حَاكِمٌ مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ حِينَ يَنْزِلُ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّقَدُّمِ لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ إمَامُكُمْ مِنْكُمْ» ، وَقَوْلُهُ «مُقْسِطًا» أَيْ عَادِلًا يُقَالُ أَقْسَطَ يُقْسِطُ إقْسَاطًا فَهُوَ مُقْسِطٌ إذَا عَدَلَ، وَالْقِسْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْعَدْلُ أَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] يُقَالُ مِنْهُ قَسَطَ يَقْسِطُ قَسْطًا بِفَتْحِ الْقَافِ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ (يَكْسِرُ الصَّلِيبَ) مَعْنَاهُ يَكْسِرُهُ حَقِيقَةً وَيُبْطِلُ مَا يَزْعُمُهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمِهِ، وَيُغَيِّرُ مَا نَسَبُوهُ إلَيْهِ مِنْ الْبَاطِلِ كَمَا غَيَّرَهُ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْلَمَهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَذَلِكَ مُصَحِّحٌ لِشَرِيعَةِ نَبِيّنَا مَاشٍ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فِيهَا، وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرَاتِ، وَآلَاتِ الْبَاطِلِ. [فَائِدَة إذَا وَجَدْنَا الْخِنْزِيرَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهَا وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْلِهِ] 1 {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُخْتَارِ فِي مَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّا إذَا وَجَدْنَا الْخِنْزِيرَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَغَيْرِهَا وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْلِهِ قَتَلْنَاهُ، وَإِبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَقَالُوا يُتْرَكُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَةٌ. [فَائِدَة قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى] 1 {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ الْكُفَّارِ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَمَنْ بَذَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُفَّ عَنْهُ بِهَا بَلْ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ الْقَتْلَ هَكَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى هَذَا ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ فَيْضُ الْمَالِ [هُنَا] مِنْ وَضْعِ الْجِزْيَةِ، وَهُوَ ضَرْبُهَا عَلَى جَمِيعِ الْكَفَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَاتِلُهُ أَحَدٌ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَانْقِيَادُ جَمِيعِ النَّاسِ لَهُ إمَّا بِالْإِسْلَامِ، وَإِمَّا بِالْقَائِدِ فَيَضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَيَضْرِبُهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامَ. {السَّادِسَةُ} إنْ قُلْت كَيْفَ يَضَعُ السَّيِّدُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْجِزْيَةَ مَعَ أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ وُجُوبُ قَبُولِهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَكَيْفَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرْتُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ (قُلْت) قَالَ النَّوَوِيُّ جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مُسْتَمِرًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِنَسْخِهِ، وَلَيْسَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ النَّاسِخُ بَلْ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُبَيِّنُ لِلنَّسْخِ فَإِنَّ عِيسَى يَحْكُمُ بِشَرِيعَتِنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ شَرْعُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. {السَّابِعَةُ} فَإِنْ قُلْت مَا الْمَعْنَى فِي تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ (قُلْت) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إنَّمَا قَبِلْنَاهَا نَحْنُ لِحَاجَتِنَا إلَى الْمَالِ، وَلَيْسَ يَحْتَاجُ عِيسَى عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى مَالٍ لِأَنَّهُ يَفِيضُ فِي أَيَّامِهِ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ فَلَا يَقْبَلُ إلَّا الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ انْتَهَى. (قُلْت) وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشُبْهَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَتَعَلُّقِهِمْ بِزَعْمِهِمْ بِشَرْعٍ قَدِيمٍ فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى زَالَتْ تِلْكَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 بَابُ الْهِجْرَةِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ يَنْدَفِعُ النَّاسُ فِي شُعْبَةٍ أَوْ فِي وَادٍ وَالْأَنْصَارُ فِي شُعْبَةٍ لَانْدَفَعْت مَعَ الْأَنْصَارِ فِي شُعْبَتِهِمْ)   Qالشُّبْهَةُ لِحُصُولِ مُعَايَنَتِهِ فَصَارُوا كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فِي انْقِطَاعِ شُبْهَتِهِمْ وَانْكِشَافِ أَمْرِهِمْ فَعُومِلُوا مُعَامَلَتَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ، وَالْحُكْمُ يَزُولُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى حَسَنٌ مُنَاسِبٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّامِنَةُ} قَوْلُهُ «وَيَفِيضُ الْمَالُ» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَمَعْنَاهُ يَكْثُرُ وَتَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ، وَتَتَوَالَى الْخَيْرَاتُ بِسَبَبِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ التَّظَالُمِ، وَلِمَا تُلْقِيه الْأَرْضُ مِنْ الْكُنُوزِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَتَفِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا» ، وَأَيْضًا فَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِي الْأَمْوَالِ لِقِصَرِ الْآمَالِ، وَعِلْمِ النَّاسِ بِقُرْبِ السَّاعَةِ فَإِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ آخِرُ عَلَامَاتِهَا تُقْبَضُ عَقِبُهُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مَنْ يَعْرِفُ اللَّهَ، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ فَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ وَفَاضَ الدَّمْعُ أَيْ كَثُرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ يَنْزِلُ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَفْعَلُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ مَعَ بَذْلِ صَاحِبِهِ لَهُ فَكَيْفَ يَأْخُذُهُ ظُلْمًا ذَلِكَ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُؤْخَذَ. [بَابُ الْهِجْرَةِ] [حَدِيث لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ] بَابُ الْهِجْرَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ يَنْدَفِعُ النَّاسُ فِي شُعْبَةٍ أَوْ فِي وَادٍ وَالْأَنْصَارُ فِي شُعْبَةٍ، لَانْدَفَعْت مَعَ الْأَنْصَارِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qفِي شُعْبَتِهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدٌ {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شَعْبًا لَسَلَكْت وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظُلْمٌ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةٌ أُخْرَى» وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ هَذَا الْمَتْنَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَأَنَسٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ» أَيْ فِي الْأَحْكَامِ وَالْعِدَادِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّسَبُ قَطْعًا، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْأَنْصَارِ وَفِيهِ بَيَانُ فَضْلِ الْهِجْرَةِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا فَرِيقًا وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ فَرِيقًا، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ مَعَ أَحْلَافِهَا تُعَدُّ فَرِيقًا، وَلِكُلِّ فَرِيقٍ فِي الْحُرُوبِ رَايَةٌ، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمُهَاجِرِينَ فَطَيَّبَ خَوَاطِرَ الْأَنْصَارِ بِأَنَّهُ لَوْلَا الْهِجْرَةُ الَّتِي شَارَكَهُ الْمُهَاجِرُونَ فِيهَا أَوْجَبْت أَنْ يَكُونَ مَعْدُودًا فِيهِمْ لَكَانَ عِدَادُهُ فِي الْأَنْصَارِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ مِنْ الْمُوَالَاةِ الْأَكِيدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الشَّدِيدَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي أَيْ مَا ظَلَمَ قُرَيْشًا بِذَلِكَ أَيْ بِانْفِرَادِهِ عَنْهُمْ وَعَدِّهِ نَفْسَهُ فِي الْأَنْصَارِ بِتَقْدِيرِ فَقْدِ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ، وَفَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِي مُبْتَدَإِ الْأَمْرِ ضِدَّ ذَلِكَ، أَوْ مَا ظَلَمَ الْأَنْصَارَ، وَلَا بَخَسَهُمْ حَقَّهُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ فِيهِمْ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «وَلَوْ يَنْدَفِعُ النَّاسُ فِي شُعْبَةٍ» كَذَا رَوَيْنَاهُ وَضَبَطْنَاهُ هُنَا بِضَمِّ الشِّينِ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الشُّعْبَةَ الْمَسِيلَ الصَّغِيرَ يُقَالُ شُعْبَةٌ حَافِلٌ أَيْ مُمْتَلِئَةٌ سَيْلًا، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الشُّعْبَةُ صَدْعٌ فِي الْجَبَلِ يَأْوِي إلَيْهِ الْمَطَرُ، وَالشُّعْبَةُ الْمَسِيلُ فِي ارْتِفَاعِ قَرَارِهِ الرَّمَلُ، وَالشُّعْبَةُ مَا صَغُرَ مِنْ التَّلْعَةِ وَقِيلَ مَا عَظُمَ مِنْ سَوَاقِي الْأَوْدِيَةِ، وَقِيلَ الشُّعْبَةُ مَا انْشَعَبَ مِنْ التَّلْعَةِ وَالْوَادِي أَيْ عَدَلَ عَنْهُ، وَأَخَذَ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِ، وَالْجَمْعُ شُعَبٌ وَشِعَابٌ انْتَهَى. وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ (شِعْبٌ) بِكَسْرِ الشِّينِ بِغَيْرِ هَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَهُوَ مَا انْفَرَجَ بَيْن جَبَلَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَايَ قَطُّ إلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فَلَمَّا اُبْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدُّغُنَّةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِي قَوْمِي» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ «، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِلْمُسْلِمِينَ قَدْ رَأَيْت دَارَ هِجْرَتِكُمْ   Qوَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَالْجَوْهَرِيُّ هُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الْمَغَازِي «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ قُرَيْشًا وَسَلَكَ شُعْبَةً» هِيَ بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مَوْضِعٌ قُرْبَ يَلِيلَ، وَيُقَالُ لَهُ شُعْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. {الرَّابِعَةُ} أَشَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْأَنْصَارَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَرْضَهُمْ دَارَ هِجْرَتِهِ فَهُوَ مُلَازِمٌ لَهَا إلَى وَفَاتِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» . [حَدِيث عَائِشَة لَمْ أعقل أَبَوَايَ قَطُّ إلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي. وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَايَ قَطُّ إلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا اُبْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ» الْحَدِيثُ (فِيهِ) فَوَائِدٌ {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، وَعُقَيْلٍ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ذَكَرَهُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ الصَّلَاةُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْهِجْرَةُ، وَاللِّبَاسُ، وَالْأَدَبُ طُولُهُ فِي بَعْضِهَا، وَاخْتَصَرَهُ فِي الْبَعْضِ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَايَ» كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِالْأَلِفِ وَهِيَ لُغَةُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَعِدَّةِ قَبَائِلَ يَجْعَلُونَ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَعَلَيْهَا جَاءَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ} [طه: 63] ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ فِي السَّبْعِ، وَأَنْكَرَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 أُرِيت سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ، وَهُمَا حَرَّتَانِ، فَخَرَجَ مَنْ كَانَ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رِسْلِك فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصُحْبَتِهِ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ مِنْ وَرَقِ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» قَالَ الزُّهْرِيُّ   Qالْمُبَرِّدُ هَذِهِ اللُّغَةَ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِنَقْلِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَبَوِيَّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِأَبَوَيْهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ، وَيَجُوزُ فِي الرَّاءِ مِنْ رُومَانَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ، وَالْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَعْقِلْ أَبَوَيْهَا إلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ أَيْ الْإِسْلَامَ فَإِنَّ مَوْلِدَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَ أَبَوَاهَا مُتَقَدِّمَيْ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ أَنَّ وَفَاةَ أُمِّ رُومَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ خَمْسٍ، وَقِيلَ سِتٍّ «، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ قَبْرَهَا فَاسْتَغْفَرَ لَهَا، وَقَالَ اللَّهُمَّ لَمْ يَخْفَ عَلَيْك مَا لَقِيَتْ أُمُّ رُومَانَ فِيك، وَفِي رَسُولِك» . {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهَا «وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً» فِيهِ فَضِيلَةٌ لِلصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَيَانِ تَوَاضُعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُوَادَّتِهِ أَصْحَابَهُ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِكْثَارِ الزِّيَارَةِ عِنْدَ تَأَكُّدِ الْمَوَدَّةِ أَوْ الِاحْتِيَاجِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا» فَهُوَ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى التَّعَاوُنِ عَلَى الدِّينِ وَالتَّنَاصُرِ فِيهِ وَأَعْمَالِ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَمَا أَظُنُّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهَا «فَلَمَّا اُبْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ» بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ اُمْتُحِنُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 قَالَ عُرْوَةُ «قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِدًى لَهُ أَبِي وَأُمِّي، إنْ جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ لَأَمْرٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلَ لِأَبِي بَكْرٍ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَك، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّمَا هُمْ أَهْلُك بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَالصَّحَابَةَ بِأَبِي أَنْتَ   Qبِأَذَى الْمُشْرِكِينَ وَأَصْلُ الِابْتِلَاءِ الِامْتِحَانُ، وَالِاخْتِبَارُ، وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَعًا وَمِنْهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ فِعْلَيْهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يُقَالُ مِنْ الْخَيْرِ أَبْلَيْته أُبْلِيَهُ إبْلَاءً وَمِنْ الشَّرِّ بَلَوْته أَبْلُوهُ بَلَاءً قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الِابْتِلَاءَ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَعًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ فِعْلَيْهِمَا. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهَا «خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ» كَانَتْ الْهِجْرَةُ إلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ وَعَدَدُ الْمُهَاجِرِينَ فِي الْأُولَى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا لَمَّا بَلَغَهُمْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ سُجُودَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ قِرَاءَةِ سُورَةِ وَالنَّجْمِ فَلَقُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَشَدَّ مِمَّا عَهِدُوا فَهَاجَرُوا ثَانِيَةً، وَكَانُوا ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا وَثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَلَمْ يُعَدَّ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَصْحَابِ الْأُولَى وَلَا الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا بَلْ رَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ {السَّادِسَةُ} «بَرْكُ الْغِمَادِ» بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِكَسْرِهَا لِلْأَصِيلِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي وَغَيْرِهِمَا وَالرَّاءِ سَاكِنَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْغِمَادُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ مَوْضِعٌ فِي أَقَاصِي هَجَرَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْيَمَنِ، وَقِيلَ هُوَ مَوْضِعٌ وَرَاءَ مَكَّةَ بِخَمْسِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّمَنِ قَالَتْ فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَأَتْ الْجِرَابَ فَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ، ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ فَمَكَثَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ..   Qلَيَالٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الصِّحَاحِ بَرْكَ الْغِمَادِ، وَإِنَّمَا قَالَ بِرَكَ مِثْل قِرْدِ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْيَمَنِ انْتَهَى فَلَا أَدْرِي هُوَ هَذَا أَمْ لَا. {السَّابِعَةُ} «ابْنُ الدَّغِنَةِ» هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَضْبُوطُ الْمَحْفُوظُ، وَحَكَى فِيهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ مَعَ ذَلِكَ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، وَهُمَا فَتْحُ الْغَيْنِ وَإِسْكَانُهَا وَوَجْهًا رَابِعًا حَكَاهُ عَنْ الْقَابِسِيِّ، وَهُوَ الدُّغُنَّةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَالْغَيْنِ وَتَشْدِيدِهَا، وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ، وَقَالَ وَبِهِمَا رَوَيْنَاهُ انْتَهَى. وَالرَّابِعُ أَشْهَرُ مِنْ الْمُتَوَسِّطَيْنِ فَهُمَا غَرِيبَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الصِّحَاحِ هَذِهِ الْمَادَّةَ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ دَغَنَ يَوْمُنَا كَدَجْنِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: وَإِنَّهُ لِذُو دُغُنَّةٍ كَدُجُنَّةٍ وَدُغَيْنَةٍ: الْأَحْمَقُ مَعْرِفَةٌ وَدُغَيْنَةُ اسْمُ امْرَأَةٍ. {الثَّامِنَةُ} «الْقَارَّةُ» بِالْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ فِي الصِّحَاحِ هُمْ عَضَلٌ، وَالدِّيشُ ابْنَا الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ سُمُّوا قَارَّةً لِاجْتِمَاعِهِمْ وَاتِّفَاقِهِمْ لَمَّا أَرَادَ ابْنُ الشَّدَّاخِ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِي بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ دَعُونَا قَارَّةً لَا تَنْفِرُونَا ... فَنَجْفِلَ مِثْلَ إجْفَالِ الظَّلِيمِ فَهُمْ رِمَاءٌ ، وَفِي الْمَثَلِ أَنْصَفَ الْقَارَّةَ مَنْ رَمَاهَا. {التَّاسِعَةُ} قَوْلُهُ «أَخْرَجَنِي قَوْمِي» أَيْ تَسَبَّبُوا فِي إخْرَاجِي لَا أَنَّهُمْ بَاشَرُوا إخْرَاجَهُ، وَهُوَ مِثْلَ قَوْلِهِ {مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13] ، وَقَوْلُهُ {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 40] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " الْحَدِيثُ " أَشَارَ إلَى قِطْعَةٍ مِنْ الْحَدِيثِ اخْتَصَرَهَا لِطُولِهَا، وَلِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا هُنَا، وَلَفْظُهَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْهِجْرَةِ «فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَإِنَّ مِثْلَك يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إنَّك تَكْسِبُ الْمُعْدَمَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَك جَارٌ ارْجِعْ، وَاعْبُدْ رَبَّك بِبَلَدِك فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ، وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمُعْدَمَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ لِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يُعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكْ عَيْنَيْهِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا إنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِك عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، وَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْك ذِمَّتَك فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نَخْفِرَك، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْت الَّذِي عَاقَدْتُ لَك عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أَخَفَرْت فِي رَجُلٍ عَقَدْت لَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّي أَرُدُّ إلَيْك جِوَارَك، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ» . وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ إذَا كَانَ الْمَحْذُوفُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَذْكُورِ لَا يَخْتَلُّ مَعْنَاهُ بِحَذْفِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْعَاشِرَةُ} قَوْلُهُ «قَدْ رَأَيْت دَارَ هِجْرَتِكُمْ» الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْيَقِظَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَنَامِ، وَقَوْلُهُ «أُرِيتُ سَبِخَةً» هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْأَرْضُ الَّتِي تَعْلُوهَا مُلُوحَةٌ، وَجَمْعُهَا سِبَاخٌ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ فَتْحِ الْبَاءِ هُوَ إذَا لَمْ تَجْعَلْهَا صِفَةً لِأَرْضٍ فَإِنْ قُلْت أَرْضٌ سَبِخَةٌ كَسَرْت الْبَاءَ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَالْمَشَارِقِ، وَقَوْلُهُ «بَيْنَ لَابَتَيْنِ» بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَهُمَا حَرَّتَانِ، وَالْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٌ نَحْرَةٌ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ. {الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ «عَلَى رِسْلِك» بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَإِسْكَانِ السِّينِ أَيْ تُؤَدَتِك وَهِينَتِك، وَضَبَطَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا قَالَ فَبِكَسْرِهَا عَلَى تُؤَدَتِكُمْ، وَبِالْفَتْحِ مِنْ اللِّينِ وَالرِّفْقِ، وَأَصْلُهُ السَّيْرُ اللَّيِّنُ، وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ، وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنَى مِنْ التُّؤَدَةِ، وَتَرْكِ الْعَجَلَةِ. {الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ} «السَّمُرُ» بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ نَوْعٌ مِنْ شَجَرِ الطَّلْحِ يُقَالُ لِمُفْرَدِهِ سَمُرَةٌ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سُمُرَاتٍ. {الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ} «الظَّهِيرَةُ» بِفَتْحِ الظَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْهَاجِرَةُ، وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ (وَنَحْرُهَا) أَوَّلُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَابْنُ سِيدَهْ، وَلَا يُقَالُ فِي الشِّتَاءِ ظَهِيرَةٌ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ «نَحْرُ الظَّهِيرَةِ» هُوَ حِينَ تَبْلُغُ الشَّمْسُ مُنْتَهَاهَا مِنْ الِارْتِفَاعِ كَأَنَّهَا وَصَلَتْ إلَى النَّحْرِ، وَهُوَ أَعَلَا الصَّدْرِ. {الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ} (التَّقَنُّعُ) مَعْرُوفٌ، وَهُوَ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ بِطَرَفِ الْعِمَامَةِ أَوْ بِرِدَاءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وِقَايَةَ الرَّأْسِ مِنْ الْحَرِّ لِشِدَّتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ إرَادَةَ الِاخْتِفَاءِ، وَأَنْ لَا يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى مَجِيئِهِ إلَيْهِمْ ذَلِكَ الْوَقْتَ. {الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ «فِدًى لَهُ أَبِي وَأُمِّي» خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَهُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَفِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَبِالْقَصْرِ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَحَكَى الْفَرَّاءُ فَدًى لَك مَفْتُوحٌ وَمَقْصُورٌ أَمَّا الْمَصْدَرُ مِنْ فَأَدَيْت فَمَمْدُودٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ أَبَاهُ وَأُمَّهُ فِدَاءً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَكَارِهِ، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا الْعَرَبُ فِي التَّعْظِيمِ وَالتَّحَبُّبِ. 1 - {السَّادِسَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِ الْإِنْسَانِ بِصَاحِبِهِ وَقْتَ الْقَائِلَةِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ. [فَائِدَة لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ] 1 {السَّابِعَةَ عَشْرَةَ} فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ زَوْجَتُهُ عَائِشَةَ، وَأُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ وَالصِّدِّيقُ لَكِنْ يَحْتَمِلُ وُجُودُ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qغَيْرِهِمْ بَلْ وُجُودُ غَيْرِهِمْ مُحَقَّقٌ، وَهُوَ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ فَيَحْتَمِلُ عُذْرٌ مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا ذَلِكَ [الْوَقْتِ] ، وَهُوَ حِينَ وَضْعِ ثِيَابِهِمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ فَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الْمَأْمُورِ مَالُك الْيَمِينِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ بِالِاسْتِئْذَانِ فِيهَا. [فَائِدَة إفْشَاءُ السِّرِّ] {الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ} قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُخْرِجَ مَنْ عِنْدَك» سَبَبُهُ شِدَّةُ التَّحَرُّزِ فِي أَمْرِ الْهِجْرَةِ لِئَلَّا يَعُوقَ عَنْهَا عَائِقٌ فَإِنَّ فُشُوَّ السِّرِّ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْمَفْسَدَةِ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ الصِّدِّيقُ بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ إفْشَاءُ السِّرِّ بِقَوْلِهِ إنَّمَا هُمْ أَهْلُك تَكَلَّمَ بِمَا عِنْدَهُ. 1 - {التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ} ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ (فَالصَّحَابَةَ) مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُك أَوْ أَطْلُبُ مِنْك، وَصَدْرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الصِّدِّيقِ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى صُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَوَصَفَهُ فِي التَّنْزِيلِ بِهِ، وَإِلَّا فَهَذَا كَانَ فِي عَزْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِهَذَا «اسْتَمْهَلَ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ، وَقَالَ عَلَى رِسْلِك فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» . {الْعِشْرُونَ} إنْ قُلْت لِمَ امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَخْذِ إحْدَى رَاحِلَتَيْ الصِّدِّيقِ إلَّا بِالثَّمَنِ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ» . وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إلَّا، وَقَدْ كَافَأْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» . (قُلْت) قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَالِ أَبِي بَكْرٍ وَمِنَّتِهِ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ مَعَ الْعِوَضِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ هُنَا إلَّا بِعِوَضٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ فَأَرَادَ انْفِرَادَهُ بِالْأَجْرِ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} قَوْلُهَا «فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ» أَيْ أَسْرَعَهُ وَأَعْجَلَهُ، وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف: 54] ، وَفِي جِيمِ الْجِهَازِ وَجْهَانِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ، وَالْجِرَابُ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَعْرُوفٌ {الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ} وَ «النِّطَاقُ» بِكَسْرِ النُّونِ شُقَّةٌ تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ، وَتَشُدُّ وَسَطَهَا ثُمَّ تُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ إلَى الرُّكْبَةِ، وَالْأَسْفَلُ يَنْجَرُّ إلَى الْأَرْضِ كَذَا قَيَّدَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِكَوْنِ الْأَعْلَى إلَى الرُّكْبَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ أَصْحَابُ الْمُحْكَمِ، وَالْمَشَارِقِ وَالنِّهَايَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qتَفْعَلُهُ عِنْدَ مُعَانَاةِ الْأَشْغَالِ لِئَلَّا تَعْثُرَ فِي ذَيْلِهَا، وَقَوْلِهَا «فَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ» . كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُنَا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ لَهُ يَا بْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ أَنَا وَاَللَّهِ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْت أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ «صَنَعْت سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَلَمْ يَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلَا لِسِقَائِهِ مَا يَرْبِطُهُمَا بِهِ فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ، وَلَا وَاَللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إلَّا نِطَاقِي قَالَ فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِي بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ، وَبِوَاحِدٍ السُّفْرَةَ فَفَعَلْت فَلِذَلِكَ سُمِّيت ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ» . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا قَدْ أَعْطَاك اللَّهُ بِهِمَا نِطَاقَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» . حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُطَارِقُ نِطَاقًا فَوْقَ نِطَاقٍ تَسَتُّرًا، وَبِهِ صَدَّرَ فِي النِّهَايَةِ كَلَامَهُ، وَقِيلَ كَانَ لَهَا نِطَاقَانِ تَلْبَسُ أَحَدَهُمَا، وَتَحْمِلُ فِي الْآخَرِ الزَّادَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُمَا فِي الْغَارِ حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَمَا فَسَّرَتْ بِهِ هِيَ نَفْسَهَا خَيْرُهَا: فَإِنَّهُ أَوْلَى مَا قِيلَ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ فِي حَاجَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشِّقَّيْنِ مَعًا أَحَدُهُمَا فِي السُّفْرَةِ، وَالْآخَرُ فِي السِّقَاءِ أَوْ اسْتَعْمَلَتْ فِي حَاجَتِهِ أَحَدَهُمَا فَقَطْ، وَأَبَقْت الْآخَرَ لِنَفْسِهَا. (قُلْت) الَّذِي يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ الرِّوَايَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا لَهُمَا فِي حَاجَتِهِ فَإِنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهِيَ مُخْبِرَةٌ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْآخَرِ فَإِنَّ النَّاقِلَةَ لَهُ عَائِشَةُ، وَكَانَتْ إذْ ذَاكَ صَغِيرَةً وَغَيْرَ صَاحِبَةِ الْقَضِيَّةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ الْمُوَافِقَةُ لِذَلِكَ فَقَالَتْهَا فِي آخِرِ عُمْرِهَا وَحُزْنِهَا عَلَى وَلَدِهَا وَغَيْظِهَا مِنْ الْحَجَّاجِ فَاَلَّذِي قَالَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ} قَوْلُهَا «فَأَوْكَأَتْ الْجِرَابَ» كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُهُ نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى عَائِشَةَ، وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ» تَعْنِي أَسْمَاءَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ. {الرَّابِعَةُ، وَالْعِشْرُونَ} قَوْلُهَا «ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» .   Qيُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ» هُوَ الْغَارُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] ، وَثَوْرٌ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، وَمُكْثُهُمَا فِيهِ ثَلَاثُ لَيَالٍ لِيَنْقَطِعَ الطَّلَبُ عَنْهُمَا، وَلَا يَظْفَرَ بِهِمَا الْمُشْرِكُونَ [بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ] [حَدِيث لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ] بَابُ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ. {الثَّانِيَةُ} فِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْفِئَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ فِئَةُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَوْلُهُ «دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ» أَيْ دِينُهُمَا وَاحِدٌ إذْ الْكُلُّ مُسْلِمُونَ يَدْعُونَ بِدَعْوَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ إنَّهُ نَاصِرٌ لِلْحَقِّ طَالِبٌ لَهُ ذَابٌّ عَنْ الدِّينِ فَالْقَائِمُونَ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُمْ الْمُصِيبُونَ الْقَائِمُونَ بِنُصْرَةِ مَنْ تَجِبُ نُصْرَتُهُ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ الْخَلْقِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَحَقَّهُمْ بِالْإِمَامَةِ مَعَ تَقَدُّمِ بَيْعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِدَارِ الْهِجْرَةِ، وَالْقَائِمَةُ مَعَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَأَوَّلُوا وُجُوبَ الْقِيَامِ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ فِي صَلْبِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِينَ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَ بَيْعَةً، وَلَا يَعُدُّونَ إمَامَةً حَتَّى يُعْطَوْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ هُوَ رَفْعَهُمْ إذْ الْحُكْمُ فِيهِمْ لِلْإِمَامِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَيِّنُوا أَحَدًا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 وَعَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ «قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ: فِيهِمْ رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ لَوْلَا أَنْ تَبْطُرُوا لَأَنْبَأْتُكُمْ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ: قَالَ عُبَيْدَةُ فَقُلْت لِعَلِيٍّ أَنْتَ   Qبَلْ طَلَبُوا ذَلِكَ عَلَى الِاتِّهَامِ، وَلَا مَعْنَى لِوُقُوفِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ عَنْ تَعْيِينِ الْمُحِقِّ مِنْ الْفِئَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» ، وَمِنْ هَذَا بَوَّبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ (الْبُغَاةُ) لِمَا بَيِّنَاهُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْفِئَةَ الْمُقَاتِلَةَ لِعَلِيٍّ هِيَ الْبَاغِيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَوِّلَةً طَالِبَةً لِلْحَقِّ فِي ظَنِّهَا غَيْرَ مَذْمُومَةٍ بَلْ مَأْجُورَةٍ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ مِنْهُمْ فَإِنَّ الْوَاجِبَ تَحْسِينُ الظَّنِّ بِهِمْ، وَأَنْ يُتَأَوَّلَ لَهُمْ مَا فَعَلُوهُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِمْ، وَمَا عَهِدْنَاهُ مِنْ حُسْنِ مَقْصِدِهِمْ ثُمَّ إنَّ عَدَالَتَهُمْ قَطْعِيَّةٌ لَا تَزُولُ بِمُلَابَسَةِ شَيْءٍ مِنْ الْفِتَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. {الثَّالِثَةُ} لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْحَدِيثِ لِحُكْمِ هَذَا الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ خَاصَّةً، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَاتِلُ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ، وَطَلَبُوا قَتْلَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُدَافَعَةُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَأَوِّلٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ لَا يَدْخُلُ فِيهَا لَكِنْ إنْ قُصِدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ فِتَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ نَصْرُ الْحَقِّ فِي الْفِتَنِ وَالْقِيَامُ مَعَهُ وَمُقَاتَلَةُ الْبَاغِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى مَنْعِ الْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُحِقُّ أَوْ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ظَالِمَتَيْنِ لَا تَأْوِيلَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ، وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي. وَعَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ «قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ فِيهِمْ رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ لَوْلَا أَنْ تَبْطُرُوا لَأَنْبَأْتُكُمْ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 سَمِعْته؟ قَالَ نَعَمْ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَحْلِفُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «، وَقَالَ أَنْتَ سَمِعْته مِنْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الْحَدِيثَ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَفِيهِ «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .   Qقَالَ عُبَيْدَةُ فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ نَعَمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَحْلِفُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. (فِيهِ) فَوَائِدٌ {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ الَّذِينَ سَارُوا إلَى الْخَوَارِجِ فَقَالَ عَلِيٌّ أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ قِرَاءَتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مِمَّا قَضَى لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ لَاتَّكَلُوا عَنْ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ لَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، وَفِيهِ فَقَالَ عَلِيٌّ الْتَمِسُوا فِيهِمْ الْمُخْدَجَ فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ عَلِيٌّ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَخِّرُوهُمْ فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَغَ، قَالَ فَقَامَ إلَيْهِ عُبَادَةَ السَّلْمَانِيُّ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَسَمِعْت هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: أَيْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ، وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالُوا لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ كَلِمَةَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَ نَاسًا إنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ، وَأَشَارَ إلَى حَلْقِهِ هُمْ مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إحْدَى يَدَيْهِ ظَبْيُ شَاةٍ أَوْ حَلَمَةُ ثَدْيٍ فَلَمَّا قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ اُنْظُرُوا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا فَقَالَ ارْجِعُوا فَوَاَللَّهِ مَا كَذَبْت وَلَا كَذَبْت مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَةٍ فَأَتَوْا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَأَنَا حَاضِرٌ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِمْ» . وَرَوَى الشَّيْخَانِ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ «قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِّيَّةِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. » وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْوَصِيِّ قَالَ «قَالَ عَلِيٌّ اُطْلُبُوا الْمُجْدَعَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ الْقَتْلَى فِي طِينٍ قَالَ أَبُو الْوَصِيِّ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ حِيشَ عَلَيْهِ فَرَبَطْت لَهُ إحْدَى يَدَيْهِ مِثْلَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا شُعَيْرَاتٌ مِثْلُ شُعَيْرَاتٍ تَكُونُ عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ» . وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُجْدَعُ لَمَعْنَا يَوْمَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ نُجَالِسُهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكَانَ فَقِيرًا، وَرَأَيْته مَعَ الْمَسَاكِينِ يَشْهَدُ طَعَامَ عَلِيٍّ مَعَ النَّاسِ، وَقَدْ كَسَوْته بُرْنُسًا لِي قَالَ أَبُو مَرْيَمَ، وَكَانَ الْمُجْدَعُ يُسَمَّى نَافِعًا ذَا الثَّدْي، وَكَانَ فِي يَدِهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ [وَ] عَلَى رَأْسِهِ حَلَمَةٌ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْي عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ مِثْلُ سِبَالَةِ السِّنَّوْرِ. {الثَّانِيَةُ} قَوْلُهُ «قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ» اللَّامُ لِلتَّبْيِينِ أَيْ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَقِّ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ الْمُرَادُ بِهِمْ الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ بَلْدَةٌ عَلَى أَرْبَعِ فَرَاسِخَ مِنْ الدِّجْلَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ الْحَرُورِيَّةَ نِسْبَةً إلَى حَرُورَاءَ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مَوْضِعٌ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ أَوَائِلُ الْخَوَارِجِ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى اسْتَعْمَلَ فِي كُلِّ خَارِجِيٍّ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «فِيهِمْ رَجُلٌ مَثْدُونُ الْيَدِ أَوْ مُودَنُ الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ الْيَدِ» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ فَأَمَّا الْمَثْدُونُ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ نُونٌ، وَهُوَ صَغِيرُ الْيَدِ مُجْتَمِعُهَا كَثَنْدُوَةِ الثَّدْيِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِلَا هَمْزٍ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْهَمْزِ، وَكَأَنَّ أَصْلَهُ مَثْنُودٌ فَقُدِّمَتْ الدَّالُ عَلَى النُّونِ كَمَا قَالُوا فِي جَبَذَ جَذَبَ، وَعَاثَ فِي الْأَرْضِ وَعَثَا، وَحُكِيَ فِي الْمُحْكَمِ هَذَا الْقَلْبُ عَنْ ابْنِ جِنِّي، وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا (الْمُودَنُ) فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ بِالْهَمْزِ وَبِتَرْكِهِ وَهُوَ نَاقِصُ الْيَدِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا. وَدِينٌ وَمَوْدُونٌ، وَأَمَّا (الْمُخْدَجُ) فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ، وَمَعْنَاهُ نَاقِصُ الْيَدِ يُقَالُ خَدَجَتْ النَّاقَةُ إذْ أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخِلْقَةِ، فَهُوَ خَدِيجٌ، وَأَخْدَجَتْ إذَا جَاءَتْ بِهِ نَاقِصَ الْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهُ تَامَّةً فَهُوَ مُخْدَجٌ، وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كُلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ وَحَافِرٍ بَلْ فِي الْآدَمِيَّاتِ أَيْضًا، وَمِنْهُ وَكُلُّ أُنْثَى حَمَلَتْ خَدُوجًا. {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا» أَيْ تَطْغَوْا، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَالْعَافِيَةِ فَيَسُوءُ احْتِمَالُهُ لَهَا فَيَكُونُ مِنْهُ الْكِبْرُ وَالْأَشَرُ وَالْبَذَخُ، وَشِدَّةُ الْمَرَحِ. {الْخَامِسَةُ} قَوْلُهُ «أَنْتَ سَمِعْته» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالْمَعْنَى دَالٌّ عَلَيْهِ. {السَّادِسَةُ} قَوْلُهُ «لِمَنْ قَتَلَهُمْ» أَيْ قَاتَلَهُمْ، وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي قِتَالِ الْخَوَارِجِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ وَأَشْبَاهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ، وَخَالَفُوا رَأْيَ الْجَمَاعَةِ، وَشَقُّوا الْعَصَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ بَعْدَ إنْذَارِهِمْ وَالْإِعْذَارِ إلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] لَكِنْ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، وَلَا تُبَاحُ أَمْوَالُهُمْ، وَمَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ الطَّاعَةِ وَيَنْتَصِبُوا لِلْحَرْبِ لَا يُقَاتَلُونَ بَلْ يُوعَظُونَ وَيُسْتَتَابُونَ عَنْ بِدْعَتِهِمْ وَبَاطِلِهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ مِمَّا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَكْفُرُونَ بِهَا جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ، وَأَمَّا الْبُغَاةُ الَّذِينَ لَا يَكْفُرُونَ فَيُورَثُونَ وَيَرِثُونَ، وَدَمُهُمْ فِي حَالِ الْقِتَالِ هَذَا، وَكَذَا أَمْوَالُهُمْ الَّتِي تَتْلَفُ فِي الْقِتَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ أَيْضًا مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ، وَمَا أَتْلَفُوهُ فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ ضَمِنُوهُ، وَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ دَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فِي حَالِ الْحَرْبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. {السَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «يَحْلِفُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا» قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ أَنَّ الْحَلِفَ وَتَكْرِيرَهُ كَانَ بِاسْتِحْلَافِ عُبَيْدَةَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِشَكٍّ فِي خَبَرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِيُسْمِعَ الْحَاضِرِينَ، وَيُؤَكِّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَتَظْهَرُ لَهُمْ الْمُعْجِزَةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا، وَأَصْحَابَهُ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ، وَأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي قِتَالِهِمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 كِتَابُ الْحُدُودِ. بَابُ رَجْمِ الْمُحْصَنِ. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ قَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدْنَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إنَّ فِيهَا لَآيَةُ الرَّجْمِ فَأَتَوْا التَّوْرَاةَ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا وَمَا قَبْلَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَك فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْته رَجُلًا يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ   Q [كِتَابُ الْحُدُودِ] [بَابُ رَجْمِ الْمُحْصَنِ] [حَدِيث إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا] ِ. بَابُ رَجْمِ الْمُحْصَنِ. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ قَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا لَآيَةُ الرَّجْمِ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا وَمَا قَبْلَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَك فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْته رَجُلًا يَحْنِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» ..   Qعَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْكَافِرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ؛ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الزِّنَا وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَرَبِيعَةَ الرَّأْيَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لِلْيَهُودِ يَوْمئِذٍ ذِمَّةٌ وَتَحَاكَمُوا إلَيْهِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَقَامَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَإِذَا كَانَ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ قَدْ حَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزِّنَا فَمَنْ لَهُ ذِمَّةٌ أَحْرَى بِذَلِكَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَمَلَ مَالِكٍ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ ذِمَّةٌ فَكَانَ دَمُهُ مُبَاحًا لَكِنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا عِنْدِي بِرَجْمِهِ لِلْمَرْأَةِ وَلَعَلَّهُ يَقُولُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ رَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ كَانَا مِنْ أَهْلِ فَدَكَ وَخَيْبَرَ وَكَانُوا حَرْبًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا بَعَثُوا إلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ لِيَسْأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَهُمْ سَلُوا مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِغَيْرِ الرَّجْمِ فَحُدُّوا بِهِ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ يَحْتَاجُ إلَى اعْتِذَارٍ بَعْدَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ مَجِيئَهُمْ سَائِلِينَ يُوجِبُ عَهْدًا لَهُمْ كَمَا إذَا دَخَلُوا بِلَادَنَا لِغَرَضٍ مَقْصُودٍ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنَّهُمْ فِي أَمَانٍ إلَى أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَأْمَنِهِمْ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ وَلَا أَخْذُ مَالِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا رَجْمَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا أَهْلَ ذِمَّةٍ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ؛ وَلِأَنَّهُ رَجَمَ الْمَرْأَةَ، وَالنِّسَاءُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُنَّ مُطْلَقًا انْتَهَى. فَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِمَا حَرْبِيَّيْنِ وَأَمَّا الْجَوَابُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ التَّحَاكُمِ إلَيْهِ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْحَاكِمَ بَعْدَ تَرَافُعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ فَاخْتَارَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِحْصَانِ عِنْدَهُ الْإِسْلَامُ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي هَذَيْنِ الزَّانِيَيْنِ فَلَيْسَ حُكْمُ الشَّرْعِ عِنْدَهُ رَجْمَهُمَا فَكَيْفَ يُقَالُ حَكَمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَكَيْفَ الْمَخْلَصُ عِنْدَهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيُّ جَاءُوا مُحَكِّمِينَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَمُخْتَبِرِينَ فِي الْبَاطِنِ هَلْ هُوَ نَبِيُّ حَقٍّ أَوْ مُسَامِحٌ فِي الْحَقِّ فَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إفْتَاءَهُمْ وَتَأَمَّلَ سُؤَالَهُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ انْتَهَى. (قُلْت) التَّحْكِيمُ إنَّمَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْحُكَّامِ فَأَمَّا الْحُكَّامُ فَحُكْمُهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إنْ قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ حَكَّمَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ قِيلَ لَهُ حَدُّ الزَّانِي حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الْحَاكِمِ إقَامَتُهُ وَقَدْ كَانَ لِلْيَهُودِ حَاكِمٌ فَهُوَ الَّذِي حَكَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْكِيمِ الزَّانِيَيْنِ انْتَهَى بِمَعْنَاهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ النُّبُوَّةِ لَا بِالتَّحْكِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ مَذْهَبِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ إقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْكَافِرِ مَحَلُّهُ فِي الذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ. 1 - أَمَّا الْمُعَاهِدُ أَوْ مَنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا زِنًا بِمُسْلِمَةٍ فَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ طَرِيقَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَالْخِلَافِ فِي قَطْعِهِ بِالسَّرِقَةِ (أَظْهَرُهُمَا) لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَ (الثَّانِي) نَعَمْ وَ (الثَّالِثُ) إنْ شُرِطَ عَلَيْهِ فِي الْعَهْدِ حَدٌّ وَإِلَّا فَلَا وَ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِطَلَبِ آدَمِيٍّ وَخُصُومَتِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يُحَدُّ الدَّاخِلُ بِأَمَانٍ فِي الزِّنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُحَدُّ إذَا زَنَا بِذِمِّيَّةٍ. 1 - (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ الْمُقْتَضِي لِلرَّجْمِ (الْإِسْلَامُ) فَإِذَا وَطِئَ الذِّمِّيُّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ حُرٌّ صَارَ مُحْصَنًا يَجِبُ رَجْمُهُ إذَا زَنَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُرْجَمُ الذِّمِّيُّ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ قَالُوا: وَكَانَ الرَّجْمُ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ لَا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْحَدِّ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّ هَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّسْخِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَحْكُمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَهُوَ الْعَدْلُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَكَيْفَ نَجْعَلُ الْحُدُودَ نَاسِخَةً لِهَذَا الْحُكْمِ وَهِيَ مُوَافَقَةٌ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ مُضَادَّةِ حُكْمِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَإِنَّمَا جَاءَهُ الْقَوْمُ مُسْتَفْتِينَ طَمَعًا فِي أَنْ يُرَخِّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الرَّجْمِ لِيُعَطِّلُوا بِهِ حُكْمَ التَّوْرَاةِ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا كَتَمُوهُ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لِشَرَائِطِهِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ وَلَيْسَ يَخْلُو الْأَمْرُ فِيمَا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْمَنْسُوخِ وَيَتْرُكَ النَّاسِخَ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فَهُوَ شَرِيعَتُهُ وَالْحُكْمُ الْمُوَافِقُ لِشَرِيعَتِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَابِعًا لِمَا سِوَاهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ بِأَنَّ فِيهِ رَجُلًا لَا يُعْرَفُ قَالَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اُحْكُمْ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ احْتِجَاجًا بِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِمَا فِي دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَذِكْرُهُ التَّوْرَاةَ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى هَذَا عِنْدَنَا كَانَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّجْمِ عَلَى الْيَهُودِيَّيْنِ أَيْ بِشَرِيعَتِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَجَمَ مَاعِزًا وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَ مَنْ رَجَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَحُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى وَلَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَقَدْ كَانَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ عِلْمٌ وَلِذَلِكَ سَأَلَهُمْ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكُلُّهُمْ أَيْ الْفُقَهَاءُ يَشْتَرِطُ فِي الْإِحْصَانِ الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ الْإِسْلَامَ هَذَا مِنْ شُرُوطِهِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَمَنْ رَأَى رَجَمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ إذَا أُحْصِنُوا إنَّمَا رَآهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ إذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا لَزِمَنَا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ فِينَا وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَهُودِيِّينَ الْمَذْكُورَيْنِ انْتَهَى. وَهُوَ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَمَعْنًى فَنَقْلُهُ عَنْ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَزِمَنَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنْ نَحْكُمَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ يُقَالُ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عِنْدَك أَنْ لَا رَجْمَ عَلَى الْكَافِرِ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ فَكَيْفَ تَقُولُ إنَّ رَجْمَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ مَعَ اشْتِرَاطِهِ الْإِسْلَامَ فِي الْإِحْصَانِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا فِي التَّوْرَاةِ مَخْصُوصٌ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] ؛ وَلِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا عَمِلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَهُوَ مَرْدُودٌ فِي نَفْسِهِ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) : أَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي الْإِحْصَانِ. (الثَّانِي) : حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَشَهَادَةِ الْيَهُودِ. (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ وَلَا نَحْكُمُ الْيَوْمَ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ لَا يَقْتَضِي إلَّا الْحُكْمَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ دَلِيلُ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] أَيْ الْعَدْلِ وَإِذَا جَاءَنَا الْيَهُودُ وَاعْتَرَفُوا عِنْدَنَا بِالزِّنَا وَأَرَدْنَا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ رَجَمْنَاهُمْ وَإِلَّا لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُمْ انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «زَنَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَقَدْ أُحْصِنَا حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُمَا كَانَا مُحْصَنَيْنِ. (الرَّابِعَةُ) : إنْ قُلْت كَيْفَ ثَبَتَ زِنَاهُمَا أَبِإِقْرَارِهِمَا أَمْ بِبَيِّنَةٍ؟ (قُلْت) فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ «فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّهُودِ فَجَاءَ أَرْبَعَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجْمِهِمَا» قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ (فَدَعَا بِالشُّهُودِ) يَعْنِي شُهُودَ الْإِسْلَامِ عَلَى اعْتِرَافِهِمَا، وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَرَجَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَهَادَةِ الْيَهُودِ يَعْنِي بِحُضُورِهِمْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمْ بِشَهَادَةٍ لَا بِاعْتِرَافٍ، وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَا عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا وَلَا بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيَعْتَذِرُ لِلْجُمْهُورِ عَنْ رَجْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّانِيَيْنِ عِنْدَ شَهَادَةِ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَّذَ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ حُكْمُ التَّوْرَاةِ وَأَلْزَمَهُمْ الْعَمَلَ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا عَمِلَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ إلْزَامًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِظْهَارًا لِتَحْرِيفِهِمْ وَتَغْيِيرَهُمْ فَكَانَ مُنَفِّذًا لَا حَاكِمًا قَالَ وَهَذَا يَمْشِي عَلَى تَأْوِيلِ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ حَاكِمًا فِي الْقَضِيَّةِ بِحُكْمِ اللَّهِ فَيَكُونُ الْعُذْرُ عَنْ سَمَاعِ شَهَادَةِ الْيَهُودِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ إذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ انْتَهَى. وَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبِلَ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ وَلَوْ نُقِلَ مِثْلُ هَذَا عَنْ أَحَدِ الْحُكَّامِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَكَانَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ فَكَيْفَ بِسَيِّدِ الْحُكَّامِ أَوْ مُشَرِّعِ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ رَجْمَهُمَا بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَلَا اعْتِبَارَ بِشَهَادَتِهِمْ وَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالزِّنَا. 1 - (الْخَامِسَةُ) : فِيهِ رَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أَمْرٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَهُمْ الْجَمَاعَةُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ خِلَافًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الْخَوَارِجِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ. (السَّادِسَةُ) : وَفِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَأَنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْجَلْدُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَعَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وُجُوبًا إذَا كَانَ الزَّانِي شَيْخًا ثَيِّبًا فَإِذَا كَانَ شَابًّا ثَيِّبًا اُقْتُصِرَ عَلَى الرَّجْمِ. 1 - (السَّابِعَةُ) : وَفِيهِ أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ وَلَوْلَا صِحَّةُ أَنْكِحَتِهِمْ لَمَا ثَبَتَ إحْصَانُهُمْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ فَاسِدَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا وَلَا بِفَسَادِهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى الْإِسْلَامِ فَمَا قَرَّرَ عَلَيْهِ بَانَتْ صِحَّتُهُ وَإِلَّا بَانَ فَسَادُهُ. (الثَّامِنَةُ) : وَفِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّرِيعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّوَاهِي دُونَ الْأَوَامِرِ. 1 - (التَّاسِعَةُ) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ:» قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي كِتَابِهِمْ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْحَى إلَيْهِمْ أَنَّ الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ كَمَا غَيَّرُوا أَشْيَاءَ أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ كَتَمُوهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ لَهُ قَوْلَ ابْنَيْ صُورِيَّا بَلْ الْوَحْيُ أَوْ مَا أَلْقَى اللَّهُ فِي رُوعِهِ مِنْ يَقِينِ صِدْقِهِمَا فِيمَا قَالَاهُ مِنْ ذَلِكَ. (الْعَاشِرَةُ) : قَوْلُهُ (نَفْضَحُهُمْ) : بِفَتْحِ النُّونِ أَوَّلَهُ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ثَالِثَةً وَلَعَلَّ الْفَضِيحَةَ هُنَا مَا أَوْضَحَهُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّمُهُمَا وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا وَيُطَافُ بِهِمَا. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : قَدْ يُقَالُ إنَّ فِي جَوَابِهِمْ حَوْدًا عَنْ سُؤَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَمَّا يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَأَعْرَضُوا عَنْ جَوَابِ هَذَا وَذَكَرُوا مَا يَفْعَلُونَهُ بِالزُّنَاةِ مِنْ الْفَضِيحَةِ وَالْجَلْدِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ حَاكِينَ لَهُ عَنْ التَّوْرَاةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُمْ كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا لَآيَةُ الرَّجْمِ فَلَوْلَا حِكَايَتُهُ لِذَلِكَ عَنْ التَّوْرَاةِ لَمْ يَتَوَجَّهْ لِابْنِ سَلَامٍ عَلَيْهِمْ هَذَا الْكَلَامُ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ كَذِبِهِمْ عَلَى التَّوْرَاةِ وَتَغْيِيرِهِمْ أَحْكَامَهَا وَنِسْبَتِهِمْ إلَيْهَا مَا لَيْسَ فِيهَا وَكِتْمَانِهِمْ الْحَقَّ الَّذِي فِيهَا. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَمْ يُسْقِطُوا شَيْئًا مِنْ التَّوْرَاةِ وَلَا غَيَّرُوا شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِهَا وَإِنَّمَا كَانَ تَحْرِيفُهُمْ لِمَعَانِيهَا وَكَذِبُهُمْ فِي أَنْ يَضَعُوا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ أَشْيَاءَ وَيَنْسُبُونَهَا إلَى أَنَّهَا مِنْ التَّوْرَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعُوهَا فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [البقرة: 79] : وَالذَّاهِبُونَ إلَى تَحْرِيفِهِمْ لِأَلْفَاظِهَا قَالُوا لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا حَرَّفُوهُ وَقَدْ حَرَّفُوا غَيْرَهُ وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ بِأَيْدِيهِمْ الْآنَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَسْخِ شَرِيعَتِهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ فَهُمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَتَكَاتَمُونَهُ وَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ سَلَفَهُمْ مِنْ تَغْيِيرِهِ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَى خَلَفِهِمْ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الضَّالِّينَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْرَاةَ صَحِيحَةٌ بِأَيْدِيهِمْ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَلَا دَعَا بِهَا (قُلْت) : لَا يَدُلُّ سُؤَالُهُ عَنْهَا وَلَا دُعَاؤُهُ لَهَا عَلَى صِحَّةِ جَمِيعِ مَا فِيهَا، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ مِنْهَا، عَلِمَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَحْيٍ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَأَرَادَ بِذَلِكَ تَبْكِيتَهُمْ وَإِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ كِتَابَهُمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْهِ وَاخْتِلَاقِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِ وَإِنْكَارِهِمْ مَا هُوَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. / (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْيَهُودِيِّ الزَّانِي وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةَ الزَّانِيَةَ بُسْرَةُ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ الطَّبَرِيَّ رَوَى ذَلِكَ وَالْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا كَمَا هُوَ فِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهَا. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ (يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ) : ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ وَهُوَ الَّذِي قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ إنَّهُ الْجَيِّدُ فِي الرِّوَايَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ أَوَّلًا أَنَّ الَّذِي عِنْدَ أَكْثَرِ شُيُوخِهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى (يَحْنِي) يَعْنِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بِلَا هَمْزٍ قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْر بِالْحَاءِ وَقَدْ قِيلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْجِيمِ (يَجْنِي) : قُلْت وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا فِي الْجِيمِ فَيَكُونُ بِكَسْرِ النُّونِ وَآخِرُهُ يَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ يُجَانِئُ عَنْهَا بِيَدِهِ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَجَافَى بِيَدِهِ وَالصَّوَابُ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ يَجْنَأُ بِالْهَمْزِ أَيْ يَمِيلُ عَلَيْهَا يُقَالُ مِنْ جَنَأَ يَجْنَأُ جِنَاءً وَجُنُوءًا إذَا مَالَ وَيُجْنِئُ وَيَجْنَأُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ يَجْنَأُ يَعْنِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِالْجِيمِ وَبِالْهَمْزَةِ آخِرُهُ كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَلِأَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَيَّدَهُ الْأَصِيلِيُّ بِالْحَاءِ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ وَبِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ هُوَ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ وَوَقَعَ لِلْمُسْتَمْلِيِّ فِي مَوْضِعٍ كَذَلِكَ وَكَذَا قُيِّدَ عَنْ ابْنِ الْفَخَّارِ لَكِنْ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَكَذَا قَيَّدْنَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ طَرِيقِ الْأَصِيلِيِّ بِالْجِيمِ مَضْمُومَ الْيَاءِ مَهْمُوزًا وَرَأَيْت فِي أَصْلِ أَبِي الْفَضْلِ (يَجْنَأُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ ثُمَّ جِيمٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ وَيَجِبُ ذَلِكَ يَجْبَأُ بِجِيمٍ ثُمَّ بَاءٍ مُعْجَمَةٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَيْ يَرْكَعُ عَلَيْهَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَبِالْجِيمِ وَالْحَاءِ مَعًا مَهْمُوزٌ لَكِنْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَقَيَّدْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَابِسِيِّ عَنْ ابْنِ شُمَيْلٍ وَبِالْحَاءِ وَحْدَهَا قَيَّدْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ أَحْمَدَ وَابْنِ عِيسَى مَفْتُوحَ الْأَوْلِ قَالَ: أَبُو عُمَرَ وَهُوَ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ شُيُوخِنَا عَنْ يَحْيَى وَكَذَا رِوَايَةُ ابْنِ قَعْنَبٍ وَابْنِ بُكَيْر وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَشَدِّ النُّونِ يُحَنِّي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا وَجَاءَ لِلْأَصِيلِيِّ فِي بَابٍ آخَرَ (فَرَأَيْته أَجْنَأَ) بِالْهَمْزِ وَالْجِيمِ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ أَحَنَأَ [بِالْحَاءِ] وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْكُتُبِ يَحْنُو وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ يَجْنَأُ وَمَعْنَاهُ يَنْحَنِي يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ جَنَأَ يَجْنَأُ قَالَهُ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ وَقَالَ الزَّبِيدِيُّ حَنِيَ بِكَسْرِ النُّونِ فِي الْمَاضِي يَحْنُو وَيَحْنِي أَيْ يَعْطِفُ عَلَيْهَا يُقَالُ حَنِيَ يَحْنِي وَيَحْنُو وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَحْنَاهُنَّ عَلَى وَلَدٍ» : وَيَكُونُ أَيْضًا يَحْنِي عَلَيْهَا ظَهْرَهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَكَذَلِكَ [قَوْلُ] مَنْ قَالَ يَحْنِئُ عَلَى مَعْنَى يَجْعَلُ ظَهْرَهُ كَذَلِكَ، وَيَفْعَلُهُ بِهِ حَتَّى يَحْنِيَ، تَعَدِّيَةُ حَنَأَ الرَّجُلُ يَحْنَأُ إذَا صَارَ كَذَلِكَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَجْنَأْت التُّرْسَ جَعَلْته مُجْنَأً أَيْ مُحْدَوْدَبًا وَهَذَا مِثْلُهُ اهـ. وَكَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (يُجْنِئُ عَلَيْهَا) : أَيْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ أَيْ يَكِبُّ وَيَمِيلُ عَلَيْهَا لِيَقِيَهَا الْحِجَارَةَ أَجْنَأَ يُجْنِئُ إجْنَاءً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُجَانِئُ عَلَيْهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْ جَانَأَ يُجَانِئُ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ يُجْنِئُ بِالْجِيمِ وَالْمَحْفُوظُ إنَّمَا هُوَ يَحْنِي بِالْحَاءِ أَيْ يَكِبُّ عَلَيْهَا يُقَالُ حَنَا يَحْنَا حُنُوًّا (قُلْت) : وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَكْسَ هَذَا فَقَالَ هَكَذَا قَالَ يَجْنَأُ وَالْمَحْفُوظُ إنَّمَا هُوَ يَحْنَأُ أَيْ يَكِبُّ عَلَيْهَا يُقَالُ حَنَا الرَّجُلُ يَحْنُو حُنُوًّا إذَا أَكَبَّ عَلَى الشَّيْءِ قَالَ كُثَيِّرٌ: أَعَزَّةُ لَوْ شَهِدْت غَدَاةَ بِنْتُمْ ... جُنُوءَ الْعَائِدَاتِ عَلَى وِسَادِي وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيفَ لِكَلَامِ الْخَطَّابِيِّ حَصَلَ لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ لِأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ أَنْشَدَ هَذَا الْبَيْتَ جُنُوءَ بِالْجِيمِ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ مَا أَنْشَدَ عَلَيْهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا الْبَيْتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي أَعْلَامِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ فَقَالَ قَوْلُهُ يَحْنِي عَلَيْهَا رَوَاهُ بِالْحَاءِ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ يَجْعَلُونَهَا بِالْجِيمِ وَالْهَمْزِ يَجْنَأُ عَلَيْهَا أَيْ يَمِيلُ عَلَيْهَا وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ هَذَا الشَّعْرَ بِالْحَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ وَحَصَلَ مِمَّا حَكَيْنَاهُ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهَ: (الْأَوَّلُ) : يَجْنَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ. (الثَّانِي) : يُجْنِي كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ النُّونِ. (الثَّالِثُ) : يَجْنِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ النُّونِ بِلَا هَمْزٍ. (الرَّابِعُ) : مِثْلُ الْأَوَّلِ يَجْبَأُ إلَّا أَنَّهُ بِالْبَاءِ بَدَلَ النُّونِ. (الْخَامِسُ) : يَحْنِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَآخِرُهُ يَاءٌ. (السَّادِسُ) : كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ بِالْوَاوِ آخِرُهُ. (السَّابِعُ) : [يَحْنَأُ] كَالْخَامِسِ إلَّا أَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ. (الثَّامِنُ) : يُحَنِّي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِهَا فَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ بِالْجِيمِ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ رُوِيَ يُجَانِئُ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ وَيُجَافِي بِالْجِيمِ وَالْفَاءِ وَالْيَاءِ فِي آخِرِهِ فَكَمُلَتْ بِذَلِكَ عَشْرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَزَعَمَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْوَجْهَ الْخَامِسَ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ الثَّالِثَ لَيْسَ بِصَوَابٍ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْفِرْ لَهُمَا لَمَّا رُجِمَا إذْ لَوْ حَفَرَ لَهُمَا لَمَا تَمَكَّنَ أَنْ يَجْنَأَ عَلَيْهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يُحْفَرُ لَهُمَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُحْفَرُ لِمَنْ يُرْجَمُ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ مَنْ يُرْجَمُ بِالْإِقْرَارِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ لَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَفِي الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهَ (أَصَحُّهَا) : أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ اُسْتُحِبَّ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَا (وَالثَّانِي) : يُسْتَحَبُّ الْحَفْرُ لَهَا إلَى صَدْرِهَا لِيَكُونَ أَسْتَرَ (وَالثَّالِثُ) : لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ بَلْ هُوَ إلَى خِيرَةِ الْإِمَامِ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) : وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا تُرْبَطُ يَدَاهُ وَلَا يُشَدَّانِ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُجَانِي عَنْهَا بِيَدِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 بَابُ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ إنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلَفَنِيهِ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْته أَوْ جَلَدْته أَوْ لَعَنْته فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ:» لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ (أَوْ) : فِي الْجَمِيعِ وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ عَلَى قَوْله «اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْته فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ:» . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا:» الْحَدِيثَ   Q [بَابُ إقَامَةِ الْحَدِّ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ] [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلَفَنِيهِ] بَابُ إقَامَةِ الْحُدُودِ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ كَاذِبَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنِّي اتَّخَذْت عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلَفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْته أَوْ شَتَمْته أَوْ جَلَدْته أَوْ لَعَنْته فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظَةُ (أَوْ) : وَإِنَّمَا لَفْظُهُ «آذَيْته شَتَمْته» إلَى آخِرِهِ نَعَمْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «سَبَبْته أَوْ لَعَنْته أَوْ جَلَدْته» : وَكَذَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ بِلَفْظِ «آذَيْته أَوْ سَبَبْته أَوْ جَلَدْته» : وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٌ سَبَبْته فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِمُسْلِمٍ فِيهِ لَفْظٌ آخَرُ أَطْوَلُ مِنْهُ. (الثَّانِيَةُ) : الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقُولُ لَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنِّي اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي فَقُلْت إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٌ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً مِنْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ فِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَزَكَاةً وَنَحْوَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَنَحْوِهِ وَكَانَ مُسْلِمًا، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَةً. (الثَّالِثَةُ) (إنْ قُلْت) : كَيْفَ يَصْدُرُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَسُبُّهُ أَوْ يَلْعَنُهُ أَوْ يَجْلِدُهُ وَهُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومٌ عَنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ عَمْدًا وَسَهْوًا؟ (قُلْت) : قَالَ النَّوَوِيُّ الْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ وَمُخْتَصَرُهُ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ فَيَظْهَرُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ. (الثَّانِي) : إنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبِّهِ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ مِمَّا خَرَجَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي وَصْلِ كَلَامِهَا بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ «تَرِبَتْ يَمِينُك وَعَقْرَى حَلْقَى» وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لِيَتِيمَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ «لَا أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْك» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ» وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ فَخَافَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَادِفَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إجَابَةً فَسَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَغِبَ إلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَقُرْبَةً وَطَهُورًا وَأَجْرًا وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ مِنْهُ هَذَا فِي النَّادِرِ الشَّاذِّ مِنْ الْأَزْمَانِ وَلَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ «قَالُوا لَهُ اُدْعُ عَلَى دَوْسٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا» . «وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» انْتَهَى. وَعَبَّرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ أَحْبَبْت نَقْلَهَا فَقَالَ أَوْضَحُهَا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَغْضَبُ لِمَا يَرَى مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فَغَضَبُهُ لِلَّهِ لَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَقِمُ لَهَا، وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ غَضَبِهِ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الْمَغْضُوبِ مِنْ أَجَلِهِ. وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَ الْمُخَالِفَ بِاللَّعْنِ وَالسَّبِّ وَالْجَلْدِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِالْمَكْرُوهِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مُخَالَفَةِ الْمُخَالِفِ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَخَالِفَ قَدْ يَكُونُ مَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَدَرَ مِنْهُ فَلْتَةٌ أَوْجَبَتْهَا غَفْلَةٌ أَوْ غَلَبَةُ نَفْسٍ أَوْ شَيْطَانٌ وَلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَمَلٌ خَالِصٌ وَحَالٌ صَادِقٌ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَثَرَ مَا صَدَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا وَدُعَاءُ رَبِّهِ إشْفَاقًا عَلَى الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ وَتَأْنِيسًا لَهُ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ تَقَبُّلُ دُعَائِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَقَدْ تَكُونُ سُؤَالَاتُهُ لِرَبِّهِ فِيمَنْ جَلَدَهُ وَسَبَّهُ بِوَجْهِ حَقٍّ وَعِقَابٍ عَلَى جُرْمٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عُقُوبَةً فِي الدُّنْيَا وَكَفَّارَةً لِمَا فَعَلَهُ وَتَحَصُّنًا لَهُ عَنْ عِقَابِهِ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ كَانَ لَهُ كَفَّارَةً. (الرَّابِعَةُ) : قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ» وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَةَ وَقَعَتْ بِحُكْمِ سَوْرَةِ الْغَضَبِ لَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ فَبَقِيَ السُّؤَالُ عَلَى حَالِهِ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنَّ دَعَوْته عَلَيْهِ أَوْ سَبَّهُ أَوْ جَلْدَهُ كَانَ مِمَّا خُيِّرَ بَيْنَ فِعْلِهِ لَهُ عُقُوبَةً لِلْجَانِي وَتَرْكِهِ وَزَجْرِهِ بِأَمْرٍ آخَرَ فَحَمَلَهُ الْغَضَبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَخَيَّرِ فِيهِمَا وَهُوَ سَبُّهُ أَوْ لَعْنُهُ أَوْ جَلْدُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ. (الْخَامِسَةُ) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ إنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ:» مَعْنَاهُ أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَأَجَابَ دُعَاءَهُ وَحَقَّقَ طُلْبَتَهُ وَعَنْ هَذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى شَرَطْت عَلَى رَبِّي أَيُّ دُعَائِي الْمُجَابُ فَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ شَرْطٌ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ حَقٌّ بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ وَالْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ. (السَّادِسَةُ) : وَفِيهِ بَيَانُ مَا اتَّصَفَ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الشَّفَقَةِ عَلَى أَمَتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ وَالِاحْتِيَاطِ لَهُمْ وَالرَّغْبَةِ فِي كُلِّ مَا يَنْفَعُهُمْ. 1 - (السَّابِعَةُ) : اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ حَتَّى فِي الْحُدُودِ فَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ بِمَا يَقْتَضِي حَدًّا أَقَامَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ كَاذِبَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُوَ بِكَذِبِهَا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافَ مَا شَهِدَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي عَلَى خِلَافِ عِلْمِهِ كَمَا قَدْ حَكَى الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ قَضَائِهِ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْخُلُ فِيهِ حَدُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 بَابُ اتِّقَاءِ الْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَات. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» وَقَالَ مُسْلِمٌ (إذَا ضَرَبَ) وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْجُهَنِيَّةِ وَهِيَ   Qالْحَدِّ وَجَلْدُ التَّعْزِيرِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ الْمَحْدُودُ أَهْلًا لِلْحَدِّ إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِي الْحَدَّ كَاذِبَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَأَمَّا إذَا صَدَقَتْ فَهُوَ أَهْلٌ لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ وَفَضَائِلُ تَجْبُرُ مَا وَقَعَ مِنْهُ فَذَلِكَ لَا يَنْفِي وُقُوعَ الْحَدِّ مَوْقِعَهُ وَمَعَ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَاكِمُ كَذِبَهَا لَا يَلْحَقُ الْحَاكِمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الثَّامِنَةُ) : وَفِيهِ جَوَازُ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافَهُ. (التَّاسِعَةُ) : قَوْلُهُ «أَوْ شَتَمْته أَوْ جَلَدْته أَوْ لَعَنْته:» بَعْدَ قَوْلِهِ «آذَيْته:» مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَقَوْلُهُ «فَاجْعَلْهَا» أَيْ تِلْكَ الْخَصْلَةَ. (الْعَاشِرَةُ) : قَوْلُهُ (صَلَاةً) : أَيْ رَحْمَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ مُفَسَّرَةٌ بِالرَّحْمَةِ وَقَوْلُهُ (وَزَكَاةً) : يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ تَرْقِيَةٌ لِنَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَجْرِ كَمَا عَبَّرَ عَنْهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِالْأَجْرِ، وَ (الْقُرْبَةُ) : مَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رِضْوَانِهِ [بَابُ اتِّقَاءِ الْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَات] [حَدِيث إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ] بَابُ اتِّقَاءِ الْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَات عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، وَمِنْ طَرِيق مَالِكٍ وَابْنِ فُلَانٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتَيْهِ هَاتَيْنِ لَفْظَةُ أَخَاهُ، وَابْنُ فُلَانٍ هَذَا قِيلَ إنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 حُبْلَى مِنْ الزِّنَا «ارْمُوا وَاتَّقُوا وَجْهَهَا» وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ» . بَابُ لَا حَدَّ فِي النَّظَرِ وَالْمَنْطِقِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْفَرْجُ   Qعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا ضَرَبَ:» وَمِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي أَيُّوبَ الْمَرَاغِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِزِيَادَةِ «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «فَلَا يَلْطُمَنَّ الْوَجْهَ» . (الثَّانِيَةُ) : فِيهِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ لَطِيفٌ يَجْمَعُ الْمَحَاسِنَ وَأَعْضَاؤُهُ نَفِيسَةٌ لَطِيفَةٌ وَأَكْثَرُ الْإِدْرَاكِ بِهَا فَقَدْ يُبْطِلُهَا ضَرْبُ الْوَجْهِ وَقَدْ يُنْقِصُهَا وَقَدْ يَشِينُ الْوَجْهَ وَالشَّيْنُ فِيهِ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ بَارِزٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ سَتْرُهُ وَمَتَى ضَرَبَهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ شَيْنٍ غَالِبًا. (الثَّالِثَةُ) : قَدْ يُقَال إنَّ قَوْلَهُ قَاتَلَ بِمَعْنَى قَتَلَ وَإِنَّ الْمُفَاعَلَةَ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ هِيَ مِثْلُ عَاقَبْت اللِّصَّ وَطَارَقْتُ النَّعْلَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «إذَا ضَرَبَ» . وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «فَلَا يَلْطُمَنَّ الْوَجْهَ» وَقَدْ يُقَالُ هِيَ عَلَى بَابِهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ مُقَاتَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَوْ فِي دَفْعِ صَائِلٍ وَنَحْوِهِ يَتَّقِي وَجْهَهُ فَمَا ظَنُّك بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرْبٌ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُدَافَعَةِ قَدْ تَضْطَرُّهُ الْحَالُ إلَى الضَّرْبِ فِي وَجْهِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ فَاَلَّذِي لَا يُدَافِعُهُ الْمَضْرُوبُ أَوْلَى بِأَنْ يُؤْمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ. (الرَّابِعَةُ) : يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ ضَرْبُ الْإِمَامِ أَوْ مَأْذُونِهِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، وَضَرْبُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّأْدِيبِ، وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابَ إذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ، وَلَمْ يُرِدْ تَخْصِيصَ الْعَبْدِ بِذَلِكَ بَلْ الْعَبْدُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ حُكْمِ الرَّقِيقِ فِي ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ «شَهِدْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَغْلَتِهِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ حُبْلَى فَقَالَتْ إنَّهَا قَدْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبَغَتْ فَارْجُمْهَا» : الْحَدِيثَ وَفِيهِ «ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ ارْمُوهَا وَإِيَّاكُمْ وَوَجْهَهَا» لَفْظُ النَّسَائِيّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ» . (الْخَامِسَةُ) : ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِاتِّقَاءِ الْوَجْهِ فِي ضَرْبِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُفْصِحُوا عَنْ حُكْمِهِ وَصَرَّحَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ بِوُجُوبِ ذَلِكَ. (السَّادِسَةُ) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَخَاهُ) اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ خَرَجَ مُخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَرَدَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَحَدٍ وَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يَعْنِي بِالْأُخُوَّةِ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أُخُوَّةَ الْآدَمِيَّةِ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بَنُو آدَمَ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» أَيْ عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الْمَضْرُوبِ، فَكَأَنَّ اللَّاطِمَ فِي وَجْهِ أَحَدِ وَلَدِ آدَمَ لَطَمَ وَجْهَ أَبِيهِ آدَمَ وَعَلَى هَذَا فَيَحْرُمُ لَطْمُ الْوَجْهِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَلَوْ أَرَادَ الْأُخُوَّةَ الدِّينِيَّةَ لَمَا كَانَ لِلتَّعْلِيلِ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ مَعْنًى لَا يُقَالُ فَالْكَافِرُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ وَضَرْبِهِ فِي أَيِّ عُضْوٍ كَانَ إذْ الْمَقْصُودُ إتْلَافُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ضَرْبَ الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الِانْتِقَامِ وَالْعُقُوبَةِ فَلَا يُمْنَعُ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ إكْرَامُ وَجْهِ الْمُؤْمِنِ لِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مُسَلَّمٌ أَنَّا مَأْمُورُونَ بِقَتْلِ الْكَافِرِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُ لَكِنْ إذَا تَمَكَّنَّا مِنْ اجْتِنَابِ وَجْهِهِ اجْتَنَبْنَاهُ لِشَرَفِ هَذَا الْعُضْوِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَزَّلَ هَذَا الْوَجْهَ مَنْزِلَةَ وَجْهِ أَبِينَا وَيَقْبُحُ لَطْمُ الرَّجُلِ وَجْهًا شَبَهَ وَجْهِ أَبِي اللَّاطِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَجْهِ انْتَهَى. (السَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» ظَاهِرٌ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى صُورَةِ الْمَضْرُوبِ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى أَمَرَ بِإِكْرَامِهَا وَنَهَى عَنْ ضَرْبِهَا وَهَذِهِ الصِّيغَةُ دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ ارْتِبَاطٌ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَضْرِبُ عَبْدَهُ فِي وَجْهِهِ لَطْمًا وَيَقُولُ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَك وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَك فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» وَأَعَادَ بَعْضُهُمْ الضَّمِيرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَيَّدَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي لَفْظُهَا «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبٌ مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنُ زِنْيَتُهَا النَّظَرُ وَيُصَدِّقُهَا الْأَعْرَاضُ وَاللِّسَانُ زِنْيَتُهُ الْمَنْطِقُ، وَالْقَلْبُ التَّمَنِّي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا ثَمَّ وَيُكَذِّبُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ «الْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا:» وَلِابْنِ حِبَّانَ   Qصُورَةِ الرَّحْمَنِ» وَلَكِنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ لَيْسَتْ صَحِيحَةً قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّ مَنْ نَقَلَهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَوَهَّمَهُ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ اهـ. وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَلِلسَّلَفِ فِيهَا مَذْهَبَانِ: (أَحَدُهُمَا) : وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِهِمْ الْإِمْسَاكُ عَنْ تَأْوِيلِهَا وَالْإِيمَانُ بِأَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَلَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِهَا. (وَالثَّانِي) تَأْوِيلُهَا بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَتَأْوِيلُهُ هُنَا أَنَّ هَذِهِ إضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَعْبَةِ " بَيْتُ اللَّهِ " وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الصُّورَةَ قَدْ تُطْلَقُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ كَمَا يُقَالُ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا أَيْ صِفَتُهَا كَذَا فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ الَّذِي فُضِّلَ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَخَصَّهُ مِنْهُ بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ أَحَدًا مِنْ مَلَائِكَةِ الْأَرَضِينَ وَالسَّمَوَاتِ. [بَابُ لَا حَدَّ فِي النَّظَرِ وَالْمَنْطِقِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْفَرْجُ] [حَدِيث كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبٌ مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ لَا مَحَالَةَ] بَابُ لَا حَدَّ فِي النَّظَرِ وَالْمَنْطِقِ حَتَّى يُصَدِّقَ الْفَرْجُ. عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبٌ مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنُ زِنْيَتُهَا النَّظَرُ وَيُصَدِّقُهَا الْأَعْرَاضُ وَاللِّسَانُ زِنْيَتُهُ الْمَنْطِقُ وَالْقَلْبُ التَّمَنِّي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا ثَمَّ وَيُكَذِّبُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فِيهِ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ:» وَلِأَبِي دَاوُد «وَالْفَمُ يَزْنِي وَزِنَاهُ الْقُبَلُ:» ..   Qفَوَائِدُ: (الْأُولَى) : رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ خَالِدٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ وَزَادَ فِيهِ «وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ «وَالْفَمُ يَزْنِي فَزِنَاهُ الْقُبَلُ:» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَا رَأَيْت شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، فَذَكَرَ نَحْوَ رِوَايَتِنَا بِدُونِ زِيَادَةِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةِ (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ " كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبٌ مِنْ الزِّنَى أَيْ قُدِّرَ عَلَيْهِ نَصِيبٌ مِنْ الزِّنَى فَهُوَ مُدْرِكٌ ذَلِكَ النَّصِيبَ وَمُرْتَكِبٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْمُقَدَّرَةَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ زِنَاهُ حَقِيقِيًّا بِإِدْخَالِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ زِنَاهُ مَجَازِيًّا إمَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ وَإِمَّا بِمُحَادِثَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِمَّا بِالسَّمَاعِ إلَى حَدِيثِهَا بِشَهْوَةٍ وَإِمَّا بِلَمْسِهَا بِشَهْوَةٍ وَإِمَّا بِالْمَشْيِ إلَى الْفَاحِشَةِ وَإِمَّا بِالتَّقْبِيلِ الْمُحَرَّمِ وَإِمَّا بِالتَّمَنِّي بِالْقَلْبِ وَالتَّصْمِيمِ عَلَى فِعْلِ الْفَاحِشَةِ فَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ مُقَدِّمَاتٌ لِلزِّنَا وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الزِّنَى مَجَازًا وَعَلَاقَةُ الْمَجَازِ فِيهَا لُزُومُ التَّقْيِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي صَاحِبِ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ إنَّهُ زَانٍ مُطْلَقًا بِلَا قَيْدٍ. (الثَّالِثَةُ) : وَفِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَبَيَانُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَيْسَتْ أُنُفًا بَلْ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَلَيْسَ تَقْدِيرُهَا حُجَّةً لِلْعَبْدِ بَلْ هُوَ مُعَاقَبٌ عَلَى كَسْبِهِ وَمُثَابٌ عَلَيْهِ. 1 - (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ " أَدْرَكَ " أَيْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ وَوَاقَعَهُ وَقَوْلُهُ " «لَا مَحَالَةَ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا بُدَّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ أَيْقَنْت أَنِّي لَا مَحَا ... لَةِ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا حِيلَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحَوْلِ الْقُوَّةِ أَوْ الْحَرَكَةِ وَهِيَ مِفْعَلَةٌ مِنْهُمَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ لَا مَحَالَةَ بِمَعْنَى الْيَقِينِ وَالْحَقِيقَةِ أَوْ بِمَعْنَى لَا بُدَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْمِيمُ زَائِدَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ الْمَحَالَةُ الْحِيلَةُ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُمْ لَا مَحَالَةَ أَيْ لَا بُدَّ يُقَالُ الْمَوْتُ آتٍ لَا مَحَالَةَ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْحَوْلُ وَالْحَيْلُ وَالْحَوْلُ وَالْحِيلَةُ وَالْحَوِيلُ وَالْمَحَالَةُ وَالِاحْتِيَالُ وَالتَّحَوُّلُ وَالتَّحَيُّلُ كُلُّ ذَلِكَ الْحِذْقُ وَجَوْدَةُ النَّظَرِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى دِقَّةِ التَّصَرُّفِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا مَحَالَةَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ لَا بُدَّ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ: قَوْلُهُ " لَا مَحَالَةَ وَلَا حَوْلَ " الْحَوْلُ الْحَرَكَةُ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْمَحَالَةُ وَالْحَوْلُ الْحِيلَةُ. [فَائِدَة الْعَيْن زِنْيَتُهَا النَّظَرُ] 1 (الْخَامِسَةُ) : قَوْلُهُ «فَالْعَيْنُ زِنْيَتُهَا النَّظَرُ» بِكَسْرِ الزَّايِ وَإِسْكَانِ النُّونِ أَيْ هَيْئَةُ زِنَاهَا لِلسَّبَبِ كَهَيْئَةِ الزِّنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ إيلَاجُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ وَإِنَّمَا هَيْئَتُهُ النَّظَرُ، وَالْفِعْلَةُ بِالْكَسْرِ لِلْهَيْئَةِ وَلَوْ رُوِيَ زَنْيَتُهَا بِالْفَتْحِ عَلَى الْمَرَّةِ لَصَحَّ وَلَكِنَّ الْكَسْرَ عَلَى الْهَيْئَةِ أَظْهَرُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ. قَوْلُهُ (وَيُصَدِّقُهَا الْأَعْرَاضُ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ يُصَدِّقُ الْعَيْنَ الْأَعْرَاضُ أَيْ يَجْعَلُهَا ذَاتَ صِدْقٍ فَإِذَا أَعْرَضَتْ بَعْدَ نَظَرِهَا وَغَضَّتْ عَنْهُ النَّظَرَ الْمُحَرَّمَ فَهِيَ ذَاتُ صِدْقٍ مَاشِيَةٌ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَتِلْكَ النَّظْرَةُ الْأُولَى إنْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا إثْمَ بِهَا وَهِيَ نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ قَصْدٍ فَقَدْ تَابَتْ وَرَجَعَتْ عَنْهَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي النَّظَرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بَلْ يَنْبَغِي الْكَفُّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي:» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الْآخِرَةُ:» وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَرْنَاهُ أَنَّ مَعْنَى التَّصْدِيقِ هُنَا غَيْرُ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ «وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ مَا ثَمَّ وَيُكَذِّبُ» فَإِنَّ مَعْنَى التَّصْدِيقِ هُنَاكَ تَحْقِيقٌ لِلزِّنَى بِالْفَرْجِ وَمَعْنَى التَّكْذِيبِ أَنْ لَا يُحَقِّقُهُ بِالْإِيلَاجِ فَصَارَتْ تِلْكَ النَّظْرَةُ كَأَنَّهَا كَاذِبَةٌ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا مَقْصُودُهَا فَالتَّصْدِيقُ هُنَا مَحْمُودٌ وَالتَّصْدِيقُ هُنَاكَ مَذْمُومٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ الْأُولَى. [فَائِدَة تمني الزِّنَا بِالْقَلْبِ] (السَّابِعَةُ) : قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم تَمَنِّي الزِّنَا بِالْقَلْبِ وَيُعَارِضُهُ مَا صَحَّ وَثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْخَوَاطِرَ وَالْوَسَاوِسَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فَلَا مُؤَاخَذَةَ بِهَا فَيُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَالْجَزْمِ بِهِ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ الْمُسْتَقَرِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ:» أَوْ يُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَمَّنِي حِلِّ الزِّنَا فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ بَلْ حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ الْكُفْرَ بِذَلِكَ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إذَا لَمْ يَكُنْ نِيَّةً. [فَائِدَة صَوْت الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ] 1 (الثَّامِنَةِ) : قَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ «وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ:» عَلَى أَنَّ صَوْتَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا الْمُرَادُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ إلَى حَدِيثِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. [فَائِدَة الْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ] 1 (التَّاسِعَةُ) : قَوْلُهُ (وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ) : لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ بَطْشٍ مُحَرَّمٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ زِنًى إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا وَيُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَالْيَدُ زِنَاهًا اللَّمْسُ:» فَالْمُرَادُ بَطْشٌ مَخْصُوصٌ وَقَوْلُهُ فِي «الْفَمُ زِنَاهٌ الْقُبَلُ:» جَمْعُ قُبْلَةٍ. [فَائِدَة النَّظَر الْمُحَرَّم لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الزِّنَا] (الْعَاشِرَةُ) : فِيهِ أَنَّ النَّظَرَ الْمُحَرَّمَ وَإِنْ سُمِّيَ زِنًى مَجَازًا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الزِّنَا مِنْ إيجَابِ حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي الزِّنَا الْحَقِيقِيِّ بَلْ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ إذَا لَمْ يَقَعْ مُرْتَكِبُهُ فِي الْكَبَائِرِ عَفْوًا وَكَرْمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا} [النساء: 31] : فَجَعَلَ الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةً بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] : وَهُوَ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا يَلُمُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " مَا رَأَيْت شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ النَّظَرَ وَالنُّطْقَ وَشَبَهَهُمَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَكَمَا أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ لَا تَعْزِيرَ فِيهَا إذَا صَدَرَتْ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ الْكُبْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُكَّامِ تَعْزِيرُ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ الصَّغِيرَةِ بَلْ تُقَالُ عَثْرَتُهُ وَتُسْتَرُ زَلَّتُهُ قَالَ وَقَدْ جَهِلَ أَكْثَرُ النَّاسِ فَزَعَمُوا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَسْقُطُ بِالصَّغِيرَةِ. [فَائِدَة قَالَ لِرَجُلٍ زَنَتْ يَدُك] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ زَنَتْ يَدُك كَانَ قَذْفًا كَمَا يَقُولُ زَنَى فَرْجُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا قَذْفًا وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» وَفِي رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ «قِيمَتُهُ:» .   Qتَقُولُ زَنَتْ عَيْنُك وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا جَعَلَهُ قَذْفًا؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ مِنْ فَاعِلِيهَا تُضَافُ إلَى الْأَيْدِي كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وَقَوْلِهِ {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [الحج: 10] : وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَقْصُورٍ عَلَى جِنَايَةِ الْأَيْدِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ فَكَأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْيَدَ زَانِيَةً صَارَ الزِّنَا وَصْفًا لِلذَّاتِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَبَعَّضُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَةِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ عِنْدَهُ لَيْسَتْ قَذْفًا انْتَهَى. وَهُوَ نَقْلٌ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ الْجَزْمُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَذْفًا، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نِسْبَةِ الزِّنَا لِلْيَدِ وَالْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي قَوْلِهِ «وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ:» اسْتِدْلَالٌ لِمَنْ جَعَلَ الْمَلُوطَ زَانِيًا يُحَدُّ أَوْ يُرْجَمُ كَسَائِرِ الزُّنَاةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ وَاقَعَ الْفَرْجَ بِفَرْجِهِ وَهُوَ صُورَةُ الزِّنَا حَقِيقَةً. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ (يُصَدِّقُ مَا ثَمَّ) : بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَا هُنَاكَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الزِّنَا أَتَى بِإِشَارَةِ الْبَعِيدِ دُونَ الْقَرِيبِ لِاسْتِقْذَارِ الْفَوَاحِشِ وَتَبْعِيدِهَا عَنْ النَّفْسِ وَلَا يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ عَنْهَا إلَّا بِمَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْبَعِيدِ حِسًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ] [حَدِيث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ] بَابُ حَدِّ السَّرِقَةِ. (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) : عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ:» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ «قِيمَتُهُ» وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْبُخَارِيُّ فَقَطْ مِنْ طَرِيقِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ وَمُسْلِمٌ فَقَطْ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَّا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ الْأَئِمَّةُ فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ إلَّا أُسَامَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَادَ إسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّةَ وَحَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يَلْحَقُ بِهَؤُلَاءِ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي اللَّفْظِ قَالَ «ثَمَنُهُ:» وَرَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ أَيْضًا عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ «قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ:» انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِلَفْظِ خَمْسَةٍ رَوَاهَا النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ. (الثَّانِيَةُ) : فِيهِ وُجُوبُ قَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَشَرَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْأَمْوَالِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِي غَيْرِ السَّرِقَةِ كَالِاخْتِلَاسِ وَالِانْتِهَابِ وَالْغَصْبِ، وَسَبَبُهُ: كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بِالِاسْتِعْدَاءِ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَتَتَيَسَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ تَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا فَعَظُمَ أَمْرُهَا وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتُهَا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا وَقَدْ عَسِرَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَهْمُ هَذَا الْمَعْنَى وَرَأَى أَنَّ إثْبَاتَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الْغَصْبِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَقَالَ إنَّ الْغَصْبَ أَكْثَرُ هَتْكًا لِلْحُرْمَةِ مِنْ السَّرِقَةِ وَجَعَلَ ذَلِكَ شُبْهَةً لَهُ فِي إنْكَارِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مِثْلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بَيَّنَّا فَسَادَهُ فِي الْأُصُولِ. [فَائِدَة النِّصَاب فِي السَّرِقَة] 1 (الثَّالِثَةُ) : فِي تَقْيِيدِ الْقَطْعِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ السَّرِقَةِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الْمَسْرُوقِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ بَلْ يُقْطَعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] : مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» . وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى الْقَطْعِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مِنْ الذَّهَبِ فَلَا يُقْطَعُ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهُمَا) : وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ رُبُعُ دِينَارٍ ذَهَبًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَجَعَلَ الذَّهَبَ هُوَ الْأَصْلَ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ تَحْدِيدٌ مِنْ الشَّارِعِ بِالْقَوْلِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُ وَقَوَّمَ مَا عَدَاهُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ فِضَّةً وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الدِّينَارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ صَرْفَ الدِّينَارِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الدِّيَةُ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا بِالنَّقْدِ أَلْفَ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ بِالذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ فَبِهِ يَقَعُ التَّقْوِيمُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ شَيْئًا يُسَاوِي رُبُعَ مِثْقَالٍ مِنْ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ كَالسَّبِيكَةِ وَالْحُلِيِّ وَلَا يَبْلُغُ رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطَعَ وَمَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى هَذَا فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ فِي الذَّهَبِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي جَوَاهِرِ الْأَرْضِ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهَذَا قَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ دَاوُد. قَالَ الْخَطَّابِيُّ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ أَصَحُّ وَأَنَّ أَصْلَ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الدَّنَانِيرُ فَجَازَ أَنْ تُقَوَّمَ بِهَا الدَّرَاهِمُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَوَّمَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا كُتِبَ فِي السُّكُوكِ قَدِيمًا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَعُرِفَتْ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ وَحُصِرَتْ بِهَا وَالدَّنَانِيرُ لَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافَ الدَّرَاهِمِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارِ فَدَلَّ عَلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلذَّهَبِ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) : أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ ذَهَبًا فَالنِّصَابُ رُبُعُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ فِضَّةً فَالنِّصَابُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ بِهِ، وَإِنْ لَا فَلَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَوَّمَ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا أَصْلٌ فِي التَّقْوِيمِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَقْوِيمِ الشَّيْءِ التَّافِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ الْأَشْيَاءُ النَّفِيسَةُ بِالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَسُ النُّقُودِ وَأَكْرَمُ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ الثَّلَاثَةُ رُبُعَ دِينَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) : كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ غَيْرَهُمَا يُقْطَعُ بِهِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَحَدَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ إِسْحَاقَ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) : كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي غَيْرِهِمَا بِبُلُوغِ قِيمَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا إذَا كَانَا غَالِبَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) : كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِمَا أَنْ يَبْلُغَ مَا يُبَاعُ بِهِ مِنْهُمَا غَالِبًا. (الْقَوْلُ السَّادِسُ) : أَنَّ النِّصَابَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَيُقَوَّمُ مَا عَدَاهَا بِهَا وَلَوْ كَانَ ذَهَبًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ عَكْسُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا. (الْقَوْلُ السَّابِعُ) : أَنَّ النِّصَابَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّهُ قَالَ لَا تُقْطَعُ الْخَمْسُ إلَّا فِي خَمْسٍ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إذَا قَطَعْنَا الْخَمْسَ بِخَمْسٍ فَبِأَيٍّ نَقْطَعُ الْكَفَّ الزَّائِدَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا قَالَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ. (الْقَوْلُ الثَّامِنُ) : أَنَّ النِّصَابَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. (الْقَوْلُ التَّاسِعُ) : أَنَّهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ. (الْعَاشِرُ) : أَنَّهُ دِرْهَمٌ حُكِيَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ (الْحَادِيَ عَشَرَ) : أَنَّهُ دِرْهَمَانِ حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. (الثَّانِي عَشَرَ) : أَنَّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) : أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ ذَهَبًا فَنِصَابُهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقْطَعُ فِي كُلِّ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ وَحَكَاهُ هُوَ عَنْ طَائِفَةٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرَّابِعَ عَشَرَ) : أَنَّ النِّصَابَ ثُلُثُ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) أَنَّهُ دِينَارٌ أَوْ مَا يُسَاوِيه. (السَّادِسَ عَشَرَ) : أَنَّهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِي أَحَدَهُمَا حَكَى ابْنُ حَزْمٍ كُلًّا مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ عَنْ طَائِفَةٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّهُ قَالَ لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ لَا نَدْرِي مَنْ رَوَاهُ؛ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ:» وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْمَذْهَبَ الْأَخِيرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ ثَمَانِيَةَ مَذَاهِبَ مِنْ هَذِهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرَّحَ بِبَيَانِ النِّصَابِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ لَفْظِهِ وَأَنَّهُ رُبُعُ دِينَارٍ. وَأَمَّا بَاقِي التَّقْدِيرَاتِ فَمَرْدُودَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِصَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَهِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صَرِيحِ لَفْظِهِ فِي تَحْدِيدِ النِّصَابِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُحْتَمَلَةِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مُوَافَقَةِ لَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى «لَمْ يَقْطَعْ يَدَ السَّارِقِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِجَنٍّ:» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رُبُعَ دِينَارٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِيُوَافِقَ صَرِيحَ تَقْدِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةٍ جَاءَتْ «قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ:» وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةٌ فَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُعْمَلُ بِهَا لَوْ انْفَرَدَتْ فَكَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي التَّقْدِيرِ بِرُبُعِ دِينَارٍ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهُ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ السَّارِقِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ النِّصَابِ بِذَلِكَ وَأَمَّا رِوَايَةُ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ أَوْ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ:» فَقَالَ جَمَاعَةٌ الْمُرَادُ بِهَا بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَحَبْلُ السَّفِينَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا وَضَعَّفُوهُ وَقَالُوا بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَحَبْلُ السَّفِينَةِ لَهُمَا قِيمَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَيْسَ هَذَا السِّبَاقُ مَوْضِعُ اسْتِعْمَالِهَا بَلْ بَلَاغَةُ الْكَلَامِ تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ فِي الْعَادَةِ مَنْ خَاطَرَ بِيَدِهِ فِي شَيْءٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَهُ قَدْرٌ وَإِنَّمَا يُذَمُّ مَنْ خَاطَرَ بِهَا فِيمَا لَا قَدْرَ لَهُ فَهُوَ مَوْضِعُ تَقْلِيلٍ لَا تَكْثِيرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ مَا خَسِرَ وَهِيَ يَدُهُ فِي مُقَابَلَةِ حَقِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَهُوَ رُبُعُ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الْبَيْضَةَ وَالْحَبْلَ فِي الْحَقَارَةِ أَوْ أَرَادَ جِنْسَ الْبَيْضِ وَجِنْسَ الْحِبَالِ أَوْ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ الْبَيْضَةَ فَلَمْ يُقْطَعْ، جَرَّهُ إلَى سَرِقَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَقُطِعَ، وَكَانَتْ سَرِقَةُ الْبَيْضَةِ هِيَ سَبَبُ قَطْعِهِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَدْ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ أَوْ الْحَبْلَ فَيَقْطَعُهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ سِيَاسَةً لَا قَطْعًا جَائِزًا شَرْعًا وَقِيلَ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ السَّرِقَةِ مُجْمَلَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نِصَابٍ فَقَالَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى اعْتِبَارِ النِّصَابِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ حِكَايَةُ فِعْلٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فِعْلًا عَدَمُ الْقَطْعُ فِيمَا دُونَهُ وَاعْتِمَادُ الشَّافِعِيِّ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلٌ وَهُوَ أَقْوَى فِي الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْفِعْلِ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صَرِيحُهُ الْقَطْعَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَقُولُونَ بِجَوَازِ الْقَطْعِ بِهِ. وَأَمَّا دَلَالَته عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَمَرْتَبَتُهُ أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ الْفِعْلِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ التَّقْوِيمَ أَمْرٌ ظَنِّيٌّ تَخْمِينِيٌّ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ عِنْدَ عَائِشَةَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَيَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهَا أَكْثَرَ وَضَعَّفَ غَيْرُهُمْ هَذَا التَّأْوِيلَ وَشَنَّعَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ لِتُخْبِرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مِقْدَارِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ لِعِظَمِ أَمْرِ الْقَطْعِ. (الرَّابِعَةُ) : فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَفِي بَعْضِهَا قِيمَتُهُ وَهِيَ أَصَحُّ مَعْنًى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ يَخْتَلِفَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَمَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَلَعَلَّهُ لِتَسَاوِيهِمَا عِنْدَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ فِي ظَنِّ الرَّاوِي أَوْ بِاعْتِبَارِ الظِّنَّةِ وَإِلَّا فَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَالثَّمَنُ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِيهِ مَالِكُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا الْقِيمَةُ. (الْخَامِسَةُ) : (الْمِجَنُّ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ التُّرْسُ مَفْعَلُ مِنْ مَعْنَى الِاجْتِنَانِ وَهُوَ الِاسْتِتَارُ وَالِاخْتِفَاءُ وَمَا يُقَارِبُ ذَلِكَ وَمِنْهُ الْمِجَنُّ وَكُسِرَتْ مِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ فِي الِاجْتِنَانِ كَأَنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَتِرُ بِهِ عَمَّا يُحَاذِرُهُ قَالَ الشَّاعِرُ فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْت أَتَّقِي ... ثَلَاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أُسَامَةُ لَا أَرَاك تُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَقَالَ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْت يَدَهَا فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ إلَى قَوْلِهِ «فِيهَا:» ثُمَّ أَحَالَ بَقِيَّتَهُ عَلَى طَرِيقِ اللَّيْثِ   Q [حَدِيث كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ] الْحَدِيثُ الثَّانِي. وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَرَاك تُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطِيبًا فَقَالَ: إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ؛ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ؛ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْت يَدَهَا، فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَالنَّسَائِيُّ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَشُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهَا بِلَفْظِ «إنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَائِشَةَ «إلَّا فِي رَفْعِ حَاجَتِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ الْمَخْزُومِيَّةَ الَّتِي سَرَقَتْ عَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ:» ..   Qعَنْ عَائِشَةَ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنَ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا وَمَنْ يَجْرُؤُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ «الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَفِيهَا فَقَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِيهَا فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» . (الثَّانِيَةُ) : هَذِهِ الْمَخْزُومِيَّةُ اسْمُهَا فَاطِمَةُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ زَوْجُ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي مُبْهَمَاتِهِ وَكَذَا قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي مُبْهَمَاتِهِ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بِنْتِ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَقَالَ ابْنُ بَشْكُوَالَ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي الْأَسَدِ بِنْتِ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَقِيلَ هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. (الثَّالِثَةُ) : اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ قَدْرَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَجَحَدَهُ ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ قُطِعَ بِهِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْت أَبِي فَقُلْت لَهُ تَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهَا) : أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ مَنْ رَوَى أَنَّهَا سَرَقَتْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْحَدُ الْمَتَاعَ وَانْفَرَدَ مَعْمَرٌ بِذِكْرِ الْجَحْدِ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِحِفْظِهِ كَابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ وَنَمَطُهُ هَذَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَقَالَ اللَّيْثُ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَّهَا «سَرَقَتْ» وَقَالَ مَعْمَرٌ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّهَا «اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ» وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا «سَرَقَتْ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ رِزْقِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْهُ فَقَالَ فِيهِ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَارِقٍ فَقَطَعَهُ قَالُوا مَا كُنَّا نُرِيدُ نَبْلُغُ مِنْهُ هَذَا قَالَ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتهَا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ «كَانَتْ مَخْزُومِيَّةً تَسْتَعِيرُ مَتَاعًا وَتَجْحَدُهُ» الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قِيلَ لِسُفْيَانَ مَنْ ذَكَرَهُ قَالَ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى كَمَا بَيَّنَهُ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ ذَهَبْت أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ عَلَيَّ قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ فَقُلْت لِسُفْيَانَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ وَجَدْته فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ التَّدْلِيسِ كَمَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَزَّارُ وَالْأَسَدِيُّ فَإِنَّهُ اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيهِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ كِتَابٍ انْتَهَى. وَعَكَسَ ابْنُ حَزْمٍ ذَلِكَ فَقَالَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَى مَعْمَرٍ وَلَا عَلَى شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ مِنْ ذَلِكَ وَهُمَا فِي غَايَةِ الثِّقَةِ وَالْجَلَالَةِ وَإِنْ خَالَفَهُمَا اللَّيْثُ وَيُونُسُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ فَإِنَّ اللَّيْثَ وَيُونُسَ قَدْ اُضْطُرِبَ عَلَيْهِمَا أَيْضًا وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا فَوْقَ مَعْمَرٍ وَشُعَيْبٍ فِي الْحِفْظِ وَقَدْ وَافَقَهُمَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ انْتَهَى. (الْجَوَابُ الثَّانِي) : أَنَّ قَطْعَهُمَا إنَّمَا كَانَ بِالسَّرِقَةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْعَارِيَّةُ تَعْرِيفًا لَهَا وَوَصْفًا لَا لِأَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَإِنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَحَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّوَوِيِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ السَّرِقَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ لَا الْإِخْبَارِ عَنْ السَّرِقَةِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَقَدْ رَوَى مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْخَبَرَ وَقَالَ «سَرَقَتْ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا قَالَ «لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَنَا ذَلِكَ وَكَانَتْ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَجِئْنَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُكَلِّمُهُ وَقُلْنَا نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطْهُرُ خَيْرٌ لَهَا، فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَيْنَا أُسَامَةَ فَقُلْنَا كَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا إكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إمَاءِ اللَّهِ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ نَزَلَتْ بِاَلَّذِي نَزَلَتْ بِهِ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَيْسَ فِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَا قَضِيَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ أَنَّهُ سَارِقٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةً أُخْرَى وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقَضِيَّةُ وَاحِدَةً وَأَنَّ الْمُرَادَ الشَّخْصُ السَّارِقُ وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِ الشَّافِعِ لَهَا أُسَامَةَ أَوْ أَنَّهَا عَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ أَوْ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ، وَيُرَدُّ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ أَنَّ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُمْكِنُهُ الشَّفَاعَةُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَمَالَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ وَأَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ شَفَعَ فِي السَّرِقَةِ فَنَهَى ثُمَّ شَفَعَ فِي الْمُسْتَعِيرَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ أَيْضًا الْقَطْعُ. (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) : أَنَّ نَفْسَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَا أَنْكَرَ عَلَى أُسَامَةَ قَالَ «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعْت» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ إذَا لَوْ كَانَ قَطَعَهَا لِأَجْلِ جَحْدِ الْمَتَاعِ لَكَانَ ذِكْرُ السَّرِقَةِ هُنَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَاغِيًا لَا فَائِدَةَ لَهُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ جَحَدَتْ الْمَتَاعَ لَقَطَعْت يَدَهَا. (الرَّابِعُ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى سَرَقَتْ وَرِوَايَةِ مَنْ رَوَى جَحَدَتْ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ الْمَرْأَةَ فَعَلَتْ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ لَا فِي الْجَحْدِ كَمَا شَهِدَ بِهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ. (قُلْت) الْكَلَامُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ وَتَرْتِيبِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْقَطْعُ عَلَى السَّرِقَةِ وَفِي الْأُخْرَى عَلَى الْجَحْدِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ فَكَانَتْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْقَطْعِ السَّرِقَةُ وَالْأُخْرَى عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ جَحْدُ الْمَتَاعِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ أَوْلَى. (الْخَامِسُ) : أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْمُرَتِّبَةُ لِلْقَطْعِ عَلَى الْجَحْدِ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَوْلَى بِالتَّمَسُّكِ بِهِ مِنْهَا لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ:» لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْم وَضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَأَبُو الزُّبَيْرِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّدْلِيسِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، أَمَّا كَوْنُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَدْ قَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو دَاوُد قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا سَمِعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا يَاسِينُ الزَّيَّاتُ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: إنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إنَّمَا سَمِعَ مِنْ يَاسِينَ وَيَاسِينُ الزَّيَّاتُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَكِنْ يُعَارِضُ هَذَا أَنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ فَصَرَّحَ فِيهِ بِالِاتِّصَالِ لَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى وَابْنُ وُهَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ وَسَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ انْتَهَى. فَإِنَّ تَرَجَّحَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَوْلُ ابْنُ حَزْمٍ مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ لَيْسَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْقَوِيِّ مَرْدُودٌ فَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَدْ تَابَعَ أَبَا الزُّبَيْرِ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فَذَكَرَهُ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ فِي الِاتِّصَالِ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَظَهَرَ بِمَا قَرَرْنَاهُ قُوَّةُ هَذَا الْحَدِيثِ وَصَلَاحِيَتُهُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ ثُمَّ إنَّنَا نَقِيسُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَحْمَدَ يَجْزِمُ بِعَدَمِ الْقَطْعِ عَلَى الْخَائِنِ فِي الْعَارِيَّةِ بِغَيْرِ الْجَحْدِ وَعَلَى الْخَائِنِ فِي الْوَدِيعَةِ وَعَلَى الْمُنْتَهِبِ وَالْمُخْتَلِسِ وَالْغَاصِبِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ مُطْلَقًا. (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ «فَكَلَّمَ أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا:» قَدْ يُنَافِيه قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ «إنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ لَقَطَعْت يَدَهَا فَقُطِعَتْ:» وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهَا «عَاذَتْ بِزَيْنَبِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَلَا امْتِنَاعَ أَنَّهَا عَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وَبِزَيْنَبِ وَأَنَّهُ شَفَعَ لَهَا أُسَامَةُ لَكِنْ ذِكْرُ اسْتِعَاذَتِهَا بِزَيْنَبِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَشَهْرَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «أَنْ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ:» وَغَزْوَةُ الْفَتْحِ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَى هَذَا لَعَلَّهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِزَيْنَبِ رَبِيبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَصَحَّفَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ هَذِهِ كَانَتْ قَرِيبَتَهَا وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ «أَنَّهَا عَاذَتْ بِزَيْنَبِ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» هَكَذَا رَوَاهُ بِالرَّاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ بَيْنهمَا يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ زَادَ أَحْمَدُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ «كَانَ رَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فَعَاذَ بِأَحَدِهِمَا» وَرَوَى الْحَاكِمُ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ «كَانَ رَبِيبَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَإِنَّمَا عَاذَتْ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ بِأَحَدِهِمَا:» انْتَهَى. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «فَجَاءَهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ إنَّهَا عَمَّتِي فَقَالَ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ» الْحَدِيثَ. [فَائِدَة الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ] 1 (الْخَامِسَةُ) : فِيهِ تَحْرِيمُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ:» وَقَدْ وَرَدَ التَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ:» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ بِلَفْظِ «فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ:» . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ:» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي قِصَّةِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ «اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْوَالِي فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «لَقِيَ الزُّبَيْرُ سَارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ حَتَّى نُبَلِّغَهُ الْإِمَامَ فَقَالَ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ:» وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَاَلَّذِي حَكَاه غَيْرُهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ كَذَا حَكَاه عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنْ إذَا كَانَ الْحَقُّ لِلْإِمَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ مَسْعُودِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ «الْمَرْأَةَ سَرَقَتْ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْفُ عَنْهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْقَطِيفَةُ الَّتِي فِي بَيْتِهِ مِلْكًا لَهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَرَأَى إقَامَتَهُ مَصْلَحَةً؛ لِئَلَّا يَسْتَنِدَ إلَى تَرْكِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ بَيْتِهِ لِكَوْنِ الْحَقِّ لَهُ انْتَهَى. وَنَفَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَهَذَا أَيْ التَّحْرِيمُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ إجْمَاعَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعُلَمَاءِ عَلَى التَّحْرِيمِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَجَازَهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَا جَاءَ فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ أَذَى النَّاسِ فَأَمَّا مَنْ عُرِفَ مِنْهُ شَرٌّ وَفَسَادٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تَقَعَ فِيهِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ وَلَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِيرُ فَجَائِزٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا، وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ مُسْتَحَبَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْفُوعُ صَاحِبَ أَذًى وَنَحْوِهِ. 1 - (السَّادِسَةُ) : قَوْلُهُ «إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِأَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ:» مُخَالِفٌ بِظَاهِرِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إنَّمَا أَهْلَك مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الشُّحُّ:» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ اتَّخَذَ نِسَاؤُهُمْ مِثْلَ هَذَا يَعْنِي وَصْلَ الشَّعْرِ:» وَأَحَادِيثُ أُخَرُ وَالْجَمْعُ بَيْنهمَا أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا أُمَمٌ وَطَوَائِفُ كَثِيرَةٌ فَبَعْضُ الْأُمَمِ كَانَ هَلَاكُهَا بِتَرْكِ تَعْمِيمِ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَبَعْضُهُمْ بِكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَالِاخْتِلَافِ وَبَعْضُهُمْ بِالشُّحِّ فَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَصْرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. [فَائِدَة الْحَلِف مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ] (السَّابِعَةُ) : فِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْخِيمٌ لِأَمْرٍ مَطْلُوبٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَنَظَائِرِهِ. [فَائِدَة الْمُحَابَاة فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى] 1 (الثَّامِنَةُ) : قَوْلُهُ «لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ:» إلَى آخِرِهِ فِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُحَابَاةِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ فَرَضْت فِي أَبْعَدِ النَّاسِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهَا وَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَعَاذَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ حَفِظَهَا مِنْ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ وَحَمَاهَا مِنْهُ إذْ هِيَ بِضْعَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ سَمِعْنَا أَشْيَاخَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُونَ أَعَاذَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَبَلَغَنَا عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ هَذَا اللَّفْظَ إعْظَامًا لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَإِجْلَالًا لَمَحِلِّهَا وَإِنَّمَا قَالَ فَذَكَرَ عُضْوًا شَرِيفًا مِنْ امْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ وَمَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَنْزَهَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذِكْرَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دُونَ غَيْرهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ نِسَاءِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ مَعَ الْقَرِينَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ بِحِمْصَ فَقَالَ رَجُلٌ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَدَنَا مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ فَوَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَقَالَ أَتُكَذِّبُ بِالْحَقِّ وَتَشْرَبُ الرِّجْسَ؟ ، لَا أَدَعُكَ حَتَّى أَجْلِدَك حَدًّا فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَهَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .   Qزَمَانِهَا فَهِيَ عَائِشَةُ فِي النِّسَاءِ لَا شَيْءَ بَعْدَهَا فَلَا يَحْصُلُ تَأْكِيدُ الْمُبَالَغَةِ إلَّا بِذِكْرِهَا وَانْضَمَّ إلَى هَذَا أَنَّهَا عُضْوٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْهُ ذَلِكَ عَلَى مُحَابَاتِهَا فِي الْحَقِّ وَفِيهَا شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا مُشَارِكَةٌ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فِي الِاسْمِ فَيَنْتَقِلُ اللَّفْظُ وَالذِّهْنُ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَإِنْ تَبَايَنَ مَا بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ. (التَّاسِعَةُ) : وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ مُقَدَّرٍ بِقَيْدِ الْقَطْعِ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وَهُوَ وُجُوبُ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ الْحَبِيبِ وَالْبَغِيضِ، لَا يَنْفَعُ فِي دَرْئِهِ شَفَاعَةٌ وَلَا تَحُولُ دُونَهُ قَرَابَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ هَذَا الْمَخْرَجَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْقَوْلِ بِأَمْرٍ آخَرَ وَلَا يَمْتَنِعُ وَقَدْ شَدَّدَ جَمَاعَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا وَمَرَاتِبُهُ فِي الْقُبْحِ مُخْتَلِفَةٌ. [فَائِدَة الْقَطْع لَا يَزُولُ عَنْ السَّارِقِ لَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَتَاعُ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَزُولُ عَنْ السَّارِقِ بِأَنْ يُوهَبَ لَهُ الْمَتَاعُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْقِطًا عَنْهُ الْحَدَّ لَأَشْبَهَ أَنْ يَطْلُبَ أُسَامَةُ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَهَبَهُ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَعْوَدُ عَلَيْهَا مِنْ الشَّفَاعَةِ. [بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ مَعَ الْقَرِينَةِ] [حَدِيث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ بِحِمْصَ فَقَالَ رَجُلٌ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ] بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ مَعَ الْقَرِينَةِ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ بِحِمْصَ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَدَنَا مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ فَوَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَقَالَ أَتُكَذِّبُ بِالْحَقِّ وَتَشْرَبُ الرِّجْسَ لَا أَدَعُكَ حَتَّى أَجْلِدَك حَدًّا قَالَ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَهَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ   Qطَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ إسْنَادٌ كُوفِيٌّ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَعَلْقَمَةُ. (الثَّانِيَةُ) : قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْإِمَامِ عُمُومًا أَوْ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ أَوْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ أَوْ اسْتَأْذَنَ مِمَّنْ لَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ هُنَاكَ فِي ذَلِكَ فَفَوَّضَهُ إلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ قَامَ عَنْ الْإِمَامِ بِوَاجِبٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ وِلَايَتِهِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ وَلِي الْقَضَاءَ زَمَنَ عُمَرَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ (قُلْت) : إنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ بِحِمْصَ وَأَيْنَ حِمْصُ مِنْ الْكُوفَةِ،. (الثَّالِثَةُ) : وَفِيهِ مِنْ فِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إقَامَةُ حَدِّ الشُّرْبِ بِمُجَرَّدِ الرَّائِحَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ اهـ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا لَمْ يَدَّعِ شُبْهَةً وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِذَلِكَ وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اعْتَرَفَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ بِلَا عُذْرٍ، وَمُجَرَّدُ الرِّيحِ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ وَالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. 1 - (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ (أَتُكَذِّبُ بِالْحَقِّ) : وَفِي رِوَايَةِ (بِالْكِتَابِ) : مَعْنَاهُ تُنْكِرُ بَعْضَهُ جَاهِلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّكْذِيبُ الْحَقِيقِيُّ فَإِنَّهُ لَوْ كَذَّبَ حَقِيقَةً لَكَفَرَ وَصَارَ مُرْتَدًّا يَجِبُ قَتْلُهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا كَذَّبَ عَبْدَ اللَّهِ لَا الْقُرْآنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ (مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ) : جَهَالَةً مِنْهُ وَقِلَّةَ حِفْظٍ أَوْ قِلَّةَ تَثَبُّتٍ لِأَجْلِ السُّكْرِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ كَافِرٌ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ [بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ] [حَدِيث مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا] بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ:» ..   Qثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدٌ:. (الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ بِلَفْظِ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ:» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ «إلَّا أَنْ يَتُوبَ» أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ. (قُلْت) : وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهَا فِي الْمُوَطَّإِ مَرْفُوعَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ قِيلَ لِمَالِكٍ رَفَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَكَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ إنَّمَا أَرَادَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى الَّتِي فِي رِوَايَتِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ:» فَهَذِهِ رَوَاهَا مَالِكٌ مَوْقُوفَةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا رَوَاهَا النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِهِ وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَالِكٍ وَرُوِيَ رَفْعُهَا عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَمْرٌ إلَّا أَنَّهُ لَا غَوْلَ فِيهِ وَلَا نَزْفَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى حِرْمَانِ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ فَمَنْ حُرِمَ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ دُخُولِهَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهَا خَمْرًا وَأَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً فَلَيْسَ فِيهِ وَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ أَلَمَ فَقْدِهَا وَإِنْ عَلِمَ بِهَا وَبِأَنَّهُ حُرِمَهَا عُقُوبَةً لَحِقَهُ حُزْنٌ وَهَمٌّ وَغَمٌّ وَالْجَنَّةُ لَا حُزْنَ فِيهَا وَلَا غَمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} [الحجر: 48] : {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر: 34] : وَقَالَ {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} [الزخرف: 71] : وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجَنَّةَ وَهُوَ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَمَحْمَلُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يَشْرَبُهَا إلَّا أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَيَشْرَبَهَا كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ عَزّ وَجَلَّ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ فَإِنْ عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ لَمْ يُحْرَمْهَا إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فَإِنْ غَفَرَ لَهُ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ لَا يُحْرَمْهَا وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ مَعْنَاهُ جَزَاؤُهُ وَعُقُوبَتُهُ أَنْ يُحْرَمَهَا فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إذَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَلَا يَشْرَبُ فِيهَا خَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهَا وَلَا يَرَاهَا وَلَا تَشْتَهِيهَا نَفْسُهُ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبِسْهُ هُوَ:» ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] : قَالَ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى نَحْوِ الْمَعْنَى الَّذِي نَزَعْنَا إلَيْهِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلُهُ حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ أَيْ إنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ وَأَنْفَذَ عَلَيْهِ وَعِيدَهُ وَأَنَّهُ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْهُ أَوْ الْمُعَاقَبَةِ يُحْرَمُ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْسَاهَا وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَل أَنْ لَا يَشْتَهِيَهَا وَقِيلَ بَلْ دَلِيلُهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ الْجَنَّةَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ حُزْنٌ وَمَعَ عَدَمِهِ لَا عُقُوبَةَ فِيهِ؛ قَالَ وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ أَنْ يُحْبَسَ عَنْ الْجَنَّةِ وَيُحْرَمَهَا مُدَّةً كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ فِي الْعِقَابِ «لَمْ يَرُحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ:» «وَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ:» فَيَكُونُ عِقَابُهُ مَنَعَهُ مِنْ الِالْتِذَاذِ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ وَأَهْلِ الْبَرْزَخِ وَأَمَّا أَنْ يُحْرَمُ الْجَنَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَيْسَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَصْحَابِ الذُّنُوبِ وَيَقُولُ الْأَوَّلُونَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَسْرَةٌ وَلَا يَكُونُ تَنْسِيَتُهُ إيَّاهَا أَوْ تَرْكُ شَهْوَتِهَا عُقُوبَةً وَإِنَّمَا هُوَ نَقْصُ نَعِيمٍ عَمَّنْ تَمَّ نَعِيمُهُ كَمَا اخْتَلَفَتْ دَرَجَاتُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ فِيهَا دُونَ بَعْضٍ وَلَا غَمَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمَذْهَبُ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبِسْهُ فِي الْجَنَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ، فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ كَالْوَارِثِ إذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَمَوْقِفُ إشْكَالٍ وَرَدَتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ وَعِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ إيَّاهُ أَعْتَقِدُ وَبِهِ أَشْهَدُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا قِيلَ يَنْسَاهَا وَقِيلَ لَا يَشْتَهِيَهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا وَيَكُونُ هَذَا نَقْصُ نَعِيمٍ فِي حَقِّهِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَارِكِ شَهْوَتِهَا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُهُ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَتَأَلَّمُ لِحَالِهِ مَعَ الْمَنَازِلِ الَّتِي رَفَعَ بِهَا غَيْرَهُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِرِفْعَتِهَا وَأَنَّ صَاحِبَهَا أَعْلَى مِنْهُ دَرَجَةً وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَحْسُدُهُ وَلَا يَتَأَلَّمُ بِفَقْدِ شَيْءٍ اسْتِغْنَاءً بِاَلَّذِي أُعْطِيَ وَغِبْطَةً بِهِ وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْأَوْلَى ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ حِرْمَانَهُ الْخَمْرَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُعَذَّبُ فِي النَّارِ وَيُسْقَى مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ النَّارِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَلَمْ يُحْرَمْ شَيْئًا مِنْهَا لَا خَمْرًا وَلَا حَرِيرًا وَلَا غَيْرَهُمَا فَإِنَّ حِرْمَانَ شَيْءٍ مِنْ لِذَاتِ الْجَنَّةِ لِمَنْ هُوَ فِيهَا نَوْعُ عُقُوبَةٍ وَمُؤَاخَذَةٍ فِيهَا وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ بِدَارِ عُقُوبَةٍ وَلَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ انْتَهَى. وَجَوَّزَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ:» وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَقْوَالٌ: (أَحَدُهَا) : أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِتَلَازُمِ حِرْمَانِهَا وَعَدَمِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الْأَوَّلِينَ. (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَاهُ حِرْمَانُهَا حَالَةَ كَوْنِهِ فِي النَّارِ وَيَصْدُقُ عَلَى تِلْكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ حِرْمَهَا فِي الْجَنَّةِ. (الثَّالِثُ) : أَنَّ مَعْنَاهُ حِرْمَانُهَا فِي الْجَنَّةِ وَأَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إنْ جُوزِيَ لَا يُجَازَى. (الرَّابِعُ) : أَنَّ مَعْنَاهُ حِرْمَانُهَا فِي الْجَنَّةِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ مُجَازَاتِهِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ نَقْصُ لَذَّةٍ. [فَائِدَة التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ] 1 (الثَّالِثَةُ) : فِيهِ أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ الْكَبَائِرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ هَلْ تَكْفِيرُهَا قَطْعِيٌّ أَوْ ظَنِّيٌّ أَمَّا فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْكُفْرِ فَهُوَ قَطْعِيٌّ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَلِلْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ ظَنِّيٌّ وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى وُجُوبِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَقْلًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي تَحْكِيمِهِمْ الْعَقْلَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ قُرْآنًا وَسَنَةً وَتَتَبَّعَ مَا فِيهِمَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلِمَ عَلَى الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ. [فَائِدَة فَقْد التَّوْبَةِ وَاسْتِمْرَار الْإِصْرَارِ فِي الْمَفْسَدَةِ] 1 (الرَّابِعَةُ) : أَشَارَ بِقَوْلِهِ «ثُمَّ لَمْ يَتُبْ» إلَى تَرَاخِي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرْتَبَةِ فَقْدِ التَّوْبَةِ وَاسْتِمْرَارِ الْإِصْرَارِ فِي الْمَفْسَدَةِ عَلَى نَفْسِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ وَفَقْدَ التَّوْبَةِ هُوَ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ فَإِنَّ «التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ» لَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُرَادُ التَّوْبَةُ الْمُعْتَبَرَةُ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ الْوَاقِعَةِ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ وَالْغَرْغَرَةِ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17] أَنَّ مَا دُونَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا إجْمَاعٌ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَمَاتَ، وَهُوَ يُدْمِنُهَا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مُدْمِنُ الْخَمْرِ هُوَ الَّذِي يَتَّخِذُهَا وَيُعَاصِرُهَا قَالَ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ إذَا وَجَدَهَا فَهُوَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا. (الْخَامِسَةُ) : قَوْلُهُ (ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا) : أَيْ مِنْ شُرْبِهَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى ذَنْبٍ آخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَائِدَة شَرِبَ مَا يُسَمَّى خَمْرًا مَجَازًا] (السَّادِسَةُ) هَذَا الْوَعِيدُ إنَّمَا وَرَدَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ وَهِيَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا اسْمٌ لِعَصِيرِ الْعِنَبِ الَّذِي اشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّنْدِ أَمَّا سَائِرُ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ فَهِيَ وَإِنْ شَارَكَتْهَا فِي التَّحْرِيمِ لَا تُشَارِكُهَا فِي اسْمِ الْخَمْرِ حَقِيقَةً كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَإِنَّمَا تُسَمَّى بِذَلِكَ مَجَازًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ اسْمَ الْخَمْرِ يَتَنَاوَلُهَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ:» فَانْدِرَاجُ شَارِبِهَا فِي هَذَا الْوَعِيدِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ لَا يَتَنَاوَلُهُ إلَّا إنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَيَدْخُلُ حِينَئِذٍ فِي الْحَدِيثِ مَنْ شَرِبَ مَا يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً وَمَنْ شَرِبَ مَا يُسَمَّى خَمْرًا مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة سَاقِي الصَّغِير الْخَمْرَ] 1 (السَّابِعَةُ) : إنَّمَا تَنَاوَلَ الْحَدِيثُ شَارِبَهَا فِي حَالَةِ التَّكْلِيفِ اخْتِيَارًا فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ فَلَا يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الْوَعِيدِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ ذَنْبٍ وَهَؤُلَاءِ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِمْ بِمَا صَدَرَ مِنْهُمْ وَقَدْ وَرَدَ تَرَتُّبُ هَذَا الْوَعِيدِ عَلَى سَاقِيهَا لِلصَّغِيرِ: فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ:» . [فَائِدَة الْوَعِيدُ عَلَى مُجَرَّدِ شُرْبِ الْخَمْرِ] 1 (الثَّامِنَةُ) : يَتَرَتَّبُ هَذَا الْوَعِيدُ عَلَى مُجَرَّدِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ بِذَلِكَ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ فَأُنْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ فَسَأَلْت مَاذَا قَالَ؟ قَالُوا: نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي بَعْضِهَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَنْتَمِ وَهِيَ الْجَرَّةُ وَعَنْ الدُّبَّاءُ   Qبِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ وَإِنْ قَلَّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ حُكْمَهَا كَذَلِكَ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ غَيْرِهَا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ دُونَ مَا لَمْ يَصِلْ بِهِ إلَى السُّكْرِ. [حَدِيث رَسُول اللَّهِ خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ النَّاسَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ فَأُنْصَرَفَ قَبْلَ أَنْ أَبْلُغَهُ فَسَأَلْت مَاذَا قَالَ؟ : قَالُوا: نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالنَّهْيُ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي «بَعْضِ مَغَازِيهِ» إلَّا مَالِكٌ وَأُسَامَةُ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ رِوَايَةَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مُخْتَصَرَةً بِلَفْظِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْبَذَ فِي الْمُزَفَّتِ وَالْقَرْعِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَمُهَا مَا رَوَاهُ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةٍ زَادَ أَنْ قَالَ (قُلْت) : لِابْنِ عُمَرَ حَدِّثْنِي بِمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ وَفَسِّرْهُ لِي بِلُغَتِنَا فَإِنَّ لَكُمْ لُغَةً سِوَى لُغَتِنَا فَقَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَنْتَمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 وَهِيَ الْقَرْعَةُ وَعَنْ الْمُزَفَّتِ وَهُوَ الْمُقَيَّرُ وَعَنْ النَّقِيرِ وَهِيَ النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحًا وَتُنْقَرُ نَقْرًا وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الْأَسْقِيَةِ:» وَالنَّهْيُ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي الظُّرُوفِ الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» .   Qوَهِيَ الْجَرَّةُ وَعَنْ الدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعَةُ وَعَنْ الْمُزَفَّتِ وَهُوَ الْمُقَيَّرُ وَعَنْ النَّقِيرِ وَهِيَ النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحًا وَتُنْقَرُ نَقْرًا وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذ فِي الْأَسْقِيَةِ» . (الثَّانِيَةُ) : فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَضُمَّ إلَيْهِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ الْحَنْتَمُ وَالنَّقِيرُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَل فِي الْمَاءِ تَمْرًا وَزَبِيبًا وَنَحْوَهُمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ بِالنَّهْيِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُسْرَعُ إلَى الْإِسْكَارِ فِيهَا فَيَصِيرَ حَرَامًا نَجِسًا وَتَبْطُلَ مَالِيَّتُهُ فَنُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَرِبَهُ بَعْدَ إسْكَارِهِ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي أَسْقِيَةِ الْأَدَمِ بَلْ أَذِنَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لِرِقَّتِهَا لَا يَخْفَى فِيهَا الْمُسْكِرُ بَلْ إذَا صَارَ مُسْكِرًا شَقَّهَا غَالِبًا ثُمَّ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا النَّهْيَ مُسْتَمِرٌّ بِحَالِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ الْحَظْرُ بَاقٍ وَكَرِهُوا الِانْتِبَاذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (قُلْت) : وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَفِي النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِانْتِبَاذُ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إلَّا فِي الْأَسْقِيَةِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا:» وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّهُ أَصَحُّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَقَاوِيلِ، قَالُوا وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْعَهْدُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَرِيبًا بِإِبَاحَةِ الْمُسْكِرِ فَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَاشْتَهَرَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرَاتِ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ لَهُمْ الِانْتِبَاذُ فِي كُلِّ وِعَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مُسْكِرًا وَكَأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الرُّخْصَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّهْيَ قَبْلَ النَّسْخِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْأَدَبِ وَالتَّنْزِيهِ وَلَفْظُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّحْرِيمِ فَإِنَّ لَفْظَ النَّهْيِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالْكَرَاهَةِ وَاَلَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الصَّارِفِ قَوْلُهُ (لَا تَفْعَلْ) وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الظُّرُوفِ فَشَكَتْ إلَيْهِ الْأَنْصَارُ فَقَالُوا لَيْسَ لَنَا وِعَاءٌ فَقَالَ فَلَا إذًا:» . وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «لَمَّا قَفَّى وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ امْرِئٍ حَسِيبُ نَفْسِهِ لِيُنْبِذَ كُلُّ قَوْمٍ فِيمَا بَدَا لَهُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فِي قِصَّةِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النَّاسَ لَا ظُرُوفَ لَهُمْ قَالَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّهُ يَرْثَى لِلنَّاسِ فَقَالَ اشْرَبُوهُ إذَا طَابَ فَإِنْ خَبُثَ فَذَرُوهُ:» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَوْعِيَةَ الدُّبَّاءَ وَالْحَنْتَمَ وَالْمُزَفَّتَ وَالنَّقِيرَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ إنَّهُ لَا ظُرُوفَ لَنَا فَقَالَ اشْرَبُوا مَا حَلَّ» . وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ الْأَشَجِّ الْعَصْرِيِّ أَنَّهُ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رُفْقَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ «مَالِي أَرَى وُجُوهَكُمْ قَدْ تَغَيَّرَتْ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ نَحْنُ بِأَرْضٍ وَخِمَةٍ وَكُنَّا نَتَّخِذُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْبِذَةِ مَا يَقْطَعُ اللِّحَانَ فِي بُطُونِنَا فَلَمَّا نَهَيْتنَا عَنْ الظُّرُوفِ فَذَلِكَ الَّذِي تَرَى فِي وُجُوهِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ وَلَا تُحَرِّمُ وَلَكِنْ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . (الثَّالِثَةُ) : (الدُّبَّاءُ) : بِضَمِّ الدَّالُ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَمْدُودٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوِعَاءُ مِنْ الْقَرْعِ الْيَابِسِ (وَالْمُزَفَّتُ) : هُوَ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقَارُ فَلِذَلِكَ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (الْمُقَيَّرُ) : وَقَالَ بَعْضُهُمْ الزِّفْتُ نَوْعٌ مِنْ الْقَارِ وَيَرُدّهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْمُزَفَّتَ هُوَ الْمُقَيَّرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَمَّا (الْحَنْتَمُ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنَّهُ الْجَرَّةُ وَالظَّاهِرُ صِدْقُ ذَلِكَ عَلَى الْجِرَارِ كُلِّهَا وَذَلِكَ مَحْكِيٌّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَيُّ شَيْءٍ نَبِيذُ الْجُرِّ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنْ الْمَدَرِ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ سَبْعَةٍ (ثَانِيهَا) : أَنَّهُ جِرَارٌ حُضْرٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الصَّحَابِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا (ثَالِثُهَا) : أَنَّهَا جِرَارٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ مُقَعَّرَةُ الْأَجْوَافِ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رَابِعُهَا) : أَنَّهَا جِرَارٌ حُمْرٌ كَانَ يُحْمَلُ فِيهَا الْخَمْرُ حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الصَّحَابِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (خَامِسُهَا) : أَنَّهَا جِرَارٌ حَفِيرُ أَعْنَاقِهَا فِي جَنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنْ مِصْرَ حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ (سَادِسُهَا) أَجْوَافُهَا فِي جَنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنْ الطَّائِفِ وَكَانَ نَاسٌ يَنْتَبِذُونَ فِيهَا يُضَاهُونَ بِهِ الْخَمْرَ حُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا (سَابِعُهَا) : أَنَّهَا جِرَارٌ كَانَتْ تُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَدَمٍ وَشَعْرٍ حُكِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَمَّا النَّقِيرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ بِأَنَّهُ النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحًا وَتُنْقَرُ نَقْرًا وَقَوْلُهُ تُنْسَحُ بِسِينٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ تُقَشَّرُ ثُمَّ تُنْقَرُ فَتَصِيرَ نَقِيرًا وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَوَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَبَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ تُنْسَجُ بِالْجِيمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ النَّخْلَةُ كَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَصْلُ النَّخْلَةِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَل أَنَّهُ يُقْلَعُ أَصْلُ النَّخْلَةِ فَيُقَشَّرُ وَيُنْقَرُ فَيَصِيرَ كَالدَّنِّ وَيُحْتَمَل أَنْ يُنْقَرَ أَصْلُ النَّخْلَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَحُكِيَ عَنْ امْرَأَةٍ يُقَال لَهَا أُمُّ مَعْبَدٍ أَنَّهَا قَالَتْ: وَأَمَّا النَّقِيرُ فَالنَّخْلَةُ الثَّابِتَةُ عُرُوقُهَا فِي الْأَرْضِ الْمَنْقُورَةِ نَقْرًا. [فَائِدَة النَّبِيذ إذَا أَسْكَرَ] 1 (الرَّابِعَةُ) : فِيهِ تَحْرِيمُ النَّبِيذِ إذَا أَسْكَرَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَا يُسْكِرُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا:» وَهَذَا الَّذِي يُسْكِرُ الْكَثِيرُ مِنْهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْكِرٌ فَإِنَّهُ يُسْكِرُ حَالَ الْكَثْرَةِ وَإِذَا صَدَقَ الْمُقَيَّدُ صَدَقَ الْمُطْلَقُ فَدَخَلَ تَحْتَ النَّهْيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَدْرُ الَّذِي شَرِبَهُ يَحْصُل لَهُ بِهِ السُّكْرُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ النِّيءِ فَأَمَّا الْمَطْبُوخُ مِنْهُمَا وَالنِّيءُ وَالْمَطْبُوخُ مِمَّا سِوَاهُمَا فَحَلَالٌ مَا لَمْ يُشْرَبُ وَيُسْكِرْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَحْرُمْ عَصِيرُ ثَمَرَاتِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   Qفَسُلَافَةُ الْعِنَبِ يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إلَّا أَنْ تُطْبَخَ حَتَّى يَنْقُصَ ثُلُثَاهَا وَأَمَّا نَقِيعُ الرُّطَبِ فَقَالَ يَحِلُّ مَطْبُوخًا، وَإِنْ مَسَّتْهُ النَّارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِحَدٍّ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي سُلَافَةِ الْعِنَبِ قَالَ وَالنِّيءُ مِنْهُ حَرَامٌ وَلَكِنْ لَا يُحَدُّ شَارِبُهُ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَشْرَبْ وَيَسْكَرْ، فَإِنْ سَكِرَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ:» وَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ:» مَعَ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَوْنُهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُسْكِرَاتِ فَوَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ، فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِسْكَارِ وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ (قُلْنَا) : قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ وَقَدْ عَلَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَحْرِيمَهُ بِمَا سَبَقَ، فَإِذَا كَانَ مَا سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ وَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ وَيَكُونُ التَّحْرِيمُ لِلْجِنْسِ الْمُسْكِرِ وَعَلَّلَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الْجِنْسِ فِي الْعَادَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال آكَدُّ مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ وَلَنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ إذَا شُرِبَتْ سُلَافَةَ الْعِنَبِ عِنْدَ اعْتِصَارِهَا وَهِيَ حُلْوَةٌ لَمْ تُسْكِرْ فَهِيَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اشْتَدَّتْ وَأَسْكَرَتْ حُرِّمَتْ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ تَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلِ آدَمِيٍّ حَلَّتْ فَنَظَرْنَا إلَى تَبَدُّلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَتَجَدُّدِهَا عِنْدَ تَجَدُّدِ صِفَةٍ وَتَبَدُّلِهَا فَأَشْعَرَنَا ذَلِكَ بِارْتِبَاطِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالنُّطْقِ فَوَجَبَ جَعْلُ الْجَمِيعِ سَوَاءً فِي الْحُكْمِ وَأَنَّ الْإِسْكَارَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ فِي التَّحْرِيمِ. [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] [حَدِيثُ الْإِفْكِ] بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ وَكُلٌّ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْت عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا " ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ   Qمَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ وَكُلٌّ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْت عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ:» الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ أَصْحَابُ السُّنَنِ «فَلَمَّا نَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ:» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (قُلْت) : وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ جَمْعِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ لَا مَنْعَ مِنْهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَبَعْضَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ، فَإِذَا تَرَدَّدْنَا فِي قِطْعَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ هِيَ عَنْ هَذَا أَوْ ذَاكَ لَمْ يَضُرَّ وَجَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهَا؛ لِأَنَّهُمَا ثِقَتَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدٌ أَوْ عُمَيْرٌ وَهُمَا ثِقَتَانِ مَعْرُوفَانِ بِالثِّقَةِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ جَازَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ انْتَقَدَ هَذَا عَلَى الزُّهْرِيِّ قَدِيمًا وَقَالَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ حَدِيثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجِهَتِهِ قَالَ وَلَا دَرَكَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ وَالْكُلُّ ثِقَاتٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ. . 1 - (الثَّانِيَةُ) : الْإِفْكُ الْكَذِبُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوِهِ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْت حَتَّى جَاوَزْت   Qوَفِيهِ لُغَتَانِ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ الْفَاءِ وَفَتْحِهِمَا مَعًا كَنَجَسٍ وَنَجِسَ حَكَاهُمَا فِي الْمُحْكَمِ وَالْمَشَارِقِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا كَذَبَ عَلَيْهَا مُمَارٍ مَيِّتٌ بِهِ. (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ (وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ) : وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا أَيْ أَحْفَظُ وَأَحْسَنُ إيرَادًا وَسَرْدًا لِلْحَدِيثِ. (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ:» هُوَ دَلِيلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَفِي الْعِتْقِ وَالْوَصَايَا وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَمِلَ بِهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يُونُسُ وَزَكَرِيَّا وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلِمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَاسْتِعْمَالُهَا كَالْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا يُقْسَمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَلَا مَعْنًى لِقَوْلِ مَنْ رَدَّهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إبْطَالُهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّهُ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْخَطَرِ وَالْقِمَارِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ وَقَالُوا هِيَ كَالْأَزْلَامِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إجَازَتُهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِيَاسِ لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِلْأَثَرِ وَمُقْتَضَى هَذَا قَصْرُهَا عَلَى الْمَوَاضِعِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحَادِيثِ دُونَ تَعْدِيَتِهَا إلَى غَيْرِهَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ. [فَائِدَة الْقُرْعَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ بِبَعْضِهِنَّ] 1 (الْخَامِسَةُ) : وَفِيهِ الْقُرْعَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ بِبَعْضِهِنَّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَمَنَعُوا السَّفَرَ بِبَعْضِهِنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ رِوَايَةُ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَنْفَعَ لَهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْت شَأْنِي أَقْبَلْت إلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْت صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدْ انْقَطَعَ فَرَجَعْت فَالْتَمَسْت عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْت أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ، قَالَتْ وَكَانَ   Qطَرِيقِهِ وَالْأُخْرَى أَنْفَعُ لَهُ فِي بَيْتِهِ وَمَالِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَاَلَّذِي يَقَعُ لِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ فِي أَصْلِ الْقُرْعَةِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا هَذَا لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِنَّ مَنْ تَصْلُحُ لِلسَّفَرِ وَمَنْ لَا تَصْلُحُ تَعَيَّنَ مَنْ تَصْلُحُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَنْ لَا تَصْلُحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ أَوْ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ «وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ:» وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ إذَا كَانَ كُلُّهُنَّ صَالِحَاتٌ لِلسَّفَرِ فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ لَخِيفَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَيْلًا إلَيْهَا وَلَكَانَ لِلْأُخْرَى مُطَالَبَتُهُ بِحَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا خَرَجَ بِمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ انْقَطَعَتْ حُجَّةُ الْأُخْرَى وَارْتَفَعَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ وَطَابَ قَلْبُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ] (السَّادِسَةُ) : قَوْلُهَا «فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةِ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي:» فِيهِ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَخُرُوجُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْغَزْوِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ الْعَسْكَرُ كَثِيرًا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَلَبَةُ وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ لِيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» . (السَّابِعَةُ) : هَذِهِ الْغَزَاةُ هِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحًا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مَعَهُ وَحْدَهَا بَلْ خَرَجَتْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ أَيْضًا أُمُّ سَلَمَةَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي السِّيَرِ. [فَائِدَة رُكُوب النِّسَاءِ فِي الْهَوَادِجِ وَخِدْمَة الرِّجَالِ لَهُنَّ] 1 (الثَّامِنَةُ) : قَوْلُهَا «فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ مَسِيرَنَا:» بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِيهِ جَوَازُ رُكُوبِ النِّسَاءِ فِي الْهَوَادِجِ وَجَوَازِ خِدْمَةِ الرِّجَالِ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ. إنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ نَقْلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ وَكُنْت جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا وَوَجَدْت عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْت مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا   Qوَفِي الْأَسْفَارِ وَ (الْهَوْدَجِ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ الْقُبَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْمَرْأَةُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ. [فَائِدَة ارْتِحَال الْعَسْكَرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْأَمِيرِ] 1 (التَّاسِعَةُ) : قَوْلُهَا «آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ:» رُوِيَ بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ وَبِالْقَصْرِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ أَعْلَمَ وَفِيهِ أَنَّ ارْتِحَالَ الْعَسْكَرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْأَمِيرِ. (الْعَاشِرَةُ) : قَوْلُهَا «فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ وَقَدْ انْقَطَعَ:» (الْعِقْدُ) : بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَهُوَ نَحْوُ الْقِلَادَةِ وَ (الْجَزْعُ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَآخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ خَرَزُ يَمَانٍ (وَظَفَارِ) : بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ تَقُولُ هَذِهِ ظَفَارِ وَدَخَلَتْ ظَفَارِ وَإِلَى ظَفَارِ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِلَا تَنْوِينٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَكَذَا فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ وَمَنْ قَيَّدَهُ جَزْعَ أَظْفَارٍ بِأَلْفٍ فَقَدْ أَخْطَأَ وَبِالْوَجْهِ الصَّحِيحِ رَوَيْتُهُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي:» (الرَّهْطُ) : جَمَاعَةٌ دُونَ الْعَشَرَةِ وَقَوْلُهُ «يَرْحَلُونَ:» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ يَجْعَلُونَ الرَّحْلَ عَلَى الْبَعِيرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهَا «فَرَحَلُوهُ» وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَيْضًا وَقَوْلُهَا «بِي:» كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا بِالْبَاءِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَقَالَ إنَّ الَّذِي فِي أَكْثَرِهَا «لِي:» وَهُوَ أَجْوَدُ (قُلْت) : بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ الْبَاءَ أَجْوَدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا وَضْعَ الرَّحْلِ عَلَى الْبَعِيرِ بَلْ وَضْعَهَا وَهِيَ فِي الْهَوْدَجِ عَلَى الْبَعِيرِ تَشْبِيهًا لِلْهَوْدَجِ الَّتِي هِيَ فِيهِ بِالرَّحْلِ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْبَعِيرِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «وَكَانَتْ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا لَا يَهْبُلْنَ:» ضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِأَوْجُهٍ (أَشْهُرُهَا) : كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُثْقَلْنَ بِاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ (وَالثَّانِي) : يَهْبَلْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا. وَ (الثَّالِثُ) : الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْت مَنْزِلِي الَّذِي كُنْت فِيهِ وَظَنَنْت أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُوا إلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْت وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطَّلٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ   Qبِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابِ أَيْ بِتَقْدِيرِ فَتْحِ أَوَّلِهِ قَالَ؛ لِأَنَّ مَاضِيَهُ فَعَلَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ هَبِلَهُ اللَّحْمُ وَأَهْبَلَهُ إذَا أَثْقَلَهُ وَكَثُرَ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «لَمْ يُثْقَلْنَ» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ أَيْضًا الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا «وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ» (قُلْت) : لَا يَنْبَغِي عَلَى مَا جَوَّزَهُ النَّوَوِيُّ كَسْرُ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَلْ هِيَ مَفْتُوحَةٌ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فَتْحُ الْهَاءِ فِي الرِّوَايَةِ وَتَشْدِيدُ الْبَاءِ وَفِي التَّجْوِيزِ الْهَاءُ سَاكِنَةٌ وَالْبَاءُ مُخَفَّفَةٌ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَيْفَ يُكْسَرُ مَعَ بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّاءِ «لَمْ يَهْبُلْهُنَّ اللَّحْمُ:» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ هَبِلَهُ اللَّحْمُ إذَا كَثُرَ عَلَيْهِ وَرَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَأَهْبَلَهُ أَيْضًا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ اللَّحْمُ قُلْت اسْتِعْمَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَوْلُهُمْ هَبِلَهُ اللَّحْمُ لَا يُنَافِي الرِّوَايَةَ الْأُولَى الَّتِي قَدَّمْنَا عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا أَشْهُرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُعْمِلَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْفَاعِلِ تَعَيَّنَ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا تَقَرَّرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فِي كُلِّ مَبْنِيٍّ لِلْمَفْعُولِ وَكَوْنُ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ التَّصْرِيحُ بِالْفَاعِلِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ فَأَلْفَاظُ الْحَدِيثِ لَا تُتَلَقَّى عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِنَّمَا تُتَلَقَّى عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَتُشْرَحُ بِكَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ يَشْهَدُ لِلَفْظِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة التَّقَلُّل فِي الْعَيْشِ وَتَقْلِيل الْأَكْلِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «إنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ:» هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ أَيْ الْقَلِيلُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا (الْبُلْغَةُ) : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَأَنَّهُ الَّذِي يَمْسِكُ الرَّمَقَ وَيُعَلِّقُ النَّفْسَ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 الْحِجَابُ فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْت وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاَللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْت مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي   Qلِلِازْدِيَادِ مِنْهُ أَيْ يُشَوِّفُهَا إلَيْهِ وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ التَّقَلُّلِ فِي الْعَيْشِ وَتَقْلِيلِ الْأَكْلِ. . [فَائِدَة تَأَخُّر بَعْضِ الْجَيْشِ سَاعَةً لِحَاجَةِ تَعْرِضُ لَهُ] 1 (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ ثِقْلَ الْهَوْدَجِ:» لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ حِينَ رَحَلُوهُ كَانَ ثَقِيلًا بَلْ الْمُرَادُ لَمْ يَسْتَنْكِرُوا قَدْرَ ثِقْلِهِ الَّذِي اعْتَادُوهُ لِخِفَّةِ بَدَنِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَلَا يَظْهَرُ بِفَقْدِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ الْهَوْدَجِ تَفَاوُتٌ فِي قَدْرِ ثِقَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةَ عَشْرَ) : قَوْلُهَا «فَتَيَمَّمْت مَنْزِلِي:» أَيْ قَصَدْته وَالتَّيَمُّمُ لُغَةً الْقَصْدُ. (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «وَظَنَنْت أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُوا إلَيَّ:» كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا «فَيَرْجِعُوا» بِغَيْرِ نُونٍ وَالْوَجْهُ إثْبَاتُهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَلَعَلَّهُ مِنْ الْجَزْمِ بِلَا جَازِمٍ كَقَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ أَشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَعْقِبٍ ... إثْمًا مِنْ اللَّهِ وَلَا وَاغِلٍ ، أَوْ لَهُ تَخْرِيجٌ آخَرُ؛ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين: 4] . (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ:» هُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ بِلَا خِلَافٍ كَذَا ضَبَطَهُ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ وَالْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَآخَرُونَ وَقَوْلُهَا «قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَادَّلَجَ:» التَّعْرِيسُ هُوَ النُّزُولُ آخِرَ اللَّيْلِ فِي السَّفَرِ لِنَوْمٍ أَوْ اسْتِرَاحَةٍ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ النُّزُولُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهَا «ادَّلَجَ:» هُوَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ سَارَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِنْ سَارَ مِنْ أَوَّلِهِ قِيلَ أَدْلَجَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ جَوَازُ تَأَخُّرِ بَعْضِ الْجَيْشِ سَاعَةً وَنَحْوَهَا لِحَاجَةِ تَعْرِضُ لَهُ إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً تَدْعُو إلَى الِاجْتِمَاعِ. [فَائِدَة تَغْطِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَ) : قَوْلُهَا «فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ:» أَيْ شَخْصَهُ وَقَوْلُهَا «فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ:» أَيْ انْتَبَهْت مِنْ نَوْمِي بِقَوْلِهِ (إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْت حِينَ قَدِمْنَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْت أَرَاهُ مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إنَّمَا يَدْخُلُ   Qإلَيْهِ رَاجِعُونَ) : وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ لِعِظَمِ الْمُصِيبَةِ بِتَخَلُّفِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ الرُّفْقَةِ فِي مَضْيَعَةٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَهَذَا مِنْ صَفْوَانَ لِمَعْنَيَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهَا مُصِيبَةٌ لِنِسْيَانِ امْرَأَةٍ مُنْفَرِدَةٍ فِي قَفْرٍ وَلَيْلٍ مُظْلِمٍ وَالثَّانِي لَيُقِيمَهَا اسْتِرْجَاعُهُ مِنْ نَوْمِهَا صِيَانَةً لَهَا عَنْ نِدَائِهَا وَكَلَامِهَا. (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهَا «فَخَمَّرْت وَجْهِي بِجِلْبَابِي:» أَيْ غَطَّيْته بِثَوْبِي وَالْجِلْبَابُ كَالْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا يَكُونُ أَعْرَضُ مِنْ الْخِمَارِ قَالَهُ النَّضْرُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ ظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْإِزَارُ وَقِيلَ الْخِمَارُ هُوَ كَالْمَلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَبَعْضُ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ بَعْضٍ، وَفِيهِ تَغْطِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءً كَانَ صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ. [فَائِدَة الْأَدَبِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْخَلْوَة] (الْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَاَللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً» إنَّمَا عَبَّرَتْ بِالْمُضَارِعِ إشَارَةً إلَى اسْتِمْرَارِ تَرْكِ الْكَلَامِ وَتَجَدُّدِ هَذَا الِاسْتِمْرَارِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِي اخْتِصَاصُ النَّفْيِ بِحَالَةٍ بِخِلَافِ الْمُضَارِعِ وَقَوْلُهَا «وَلَا سَمِعْت مِنْهُ كَلِمَةً:» لَيْسَ تَكْرَارٌ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُكَلِّمُهَا وَلَكِنْ يُكَلِّمُ نَفْسَهُ أَوْ يَجْهَرُ بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ اسْتَعْمَلَ الصَّمْتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَدَبًا وَصِيَانَةً وَلِهَوْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَفِيهِ إغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ وَعَوْنُ الْمُنْقَطِعِ وَإِنْقَاذُ الضَّائِعِ وَإِكْرَامُ ذَوِي الْأَقْدَار وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا سِيَّمَا فِي الْخَلْوَة بِهِنَّ عَنْ الضَّرُورَةِ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا فَعَلَ صَفْوَانُ مِنْ إبْرَاكِهِ الْجَمَلِ بِغَيْرِ كَلَامٍ وَلَا سُؤَالٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْشِيَ قُدَّامَهَا لَا بِجَانِبِهَا وَلَا وَرَاءَهَا وَاسْتِحْبَابُ الْإِيثَارِ بِالرُّكُوبِ. (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَبَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْوِ الظَّهِيرَةِ:» الْمُوغِرُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ النَّازِلُ فِي وَقْتِ الْوَغْرَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْت بَعْدَ مَا نَقِهْت وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَلَا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا إلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ   Qوَإِسْكَانِ الْغَيْنِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ «مُوعِزِينَ» بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ هُوَ مِنْ وَعَزَتْ إلَيْهِ أَيْ تَقَدَّمَتْ يُقَالُ وَعَزْت إلَيْهِ بِالتَّخْفِيفِ وَعْزًا وَوَعَّزْت إلَيْهِ بِالتَّشْدِيدِ تَوْعِيزًا قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ وَأَوْلَى قَالَ وَقَدْ صَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ مُوعِرِينَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَ «الظَّهِيرَةُ:» وَقْتُ الْقَائِلَةِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ «وَنَحْرُهَا:» صَدْرُهَا أَيْ أَوَّلُهَا. . [فَائِدَة الْمُتَوَلِّيَ كِبْرَ الْإِفْكِ] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي:» أَيْ بِقَوْلِ الْبُهْتَانِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلُهَا «وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ:» أَيْ مُعْظَمَهُ وَقِيلَ الْكِبْرُ الْإِثْمُ وَقِيلَ هُوَ الْكَبِيرَةُ كَالْخَطَأِ وَالْخَطِيئَةِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِضَمِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ وَقَوْلُهَا (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ) : هُوَ بِرَفْعِ ابْنِ سَلُولَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ صِفَةً لِأُبَيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ فَأُبَيٌّ أَبُوهُ وَسَلُولُ أُمُّهُ وَلِهَذَا يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ «وأُبَيٍّ:» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ «وَسَلُولُ:» بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَة وَضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ لَامٌ وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ. (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) : هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ كِبْرَ الْإِفْكِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ إنَّهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِيمَتْ عَلَى دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ تَوَلَّى كِبْرَهُ فَقَالَتْ «وَأَيَّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْعَمَى» وَفِي رِوَايَةٍ «وَضُرِبَ الْحَدُّ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ» وَأَشَارَتْ بِضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ إلَى أَنَّ صَفْوَانَ ضَرَبَ حَسَّانَ عَلَى رَأْسِهِ بِالسَّيْفِ وَقَالَ تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إذَا هُوَ حَيِيت لَسْت بِشَاعِرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 فِي التَّبَرُّزِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا فَانْطَلَقْت أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرٍ بْنِ عَامِرِ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ ابْنُ عَبَّادِ بْن الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْت أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ   Qوَسَيَأْتِي أَنَّ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ وَحَمْنَةُ وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ الضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ هُوَ الْبَادِئُ بِهَذِهِ الْفِرْيَةِ وَاَلَّذِي اخْتَلَقَهَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ عَلَى هَذَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ. (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ:» بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَخُوضُونَ فِيهِ وَيُكْثِرُونَ الْقَوْلَ. (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَهُوَ يَرِيبُنِي:» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ يُقَالُ رَابَنِي وَأَرَابَنِي إذَا شَكَّكَهُ وَأَوْهَمَهُ الْأُولَى لُغَةُ الْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ هُذَيْلٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يُوهِمنِي وَيُشَكِّكُنِي حَتَّى أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ حَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقَالُ أَرَابَنِي الْأَمْرُ يَرِيبُنِي إذَا تَوَهَّمْته وَشَكَكْت فِيهِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنْته قُلْت رَابَنِي كَذَا يَرِيبُنِي. . [فَائِدَة مُلَاطَفَة الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَحُسْنُ مُعَاشَرَتِهَا] 1 (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) : «اللُّطْفُ:» بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهِمَا مَعًا لُغَتَانِ وَهُوَ الْبِرُّ وَالرِّفْقُ وَقَوْلُهُ «كَيْفَ تِيكُمْ:» إشَارَةٌ إلَى الْمُؤَنَّثَةِ كَذَا كُمْ فِي الْمُذَكَّرِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَحُسْنُ مُعَاشَرَتِهَا إلَّا أَنْ يَسْمَعَ عَنْهَا مَا يَكْرَهُ فَيُقَلِّلُ مِنْ اللُّطْفِ لِتَفْطِنَ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ لِعَارِضٍ فَتَسْأَلَ عَنْ سَبَبِهِ فَتُزِيلُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّؤَالِ عَنْ الْمَرِيضِ. (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «نَقَهْت:» هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفَتْحُ أَشْهُرُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّاقِهُ هُوَ الَّذِي أَفَاقَ مِنْ الْمَرَضِ وَبَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ قَرِيبُ عَهْدٍ بِهِ لَمْ تَتَرَاجَعْ إلَيْهِ كَمَالُ صِحَّتِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ لُغَةَ الْكَسْرِ قَالَ أَمَّا بِكَسْرِ الْقَافِ فَهُوَ بِمَعْنَى فَهِمْت الْحَدِيثَ. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْت لَهَا بِئْسَ مَا قُلْت تَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا قَالَتْ أَيْ هَنْتَاه أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ، قُلْت وَمَاذَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي. بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَازْدَدْت مَرَضًا إلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْت إلَى بَيْتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ   Q [فَائِدَة الْمَرْأَة إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجُ لِحَاجَةٍ] الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَخَرَجْت مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا:» مِسْطَحٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَ «الْمَنَاصِعُ:» بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ وَبَعْدَ الْأَلْفِ صَادٌ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مَوَاضِعُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَبَرَّزُونَ فِيهَا وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ وَهِيَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَ «الْمُتَبَرَّزُ» : بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعُ التَّبَرُّزِ وَهُوَ الْخُرُوجُ إلَى الْبِرَازِ وَهُوَ الْفَضَاءُ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي مَنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَقَدْ بَرَزَ أَيْ ظَهَرَ وَكُنِّيَ بِهِ هُنَا عَنْ الْخُرُوجِ لِلْحَدَثِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ الْخُرُوجُ لِحَاجَةٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَفِيقَةٌ لِتَتَآنَسَ بِهَا وَلَا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ. (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) : قَوْلُهَا «وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ:» هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَالنُّونِ جَمْعُ كَنِيفٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ السَّاتِرُ مُطْلَقًا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ قَوْلُهَا «وَأَمْرُنَا أَمْرَ الْعَرَبِ الْأُوَلِ:» ضَبَطُوا قَوْلَهُ الْأُوَلِ بِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفُ الْوَاوِ وَالثَّانِي فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدُ الْوَاوِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ (قُلْت) : هُوَ عَلَى الْأُوَلِ صِفَةٌ لِلْعَرَبِ وَعَلَى الثَّانِي صِفَةٌ لِلْأَمْرِ وَقَوْلُهَا «فِي التَّنَزُّهِ» أَيْ طَلَبُ النَّزَاهَةِ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ. [فَائِدَة كَرَاهَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ إذَا آذَى أَهْلَ الْفَضْلِ] 1 (الْفَائِدَةُ الثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ:» بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَاسْمُهَا سَلْمَى وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ مِسْطَحٍ وَهُوَ لَقَبٌ وَأَصْلُهُ عُودٌ مِنْ أَعْوَادِ الْخِبَاءِ وَاسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ عَوْفٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبَّادٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ قِيلَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَبُوهُ أُثَاثَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ مُكَرَّرَةٌ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ. (الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ:» أَمَّا عَثَرَتْ فَبِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِرْطُ بِكَسْرِ الْمِيم كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ وَ «تَعِسَ:» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الْفَتْحِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ؟ قُلْت أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِي أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجِئْت أَبَوَيَّ فَقُلْت لِأُمِّي يَا هَنْتَاه مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ:   Qعَلَى الْكَسْرِ وَرَجَّحَ بَعْضُهُمْ الْفَتْحَ وَبَعْضُهُمْ الْكَسْرَ وَمَعْنَاهُ عَثَرَ وَقِيلَ هَلَكَ وَقِيلَ لَزِمَهُ الشَّرُّ وَقِيلَ بَعُدَ وَقِيلَ سَقَطَ لِوَجْهِهِ خَاصَّةً دَعَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمَّا قَالَ؛ وَسَمَّتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَبًّا، وَفِيهِ كَرَاهَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ وَقَرِيبَهُ إذَا آذَى أَهْلَ الْفَضْلِ أَوْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ كَمَا فَعَلَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي دُعَائِهَا عَلَى وَلَدِهَا وَفِيهِ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالذَّبُّ عَنْهُمْ كَمَا فَعَلَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَبِّهَا عَنْهُ. . [فَائِدَة مَا يُقَالُ فِي الْإِنْسَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ] 1 (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «قَالَتْ أَيْ هَنْتَاه:» أَمَّا «أَيْ:» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ فَحَرْفُ نِدَاءٍ لِلْبَعِيدِ أَوْ لَمُنَزَّلٍ مَنْزِلَتَهُ وَهِيَ هُنَا لِلْمُنَزَّلِ مَنْزِلَتَهُ وَكَأَنَّهَا عَدَّتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعِيدَةً عَنْهَا لِغَفْلَتِهَا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَأَمَّا «هَنْتَاه:» فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِهَا؛ وَالْإِسْكَانُ أَشْهَرُ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَتُضَمُّ الْهَاءُ الْآخِرَةُ وَتُسَكَّنُ. وَيُقَالُ فِي التَّثْنِيَةِ هَنْتَانِ وَفِي الْجَمْعِ هَنَاتٌ وَهَنَوَاتٌ وَفِي الْمُذَكَّرِ هَنٌ وَهَنَانِ وَهَنُونَ. وَلَكَ أَنْ تُلْحِقَهَا الْهَاءَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فَتَقُولُ: يَا هَنَهْ، وَأَنْ تُشْبِعَ حَرَكَةَ النُّونِ فَتَصِيرَ أَلِفًا فَتَقُولَ: يَا هَنَاهْ، وَلَكَ ضَمُّ الْهَاءِ، فَتَقُولُ: يَا هَنَاهُ أَقْبِلْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ وَمَعْنَاهَا يَا هَذِهِ، وَقِيلَ: يَا مَرْأَةُ، وَقِيلَ: يَا بَلْهَاءُ، كَأَنَّهَا نُسِبَتْ إلَى قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِمَكَايِدِ النَّاسِ وَشُرُورِهِمْ، وَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمُذَكَّرِ حَدِيثُ الصُّبَيّ ابْنِ مَعْبَدٍ «فَقُلْتُ: يَا هَنَاهُ إنِّي حَرِيصٌ عَلَى الْجِهَادِ» ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ نَكِرَةٍ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ تَشْدِيدَ نُونِهَا وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَرَ عَنْ الْإِنْسَانِ مَا يُقَالُ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كَمَا كَتَمُوا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَذَا الْأَمْرَ شَهْرًا وَلَمْ تَسْمَعْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِعَارِضٍ عَرَضَ وَهُوَ قَوْلُ أُمِّ مِسْطَحٍ تَعِسَ مِسْطَحٌ. [فَائِدَة الزَّوْجَة لَا تَذْهَبُ إلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا] (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «فَازْدَدْت مَرَضًا إلَى مَرَضِي:» أَيْ مَعَ مَرَضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 أَيْ بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْك فَوَاَللَّهِ لَقَلَّ مَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا قَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ ، قَالَتْ فَبَكَيْت تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْت   Q {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] أَيْ مَعَهَا وقَوْله تَعَالَى {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] أَيْ مَعَهُ وَقَوْلُهَا «فَلَمَّا رَجَعْت إلَى بَيْتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَدَخَلَ عَلَيَّ زَائِدَةٌ وَقَوْلُهَا «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ:» فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَذْهَبُ إلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا بِخِلَافِ ذَهَابِهَا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَا تَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِهِ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. [فَائِدَة الْإِنْسَان يَتَأَسَّى بِغَيْرِهِ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «فَوَاَللَّهِ لَقَلَّ مَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا:» (الْوَضِيئَةُ) : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَهْمُوزَةٌ مَمْدُودَةٌ هِيَ الْجَمِيلَةُ الْحَسَنَةُ وَالْوَضَاءَةُ الْحُسْنُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «حَظِيَّةٌ» مِنْ الْحُظْوَةِ وَهِيَ الْوَجَاهَةُ وَارْتِفَاعُ الْمَنْزِلَةِ وَ " الضَّرَائِرُ " جَمْعُ ضَرَّةٍ وَزَوْجَاتُ الرَّجُلِ ضَرَائِرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَضَرَّرُ بِالْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ وَالْقِسْمِ وَغَيْرِهِمَا وَالِاسْمُ مِنْهُ الضِّرِّ بِكَسْرِ الضَّادِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَقَوْلُهَا «إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا:» هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ أَكْثَرْنَ الْقَوْلَ فِي عَيْبِهَا وَنَقْصِهَا وَأَرَادَتْ أُمُّهَا بِهَذَا الْكَلَامِ أَنْ تُهَوِّنَ عَلَيْهَا مَا سَمِعْت، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَسَّى بِغَيْرِهِ مَعَ تَطْيِيبِ خَاطِرِهَا بِجَمَالِهَا وَحُبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا. . [فَائِدَة التَّعَجُّب بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ] 1 (الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «قُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ:» فِيهِ جَوَازُ التَّعَجُّبِ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا فِي الْأَحَادِيثِ. (السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «لَا يُرْقَأُ لِي دَمْعٌ:» هُوَ بِالْهَمْزِ أَيْ لَا يَنْقَطِعُ وَقَوْلُهَا «وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ:» أَيْ لَا أَنَامُ. (السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيَ:» ضَبَطْنَاهُ بِنَصَبِ قَوْلِهِ الْوَحْيَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ اسْتَلْبَثَ أَيْ اسْتَبْطَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيَ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، فَإِنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهَا «اسْتَلْبَثَ:» بِقَوْلِهِ أَيْ (أَبْطَأَ) : وَلَبِثَ وَلَمْ يَنْزِلْ وَكَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ يُوَافِقُ مَا ضَبَطْنَاهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ الرَّفْعَ تَجْوِيزٌ لَا رِوَايَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعُدَ ذِكْرُ النَّصْبِ وَيَصِحُّ رَفْعُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ اسْتَلْبَثَ بِمَعْنَى لَبِثَ كَمَا يُقَالُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْت أَبْكِي وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاَلَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِاَلَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنْ الْوُدِّ، فَقَالَ   Qاسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ وَهُوَ كَثِيرٌ. [فَائِدَة مُشَاوِرَةُ الْإِنْسَانِ بِطَانَتَهُ فِيمَا يَنْوِيهِ مِنْ الْأُمُورِ] (الثَّامِنَةَ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُهَا «يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ:» فِيهِ مُشَاوَرَةُ الْإِنْسَانِ بِطَانَتَهُ وَأَهْلَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ فِيمَا يَنْوِيهِ مِنْ الْأُمُورِ. [فَائِدَة قَوْل الْإِنْسَانِ فِي التَّعْدِيلِ لَا أَعْلَمُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا] 1 (التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) : قَوْلُ أُسَامَةَ «هُمْ أَهْلُك:» أَيْ الْعَفَائِفُ اللَّائِقَاتُ بِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النور: 26] وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ الْإِشَارَةِ وَوَكَّلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْهُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «فَأَشَارَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاَلَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ» إلَى آخِرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَشَارَ وَبَرَّأَهَا بِكَلَامِهِ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْك وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ:» فَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي حَقِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ رَآهَا مَصْلَحَةً وَنَصِيحَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اعْتِقَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى انْزِعَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْأَمْرِ وَقَلَقَهُ فَأَرَادَ إرَاحَةَ خَاطِرَهُ وَكَانَ ذَلِكَ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ وَاسْتَأْنَسَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لِقَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي التَّعْدِيلِ لَا أَعْلَمُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا. . [فَائِدَة شَهَادَة النِّسَاءِ] 1 (الْفَائِدَةُ الْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُ عَلِيٍّ «وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْك:» أَيْ بَرِيرَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ:» وَهِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَقَوْلُهَا «وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنْ رَأَيْت عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا تَسْأَلُونَ عَنْهُ أَصْلًا وَلَا فِيهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا نَوْمُهَا عَنْ الْعَجِينِ وَقَوْلُهَا «أَغْمِصُهُ:» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَعِيبُهَا بِهِ مِنْ الْغَمَصُ وَهُوَ الْعَيْبُ وَ «الدَّاجِنُ:» بِكَسْرِ الْجِيمِ الشَّاةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبَيْتَ وَلَا تَخْرُجُ إلَى الْمَرْعَى وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ صَحِيحِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُك وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْك، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُك، قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْت مِنْ شَيْءٍ يُرِيبُك مِنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنْ رَأَيْت   Qهَذَا لَيْسَ بَيِّنًا إذْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ إنَّمَا هِيَ فِي تَعْدِيلِهِنَّ لِلشَّهَادَةِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلِ بِشَهَادَتِهِمَا فِي الْمَالِ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ زَيْنَبَ فِي عَائِشَةَ وَقَوْلِ عَائِشَةَ فِي زَيْنَبَ «فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ:» قَالَ وَمَنْ كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهَا، وَهَذَا رَكِيكٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ وَإِمَامَهُ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزَانِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ فَكَيْفَ يُطْلَقُ جَوَازُ تَزْكِيَتِهِنَّ انْتَهَى. [فَائِدَة الْبَحْث وَالسُّؤَال عَنْ أَحْوَالِ غَيْرِهِ] (الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) : فِيهِ جَوَازُ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ لَهُ بِذَلِكَ تَعَلُّقٌ كَسُؤَالِ الْإِنْسَانِ عَنْ زَوْجَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَعَنْ وَلَدِهِ الَّذِي يُرِيدُ تَرْبِيَتُهُ وَتَأْدِيبَهُ وَسُؤَالِ الْحَاكِمِ عَمَّنْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَالْمُحَدِّثُ عَمَّنْ يُرِيدُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَالْإِنْسَانُ عَمَّنْ يُرِيدُ مُصَاهَرَتَهُ أَوْ مُخَالَطَتَهُ أَوْ مُشَارَكَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ تَجَسُّسٌ وَفُضُولٌ. [فَائِدَة اشْتِكَاءُ وَلِيِّ الْأَمْرِ إلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْتَرِضُ لَهُ بِأَذًى] 1 (الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» أَيْ عَلَى الْمِنْبَرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ «فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:» وَفِيهِ خُطْبَةُ الْإِمَامِ النَّاسَ عِنْدَ نُزُولِ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَقَوْلُهَا «فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ:» مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ يَعْذِرُنِي فِيمَنْ آذَانِي فِي أَهْلِي» كَمَا بَيَّنْته فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعْنَى «مَنْ يَعْذِرُنِي:» مَنْ يَقُومُ بِعُذْرِي إنْ كَافَأْته عَلَى قَبِيحِ فِعْلِهِ وَلَا يُمَنِّي وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يَنْصُرُنِي وَالْعَذِيرُ النَّاصِرُ وَفِيهِ اشْتِكَاءُ وَلِيِّ الْأَمْرِ إلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْتَرِضُ لَهُ بِأَذًى فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَاعْتِذَارُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّبَهُ بِهِ. [فَائِدَة فَضَائِلُ صَفْوَان بْنِ الْمُعَطَّلِ] 1 (الثَّالِثَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : فِيهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِمَا شَهِدَ وَبِفِعَالِهِ الْجَمِيلِ فِي إرْكَابِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَحُسْنِ أَدَبِهِ فِي جُمْلَةِ الْقَضِيَّةِ. . [فَائِدَة غَزْوَة الْمُرَيْسِيعِ] (الرَّابِعَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَعْذُرُك مِنْهُ:» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى   Qكَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ أَنَا أَعْذُرُك مِنْهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا مُشْكَلٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ سِتٍّ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَاتَ فِي أَثَرِ غُزَاةِ الْخَنْدَقِ مِنْ الرَّمْيَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السِّيَرِ إلَّا شَيْئًا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَحْدَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ شُيُوخُنَا ذِكْرُ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي هَذَا وَهْمٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَوَّلًا وَآخِرًا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَهِيَ سَنَةُ الْخَنْدَقِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ اخْتِلَافَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَابْنِ عُقْبَةَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ قَالَ وَكَانَتْ الْخَنْدَقُ وَقُرَيْظَةُ بَعْدَهَا وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَقَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا لِذِكْرِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَكَانَتْ فِي الْمُرَيْسِيعِ فَعَلَى هَذَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي وَقْتِ الْمُرَيْسِيعِ أَصَحُّ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ (قُلْت) : وَقَدْ سَبَقَ الْقَاضِي إلَى ذَكَرِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة التَّعَصُّب فِي الْبَاطِلِ] 1 (الْخَامِسَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ:» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا اجْتَهَلَتْهُ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُعْظَمِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمَعْنَاهُ اسْتَخَفَّتْهُ وَأَغْضَبَتْهُ وَحَمَلَتْهُ عَلَى الْجَهْلِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «احْتَمَلَتْهُ:» بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 الْمِنْبَرِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ   Qيُونُسَ وَصَالِحٌ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ أَغْضَبَتْهُ فَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ. (السَّادِسَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنِ حَضِير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَبَيْنَ السَّعْدَيْنِ مَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَاَللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ التَّعَصُّبَ فِي الْبَاطِلِ يَخْرُجُ عَنْ اسْمِ الصَّلَاحِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «فَاحْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا:» الصَّلَاحُ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ حُقُوقِ عِبَادِهِ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ سَبِّ الْمُتَعَصِّبِ فِي الْبَاطِلِ وَالْمُتَكَلِّمِ بِنُكُرِ الْقَوْلِ وَالْإِغْلَاظِ فِي سَبِّهِ بِمَا يُشْبِهُ صِفَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقِيقَةٌ لِقَوْلِ أُسَيْدٍ «كَذَبْت إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ:» . وَحَاشَا سَعْدًا مِنْ النِّفَاقِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ ظَاهِرِ التَّعَصُّبِ لِابْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ عَرَّضَ لَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْغَلِيظِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ إنَّمَا أَنْكَرَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ قَوْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ تَحَكُّمُهُ فِي قَوْمِهِ بِحُكْمِ أَنَفَةِ الْعَرَبِ وَمَا كَانَ قَدِيمًا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ لَا أَنَّهُ رَضِيَ فِعْلَ ابْنِ أُبَيٍّ وَقَوْلُهُ «كَذَبْت لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ:» أَيْ لَا يَجْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَهُ إلَيْك (قُلْت) : الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلَامَ أَنَفَةً لِمَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَهُ بِإِخْلَاصٍ نَصْرًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَانْظُرْ إنْصَافَهُ فِي تَقْدِيمِهِ ذِكْرَ قَوْمِهِ الْأَوْسَ وَجَزْمِهِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ إنْ كَانَ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ فِي الْخَزْرَجِ الَّذِينَ لَيْسُوا قَوْمَهُ «أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَك:» . وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْإِنْصَافِ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَحَدٌ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ حَتْمٌ لَازِمٌ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُبَادَةَ «لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ:» فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً وَلَا انْتِصَارًا لِابْنِ أُبَيٍّ كَيْفَ وَابْنُ أُبَيٍّ مِنْ الْخَزْرَجِ وَابْنُ مُعَاذٍ لَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 فَقَالَ أَعْذُرُك مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَك قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا   Qيَقُلْ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ الْأَوْسِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا وَعَدَ بِقَتْلِ الْأَوْسِيِّ، وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنَّ ابْنَ عُبَادَةَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً وَلَوْ كَانَتْ هُنَاكَ حَمِيَّةٌ لَمَا وَجَبَهَا لِرَهْطِ ابْنِ مُعَاذٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ قَوْمَهُ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُ، حَيْثُ لَمْ يَصْدُرْ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ لَا تَقُلْ مَا لَا تَفْعَلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ لِعَدَمِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ وَأَنْتَ لَا يُمْكِنُك إلَّا الْوُقُوفَ عِنْدَهُ وَلَوْ لَمْ تَقِفْ لَمَنَعَك أَصْحَابُك وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ مُعَاذٍ فِي الْخَزْرَجِ فَأَمْرٌ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ. وَهَذَا مَخْلَصٌ حَسَنٌ هُدَانَا اللَّهُ لَهُ وَهُوَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَفِي آخَرِ كَلَامِ الدَّاوُدِيِّ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِهِ حَيْثُ قَالَ أَيْ لَا يَجْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمَهُ إلَيْك لَكِنْ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ مَا لَا يُرْضِي (فَإِنْ قُلْت) : هَذَا يُخَالِفُ مَا فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِهَذَا قَالَتْ «وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ» (قُلْت) : كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَرَاءَ حِجَابٍ وَمُنْزَعِجَةَ الْخَاطِرِ لِمَا دَهَمَهَا مِنْ الْخَطْبِ الْعَظِيمِ وَالِاخْتِلَاقِ الْجَسِيمِ عَلَيْهَا فَقَدْ يَقَعُ فِي فَهْمِهَا لِبَعْضِ مَا وَقَعَ مَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَرْجَحَ مِنْهُ. (فَإِنْ قُلْت) : نَزَّهْت سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِالتَّعَرُّضِ لِعَائِشَةَ (قُلْت) : حَاشَ لِلَّهِ مَا ذَكَرْته فِي عَائِشَةَ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ جَلَالَتِهَا، وَالْخَطَأُ جَائِزٌ عَلَى الْبَشَرِ لَا سِيَّمَا فِي الْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْمَقْصُودِ فَقَدْ يَقَعُ الْخَلَلُ فِي فَهْمِهِ وَقَدْ قَالَتْ هِيَ فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ «مَا كَذَبَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ وَلَا سِيَّمَا» وَلَيْسَ هَذَا خَطَأً فِي فَهْمِ كَلَامِ النُّبُوَّةِ وَلَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْآحَادِ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَدِيدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا لَا أَتَفَوَّهُ بِهِ. (فَإِنْ قُلْت) : وَهَذَا يُخَالِفُ فَهْمَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا انْزِعَاجٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْت لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا   Qقُلْت إنَّمَا انْتَصَرَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِكَلَامِ ابْنِ مُعَاذٍ وَسَاعَدَهُ عَلَى قَتْلِ الْقَائِلِ لِهَذَا الْكَلَامِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ وَقَالَ: إنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى قَتْلِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ شِدَّةُ نُصْرَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي طَلَبَ فِيهَا مَنْ يَعْذِرُهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَأَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُبَادَةَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ لِبَاطِنِهِ مُخْلَصٌ حَسَنٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَابَ عَنْ أُسَيْدٍ ذَلِكَ الْمُخْلَصُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَهُ وَأَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُبَادَةَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَكَمْ مِنْ لَفْظٍ يُنْكَرُ إطْلَاقُهُ عَلَى قَائِلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَهُ مُخْلَصٌ فَهَذَا مَا سَمَحَ بِهِ الْخَاطِرُ فِي تَنْزِيهِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُ أُسَيْدٍ لِسَعْدٍ «يَا مُنَافِقُ» . قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَمْثَالِهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ أُسَيْدًا إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ وَبَالَغَ فِي زَجْرِ سَعْدٍ وَلَمْ يُرِدْ النِّفَاقَ الَّذِي هُوَ إظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يُظْهِرُ لَهُ وَلِلْأَوْسِ مِنْ الْمَوَدَّةِ مَا يَقْتَضِي عِنْدَهُ أَنْ لَا يَقُولَ فِيهِمْ مَا قَالَ فَلَاحَ لَهُ أَنَّ بَاطِنَهُ فِيهِمْ خِلَافُ مَا ظَهَرَ وَالنِّفَاقُ فِي اللُّغَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى إظْهَارِ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ دِينًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجَلِ هَذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ سَمِعَ قَوْلَهُ هَذَا انْتَهَى. وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ إنْكَارَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَزْرَجِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْسِ وَجَزْمُهُ بِقَتْلِ الْقَائِلِ إنْ كَانَ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَرَادَ أَنَّك تَفْعَلُ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُرِدْ النِّفَاقَ الْحَقِيقِيَّ. [فَائِدَة الْمُبَادَرَةُ إلَى قَطْعِ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ] 1 (السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَثَارَ الْحَيَّانِ:» هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ تَنَاهَضُوا لِلنِّزَاعِ وَالْعَصَبِيَّةِ كَمَا قَالَتْ «حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا» وَقَوْلُهَا «فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ:» فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَطْعِ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَتَسْكِينِ الْغَضَبِ. . [فَائِدَة ابْتِدَاءُ الْخُطَبِ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ] (الثَّامِنَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ وَبَكَيْت يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ بَكَيْت لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لَا يُرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي قَالَتْ فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْت لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إلَيْهِ: فِي شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْت بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُك اللَّهُ، وَإِنْ كُنْت أَلْمَمْت   Qوَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ جَلَسَ:» فِيهِ ابْتِدَاءُ الْخُطَبِ وَالْكَلَامِ الْمُهِمِّ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ (التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا: «ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا:» فِيهِ أَنَّ الْخَطِيبَ وَالْمُتَكَلِّمَ بِالْمُهِمِّ يَأْتِي بَعْدَ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَهِيَ أَمَّا بَعْدُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ وَأَصْلُهُ بَعْدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنَّهُ إلَى آخِرِ الْكَلَامِ وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَجَمَعَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ أَوْرَاقًا وَقَوْلُهُ «كَذَا وَكَذَا:» هُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ مِنْ الْإِفْك، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَذَا وَكَذَا يُكَنَّى بِهِ عَنْ الْأَحْوَالِ كَمَا يُكَنَّى بِهِ عَنْ الْأَعْدَادِ. [فَائِدَة التَّوْبَة وَالْحَثُّ عَلَيْهَا] 1 (الْخَمْسُونَ) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ:» مَعْنَاهُ فَعَلْت ذَنْبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لَك بِعَادَةٍ، وَهَذَا أَصْلُ اللَّمَمِ وَهُوَ مِنْ الْإِلْمَامِ وَهُوَ النُّزُولُ النَّادِرُ غَيْرُ الْمُتَكَرِّرِ وَمِنْهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ ثُمَّ تُوبِي إلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْت لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قَالَ، فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فَقُلْت وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَاَللَّهِ لَقَدْ عَرَفْت أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْت لَكُمْ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْت لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ تُصَدِّقُونِي وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ   Qقَوْلُهُ: مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا أَيْ مَتَى يَقَعُ مِنْك هَذَا النَّادِرُ وَقَوْلُهُ «فَاسْتَغْفِرِي: اللَّهَ ثُمَّ تُوبِي إلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ:» فِيهِ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا، وَفِيهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِرَافِ لَا يُغْنِي عَنْ التَّوْبَةِ بَلْ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ مُتَفَصِّلًا نَادِمًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاعْتِرَافَ بِذَلِكَ لِلنَّاسِ بَلْ الِاعْتِرَافُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِالسَّتْرِ وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ إنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِنَّ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الِاعْتِرَافُ بِمَا يَكُونُ مِنْهُنَّ إذْ لَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ إمْسَاكُهُنَّ وَهُنَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَرْدُودٌ وَقَدْ رَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ مُنَزَّهَاتٌ عَنْ صُدُورِ الْفَاحِشَةِ مِنْهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة تَفْوِيضُ الْكَلَامِ إلَى الْكِبَارِ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهَا «فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي:» هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ أَيْ ارْتَفَعَ وَقَدْ أَوْضَحَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا «حَتَّى مَا أَحُسُّ مِنْهُ قَطْرَةً:» وَذَلِكَ لِاسْتِعْظَامِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] قَالَتْ ثُمَّ تَحَوَّلْت فَاضْطَجَعْت عَلَى فِرَاشِي قَالَتْ وَأَنَا وَاَللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَاَللَّهُ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاَللَّهِ مَا كُنْت أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحَيٌّ يُتْلَى وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ فَوَاَللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ   Qمَا بَغَتَهَا مِنْ الْكَلَامِ، فَإِنَّ الْحُزْنَ قَدْ انْتَهَى نِهَايَتَهُ وَبَلَغَ غَايَتَهُ وَلَمَّا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى ذَلِكَ جَفَّ الدَّمْعُ وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ عَيْنَيَّ شُحَّا أَوْ لَا تَشُحَّا ... جَلَّ مُصَابِي عَنْ الدَّوَاءِ أَنَّ الْأَسَى وَالْبُكَا جَمِيعًا ... ضِدَّانِ كَالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ (الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهَا لِأَبَوَيْهَا «أَجِيبَا عَنِّي:» فِيهِ تَفْوِيضُ الْكَلَامِ إلَى الْكِبَارِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِهِ وَاللَّائِقِ بِالْمَوَاطِنِ مِنْهُ وَأَبَوَاهَا يَعْرِفَانِ حَالَهَا وَأَمَّا قَوْلُ أَبَوَيْهَا «لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ» فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي سَأَلْتهمَا عَنْهُ لَا يَقِفَانِ مِنْهُ عَلَى زَائِدٍ عَلَى مَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِهَا وَالسَّرَائِرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْعَاقُولِيِّ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا بُنَيَّةَ وَكَيْفَ أَعْذُرُك بِمَا لَا أَعْلَمُ وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إذَا قُلْت مَا لَا أَعْلَمُ،. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا لَمَّا أُنْزِلَ عُذْرُهَا قَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهَا فَقَالَتْ أَلَا عَذَرْتَنِي فَقَالَ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَك فَقَالَتْ لِي أُمِّي قَوْمِي إلَيْهِ فَقُلْت وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ إلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إلَّا اللَّهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] عَشْرَ آيَاتٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ وَاَللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ   Qإنْ قُلْت مَا لَا أَعْلَمُ. . [فَائِدَة الِاسْتِشْهَادِ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ] (الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) : فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ لِقَوْلِهَا مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ جَمِيلٌ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَكَذَا فِي رِوَايَتِنَا «صَبْرٌ جَمِيلٌ» بِدُونِ فَاءٍ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ بِالْفَاءِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] قَالُوا وَلَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ فِي حُكْمِ الِانْفِصَالِ، فَإِنَّهُ كَلِمَةٌ مُفْرَدَةٌ وَقَوْلُهُ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَخْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَمْرِي أَوْ صَبْرِي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. [فَائِدَة فِيمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ] 1 (الرَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهَا «وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بِأَمْرٍ يُتْلَى» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ وَالْمَنْزِلَةِ احْتِقَارُ أَنْفُسِهِمْ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إلَى أَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَتَحْوِيرِ النَّظَرِ إلَى لُطْفِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَكَرْمِهِ وَقَدْ اغْتَرَّ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهَّالِ بِالْأَعْمَالِ فَلَاحَظُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَيْنِ اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَاتِ وَإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] إلَى {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَّعَ إلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ   Qبِلِقَائِهِمْ وَيُغْتَنَمُ صَالِحُ دُعَائِهِمْ وَأَنَّهُ يَجِبُ احْتِرَامُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ لَهُمْ مِنْ الْمَكَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ بِحَيْثُ يَنْتَقِمُ لَهُمْ مِمَّنْ يَنْتَقِصُهُمْ فِي الْحَالِ، وَأَنْ يَأْخُذَ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ، وَهَذِهِ كُلُّهَا نَتَائِجُ الْجَهْلِ. (الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهَا «مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسَهُ:» أَيْ مَا فَارَقَهُ يُقَالُ رَامَهُ يَرِيمُهُ رَيْمًا أَيْ بَرِحَهُ وَلَازَمَهُ وَأَمَّا رَامَ بِمَعْنَى طَلَبَ فَيُقَالُ مِنْهُ رَامَ يَرُومُ رَوْمًا. (السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهَا «فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ:» هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَهِيَ الشِّدَّةُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا بَرْحٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَقَوْلُهَا «حَتَّى إنَّهُ لَيَتَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ:» مَعْنَى «لَيَتَحَدَّرُ:» لَيَتَصَبَّبُ وَهُوَ بِالتَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِهَا وَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّا لَوْ قِيلَ لَيَنْحَدِرُ بِالنُّونِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِهَا وَ «الْجُمَانُ:» بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ نُونٌ هُوَ الدُّرُّ شَبَّهَتْ قَطَرَاتِ عَرَقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَبَّاتِ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّفَاءِ وَالْحُسْنِ وَقَوْلُهَا «فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:» بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلَ. . [فَائِدَة تَبْشِير مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ بَلِيَّةٌ] 1 (السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ:» فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ لِتَبْشِيرِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ بَلِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ. . [فَائِدَة بَرَاءَةُ عَائِشَةَ مِنْ الْإِفْكِ] (الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهُ «أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَك:» أَيْ بِمَا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَصَارَتْ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ الْإِفْكِ بَرَاءَةً قَطْعِيَّةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَوْ شَكَّ فِيهَا إنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَلْ يَكُونُ قَذْفُهَا كُفْرًا فِيهِ قَوْلَانِ فَمَنْ قَالَ بِالتَّكْفِيرِ نَظَرَ إلَى مَا فِيهِ مِنْ أَذَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ لَمْ يَرَ فِيهِ مُخَالَفَةَ قَاطِعٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ لَمْ تَزْنِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - قَطُّ، وَهَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْت أَوْ مَا رَأَيْت قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاَللَّهِ مَا عَلِمْت إلَّا خَيْرًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ»   Qإكْرَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ. (التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) : قَوْلُهَا «فَقَالَتْ لِي أُمِّي قَوْمِي إلَيْهِ، فَقُلْت وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ إلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إلَّا اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي:» مَعْنَاهُ قَالَتْ لَهَا أُمُّهَا قَوْمِي فَاحْمَدِيهِ وَقَبِّلِي رَأْسَهُ وَاشْكُرِيهِ لِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي بَشَّرَك بِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا قَالَتْ إدْلَالًا عَلَيْهِمْ وَعَتَبًا لِكَوْنِهِمْ شَكُّوا فِي حَالِهَا مَعَ عِلْمِهِمْ بِحُسْنِ طَرَائِقِهَا وَجَمِيلِ أَحْوَالِهَا وَارْتِفَاعِهَا عَنْ هَذَا الْبَاطِلِ الَّذِي افْتَرَاهُ قَوْمٌ ظَالِمُونَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ وَلَا شُبْهَةَ فِيهِ قَالَتْ: وَإِنَّمَا أَحْمَدُ رَبِّي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي وَأَنْعَمَ عَلَيَّ بِمَا لَمْ أَكُنْ أَتَوَقَّعُهُ كَمَا قَالَتْ «وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بِأَمْرٍ يُتْلَى:» . . [فَائِدَة فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ] 1 (السِّتُّونَ) : قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] أَيْ لَا يَحْلِفُ الْأَوْلِيَةُ الْحَلِفَ يُقَالُ آلَى يُولِي وَائْتَلَى يَأْتَلِي بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَالْفَضْلُ هُنَا الْمَالُ وَالسَّعَةُ فِي الْعَيْشِ وَالرِّزْقِ (قُلْت) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَضْلِ الْإِفْضَالُ وَالْإِعْطَاءُ وَالتَّصْدِيقُ، وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يَلِيقُ بِالسَّعَةِ وَيُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ، قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] الْآيَةُ انْتَهَى. وَلَوْ أُرِيدَ بِالْفَضْلِ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ فَضِيلَةٌ لَهُ. . [فَائِدَة صِلَة الْأَرْحَامِ] 1 (الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ) : فِيهِ اسْتِحْبَابُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَإِنْ كَانُوا مُسِيئِينَ وَالْعَفْوُ وَالصَّفْحُ عَنْ الْمُسِيءِ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ. [فَائِدَة فَضِيلَةٌ لِزَيْنَبِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ] (الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ) : قَوْلُ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي:» أَيْ أَصُونُ سَمْعِي مِنْ أَنْ أَقُولَ سَمِعْت وَلَمْ أَسْمَعْ وَبَصَرِي مِنْ أَنْ أَقُولَ أَبْصَرْت وَلَمْ أُبْصِرْ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَحْمِيهِمَا مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ بِذَلِكَ (الثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ) : قَوْلُهَا «وَهِيَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا مَا انْتَهَى إلَيْنَا مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ «وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهِ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ وَحَسَّانُ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ وَحَمْنَةُ:» وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ «لَمَّا نَزَلَ   Qالَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي:» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تُفَاخِرُنِي وَتُضَاهِينِي بِجَمَالِهَا وَمَكَانَتِهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مُفَاعِلَةٌ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِزَيْنَبِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. (الرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ) : قَوْلُهَا «وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ» هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَ (طَفِقَ) : مِنْ أَفْعَالِ الشُّرُوعِ وَالْمَشْهُورُ كَسْرُ فَائِهِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَقَوْلُهَا «تُحَارِبُ لَهَا:» أَيْ تَتَعَصَّبُ لَهَا فَتَحْكِي مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِفْكِ نُصْرَةً لِأُخْتِهَا لِتَعْلُوَ مَنْزِلَتُهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَائِشَةَ وَقَوْلُهَا «فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ:» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ حُدَّتْ حَدَّ الْقَذْفِ فِيمَنْ حُدَّ انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْهَلَاكِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ الْإِثْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ) : هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ هِيَ عِنْدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَوْلُهَا «وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ وَحَسَّانُ:» يَجُوزُ رَفْعُ مِسْطَحٍ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى اسْمِيَّةِ كَانَ وَنَصْبُهَا عَلَى الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى مُسْتَقِيمٌ عَلَيْهِمَا مَعًا وَقَدْ ضَبَطَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِالْوَجْهِ الثَّانِي «وَقَوْلُهَا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ:» هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَسْتَخْرِجُهُ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ ثُمَّ يُفْشِيهِ وَيُشِيعُهُ وَيُحَرِّكُهُ وَلَا يَدَعُهُ يَخْمُدُ يُقَالُ فُلَانٌ يَسْتَوْشِي فَرَسَهُ أَيْ يَطْلُبُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْجَرْيِ وَيَسْتَخْرِجُهُ. . [فَائِدَة إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْعَارِفِينَ] 1 (السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ) : وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا «فَلَمَّا نَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ» عَزَاهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 عُذْرِي قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ وَتَلَا يَعْنِي الْقُرْآنَ فَلَمَّا نَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ أَمَرَ بِالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَةِ فَضُرِبُوا حَدَّهُمْ:» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (قُلْت) : فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ تَصْرِيحُ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيثِ.   Qعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَبَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ تَصْرِيحُ ابْنِ إِسْحَاقَ بِالتَّحْدِيثِ فَزَالَ بِذَلِكَ مَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ قَبُولُ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَّا أَنَّهُ مُدَلِّسٌ، فَإِذَا صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ كَانَ حَدِيثُهُ مَقْبُولًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ مُرْسَلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «فَأَمَرَ بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِالْفَاحِشَةِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ» قَالَ النُّفَيْلِيُّ وَيَقُولُونَ: الْمَرْأَةُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَفِي كِتَابِ الطَّحَاوِيِّ «ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ:» (السَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ) : قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِيهِ إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْعَارِفِينَ قِيلَ وَفِيهِ تَرْكُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ مَنَعَةٌ وَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ إقَامَتِهِ تَفْرِيقُ كَلِمَةٍ وَظُهُورُ فِتْنَةٍ كَمَا لَمْ يُحَدَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَكَانَ رَأْسُ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَمُتَوَلِّيَ كِبْرَهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «كَانَ يُشَاعُ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْمَعُهُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ وَيَسْتَوْشِيهِ» وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ عِنْدَ الْجَمِيعِ حَتَّى يَقْذِفَ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّ ابْنَ أُبَيٍّ لَمْ يُحَدَّ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ عَدُوُّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا عَظِيمًا فَلَوْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا لَكَانَ نَقْصًا مِنْ عَذَابِهِ الْأُخْرَوِيِّ وَتَخْفِيفًا عَنْهُ وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ شَهِدَ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ وَبِكَذِبِ كُلِّ مَنْ رَمَاهَا فَقَدْ حَصَلَتْ فَائِدَةُ الْحَدِّ أَوْ مَقْصُودُهُ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَبَرَاءَةِ الْمَقْذُوفِ كَمَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ عَنْ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنِّي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْت أَنْ أَقُولَهَا لَك زَعَمُوا أَنَّك غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُ دِينَهُ وَإِنِّي لَا أَسْتَخْلِفُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ   Qقَالَ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَإِنَّمَا حُدَّ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ لِيُكَفَّرَ عَنْهُمْ إثْمُ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ الْقَذْفِ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْهِمْ تَبِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُدُودِ إنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ» وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ حَدَّهُ اسْتِئْلَافًا لِقَوْمِهِ وَاحْتِرَامًا لِابْنِهِ وَإِطْفَاءً لِثَائِرَةِ الْفِتْنَةِ الْمُنْدَفِعَةِ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. (قُلْت) : لَمَّا تَوَقَّفَ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى طَلَبِ الْمَقْذُوفِ سَهُلَ الْخَطْبُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تُقَامُ وَلَا بُدَّ فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ تَصْرِيحُ ابْنِ أُبَيٍّ بِالْقَذْفِ لَمْ تُطَالِبْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالْحَدِّ إمَّا لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَإِمَّا لِطَلَبِ تَغْلِيظِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْرِيرِ طَلَبِ عَائِشَةَ حَدَّ الْمَحْدُودِينَ لِمَا بَيِّنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُقَامُ إلَّا بِطَلَبِ مُسْتَحِقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ] [حَدِيث إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُ دِينَهُ وَإِنِّي لَا أَسْتَخْلِفُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَخْلِفْ] بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْإِمَارَةِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ «عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنِّي سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْت أَنْ أَقُولَهَا لَك، زَعَمُوا أَنَّك غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُ دِينَهُ وَإِنِّي إنْ لَا أَسْتَخْلِفُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ اسْتَخْلَفَ قَالَ، فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ اسْتَخْلَفَ، قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْدِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ» زَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: زَعَمُوا أَنَّك غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ (وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَك رَاعِي إبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمَّ إنَّهُ جَاءَك وَتَرَكَهَا، رَأَيْت أَنْ قَدْ ضَيَّعَ، فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ، قَالَ فَوَافَقَهُ قَوْلِي) : وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ (وَدِدْت أَنِّي نَجَوْت مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا) :.   Qإلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْدِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ:» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ بَعْدَ قَوْلِهِ (زَعَمُوا أَنَّك غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَك رَاعِي إبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمَّ أَنَّهُ جَاءَك وَتَرَكَهَا رَأَيْت أَنْ قَدْ ضَيَّعَ فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ؛ قَالَ فَوَافَقَهُ قَوْلِي) : وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ (حَضَرْت أَبِي حِينَ أُصِيبَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَقَالُوا جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا فَقَالَ رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ فَقَالُوا اسْتَخْلَفَ فَقَالَ أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا لَوَدِدْت أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي) : وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ، لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ (وَدِدْت بِأَنِّي نَجَوْت مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا) :. (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ (فَآلَيْت) : أَيْ حَلَفْت وَفِيهِ تَلَطُّفٌ مَعَهُ لِهَيْبَتِهِ وَأَنَّهُ لَوْلَا تَوَرُّطُهُ فِي الْيَمِينِ لَمَا جَسَرَ عَلَيْهِ بِمُخَاطَبَتِهِ فِي ذَلِكَ (الثَّالِثَةُ) : إنْ قُلْت كَيْفَ يَجْتَمِعُ قَوْلُهُ (فَوَافَقَهُ قَوْلِي) : مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا قَالَ (قُلْت) : لَمَّا وَافَقَهُ قَوْلُهُ وَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةَ لِيَتَرَوَّى فِي ذَلِكَ فَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ بَعْدَ التَّرَوِّي عَلَى أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ صَالِحٌ وَإِنَّ تَرْكَهُ أَرْجَحُ لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَتَرْكُهُ وَعَلَى انْعِقَادِ الْخِلَافَةِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالِاسْتِخْلَافِ وَعَلَى انْعِقَادِهَا بِعَقْدِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِإِنْسَانٍ إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ الْخَلِيفَةُ وَعَلَى جَوَازِ جَعْلِ الْخَلِيفَةُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالسِّتَّةِ. [فَائِدَة وُجُوب الْخِلَافَةِ] 1 (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ «وَإِنِّي إنْ لَا أَسْتَخْلِفُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَخْلِفْ:» قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ يُسَمِّ رَجُلًا بِعَيْنِهِ لِلْخِلَافَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَلَمْ يُرْشِدْ إلَيْهِ وَأَهْمَلَ الْأَمْرَ بِلَا رَاعٍ يَرْعَاهُمْ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فَكَانَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِإِمَامٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَلِذَلِكَ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْضُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ دَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ حَتَّى أَحْكَمُوا أَمْرَ الْبَيْعَةِ وَنَصَّبُوا أَبَا بَكْرٍ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَانَ فِعْلُهُمْ صَادِرًا عَنْهُ وَمُضَافًا إلَيْهِ. وَذَلِكَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ الْخِلَافَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إمَامٍ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ وَيُمْضِي فِيهِمْ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَرْدَعُهُمْ عَنْ الشَّرِّ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ التَّظَالُمِ وَالتَّفَاسُدِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَضِيَّةُ مَوْتِهِ وَنَصْبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمِيرًا بَعْدَ أَمِيرٍ، وَهَذَا اتِّفَاقُ الْأَمَةِ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إلَّا الْخَوَارِجُ وَالْمَارِقَةُ الَّذِينَ شَقُّوا الْعَصَا وَخَلَعُوا رِبْقَةَ الطَّاعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْأَصَمِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ نَصْبُ خَلِيفَةٍ فَبَاطِلٌ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي بَقَاءِ الصَّحَابَةِ بِلَا خِلَافَةٍ فِي مُدَّةِ التَّشَاوُرِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَأَيَّامَ الشُّورَى بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ لِنَصْبِ الْخَلِيفَةِ بَلْ كَانُوا سَاعِينَ فِي النَّظَرِ فِيمَنْ يُعْقَدُ لَهُ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ نَصْبَ الْخَلِيفَةِ وَاجِبٌ بِالْعَقْلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَفَسَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنُهُ وَلَا يُقَبِّحُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا بِذَاتِهِ. (الْخَامِسَةُ) : قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنُصَّ عَلَى خَلِيفَةٍ وَهُوَ إجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَخَالَفَ بَكْرُ بْنُ أُخْتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَزَعَمَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ نَصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ؛ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ وَالرَّافِضَةُ عَلَى عَلِيٍّ، وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ وَجَسَارَةٌ عَلَى الِافْتِرَاءِ وَوَقَاحَةٌ فِي مُكَابَرَةِ الْحِسِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى تَنْفِيذِ عَهْدِهِ إلَى عُمَرَ وَعَلَى تَنْفِيذِ عَهْدِ عُمَرَ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْت أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدَيْ لَيُرَوِّحَنِّي فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، قَالَ فَأَتَانِي ابْنُ الْخَطَّابِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ فَأَخَذَهَا فَلَمْ يَنْزِعْ لَهُ رَجُلٌ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ:» .   Qالشُّورَى وَلَمْ يُخَالِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَلَمْ يَدْعُ عَلِيٌّ وَلَا الْعَبَّاسُ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَصِيَّةً فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَات وَقَدْ اتَّفَقَ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ عَلَى جَمِيعِ هَذَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ ذِكْرِ وَصِيَّةٍ لَوْ كَانَتْ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَصِيَّةٌ فَقَدْ نَسَبَ الْأَمَةَ إلَى اجْتِمَاعِهَا عَلَى الْخَطَأِ وَاسْتِمْرَارِهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَنْ يَنْسِبَ الصَّحَابَةَ إلَى الْمُوَاطَأَةِ عَلَى الْبَاطِلِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ لَنُقِلَ، فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ انْتَهَى. (قُلْت) : لَمْ يَقَعْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا إشَارَاتٌ لَا تَنْصِيصَ فِيهَا (مِنْهَا) : تَقْدِيمُهُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ أَحَدُ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى وَ (قَوْلُ) : «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ» وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِدُنْيَانَا وَ (مِنْهَا) : قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ لَمَّا قَالَتْ لَهُ أَرَأَيْت إنْ لَمْ أَجِدْك تَعْنِي الْمَوْتَ ائْتِ أَبَا بَكْرٍ» . (السَّادِسَةُ) : قَوْلُهُ (فَعَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ) : أَيْ عَلَى التَّعْيِينِ لَكِنَّهُ لَمْ يُهْمِلْ الْأَمْرَ وَلَمْ يُبْطِلْ الِاسْتِخْلَافَ بَلْ جَعَلَهُ شُورَى فِي قَوْمٍ مَعْدُودِينَ لَا يَعْدُوهُمْ فَكُلُّ مَنْ قَامَ بِهَا مِنْهُمْ كَانَ رِضًى وَلَهَا أَهْلًا فَاخْتَارُوا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَقَدُوا لَهُ الْبَيْعَةَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْت أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْت أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدَيَّ لَيُرَوِّحَنِّي فَنَزَعَ دَلْوَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ قَالَ فَأَتَانِي ابْنُ الْخَطَّابِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ فَأَخَذَهَا فَلَمْ يَنْزِعْ رَجُلٌ نَزْعَهُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ وَأَبِي يُونُسَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ «أَنْزِعُ:» بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ أَسْقِي وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ وَقَوْلُهُ «عَلَى حَوْضٍ:» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «عَلَى قَلِيبٍ» وَهِيَ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ يُسَمَّى الْقَلِيبُ حَوْضًا، فَإِنَّ الْحَوْضَ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ. (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدَيَّ لَيُرَوِّحَنِّي:» قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نِيَابَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ وَخِلَافَتُهُ بَعْدَهُ وَرَاحَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَفَاتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ:» وَ «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ:» . «وَلَا كَرْبَ عَلَى أَبِيك بَعْدَ الْيَوْمَ:» وَالدَّلْوُ فِيهِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ. (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ «فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ:» الذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى مِقْدَارِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَتْ سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا قَوْلُهُ «وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ:» هُوَ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَطٌّ مِنْ فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا إثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعُمَرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَكَثْرَةُ انْتِفَاعِ النَّاسِ وَفِي وِلَايَةِ عُمَرَ لِطُولِهَا وَلِاتِّسَاعِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِهِ وَالْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا وَكَثْرَةِ الْغَنَائِمِ وَالْفُتُوحَاتِ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الَّذِي مَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ. . [فَائِدَة خِلَافَة أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَحُسْن سِيرَتِهِمَا] 1 (الْخَامِسَةُ) : قَوْلُهُ «فَأَتَانِي ابْنُ الْخَطَّابِ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ:» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ مَقُولٌ فِي الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَنْقِيصٌ لِمَنْ قِيلَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا إشَارَةٌ إلَى ذَنْبٍ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُدَعِّمُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ وَنِعْمَتْ الدِّعَامَةُ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَهَا افْعَلْ كَذَا وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَك؛ وَهَذَا كَعَادَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ تَرِبَتْ يَمِينُهُ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا إخْبَارٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ وَجَازَاهُ عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ الْأَمَةِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمَّا رَأَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُدَّةَ الصِّدِّيقِ قَصِيرَةً قَالَ «وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ:» أَيْ يَرْضَى عَنْهُ فَيُعْطِيهِ ثَوَابَ طُولِ مُدَّةٍ وَأَكْثَرَ عَمَلٍ وَكَيْفَ تَكُونُ مُدَّتُهُ قَصِيرَةً وَمُدَّةُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَلِكَ الْوُلَاةُ الْعُدُولُ بَعْدَهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالسَّادِسَةُ) : قَوْلُهُ «فَلَمْ يَنْزِعْ رَجُلٌ» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَلَمْ يَنْزِعْ رَجُلٌ نَزْعَهُ وَكَذَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ. (السَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ «حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ» أَيْ أَعْرَضُوا عَنْ أَخْذِ الْمَاءِ لِفَرَاغِ حَوَائِجِهِمْ وَاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهُ وَقَوْلُهُ «وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ:» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. (الثَّامِنَةُ) : قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْمَقَامُ مِثَالٌ وَاضِحٌ لِمَا جَرَى لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي خِلَافَتِهِمَا وَحُسْنِ سِيرَتَهُمَا وَظُهُورِ آثَارِهِمَا وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَرَكَتِهِ وَآثَارِ صُحْبَتِهِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ صَاحِبُ الْأَمْرِ فَقَامَ بِهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَقَرَّرَ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَهَّدَ أُمُورَهُ وَأَوْضَحَ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دَيْنِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] ثُمَّ تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا وَحَصَلَ فِي خِلَافَتِهِ قِتَالُ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَطْعُ دَابِرِهِمْ وَاتِّسَاعُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَخَلَفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِ وَتَقَرَّرَ لَهُمْ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا لَمْ يَقَعْ مِثْلُهُ فَعَبَّرَ بِالْقَلِيبِ عَنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ حَيَاتُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَشَبَّهَ أَمِيرَهُمْ بِالْمُسْتَقِي لَهُمْ وَسَقْيُهُ هُوَ قِيَامُهُ بِمَصَالِحِهِمْ وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ وَفِي هَذَا إعْلَامٌ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَصِحَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَبَيَانِ صِفَتِهِمَا وَانْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْعَرَبِيُّ الْمَاءُ خَيْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْضَافَ إلَيْهِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ غَالِبِ أَمْرِهِ أَوْ عَنْ وَضْعِهِ فِي أَصْلِهِ وَالدَّلْوُ آلَةٌ مِنْ آلَاتِهِ ضُرِبَ فِي الْمَنَامِ مَثَلًا لِلْحَظِّ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ لَنَا وَلَيْسَ تَقْدِيرُهُ بِالدَّلْوِ دَلِيلًا عَلَى صِغَرِ الْحَظِّ وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِهِ عِبَارَةً عَنْ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِي الدَّلْوِ وَإِلَّا فَحَظُّنَا فِي الْخَيْرِ يَمْلَأُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْبَرُ. (التَّاسِعَةُ) : الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ «حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ» عَائِدٌ إلَى خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَاصَّةَ وَقِيلَ يَعُودُ إلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ بِنَظَرِهِمَا وَتَدْبِيرِهِمَا وَقِيَامِهِمَا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَمَعَ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَجَمَعَ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَلَّفَهُمْ وَابْتَدَأَ الْفُتُوحَ وَمَهَّدَ الْأُمُورَ وَتَمَّتْ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ وَتَكَامَلَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» .   Q (الْعَاشِرَةُ) : وَفِي قَوْلِهِ «يَتَفَجَّرُ:» إشَارَةٌ إلَى اسْتِمْرَارِ بَقَاءِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَزِيَادَةِ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مُتَّصِلَةً بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَذَلِكَ كَانَ. . [حَدِيث النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقُرَيْشٍ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَعَلَى هَذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَكَذَلِكَ بَعْدَهُمْ وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ أَوْ عَرَضَ بِخِلَافٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ قُرَشِيًّا هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ عَدَّهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ فِيهَا قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ قَالَ وَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِ النَّظَّامِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَلَا بِسَخَافَةِ ضِرَارَ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ إنَّ غَيْرَ الْقُرَشِيِّ مِنْ النَّبَطِ وَغَيْرِهِمْ يُقَدَّمُ عَلَى الْقُرَشِيِّ لِهَوَانِ خَلْعِهِ إنْ عُرِضَ مِنْهُ أَمْرٌ. وَهَذَا الَّذِي قَالَ مِنْ بَاطِلِ الْقَوْلِ وَزُخْرُفِهِ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قُرَشِيٌّ مُسْتَجْمِعُ الشُّرُوطِ فَكِنَانِيٌّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ مُسْتَجْمِعُ الشَّرَائِطِ فَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ إنَّهُ يُوَلَّى رَجُلٌ مِنْ الْعَجَمِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُوَلَّى جُرْهُمِيٌّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَجُرْهُمٌ أَصْلُ الْعَرَبِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ جُرْهُمِيٌّ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) : وَهَذَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ كَعَادَتِهِمْ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَقَعُ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ:» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ:» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ آخِرَ الدُّنْيَا مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ وَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْ زَمَنِهِ إلَى الْآنَ الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ مِنْ غَيْرِ مُزَاحِمَةٍ لَهُمْ فِيهَا وَتَبْقَى كَذَلِكَ مَا بَقِيَ اثْنَانِ كَمَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت) : وَالْمُتَغَلَّبُونَ عَلَى النَّظَرِ فِي أُمُورِ الرَّغْبَةِ بِطَرِيقِ الشَّوْكَةِ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُمْ وَلَمَّا تَغَلَّبَ الْعُبَيْدِيُّونَ عَلَى الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْمَغْرِبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَادَّعُوا الْخِلَافَةَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنْ طَعَنَ غَيْرُهُمْ فِي نَسَبِهِمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُونُوا خُلَفَاءَ الْجَمَاعَةِ فَمَا كَانَتْ خِلَافَةُ الْجَمَاعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بِبَغْدَادَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا خَبَرٌ عَنْ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَيْ لَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ الْكُبْرَى إلَّا لَهُمْ مَهْمَا وُجِدَ مِنْهُمْ أَحَدٌ انْتَهَى. وَهَذَا صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ:» هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ:» وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ رُؤَسَاءَ الْعَرَبِ وَأَصْحَابَ حَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَهْلِ حَجِّ بَيْتِ اللَّهِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِمْ أَهْلَ اللَّهِ وَانْتَظَرُوا إسْلَامَهُمْ فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفُتِحَتْ مَكَّةُ تَبِعَهُمْ النَّاسُ وَجَاءَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دَيْنِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ هُمْ أَصْحَابُ الْخِلَافَةِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ هَذَا فِي أَمْرِ الْجَوْرِ وَالْأَئِمَّةِ الْمُصَلِّينَ وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الْكُفْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ حَالَتِهِمْ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا أَشْرَافَ النَّاسِ وَقَادَتِهِمْ. [فَائِدَة إمَامَة الشَّافِعِيِّ وَتَقْدِيمه عَلَى غَيْرِهِ] 1 (الرَّابِعَةُ) : قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَوْلِهِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تُقَدِّمُوهَا وَتَعْلَمُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا تُعَلِّمُوهَا:» عَلَى إمَامَةِ الشَّافِعِيِّ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذْ الْمُرَادُ بِالْأَئِمَّةِ هُنَا الْخُلَفَاءُ وَكَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» . .   Q «وَلِتَقْدِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَالِمًا مَوْلَى بْنِ حُذَيْفَةَ يُؤَمُّ فِي مَسْجِدِ قَبَاءَ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَتَقْدِيمُهُ زَيْدًا وَابْنَهُ أُسَامَةَ وَمُعَاذًا وَغَيْرَ وَاحِدٍ وَقُرَيْشٌ مَوْجُودُونَ» وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي التَّعْلِيمِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّعْلِيمِ مِنْ غَيْرِ قُرَشِيٍّ وَمِنْ الْمَوَالِي وَتَعَلُّمُ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ وَتَعَلُّمُ الشَّافِعِيِّ مِنْ مَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ وَابْنِ أَبِي يَحْيَى وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ حُجَّةٌ فِي مَزِيَّةَ قُرَيْشٍ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ قُرَشِيٌّ (قُلْت) : قَدْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى فَضْلِ قُرَيْشٍ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ ظَاهِرٌ لَا يُنْكَرُ وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْفَضْلُ وَالتَّقَدُّمُ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَضْلِ وَالتَّقَدُّمِ وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ أَيْضًا الْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْوَرَعُ وَالسُّنَنُ وَغَيْرُهَا فَالْمُسْتَوِيَانِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ إذَا تَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِهِ قُرَشِيًّا كَانَ ذَلِكَ مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى الْآخَرِ فَمَقْصُودُهُمْ دَلَالَةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى تَقْدِيمِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ سَاوَاهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِكَوْنِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُنْكَرُ وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِهَذَا صَحِبَتْهُ غَفْلَةٌ قَارَنَهَا مِنْ تَصْمِيمِ التَّقْلِيدِ طَيْشَةٌ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْغَفْلَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ مُنْكَرِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ غَفَلَ عَنْ مُرَادِ الْمُسْتَنْبِطِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَغْزَاهُ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ صَمَّمَ عَلَى تَقْلِيدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه، وَمِنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَا اللَّه، وَمِنْ يُطِعْ الْأَمِير فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمِنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ وَأَبِي عَلْقَمَةَ وَأَبِي يُونُسَ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «أَمِيرِي:» بَدَل «الْأَمِيرَ:» . (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ:» مُنْتَزِعٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا كَانَ مُبَلِّغًا أَمْرَ اللَّهِ وَحُكْمِهِ، أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَفَّذَ حُكْمَهُ وَقَوْلُهُ «وَمَنْ يَعْصِنِي:» فِي مَعْنَاهُ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] . [فَائِدَة طَاعَة وُلَاةِ الْأُمُورِ] 1 (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي:» فِيهِ وُجُوبُ طَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الطَّاعَةُ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ:» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُقَيِّدٌ لِوُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّبَبُ فِي الْأَمْرِ بِطَاعَتِهِمْ اجْتِمَاعُ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ سَبَبٌ لِفَسَادِ أَحْوَالِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَيُسْتَنْتَجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ؛ لِأَنَّهُ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ فَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ وَأَنِفَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْنَفُونَ مِنْ الطَّاعَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْنَفُ مِنْ الطَّاعَةِ لِلْأُمَرَاءِ فَلَمَّا أَطَاعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ الْأُمَرَاءِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِأُولِي الْأَمْرِ الْأُمَرَاءُ وَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أَشْهُرُهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: هَذَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ الْعُلَمَاءُ وَلَهُ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ أَنْ يَأْمُرُوا بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ وَكَذَلِكَ كَانَ أُمَرَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَئِذٍ تَجِبُ طَاعَتُهُمْ فَلَوْ أَمَرُوا بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ حُرِّمَتْ طَاعَتُهُمْ، فَإِذَا الْحُكْمُ لِلْعُلَمَاءِ وَالْأَمْرُ لَهُمْ بِالْأَصَالَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَهُمْ الْفُتْيَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ وَلِلْأَمِيرِ الْفُتْيَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْجَبْرُ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالدَّعَاوَى) (بَابُ تَسْجِيلِ الْحَاكِمِ عَلَى نَفْسِهِ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» .   Qالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى «أَمِيرِي» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ بَاشَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِلَايَتَهُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَكُلُّ أَمِيرٍ لِلْمُسْلِمِينَ عَدْلٌ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «الْأَمِيرُ» وَتَخْصِيصُ أَمِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ وَقْتَ الْخِطَابِ؛ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ وُرُودِ الْحَدِيثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُرَادَ بِذَلِكَ تَخْصِيصُ مَنْ بَاشَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالتَّوْلِيَةِ بَلْ كُلُّ أَمِيرٍ عَدْلٍ وُلِّيَ بِحَقٍّ فَهُوَ أَمِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ تَوَلَّى وَبِشَرِيعَتِهِ قَامَ وَقَدْ ظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ رِوَايَتِي أَمِيرِيٌّ وَالْأَمِيرُ، وَإِنْ تَفَاوَتَا لَفْظًا فَهُمَا مُتَّحِدَانِ فِي الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالدَّعَاوَى] [بَابُ تَسْجِيلِ الْحَاكِمِ عَلَى نَفْسِهِ] [حَدِيث إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي] كِتَابُ الْقَضَاءِ وَالدَّعَاوَى بَابُ تَسْجِيلِ الْحَاكِمِ عَلَى نَفْسِهِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» (فِيهِ) فَوَائِدُ. (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ مِينَا كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ «سَبَقَتْ غَضَبِي» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ لَمَّا أَظْهَرَ قَضَاءَهُ وَأَبْرَزَهُ كَيْفَ شَاءَ (قُلْت) وَإِنَّمَا أَحْوَجَهُ إلَى تَأْوِيلٍ قَضَى بِأَظْهَرَ وَأَبْرَزَ، ظَنُّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَهُوَ أَعْنِي، التَّقْدِيرُ قَدِيمٌ فَاحْتَاجَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِظُهُورِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ هُنَا الْخَلْقُ أَيْ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَالْخَلْقُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «فِي كِتَابِهِ:» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ «فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ» لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ ظَاهِرِ لَفْظِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا حَضْرَةُ الشَّيْءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الِاسْتِقْرَارِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ فَالْعِنْدِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ حَضْرَةِ الْمَكَانِ بَلْ مِنْ حَضْرَةِ الشَّرَفِ أَيْ وَضَعَ ذَلِكَ الْكِتَابَ فِي مَحَلٍّ مُعَظَّمٍ عِنْدَهُ. [فَائِدَة غَضَبُ اللَّهِ وَرِضَاهُ] 1 (الرَّابِعَةُ) : قَالَ الْمَازِرِيُّ غَضَبُ اللَّهِ وَرِضَاهُ يَرْجِعَانِ إلَى إرَادَتِهِ لِإِثَابَةِ الْمُطِيعِ وَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَعِقَابِ الْعَاصِي وَضَرَرِ الْعَبْدِ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا يُسَمَّى رَحْمَةً وَالثَّانِي يُسَمَّى غَضَبًا وَإِرَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ بِهَا يُرِيدُ سَائِرَ الْمُرَادَاتِ فَيَسْتَحِيلُ فِيهَا الْغَلَبَةُ وَالسَّبْقُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا مُتَعَلَّقُ الْإِرَادَةِ مِنْ النَّفْعِ وَالضُّرِّ فَكَانَ رِفْقُهُ بِالْخَلْقِ وَنِعَمُهُ عِنْدَهُمْ أَغْلَبَ مِنْ نِقَمِهِ وَسَابِقَةً لَهَا وَإِلَى هَذَا يَرْجِعُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَقَدْ اخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ هَلْ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْإِرَادَةِ لِلتَّنْعِيمِ أَوْ إلَى التَّنْعِيمِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى نَفْسِ الْإِرَادَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْغَلَبَةُ هُنَا، وَالسَّبْقُ بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ بِهَا الْكَثْرَةُ وَالشُّمُولُ كَمَا يُقَالُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ حُبُّ الْمَالِ أَوْ الْكَرَمُ أَوْ الشَّجَاعَةُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ خِصَالِهِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مُخْتَصَرًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَعَبَّرَ عَنْ الْكَلَامِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ قَالُوا وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ وَزَادَهُ إيضَاحًا بِقَوْلِهِ كَيْفَ لَا وَابْتِدَاؤُهُ الْخَلْقَ وَتَكْمِيلُهُ وَإِتْقَانُهُ وَتَرْتِيبُهُ وَخَلْقُ أَوَّلِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي الْجَنَّةِ كُلُّ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ السَّابِقَةِ، وَكَذَلِكَ مَا رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النِّعَمِ وَالْأَلْطَافِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رَحَمَاتٌ مُتَلَاحِقَةٌ وَلَوْ بَدَأَ بِالِانْتِقَامِ لَمَا كَمُلَ لِهَذَا الْعَالَمِ نِظَامٌ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّ الِانْتِقَامَ بِهِ كَمُلَتْ الرَّحْمَةُ وَالْإِنْعَامُ وَذَلِكَ أَنَّ بِانْتِقَامِهِ مِنْ الْكَافِرِينَ كَمُلَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بِذَلِكَ حَصَلَ خَلَاصُهُمْ وَإِصْلَاحُهُمْ وَتَمَّ لَهُمْ دِينُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ فَظَهَرَ لَهُمْ قَدْرُ رَحْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي صَرْفِ ذَلِكَ الِانْتِقَامِ عَنْهُمْ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وَإِنْعَامَهُ غَلَبَ انْتِقَامَهُ (قُلْت) : وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْكُفَّارَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلَّا الْغَضَبُ الْمَحْضُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى سَرَقْت؟ قَالَ كَلًّا، وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، قَالَ عِيسَى آمَنْت بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت بَصَرِي»   Qفَبِاعْتِبَارِهِمْ يَكُونُ الْغَضَبُ أَغْلَبَ مِنْ الرَّحْمَةِ فَإِذَا حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إشْكَالٌ وَقَدْ يُقَالُ إذَا ضَمَّ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَتَهُ الدُّنْيَوِيَّةَ لِلْكُفَّارِ صَارَتْ الرَّحْمَةُ أَغْلَبَ مِنْ الْغَضَبِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا سِيقَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي مَعْرِضِ الرَّجَاءِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَالْوَعْدِ بِرَحْمَتِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُقَايَسَةُ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ فِي حَقِّ مَنْ يَحْتَمِلُهَا، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا حَظَّ لَهُ فِي دَارِ الْبَقَاءِ الْأَبَدِيِّ فِي الرَّحْمَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُقَايَسَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا فِي حَقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة ضَبْط حُقُوقِ النَّاسِ بِكِتَابَتِهَا وَتَسْجِيلِهَا] 1 (الْخَامِسَةُ) : اسْتَأْنَسَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا يَفْعَلُهُ الْحُكَّامُ مِنْ تَسْجِيلِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْكُمُونَ بِهَا وَجَعَلَ نُسْخَةً فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ وَأُخْرَى مَعَ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ غَنِيٌّ عَنْ التَّذْكِيرِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى كِتَابَةِ تَقْدِيرَاتِهِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَقْتَدِيَ بِهِ خَلَفُهُ مِنْ حُكَّامِ الدُّنْيَا فِي ضَبْطِ حُقُوقِ النَّاسِ بِكِتَابَتِهَا وَتَسْجِيلِهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى تَذَكُّرِهَا وَأَقْرَبُ إلَى حِفْظِهَا كَمَا قِيلَ فِي خَلْقِهِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ إنَّ ذَلِكَ تَعْلِيمٌ لِخَلْقِهِ التَّأَنِّي فِي الْأُمُورِ وَالتُّؤَدَةَ فِيهَا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِهَا وَخَلْقِ أَمْثَالِهَا فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . [بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ] [حَدِيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ] بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى سَرَقْت؟ قَالَ كَلًّا وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ قَالَ عِيسَى آمَنْت بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت عَيْنَيَّ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «وَكَذَّبْت نَفْسِي:» . (الثَّانِيَةُ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 بَابُ الِاسْتِهَامِ عَلَى الْيَمِينِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُكْرِهَ الِاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَاسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا» لَفْظُ أَبِي دَاوُد.   Qسَرَقْت أَنَّهُ خَبَرٌ وَكَأَنَّهُ حَقَّقَ السَّرِقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ قَدْ أَخَذَ مَالًا لِغَيْرِهِ مِنْ حِرْزٍ فِي خُفْيَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْهِمًا لَهُ عَنْ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَحَذْفُهَا قَلِيلٌ وَقَوْلُ الرَّجُلِ كَلًّا نَفْيٌ لِذَلِكَ ثُمَّ أَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ (قُلْت) : احْتِمَالُ الِاسْتِهَامِ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ لَا «رَأَى عِيسَى رَجُلًا يَسْرِقُ:» فَجَزَمَ بِتَحْقِيقِ سَرِقَتِهِ. (الثَّالِثَةُ) : قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ صَدَّقْت مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت مَا ظَهَرَ لِي مِنْ ظَاهِرِ سَرِقَتِهِ. فَلَعَلَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَخْذَ إلَّا لِلتَّقْلِيبِ وَالنَّظَرِ وَصَرْفِهِ إلَى مَوْضِعِهِ، أَوْ ظَهَرَ لِعِيسَى أَوَّلًا بِظَاهِرِ مَدِّ يَدِهِ وَإِدْخَالِهَا فِي مَتَاعِ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمَّا حَلَفَ لَهُ أَسْقَطَ ظَنَّهُ وَتَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا دَرْءُ الْحَدِّ بِالشُّبُهَاتِ. [فَائِدَة الْقَضَاء بِالْعِلْمِ] 1 (الْخَامِسَةُ) : اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْعِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَنْعُهُ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُهُ إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً فَيَمْتَنِعُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْعِلْمِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْتِنَاعُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْحُكْمِ فِيهَا بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُهُ مَنْعَ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَلَأَنْ [تَكُونَ] شَرِيعَتُهُ مَنْعَ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّرِقَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ احْتِمَالًا ثُمَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْ أَصْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِهَامِ عَلَى الْيَمِينِ] [حَدِيث إذَا أُكْرِهَ الِاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَاسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا] بَابُ الِاسْتِهَامِ عَلَى الْيَمِينِ وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُكْرِهَ الِاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَاسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظٍ آخَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَهِمُوا بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ» .   Qفِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسَلَمَةَ بْنِ شُعَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ «أَوْ اسْتَحَبَّاهَا:» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ عَنْهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ» . (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ «إذَا أُكْرِهَ الِاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَاسْتَحَبَّاهَا:» كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا بِالْوَاوِ وَالظَّاهِرُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ أَنَّهَا بِمَعْنَى أَوْ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِكْرَاهَ الْحَقِيقِيَّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرَادَا الْحَلِفَ سَوَاءٌ كَانَا غَيْرَ مُخْتَارَيْنِ كَذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا، وَهُوَ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ أَوْ غَيْرَ مُخْتَارَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا، وَهُوَ مَعْنَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَتَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِهَامِ يُقَالُ اسْتَهَمُوا أَيْ اقْتَرَعُوا. [فَائِدَة تَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا] 1 (الثَّالِثَةُ) : حَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَا إذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقِرُّ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَتَاعٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ مَا كَانَ، أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا» قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الِاسْتِهَامِ هُنَا الِاقْتِرَاعُ يُرِيدُ أَنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ وَرُوِيَ مَا يُشْبِهُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ حَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ أُوتِيَ عَلِيٌّ بِبَغْلٍ وُجِدَ فِي السُّوقِ يُبَاعُ فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا بَغْلِي لَمْ أَبِعْهُ وَلَمْ أَهَبْهُ قَالَ وَنَزَعَ مَا قَالَ بِخَمْسَةٍ يَشْهَدُونَ قَالَ وَجَاءَ آخَرُ يَدَّعِيهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ بَغْلُهُ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ قَالَ فَقَالَ عَلِيٌّ إنَّ فِيهِ قَضَاءً وَصُلْحًا وَسَوْفَ أُبَيِّنُ لَكُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ أَمَّا صُلْحُهُ أَنْ يُبَاعَ الْبَغْلُ فَيُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِهَذَا خَمْسَةٌ وَلِهَذَا اثْنَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحُوا إلَّا الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 كِتَابُ الشَّهَادَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّنَا الَّذِي لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ» . ..   Qأَحَدُ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ بَغْلُهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ فَإِنْ تَشَاحَحْتُمَا أَيُّكُمْ يَحْلِفُ أَقْرَعْت بَيْنَكُمَا عَلَى الْحَلِفِ فَأَيُّكُمَا قَرَعَ حَلَفَ، قَالَ قَضَى بِهَا وَأَنَا شَاهِدٌ. (الرَّابِعَةُ) : وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا:» فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ لَمْ يَكُونُوا مُتَنَازِعِينَ بِحَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدَّعِي نَقِيضَ مَا يَدَّعِي صَاحِبُهُ بَلْ كَانُوا مُدَّعًى عَلَيْهِمْ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ كَوَضْعِ أَيْدِيهِمْ عَلَى عَيْنٍ وَنَحْوِهَا فَأَجَابُوا بِالْإِنْكَارِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ فَصَارُوا مُتَسَرِّعِينَ إلَى الْحَلِفِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَقَعَ حَلِفُهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ مُعْتَبَرًا بِهِ إذَا صَدَرَ بِتَلْقِينِ الْحَاكِمِ فَقَطَعَ النِّزَاعَ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ بُدِئَ بِهِ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ وَأَبِي دَاوُد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] [حَدِيث لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ] كِتَابُ الشَّهَادَاتِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَأَيُّنَا الَّذِي لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ، قَالَ إنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ:» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. (الثَّانِيَةُ) : قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَكَذَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَعَ الْحَدِيثُ هُنَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] » وَأَعْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الظُّلْمَ الْمُطْلَقَ هُنَاكَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْمُقَيَّدُ، وَهُوَ الشِّرْكُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ الظُّلْمُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ كَمَا ظَنَنْتُمْ إنَّمَا الشِّرْكُ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ فَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَمَلُوا الظُّلْمَ عَلَى عُمُومِهِ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْأَفْهَامِ مِنْهُ، وَهُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ أَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُرَادِ بِهَذَا الظُّلْمِ انْتَهَى. (قُلْت) : وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ حَمْلُ الْإِيمَانِ هُنَا عَلَى التَّصْدِيقِ فَهُوَ الَّذِي يُلْبِسُهُ أَيْ يَخْلِطُهُ وَيَمْنَعُ وُجُودَهُ الشِّرْكُ أَمَّا لَوْ حُمِلَ عَلَى الْأَعْمَالِ، فَإِنَّهُ يَخْلِطُهَا غَيْرُ الشِّرْكِ مِنْ الظُّلْمِ وَالْمَعَاصِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) : فِيهِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَكُونُ كُفْرًا. [فَائِدَة الْمُرَاد بِالْعَبْدِ الصَّالِحِ لُقْمَانُ] 1 (الرَّابِعَةُ) : لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ الصَّالِحِ لُقْمَانُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِوَصْفِهِ بِذَلِكَ خَاصَّةً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيًّا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَكِيمًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا إلَّا عِكْرِمَةَ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ نَبِيًّا وَتَفَرَّدَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَأَمَّا ابْنُ لُقْمَانَ الَّذِي قَالَ لَهُ {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: 13] فَقِيلَ اسْمُهُ (أَنْعَمُ) : وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الظُّلْم لَا يُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ الْعَدَالَةِ وَلَا يُبْطِل الشَّهَادَةَ] 1 (الْخَامِسَةُ) : أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الشَّهَادَاتِ كَأَنَّهُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ لَا يُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ الْعَدَالَةِ وَلَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «فَأَيُّنَا الَّذِي لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ وَتَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِصْرَارُ عَلَيْهَا لَا تُخْرِجُ عَنْ الْعَدَالَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ أَحَدٌ يَمْحَضُ الطَّاعَةَ حَتَّى لَا يَخْلِطَهَا بِمَعْصِيَةٍ وَلَا يَمْحَضُ الْمَعْصِيَةَ حَتَّى لَا يَخْلِطَهَا بِطَاعَةٍ فَمَنْ غَلَبَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَهُوَ الْعَدْلُ وَمَنْ غَلَبَتْ مَعَاصِيهِ عَلَى طَاعَتِهِ فَهُوَ الْفَاسِقُ. [فَائِدَة التَّشْرِيك فِي الْعِبَادَةِ] (السَّادِسَةُ) : وَكَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ أَوَّلًا هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْعِبَادَةِ مُفْسِدٌ لَهَا كَمَا أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ مُفْسِدٌ لِلْإِيمَانِ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا لَا بَأْسَ بِهِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا الْتَزَمَ هَذِهِ التَّرَاجِمَ الْمَحْصُورَةَ الَّتِي قِيلَ فِيهَا (إنَّهَا أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ) : وَقَعَتْ لَهُ فِيهَا أَحَادِيثُ لَيْسَتْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ:» . .   Qفِقْهِيَّةً فَاحْتَاجَ إلَى مِثْلِ هَذَا، وَهُوَ فِقْهٌ دَقِيقٌ إنْ أَنْصَفْت وَتَكَلَّفْت إنْ أَسْرَفْت وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ. [حَدِيث مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ:» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ «إنَّ أَشَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ:» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي زُرْعَةَ بْنِ عُمَرَ وَبِلَفْظِ «تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ» الْحَدِيثَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ ظَاهِرُهُ كَبَاطِنِهِ وَبَاطِنُهُ كَظَاهِرِهِ فِي الْبَيَانِ عَنْ ذَمِّ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّهُ الَّذِي يُرَائِي بِعَمَلِهِ وَيُرِي لِلنَّاسِ خُشُوعًا وَاسْتِكَانَةً وَيُوهِمُهُمْ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ حَتَّى يُكْرِمُوهُ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ «يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ:» يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا:» وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مِنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِسَانَيْنِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:» قَالَ وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَ الْقَائِلُ قَوْلَهُ: يُكَشِّرُ لِي حِينَ يَلْقَانِي وَإِنْ غِبْت شَتَمَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَوْجِيهِ الْحَدِيثِ سَبَبُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ نِفَاقٌ مَحْضٌ وَكَذِبٌ وَخِدَاعٌ وَتَحَيُّلٌ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا وَيُظْهِرُ لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ ذَمِّ ذِي الْوَجْهَيْنِ وَتَحْرِيمِ فِعْلِهِ قَالَ وَالْمُرَادُ مَنْ يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَمُخَالِفٌ لِلْآخَرِينَ مُبْغِضٌ فَإِنْ أَتَى كُلَّ طَائِفَةٍ بِالْإِصْلَاحِ وَنَحْوِهِ فَمَحْمُودٌ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا   Qإنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ مِنْ شَرِّ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حَالُ الْمُنَافِقِينَ إذْ هُوَ مُتَمَلِّقٌ بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَالشُّرُورِ وَالتَّقَاطُعِ وَالْعُدْوَانِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ. (الثَّالِثَةُ) : (فَإِنْ قُلْت) : كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْت لَهُ الَّذِي قُلْت ثُمَّ أَلَنْت لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» (قُلْت) : لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَلَا قَالَ كَلَامًا يُضَادُّ مَا قَالَهُ فِي حَقِّهِ فِي غَيْبَتِهِ إنَّمَا تَأَلَّفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ لِينِ الْكَلَامِ لَهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ فِي الْبَاطِنِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِيُعْرَفَ وَلَا يُغْتَرَّ بِهِ وَتَأَلَّفَهُ رَجَاءَ صِحَّةِ إيمَانِهِ وَقَدْ كَانَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ مَا دَلَّ عَلَى ضَعْفِ إيمَانِهِ وَارْتَدَّ مَعَ الْمُرْتَدِّينَ وَجِيءَ بِهِ أَسِيرًا إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. . [فَائِدَة شَهَادَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ] 1 (الرَّابِعَةُ) : أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرَّ النَّاسِ أَوْ مِنْ شَرِّ النَّاسِ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَرْضَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلَا شَكَّ فِي دَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْفِعْلِ، وَأَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ. (الْخَامِسَةُ) : وَصْفُهُ بِأَنَّهُ شَرُّ النَّاسِ ذَمٌّ عَظِيمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَوَّلُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِيهَا «مِنْ شَرِّ النَّاسِ» وَقَدْ يُؤَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ شَرُّ هَؤُلَاءِ النَّاسِ الْمُتَضَادِّينَ فَإِنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ الْمُتَعَانِدَتَيْنِ مُجَانِبَةٌ لِلْأُخْرَى مُظْهِرَةٌ لِعَدَاوَتِهَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِهَا وَهَذَا بِفِعْلِهِ يُخَادِعُ الْفِرْقَتَيْنِ وَيَطَّلِعُ عَلَى أَسْرَارِهِمْ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ مَعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ:» فَذَكَرَهُ دُونَ قَوْلِهِ «وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا:» وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ..   Qوَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ» فَذَكَرُوهُ دُونَ قَوْلِهِ «وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا:» الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا: وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» (فِيهِمَا) : فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَلَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ طُرُقٌ أُخْرَى، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةٌ وَلَفْظُ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ «أَنْ يُهَاجِرَ:» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَسَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ يَقُولُونَ «يَهْجُرُ:» قَالَ وَقَدْ زَادَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ «وَلَا تَنَافَسُوا:» وَقَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ «وَلَا تَنَافَسُوا:» غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَقَدْ رَوَى هَذِهِ اللَّفْظَةَ «وَلَا تَنَافَسُوا:» عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَعَدَّ الْخَطِيبُ ذَلِكَ مِنْ الْمُدْرَجِ وَقَالَ قَدْ وَهِمَ فِيهَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَلَى مَالِكٍ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهَا مَالِكٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ:» قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ إيَّاكُمْ وَسُوءَ الظَّنِّ وَتَحْقِيقَهُ دُونَ مَبَادِئِ الظُّنُونِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمُرَادُ الْخَطَّابِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ الظَّنِّ مَا يُصِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَمِرُّ فِي قَلْبِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا تَحَدَّثَتْ بِهِ الْأُمَّةُ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ» وَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ عَلَى الْخَوَاطِرِ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ الظَّنَّ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ أَنْ يَظُنَّ ظَنًّا وَيَتَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَأْثَمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ بِالظَّنِّ الْمُجَرَّدِ دُونَ بِنَاءٍ عَلَى أَصْلٍ وَلَا تَحْقِيقِ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. . [فَائِدَة الظَّنُّ الشَّرْعِيُّ] 1 (الثَّالِثَةُ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الظَّنُّ هُنَا هُوَ التُّهْمَةُ وَمَحَلُّ التَّحْذِيرِ وَالنَّهْيِ إنَّمَا هُوَ تُهْمَةٌ لَا سَبَبَ لَهَا بِوَجْهٍ كَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْفَاحِشَةِ أَوْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَدَلِيلُ كَوْنِ الظَّنِّ هُنَا بِمَعْنَى التُّهْمَةِ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا «وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا:» وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَاطِرُ التُّهْمَةِ ابْتِدَاءً فَيُرِيدُ أَنْ يَتَجَسَّسَ خَبَرَ ذَلِكَ وَيَبْحَثَ عَنْهُ وَيَتَبَصَّرَ وَيَتَسَمَّعَ لِيُحَقِّقَ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «إذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ:» وَقَالَ تَعَالَى {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ تَطَيَّرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَصْحَابِهِ حِينَ انْصَرَفُوا إلَى الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكْلَةُ رَأْسٍ فَلَنْ يَرْجِعُوا إلَيْكُمْ أَبَدًا فَذَلِكَ ظَنُّهُمْ السَّيِّئّ الَّذِي وَبَّخَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ نَوْعِ مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ أَقْبَحُ النَّوْعِ فَأَمَّا الظَّنُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي هُوَ تَغْلِيبُ أَحَدِ الْمُجَوَّزَيْنِ أَوْ بِمَعْنَى الْيَقِينِ فَغَيْرُ مُرَادٍ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ الْآيَةِ يَقِينًا فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إنْكَارِ الظَّنِّ الشَّرْعِيِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأُصُولِ. [فَائِدَة انْتِهَاكُ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ بِظَنِّ السَّوْءِ فِيهِمْ] 1 (الرَّابِعَةُ) : هَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وَقَدْ تَبَيَّنَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ فِي الْحَدِيثِ بَعْضُهُ لِقَوْلِهِ {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] وَالْمُرَادُ انْتِهَاكُ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ بِظَنِّ السَّوْءِ فِيهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ صَوْنِ الْأَعْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ بِالظَّنِّ، فَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ أَنَا لَا أَقُولُ بِالظَّنِّ وَلَكِنْ أَتَجَسَّسُ فَأَتَكَلَّمُ عَنْ تَحْقِيقٍ فَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ لَا أَتَجَسَّسُ بَلْ ظَهَرَ لِي هَذَا الْأَمْرُ وَتَحْقِيقُهُ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] . [فَائِدَة الذَّرَائِع فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا] (الْخَامِسَةُ) : قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ احْتَجَّ قَوْمٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمِثْلِهِ فِي إبْطَالِ الذَّرَائِعِ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا قَالُوا وَأَحْكَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَقَائِقِ لَا عَلَى الظُّنُونِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَرَدْت بِهَذَا الْبَيْعِ كَذَا بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ لِإِنْكَارِ فَاعِلِهِ أَنَّهُ أَرَادَهُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ كَلِمَةً أَنْ يَظُنَّ بِهَا سُوءًا، وَهُوَ يَجِدُ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مَصْدَرًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالذَّرَائِعِ وَهُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ حَدِيثٌ يَدُورُ عَلَى امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِحُجَّةٍ. 1 - (السَّادِسَةُ) : إنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الظَّنُّ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ التَّعَمُّدُ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إلَى ظَنٍّ أَصْلًا أَشَدَّ فِي الْكَذِبِ وَأَبْلَغَ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ (قُلْت) : لَعَلَّ الْمُرَادَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَهُ اسْتِنَادٌ إلَى شَيْءٍ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَلَا الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَبُولِغَ فِيمَا كَانَ كَذَلِكَ بِأَنْ جُعِلَ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ زَجْرًا عَنْهُ وَتَنْفِيرًا؛ وَأَمَّا الِاخْتِلَاقُ النَّاشِئُ عَنْ تَعَمُّدٍ فَأَمْرُهُ وَاضِحٌ. . [فَائِدَة التَّحَسُّس] 1 (السَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ «وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا:» الْأَوَّلُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّانِي بِالْجِيمِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا بِتَشْدِيدِ السِّينِ الْأُولَى وَفِيهِمَا مَعًا حَذْفُ إحْدَى التَّاءَيْنِ، وَأَصْلُهُ وَلَا تَتَحَسَّسُوا وَلَا تَتَجَسَّسُوا فَحُذِفَتْ إحْدَاهُمَا تَخْفِيفًا وَاخْتُلِفَ فِي التَّحَسُّسِ وَالتَّجَسُّسِ فَذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا تَبْحَثُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَلَا تَتَّبِعُوا أَخْبَارَهُمْ وَالتَّحَسُّسُ طَلَبُ الْخَيْرِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: 87] قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ الْبَحْثُ وَالتَّطَلُّبُ لِمَعَايِبِ النَّاسِ وَمَسَاوِئِهِمْ إذَا غَابَتْ وَاسْتُرِيبَتْ، وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَوْلِك حَسَّ الثَّوْبَ أَيْ أَدْرَكَهُ بِحِسِّهِ وَجَسَّهُ مِنْ الْمَحَسَّةِ وَالْمَجَسَّةِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّ ذَلِكَ أَشْهَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّحَسُّسُ بِالْحَاءِ الِاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ الْقَوْمِ وَبِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنْ الْعَوْرَاتِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ التَّفْتِيشُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ، وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ، وَبِالْحَاءِ الْبَحْثُ عَمَّا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ بِالْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ أَعْرَفُ وَقِيلَ بِالْجِيمِ أَنْ تَطْلُبَ لِغَيْرِك وَبِالْحَاءِ أَنْ تَطْلُبَ لِنَفْسِك قَالَهُ ثَعْلَبٌ. (الثَّامِنَةُ) : فِيهِ تَحْرِيمُ التَّحَسُّسِ، وَهُوَ الْبَحْثُ عَنْ مَعَايِبِ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَاضِينَ وَالْعَصْرِيِّينَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَذَلِكَ حَرَامٌ كَالْغِيبَةِ أَوْ أَشَدُّ مِنْ الْغِيبَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] الْآيَةَ قَالَ فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَرَدَا جَمِيعًا بِأَحْكَامِ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقِيلَ لَهُ هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ وَلَكِنْ أَنْ يَظْهَرَ لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ نَأْخُذُ بِهِ، قَالَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] قَالَ خُذُوا مَا ظَهَرَ وَدَعُوا مَا سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. . [فَائِدَة الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَحُظُوظِهَا] (التَّاسِعَةُ) : قَوْلُهُ «وَلَا تَنَافَسُوا:» هُوَ بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْضًا وَأَصْلُهُ تَتَنَافَسُوا وَمَعْنَى التَّنَافُسِ الرَّغْبَةُ فِي الشَّيْءِ وَفِي الِانْفِرَادِ بِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ التَّمَادِي فِي الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَحُظُوظِهَا انْتَهَى. وَأَمَّا التَّنَافُسُ فِي الْخَيْرِ فَمَأْمُورٌ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] أَيْ فِي الْجَنَّةِ وَثَوَابِهَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَكَأَنَّ الْمُنَافَسَةَ هِيَ الْغِبْطَةُ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْحَسَدِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَدْ قَرَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَسَدِ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا أَمْرَانِ مُتَغَايِرَانِ. . [فَائِدَة الْحَسَد] 1 (الْعَاشِرَةُ) : فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْحَسَدِ، وَهُوَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ» فَقَدْ تُجُوِّزَ فِيهِ بِإِطْلَاقِ الْحَسَدِ عَلَى هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَالْوَاقِعُ فِيهِمَا لَيْسَ حَسَدًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ غِبْطَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَ تِلْكَ الْخَصْلَةِ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَإِنَّمَا تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُهَا وَهَذَا لَيْسَ حَسَدًا وَلَوْ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : إنْ قُلْت إذَا وَقَعَ فِي خَاطِرِ إنْسَانٍ كَرَاهَةُ آخَرَ بِحَيْثُ بَلَغَتْ بِهِ كَرَاهَتُهُ إلَى أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشِعْ ذَلِكَ وَلَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَظْهَرَهُ وَلَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ كَيْفَ يَكُونُ مَأْثُومًا بِذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفَ أَنَّ الْخَوَاطِرَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (قُلْت) : إذَا لَمْ يَسْتَرْسِلْ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَسَبَّبْ فِي تَأْكِيدِ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ الْمُؤَدِّيَةِ لِذَلِكَ وَكَانَ مَعَ هَذَا التَّمَنِّي بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ تِلْكَ النِّعْمَةِ لَمْ يُزِلْهَا وَلَمْ يَسْعَ فِي إخْرَاجِهَا عَنْهُ، وَإِنَّمَا عِنْدَهُ خَوَاطِرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا وَلَا يَسْعَى فِي تَنْفِيذِ مَقْصُودِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إلَّا وَقَدْ خُلِقَ مَعَهُ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ لَا أَحْفَظُهُ فِي وَقْتِي هَذَا أَنَّهُ قَالَ «إذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا، وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا، وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا:» ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ، قِيلَ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِعْ، وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ:» . [فَائِدَة الْأَهْوَاء الْمُضِلَّة الْمُوجِبَة لِلتَّبَاغُضِ] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَلَا تَبَاغَضُوا» أَيْ لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ؛ لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ مَعَانٍ قَلْبِيَّةٌ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى اكْتِسَابِهَا وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ:» يَعْنِي الْحُبَّ وَالْبُغْضَ قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي «تَبَاغَضُوا:» إشَارَةٌ إلَى النَّهْيِ عَنْ الْأَهْوَاءٍ الْمُضِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّبَاغُضِ. . [فَائِدَة الْمُتَبَاغِضُونَ الَّذِينَ يُدْبِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ] (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَلَا تَدَابَرُوا:» قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا تُهَاجِرُوا بِالتَّصَارُمِ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّجُلِ دَبَرَهُ أَخَاهُ إذَا رَآهُ وَإِعْرَاضُهُ عَنْهُ. وَقَالَ الْمُؤَرِّخُ قَوْلُهُ «وَلَا تَدَابَرُوا:» مَعْنَاهُ تَوْلِيَةُ أَنِيبُوا وَلَا تَسْتَأْثِرُوا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْأَعْشَى وَمُسْتَدْبِرٌ بِاَلَّذِي عِنْدَهُ ... عَنْ الْعَاذِلَاتِ وَإِرْشَادِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا قِيلَ لِلْمُسْتَأْثِرِ مُسْتَدْبِرًا؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّي عَنْ أَصْحَابِهِ إذَا اسْتَأْثَرَ بِشَيْءٍ دُونَهُمْ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ التَّدَابُرُ الْمُعَادَاةُ يُقَالُ دَابَرْتُ الرَّجُلَ عَادَيْته وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تُقَاطِعُوا وَلَا تُهَاجِرُوا؛ لِأَنَّ الْمُهَاجِرَيْنِ إذَا وَلَّى أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَقَدْ وَلَّاهُ دُبُرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّدَابُرُ الْإِعْرَاضُ وَتَرْكُ الْكَلَامِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالسَّلَامِ وَنَحْوِ هَذَا، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ تَدَابُرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضْته أَعْرَضْت عَنْهُ وَمَنْ أَعْرَضْت عَنْهُ وَلَّيْته دُبُرَك، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ هُوَ بِك وَمَنْ أَحْبَبْته أَقْبَلْت عَلَيْهِ وَوَاجِهَته تَسُرُّهُ وَيَسُرُّك فَمَعْنَى تَدَابَرُوا وَتَقَاطَعُوا وَتَبَاغَضُوا مَعْنًى مُتَدَاخِلٌ مُتَقَارِبٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ «لَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَخَاذَلُوا وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ الْغَوَائِلَ بَلْ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ «لَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَفْعَلُوا فِعْلَ الْمُتَبَاغِضِينَ الَّذِينَ يُدْبِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ يُوَلِّيهِ دُبُرَهُ فِعْلَ الْمُعْرِضِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْغِضَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ وَلَا يُدْبِرَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ إذَا رَآهُ وَلَا يَقْطَعَهُ بَعْدَ صُحْبَتِهِ لَهُ فِي غَيْرِ حُرْمَةٍ أَوْ فِي حُرْمَةٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا يَحْسُدُهُ عَلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ حَسَدًا يُؤْذِيهِ بِهِ وَلَا يُنَافِسُهُ فِي دُنْيَاهُ وَحَسْبُهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. . 1 - (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا:» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ «كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ:» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ كُونُوا إخْوَانًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُوَ مُبَلِّغٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الْمَشْرُوعِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهَا فَفِيهَا مَعْنَى الْأَمْرِ. . [فَائِدَة الْهِجْرَة بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ] 1 (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ:» قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ قَالُوا، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعُفِيَ عَنْ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثِ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقِيلَ إنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْهِجْرَةِ ثَلَاثًا وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ (قُلْت) : وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْدِيدِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» . (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمُعْتَبَرُ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ بَدَأَ بِالْهِجْرَةِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ فَلَهُ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُلْغِيَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَيَعْتَبِرَ لَيْلَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الزَّمَانِ الَّذِي أُبِيحَتْ فِيهِ الْهِجْرَةُ تَمَّ بِانْفِصَالِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ (قُلْت) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَرِّخُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامُ تَبَعٌ لَهَا وَلَيْسَتْ اللَّيَالِي مَقْصُودَهُ فِي الْكَلَامِ فِيهَا فَإِنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مَحَلَّ الْكَلَامِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ التَّهَاجُرِ فِي وَقْتِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَلِقَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَهُوَ النَّهَارُ غَالِبًا فَإِذَا بَدَأَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ اسْتَمَرَّ جَوَازُهَا إلَى ظُهْرِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ كَمَا قَالُوهُ فِي مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْهِجْرَانُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ] (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) : هَذَا التَّحْرِيمُ مَحَلُّهُ فِي هِجْرَانٍ يَنْشَأُ عَنْ غَضَبٍ لِأَمْرٍ جَائِزٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالدِّينِ فَأَمَّا الْهِجْرَانُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَقَدْ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِجْرَانِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَمُرَارَةَ بْنِ الرَّبِيعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَهْجُرَ الْمَرْءُ أَخَاهُ إذَا بَدَتْ لَهُ مِنْهُ بِدْعَةٌ أَوْ فَاحِشَةٌ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ هِجْرَانُهُ تَأْدِيبًا لَهُ وَزَجْرًا عَنْهَا وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَأَمَّا الْهِجْرَانُ لِأَجْلٍ الْمَعَاصِي وَالْبِدْعَةِ فَوَاجِبٌ اسْتِصْحَابُهُ إلَى أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ وَصِلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُوَلِّدُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَضَرَّةً فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ رُخِّصَ لَهُ فِي مُجَانَبَتِهِ وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فَأَمَّا هِجْرَانُ الْوَالِدِ الْوَلَدَ وَالزَّوْجِ الزَّوْجَةَ وَمَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا فَلَا يَضِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَقَدْ «هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ شَهْرًا» . [فَائِدَة زَوَالُ الْهِجْرَة بَيْن المتخاصمين] 1 (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَتَزُولُ الْهِجْرَةُ بِمُجَرَّدِ سَلَامِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ:» وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَزُولُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ مَعَهُ إلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الْكَلَامِ وَالْإِقْبَالِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ يَقْطَعْ السَّلَامُ هِجْرَتَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا اعْتَزَلَ كَلَامَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ هَلْ يَزُولُ إثْمُ الْهِجْرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 (بَابُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ) : عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ:» لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ   Qأَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَأَصَحُّهُمَا يَزُولُ لِزَوَالِ تِلْكَ الْوَحْشَةِ. [فَائِدَة الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ] 1 (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ:» قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْبَلُ خِطَابَ الشَّرْعِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ. . [فَائِدَة هِجْرَان الْكَافِرِ] (الْعِشْرُونَ) : قَوْلُهُ «أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ:» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ هِجْرَانَ الْكَافِرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا مُوَالَاةَ وَلَا مُنَاصَرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. 1 - (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) : أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُنَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَاتَّصَفَ بِغَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَرْدُودَةً إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا عَلَى مَنْ عَادَاهُ وَأَبْغَضَهُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ضَمِيمَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا مَعَ ضَمِيمَةِ الْإِصْرَارِ وَكَوْنِ ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَبِيرَةً وَاقْتَدَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ بِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ عَدُّوا الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. [بَابُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ] [حَدِيث لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ] بَابُ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ:» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بِلَفْظِ «يُسَلِّمُ» وَكَذَلِكَ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 «الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ:» وَإِنَّمَا قَالَ «الْمَاشِي:» وَلَهُمَا فِي رِوَايَةٍ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي:» ..   Qبِلَفْظِ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ إنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) : قَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ تَسْلِيمُ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فَأَمَّا تَسْلِيمُ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي فَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ ذَلِكَ لِفَضْلِ الرَّاكِبِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الدُّنْيَا فَعَدَلَ الشَّرْعُ بِأَنْ جَعَلَ لِلْمَاشِي فَضِيلَةَ أَنْ يُبْدَأَ وَاحْتِيَاطًا عَلَى الرَّاكِبِ مِنْ الْكِبْرِ وَالزَّهْوِ إذَا حَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ قَالَ: وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمْ أَرَ فِي تَعْلِيلِهِ نَصًّا وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ فَيُقَالُ إنَّ الْقَاعِدَ قَدْ يَتَوَقَّعُ شَرًّا مِنْ الْوَارِدِ عَلَيْهِ أَوْ يُوجِسُ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً فَإِذَا ابْتَدَأَهُ بِالسَّلَامِ أَنِسَ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْحَاجَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَامْتِهَانُ النَّفْسِ فِيهَا يُنْقِصُ مِنْ مَرْتَبَةِ الْمُتَمَاوِتِينَ الْآخِذِينَ بِالْعُذَلَةِ تَوَرُّعًا فَصَارَ لِلْقَاعِدِينَ مِنْ الْمَزِيَّةِ فِي بَابِ الدَّيْنِ؛ فَلِهَذَا أَمَرَ بِبُدَاءَتِهِمْ؛ أَوْ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَارِّينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهِمْ فَسَقَطَتْ الْبُدَاءَةُ عَنْهُ وَأَمَرَ بِهَا الْمَارَّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ. وَهَذَّبَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ اخْتِصَارٍ فَقَالَ: وَأَمَّا الْمَاشِي فَقَدْ قِيلَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ مِثْلُ مَا قِيلَ فِي الرَّاكِبِ مِنْ عُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ لَهُ عَنْ الزَّهْوِ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ إذْ الْمَاشِي لَا يَزْهُو بِمَشْيِهِ غَالِبًا وَقِيلَ هُوَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ الْقَاعِدَ قَدْ يَقَعُ لَهُ خَوْفٌ مِنْ الْمَاشِي فَإِذَا بَدَأَهُ بِالسَّلَامِ أَمِنَ ذَلِكَ وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْخَوْفِ بِالْقَاعِدِ فَقَدْ يَخَافُ الْمَاشِي مِنْ الْقَاعِدِ وَأَشْبَهَ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَاعِدَ عَلَى حَالِ وَقَارٍ وَسُكُونٍ وَثُبُوتٍ فَلَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِذَلِكَ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَاشِي؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ فَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا الْفَضِيلَةُ لِلْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّرْعُ «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» . «وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ:» فَأَمَرَ بِبُدَاءَتِهِمْ لِفَضْلِهِمْ؛ أَوْ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا بَدَءُوا الْوَاحِدَ خِيفَ عَلَيْهِ الْكِبْرُ وَالزَّهْوُ فَاحْتِيطَ لَهُ بِأَنْ لَا يُبْدَأَ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ انْتَهَى. وَأَمَّا تَسْلِيمُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ إجْلَالٌ مِنْ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ وَتَعْظِيمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السِّنَّ الْحَاصِلَ فِي الْإِسْلَامِ مَرْعِيٌّ فِي الشَّرْعِ يَحْصُلُ بِهِ التَّقْدِيمُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَا حَاجَةَ إلَى الْأَخْذِ فِي حِكْمَتِهِ وَعَارَضْت الْحَالُ أَنَّ الْمَفْضُولَ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ قَدْ يَبْدَأُ الْفَاضِلَ بِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَلَا تَحْسُنُ مُعَارَضَةُ مِثْلِ هَذِهِ التَّعَالِيلِ بِآحَادِ مَسَائِلَ شَذَّتْ عَنْهَا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الْكُلِّيَّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ أَنْ لَا يَشِذَّ عَنْهُ بَعْضُ الْجُزْئِيَّاتِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي تَكَلَّفَ الْعُلَمَاءُ إبْرَازَهَا هِيَ حُكْمٌ يُنَاسِبُ الْمَصَالِحَ الْمُحَسِّنَةَ وَالْمُكَمِّلَةَ وَلَا نَقُولُ إنَّهَا نُصِبَتْ نَصْبَ الْعِلَلِ الْوَاجِبَةِ الِاعْتِبَارَ حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا فَنَقُولُ: إنَّ ابْتِدَاءَ الْقَاعِدِ لِلْمَاشِي لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ ابْتِدَاءُ الْمَاشِي الرَّاكِبَ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلسَّلَامِ وَمُفْشٍ لَهُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ:» وَبِقَوْلِهِ «إذَا لَقِيت أَخَاك فَسَلِّمْ عَلَيْهِ:» . وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكُلٌّ مِنْ الْمَاشِي وَالْقَاعِدِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ إذَا لَقِيَهُ غَيْرَ أَنَّ مُرَاعَاةَ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) : مَتَى تَمَكَّنَ الْمَأْمُورُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالِابْتِدَاءِ مِنْهُ فَلَمْ يَبْتَدِئْ كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْمُبَادَرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِابْتِدَاءِ لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ وَقَدْ بَادَرَ إلَى فِعْلِ خَيْرٍ. (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «لِيُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ:» صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «يُسَلِّمُ» لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] ، وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا كُلُّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ عُكِسَ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي مُخَالَفَةِ الْأَفْضَلِ إنَّمَا هُوَ الْمَأْمُورُ بِالِابْتِدَاءِ دُونَ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْته الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الرَّابِعَةُ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الصِّغَرُ فِي السِّنِّ وَقَدْ يُرَادُ الصِّغَرُ فِي الْقَدْرِ فَقَدْ يَتَمَيَّزُ صَغِيرُ السِّنِّ عَلَى كَبِيرِهِ بِأُمُورٍ تُرَجِّحُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ صِغَرُ السِّنِّ وَأَمَّا صِغَرُ الْقَدْرِ فَمُلْحَقٌ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ صِغَرُ السِّنِّ الْمَنْصُوصُ عَلَى صِغَرِ الْقَدْرِ: الْمَقِيسِ وَالْمُرَادُ السِّنُّ الْحَاصِلُ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا اعْتَبَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي التَّقْدِيمِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ بِكِبَرِ السِّنِّ قَالَ الْمَازِرِيُّ، وَإِذَا تَلَاقَى رَجُلَانِ كِلَاهُمَا مَارٌّ فِي الطَّرِيقِ بَدَأَ الْأَدْنَى مِنْهُمَا الْأَفْضَلَ إجْلَالًا لِلْفَضْلِ وَتَعْظِيمًا لِلْخَيْرِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الدِّينِ مَرْعِيَّةٌ فِي الشَّرْعِ مُقَدَّمَةٌ. [فَائِدَة هَلْ يَسْتَوِي الرَّاكِبَانِ فِي السَّلَام عَلَى بَعْضهمَا] 1 (الْخَامِسَةُ) : هَلْ يَسْتَوِي الرَّاكِبَانِ أَوْ يُرَاعَى عُلُوُّ أَحَدِهِمَا فَيُسَلِّمَ حِينَئِذٍ رَاكِبُ الْجَمَلِ عَلَى رَاكِبِ الْفَرَسِ وَرَاكِبُ الْفَرَسِ عَلَى رَاكِبِ الْحِمَارِ، لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ لِذَلِكَ تَعَرُّضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ أَعَلَا مِنْ الْآخَرِ مَعَ اسْتِوَاءِ جِنْسِهِمَا وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ] (السَّادِسَةُ) : فَلَوْ تَسَاوَى الْمُتَلَاقِيَانِ فِي الْأُمُورِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحْثُوثًا عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِلِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ:» وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ النَّاسُ فِي الِابْتِدَاءٍ بِالسَّلَامِ إمَّا أَنْ تَتَسَاوَى أَحْوَالُهُمْ أَوْ تَتَفَاوَتَ فَإِنْ تَسَاوَتْ فَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ صَاحِبَهُ بِالسَّلَامِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوْلَى مُبَادَرَةُ ذَوِي الْمَرَاتِبِ الدِّينِيَّةِ كَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ احْتِرَامًا لَهُمْ وَتَوْقِيرًا وَأَمَّا ذَوُو الْمَرَاتِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمَحْضَةِ فَإِنْ سَلَّمُوا رُدَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ إعْجَابٌ أَوْ كِبْرٌ فَلَا يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ جَازَ أَنْ يُبْدَءُوا بِالسَّلَامِ وَابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ أَوْلَى بِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَوَاضُعِهِمْ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ إعْجَابٌ أَنْ يَتْرُكَ الرَّدَّ مُحْتَمَلٌ وَقَدْ يُقَالُ بَلْ الْأَوْلَى السَّلَامُ عَلَيْهِمْ إقَامَةً لِمَشْرُوعِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِرْغَامًا لَهُمْ وَالْمَعْصِيَةُ بِتَرْكِ الرَّدِّ هِيَ مِنْهُمْ لَا مَدْخَلَ لَنَا فِيهَا وَنَظِيرُ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ فِي الْمُلُوكِ الَّذِينَ اعْتَادُوا أَنْ لَا يُشَمَّتُوا إذَا عَطَسُوا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَرْكُ تَشْمِيتِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُمْ، وَالْحَظُّ لَهُمْ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَرْضَوْهُ لَمْ يُعْطَوْهُ وَيُحْتَمَلُ فِعْلُهُ مَعَهُمْ إقَامَةً لِلسُّنَّةِ وَإِرْغَامًا لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (السَّابِعَةُ) : لَوْ تَعَارَضَتْ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَمُرَّ كَبِيرٌ بِصَغِيرٍ قَاعِدٍ فَهَلْ تَكُونُ السُّنَّةُ ابْتِدَاءَ الْمَارِّ مَعَ كَوْنِهِ كَبِيرًا أَوْ ابْتِدَاءَ الصَّغِيرِ مَعَ كَوْنِهِ قَاعِدًا؟ وَكَذَا لَوْ مَرَّ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ بِجَمْعٍ قَلِيلٍ ذَهَبَ النَّوَوِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا إلَى النَّظَرِ إلَى الْمُرُورِ، فَقَالَ فَلَوْ وَرَدَ عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا. . [فَائِدَة مَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ] 1 (الثَّامِنَةُ) : فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَهُ سُنَّةٌ وَأَنَّ رَدَّهُ فَرْضٌ وَكَلَامُ الْمَازِرِيِّ يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَثْبَتَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ذَلِكَ قَوْلًا لِلْعُلَمَاءِ وَمَتَى كَانَ الْمُسَلِّمُ جَمَاعَةً فَهُوَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ إذَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ حَصَلَتْ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً كَانَ الرَّدُّ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ فَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْجَمِيعُ بِالسَّلَامِ وَأَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعُ. [فَائِدَة كَيْفِيَّةُ السَّلَامِ] (التَّاسِعَةُ) : كَيْفِيَّةُ السَّلَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْمَلُ فَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَيَكْفِي سَلَامٌ عَلَيْك وَالْأَفْضَلُ عَلَيْكُمْ لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ كُرِّهَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ سَلَامٌ يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقُلْ عَلَيْك السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْك تَحِيَّةَ الْمَوْتَى:» وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَأْتِي بِالْوَاوِ فَلَوْ حَذَفَهَا جَازَ، وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ عَلَى عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَلَيْكُمْ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا. [فَائِدَة مَعْنَى السَّلَامِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّلَامِ فَقِيلَ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مُنْقِذٍ «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَالَ إنِّي كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ» . وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَمَعَالِمِ السُّنَنِ لِلْخَطَّابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَك فَإِنَّهَا تَحِيَّتُك وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك قَالَ فَذَهَبَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ: قَالَ وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمْ يَزَلْ يَنْقُصُ الْخَلْقُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ:» .   Qاللَّهِ تَعَالَى فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ:» وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْك أَيْ أَنْتَ فِي حِفْظِهِ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ مَعَك وَاَللَّهُ يَصْحَبُك وَقِيلَ مَعْنَاهُ اللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْكُمْ فَلَا تَغْفُلُوا وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمْ أَيْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيْ إذَا كَانَ اسْمُ اللَّهِ يُذْكَرُ عَلَى الْأَعْمَالِ تَوَقُّعًا لِاجْتِمَاعِ مَعَانِي الْخَيْرَاتِ فِيهَا وَانْتِفَاءِ عَوَارِضِ الْفَسَادِ عَنْهَا وَقِيلَ السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ أَيْ السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَك وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَأَنَّ الْمُسَلِّمَ بِسَلَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ مُعْلِمٌ لَهُ بِأَنَّهُ مُسَالِمٌ لَهُ حَتَّى لَا يَخَافَهُ. [حَدِيث خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَك بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُك وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك قَالَ فَذَهَبَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ: قَالَ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ: وَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمْ يَزَلْ يَنْقُصُ الْخَلْقُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ» (فِيهِ) : فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (الثَّانِيَةُ) : قَوْلُهُ «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ:» الضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي عَوْدِ الضَّمَائِرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَدَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَنْتَقِلْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِي النَّشْأَةِ أَحْوَالًا وَلَا تَرَدَّدَ فِي الْأَرْحَامِ أَطْوَارًا كَذُرِّيَّتِهِ يُخْلَقُ أَحَدَهُمْ صَغِيرًا فَيَكْبُرُ وَضَعِيفًا فَيَقْوَى وَيَشْتَدُّ بَلْ خَلَقَهُ رَجُلًا كَامِلًا سَوِيًّا قَوِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارَ عَنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ يَوْمَ خَلَقَهُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بِالْأَرْضِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْجَنَّةِ عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى وَلَا اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُ وَلَا صُورَتُهُ كَمَا تَخْتَلِفُ صُوَرُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ عَوْدَ الضَّمِير عَلَى آدَمَ تَعْقِيبُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ إنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمْ مِنْ التَّشْبِيهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ مِثْلَ هَذَا إمَّا عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ هُنَا لِلتَّشْرِيفِ وَالِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَعْبَةِ (بَيْتُ اللَّهِ) : وَنَحْوُ ذَلِكَ وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصُّورَةَ بِمَعْنَى الصِّفَةِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا وَهِيَ الْعِلْمُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْ تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَالْإِيمَانِ بِأَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَهَا مَعَانٍ تَلِيقُ بِهَا فَوُكِّلَ عِلْمُهَا إلَى عَالِمِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ اتِّقَاءِ الْوَجْهِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ. (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا:» قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ مِنْ ذِرَاعِ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الذِّرَاعُ مُقَدَّرًا بِأَذْرِعَتِنَا الْمُتَعَارَفَةِ عِنْدَنَا. . [فَائِدَة حُكْم السَّلَامِ] 1 (الرَّابِعَةُ) : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَأَكُّدِ حُكْمِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ مِمَّا شُرِعَ وَكُلِّفَ بِهِ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ لَمْ يُنْسَخْ فِي شَرِيعَةٍ مِنْ الشَّرَائِعِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا تَحِيَّتُهُ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ شَرْعًا مَعْمُولًا بِهِ فِي الْأُمَمِ عَلَى اخْتِلَافِ شَرَائِعِهَا إلَى أَنْ انْتَهَى. ذَلِكَ إلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِهِ وَبِإِفْشَائِهِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِلْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ وَلِدُخُولِ الْجَنَّةِ الْعَلِيَّةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ. 1 - (الْخَامِسَةُ) : قَوْلُهُ «فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَك:» بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ التَّحِيَّةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَيُرْوَى «يُجِيبُونَك» مِنْ الْجَوَابِ. (السَّادِسَةُ) : فِيهِ سَلَامُ الْوَارِدِ عَلَى الْجَالِسِ وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. (السَّابِعَةُ) : فِيهِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَذَا اللَّفْظَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى «فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالنَّفَرِ:» قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ كَفَى وَلَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَفْضَلُ. [فَائِدَة رَدّ السَّلَامِ] (الثَّامِنَةُ) : فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِي رَدِّ السَّلَامِ زِيَادَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِقَوْلِهِمْ «وَرَحْمَةُ اللَّهِ:» وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَيْضًا (وَبَرَكَاتُهُ) : وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ لِزِيَادَةِ اللَّفْظَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ سَلَامِ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ ذَلِكَ (السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) : وَبِقَوْلِ الْمُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. . 1 - (التَّاسِعَةُ) : فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَيَأْتِي بِالْوَاوِ وَيُقَدِّمُ لَفْظَةَ عَلَيْكُمْ وَاسْتَأْنَسُوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} [هود: 69] وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ لَفْظِ السَّلَامِ، فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الرَّأْيُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلسَّلَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ جَوَابًا لِلْعَطْفِ فَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ فَلَيْسَ جَوَابًا قَطْعًا. [فَائِدَة ابْتِدَاء السَّلَامِ عَلَى الْوَاحِدِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) : فِيهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي جَوَابِ الْوَاحِدِ أَنْ يُقَالَ عَلَيْك السَّلَامُ فَيَأْتِي بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ، وَكَذَا فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ عَلَى الْوَاحِدِ لَوْ قَالَ لَهُ السَّلَامُ عَلَيْك كَفَى أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا قَالُوا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلَائِكَتَهُ. [فَائِدَة صِفَات النَّقْصِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْآدَمِيِّينَ فِي الدُّنْيَا] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ:» أَيْ عَلَى صِفَتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ النَّقْصِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْآدَمِيِّينَ فِي الدُّنْيَا مِنْ السَّوَادِ وَنَحْوِهِ تَنْتَفِي عَنْهُ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَلَا يَكُونُ الْأَعْلَى أَكْمَلَ الْحَالَاتِ وَأَحْسَنَ الْهَيْئَاتِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» . (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا:» الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِالْوَاوِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَأَنَّ الْمُرَادَ هَذِهِ الصِّفَةُ الْمَخْصُوصَةُ دُونَ غَيْرِهَا فَلَمَّا أَتَى بِالْوَاوِ انْتَفَى ذَلِكَ، وَإِذَا حُمِلَتْ الصُّورَةُ عَلَى مُطْلَقِ الصِّفَةِ كَانَ قَوْلُهُ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى صُورَةِ الْوَجْهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : قَوْلُهُ «فَلَمْ يَزَلْ يَنْقُصُ الْخَلْقُ بَعْدُ حَتَّى الْآنَ:» يَعْنِي أَنَّ كُلَّ قَرْنٍ تَكُونُ نَشْأَتُهُ فِي الطُّولِ أَقْصَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَانْتَهَى تَنَاقُصُ الطُّولِ إلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعَلَى طُولِهَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فَلَمْ يَقَعْ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا هَذَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ فَقَالَتْ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا نَرَى:» الصَّوَابُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا رِوَايَةُ عُرْوَةَ فَرَوَاهَا النَّسَائِيّ وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ. ..   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى زَمَانِنَا هَذَا تَفَاوُتٌ فِي الْخَلْقِ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ بَلْ النَّاسُ الْآنَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوِيلُهُمْ كَطَوِيلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَقَصِيرُهُمْ كَقَصِيرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث النَّبِيّ قَالَ لِعَائِشَةَ هَذَا جِبْرِيلُ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا هَذَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ، فَقَالَتْ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لَا نَرَى» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ يُرِيدُ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ هَذَا خَطَأٌ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ لِذِكْرِ عُرْوَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ رِوَايَتُهُ لَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ عَلَى إخْرَاجِهِ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) : فِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِسَلَامِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهَا لَكِنَّ مَنْقَبَةَ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ وَهِيَ سَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْمَشْهُورُ تَفْضِيلُ خَدِيجَةَ عَلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. . [فَائِدَة بَعْث السَّلَامِ] 1 (الثَّالِثَةُ) : قَوْلُهُ «يَقْرَأُ عَلَيْك السَّلَامَ:» بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يُسَلِّمُ عَلَيْك يُقَالُ قَرَأْت عَلَى فُلَانٍ السَّلَامَ فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ عَلَى، كَانَ رُبَاعِيًّا نَقُولُ أَقْرَأْته السَّلَامَ، وَهُوَ يُقْرِئُك السَّلَامَ فَتُضَمُّ يَاءُ الْمُضَارَعَةِ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ. (الرَّابِعَةُ) : فِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ السَّلَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ وَيَجِبُ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ وَقَالَ لِلْمُرْسِلِ إنِّي تَحَمَّلْت ذَلِكَ وَسَأُبَلِّغُهُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ كَمَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) : وَفِيهِ بَعْثُ الْأَجْنَبِيِّ السَّلَامَ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّالِحَةِ إذَا لَمْ يَخَفْ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (سَلَامُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ) . [فَائِدَة رَدّ السَّلَامِ عَلَى الْمُبَلِّغِ] 1 (السَّادِسَةُ) : وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي يُبَلِّغُ سَلَامَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ سَلَامٌ فِي وَرَقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ بِاللَّفْظِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا قَرَأَهُ. (السَّابِعَةُ) : ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَيْضًا فَيَقُولُ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَصَاحِبُهُ ابْنُ السُّنِّيِّ كِلَاهُمَا فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَبْلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ وَعَلَيْك وَعَلَى أَبِيك السَّلَامُ» لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَقْدِيمُ الرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ وَاَلَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الرَّدِّ عَلَى الْحَاضِرِ وَلَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الرَّدُّ عَنْهَا الرَّدُّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ مُبَلِّغُ السَّلَامَ عَنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَدْ يُقَالُ الْوَاقِعُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إبْلَاغُ السَّلَامِ عَنْ حَاضِرٍ إلَّا أَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ الْعَيْنِ وَلِهَذَا «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرَى مَا لَا نَرَى:» أَيْ إنَّك يَا رَسُولَ اللَّهِ تَرَى جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَا نَرَاهُ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ التَّمِيمِيِّ فَإِنَّهُ إبْلَاغُ سَلَامٍ عَنْ غَائِبٍ وَقَدْ يُقَالُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْمُبَلِّغِ وَتَرْكِهِ. (الثَّامِنَةُ) : فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ فِي الرَّدِّ: بِالْوَاوِ فَيَقُولُ فِي جَوَابِ الْحَاضِرِ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَفِي جَوَابِ الْغَائِبِ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِغَيْرِ وَاوٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُجْزِيهِ. [فَائِدَة الزِّيَادَة فِي رَدِّ السَّلَامِ] 1 (التَّاسِعَةُ) : فِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ. عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتهَا فَقُلْت عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قُلْت عَلَيْكُمْ:» . ..   Qفِي رَدِّ السَّلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (الْعَاشِرَةُ) : كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةُ «وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةُ «وَرَحْمَةُ اللَّهِ» فَقَطْ وَالْأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ وَاجِبٌ وَهَذَا غَايَةُ السَّلَامِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ «انْتِهَاءُ السَّلَامِ إلَى الْبَرَكَةِ:» . [حَدِيث دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَعَنْهَا قَالَتْ «دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتهَا فَقُلْت عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قُلْت عَلَيْكُمْ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) : أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ بِلَفْظِ «كَانَ الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْك فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إلَى قَوْلِهِمْ:» الْحَدِيثَ وَآخِرُهُ فَأَقُولُ «وَعَلَيْكُمْ:» كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَفِيهِ «وَعَلَيْكُمْ:» بِالْوَاوِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ بِلَفْظِ «عَلَيْكُمْ:» بِدُونِ وَاوٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ «وَعَلَيْكُمْ» وَفِيهِ «قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْت بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَالذَّامُّ:» وَفِيهِ «فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة: 8] » إلَى آخِرِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْآيَةِ. (الثَّانِيَةُ) : الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ لَا يَكُونُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الرَّهْطُ عَدَدٌ جَمْعٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَقِيلَ مِنْ سَبْعَةٍ إلَى عَشْرَةٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّهْطُ مِنْ الرِّجَالِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَقِيلَ إلَى الْأَرْبَعِينَ انْتَهَى. فَحُصِّلَ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا الْأَوَّلُ (الثَّالِثَةُ) : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّامِ فِي قَوْلِ الْيَهُودِ «السَّامُ عَلَيْكُمْ:» فَقَالَ الْجُمْهُورُ مُرَادُهُمْ بِهِ الْمَوْتُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً إلَّا السَّامُ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ:» وَقِيلَ مُرَادُهُمْ بِالسَّامِ السَّآمَةُ وَهِيَ الْمَلَالُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ وَهَذَا تَأْوِيلُ قَتَادَةَ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَئِمْت سَآمَةً وَسَآمًا مِثْلَ لَدَادَةٍ وَلَدَادٍ وَرَضَاعَةٍ وَرَضَاعٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذَا مُفَسَّرًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَخْلَدٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَاهُ تَسْأَمُونَ دِينَكُمْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَتُسَهَّلُ هَمْزَةُ سَآمٍ وَسَآمَةٍ. (الرَّابِعَةُ) : قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَفَهِمْتهَا:» إنَّمَا عَبَّرَتْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ حَذْفَ اللَّامِ فِي مِثْلِ هَذَا يَخْفَى غَالِبًا وَبِتَقْدِيرِ الْفِطْنَةِ لَهُ فَلَا يَظُنُّ السَّامِعُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْتِفَافِ الْحَرْفِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَفَهِمَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَذْفَ هَذَا الْحَرْفِ وَأَنَّهُ عَنْ قَصْدٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ التَّحِيَّةَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِهِ الدُّعَاءُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِمَا تَعْلَمُ مِنْ خُبْثِ بَاطِنِهِمْ وَقُبْحِ طَوِيَّتِهِمْ وَسُوءِ مَقَاصِدِهِمْ (الْخَامِسَةُ) : زَادَتْهُمْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى مَا قَالُوهُ اللَّعْنَةَ وَهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لَهَا إنْ مَاتُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالْكُفْرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنْكَارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهَا مِنْ أَجْلِ إطْلَاقِهَا لَعْنَتَهُمْ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّقْيِيدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ إرَادَةَ مُلَاطَفَتِهِمْ وَاسْتِئْلَافَ قُلُوبِهِمْ رَجَاءَ إيمَانِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ حِفْظَ اللِّسَانِ وَصَوْنَهُ عَنْ الْفُحْشِ وَلَوْ مَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَلِلْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي جَوَازِ لَعْنِ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْمَوْتِ عَلَى كُفْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «بَلْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَالذَّامُّ:» الْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَهُوَ الذَّمُّ وَيُقَالُ بِالْهَمْزِ أَيْضًا وَالْأَشْهَرُ تَرْكُ الْهَمْزِ وَأَلِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَالذَّامُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالذَّيْمُ وَالذَّمُّ بِمَعْنَى الْعَيْبِ وَرُوِيَ «الدَّامُ:» بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ الدَّائِمُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ ابْنُ الْأَثِيرِ حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، وَهُوَ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ وَاوٍ فَإِنَّهُ صِفَةٌ لِلسَّامِ وَفِي نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا إنَّمَا نَقَلَ عَنْهُ أَنَّ الدَّامَ بِمَعْنَى الدَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ كَذَلِكَ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ قَبْلَهُ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ فِيهِ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْمُهْمَلَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. [فَائِدَة الِانْتِصَارُ مِنْ الْمَظَالِمِ] 1 (السَّادِسَةُ) : وَفِيهِ الِانْتِصَارُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالِانْتِصَارُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ. . [فَائِدَة تَغَافُل أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ] 1 (السَّابِعَةُ) : قَوْلُهُ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ:» هُوَ مِنْ عَظِيمِ خُلُقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَمَالِ حِلْمِهِ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الرِّفْقِ وَالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَمُلَاطَفَةِ النَّاسِ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى الْمُخَاشَنَةِ. (الثَّامِنَةُ) : وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَغَافُلِ أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَفِي التَّنْزِيلِ {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ، عَظِّمُوا مَقَادِيرَكُمْ بِالتَّغَافُلِ وَهَذَا الْكَلَامُ مِمَّا كَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤَدِّبُنِي بِهِ فِي مَبْدَأِ شَبَابِي حِينَ يَرَى غَضَبِي مِنْ كَلِمَاتٍ تَرِدُ عَلَيَّ. . [فَائِدَة الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا سَلَّمُوا] (التَّاسِعَةُ) : فِيهِ الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا سَلَّمُوا وَقَدْ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِوُجُوبِهِ وَمَنَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا: لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَمَّا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ: فَمَنَعَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى جَوَازِهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ مُحَيْرِيزٍ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ قَالَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْك وَلَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِعُمُومِ أَحَادِيثِ إفْشَاءِ السَّلَامِ وَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمَسُّك بِهَا مَعَ وُرُودِ الْمُخَصِّصِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ:» وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَلَا يُحَرَّمُ وَيَرُدُّهُ أَنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ سَبَبٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنْ سَلَّمْت فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ، وَإِنْ تَرَكْت فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ. (الْعَاشِرَةُ) : وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ وَلَا يَأْتِي بِلَفْظِ السَّلَامِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ (وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) : وَلَكِنْ لَا يَقُولُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) : فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ «عَلَيْكُمْ:» بِدُونِ وَاوٍ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِهَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَهُ بِالْوَاوِ وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَ الْوَاوَ صَارَ كَلَامُهُمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً، وَإِذَا أَثْبَتَ الْوَاوَ اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ حَذْفَ الْوَاوِ وَإِثْبَاتَهَا جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ وَأَنَّ الْوَاوَ أَجْوَدُ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ السَّامَ الْمَوْتُ، وَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ فَقَالُوا عَلَيْكُمْ الْمَوْتُ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ كُلُّنَا نَمُوتُ وَ (الثَّانِي) : أَنَّ الْوَاوَ هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيكِ وَتَقْدِيرُهُ وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمِّ وَأَمَّا مَنْ حَذَفَ الْوَاوَ فَتَقْدِيرُهُ عَلَيْكُمْ السَّامُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ حَذْفَ الْوَاوِ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ التَّشْرِيكَ وَقَالَ غَيْرُهُ بِإِثْبَاتِهَا كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ عَلَيْكُمْ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ الْحِجَارَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ انْتَهَى. وَفِيمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِنْ حَذْفِ الْوَاوِ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رِوَايَتَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ هِيَ الرِّوَايَةُ الْوَاضِحَةُ الْمَعْنَى وَأَمَّا مَعَ إثْبَاتِ الْوَاوِ فَفِيهَا إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ تَقْتَضِي التَّشْرِيكَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا بِهِ عَلَيْنَا مِنْ الْمَوْتِ أَوْ مِنْ سَآمَةِ دِينِنَا وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ كَمَا زِيدَتْ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى أَيْ لَمَّا أَجَزْنَا انْتَحَى فَزَادَ الْوَاوَ وَقِيلَ إنَّ الْوَاوَ فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِئْنَافِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالسَّامُ عَلَيْكُمْ وَهَذَا كُلُّهُ فِيهِ بُعْدٌ، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا مِنْ الْعَطْفِ غَيْرَ أَنَّا نُجَابُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَيْنَا كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 112 وَعَنْهَا قَالَتْ «كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ إنَّهَا إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِوَايَةُ حَذْفِ الْوَاوِ أَحْسَنُ مَعْنًى وَإِثْبَاتُهَا أَصَحُّ رِوَايَةً وَأَشْهَرُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ يَقُولُ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَاك السَّلَامُ أَيْ ارْتَفَعَ عَنْك. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) : فَإِنْ قُلْت إنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَصِرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَوْلِنَا عَلَيْكُمْ بِدُونِ لَفْظَةِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي ابْتِدَائِهِمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَأْتُوا بِلَفْظِ السَّلَامِ فَلَوْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَتَى بِلَفْظِ السَّلَامِ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ نُجِيبَهُ بِقَوْلِنَا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ؟ (قُلْت) : وَلَوْ تَحَقَّقْنَا ذَلِكَ لَا نَعْدِلُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ الْوَارِدَةِ مِنْ الشَّارِعِ فَلَعَلَّهُ حَرَّفَهُ تَحْرِيفًا خَفِيًّا أَوْ أَرَادَ بِقَلْبِهِ غَيْرَ مَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) : بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ (بَابُ إذَا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَرِّحْ نَحْوُ قَوْلِهِ السَّامُ عَلَيْكُمْ) : وَأَوْرَدَ فِي الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثَ أَنَسٍ قَالَ «مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ السَّامُ عَلَيْك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْك ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا يَقُولُ قَالَ السَّامُ عَلَيْك قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ، قَالَ لَا، إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ:» . [حَدِيث كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْهَا قَالَتْ «كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ إنَّهَا إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ هَذَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ: الْأُولَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 عَلَيْكُنَّ هَذَا:» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ «قَالَتْ فَحَجَبُوهُ:» وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «وَوَصَفَ الْمَرْأَةَ الَّتِي نَعَتَهَا أَنَّهَا ابْنَةُ غَيْلَانَ:» . .   Qأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ «قَالَتْ فَحَجَبُوهُ:» وَرَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْتِ قَالَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَإِنِّي أَدُلُّك عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ قَالَتْ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا يَدْخُلْ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ» . (الثَّانِيَةُ) : الْمُخَنَّثُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ فِي أَخْلَاقِهِ وَكَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ فَيَلِينُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَكَسَّرُ فِي مِشْيَتِهِ وَيَنْثَنِي فِيهَا وَقَدْ يَكُونُ هَذَا خِلْقَةً لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَصَنَّعُهُ فَالْأَوَّلُ لَا ذَمَّ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَلَا عُقُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالثَّانِي مَذْمُومٌ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِلَعْنِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ» . وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمُخَنَّثُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُلُقَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ حِينَ كَانَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِهِنَّ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَسَنَةِ مِنْهُنَّ وَالْقَبِيحَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ خِلْقَةً أَنَّهُ كَذَلِكَ فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ مَنَعَهُ الدُّخُولَ عَلَيْهِنَّ. (الثَّالِثَةُ) : اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَشْهَرُ أَنَّهُ (هِيتٌ) : بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقٍ، وَقِيلَ صَوَابُهُ (هِنْبٌ) : بِالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَهُ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ وَقَالَ إنَّ مَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ قَالَ وَالْهَنَبُ الْأَحْمَقُ وَقِيلَ (تَابِعٌ) : بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ مَوْلَى أَبِي فَاخِتَةَ الْمَخْزُومِيَّةِ. [فَائِدَة التَّخَنُّث لَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ] 1 (الرَّابِعَةُ) : قَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ سَبَبَ دُخُولِهِ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّسَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِي أَوْصَافِهِنَّ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ مِنْهُنَّ وَلَا شَهْوَةَ لَهُ أَصْلًا وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجِبُ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ حُجِبَ وَمُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ فَفِيهِ أَنَّ التَّخَنُّثَ وَلَوْ كَانَ أَصْلِيًّا لَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ وَأَنَّهُ كَانَ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ لَا كَوْنِهِ مُخَنَّثًا. (الْخَامِسَةُ) : قَوْلُهَا «، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ» . قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَوْلُهَا «، وَهُوَ يَنْعَتُ» بِالنُّونِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ أَيْ يَصِفُ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَنْعُوتَةُ قَدْ تَبَيَّنَ بِالرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا بِنْتُ غَيْلَانَ وَاسْمُهَا (بَادِيَةُ) : بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَقِيلَ بِالنُّونِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ الصَّوَابُ بِالْبَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. (السَّادِسَةُ) : قَوْلُهُ «إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ:» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ عُكَنٍ وَأَدْبَرَتْ بِثَمَانِ عُكَنٍ، وَالْعُكَنُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ جَمْعُ عُكْنَةٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَعْكَانٍ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ تُقْبِلُ بِهِنَّ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ثِنْتَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَرَفَانِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتْ الْأَطْرَافُ ثَمَانِيَةً قَالُوا، وَإِنَّمَا أَنَّثَ فَقَالَ ثَمَانٍ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ (بِثَمَانِيَةٍ) : فَإِنَّ الْمُرَادَ الْأَطْرَافُ وَهِيَ مُذَكَّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكَّرْ لَفْظُهُ وَمَتَى حُذِفَ الْمَعْدُودُ جَازَ حَذْفُ التَّاءِ وَلَمْ يَلْزَمْ إثْبَاتُهَا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّثَ الْعَدَدَ لِتَأْنِيثِ الْمَعْدُودِ، وَهُوَ الْعُكَنُ جَمْعُ عُكْنَةٍ. (السَّابِعَةُ) : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاقِدِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْكَلْبِيُّ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْمُخَنَّثُ (هِيتٌ) : وَكَانَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِثَمَانٍ مَعَ ثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ إنْ جَلَسَتْ تَثَنَّتْ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ بَيْنَ رِجْلَيْهَا كَالْإِنَاءِ الْمَكْفُو، وَهِيَ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ تَعْتَرِفُ الطَّرْفَ وَهِيَ لَاهِيَةٌ ... كَأَنَّمَا شَفَّ وَجْهَهَا شَرَفُ بَيْنَ شُكُولِ النِّسَاءِ خِلْقَتُهَا ... قَصْدًا فَلَا عَبْلَةُ وَلَا نِصْفُ تَنَامُ عَنْ كِبَرِ شَأْنِهَا فَإِذَا ... قَامَتْ رُوَيْدًا تَكَادُ تَنْقَصِفُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقَدْ غَلَّظْت النَّظَرَ إلَيْهَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ ثُمَّ أَجَلَاهُ عَنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحِمَى» قَالَ فَلَمَّا فُتِحَتْ الطَّائِفُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ فِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ، وَلَمْ يَزَلْ (هِيتٌ) : بِذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ كُلِّمَ فِيهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كُلِّمَ فِيهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ ثُمَّ كُلِّمَ فِيهِ بَعْدُ وَقِيلَ إنَّهُ قَدْ كَبُرَ وَضَعُفَ وَضَاعَ فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَيَسْأَلَ وَيَرْجِعَ إلَى مَكَانِهِ. [فَائِدَة الدُّخُول عَلَى النِّسَاءِ] 1 (الثَّامِنَةُ) : قَوْلُهُ «لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا:» كَذَا رُوِّينَاهُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ الشَّدِيدَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ «هَذَا:» فَاعِلًا وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ لَهُنَّ وَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا مَفْعُولًا وَيَدُلُّ لِلرِّوَايَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «لَا يَدْخُلُ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ» ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ الْمُخَنَّثِينَ لَمَّا رَأَى مِنْ وَصْفِهِمْ النِّسَاءَ وَمَعْرِفَتِهِمْ مَا يَعْرِفُهُ الرِّجَالُ مِنْهُنَّ فَكَانَ هَذَا سَبَبًا لِوُرُودِ هَذَا الْأَمْرِ ثُمَّ إنَّهُ عَمَّمَ الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَنْ وَصْفُهُ كَوَصْفِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (التَّاسِعَةُ) : تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ زِيَادَةٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ وَهِيَ نَفْيُهُ إلَى الْحِمَى وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَرَّبَ هِيتًا: وَمَاتِعًا: إلَى الْحِمَى» ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَارُودِيُّ نَحْوَ الْحِكَايَةِ عَنْ «مُخَنَّثٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أَنَّةَ: وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَاهُ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ» حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَقَالَا وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ (هِيتٌ) : قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِخْرَاجُهُ وَنَفْيُهُ كَانَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: (أَحَدُهَا) : الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وَكَانَ مِنْهُمْ وَيَتَكَتَّمُ ذَلِكَ (وَالثَّانِي) : وَصْفُهُ النِّسَاءَ وَمَحَاسِنَهُنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَقَدْ نُهِيَ أَنْ تَصِفَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا فَكَيْفَ إذَا وَصَفَهَا الرَّجُلُ لِلرِّجَالِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 (أَبْوَابُ الْأَدَبِ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رِوَايَةً وَقَالَ مَرَّةً يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» .   Qوَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ مِنْ النِّسَاءِ وَأَجْسَامِهِنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ فَكَيْفَ الرِّجَالُ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ وَصَفَهَا حَتَّى وَصَفَ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا أَيْ فَرْجَهَا وَمَا حَوَالَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالنَّفْيِ عَنْ الْوَطَنِ لِمَنْ يُخَافُ مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْفِسْقُ وَعَلَى تَحْرِيمِ ذِكْرِ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إطْلَاعَ النَّاسِ عَلَى عَوْرَتِهَا وَتَحْرِيكَ النُّفُوسِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ مِنْهَا وَأَمَّا ذِكْرُ مَحَاسِنِ مَنْ لَا تُعْرَفُ مِنْ النِّسَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَدْعُ إلَى مَفْسَدَةٍ مِنْ تَهْيِيجِ النُّفُوسِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي مُحَرَّمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَبْوَابُ الْأَدَبِ] [حَدِيث لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ] (أَبْوَابُ الْأَدَبِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رِوَايَةً وَقَالَ مَرَّةً يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ عَنْ أَبِيهِ. (الثَّانِيَةُ) هَذَا النَّهْيُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ وَلَا لِلْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِرْشَادِ فَهُوَ كَالْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا كَانَ لِلنَّدْبِ فِي الْفِعْلِ وَلِلْكَرَاهَةِ فِي التَّرْكِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ وَالْإِرْشَادَ يَرْجِعُ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ» وَأَرَادَ بِالْفُوَيْسِقَةِ الْفَأْرَةَ لِخُرُوجِهَا عَلَى النَّاسِ مِنْ جُحْرِهَا بِالْفَسَادِ وَقَوْلُهُ (تُضْرِمُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ تُحْرِقُ سَرِيعًا وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الدُّهْنِ فَتَمُرُّ بِالشَّيْءِ فَتُحْرِقُهُ وَالنَّاسُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشُّومُ فِي ثَلَاثٍ: الْفَرَسُ وَالْمَرْأَةُ وَالدَّارُ» قَالَ سُفْيَانُ إنَّمَا نَحْفَظُهُ عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي الشُّومَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «إنْ كَانَ الشُّومُ فِي شَيْءٍ فَفِي» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي أَوَّلِهِ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَالْخَادِمِ» بَدَلَ الْمَرْأَةِ وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ لِلنَّسَائِيِّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى   Qنِيَامٌ لَا يُبَادِرُونَ إلَى طَفْئِهَا فَتَنْتَشِرُ النَّارُ وَتُحْرِقُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخَمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ: إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقُكُمْ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ «احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَأْنِهِمْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ النَّارَ إنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ» وَمَعْنَى كَوْنِهَا عَدُوًّا لَنَا، أَنَّهَا تُنَافِي أَبْدَانَنَا وَأَمْوَالَنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مُنَافَاةَ الْعَدُوِّ وَلَكِنْ تَتَّصِلُ مَنْفَعَتُهَا بِنَا بِوَسَائِطَ فَذَكَرَ الْعَدَاوَةَ مَجَازًا لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ نَارُ السِّرَاجِ وَغَيْرُهَا. وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ، وَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالْإِطْفَاءِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ فَإِذَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ زَالَ الْمَنْعُ. [حَدِيث الشُّومُ فِي ثَلَاثٍ الْفَرَسُ وَالْمَرْأَةُ وَالدَّارُ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشُّومُ فِي ثَلَاثٍ: الْفَرَسُ وَالْمَرْأَةُ وَالدَّارُ» قَالَ سُفْيَانُ: إنَّمَا نَحْفَظُهُ عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي الشُّومَ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى هَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 «وَالسَّيْفِ» فَجَعَلَهَا أَرْبَعًا وَلِابْنِ مَاجَهْ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَزِيدَ مَعَهُنَّ «السَّيْفَ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ مِخْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ «لَا شُومَ وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي ثَلَاثَةٍ» الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ حَكِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ..   Qرَوَيَا عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: لَمْ يَرْوِ لَنَا الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ إلَّا عَنْ سَالِمٍ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَفِي أَوَّلِهِ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِمَا وَهَذَا يُخَالِفُ مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ وَحْدَهُ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالسَّيْفِ» فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَالِمٍ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ وَأَرْسَلَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ «السَّيْفَ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حَمْزَةَ وَحْدَهُ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ «إنْ كَانَ الشُّومُ فِي شَيْءٍ» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَمُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَحْدَهُ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ جَدِّهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «إنْ كَانَ الشُّومُ فِي شَيْءٍ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «إنْ يَكُنْ مِنْ الشُّومِ شَيْءٌ حَقٌّ» وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَاذَا فِي أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ رَجُلَيْنِ عَنْ رَجُلٍ فَيَجْمَعَهُمَا تَارَةً وَيُفْرِدَ كُلَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَاحِدٍ مِنْهُمَا أُخْرَى. (الثَّانِيَةُ) (الشُّومُ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْوَاوِ وَأَصْلُهَا الْهَمْزَةُ وَلَكِنَّهَا خُفِّفَتْ فَصَارَتْ وَاوًا وَغَلَبَ عَلَيْهَا التَّخْفِيفُ حَتَّى لَمْ يُنْطَقْ بِهَا مَهْمُوزَةً وَكَذَلِكَ ذَكَرَهَا فِي النِّهَايَةِ فِي الشِّينِ مَعَ الْوَاوِ وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ فِي الشِّينِ مَعَ الْهَمْزَةِ عَلَى أَصْلِهَا وَالشُّومُ ضِدُّ الْيُمْنِ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُحْكَمِ وَالنِّهَايَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الشُّومُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّحْسُ وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] قَالُوا مَشَائِيمَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَحِسَاتٍ ذَاتُ نُحُوسٍ مَشَائِيمَ. . [فَائِدَة فِي مَعْنَى الشُّومِ] 1 (الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) إنْكَارُهُ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ مُعْتَقَدِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَارَتْ شُقَّةٌ مِنْهَا فِي السَّمَاءِ وَشُقَّةٌ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَتْ: كَذَبَ وَاَلَّذِي أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ بِهَذَا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: الطِّيَرَةُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ» ثُمَّ قَرَأَتْ عَائِشَةُ {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: (وَكَذَبَ) فِي كَلَامِهَا بِمَعْنَى غَلِطَ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَبَرًا عَمَّا كَانَتْ تَعْتَقِدُهُ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا عَلَى مَا قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ نَسَخَ وَأَبْطَلَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَ الشُّومُ فِي شَيْءٍ فَهُوَ فِيمَا بَيْنَ اللَّحْيَيْنِ يَعْنِي اللِّسَانَ، وَمَا شَيْءٌ أَحْوَجُ إلَى طُولِ سِجْنٍ مِنْ لِسَانٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَمَّا حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ بَعْضِهِمْ هُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثْ لِيُخْبِرَ عَنْ النَّاسِ بِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ بِمَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَعْلَمُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ، وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ عَنْ عَادَةِ مَا يُتَشَاءَمُ بِهِ لَا أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الشَّرْعِ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْطِيلٌ لِكَلَامِ الشَّارِعِ عَنْ الْفَوَائِدِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لِبَيَانِهَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ. (الْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا فِي الشُّومِ فَيُجْرِي: اللَّهُ تَعَالَى الشُّومَ عِنْدَ وُجُودِهَا بِقَدَرِهِ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ قَرَأَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا شَاهِدٌ أَخْبَرَك ابْنُ الْقَاسِمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الشُّومِ فِي الْفَرَسِ وَالدَّارِ فَقَالَ: كَمْ مِنْ دَارٍ سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا ثُمَّ سَكَنَهَا آخَرُونَ فَهَلَكُوا فَهَذَا تَفْسِيرُهُ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْضٌ عِنْدَنَا يُقَالُ لَهَا: أَرْضُ أَبَيْنَ هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا وَمِيرَتِنَا وَإِنَّهَا وَبِيئَةٌ أَوْ قَالَ: وَبَاؤُهَا شَدِيدَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهَا عَنْك فَإِنَّ مِنْ الْقَرَفِ التَّلَفَ» ثُمَّ رَوَى أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ فَرْوَةَ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ فَإِنَّ اسْتِصْلَاحَ الْأَهْوِيَةِ مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْأَبَدَانِ وَفَسَادَ الْهَوَاءِ مِنْ أَسْرَعِهَا إلَى إسْقَاطِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا إبْطَالًا لِمَا وَقَعَ مِنْهَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا أَصَابَهُمْ بِسَبَبِ سُكْنَاهَا، فَإِذَا تَحَوَّلُوا عَنْهَا انْقَطَعَتْ مَادَّةُ ذَلِكَ الْوَهْمِ وَزَالَ عَنْهُمْ مَا خَامَرَهُمْ مِنْ الشُّبْهَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ مَالِكٍ وَلَيْسَ مِنْهُ إضَافَةُ الشُّومِ إلَى الدَّارِ وَلَا تَعْلِيقُهُ بِهَا وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَرْيِ الْعَادَةِ فِيهَا فَيَخْرُجُ الْمَرْءُ عَنْهَا صِيَانَةً لِاعْتِقَادِهِ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِهَا التَّعَلُّقَ الْبَاطِلَ وَالِاهْتِمَامَ بِغَيْرِهِمْ قَالَ: وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْخَبَرُ فِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شُومَ وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مِخْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ نَفَى نِسْبَةَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إلَى الدُّورِ وَالنِّسَاءِ وَالْبَهَائِمِ وَأَجَازَ نِسْبَةَ الْيُمْنِ إلَيْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صَلَاحِ الْأَبَدَانِ وَفَرَاغِ الْقُلُوبِ عَنْ الِاهْتِمَامِ، قَالَ وَقَوْلُهُ دَعُوهَا ذَمِيمَةً إخْبَارٌ بِأَنَّ وَصْفَهَا بِذَلِكَ جَائِزٌ وَذِكْرَهَا بِقَبِيحِ مَا جَرَى فِيهَا سَائِغٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ كَائِنًا مِنْهَا وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ ذَمُّ الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْهُ شَرْعًا. أَلَا تَرَى أَنَّا نَذُمُّ الْعَاصِيَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ حُكْمٌ عَقْلِيٌّ، وَجَوَازُ ذَمِّهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَاجْتَمَعَا وَاتَّفَقَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ تَخَيَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ التَّطَيُّرَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا طِيَرَةَ وَأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهَا فَكَأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ: لَا طِيَرَةَ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَمَنْ تَشَاءَمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا نَزَلَ بِهِ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَارَ إلَى هَذَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَعَضَّدَهُ بِمَا يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ» . ثُمَّ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ كَلَامَ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُظَنُّ بِمَنْ قَالَ: هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ مِنْ الطِّيَرَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ هُوَ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ فِيهَا وَتَفْعَلُ عِنْدَهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لَا تَقْدَمُ عَلَى مَا تَطَيَّرَتْ بِهِ وَلَا تَفْعَلُهُ بِوَجْهٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطِّيَرَةَ تَضُرُّ قَطْعًا، فَإِنَّ هَذَا الظَّنَّ خَطَأٌ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَكْثَرُ مَا يَتَشَاءَمُ النَّاسُ بِهَا لِمُلَازَمَتِهِمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَبَاحَ الشَّرْعَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ غَيْرَهُ مِمَّا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ وَيَسْكُنُ إلَيْهِ خَاطِرُهُ وَلَمْ يُلْزِمْهُ الشَّرْعُ أَنْ يُقِيمَ فِي مَوْضِعٍ يَكْرَهُهُ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ يَكْرَهُهَا بَلْ قَدْ فَسَّحَ لَهُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَكِنْ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَثَرٌ فِي الْوُجُودِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى قَوْلِهِ «الطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ» أَنَّ إثْمَهَا عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا قَالَ: وَقَوْلُهُ «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» قَالَهُ لَهُمْ لِمَا رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الطِّيَرَةِ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ بَيَّنَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ أَنْ لَا طِيَرَةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ إبْطَالِ الطِّيَرَةِ إنْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوْ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ لَا يُعْجِبُهُ ارْتِبَاطَهُ فَلْيُفَارِقْهَا بِأَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الدَّارِ [وَيُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ] وَيَبِيعَ الْفَرَسَ وَمَحَلُّ هَذَا الْكَلَامِ مَحَلُّ اسْتِثْنَاءِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْخُرُوجِ مِنْ كَلَامٍ إلَى غَيْرِهِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْخَطَّابِيَّ نَقَلَ هَذَا عَنْ كَثِيرِينَ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ «إنْ كَانَ الشُّومُ فِي شَيْءٍ» فَفِي قَوْلٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُذْكَرْ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ بِهِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ وَالتَّقْرِيبِ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَيْسَ لِشُومِهَا مَا يُتَوَقَّعُ بِسَبَبِ اقْتِنَائِهَا مِنْ الْهَلَاكِ بَلْ شُومُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا وَأَذَاهُمْ وَقِيلَ: بُعْدُهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَعَدَمُ سَمَاعِ الْأَذَانِ مِنْهَا، وُشُومُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَتَعَرُّضُهَا لِلرَّيْبِ، وُشُومُ الْفَرَسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا وَقِيلَ: حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا، وُشُومُ الْخَادِمِ سُوءُ خُلُقِهِ وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فُوِّضَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qإلَيْهِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت مَنْ يُفَسِّرُ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ: شُومُ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ وَلُودٍ وُشُومُ الْفَرَسِ إذَا لَمْ يُغْزَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وُشُومُ الدَّارِ جَارُ السُّوءِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالشُّومِ هُنَا عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «سَعَادَةُ ابْنِ آدَمَ فِي ثَلَاثَةٍ وَشِقْوَةُ ابْنِ آدَمَ فِي ثَلَاثَةٍ فَمِنْ سَعَادَتِهِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَتِهِ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ» وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الرَّابِعِ بِأَنْ قَرَنَ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14] وَذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ «مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضُرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنِسْبَتُهُ إلَى أَنَّهُ مُرَادُ الشَّرْعِ فَاسِدَةٌ. [فَائِدَة فِي النَّهْي عَنْ الْفِرَارِ مِنْ بَلَدِ الطَّاعُونِ] 1 (الرَّابِعَةُ) حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْفِرَارِ مِنْ بَلَدِ الطَّاعُونِ وَأَبَاحَ الْفِرَارَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ» فَمَا الْفَرْقُ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَامِعَ لِهَذِهِ الْفُصُولِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. (أَحَدُهَا) مَا لَمْ يَقَعْ الضَّرَرُ بِهِ وَلَا اطَّرَدَتْ بِهِ عَادَةٌ خَاصَّةً وَلَا عَامَّةً فَهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إلَيْهِ وَهُوَ الطِّيَرَةُ. (وَالثَّانِي) مَا يَقَعُ الضَّرَرُ عِنْدَهُ عُمُومًا لَا يَخُصُّهُ وَنَادِرًا لَا مُتَكَرِّرًا كَالْوَبَاءِ فَلَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ. (وَالثَّالِثُ) مَا يَخُصُّ وَلَا يَعُمُّ كَالدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ فَهَذَا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ. [فَائِدَة حَصَرُ الشُّومَ فِي ثَلَاثٍ الفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار] (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ (الشُّومُ فِي ثَلَاثٍ) حَصَرَ الشُّومَ فِيهَا بِاخْتِلَافِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا قُلْنَا: إنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةٌ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيّ مُرْسَلًا ذَكَرَ السَّيْفَ أَيْضًا، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ جَدَّتَهُ زَيْنَبَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعُدْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَ وَتَزِيدَ مَعَهُنَّ السَّيْفَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ وَالْخَادِمِ وَالْفَرَسِ» فَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرْأَةَ، وَذَكَرَ الْخَادِمَ بَدَلَهَا وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ مَعَ الثَّلَاثِ شَيْئَانِ آخَرَانِ الْفَرَسُ وَالْخَادِمُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ حَصْرُ عَادَةٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ كُلَّ حَيَّةٍ وَجَدَهَا فَرَآهُ أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُطَارِدُ حَيَّةً فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ» ..   Qلَا خِلْقَةٍ فَإِنَّ الشُّومَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الِاثْنَيْنِ فِي الصُّحْبَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي السَّفَرِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ يَسْتَجِدُّهُ الْعَبْدُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا لَبِسَ أَحَدُكُمْ ثَوْبًا جَدِيدًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ سَأَلَ مَا وَجْهُ خُصُوصِيَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ هَذِهِ ضَرُورِيَّةٌ فِي الْوُجُودِ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مُلَازَمَتِهَا غَالِبًا فَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ التَّشَاؤُمُ بِهَا فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِذَلِكَ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ (الْفَرَسُ) كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ (الدَّابَّةُ) بَدَلَ الْفَرَسِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الدَّابَّةَ وَأَرَادَ بِهَا الْفَرَسَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَبَّهَ بِالْفَرَسِ عَلَى مَا عَدَاهَا مِنْ الدَّوَابِّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (وَالْمَرْأَةُ) ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الزَّوْجَةَ وَالْمَمْلُوكَةَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (وَالْخَادِمِ) يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ. (الثَّامِنَةُ) (الرَّبْعُ) الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هُوَ بِمَعْنَى الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الرَّبْعُ الدَّارُ بِعَيْنِهَا حَيْثُ كَانَتْ ثُمَّ قَالَ: وَالرَّبْعُ الْمَحَلَّةُ يُقَالُ: مَا أَوْسَعَ رَبْعِ بَنِي فُلَانٍ. انْتَهَى. فَإِنَّ حَمْلَ الْحَدِيثَ عَلَى الثَّانِي كَانَ أَعَمَّ مِنْ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالرَّبْعِ الدَّارُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ وَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الدُّكَّانُ وَالْفُنْدُقُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَصْلُحُ الرَّبْعُ لَهُ. [حَدِيث اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ كُلَّ حَيَّةٍ يَجِدُهَا فَرَآهُ أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُطَارِدُ حَيَّةً فَقَالَ: إنَّهُ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ عَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاقِدِ، وَأَبُو دَاوُد عَنْ مُسَدَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِيِّ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَمَعْمَرٍ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ «حَتَّى رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَا: إنَّهُ قَدْ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ لَا تَقْتُلْهَا، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: فَرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَالزُّبَيْرِيُّ وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (رَآنِي أَبُو لُبَابَةَ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ) وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي بَعْدَ مَا حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ حَيَّةً فِي دَارِهِ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ يَعْنِي إلَى الْبَقِيعِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ نَافِعٌ ثُمَّ رَأَيْتهَا بَعْدُ فِي بَيْتِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ قَالَ: فَلَقِيت أَبَا لُبَابَةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا تَقْتُلُوا مِنْ الْحَيَّاتِ إلَّا كُلَّ أَبْتَرِ ذِي طُفْيَتَيْنِ» وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَصَوَّبَ قَوْلَ مَنْ قَالَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ نَافِعًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ لَمْ يَزِدْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ إلَّا الْقَعْنَبِيُّ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ وَلَمْ يَرْوِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ إلَّا الْقَعْنَبِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ (قُلْت) لَعَلَّهُ أَرَادَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ. (الثَّانِيَةُ) أَبُو لُبَابَةَ بِضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ أَلْفٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ أَيْضًا هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ: بَشِيرٌ، وَقِيلَ: رِفَاعَةُ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ بَدْرِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَرَجَ إلَيْهَا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ مِنْ الرَّوْحَاءِ وَأَمَّرَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ غَيْرُهُ: مَاتَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ. وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ أَخُو عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَبِيهِ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْهُ وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ وَحَزِنَ عَلَيْهِ عُمَرُ حُزْنًا شَدِيدًا. (الثَّالِثَةُ) الْحَيَّاتُ جَمْعُ حَيَّةٍ وَهُوَ الْجِنْسُ الْمَعْرُوفُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ نَوْعٌ دُونَ نَوْعٍ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ (وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَتُطْلَقُ الْحَيَّةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِنَّمَا دَخَلَتْهُ الْهَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسٍ كَبَطَّةٍ وَدَجَاجَةٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْعَرَبِ رَأَيْت حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ أَيْ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْحَيَاةِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلِهَذَا قَالُوا فِي النِّسْبَةِ إلَيْهَا حَيَوِيٌّ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْوَاوِيِّ لَقَالُوا: حَوَوِيٌّ وَالْحَيَّوْتُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ذَكَرُ الْحَيَّاتِ. . [فَائِدَة الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتٍ وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لِلِاسْتِحْبَابِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِنْسَانُ مُحْرِمًا أَمْ لَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ لَكِنَّهُ قَالَ فِي أَوَائِلِ الْأَطْعِمَةِ: قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَسَاعِدُ الْأَصْحَابِ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهِ إسْقَاطٌ لِحُرْمَتِهِ وَمَنْعٌ مِنْ اقْتِنَائِهِ، وَلَوْ كَانَ مَأْكُولًا لَجَازَ اقْتِنَاؤُهُ لِلتَّسْمِينِ وَإِعْدَادُهُ لِلْأَكْلِ فَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ هَذَا يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ مَا تَقَدَّمَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَطْعِمَةِ مَنْعُ اقْتِنَائِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ قَتْلِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْأَمْرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ بَابِ الْإِرْشَادِ إلَى دَفْعِ الْمُضِرَّةِ الْمَخُوفَةِ مِنْ الْحَيَّاتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مُحَقَّقُ الضَّرَرِ وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَتْلِهِ. (قُلْت) جَعَلَهُ أَوَّلًا مِنْ بَابِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ مُنْحَطٌّ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِأَنَّهُ مَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ بِخِلَافِ الِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ دِينِيَّةً ثُمَّ جَعَلَ الْمُبَادَرَةَ لِقَتْلِهِ وَاجِبَةً وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرَرِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْدُوَ عَلَى الْإِنْسَانِ فَالْمُبَادَرَةُ إلَى قَتْلِهِ وَاجِبَةٌ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْبَهِيمَةِ حَرَامٌ. [فَائِدَة مَا هُوَ ذو الطُّفْيَتَيْنِ وَمَا هُوَ الْأَبْتَرَ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ» هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ هُمَا الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ وَأَصْلُ الطُّفْيَةِ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَجَمْعُهَا طُفًى شَبَّهَ الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهَا بِخُوصَتَيْ الْمُقْلِ. انْتَهَى. وَرُبَّمَا قِيلَ لِهَذِهِ الْحَيَّةِ: طُفْيَةٌ، عَلَى مَعْنَى ذَاتِ طُفْيَةٍ، قَالَ الشَّاعِرُ: كَمَا تَذِلُّ الطُّفَى مِنْ رُقْيَةِ الرَّاقِي أَيْ ذَوَاتُ الطُّفَى، وَقَالَ الْخَلِيلُ فِي ذِي الطُّفْيَتَيْنِ هِيَ حَيَّةٌ لَيِّنَةٌ خَبِيثَةٌ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ شَرُّ الْحَيَّاتِ فِيمَا يُقَالُ. (السَّادِسَةُ) «الْأَبْتَرَ» بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ الْأَفْعَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِصَرِ ذَنَبِهَا وَذَكَرُ الْأَفْعَى أُفْعُوَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ فِي الْأَبْتَرِ إنَّهُ صِنْفٌ مِنْ الْحَيَّاتِ أَزْرَقُ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ حَامِلٌ إلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَتْرُ شِرَارُ الْحَيَّاتِ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ: (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ يَخْطَفَانِ الْبَصَرِ وَيَطْمِسَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِمَا إلَيْهِ لِخَاصَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي بَصَرِهِمَا إذَا وَقَعَ عَلَى بَصَرِ الْإِنْسَانِ وَتُؤَيِّدُ هَذَا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَلْتَمِعَانِ الْبَصَرَ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُمَا يَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ وَالنَّهْشِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَفِي الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظِرُ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى عَيْنِ إنْسَانٍ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ حَكَى أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْمُشْكِلِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بِعِرَاقِ الْعَجَمِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَيَّاتِ يَهْلَكُ الرَّائِي لَهَا بِنَفْسِ رُؤْيَتِهَا وَمِنْهَا مَا يَهْلَكُ الْمُرُورُ عَلَى طَرِيقِهَا. (الثَّامِنَةُ) «وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ» مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحَامِلَ إذَا نَظَرَتْ إلَيْهِمَا وَخَافَتْ أَسْقَطَتْ الْحَمْلَ غَالِبًا وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا إذَا لَحَظَتْ الْحَامِلَ أَسْقَطَتْ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَذَلِكَ بِالرَّوْعِ مِنْهُ أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِخَاصَّتِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ إذْ يُشْرِكُهُ غَيْرُهُ فِي الرَّوْعِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ بِالتَّرْوِيعِ؛ لِأَنَّ التَّرْوِيعَ لَيْسَ خَاصًّا بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَيَّاتِ فَتَذْهَبُ خُصُوصِيَّةُ هَذَا النَّوْعِ بِهَذَا الِاعْتِنَاءِ الْعَظِيمِ وَالتَّحْذِيرِ الشَّدِيدِ، ثُمَّ إنْ صَحَّ هَذَا فِي طَرْحِ الْحَبَلَ فَلَا يَصِحُّ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ فَإِنَّ التَّرْوِيعَ لَا يُذْهِبُهُ [فَائِدَة تَمَسُّك ابْنُ عُمَرَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ] 1 (التَّاسِعَةُ) فِيهِ تَمَسَّكَ ابْنُ عُمَرَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتٍ وَطَرْدِهِ فِي كُلِّ حَيَّةٍ حَتَّى نُقِلَ لَهُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ جَمَعَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: (أَحَدُهَا) قَتْلُهُنَّ مُطْلَقًا فِي الْبُيُوتِ وَالصَّحَارِي بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كُنَّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِالْعُمُومَاتِ فِي قَتْلِهِنَّ مَعَ التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ تَرْكِهِ. (ثَانِيهَا) قَتْلُهُنَّ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كُنَّ فَلَا يُقْتَلْنَ إلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ ثَلَاثًا، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمْ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَأْذَنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «إنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَتَعَوَّذُوا مِنْهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ» وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِهِ إلَى بُيُوتِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إلَى جِنْسِ الْبُيُوتِ. (ثَالِثُهَا) اسْتِثْنَاءُ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ سَوَاءً كُنَّ بِالْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهَا إلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ يُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ فَقَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ فَقُولُوا: أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا، فَإِنْ عُدْنَ فَاقْتُلُوهُنَّ» فَلَمْ يَخُصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بُيُوتَ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ عِنْدِي مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الْعُمُومُ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِذَوَاتِ الْبُيُوتِ فِي الْمَدِينَةِ هُوَ الْأَوْلَى لِعُمُومِ نَهْيِهِ عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» وَذَكَرَ فِيهِنَّ الْحَيَّةَ وَلَا نَاقِدَ عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَأَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ إلَى النَّوْعَيْنِ، وَأَنَّهُ قَدْ آمَنَ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّوْعَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُرُهُمْ بَلَدٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِمْ عَدَدٌ وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ نَافِعٍ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29] وَلَا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ وَفْدَ جِنِّ نَصِيبَيْنِ آتَوْنِي وَنِعْمَ الْجِنُّ هُمْ فَسَأَلُونِي الزَّادَ» الْحَدِيثَ فَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي أَنَّ مِنْ جِنِّ غَيْرِ الْمَدِينَةِ مَنْ أَسْلَمَ فَلَا يُقْتَلُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَخْرُجَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (رَابِعُهَا) اسْتِثْنَاءُ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ مُطْلَقًا فَلَا يُقْتَلْنَ وَلَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وَلَمْ يَذْكُرْ إنْذَارَهُنَّ. (خَامِسُهَا) اسْتِثْنَاءُ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ فَلَا يُقْتَلْنَ إلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلَانِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا بِلَا إنْذَارٍ، وَيَدُلُّ لِهَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَقْتُلُوا الْحَيَّاتِ إلَّا كُلَّ أَبْتَرِ ذِي طُفْيَتَيْنِ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ طُرُقٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ حَيَّاتِ الصَّحَارِي صِغَارًا كُنَّ أَوْ كِبَارًا أَيَّ نَوْعٍ كُنَّ مِنْ الْحَيَّاتِ. قَالَ: وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَتَهْذِيبُهَا بِاسْتِعْمَالِ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ فِيهِ بَيَانًا لِنَسْخِ قَتْلِ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا جُمْلَةً وَفِيهِ اسْتِثْنَاءُ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَهُوَ حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ لِمَنْ فَهِمَ، وَعَلِمَ فَهُوَ الصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلَيْهِ يَصِحُّ تَرْتِيبُ الْآثَارِ فِيهِ. (سَادِسُهَا) رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَالَ: اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلِّهَا إلَّا الْجِنَانَ الْأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ. [فَائِدَة التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مُخَصِّصٌ] 1 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعَاشِرَةُ) فِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مُخَصِّصٌ وَبِهَذَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ الْمُخَصِّصِ إجْمَاعًا قَبْلَ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ هَكَذَا نَقَلَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ الْمَقَالَتَيْنِ وَمَالَ لِمَقَالَةِ الصَّيْرَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ دَلِيلَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَسَكَتَ عَنْ دَلِيلِهِ، فَلِهَذَا رَجَّحَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ حَكَى الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: يَبْحَثُ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُهُ، وَقِيلَ: إلَى أَنْ يَقْطَعَ بِعَدَمِهِ، وَقِيلَ: إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ عَدَمَهُ اعْتِقَادًا جَازِمًا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ. قَالُوا: وَاخْتِلَافُ الصَّيْرَفِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ إنَّمَا هُوَ فِي اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ بَعْدَ وُرُودِهِ وَقَبْلَ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ إجْمَاعًا، وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِنَقْلِ الْخِلَافِ هَكَذَا فَقَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إذَا دَارَ الْخَبَرُ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَضُرُّ الشَّكُّ فِي الْمُخْبِرِ لِابْنِ عُمَرَ هَلْ هُوَ أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُمَا صَحَابِيَّانِ مَعْرُوفَانِ وَإِذَا دَارَ الْخَبَرُ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْجَزْمَ بِأَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ بِذَلِكَ وَمَعَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مَعْنَى قَوْله يُطَارِدُ حَيَّةً] 1 (الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «يُطَارِدُ حَيَّةً» أَيْ يَطْلُبُهَا وَيَتَتَبَّعُهَا لِيَقْتُلَهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يُخَادِعُهَا لِيَصِيدَهَا وَهُوَ مِنْ طِرَادِ الصَّيْدِ. [فَائِدَة النَّهْي عَنْ قَتْلَ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «إنَّهُ نُهِيَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ» كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَحَفِظْنَاهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَمَرَ بِكَذَا وَنُهِيَ عَنْ كَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ لِانْصِرَافِهِ إلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ التَّابِعِيُّ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْغَزَالِيِّ وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ وَفِي بَعْضٍ طُرُقُهُ فِي الصَّحِيحِ «عَنْ جِنَانِ الْبُيُوتِ» وَهُوَ بِجِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ جَمْعُ جَانٍّ وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ، وَقِيلَ: الدَّقِيقَةُ الْخَفِيفَةُ، وَقِيلَ: الدَّقِيقَةُ الْبَيْضَاءُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ: إنَّ الْجِنَانَ هِيَ الْحَيَّاتُ الطِّوَالُ الْبِيضُ وَقِيلَ: مَا تَضُرُّ شَيْئًا فَلِذَلِكَ أَمْسَكَ عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنْ قِيلَ: قَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَيَّةَ الْمُنْقَلِبَةَ عَنْ عَصَا مُوسَى بِأَنَّهَا جَانٌّ وَأَنَّهَا ثُعْبَانٌ عَظِيمٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا كَانَتْ ثُعْبَانًا عَظِيمًا فِي الْخِلْقَةِ وَمِثْلُ الْحَيَّةِ الصَّغِيرَةِ الدَّقِيقَةِ فِي الْخِفَّةِ وَالسُّرْعَةِ أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: 10] هَكَذَا قَالَ: أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَرْبَابُ الْمَعَانِي. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجِنَانُ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتْ الْقِرَدَةُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْجِنُّ الَّذِينَ لَا يَعْتَرِضُونَ لِلنَّاسِ وَالْخَيْلُ الَّذِينَ يَتَخَيَّلُونَ لِلنَّاسِ وَيُؤْذُونَهُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ: الْجِنَانُ مَا لَا يَعْتَرِضُ لِلنَّاسِ وَالْخَيْلُ مَا يَعْتَرِضُ لَهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ وَأَنْشَدَ تَنَاوُحُ جِنَانٍ ... وَجِنٍّ وَخَيْلٍ. [فَائِدَة شُرُوط النَّهْيِ عَنْ قَتْلَ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ شَرْطَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِنْذَارِ. وَ (الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ ذَا طُفْيَتَيْنِ وَلَا أَبْتَرَ فَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُقْتَلُ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ بِغَيْرِ إنْذَارٍ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا وَإِنَّمَا تَتِمُّ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ إذَا جُمِعَتْ طُرُقُهُ وَقَدْ اجْتَمَعَ هَذَانِ الْقَيْدَانِ مِنْ طُرُقِهِ وَلِهَذَا صَوَّبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْقَوْلَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالْحَقِّ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ الْإِنْذَارِ فِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى وَذَكَرْنَاهُ فِي الْفَائِدَةِ التَّاسِعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: أَمَّا صِفَةُ الْإِنْذَارِ فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَنْشُدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا أَوْ تَظْهَرُوا لَنَا» وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: يَكْفِي فِي الْإِنْذَارِ أَنْ يَقُولَ: أُحْرِجُ عَلَيْك بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ لَا تَبْدُوَ لَنَا وَلَا تُؤْذِينَا وَأَظُنُّ مَالِكًا إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا) فَلِهَذَا ذَكَرَ أُحْرِجُ عَلَيْك. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْذَرُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ تُنْذَرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا يُرِيدُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى إنْذَارِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ فَلْتَكُنْ الْيُمْنَى أُولَهُمَا يَنْتَعِلُ وَآخِرُهُمَا يَنْزِعُ» .   Q [حَدِيث إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ فَلْتَكُنْ الْيُمْنَى أُولَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرُهُمَا تُنْزَعُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ لُبْسِ النِّعَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي غَزْوَةٍ غَزَوْنَاهَا اسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ» وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّةِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ وَقِلَّةِ تَعَبِهِ وَسَلَامَةِ رِجْلِهِ مِمَّا يَعْرِضُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ خُشُونَةٍ وَشَوْكٍ وَأَذًى وَنَحْوِ ذَلِكَ. [فَائِدَة الِابْتِدَاءِ فِي لُبْسِ النَّعْلِ بِالْيُمْنَى وَفِي نَزْعِهَا بِالْيُسْرَى] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الِابْتِدَاءٍ فِي لُبْسِ النَّعْلِ بِالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَفِي نَزْعِهَا بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمَنْ ابْتَدَأَ فِي انْتِعَالِهِ بِشِمَالِهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ إذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ لُبْسُ نَعْلِهِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعُودَ وَالْبَرَكَةُ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِ آدَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ. (قُلْت) كَانَ يَنْبَغِي إذَا بَدَأَ بِالْيُسْرَى أَنْ يَنْزِعَ النَّعْلَ مِنْهَا لِيَبْتَدِئَ بِالْيُمْنَى اسْتِدْرَاكًا لِمَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) أَكَّدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ «فَلْتَكُنْ الْيُمْنَى أُولَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرُهُمَا تُنْزَعُ» فَأَشَارَ إلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُسْرَى فِي النِّزَاعِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ لَهَا بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ   Qإكْرَامِ الْيُمْنَى وَهُوَ زِيَادَةُ بَقَاءِ النَّعْلِ فِيهَا بَعْدَ صَاحِبَتِهَا وَضَبَطْنَا قَوْلَهُ أُولَهُمَا وَآخِرَهُمَا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، وَقَوْلُهُ: تُنْعَلُ وَتُنْزَعُ؛ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْيُمْنَى أُولَى فِي الِانْتِعَالِ وَأُخْرَى فِي النَّزْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ قَوْلَهُ تُنْعَلُ وَقَوْلَهُ تُنْزَعُ، وَيَكُونَ قَوْلُهُ أُولَهُمَا وَآخِرُهُمَا مَنْصُوبَيْنِ عَلَى الْحَالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أُولَهُمَا وَآخِرَهُمَا مَرْفُوعَيْنِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَقَوْلُهُ: تُنْعَلُ وَتُنْزَعُ، خَبَرَانِ لَهُمَا وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ. [فَائِدَة التَّيَامُنُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ التَّيَامُنُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ لِفَضْلِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ حِسًّا فِي الْقُوَّةِ وَالِاسْتِعْمَالِ وَشَرْعًا فِي النَّدْبِ إلَى تَقْدِيمِهَا وَصِيَانَتِهَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَاسْتُحِبَّ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَالزِّينَةِ وَالنَّظَافَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَلُبْسِ النَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْمَدَاسِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْكُمِّ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَرْجِيلِهِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَالسِّوَاكِ وَالِاكْتِحَالِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ وَدَفْعِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ الْحَسَنَةِ وَتَنَاوُلِ الْأَشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْيَسَارِ فِي كُلِّ مَا هُوَ ضِدُّ السَّابِقِ فَمِنْ ذَلِكَ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْخُفِّ وَالْمَدَاسِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْكُمِّ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَدُخُولِ الْخَلَاءِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَتَنَاوُلِ أَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ وَمَسِّ الذَّكَرِ وَالِامْتِخَاطِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَتَعَاطِي الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَأَشْبَاهِهَا. [فَائِدَة إذَا بَدَأَ بِلُبْسِ النَّعْلِ الْيُمْنَى أَوْ بِخَلْعِ الْيُسْرَى] (السَّادِسَةُ) إذَا بَدَأَ بِلُبْسِ النَّعْلِ الْيُمْنَى أَوْ بِخَلْعِ الْيُسْرَى كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ لُبْسَ الْيُسْرَى أَوْ نَزْعَ الْيُمْنَى بَلْ يُبَادِرُ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْوَلَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَشْيُ بِإِحْدَاهُمَا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ «وَلِيَنْتَعِلهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْيَمِينَ مُكَرَّمَةٌ فَلِذَلِكَ يُبْدَأُ بِهَا إذَا انْتَعَلَ وَيُؤَخِّرُهَا إذَا خَلَعَ لِتَكُونَ الزِّينَةُ بَاقِيَةً عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشِّمَالِ قَالَ: وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا النَّعْلُ دَائِمًا لِقَوْلِهِ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا. [حَدِيث النَّهْيُ عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ] (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلٍ أَحَدِكُمْ أَوْ شِرَاكُهُ فَلَا يَمْشِي فِي إحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَالْأُخْرَى حَافِيَةٌ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.   Qلِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ أَوْ شِرَاكُهُ فَلَا يَمْشِي فِي إحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَالْأُخْرَى حَافِيَةٌ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَزِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُصْلِحَهَا» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ» الْحَدِيثَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ دُونَ التَّحْرِيمِ كَمَا نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَخَالَفَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ وَلَا يَحِلُّ الْمَشْيُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. (الثَّالِثَةُ) بَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ (رُبَّمَا مَشَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) ثُمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَوْ يَكُونُ يَسِيرًا، وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَعَلَّهُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ وَقَعَ مِنْهُ نَادِرًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِعُذْرٍ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِالْعُذْرِ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ رِوَايَةِ مَنْدَلٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «رُبَّمَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَمْشِي فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ حَتَّى تَصْلُحَ» وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى وُقُوعِهِ نَادِرًا لِضَرُورَةٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (رُبَّمَا) فَإِنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ وَكَذَلِكَ فِعْلُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَعَلَّهُ لِعُذْرٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَمْشِي فِي خُفٍّ وَاحِدٍ، وَتَقُولُ: لَأُخِيفَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ وَالِدِي: فَمَا الَّذِي أَرَادَتْ بِإِخَافَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مُخَالَفَتِهِ إنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ لَأُخَالِفَنَّ وَلَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ وَيَمْنَعُ مِنْهُ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْ تُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْمَنْعِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى مُعَارَضَةِ عَائِشَةَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لِضَعْفِ إسْنَادِ حَدِيثِهَا وَلِأَنَّ السُّنَنَ لَا تُعَارَضُ بِالرَّأْيِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا لَمْ تُعَارِضْ أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَأْيِهَا وَقَالَتْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ. انْتَهَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ إذَا انْقَطَعَ شِسْعُهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُصْلِحَ شِسْعَهُ وَرَوَى أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ قَالَ: رَأَيْت عَلِيًّا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ بِالْمَدَائِنِ كَانَ يُصْلِحُ شِسْعَهُ قَالَ: وَالِدِي، وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَقْصُورَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَمْشِي فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا مَعْنَاهُ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ عَنْ ضَرُورَةٍ أَوْ كَانَ يَسِيرًا لِجَوَازِ أَنْ يُصْلِحَ الْأُخْرَى لَا أَنَّهُ أَطَالَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَلَا حُجَّةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَالِدِي: سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُوهُ ذَكَرَهُمْ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَوَثَّقَ الْعِجْلِيّ أَيْضًا أَبَاهُ عُمَرَ بْنَ عَلِيٍّ وَبَاقِيهِمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَأَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدٍ أَثَرٌ لَمْ يَصِحَّ أَوْ لَهُ تَأْوِيلٌ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُ الْأُخْرَى قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ هَلْ يَقِفُ حَتَّى يُصْلِحَهَا أَوْ يَمْشِي أَثْنَاءَ مَا يُصْلِحُهَا فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ حَارَّةٍ أَيْ مَنَعَ الْوُقُوفَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَالْمَشْيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ مَعًا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ: لِيُحْفِهِمَا وَلَا بُدَّ حَتَّى يُصْلِحَ الْأُخْرَى إلَّا فِي الْوُقُوفِ الْخَفِيفِ وَالْمَشْيِ الْيَسِيرِ، لَكِنْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الَّذِي يَنْقَطِعُ شِسْعُ نَعْلِهِ وَهُوَ فِي أَرْضٍ حَارَّةٍ هَلْ يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا قَالَ: لَا وَلَكِنْ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَقِفْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْفَتْوَى وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْأَثَرِ وَعَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ تَشْوِيهٌ وَمَشَقَّةٌ وَمُخَالِفٌ لِلْوَقَارِ وَلِأَنَّ الْمُنْتَعِلَةَ تَصِيرُ أَرْفَعَ مِنْ الْأُخْرَى فَيَعْسُرُ مَشْيُهُ وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلْعِثَارِ. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: قِيلَ: لِأَنَّهَا مِشْيَةُ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الِاعْتِدَالِ فَهُوَ إذَا تَحَفَّظَ بِالرِّجْلِ الْحَافِيَةِ تَعَثَّرَ بِالْأُخْرَى أَوْ يَكُونُ أَحَدُ شِقَّيْهِ أَعْلَى فِي الْمَشْيِ مِنْ الْآخَرِ وَذَلِكَ اخْتِلَالٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ وَالشُّهْرَةِ وَامْتِدَادِ الْأَبْصَارِ إلَى مَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنْهُ وَكُلُّ لِبَاسٍ صَارَ لِصَاحِبِهِ بِهِ شُهْرَةٌ فِي الْقُبْحِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُتَّقَى وَيُجْتَنَبَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُثْلَةِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا قَدْ يَجْمَعُ أُمُورًا: (مِنْهَا) أَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ مِنْهُ عَلَى الْحَفَاءِ إنَّمَا هُوَ مَوْضِعُ التَّوَقِّي وَالتَّهَيُّبِ لِأَذًى يُصِيبُهُ أَوْ حَجَرٍ يَصْدِمُهُ وَيَكُونُ وَضْعُهُ الْقَدَمَ الْآخَرَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ الِاعْتِمَادِ بِهِ وَالْوَضْعِ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُحَاشَاةٍ أَوْ تَقِيَّةٍ فَيَخْتَلِفُ مِنْ ذَلِكَ مَشْيُهُ وَيَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ عَلَى عَادَتِهِ الْمُعْتَادَةِ فَلَا يَأْمَنُ عِنْدَ ذَلِكَ الْعِثَارَ وَالْعَنَتَ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَاعِلُهُ عِنْدَ النَّاسِ بِصُورَةٍ مِنْ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَقْصَرَ مِنْ الْأُخْرَى وَلَا خَفَاءَ بِقُبْحِ مَنْظَرِ هَذَا الْفِعْلِ وَكُلُّ أَمْرٍ يَشْتَهِرُهُ النَّاسُ وَيَرْفَعُونَ إلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ. [فَائِدَة النَّعْلُ مُؤَنَّثَةٌ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ النَّعْلُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْمَشْيِ تُسَمَّى الْآنَ تَاسُومَةُ انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ اسْمَ النَّعْلِ لَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ النَّعْلَ لِبَاسُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ النَّاسُ غَيْرَهُ لِمَا فِي بِلَادِهِمْ مِنْ الطِّينِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: النَّعْلُ وَالنَّعْلَةُ مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا قَوْلُ كَثِيرٍ لَهَا نَعْلٌ فَإِنَّهُ حَرَّكَ حَرْفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَلْقِ لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْرَقُ وَهُوَ مَحْمُومٌ؛ وَهَذَا لَا يُعَدُّ لُغَةً وَإِنَّمَا هُوَ مُتَّبِعٌ مَا قَبْلَهُ. انْتَهَى. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي شُمُولِ هَذَا الِاسْمِ لِكُلِّ مَا يُوقَى بِهِ الْقَدَمُ. [فَائِدَة مَعْنَى قَوْلُهُ فِي الْحَدِيث لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا] 1 (السَّادِسَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ «لِيُنْعِلْهُمَا» أَرَادَ الْقَدَمَيْنِ وَهُمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ النَّعْلِ، وَلَوْ أَرَادَ النَّعْلَيْنِ لَقَالَ لِيَنْتَعِلْهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمُتَكَرِّرٌ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا أَنْ يَأْتِيَ بِضَمِيرِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَحْوَى الْخِطَابِ، قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى النَّعْلَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا وَيُقَالُ: نَعَلْت وَانْتَعَلَتْ كَمَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ. (قُلْت) وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِيَخْلَعْهُمَا كَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ الْمُوَطَّإِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ لِيَخْلَعْهُمَا، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ الْمُوَطَّإِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَحْسَنُ. انْتَهَى. فَأَفَادَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: لِيُنْعِلْهُمَا عَلَى الْقَدَمَيْنِ لِعَوْدِهِ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ أَوْ لِيُحْفِهِمَا، وَأَعَادَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى النَّعْلَيْنِ لِعَوْدِهِ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ: أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ: نَعَلَ وَانْتَعَلَ أَيْ لَبِسَ النَّعْلَ، ذَكَرَهُ أَيْضًا صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَكَذَا فِي الْمَشَارِقِ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ضَبْطَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْفَتْحِ فَإِنَّهُ قَالَ: نَعَلْت، إذَا لَبِسْت النَّعْلَ، وَكَذَلِكَ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَيْ لِيَجْعَلَ ذَلِكَ فِي رِجْلَيْهِ. انْتَهَى. وَكَذَا فِي الْمُحْكَمِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مَكْسُورَ الْعَيْنِ فَقَالَ: وَنَعِلَ نَعْلًا وَتَنَعَّلَ وَانْتَعَلَ لَبِسَ النَّعْلَ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «لِيُنْعِلْهُمَا» قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ نَظَرٌ. (قُلْت) إنْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْقَدَمَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالضَّمِّ وَيَكُونَ مَعْنَى أَنْعَلُهُمَا أَيْ أَلْبَسُهُمَا نَعْلًا فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ: أَنْعَلَ دَابَّتَهُ رُبَاعِيٌّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَنْعَلْتُ دَابَّتِي وَخُفِّي وَلَا يُقَالُ: نَعَلْت، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَنْعَلْتُ الْخَيْلَ بِالْهَمْزِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَالْبَعِيرَ وَنَعَّلَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: إنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ أَيْ تَجْعَلُ لَهَا نَعْلًا بِضَمِّ التَّاءِ يُقَالُ فِي هَذَا: أَنْعَلَ رُبَاعِيٌّ وَفِي السَّيْفِ كَذَلِكَ إذَا جَعَلْت لَهُ نِعَالًا وَلَا يُقَالُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ نَعَلَ، وَقَدْ قِيلَ فِيهَا: نَعِلَ أَيْضًا. انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ بِالْفَتْحِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَوْ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ إمَّا لِهَذِهِ اللُّغَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا آنِفًا عَنْ الْمَشَارِقِ وَإِمَّا لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي أَنْعَلَ بِالْهَمْزِ إنَّمَا هُوَ جَعْلُ النَّعْلِ لَا أَلْبَسُهُ، فَأَمَّا بِمَعْنَى اللُّبْسِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمَشَارِقِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى النَّعْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ مَعَهُ الْفَتْحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّامِنَةُ) «الشِّسْعُ» بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ وَيَدْخُلُ طَرَفُهُ فِي الثُّقْبِ الَّذِي فِي صَدْرِ النَّعْلِ الْمَشْدُودِ فِي الزِّمَامِ، وَالزِّمَامُ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّسْعُ وَالشِّرَاكُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا وَكِلَاهُمَا يَخْتَلُّ الْمَشْيُ فِي النَّعْلِ بِفَقْدِهِ. 1 - (التَّاسِعَةُ) التَّقْيِيدُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لِلْإِذْنِ فِي الْمَشْيِ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ فَقْدِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْوِيرٌ لِلْوَاقِعِ وَخَارِجٌ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ يُقَالُ هَذَا مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّهُ إذَا نُهِيَ عَنْهُ حِينَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَمَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ أَوْلَى وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ إلَى أَنْ يُصْلِحَ النَّعْلَ الَّتِي فَسَدَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ. 1 - (الْعَاشِرَةُ) وَقَوْلُهُ «فَلَا يَمْشِي» عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ فَوُقُوفُهُ وَإِحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَالْأُخْرَى حَافِيَةٌ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ يُقَالُ: جُلُوسُهُ وَهُوَ لَابِسٌ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْحَقُ بِمَا تَقَدَّمَ لِانْتِفَاءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فِيهِ بَلْ قَدْ يُنَازِعُ فِي الْتِحَاقِ وُقُوفِهِ بِإِحْدَاهُمَا بِمَشْيِهِ بِإِحْدَاهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ انْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: النَّعْلُ زِينَةٌ وَفِيهِ تَزَيُّنُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَلْحَقُ بِذَلِكَ حَالَةُ الْجُلُوسِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «وَالْأُخْرَى حَافِيَةٌ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً فَيَكُونَ الْخَبَرَانِ مَرْفُوعَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْأُخْرَى مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ إحْدَاهُمَا وَقَوْلُهُ: حَافِيَةً، مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ لَا يَمْشِيَنَّ فِي إحْدَاهُمَا بِنَعْلٍ وَالْأُخْرَى حَافِيَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ضَبَطْنَاهُ وَقَوْلُهُ «لِيُحْفِهِمَا» هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. 1 - (الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ لِبَاسِ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ وَإِدْخَالِ الْيَدِ فِي الْكُمَّيْنِ وَالتَّرَدِّي بِالرِّدَاءِ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ فَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ وَعَرَّى مِنْهُ الْجَانِبَ الْآخَرَ كَانَ مَكْرُوهًا عَلَى مَعْنَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ سِهَامٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا» ..   Qالْحَدِيثِ، وَلَوْ أَخْرَجَ إحْدَى يَدَيْهِ مِنْ كُمِّهِ وَتَرَكَ الْأُخْرَى دَاخِلَ الْكُمِّ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْكَرَاهَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة لُبْسَ الْخَوَاتِيمِ فِي الْيَدَيْنِ] 1 (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَدْ أَبْدَعَ عَوَامُّ النَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لُبْسَ الْخَوَاتِيمِ فِي الْيَدَيْنِ وَلُبْسُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْبَابِ، وَلَا هُوَ بِحَمِيدٍ فِي مَذَاهِبِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالنُّبْلِ وَرُبَّمَا ظَاهَرَ بَعْضُهُمْ بِلُبْسِ الْعَدَدِ مِنْ الْخَوَاتِيمِ زَوْجَيْنِ زَوْجَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ مِنْ لِبَاسِ الْعِلْيَةِ مِنْ النَّاسِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ يُسْتَحْسَنُ أَنْ يَتَخَتَّمَ الرَّجُلُ إلَّا بِخَاتَمٍ وَاحِدٍ مَنْقُوشٍ فَيَلْبَسَ لِلْحَاجَةِ إلَى نَقْشِهِ لَا لِحُسْنِهِ وَبَهْجَةِ لَوْنِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ فَوْقَ خَاتَمَيْنِ فِضَّةً، وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيَّ فِي الْكَافِي: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ زَوْجًا فِي الْيَدِ وَفَرْدًا فِي الْأُخْرَى فَإِنْ لَبِسَ فِي هَذِهِ زَوْجًا وَفِي الْأُخْرَى زَوْجًا، فَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي الْفَتَاوَى: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْخَاتَمَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَا فِي يَدَيْنِ أَمْ يَدٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَمْ تَرِدْ بِذَلِكَ وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ. انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً أَوْ الْمَرْأَةُ خَلَاخِيلَ كَثِيرَةً لِلُبْسِ الْوَاحِدِ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ. انْتَهَى. فَقَوْلُهُ (لِلُبْسِ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ، وَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ لُبْسَ وَاحِدٍ فَوْقَ آخَرَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَرْنُهُ بِالْخَلَاخِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إدْخَالِ السِّهَامِ الْمَسْجِدَ] (الْحَدِيثُ السَّادِسُ) وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ «مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ سِهَامٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِزِيَادَةِ «كَيْ لَا تَخْدِشَ مُسْلِمًا» كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَلَّا يَمُرَّ بِهَا إلَّا وَهُوَ آخِذٌ بِنُصُولِهَا» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ جَوَازُ إدْخَالِ النَّبْلِ الْمَسْجِدَ وَقَدْ بَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذَلِكَ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُهَا الْمَسْجِدَ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ سَائِرُ السِّلَاحِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ أَمْرُ مُدْخِلِهَا الْمَسْجِدَ أَنْ يَمْسِكَ بِنِصَالِهَا وَقَدْ عَرَفْت تَعْلِيلَهُ فِي الْحَدِيثِ بِخَشْيَةِ خَدْشِ مُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا مِنْ تَأْكِيدِ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ لِئَلَّا يُرَوِّعَ بِهَا أَوْ يُؤْذِيَ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ مَوْرُودَةٌ لِلْخَلْقِ وَلَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَخَشَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُؤْذِيَ بِهَا أَحَدًا وَهَذَا مِنْ كَرِيمِ خُلُقِهِ وَرَأْفَتِهِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ التَّعْظِيمُ لِقَلِيلِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ. (الرَّابِعَةُ) لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَسْجِدِ بَلْ السُّوقِ وَكُلِّ مَوْضِعٍ جَامِعٍ لِلنَّاسِ يَنْبَغِي فِيهِ ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا «إذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «إذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ فِي سُوقٍ وَبِيَدِهِ نَبْلٌ فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَاَللَّهِ مَا مُتْنَا حَتَّى سَدَّدْنَاهَا بَعْضُنَا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ» وَقَوْلُهُ «سَدَّدْنَاهَا» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ السَّدَادِ وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالِاسْتِقَامَةُ أَيْ قَوَّمْنَاهَا إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا حَدَثَ مِنْ الْفِتَنِ وَذَكَرَ هَذَا فِي مَعْرَضِ التَّأَسُّفِ عَلَى تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَحُصُولِ الْخِلَافِ لِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ مِنْ التَّعَاطُفِ وَدَفْعِ يَسِيرِ الْأَذَى مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ. 1 - (الْخَامِسَةُ) (النِّصَالُ) بِكَسْرِ النُّونِ وَ (النُّصُولُ) بِضَمِّهَا وَهُمَا بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ نَصْلٍ وَهُوَ حَدِيدَةُ السَّهْمِ، وَالسِّهَامُ أَعَمُّ مِنْ النِّبَالِ لِاخْتِصَاصِ النِّبَالِ بِالسِّهَامِ الْعَرَبِيَّةِ وَمِنْ النُّشَّابِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. 1 - (السَّادِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ اجْتِنَابُ كُلِّ مَا يُخَافُ مِنْهُ ضَرَرٌ. (السَّابِعَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ اُسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ. [صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَوْلُهُ «فِيهِ» كَيْ لَا تَخْدِشَ مُسْلِمًا، مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسٍ وَتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» ..   Q [حَدِيث إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ] (الْحَدِيثُ السَّابِعُ) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَيُّوبَ بْنِ مُوسَى كُلِّهِمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِ فَقُلْت لِابْنِ عُمَرَ. (فَأَرْبَعَةٌ) قَالَ: لَا يَضِيرُك وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ «كُنْت أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُتْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِرَجُلٍ آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً فَقَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَاهُ: اسْتَرْخِيَا شَيْئًا فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ يُفَسِّرُ حَدِيثَهُ، وَقَوْلُهُ: اسْتَرْخِيَا مَعْنَاهُ اجْلِسَا وَتَحَدَّثَا وَانْتَظِرَا قَلِيلًا وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَى اسْتَرْخِيَا وَاسْتَأْخِرَا سَوَاءٌ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً» كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَلَى أَنَّ " كَانَ نَاقِصَةٌ وَمَعَهَا اسْمُهَا وَخَبَرُهَا وَكَذَا هُوَ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ الْمُوَطَّإِ وَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «إذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ» . عَلَى أَنَّهَا تَامَّةٌ بِمَعْنَى وُجِدَ، وَقَوْلُهُ: ثَلَاثَةٌ، اسْمُهَا وَهِيَ مُكْتَفِيَةٌ بِهِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَنَاجَى) كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ ثَابِتَةٍ فِي الْخَطِّ إلَّا أَنَّهَا تَسْقُطُ فِي اللَّفْظِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ وَاسْتِعْمَالُ النَّهْيِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» وَأَشْبَاهِهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا يَتَنَاجَ بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى النَّهْيِ وَهِيَ وَاضِحَةٌ وَالتَّنَاجِي التَّحَادُثُ سِرًّا. [فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ ثَالِثٍ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ ثَالِثٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ رِضَاهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ وَالْإِذْنُ أَخَصُّ مِنْ الرِّضَا فَقَدْ يُعْلَمُ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِقَرِينَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ صَرِيحًا، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ الْإِذْنُ الصَّرِيحُ أَوْ الْمَفْهُومُ بِالْقَرِينَةِ فَيَسْتَوِيَانِ وَلَا يُقَالُ: الرِّضَا أَخَصُّ فَإِنَّهُ قَدْ يَأْذَنُ بِالْمُحَايَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَى أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ مَنُوطٌ بِالْإِذْنِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَاهُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَيْدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحُ حَقِّهِ. [فَائِدَة حُكْم التَّنَاجِي إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً] 1 (الْخَامِسَةُ) مَفْهُومُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً لَمْ يَمْتَنِعْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ مُتَمَكِّنَانِ مِنْ التَّنَاجِي وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. (السَّادِسَةُ) عَلَّلَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِقَوْلِهِ «حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّمَا قَالَ: يُحْزِنُهُ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّ نَجَوَاهُمَا إنَّمَا هِيَ لِتَبْيِيتِ رَأْيٍ أَوْ دَسِيسِ غَائِلَةٍ لَهُ وَالْمَعْنَى الْإِحْزَانُ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الِاخْتِصَاصِ بِإِكْرَامِهِ وَهُوَ يُحْزِنُ صَاحِبَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِتَلْخِيصٍ وَأَشَارَ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: يُحْزِنُهُ أَيْ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مَا يَحْزَنُ لِأَجْلِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَدِّرَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُ بِمَا يَكْرَهُ أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَهْلًا؛ لَأَنْ يُشْرِكُوهُ فِي حَدِيثِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُلْقِيَاتِ الشَّيْطَانِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ مُرْسَلًا وَفِيهِ «لَا تَدَعُوا صَاحِبَكُمْ نَجِيًّا لِلشَّيْطَانِ» وَقَالَ: قَوْلُهُ: نَجِيًّا لِلشَّيْطَانِ، يُرِيدُ لِأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي صَدْرِهِ مِنْ جِهَتِهِمَا مَا يُحْزِنُهُ. [فَائِدَة الْجَمَاعَةُ لَا يَتَنَاجَوْنَ دُونَ وَاحِدٍ] (السَّابِعَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ عِنْدَنَا لَا يَتَنَاجَوْنَ دُونَ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُ بِمَا يَكْرَهُ أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَهْلًا لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ إذَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ الْحُزْنُ عَنْهُ بِالْمُشَارَكَةِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَقَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ وَتَبِعَهُمَا النَّوَوِيُّ فَقَالَ: وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ كُلُّ الْأَعْدَادِ فَلَا يَتَنَاجَى أَرْبَعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ وَلَا عَشْرَةٌ وَلَا أَلْفٌ مَثَلًا لِوُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي حَقِّهِ بَلْ وُجُودُهُ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَمْكَنُ وَأَوْقَعُ فَيَكُونُ بِالْمَنْعِ وَإِنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ عَدَدٍ يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. [فَائِدَة لَا فَرْقَ فِي التَّنَاجِي بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ] 1 (الثَّامِنَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ حَمْلَهُ عَلَى عُمُومِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْكِي عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْه أَنَّهُ قَالَ: هَذَا فِي السَّفَرِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ فِيهِ صَاحِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَمَّا فِي الْحَضَرِ وَبَيْنَ ظَهْرَانِي الْعِمَارَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَعَبَّرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي السَّفَرِ وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ فِيهَا صَاحِبَهُ وَلَا يَعْرِفُهُ وَلَا يَثِقُ بِهِ وَيَخْشَى غَدْرَهُ. انْتَهَى. فَعَطَفَ قَوْلَهُ فِي الْمَوَاضِعِ عَلَى السَّفَرِ بِالْوَاوِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا» ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَأَمِنَ النَّاسُ سَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ وَذَلِكَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُنَافِقُونَ بِحَضْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10] الْآيَةَ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ وَتَخْصِيصٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ مَا صَارَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَعْدَ نَقْلِهِ التَّخْصِيصَ بِالسَّفَرِ حَيْثُ يَخَافُ عَنْ جَمَاعَةٍ هَذَا خَبَرٌ عَامُّ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَالْعِلَّةُ الْحُزْنُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَعُمَّهُمَا النَّهْيُ جَمِيعًا. [فَائِدَة انْفَرَدَ اثْنَانِ فَتَنَاجَيَا ثُمَّ جَاءَ ثَالِثٌ فِي أَثْنَاءِ تَنَاجِيهِمَا] 1 (التَّاسِعَةُ) مَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ ثَالِثٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ الثَّالِثُ مَعَهُمَا فِي ابْتِدَاءِ النَّجْوَى، فَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ اثْنَانِ فَتَنَاجَيَا ثُمَّ جَاءَ ثَالِثٌ فِي أَثْنَاءِ تَنَاجِيهِمَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا قَطْعُ التَّنَاجِي بَلْ جَاءَ فِي حَدِيثِ مَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ مَعَهُمَا حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: جِئْت ابْنَ عُمَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَهُوَ يُنَاجِي رَجُلًا فَجَلَسْت إلَيْهِ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: مَالَكَ أَمَا سَمِعْت أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا تَنَاجَى اثْنَانِ فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمَا» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَعْنًى غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ فَلَا يَجُوزُ لِلثَّلَاثَةِ أَنْ يَتَنَاجَى مِنْهُمْ اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُتَنَاجِيَيْنِ فِي حَالِ تَنَاجِيهِمَا. انْتَهَى. (قُلْت) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَهْيَهُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ نَهْيُهُ عَنْ الدُّخُولِ مَعَهُمَا فِي التَّنَاجِي وَالسِّرِّ وَأَمَّا قُعُودُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُتَبَاعِدًا عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سِرَّهُمَا فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْهُ وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا افْتَتَحَا الْإِخْفَاءَ بِسِرِّهِمَا مِنْ غَيْرِ حُضُورِ أَحَدٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمَا الِانْفِرَادُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي صَوْتِ الْإِنْسَانِ جَهْوَرِيَّةٌ تَمْنَعُهُ الْإِخْفَاءَ مِنْ حَاضِرِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ النَّاسِ ذَكَاءً يُفْهَمُ بِهِ مَا يُسَارُ بِهِ بِسَمَاعِ لَفْظَةٍ مِنْهُ، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَا خَفِيَ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ فِي جُلُوسِهِ مِنْ الْقُبْحِ التَّصَوُّرُ بِصُورَةِ النَّهْيِ فِي تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ ثَالِثٍ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُ مَنْ يَرَاهُمْ كَذَلِكَ أَنَّ الثَّالِثَ طَارِئٌ عَلَيْهِمْ فَالِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي زَوَالِ النَّهْيِ بِحُضُورِ رَابِعٍ أَنْ يَكُونَ رَفِيقًا لَهُمْ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ الثَّلَاثَةُ مُنْفَرِدِينَ فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ زَالَ النَّهْيُ لِإِمْكَانِ تَحْدِيثِ الْآخَرِ مَعَ بَعْضِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفِيقًا لَهُ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ يَقْتَضِي الثَّانِيَ وَالْمَعْنَى يُسَاعِدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ تَخَيَّلَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَمَكْرُوهٌ يُدَبَّرُ لَهُ أَوْ لِعَدَمِ تَأْهِيلِهِ لِلْكَلَامِ مَعَهُ لَا يَزُولُ بِكَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ رَفِيقِهِ وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة جَوَازُ التَّنَاجِي فِي الْجُمْلَةِ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ جَوَازُ التَّنَاجِي فِي الْجُمْلَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ عَدَمُ الْمُنَاجَاةِ وَمُنَاجَاةُ الرَّجُلِ دُونَ الرَّجُلِ شَغْلٌ لِبَالِهِ وَلَوْ كَانُوا فِي أَلْفٍ بَيْدَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَكَانَ أَصْلُهُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ وَلَمَّا قَالَ اللَّهُ مِنْ مَصْلَحَةٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ فَمِنْ الْحَقِّ أَنْ يَصُونَ الرَّجُلُ مُرُوءَتَهُ وَدِينَهُ فَلَا يَتَنَاجَى إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ إمَّا فِي حَاجَةٍ لَهُ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ. انْتَهَى. . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ»   Q [حَدِيث إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ] (الْحَدِيثُ الثَّامِنُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِلَفْظِ «اُنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَقَوْلُهُ «فَلْيَنْظُرْ إلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ» أَيْ أَسْفَلَ مِنْ النَّاظِرِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ وَقَوْلُهُ «مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» أَيْ فُضِّلَ النَّاظِرُ عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِذِكْرِ الْمَالِ وَالْخَلْقِ مَا إذَا نَظَرَ لِمَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُعَالَجَةِ النَّفْسِ بِدَفْعِ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ وَجَلْبِ الْحَسَنَةِ فَهَذَا يَنْبَغِي النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْفَاضِلِ لِيُقْتَدَى بِهِ دُونَ الْمَفْضُولِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَاسَلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِيهِ إلَى الْفَاضِلِ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِقَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نِعْمَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْفَاضِلِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي هَذَا إلَى الْمَفْضُولِ لِيَعْرِفَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ أَدَّبَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ مَصْلَحَةُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَعُقُولِنَا وَأَبْدَانِنَا وَرَاحَةِ قُلُوبِنَا فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ نَصِيحَتِهِ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ نَبِيًّا. (الثَّالِثَةُ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ: الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ» .   Qالْخَيْرِ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسُهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَادِ لِيَلْحَقَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبَهُ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النَّاسِ، وَأَمَّا إذَا نَظَرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا إلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِيهَا ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ فَشَكَرَهَا وَتَوَاضَعَ وَفَعَلَ الْخَيْرَ. انْتَهَى. وَمِنْ هُنَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ اجْتِنَابُ الِاخْتِلَاطِ بِأَهْلِ الدُّنْيَا وَالتَّوَسُّعُ مِنْهَا وَمِنْ كَسْبِهَا وَنَعِيمِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَالَسْت الْأَغْنِيَاءَ فَاحْتَقَرْت لِبَاسِي إلَى لِبَاسِهِمْ وَدَابَّتِي إلَى دَوَابِّهِمْ، وَجَالَسْت الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْت. [حَدِيث الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ] (الْحَدِيثُ التَّاسِعُ) وَعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ: الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ. (الثَّانِيَةُ) الْحَيَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الِاسْتِحْيَاءُ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ الْحَيَاةِ وَاسْتِحْيَاءُ الرَّجُلِ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ عِلْمِهِ بِمَوَاقِعِ الْعَيْبِ، قَالَ: فَالْحَيَاءُ مِنْ قُوَّةِ الْحِسِّ وَلُطْفِهِ وَقُوَّةِ الْحَيَاةِ، وَفِي رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ الْجُنَيْدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيْ النِّعَمِ وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ، وَعَرَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْحَيَاءَ بِأَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ تَخَوُّفِ مَا يُعَابُ بِهِ أَوْ يُذَمُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: أَصْلُ الْحَيَاءِ الِامْتِنَاعُ أَوْ مَا يُقَارِبُهُ مِنْ مَعْنَى الِانْقِبَاضِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَوَابُهُ الِانْكِسَارُ بَدَلَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاءِ فَيُطْلَقُ الْحَيَاءُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إطْلَاقَ الِاسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ. انْتَهَى. فَكَيْفَ يَكُونُ لَازِمُ الشَّيْءِ هُوَ أَصْلُ مَدْلُولِهِ. [فَائِدَة قَوْلُهُ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ] 1 (الثَّالِثَةُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ «يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ» مَعْنَاهُ يَعْذُلُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَذْكُرُ لَهُ مَفَاسِدَهُ «فَنَهَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ دَعْهُ انْفَرَدَ بِهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا كَانَ الْحَيَاءُ وَهُوَ فِي الْأَكْثَرِ غَرِيزَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ اكْتِسَابٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ مِنْهَا، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مَبْسُوطًا فَقَالَ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَيَاءَ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانَ فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى إيمَانًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ أَوْ كَانَ شَبِيهًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ صَلَاةً، وَأَصْلُ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فَلَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَتْ صَلَاةً، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَهِيَ تَثْمِيرُ الْمَالِ وَنَمَاؤُهَا فَلَمَّا كَانَ النَّمَاءُ يَقَعُ بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ عَنْ الْمَالِ سُمِّيَ زَكَاةً حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الشُّرَّاحِ: إنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنْ الْإِيمَانِ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنْ الْمَعَاصِي. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا كَوْنُ الْحَيَاءِ خَيْرًا كُلُّهُ وَلَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الْحَيَاءِ قَدْ يَسْتَحْيِ أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ فَيَتْرُكُ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ، قَالَ: وَجَوَابُ هَذَا مَا أَجَابَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْمَانِعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَمُهَانَةٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ، وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَلْقٌ يُبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْجُنَيْدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْحَضَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبَائِحِ الْأُمُورِ وَرَذَائِلِهَا وَكُلَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ فِعْلِهِ وَالِاعْتِذَارِ عَنْهُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 (الْأَسْمَاءُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «أَخْنَأُ الْأَسْمَاءِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ» ..   Qقَالَ «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَسْتَحْيِيَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقُّ الْحَيَاءِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَيَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّمَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. [الْأَسْمَاءُ] [حَدِيث أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ] (الْأَسْمَاءُ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:. (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ (شَاهَانْ شَاهْ) وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَأَلْت أَبَا عَمْرٍو عَنْ أَخْنَعَ فَقَالَ (أَوْضَعَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ الْأَمْلَاكِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ سُفْيَانُ: فَقَوْلُ غَيْرِهِ شَاهَانْ شَاهْ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ سُفْيَانُ: شَاهَانْ شَاه ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ التِّرْمِذِيُّ (وَأَحْرَجُ) يَعْنِي أَقْبَحُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ «أَخْنَى الْأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِتَكْرِيرِ أَغْيَظَ قَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ تَكْرِيرُهُ وَجْهَ الْكَلَامِ، قَالَ: وَفِيهِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِتَكْرِيرِهِ أَوْ تَغْيِيرِهِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَعَلَّ أَحَدَهُمَا أَغْنَطُ بِالنُّونِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَشَدُّهُ عَلَيْهِ وَالْغَنَطُ شِدَّةُ الْكَرْبِ وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ مُشْكِلُ الْمَعْنَى، وَحَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ مُشْكِلُ الْمَعْنَى، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ أَغْنَطَ بِالنُّونِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّوَابُ التَّمَسُّكُ بِالرِّوَايَةِ وَتَطْرِيقُ الْوَهْمِ لِلْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَهْمٌ لَا يَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ مَا وُجِدَ لِلْكَلَامِ وَجْهٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إفَادَةِ تَكْرَارِ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْمُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ، وَتَعْظِيمُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْيَهُودِ {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ عَاقَبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى، قَالَ: وَحَاصِلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ قَدْ انْتَهَى مِنْ الْكِبْرِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي لَا تَنْبَغِي لِمَخْلُوقٍ وَأَنَّهُ قَدْ تَعَاطَى مَا هُوَ خَاصٌّ بِالْإِلَهِ الْحَقِّ إذْ لَا يَصْدُقُ هَذَا الِاسْمُ بِالْحَقِيقَةِ إلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَعُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالْإِخْسَاسِ وَالِاسْتِرْذَالِ بِمَا لَمْ يُعَاقَبْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ. انْتَهَى. [فَائِدَة ضَبط لفظي أَغْيَظُ أَخْنَعُ وَمَعْنَاهُمَا] 1 (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ أَغْيَظُ هُنَا مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالْغَيْظِ فَيُتَأَوَّلُ هُنَا الْغَيْظُ عَلَى الْغَضَبِ وَسَبَقَ شَرْحُ مَعْنَى الْغَضَبِ وَالرَّحْمَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (الرَّابِعَةُ) وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ» فَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النُّسْخَةِ الْكُبْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَطْ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ بِمَعْنَى أَوْضَعَ وَأَبُو عَمْرٍو هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ مِرَارٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ قِتَالٍ، وَقِيلَ: مَرَّارٌ بِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ كَعَمَّارِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ كَغَزَالِ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو عَمْرٍو اللُّغَوِيُّ النَّحْوِيُّ الْمَشْهُورُ، وَلَيْسَ بِأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ذَاكَ تَابِعِيٌّ كُوفِيٌّ قَبْلَ وِلَادَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. (قُلْت) هَذِهِ عِبَارَةٌ مُوهِمَةٌ تُوهِمُ أَنَّهُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ شَيْخُهُ، وَتُوهِمُ أَنَّ هَذَا اللُّغَوِيَّ لَيْسَ شَيْبَانِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَشْهُورٌ بِأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَيْضًا إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ شَيْبَانِيًّا وَلَكِنَّهُ كَانَ مُؤَدِّبًا لِأَوْلَادِ نَاسٍ مِنْ بَنِي شَيْبَانُ فَنُسِبَ إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ التِّرْمِذِيَّ فَسَّرَ أَخْنَعَ بِأَقْبَحَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي فَسَّرَهُ أَبُو عَمْرٍو مَشْهُورٌ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ قَالُوا: وَمَعْنَاهُ أَشَدُّ ذُلًّا وَصَغَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُ الِاسْمِ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَغْيَظُ رَجُلٍ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: أَخْنَعُ بِمَعْنَى أَفْجَرُ، يُقَالُ: خَنَعَ الرَّجُلُ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ إلَيْهِ أَيْ دَعَاهَا إلَى الْفُجُورِ وَهُوَ بِمَعْنَى أَخْبَثَ أَيْ أَكْذَبَ الْأَسْمَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَخْنَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاهُ أَفْحَشُ الْأَسْمَاءِ وَأَقْبَحُهَا مِنْ الْخَنَا وَهُوَ الْفُحْشُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ أَيْ أَفْحَشَ وَأَفْجَرَ وَالْخَنَا الْفُحْشُ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى أَهْلَكَ لِصَاحِبِهِ الْمُسَمَّى بِهِ، وَالْإِخْنَاءُ الْإِهْلَاكُ يُقَالُ: أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ أَيْ أَهْلَكَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَرُوِيَ أَنْخَعُ أَيْ أَقْتَلُ وَالنَّخْعُ الْقَتْلُ الشَّدِيدُ. انْتَهَى. [فَائِدَة مَعْنَى قَوْله رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «رَجُلٌ كَانَ تَسَمَّى» كَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ هُوَ الَّذِي سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ مِنْ أَنْ يُسَمِّيَهُ غَيْرُهُ بِذَلِكَ وَيَرْضَى هُوَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا أَيْضًا بِرِضَاهُ بِذَلِكَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَرْضَى بِهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: (مَلِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْأَمْلَاكِ جَمْعُهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: هُوَ مَلِيكٌ وَمَلْكٌ وَمَلِكٌ مِثْلَ فَخْذٍ وَفَخِذٍ كَأَنَّ الْمَلْكَ مُخَفَّفٌ مِنْ مَلِكٍ وَالْمَلِكُ مَقْصُورٌ مِنْ مَالِكٍ أَوْ مَلِيكٍ وَالْجَمْعُ الْمُلُوكُ وَالْأَمْلَاكُ وَالِاسْمُ الْمُلْكُ وَالْمَوْضِعُ مَمْلَكَةٌ. انْتَهَى. [فَائِدَة قَوْلُهُ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ] (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى وَفِي الرِّوَايَةِ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لَا مَالِكَ إلَّا اللَّهُ وَالْمَلِكُ مَنْ لَهُ الْمُلْكُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْمَالِكُ مَنْ لَهُ الْمِلْكُ بِكَسْرِهَا وَالْمَلِكُ أَمْدَحُ وَالْمَالِكُ أَخَصُّ وَكِلَاهُمَا وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي التَّنْزِيلِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ مَالِكِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 150 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qبِالْأَلِفِ. [فَائِدَة مَعْنَى شَاهَانْ شَاهْ] 1 (السَّابِعَةُ) قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَ شَاهَانْ نَشَاه هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ بِمَعْنَى مَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَمَا كَانَ أَغْنَاهُ عَنْ تَفْسِيرِ الْعَرَبِيَّةِ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِاشْتِهَارِ هَذَا اللَّفْظِ بَيْنَ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ أَنَّهُ سَمَّى نَفْسَهُ مَلِكَ الْأَمْلَاكِ وَقَالَ فِي شِعْرٍ لَهُ مَلِكُ الْأَمْلَاكِ غَلَّابُ الْقَدَرْ فَكَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ يُنَادِي مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ، وَالْوَاقِعُ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مَا ذَكَرْته مِنْ شَاهَانْ شَاهْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ شَاهٍ شَاهْ قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَصْوَبَ شَاهٍ شَاهَانْ وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ فِي كِسْرَى قَالُوا: شَاهٍ مَلِكُ وَشَاهَانْ الْمُلُوكُ وَكَذَا يَقُولُونَ لِقَاضِي الْقُضَاةِ موزموندان قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُنْكَرُ صِحَّةُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَجَمِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَقُولُونَ فِي غُلَامِ زَيْدٍ " زَيْدٍ غُلَامُ " فَهَذَا أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ. انْتَهَى. [فَائِدَة التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُخْتَصَّةِ بِهِ] 1 (الثَّامِنَةُ) فِيهِ تَحْرِيمُ التَّسَمِّي بِهَذَا الِاسْمِ سَوَاءً كَانَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ لِتَرْتِيبِ هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَمَّى بِهِ أَشَدُّ مِنْ غَضَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ. (التَّاسِعَةُ) وَيَلْحَقُ بِهِ التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالْقُدُّوسِ وَالْمُهَيْمِنِ وَخَالِقِ الْخَلْقِ وَنَحْوِهَا. [فَائِدَة حُرْمَةُ تَسْمِيَة الْإِنْسَانِ بِأَقْضَى الْقُضَاةِ] (الْعَاشِرَةُ) اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ تَحْرِيمَ أَنْ يُقَالَ لِلْإِنْسَانِ أَقْضَى الْقُضَاةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَسَمِعْت وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي عَنْ شَيْخِنَا قَاضِي الْقُضَاةِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ جَمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ رَأَى وَالِدَهُ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ مَا كَانَ أَضَرَّ عَلِيَّ مِنْ هَذَا الِاسْمِ يَعْنِي قَاضِي الْقُضَاةِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ الْمُوَقِّعِينَ أَنْ يَكْتُبُوا لَهُ فِي التَّسْجِيلَاتِ الْحُكْمِيَّةِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَكْتُبُوا إلَّا قَاضِيَ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَمَرَّ هَذَا إلَى الْيَوْمِ وَهُوَ حَسَنٌ وَفِي الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ يُكْتَبُ لِأَكْبَرِ الْقُضَاةِ قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيُقَالُ فِي الْيَمَنِ قَاضِي الْأَقْضِيَةِ وَلَا قُبْحَ فِيهِ أَيْضًا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْمُفَسِّرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45] أَيْ أَعْلَمُ الْحُكَّامِ وَأَعْدَلُهُمْ إذْ لَا فَضْلَ لِحَاكِمٍ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِالْعَدْلِ وَالْعِلْمِ وَرُبَّ عَرِيقٍ فِي الْجَهْلِ مِنْ مُتَقَلِّدِي زَمَانِنَا قَدْ لُقِّبَ أَقْضَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يُسَمَّ خَضِرٌ إلَّا أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ» الْفَرْوَةُ الْحَشِيشُ الْأَبْيَضُ   Qالْقُضَاةِ وَمَعْنَاهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ فَاعْتَبَرَ وَاسْتَعْبَرَ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي نَقْدِهِ عَلَى الزَّمَخْشَرِيّ رَأَى أَنَّ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَرْفَعُ مِنْ قَاضِي الْقُضَاةِ، وَاَلَّذِي يُلَاحِظُونَهُ الْآنَ فِي عَكْسِهِ أَنَّ الْقُضَاةَ يُشَارِكُونَ أَقْضَاهُمْ فِي الْوَصْفِ، وَإِنْ تَرَفَّعَ عَلَيْهِمْ فَتَرَفَّعُوا أَنْ يُشَارِكَهُمْ أَحَدٌ فَأَفْرَدُوا رَئِيسَهُمْ بِنَعْتِهِ بِقَاضِي الْقُضَاةِ الَّذِي هُوَ يَقْضِي بَيْنَ الْقُضَاةِ وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي وَصْفِهِ وَجَعَلُوا أَقْضَى الْقُضَاةِ يَلِيهِ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْضَى الْقُضَاةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» فَلَا حَرَجَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى أَعْدَلِ قُضَاةِ الزَّمَانِ أَوْ الْإِقْلِيمِ أَوْ أَعْلَمِهِمْ أَقْضَى الْقُضَاةِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَيْ فِي زَمَنِهِ وَبَلَدِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ وَكُلُّ قَرْنٍ نَاجِمٌ فِي زَمَنٍ ... فَهْوَ شَبِيهٌ فِي زَمَنٍ فِيهِ بَدَا وَقَالَ الْعَلَمُ الْعِرَاقِيُّ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ مِنْ مَنْعِ الِاتِّصَافِ بِأَقْضَى الْقُضَاةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُنِيرِ: إنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ فِي حَقِّهِ: أَقْضَى الْقُضَاةِ لَيْسَ بِمَجِيدٍ فَإِنَّ التَّفْضِيلَ فِي حَقِّ عَلِيٍّ وَقَعَ عَلَى قَوْمٍ مُخَاطَبِينَ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى. وَأَمَّا إطْلَاقُ التَّفْضِيلِ عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْكُمُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} [النمل: 78] وَقَالَ {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ} [الحجر: 66] وَقَالَ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الصِّفَاتِ أَنْ لَا يُدْعَى أَحَدٌ إلَى فَضِيلَةٍ وَالتَّقَدُّمِ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْجُرْأَةِ وَسُوءِ الْأَدَبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ مَرَّةً وَنُعِتَ بِذَلِكَ وَلَدَّ فِي سَمْعِهِ فَتَحَيَّلَ لِنَفْسِهِ فِي إجَازَةِ إطْلَاقِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَمْ يُسَمَّ خَضِرٌ إلَّا أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يُسَمَّ خَضِرٌ إلَّا أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ» الْفَرْوَةُ الْحَشِيشُ الْأَبْيَضُ وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 وَمَا أَشْبَهَهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَظُنُّ هَذَا تَفْسِيرًا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qأَظُنُّ هَذَا تَفْسِيرًا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَفْسِيرُ الْفَرْوَةِ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ: (لَمْ يُسَمَّ خَضِرٌ) كَذَا ضَبَطْنَا الْفِعْلَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَخَضِرٌ نَائِبُ الْفَاعِلِ أَيْ لَمْ يُسَمَّ بِهَذَا الِاسْمِ إلَّا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَقَبٌ لُقِّبَ بِهِ دَالٌّ عَلَى رِفْعَتِهِ وَأَنَّ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ بِبَرَكَتِهِ تَخْضَرُ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِهِ عَلَيْهَا وَاسْمُهُ (بَلِيَّا) بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ (ابْنُ مَلْكَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَقِيلَ: كُلِّيَّانِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَضِرِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا فَاخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي نَسَبِهِ وَمِنْ أَغْرَبِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَقِيلَ: كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ تَزَهَّدُوا فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: اسْمُ الْخَضِرِ بَلِيَّا بْنُ مَلْكَانِ بْنِ فَالِغِ بْنِ غَابِرِ بْنِ شَالَخِ بْنِ أرفخشد بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ أَمْ بِكَثِيرٍ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي نُبُوَّتِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَحَكَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَكَثِيرُونَ: هُوَ وَلِيٌّ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالذَّاهِبُونَ إلَى نُبُوَّتِهِ اخْتَلَفُوا فِي رِسَالَتِهِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي حَيَاتِهِ فَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى وَفَاتِهِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هُوَ حَيٌّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْعَامَّةِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَإِنَّمَا شَذَّ بِإِنْكَارِهِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مَوْجُودٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَحِكَايَاتُهُمْ فِي رُؤْيَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَالْأَخْذِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 (حِفْظُ الْمَنْطِقِ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقُولَنَّ   Qعَنْهُ وَسُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَوُجُودِهِ فِي الْمَوْضِعِ الشَّرِيفَةِ وَمَوَاطِنِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُشَهَّرَ قَالَ: وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَحْرِ لَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ: الْخَضِرُ نَبِيٌّ مُعَمَّرٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ مَحْجُوبٌ عَنْ الْأَبْصَارِ يَعْنِي عَنْ أَبْصَارِ أَكْثَرِ النَّاسِ قَالَ: وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَمُوتُ إلَّا فِي آخِرِ الزَّمَانِ حِينَ يُرْفَعُ الْقُرْآنُ وَصَنَّفَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ كِتَابًا فِي حَيَاتِهِ. (الثَّالِثَةُ) هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِهِ خَضِرًا وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ قَالَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ. (قُلْت) وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَحْكِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ. (الرَّابِعَةُ) هَلْ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ اخْضِرَارُ مَا تَحْتَهُ بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ وَقَعَ لَهُ مَرَّةً عَلَى سَبِيلِ الْمُعْجِزَةِ أَوْ الْكَرَامَةِ فَلُقِّبَ بِهِ أَوْ هُوَ وَصْفٌ مُسْتَمِرٌّ لَهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ لَهُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. . [فَائِدَة تَفْسِيرُ الْفَرْوَةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) تَفْسِيرُ الْفَرْوَةِ هُنَا بِأَنَّهَا الْحَشِيشُ الْأَبْيَضُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْفَرْوَةُ قِطْعَةُ نَبَاتٍ مُجْتَمِعَةٍ يَابِسَةٍ وَكَذَا حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ قِطْعَةٌ يَابِسَةٌ مِنْ حَشِيشٍ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْمُطَرِّزُ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: الْفَرْوَةُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ، وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْفَرْوَةُ جِلْدَةُ وَجْهِ الْأَرْضِ أَنْبَتَتْ وَصَارَتْ خَضْرَاءَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ جَرْدَاءَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُقَالُ فَذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الْهَرَوِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ فَرَجَّحَا أَنَّهَا هُنَا الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ. (السَّادِسَةُ) إنَّمَا فَسَّرَ الْفَرْوَةَ بِالْحَشِيشِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ فَإِنْ كَانَ رَطْبًا قِيلَ لَهُ: خَلَاء بِفَتْحِ الْخَاءِ مَقْصُورٌ، وَيُقَالُ لَهُمَا جَمِيعًا: الْكَلَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ وَقَوْلُهُ الْأَبْيَضُ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ ابْيَضَّ. (السَّابِعَةُ) مَا ظَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حِفْظُ الْمَنْطِقِ] [حَدِيث لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ] (حِفْظُ الْمَنْطِقِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُلْ ابْنُ آدَمَ وَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ إنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَإِذَا شِئْت قَبَضْتُهُمَا» . وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» ..   Qالدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ ابْنُ آدَمَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ إنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَإِذَا شِئْت قَبَضْتُهُمَا» وَعَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّالِثَةِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمُسْلِمٌ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُمَا جَمِيعًا صَحِيحَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمَّا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى: هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ فِيمَا عَلِمْت، وَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَمِيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّوَابُ فِيهِ إسْنَادُ الْمُوَطَّإِ قَالَ وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ جَمَاعَةٍ رِوَايَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ» وَقَالَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ هِشَامٍ بِإِسْنَادِ الْمُوَطَّإِ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ» وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَلْفَاظِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّحِيحُ فِي لَفْظِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) الْخَيْبَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ وَعَدَمُ نَيْلِ الْمَطْلُوبِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ أَوْ وَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى النُّدْبَةِ وَهِيَ نِدَاءُ مُتَفَجَّعٍ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَوْ مُتَوَجَّعٍ مِنْهُ، كَأَنَّهُ فَقَدَ الدَّهْرَ لِمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَكْرَهُهَا فَنَدَبَهُ. [فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَعْمِلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ عَقِيدَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الزَّمَانَ هُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً لِتَعْطِيلِهِمْ وَنَفْيِهِمْ الْإِلَهَ، وَاسْتَعْمَلَ السَّلَامِيُّونَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ قَاصِدِينَ بِهِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ يَذُمُّونَ الدَّهْرَ إذَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُمْ أَغْرَاضُهُمْ، وَيَمْدَحُونَهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُمْ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ نَسَبَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا لِلدَّهْرِ حَقِيقَةً، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ جَرَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ، وَلَكِنَّهُ قَدْ تَشَبَّهَ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَبِالْجَاهِلِيَّةِ فِي الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ ارْتَكَبَ مَا نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، فَلْيَتُبْ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ، وَالدَّهْرُ وَالزَّمَانُ وَالْأَبَدُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى حَرَكَاتِ الْفَلَكِ وَهِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا: لَيْسَ هَذَا النَّهْيُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: خُرِقَ الْفَلَكُ وَانْعَكَسَ الدَّهْرُ وَتَعِسَ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. [فَائِدَة قَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هُوَ مَجَازٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَسُبَّ الدَّهْرَ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ سَبِّ الدَّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ النَّوَازِلِ، فَإِنَّكُمْ إذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهَا وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلُهَا وَمُنَزِّلُهَا. وَأَمَّا الدَّهْرُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ فَلَا فِعْلَ لَهُ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى فَإِنَّ «اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» أَيْ فَاعِلُ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ، وَخَالِقُ الْكَائِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى] (السَّادِسَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ أَنَّ الدَّهْرَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا جَهْلٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْ قَائِلِهِ وَذَرِيعَةٌ إلَى مُضَاهَاةِ قَوْلِ الدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ، وَيُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ» فَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ فِي الدَّهْرِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّهْرُ بِيَدِهِ زَمَانَ الدُّنْيَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَحَدُ مَفْعُولَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ بَلْ هُوَ فِعْلُهُ كَمَا قِيلَ (أَنَا الْمَوْتُ) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143] وَإِنَّمَا رَأَوْا أَسْبَابَهُ، وَقَدْ شَبَّهَ جَهَلَةُ الدَّهْرِيَّةِ وَكَفَرَةُ الْمُعَطِّلَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّهْرَ عِنْدَهُمْ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ وَأَمَدُ الْعَالَمِ، وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ سِوَاهُ وَلَا صَانِعَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِنْهُمْ سِوَاهُ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُرَادُ بِاَللَّهِ، فَكَيْفَ يُصَرِّفُ وَيُقَلِّبُ الشَّيْءَ نَفْسَهُ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ انْتَهَى. [فَائِدَة الْبَارِئُ تَعَالَى لَا يَتَأَذَّى مِنْ شَيْءٍ] 1 (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ» قَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مَجَازٌ وَالْبَارِئُ تَعَالَى لَا يَتَأَذَّى مِنْ شَيْءٍ فَيُحْمَلُ أَنْ يُرِيدَ، أَنَّ هَذَا عِنْدَكُمْ إذًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَحَبَّ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَسُبَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ السَّبَّ يُؤْذِيهِ، وَالْمَحَبَّةُ تَمْنَعُ مِنْ الْأَذَى وَمِنْ فِعْلِ مَا يَكْرَهُهُ الْمَحْبُوبُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَفْعَلُ مَا أَنْهَاهُ عَنْهُ وَمَا يُخَالِفُنِي فِيهِ، وَالْمُخَالَفَةُ فِيهَا أَذًى فِيمَا بَيْنَكُمْ فَتَجُوزُ فِيهَا فِي حَقِّ الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ انْتَهَى. وَأَحْسَنَ النَّوَوِيُّ التَّعْبِيرَ عَنْ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا بِقَوْلِهِ: مَعْنَاهُ يُعَامِلُنِي مُعَامَلَةً تُوجِبُ الْأَذَى فِي حَقِّكُمْ. [فَائِدَة قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَنَا الدَّهْرُ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ: «وَأَنَا الدَّهْرُ» هُوَ بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاهِيرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ إنَّمَا هُوَ الدَّهْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ أَنَا مُدَّةُ الدَّهْرِ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَيَكُونُ الْخَبَرُ إمَّا قَوْلُهُ: بِيَدِي الْأَمْرُ، وَإِمَّا قَوْلُهُ: أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: يَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ بَاقٍ مُقِيمٌ أَبَدًا لَا يَزُولُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، قَالَ وَالظَّرْفُ أَيْ بِتَقْدِيرِ النَّصْبِ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ: إنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِيهِ الرَّفْعُ، وَاَلَّذِي حَمَلَ رَاوِي النَّصْبِ عَلَى ذَلِكَ خَوْفَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 وَعَنْهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَهُ مَرَّةً رَفَعَهُ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ مَرَّةً يَبْلُغُ بِهِ يَقُولُونَ الْكَرْمُ إنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ» .   Qاللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا صَحَّ إلَى مَا لَا يَصِحُّ مَخَافَةَ مَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ بِالضَّمِّ، وَلَمْ يَرْوِ الْفَتْحَ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الضَّمِّ أَنْ يَكُونَ الدَّهْرُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّوْقِيفِ عَلَيْهَا أَوْ اسْتِعْمَالِهَا اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالتَّكْرَارِ، فَيُخْبِرُ بِهِ وَعَنْهُ، وَيُنَادِي بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الدَّهْرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى ثُمَّ لَوْ سَلَمَ صِحَّةُ النَّصْبِ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» وَلَمْ يَذْكُرْ «أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ؛ لِأَنَّا إنْ صِرْنَا إلَى ذَلِكَ لَزِمَ نَصْبُ الدَّهْرِ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَزِمَ حَذْفُ الْخَبَرِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا. [حَدِيث يَقُولُونَ الْعِنَبُ الْكَرْمُ إنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لَهُ مَرَّةً رَفَعَهُ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ مَرَّةً يَبْلُغُ بِهِ يَقُولُونَ الْعِنَبُ الْكَرْمُ إنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ، وَمِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «لَا تَقُولُوا الْكَرْمُ وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبُ وَالْحَبَلَةُ» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ عَلَى جِهَةِ الْإِرْشَادِ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي الْإِطْلَاقِ انْتَهَى. وَفِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْإِرْشَادِ هُنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْشَادَ مَا تَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ، وَالْمَصْلَحَةُ هُنَا دِينِيَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فَاسْتِعْمَالُ النَّوَوِيِّ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا وَكَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ شَجَرِ الْعِنَبِ كَرْمًا، بَلْ يُقَالُ عِنَبٌ أَوْ حَبَلَةٌ (قُلْت) لَيْسَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ شَجَرِ الْعِنَبِ كَرْمًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْعِنَبُ يُطْلَقُ عَلَى الثَّمَرَةِ نَفْسِهَا وَعَلَى الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ كَذَلِكَ، فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَيْهَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَعَلَى الْآخَرِ مَجَازًا فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا مَأْخُوذًا مِنْ النَّصِّ، وَالْآخَرُ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا سَمَّتْ الْعَرَبُ الْعِنَبَ بِالْكَرْمِ لِكَثْرَةِ حَمْلِهِ وَسُهُولَةِ قِطَافِهِ وَكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، وَأَصْلُ الْكَرْمِ الْكَثْرَةُ وَالْكَرِيمُ مِنْ الرِّجَالِ هُوَ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ وَالنَّفْعِ، يُقَالُ: رَجُلٌ كَرِيمٌ وَكَرَّامٌ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَكَرَّامٌ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَهِيَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: رَجُلٌ كَرَمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَامْرَأَةٌ كَرَمٌ وَرِجَالٌ كَرَمٌ وَنِسَاءٌ كَرَمٌ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى حَدِّ عَدْلٍ وَزُورٍ وَفِطْرٍ انْتَهَى. (الْخَامِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَةَ الْكَرْمِ كَانَتْ الْعَرَبُ تُطْلِقُهَا عَلَى شَجَرَةِ الْعِنَبِ وَعَلَى الْعِنَبِ وَعَلَى الْخَمْرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْعِنَبِ سَمَّوْهَا كَرْمًا لِكَوْنِهَا مُتَّخَذَةً مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ فَكَرِهَ الشَّرْعُ إطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى الْعِنَبِ وَشَجَرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا اللَّفْظَةَ رُبَّمَا تَذَكَّرُوا الْخَمْرَ، وَهَيَّجَتْ نُفُوسَهُمْ إلَيْهَا فَوَقَعُوا فِيهَا، أَوْ قَارَبُوا ذَلِكَ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ نَحْوًا مِنْهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُرِّمَ الْخَمْرُ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ طِبَاعُهُمْ تَحُثُّهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الْكَرْمِ كُرِهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُسَمَّى هَذَا الْمُحَرَّمَ بِاسْمٍ يُهَيِّجُ طِبَاعَهُمْ إلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْمُحَرِّكِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ إنَّمَا هُوَ تَسْمِيَةُ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ وَلَيْسَتْ الْعِنَبَةُ مُحَرَّمَةً، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمَةُ الْخَمْرُ، وَلَمْ تُسَمَّ الْخَمْرُ عِنَبًا حَتَّى يُنْهَى عَنْهَا، وَإِنَّمَا الْعِنَبُ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى خَمْرًا بِاسْمِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ مِنْ الْخَمْرِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وَقَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسَمِّيَ هَذَا الْمُحَرَّمَ بِاسْمٍ يُهَيِّجُ الطِّبَاعَ إلَيْهِ» لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ بِالْعِنَبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْكَرْمِ، فَتَأَمَّلْهُ تَرْشُدْ. (السَّادِسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَتِمَّةِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ: إنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّ الْكَرْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فَسُمِّيَ كَرْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالنُّورِ وَالتَّقْوَى وَالصِّفَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِهَذَا الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَإِنَّمَا مَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي مَحْمَلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ» . «وَلَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» أَيْ الْأَحَقُّ بِاسْمِ الْكَرْمِ الْمُسْلِمُ أَوْ قَلْبُ الْمُسْلِمِ، وَذَلِكَ لِمَا حَوَاهُ مِنْ الْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِاسْمِ الْكَرِيمِ وَالْكَرْمِ مِنْ الْعِنَبِ (قُلْت) : وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ بَابُ «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَقَدْ قَالَ: «إنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِي يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» كَقَوْلِهِ: «إنَّمَا الصُّرْعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» وَكَقَوْلِهِ «لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ» فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا فَقَالَ {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: 34] . [فَائِدَة مَعْنَى الْحَبَلَةُ] 1 (السَّابِعَةُ) الْحَبَلَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِإِسْكَانِهَا وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ وَأَفْصَحُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: أَصْلُ الْكَرْمَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْقَضِيبُ مِنْ الْكَرْمِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْأَصْلُ أَوْ الْقَضِيبُ مِنْ شَجَرِ الْأَعْنَابِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ: الْحَبَلَةُ أَيْ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ وَالْحُبْلَةُ أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْكَرْمُ وَقِيلَ الْأَصْلُ مِنْ أُصُولِ الْكَرْمِ وَالْحَبَلُ أَيْ بِفَتْحِ الْحَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَّبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، تَكْذِيبُهُ إيَّايَ أَنْ يَقُولَ فَلْيُعِدْنَا كَمَا بَدَأَنَا وَأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ يَقُولُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qوَالْبَاءِ شَجَرُ الْعِنَبِ الْوَاحِدَةُ حَبَلَةٌ، وَحَبَلَةُ عَمْرٍو ضَرْبٌ مِنْ الْعِنَبِ بِالطَّائِفِ بَيْضَاءُ مُحَدَّدُ الْأَطْرَافِ مُتَدَاحِضَةُ الْعَنَاقِيدِ انْتَهَى. وَأَمَّا الْحُبْلَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ فَهِيَ ثَمَرُ السَّمَرِ، وَقِيلَ: ثَمَرُ الْعِضَاهِ مُطْلَقًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْهُ حَدِيثُ وَمَا لَنَا طَعَامٌ إلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ. [حَدِيث يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَّبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَّبَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، تَكْذِيبُهُ إيَّايَ أَنْ يَقُولَ فَلْيُعِدْنَا كَمَا بَدَأَنَا. وَأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ يَقُولُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ «أَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ أَنْ يَقُولَ إنِّي لَمْ أُعِدْهُ كَمَا بَدَأْته» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إعَادَتِهِ» . (الثَّانِيَةُ) الْمُرَادُ هُنَا عَبِيدٌ مَخْصُوصُونَ وَهُمْ مُنْكِرُو بَعْثِ الْأَجْسَامِ وَهُمْ كَفَرَةُ الْعَرَبِ، وَجُعِلُوا مُكَذِّبِينَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِتَكْرَارِ إخْبَارِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ بِبَعْثِ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ وَإِعَادَةِ الْأَرْوَاحِ إلَى أَجْسَادِهَا، وَقَوْلُهُ «فَلْيُعِدْنَا كَمَا بَدَأَنَا» لَفْظُهُ طَلَبٌ وَمَعْنَاهُ التَّكْذِيبُ كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا فِيمَا ذَكَرَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] إنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ لِلتَّكْذِيبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِنَفْيِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهَا. [فَائِدَة الْقَائِلُونَ اتَّخَذَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلَدًا] 1 (الثَّالِثَةُ) وَالْقَائِلُونً اتَّخَذَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلَدًا هُمْ مَنْ قَالَ مِنْ الْيَهُودِ بِأَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ النَّصَارَى بِأَنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ الْعَرَبِ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ. [فَائِدَة بحث فِي مَعْنَى الصَّمَد] 1 (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ الْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤْدُدُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ الْمُفَسِّرُ: الصَّمَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّيِّدُ الَّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ وَيَسْتَقِلُّ بِهَا وَأَنْشَدَ أَلَا بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدْ ... بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ وَبِهَذَا تَتَفَسَّرُ هَذِهِ الْآيَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ هُوَ مُوجِدُ الْمَوْجُودَاتِ، وَإِلَيْهِ يُصْمَدُ وَبِهِ قِوَامُهَا، وَلَا غِنَى بِنَفْسِهِ إلَّا هُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ كَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُصْمَتِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ كُلِّهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الصَّمَدُ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ صَمَدَ إلَيْهِ إذَا قَصَدَهُ؛ وَهُوَ السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ إلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ قَالَ: وَقَوْلُهُ «لَمْ أَلِدْ» لِأَنَّهُ لَا يُجَانَسُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ صَاحِبَةٌ فَيَتَوَالَدَا وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] وَقَوْلُهُ {وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ مُحْدَثٌ وَجِسْمٌ، وَهُوَ قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ (وَلَمْ يُكَافِئْهُ أَحَدٌ) أَيْ لَمْ يُمَاثِلْهُ وَلَمْ يُشَاكِلْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ نَفْيًا لِلصَّاحِبَةِ وَالْكَلَامُ إنَّمَا سِيقَ لِنَفْيِ الْمُكَافَأَةِ عَنْ ذَاتِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَصَبُّهُ وَمَرْكَزُهُ هَذَا الطَّرَفُ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ وَقُرِئَ كُفُؤًا بِضَمِّ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَكْثَرِينَ، وَقَرَأَ حَفْصٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ مَعَ الْهَمْزَةِ فِي الْوَصْلِ فَإِذَا وَقَفَ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ وَاوًا مَفْتُوحَةً اتِّبَاعًا لِلْخَطِّ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُلْقَى حَرَكَتُهَا عَلَى الْفَاءِ وَقُرِئَ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُونَ يَسْتَفْتُونَ حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمْ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ» زَادَ الشَّيْخَانِ «فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَرُسُلِهِ»   Q [حَدِيث لَا يَزَالُونَ يَسْتَفْتُونَ حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمْ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُونَ تَسْتَفْتُونَ حَتَّى يَقُولَ أَحَدُكُمْ هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ:. (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّك فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ وَلْيَنْتَهِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «وَرُسُلِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يُزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَكُمْ عَنْ الْعِلْمِ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ قَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ وَهَذَا الثَّالِثُ أَوْ قَالَ سَأَلَنِي وَاحِدٌ وَهَذَا الثَّانِي» وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَك يَا أَبَا هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ قَالَ فَأَخَذَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا قُومُوا صَدَقَ خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَيَسْأَلُنَّكُمْ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُولُوا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَهُ» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَمِّ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَالِاسْتِفْتَاءِ عَنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَجُوزُ فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ اجْتِنَابُهُ حَذَرًا مِمَّا يَجُرُّ إلَيْهِ. (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَحْرُمُ النُّطْقُ بِهِ وَيَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، وَدَفْعُهُ عَنْ الْخَاطِرِ وَأَنْ يَلْجَأَ الْإِنْسَانُ إلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَكْفِيَهُ شَرَّ وَسْوَسَتِهِ وَفِتْنَتِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مُحَاسَنَةِ الشَّيْطَانِ لِتَأَصُّلِ عَدَاوَتِهِ وَتَأَكُّدِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ كَيْدَهُ إلَّا الِاسْتِعَاذَةُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ. (الرَّابِعَةُ) وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ ذَلِكَ وَالِانْتِهَاءِ عَنْهُ النُّطْقُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْرِيحُ بِهِ فَيَقُولُ آمَنْت بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْخَوَاطِرَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَالرَّدِّ لَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ وَلَا نَظَرٍ فِي إبْطَالِهَا. قَالَ وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي هَذَا: إنَّ الْخَوَاطِرَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَأَمَّا الَّتِي لَيْسَتْ بِمُسْتَقِرَّةٍ وَلَا اجْتَلَبَتْهَا شُبْهَةٌ طَرَأَتْ فَهِيَ تُدْفَعُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ وَعَلَى مِثْلِهَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْوَسْوَسَةِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا طَارِئًا بِغَيْرِ أَصْلٍ دُفِعَ بِغَيْرِ نَظَرٍ فِي دَلِيلٍ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ يُنْظَرُ فِيهِ. وَأَمَّا الْخَوَاطِرُ الْمُسْتَقِرَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْهَا الشُّبْهَةُ فَإِنَّهَا لَا تُدْفَعُ إلَّا بِاسْتِدْلَالٍ وَنَظَرٍ فِي إبْطَالِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة تَرْكُ الْفِكْرِ فِيمَا يَخْطُرُ بِالْقَلْبِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ] 1 (السَّادِسَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ تَرْكُ الْفِكْرِ فِيمَا يَخْطُرُ بِالْقَلْبِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهَا وَاللِّيَاذُ بِاَللَّهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ وَالْكَفِّ عَنْ مُجَارَاتِهِ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ، وَمُطَاوَلَتِهِ فِي الْمُحَاجَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْجَوَابِ عَلَى مَا يُوجِبُهُ حَقُّ النَّظَرِ فِي مِثْلِهِ لَوْ كَانَ الْمُنَاظَرُ عَلَيْهِ بَشَرًا، وَكَلَّمَكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ نَاظَرَك وَأَنْتَ تُشَاهِدُهُ وَتَسْمَعُ كَلَامَهُ وَيَسْمَعُ كَلَامَك لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُغَالِطَكَ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَكُمَا مِنْ الْكَلَامِ حَتَّى يُخْرِجَكَ كَلَامُهُ مِنْ حُدُودِ النَّظَرِ وَرُسُومِ الْجَدَلِ فَإِنْ بَانَ السُّؤَالُ وَمَا يَجْرِي فِيهِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُنَاقَضَةِ مَعْلُومٌ وَالْأَمْرُ فِيهِ مَحْدُودٌ مَحْصُورٌ، فَإِذَا رَعَيْت الطَّرِيقَةَ وَأَصَبْت الْحُجَّةَ وَأَلْزَمْتهَا خَصْمَك انْقَطَعَ، وَكُفِيتَ مُؤْنَتَهُ وَحَسَمْت شَغَبَهُ. وَبَابُ مَا يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَانُ إلَيْك غَيْرُ مَحْدُودٍ وَلَا مُتَنَاهٍ؛ لِأَنَّك كُلَّمَا أَلْزَمْته حُجَّةً وَأَفْسَدْت عَلَيْهِ مَذْهَبًا زَاغَ إلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ مِنْ الْوَسْوَاسِ الَّتِي أُعْطِيَ التَّسْلِيطَ فِيهَا عَلَيْك، فَهُوَ لَا يَزَالُ يُوَسْوِسُ إلَيْك حَتَّى يُؤَدِّيَك إلَى الْحِيرَةِ وَالْهَلَاكِ وَالضَّلَالِ فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَا يَعْرِضُ مِنْ وَسَاوِسِهِ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مُرَاجَعَتِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَحُسِمَ الْبَابُ فِيهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالِاشْتِغَالِ بِأَمْرٍ سِوَاهُ. وَهَذِهِ حِيلَةٌ بَلِيغَةٌ وَجُنَّةٌ حَصِينَةٌ يَخْزَى مَعَهَا الشَّيْطَانُ، وَيَبْطُلُ كَيْدُهُ وَلَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَاجَّتَهُ وَأَذِنَ فِي مُرَاجَعَتِهِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ فِيمَا يُوَسْوِسُ بِهِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى كُلِّ مُوَحِّدٍ سَهْلًا فِي قَمْعِهِ وَإِبْطَالِ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَاحِدًا مِنْ الْبَشَرِ لَكَانَ جَوَابُهُ وَالنَّقْضُ عَلَيْهِ مُتَلَقًّى مِنْ سُؤَالِهِ وَمَأْخُوذًا مِنْ فَحَوَى كَلَامِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ الَّذِي خَلَقَهُ، فَقَدْ نَقَضَ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ آخِرَهُ، وَأَعْطَى أَنْ لَا شَيْءَ يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُ تَحْتَ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ مَلَكٍ وَإِنْسٍ وَجَانٍّ وَنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ فِعْلٌ، لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ وَاقِعٌ تَحْتَ اسْمِ الْخَلْقِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُطَالَبَةِ مَعَ هَذَا مَحَلٌّ وَلَا قَرَارٌ، وَأَيْضًا لَوْ جَازَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَسْأَلَ فَيُقَالُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَيُسَمِّي شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ يَدَّعِي لَهُ هَذَا الْوَصْفَ لَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ خَلَقَ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَلَامْتَدَّ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَالْقَوْلُ بِمَا لَا يَتَنَاهَى فَاسِدٌ فَسَقَطَ السُّؤَالُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمِمَّا كَانَ يُقَالُ لِمَنْ يَسْأَلُ هَذَا السُّؤَالَ إنَّمَا وَجَبَ إثْبَاتُ الصَّانِعِ الْوَاحِدِ لِمَا اقْتَضَاهُ أَوْصَافُ الْخَلِيقَةِ مِنْ سِمَاتِ الْحَدَثِ الْمُوجِبَةِ أَنَّ لَهَا مُحْدِثًا فَقُلْنَا إنَّ لَهَا خَالِقًا، وَنَحْنُ لَمَّا نُشَاهِدْ الْخَالِقَ عِيَانًا فَنُحِيطَ بِكُنْهِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا أَنْ نَصِفَهُ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ لَهُ خَالِقًا. وَالشَّاهِدُ لَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْغَائِبِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ دُونَ الْمُشْتَبِهَاتِ، وَالْمَفْعُولُ لَا يُشْبِهُ فَاعِلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُعُوتِهِ الْخَاصَّةِ فَبَطَلَ مُطْلَقًا مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ اقْتِضَاءِ خَالِقٍ لِمَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ كُلَّهُ، وَلَوْ أَكْثَرْنَا فِي هَذَا لَدَخَلْنَا فِي نَوْعِ مَا نُهِينَا عَنْهُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِذًا نَنْتَهِي إلَى مَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ حَسْمِ هَذَا الْبَابِ فِي مُنَاظَرَةِ الشَّيْطَانِ لِجَهْلِهِ وَقِلَّةِ إنْصَافِهِ وَكَثْرَةِ شَغَبِهِ، وَقَدْ تَوَاصَى الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ فِيمَا دَوَّنُوهُ وَرَسَمُوهُ مِنْ حُدُودِ الْجَدَلِ وَآدَابِ النَّظَرِ بِتَرْكِ مُنَاظَرَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَأَمَرُوا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ انْتَهَى. (السَّابِعَةُ) وَفِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ مَغِيبٍ قَدْ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قِيلَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا الْبَابَ يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ»   Q [حَدِيث قِيلَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ اُدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا] (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قِيلَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] ، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا الْبَابَ يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ «فَبَدَّلُوا وَقَالُوا حِنْطَةٌ حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» (الثَّانِيَةُ) هَذَا الْبَابُ قِيلَ هُوَ الْبَابُ الثَّامِنُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقِيلَ بَابُ الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِدُخُولِهَا وَهِيَ قَرْيَةُ الْجَبَّارِينَ وَهِيَ أَرِيحَاءُ فِي الْمَشْهُورِ وَقِيلَ كَانَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ بَابُ قَرْيَةٍ فِيهَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلُهُ {سُجَّدًا} [البقرة: 58] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُنْحَنِينَ رُكُوعًا: وَقَالَ غَيْرُهُ خُضُوعًا وَشُكْرًا لِتَيْسِيرِ الدُّخُولِ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ قِيلَ لَهُمْ اُدْخُلُوا الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَاسْجُدُوا وَاشْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ (وَحِطَّةٌ) بِمَعْنَى حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ مَعْنَاهُ الِاسْتِغْفَارُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ لِأَنَّهَا تَحُطُّ الذُّنُوبَ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ التَّوْبَةُ قَالَ الشَّاعِرُ فَازَ بِالْحِطَّةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ ... بِهَا ذَنْبَ عَبْدِهِ مَغْفُورًا ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ تَعَبَّدُوا بِقَوْلِهَا كَفَّارَةً انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ {حِطَّةٌ} [البقرة: 58] مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مَسْأَلَتُنَا حِطَّةٌ أَيْ أَنْ تَحُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَقْدِيرُهُ أَمْرُنَا حِطَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَفْعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ) أَيْ يَنْجَرُّونَ عَلَى أَلَيَاتِهِمْ فِعْلَ الْمُقْعَدِ الَّذِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 (الْعُجْبُ وَالْكِبْرُ وَالتَّوَاضُعُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا حَتَّى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»   Qيَمْشِي عَلَى أَلْيَتِهِ، يُقَالُ: زَحَفَ الصَّبِيُّ إذَا مَشَى كَذَلِكَ وَالْأَسْتَاءُ جَمْعُ أَسْتً وَهُوَ الدُّبُرُ. [فَائِدَة الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ] 1 (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» أَيْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ كَلَامٌ خُلْفٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قِيلَ حِنْطَةٌ فَزَادُوا فِي لَفْظَةِ الْحِطَّةِ نُونًا، وَغَيَّرُوهُ بِذَلِكَ عَنْ مَدْلُولِهِ، ثُمَّ ضَمُّوا إلَيْهِ هَذَا الْكَلَامَ الْخَالِيَ عَنْ الْفَائِدَةِ تَتْمِيمًا لِلِاسْتِهْزَاءِ وَزِيَادَةً فِي الْعُتُوِّ، وَفِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنَّهُمْ قَالُوا حُطَّانَا سِمِقَّانَا يَعْنُونَ حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ فَعَاقَبَهُمْ بِالرِّجْزِ وَهُوَ الْعَذَابُ الْمُقْتَرِنُ بِالْهَلَاكِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ كَانَ طَاعُونًا أَهْلَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعِينَ أَلْفًا. 1 - (السَّادِسَةُ) فِي قَوْله تَعَالَى {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ فِي الْمَشْهُورِ (إحْدَاهَا) قِرَاءَةُ نَافِعٍ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ الْفَاءِ. (الثَّانِيَةُ) قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ الْفَاءِ. (الثَّالِثَةُ) قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ بِالنُّونِ مَفْتُوحَةً وَكَسْرِ الْفَاءِ. [الْعُجْبُ وَالْكِبْرُ وَالتَّوَاضُعُ] [حَدِيث بَيْنَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ] (الْعُجْبُ وَالْكِبْرُ وَالتَّوَاضُعُ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنًا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا حَتَّى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ» الْحَدِيثَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جَمَّتَهُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْن مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جَمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ سَيَقَعُ هَذَا، وَقِيلَ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَمَّنْ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَعْنَى إدْخَالِ الْبُخَارِيِّ لَهُ فِي ذِكْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ (قُلْت) : وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: «إنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ كُرَيْبٌ قَالَ «كُنْت أَقُودُ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي زُقَاقِ أَبِي لَهَبٍ فَقَالَ: يَا كُرَيْبٌ بَلَغْنَا مَكَانَ كَذَا وَكَذَا؟ قُلْت: أَنْتَ عِنْدَهُ الْآنَ فَقَالَ حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ بُرْدَيْنِ، وَيَنْظُرُ فِي عِطْفَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . [فَائِدَة مَعْنَى الْبُرْدُ] 1 (الثَّالِثَةُ) الْبُرْدُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ. قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: ثَوْبٌ فِيهِ خُطُوطٌ وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْوَشْيَ وَالْجَمْعُ أَبْرَادٌ وَأَبْرُدٌ وَبُرُودٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْبُرْدَانِ الرِّدَاءُ وَالْإِزَارُ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ تَثْنِيَةِ الْعُمَرَيْنِ وَالْقَمَرَيْنِ انْتَهَى. وَفِي تَعْيِينِهِ أَنَّ الْبُرْدَيْنِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ نَظَرٌ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ كَالْعُمَرَيْنِ وَالْقَمَرَيْنِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ تَغْلِيبٌ وَهَذَا لَا تَغْلِيبَ فِيهِ بَلْ كُلٌّ مِنْ مُفْرَدَيْهِ بُرْدٌ، وَلَوْ قِيلَ لِلْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ إزَارَانِ أَوْ رِدَاءَانِ لَكَانَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ. 1 - (الرَّابِعَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَفِي الْأُخْرَى «قَدْ أَعْجَبَتْهُ جَمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ» . قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إعْجَابُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ هُوَ مُلَاحَظَتُهُ لَهَا بِعَيْنِ الْكَمَالِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَعَ نِسْيَانِ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ رَفَعَهَا عَلَى الْغَيْرِ وَاحْتَقَرَهُ فَهُوَ الْكِبْرُ الْمَذْمُومُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ يَتَجَلْجَلُ بِالْجِيمِ وَاللَّامِ الْمُكَرَّرَتَيْنِ أَيْ يَتَحَرَّكُ وَيَنْزِلُ مُضْطَرِبًا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ «يَوْمِ الْقِيَامَةِ» مَجْرُورٌ بِحَتَّى وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى انْتِهَاءِ الْغَايَةِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَجْرُورِ بِهَا آخِرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إزَارِي تَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَسْت مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ» وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ «فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إذًا   Qجُزْءٍ أَوْ مُكَافِئَ آخِرِ جُزْءٍ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمَغَارِبَةِ وَابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي التَّسْهِيلِ. (السَّادِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ يُفِيدُ هَذَا الْحَدِيثُ تَرْكَ الْأَمْنٍ مِنْ تَعْجِيلِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الذُّنُوبِ، وَأَنَّ عُجْبَ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَثَوْبِهِ وَهَيْئَتِهِ حَرَامٌ وَكَبِيرَةٌ. [حَدِيث لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كُلِّهِمْ يُخْبِرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» ، وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمُسْبِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الثَّلَاثَةِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا «فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ فَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمُسْبِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَمْ يُخَرِّجْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ هَذَا اللَّفْظَ الْأَخِيرَ وَمَعْنَاهُ يُؤَدِّيهِ الْمَتْنُ الَّذِي قَبْلَهُ وَلِمُسْلِمٍ «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» ..   Qيُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ خَمْسَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ وَزَادُوا فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يُسْتَرْخَى إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّك لَسْت تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ» وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ وَمُسْلِمِ بْنِ يَنَاقٍ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيَّ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مِنْ الْخُيَلَاءِ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَقَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُخَرِّجْ وَاحِدٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ هَذَا اللَّفْظَ الْأَخِيرَ وَمَعْنَاهُ يُؤَدِّيهِ الْمَتْنُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» هَذَا كَلَامُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ رِوَايَةِ خَرْشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْهُ فَلِهَذَا وَجَدْت فِي نُسْخَتِي مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُبْرَى الَّتِي قَرَأْت فِيهَا عَلَى وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضَرْبًا عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِيَةُ) (الْخُيَلَاءُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ مَمْدُودَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْخُيَلَاءُ وَالْمَخِيلَةُ وَالْبَطَرُ وَالْكِبْرُ وَالزَّهْوُ وَالتَّبَخْتُرُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ حَرَامٌ وَيُقَالُ: خَالَ الرَّجُلُ خَالًا وَاخْتَالَ اخْتِيَالًا إذَا تَكَبَّرَ، وَهُوَ رَجُلٌ خَالٌ أَيْ مُتَكَبِّرٌ وَصَاحِبُ خَالٍ أَيْ صَاحِبُ كِبْرٍ انْتَهَى. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّخَيُّلِ أَيْ الظَّنِّ، وَهُوَ أَنْ يُخَيَّلَ لَهُ أَنَّهُ بِصِفَةٍ عَظِيمَةٍ بِلِبَاسِهِ، لِذَلِكَ اللِّبَاسِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُقَالُ لِلْكِبْرِ أَيْضًا خَيَلٌ وَأَخْيَلُ وَخِيلَةٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمُحْكَمِ. [فَائِدَة مَعْنَى كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ] 1 (الثَّالِثَةُ) مَعْنَى كَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ أَيْ لَا يَرْحَمُهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ نَظَرَ رَحْمَةٍ، وَنَظَرُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ رَحْمَتُهُ لَهُمْ وَلُطْفُهُ بِهِمْ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عَنْ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى مُتَكَبِّرٍ مُتَجَبِّرٍ مَقَتَهُ فَالنَّظَرُ إلَيْهِ اقْتَضَى الرَّحْمَةَ أَوْ الْمَقْتَ. (الرَّابِعَةُ) فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى التَّقْيِيدِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (قُلْت) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ الْعَظِيمَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ بِخِلَافِ رَحْمَةِ الدُّنْيَا فَقَدْ تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَرْحُومِ وَيَأْتِي لَهُ مَا يُخَالِفُهَا. (الْخَامِسَةُ) يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ ثَوْبُهُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ وَالْقَمِيصُ وَالسَّرَاوِيلُ وَالْجُبَّةُ وَالْقَبَاءُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُسَمَّى ثَوْبًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ شُعْبَةَ «قُلْت لِمُحَارِبٍ: أَذَكَرَ إزَارَهُ؟ قَالَ مَا خَصَّ إزَارًا وَلَا قَمِيصًا» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ كَمَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْإِزَارِ وَهِيَ فِي الصَّحِيحِ فَخَرَجَتْ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ لِبَاسِ الْعَرَبِ وَهُوَ الْأُزُرُ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذِكْرَ الْإِزَارِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَامَّةَ لِبَاسِهِمْ وَحُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ حُكْمُهُ، ثُمَّ اعْتَرَضَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ جَاءَ مُبَيَّنًا مَنْصُوصًا فَذَكَرَ رِوَايَةَ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ الْمُتَقَدِّمَةَ (فَإِنْ قُلْت) مَا الْمُرَادُ بِإِسْبَالِ الْعِمَامَةِ هَلْ هُوَ جَرُّهَا عَلَى الْأَرْضِ مِثْلَ الثَّوْبِ أَوْ الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي تَطْوِيلِ عَذَبَتِهَا بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْمُعْتَادِ؟ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: هُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جَرُّهَا عَلَى الْأَرْضِ مَعْهُودًا مُسْتَعْمَلًا فَالْمُرَادُ الثَّانِي، وَأَنَّ الْإِسْبَالَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ يَخْتَصُّ الْعُجْبُ وَالْخُيَلَاءُ بِجَرِّ الذُّيُولِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا] 1 (السَّادِسَةُ) هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِجَرِّ الذُّيُولِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا كَالْأَكْمَامِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: لَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِ التَّحْرِيمِ لِمَا مَسَّ الْأَرْضَ مِنْهَا لِلْخُيَلَاءِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَنْ الْمُعْتَادِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَقَدْ «كَانَ كُمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الرُّسْغِ» وَأَرَادَ عُمَرُ قَصَّ كُمِّ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْأَصَابِعِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ فِي قَمِيصٍ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ قَدْ حَدَثَ لِلنَّاسِ اصْطِلَاحٌ بِتَطْوِيلِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخُيَلَاءِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْعَوَائِدِ الْمُتَجَدِّدَةِ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُكْرَهُ كُلُّ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ مِنْ الطُّولِ وَالسَّعَةِ. [فَائِدَة الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ وَالْكِبْرُ عُجْبٌ] (السَّابِعَةُ) هَذَا الْوَعِيدُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ، وَالْكِبْرُ عُجْبٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَك أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ قَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ» وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ «فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَأَنَّهُ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارٌّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ إنَّمَا الْكِبْرِيَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [فَائِدَة جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءِ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ دَخَلَ فِي قَوْمِهِ «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ» الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَلِذَلِكَ سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ، وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْإِسْبَالِ لِلنِّسَاءٍ (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ الْخُيَلَاءَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَإِنَّمَا سَأَلَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَمَّا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ فَهْمُ أُمِّ سَلَمَةَ وَتَقْرِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهَا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُنَّ لَقَالَ لَهَا لَيْسَ حُكْمُ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الرِّجَالِ وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي وَالنَّوَوِيُّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْخُيَلَاءِ (فَإِنْ قُلْت) حَالَةُ غَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا تَحْرِيمَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي وَالْقَاضِي قَالَ إنَّهُ مَمْنُوعٌ (قُلْت) لَعَلَّهُ أَرَادَ الْكَرَاهَةَ فَإِنَّ فِيهَا مَنْعًا غَيْرَ جَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْمَكْرُوهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (التَّاسِعَةُ) التَّقْيِيدُ بِالْخُيَلَاءِ يَخْرُجُ مَا إذَا جَرَّهُ بِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ، وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يُسْتَرْخَى إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك لَسْت تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ» وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابَ مَنْ جَرَّ إزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلَاءَ، وَأَوْرَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ «خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْجَرِّ خُيَلَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مَخْصُوصٌ بِالْخُيَلَاءِ وَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْفَرْقِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُسْتَحَبُّ فِيمَا يُتْرَكُ إلَيْهِ طَرْفُ الْقَمِيصِ أَوْ الْإِزَارِ فَنِصْفُ السَّاقَيْنِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ» فَالْمُسْتَحَبُّ نِصْفُ السَّاقَيْنِ وَالْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ مَا تَحْتَهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَمَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنْ كَانَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مَنْعَ تَحْرِيمٍ، وَإِلَّا فَمَنْعُ تَنْزِيهٍ. وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ بِأَنَّ مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ لِلْخُيَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: لَا يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَيْهِ وَيَقُولَ لَا أَتَكَبَّرُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ حُكْمًا فَيَقُولُ إنِّي لَسْتُ مِمَّنْ يُسْبِلُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِي فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ وَدَعْوَى لَا تُسَلَّمُ لَهُ بَلْ مِنْ تَكَبُّرِهِ يُطِيلُ ثَوْبَهُ وَإِزَارَهُ فَكَذِبُهُ فِي ذَلِكَ مَعْلُومٌ قَطْعًا انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَقْيِيدِ الْحَدِيثِ بِالْخُيَلَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة جَرُّ الثَّوْب خُيَلَاءَ فِي حَالَةَ الْقِتَالِ] (الْعَاشِرَةُ) يُسْتَثْنَى مِنْ جَرِّهٍ خُيَلَاءَ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَةَ الْقِتَالِ فَيَجُوزُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ مِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَأَنْ يَتَبَخْتَرَ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ» الْحَدِيثَ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فَالْجَرُّ خُيَلَاءَ هُنَا فِيهِ إعْزَازُ الْإِسْلَامِ وَظُهُورُهُ وَاحْتِقَارُ عَدُوِّهِ وَغَيْظُهُ بِخِلَافِ مَا فِيهِ احْتِقَارُ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْظُهُمْ وَالِاسْتِعْلَاءُ عَلَيْهِمْ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَالْأَظْهَرُ أَيْضًا جَوَازُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ دَفْعًا لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لَهُ كَأَنْ يَكُونَ تَحْتَ كَعْبَيْهِ جِرَاحٌ أَوْ حَكَّةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُغَطِّهَا تُؤْذِهِ الْهَوَامُّ كَالذُّبَابِ وَنَحْوِهِ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتُرُهَا بِهِ إلَّا رِدَاءَهُ أَوْ إزَارَهُ أَوْ قَمِيصَهُ فَقَدْ أَذِنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلزُّبَيْرِ وَابْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ قَمِيصِ الْحَرِيرِ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا وَأَذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبٍ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمَّا أَذَاهُ الْقَمْلُ مَعَ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِغَيْرِ عَارِضٍ وَتَحْرِيمِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ، وَهَذَا كَمَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّرَخُّصِ. [فَائِدَة لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إنْ قُلْت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» فَالْجَارُّ لِثَوْبِهِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مُظْهِرًا لِلتَّجَمُّلِ بِذَلِكَ مُعْجِبًا يَحْسُنُ مَلْبَسُهُ وَنَضَارَةُ رَوْنَقِهِ لَمْ يَتَكَبَّرْ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَحْتَقِرْ أَحَدًا فَكَيْفَ جُعِلَ كِبْرًا مَذْمُومًا (قُلْت) الذَّمُّ إنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كِبْرًا بِأَنْ يَفْعَلَهُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّصِيحَةِ النَّبَوِيَّةِ وَلَا مُكْتَرِثًا بِالتَّأْدِيبِ الْإِلَهِيِّ أَوْ مُحْتَقِرًا لِمَنْ لَيْسَ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي رَآهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qحَسَنَةً بَهْجَةً فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا أَعْجَبَهُ رَوْنَقُهُ غَافِلًا عَنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْعُجْبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَإِنْ اسْتَحْضَرَ مَعَ اسْتِحْسَانِهِ لِهَيْئَتِهِ وَإِعْجَابِهِ بِمَلْبُوسِهِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَخَضَعَ لَهَا فَلَيْسَ هَذَا تَكَبُّرًا وَلَا إعْجَابًا، وَلَمْ يُرِدْ فِي الْحَدِيثِ ذَمَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة كَمْ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا] 1 (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الذِّرَاعُ الَّذِي رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ أَيْ مَا كَانَ أَوَّلُهُ مِمَّا يَلِي جِسْمَ الْمَرْأَةِ هَلْ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَدِّ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ الرِّجَالُ، وَهُوَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ أَوْ حَدُّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّالِثُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَتْ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمْ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا قَالَ شِبْرًا قَالَتْ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ فَذِرَاعٌ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» فَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَجُرَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَالَ وَالِدِي أَيْضًا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذِرَاعُ الْيَدِ، وَهُوَ شِبْرَانِ بِدَلِيلِ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ الْمَأْذُونَ لَهُنَّ فِيهِ شِبْرَانِ، وَهُوَ الذِّرَاعُ الَّذِي تُقَاسُ بِهِ الْحُصْرُ الْيَوْمَ. [فَائِدَة حُكْم الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فِي جَرِّ الذَّيْلِ] (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ وَالِدِي أَيْضًا: قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ جَرُّ الذَّيْلِ وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ حُكْمُ عَوْرَتِهِ حُكْمَ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْقَدْرِ احْتِيَاطًا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَرْأَةِ فِي السِّتْرِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَقَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِ جَرِّ الذَّيْلِ، وَالْمَرْأَةُ قَدْ رُخِّصَ لَهَا فِي جَرِّ الذَّيْلِ فَلَا تَبْلُغُ الرُّخْصَةُ غَيْرَهَا بَلْ حَقُّ الْخُنْثَى أَنْ يَسْتُرَ قَدْرَ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ. وَأَمَّا تَشْبِيهُهُ بِالْمَرْأَةِ فَقَدْ يُمْنَعُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا، وَقَدْ يُقَالُ يُمْنَعُ أَيْضًا مِنْ زِيِّ الرِّجَالِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، فَقَدْ نُهِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْآخَرِ انْتَهَى. 1 - (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) إذَا كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ ثَوْبَانِ فَأَكْثَرُ، وَكُلٌّ سَاتِرٌ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَجُرَّ جَمِيعَ ذُيُولِهَا عَلَى الْأَرْضِ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ أَوْ تَقْتَصِرُ عَلَى جَرِّ وَاحِدٍ مِنْهَا؟ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي حَقِّهِنَّ لِلسِّتْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ فِيهِ احْتِمَالٌ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَفَلُهُمْ وَغَوِيُّهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ إنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ إنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ.   Q [حَدِيث تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَفَلُهُمْ وَغَوِيُّهُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ إنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ إنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِك مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ «فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ فِيهَا تَقُولُ: قَطُّ قَطُّ قَطُّ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيَزْوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّبْوِيبِ بِصَدْرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى ذَمِّ الْكِبْرِ وَاسْتِحْقَاقِ فَاعِلِهِ النَّارَ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ الْمُشْكِلَةِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى التَّأْوِيلِ وَقَدْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: «حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ رِجْلَهُ» غَيْرَ ثَابِتَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَدْ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَأْوِيلُهَا مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ رِجْلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي رِجْلِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَمَا يُقَالُ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ. (الرَّابِعُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الرِّجْلِ نَوْعُ زَجْرٍ لَهَا كَمَا تَقُولُ جَعَلْته تَحْتَ رِجْلِي. (الْخَامِسُ) أَنَّ الرِّجْلَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الْجِدِّ وَالْإِلْحَاحِ كَمَا تَقُولُ: قَامَ فِي هَذَا الْأَمْرِ عَلَى رِجْلٍ وَالْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ وَفِيهَا التَّأْوِيلَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَأَشْهَرُ مِنْهَا تَأْوِيلٌ آخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَةِ التَّأْوِيلِ وَهِيَ طَرِيقَةُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا بَلْ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَلَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِهَا وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ تَرْكَ التَّأْوِيلِ إنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَأَمَّا الْوَارِدَةُ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ أَصْلٌ، فَإِنَّهَا تُؤَوَّلُ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا حَدِيثَ تَحَاجِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [فَائِدَة قَوْلُهُ تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ] 1 (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ: (تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ) قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَمْيِيزًا يُدْرِكَانِ بِهِ فَتَحَاجَّتَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ فِيهِمَا دَائِمًا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْمُحَاجَّةِ (أَنَّهَا لِسَانُ مَقَالٍ) فَيَكُونُ خَزَنَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا هُمْ الْقَائِلُونَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِيمَا شَاءَ مِنْ أَجْزَاءِ الْجَنَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَقْلًا فِي الْأَصْوَاتِ الْمُقَطَّعَةِ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا حَيًّا خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَلَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ الْجَمَادِيَّةِ حَيَاةً بِحَيْثُ يَصْدُرُ ذَلِكَ الْقَوْلُ عَنْهُ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] إنَّ كُلَّ مَا فِي الْجَنَّةِ حَيٌّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (لِسَانَ حَالٍ) فَيَكُونُ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ حَالَتَيْهِمَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة قَوْلُهُ تَحَاجَّتْ أَيْ تَخَاصَمَتْ] 1 (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ (تَحَاجَّتْ) أَيْ (تَخَاصَمَتْ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ التَّحَاجُّ التَّخَاصُمُ، قَالَ فِي الْمُحْكَمِ حَاجَّهُ نَازَعَهُ الْحُجَّةَ، وَحَجَّهُ غَلَبَهُ عَلَى حُجَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر: 47] الْمُحَاجَّةُ التَّحَاوُرُ بِالْحُجَّةِ وَالْخُصُومَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qانْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحَاجِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَخَاصُمُهُمَا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا وَإِقَامَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُجَّةَ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، فَاحْتَجَّتْ النَّارُ بِقَهْرِهَا لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَاحْتَجَّتْ الْجَنَّةُ بِكَوْنِهَا مَأْوَى الضُّعَفَاءِ فِي الدُّنْيَا عَوَّضَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ضَعْفِهِمْ الْجَنَّةَ فَقَطَعَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّخَاصُمَ بَيْنَهُمَا، وَبَيَّنَ أَنَّ الْجَنَّةَ رَحْمَتُهُ أَيْ نِعْمَتُهُ عَلَى الْخَلْقِ إنْ جَعَلْت الرَّحْمَةَ صِفَةَ فِعْلٍ أَوْ أَثَرَ إرَادَةِ الْخَيْرِ بِمَنْ يَشَاءُ إنْ جَعَلْتهَا صِفَةَ ذَاتٍ، وَأَنَّ النَّارَ عَذَابُهُ النَّاشِئُ عَنْ غَضَبِهِ وَإِرَادَةِ انْتِقَامِهِ جَلَّ وَعَلَا. [فَائِدَة ذَمُّ التَّكَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ] (الرَّابِعَةُ) فِيهِ ذَمُّ التَّكَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ، وَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنْ وَصَلَ الْكِبْرُ بِالْإِنْسَانِ إلَى الْكُفْرِ لِتَكَبُّرِهِ عَنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُلُوصِ مِنْهَا، وَلَا يُقْطَعُ لَهُ بِدُخُولِهَا أَيْضًا بَلْ هُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ فَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَدْخُلُهَا. 1 - (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ (وَسُفْلُهُمْ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ جَمْعُ سِفْلَةٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَهُوَ الرَّجُلُ الْوَضِيعُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الصِّحَاحِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ رَجُلٌ سِفْلَةٌ مِنْ قَوْمٍ سُفْلٍ، وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ صَدَّرَا كَلَامَهُمَا بِأَنَّ السَّفِلَةَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْفَاءِ السِّقَاطُ مِنْ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُقَالُ هُوَ مِنْ السَّفَلَةِ وَلَا يُقَالُ سَفَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ، ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُخَفِّفُ فَيَقُولُ فُلَانٌ مِنْ سَفَلَةِ النَّاسِ فَيَنْقُلُ كَسْرَةَ الْفَاءِ إلَى السِّينِ، وَحَكَاهُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ سَفِلَةُ النَّاسِ أَيْ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَسِفْلَتُهُمْ أَيْ بِكَسْرِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ أَسَافِلُهُمْ وَغَوْغَاؤُهُمْ. 1 - (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ (وَغَوِيُّهُمْ) كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا أَنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ هُنَا مَعْنًى وَلِهَذَا كَانَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَعَلَّهُ وَغَوْغَاؤُهُمْ وَكَتَبَهُ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ عَلَى حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ، وَلَعَلَّهُ تَصَحَّفَ بِقَوْلِهِمْ وَغَرْثُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا سَيَأْتِي وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَافِ وَهُوَ بِمَعْنَى الضُّعَفَاءِ وَالْمُحْتَقَرِينَ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الضُّعَفَاءُ جَمْعُ ضَعِيفٍ يَعْنِي بِهِ الضُّعَفَاءَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هُنَا الْفُقَرَاءَ، وَحَمْلُهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَى الضُّعَفَاءِ مَعْنَى الْعَجَزَةِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدُ. وَسَقَطُهُمْ جَمْعُ سَاقِطٍ وَهُوَ النَّازِلُ الْقَدْرِ، وَهُوَ الَّذِي عُبِّرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، وَأَصْلُهُ مِنْ سَقَطِ الْمَتَاعِ وَهُوَ رَدِيئُهُ انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقِيلَ مَعْنَى الضُّعَفَاءِ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَهْلُ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَنَّهُ الْخَاضِعُ لِلَّهِ تَعَالَى الْمُذِلُّ نَفْسَهُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ضِدَّ الْمُتَبَخْتِرِ الْمُسْتَكْبِرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ: الضَّعِيفُ هُنَا الَّذِي يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِشْرِينَ مَرَّةً إلَى خَمْسِينَ، وَلَمْ يُرِدْ التَّحْدِيدَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اتِّصَافَهُ بِالتَّبْرِئَةِ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَاللَّجَأِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَتَى تَذَكَّرَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُقَالُ فِي الصَّحَابِيِّ لَا فِي مُطْلَقِ النَّاسِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَغَرْثُهُمْ وَرُوِيَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النُّسَخِ: (أَحَدُهَا) غَرَثُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ شُيُوخِنَا وَمَعْنَاهَا أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَالْجُوعِ، وَالْغَرَثُ الْجُوعُ. (وَالثَّانِي) عَجَزَتُهُمْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ وَزَايٍ وَتَاءٍ جَمْعُ عَاجِزٍ. (وَالثَّالِثُ) غِرَّتُهُمْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ، قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا أَيْ الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فَنَكٌ وَحِذْقٌ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَهُوَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ «، أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» . قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ سَوَادُ النَّاسِ وَعَامَّتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ لَا يَفْطِنُونَ لِلشُّبَهِ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْفِتْنَةُ أَوْ تُدْخِلُهُمْ فِي الْبِدْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَهُمْ ثَابِتُو الْإِيمَانِ صَحِيحُو الْعَقَائِدِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَأَمَّا الْعَارِفُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَالصَّالِحُونَ الْمُتَعَبِّدُونَ فَهُمْ قَلِيلُونَ وَهُمْ أَصْحَابُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى انْتَهَى. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَسَقَطُهُمْ، وَعَجَزُهُمْ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ جَمْعُ عَاجِزٍ وَمَعْنَاهُ الْعَاجِزُونَ عَنْ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالتَّمَكُّنِ فِيهَا وَالثَّرْوَةِ وَالشَّوْكَةِ كَذَا ضَبَطَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِالتَّاءِ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَحَاسِبٍ وَحَسَبَةٍ وَسُقُوطُ التَّاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُونَهَا إذَا سَلَكُوا بِالْجَمْعِ مَسْلَكَ اسْمِ الْجِنْسِ كَمَا فَعَلُوا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ «قُلْت لِعَائِشَةَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ» وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ «كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ يُفَلِّي ثَوْبَهُ وَيَحْلِبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» .   Qذَلِكَ فِي سَقَطِهِمْ. وَصَوَابُ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ عَجَّزَهُمْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ كَنَحْوِ شَاهِدٍ وَشُهَّدٍ، وَكَذَلِكَ أَذْكُرُ أَنِّي قَرَأْته. [حَدِيث هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ «سُئِلَتْ عَائِشَةُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ» وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ قَالَتْ «قِيلَ لِعَائِشَةَ مَاذَا؟ كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنْ الْبَشَرِ يُفَلِّي ثَوْبَهُ وَيَحْلِبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ (يَخْصِفُ نَعْلَهٌ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَخْرُزُهَا طَاقَةً عَلَى الْأُخْرَى مِنْ الْخَصْفِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ. 1 - (الثَّالِثَةُ) (الْمَهْنَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَحَكَى فِيهِ أَبُو زَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَسْرَ الْمِيمِ أَيْضًا، وَأَنْكَرَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْأَصْمَعِيُّ وَكَانَ الْقِيَاسُ لَوْ قِيلَ مِثْلُ جِلْسَةٍ وَخِدْمَةٍ إلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَدْ تُكْسَرُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَهُوَ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ خَطَأٌ وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ عَنْ شَمِرٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْفَتْحَ وَصَحَّحَ الْكَسْرَ، وَحَكَى فِي الْمُحْكَمِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَزَادَ فِيهِ لُغَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ (إحْدَاهُمَا) الْمَهَنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ. (وَالثَّانِيَةُ) الْمَهِنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا الْخِدْمَةُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبَا الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ «فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ» يَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ أَيْ عَمَلِهِمْ وَخِدْمَتِهِمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ هِيَ الْحَذْقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ. [فَائِدَة بَيَانُ تَوَاضُعِ الرَّسُول وَخُرُوجه إلَى الصَّلَاة] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ بَيَانُ تَوَاضُعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمِهْنَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مُفَسَّرَةٌ بِمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ خَصْفِ نَعْلِهِ وَخِيَاطَةِ ثَوْبِهِ، وَبِمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ «مِنْ فَلِّ ثَوْبِهِ وَحَلْبِ شَاتِهِ وَخِدْمَةِ نَفْسِهِ» أَمَّا خِدْمَةُ أَهْلِهِ فِي الْحَاجَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِنَّ فَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْحَدِيثِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا يُمْكِنُ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - السُّكُوتُ عَنْ ذَلِكَ وَالْمُوَافَقَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَجَّحَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الزَّوْجَةِ الَّتِي يَجِبُ إخْدَامُهَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ أَنَا أَخْدُمُهَا لِتَسْقُطَ مُؤْنَةُ الْخَادِمِ عَنِّي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ وَتُعَيَّرُ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ كَغَسْلِ الثَّوْبِ وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَكَنْسِ الْبَيْتِ وَالطَّبْخِ دُونَ مَا يَرْجِعُ إلَى خِدْمَتِهَا كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَى يَدِهَا وَحَمْلِهِ إلَى الْمُسْتَحَمِّ انْتَهَى. فَإِذَا قِيلَ مِثْلُ هَذَا فِي الْآحَادِ فَكَيْفَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الشَّمَائِلِ لِأَبِي الْحَسَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صِفَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُتَوَاضِعٌ فِي غَيْرِ مَذَلَّةٍ» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِيهِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ وَالْعُلَمَاءَ يَتَنَاوَلُونَ خِدْمَةَ أُمُورِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الصَّالِحِينَ. (الْخَامِسَةُ) بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ «مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَزَاحَ عَنْ نَفْسِهِ هَيْئَةَ مِهْنَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُشَمِّرًا، وَكَيْفَ كَانَ مِنْ حَالَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ لَهُ التَّشْمِيرُ وَكَفُّ الشَّعْرِ وَالثِّيَابِ إذَا كَانَ يَقْصِدُ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ إلَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 (الطِّبُّ وَالرُّقَى) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَهِيَ الشُّونِيزُ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ «مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ» .   Qالصَّلَاةِ عَلَى هَيْئَةِ جُلُوسِهِ وَبِذْلَتِهِ (قُلْت) لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ بِهَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهَا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ عَنْ عَمَلِهِ وَيُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ الْأُمُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الطِّبُّ وَالرُّقَى] [حَدِيث الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ] (الطِّبُّ وَالرُّقَى) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ بُرَيْدَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَهِيَ الشُّونِيزُ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) لَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عَزْوِهِ لِرِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ وَابْنُ مَاجَهْ عَلَى إخْرَاجِ هَذَا الْمَتْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «إنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ» لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بَيَانُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالسَّامُ الْمَوْتُ إلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَحْدَهُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ أَنَّ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ هِيَ الشُّونِيزُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ الْأَشْهَرُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ عَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْحَسَنُ أَنَّهَا الْخَرْدَلُ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ قَالَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ وَالْأَسْوَدَ أَخْضَرَ، وَالْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ ثَمَرَةُ الْبُطْمِ أَيْ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ: وَهُوَ شَجَرُ الضِّرْوُ (قُلْت) هُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ وَاوٌ، وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: هُوَ صَمْغُ شَجَرَةٍ تُدْعَى الْكِمْكَامُ تُجْلَبُ مِنْ الْيَمَنِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهَا إنَّهَا الشُّونِيزُ لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ. (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَكْثَرُ مَنَافِعَ مِنْ الْخَرْدَلِ، وَحَبُّ الضِّرْوِ مُتَعَيَّنٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ إذْ مَقْصُودُهُ الْإِخْبَارُ بِأَكْثَرِيَّةِ فَوَائِدِهِ وَمَنَافِعِهِ. (الثَّالِثَةُ) (الشُّونِيزُ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ زَايٌ مُعْجَمَةٌ كَذَا ضَبَطْنَاهُ وَرَوَيْنَاهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: قَيَّدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِفَتْحِ الشِّينِ، وَقَالَ غَيْرُهُ بِالضَّمِّ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الشَّيْنِيزُ أَيْ بِيَاءٍ بَعْدَ الشِّينِ بَدَلَ الْوَاوِ، وَقَالَ كَذَا تَقُولُهُ الْعَرَبُ. قَالَ الْقَاضِي وَرَأَيْت غَيْرَهُ قَالَهُ الشُّونِيزُ (قُلْت) هِيَ كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ وَشَأْنُ الْعَرَبِ عِنْدَ النُّطْقِ بِمِثْلِهَا التَّلَاعُبُ بِهَا وَإِيرَادُهَا كَيْفَ اتَّفَقَ. [فَائِدَة الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ] 1 (الرَّابِعَةُ) فِيهِ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، وَأَنَّ فِيهَا شِفَاءً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ فِي مَنْفَعَةِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي هِيَ الشُّونِيزُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً وَخَوَاصَّ عَجِيبَةً يُصَدِّقُهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا فَذَكَرَ جَالِينُوسُ أَنَّهَا تَحُلُّ النَّفْخَ وَتَقْتُلُ دِيدَانَ الْبَطْنِ إذَا أُكِلَتْ أَوْ وُضِعَتْ عَلَى الْبَطْنِ وَتَنْفِي الزُّكَامَ إذَا قُلِيَتْ وَصُرَّتْ فِي خِرْقَةٍ وَشُمَّتْ وَتُزِيلُ الْعِلَّةَ الَّتِي يَنْقَشِرُ مِنْهَا الْجِلْدُ، وَتَقْلَعُ الثآليل الْمُتَعَلِّقَةَ وَالْمُنَكَّسَةَ وَالْحَبْلَانَ وَتُدِرُّ الطَّمْسَ الْمُنْحَبِسَ إذَا كَانَ انْحِبَاسُهُ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ وَتَنْفَعُ الصُّدَاعَ إذَا طُلِيَ بِهَا الْجَبِينُ وَتَقْلَعُ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ، وَتُحَلِّلُ الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيَّةَ إذَا تُضَمَّدَ بِهَا مَعَ الْخَلِّ، وَتَنْفَعُ مِنْ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي الْعَيْنِ إذَا اسْتَعَطَ بِهَا مَسْحُوقَهُ بِدُهْنٍ إلَّا بِرِشَاءٍ، وَتَنْفَعُ مِنْ إيضَابِ النَّفَسِ، وَيُتَمَضْمَضُ بِهَا مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ، وَتُدِرُّ الْبَوْلَ وَاللَّبَنَ وَتَنْفَعُ مِنْ نَهْشَةِ الرُّوتِيلَا وَإِذَا بُخِّرَ بِهَا طَرَدَتْ الْهَوَامَّ. قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ غَيْرُ جَالِينُوسَ خَاصِّيَّتُهَا إذْهَابُ حُمَّى الْبَلْغَمِ وَالسَّوْدَاءِ، وَتَقْتُلُ حَبَّ الْقَرَعِ وَإِذَا عُلِّقَتْ فِي عُنُقِ الْمَزْكُومِ نَفَعَتْهُ وَتَنْفَعُ مِنْ حُمَّى الرِّبْعِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q (الْخَامِسَةُ) أَطْلَقَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ فِيهَا شِفَاءً وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هَذَا مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ إذْ لَيْسَ يَجْتَمِعُ فِي طَبْعِ شَيْءٍ مِنْ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ جَمِيعُ الْقُوَى الَّتِي تُقَابِلُ الطَّبَائِعَ كُلَّهَا فِي مُعَالَجَةِ الْأَدْوَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَتَبَايُنِ طَبَائِعِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَحْدُثُ مِنْ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْبَلْغَمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَارٌّ يَابِسٌ فَهُوَ شِفَاءٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى لِلدَّاءِ الْمُقَابِلِ لَهُ فِي الرُّطُوبَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّوَاءَ أَبَدًا بِالْمُضَادِّ وَالْغِذَاءَ بِالْمُشَاكِلِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَسَلُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ إلَى أَنْ يَكُونَ دَوَاءً لِكُلِّ دَاءٍ أَقْرَبُ مِنْ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ الْأَمْرَاضِ مَا إذَا شَرِبَ صَاحِبُهُ الْعَسَلَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَلَمَ بَعْدَهُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْعَسَلِ {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] إنَّمَا هُوَ فِي الْأَغْلَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ فِي الْقِسْطِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ يَصِفُ بِحَسَبِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ غَالِبِ حَالِ الصَّحَابَةِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُخَالِطُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ نَقَلَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُبْعِدُ مَنْفَعَةَ الْحَارِّ مِنْ أَدْوَاءٍ حَارَّةٍ لِخَوَاصَّ فِيهَا فَقَدْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَكُونُ الشُّونِيزُ مِنْهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ أَحْيَانًا مُنْفَرِدًا وَأَحْيَانًا مُرَكَّبًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْآخَرِ تُحْمَلُ كُلِّيَّةُ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهَا، وَإِحَاطَتِهَا وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَدْوَاءِ شَيْءٌ إلَّا الدَّاءُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ ذَلِكَ الْعُمُومُ مَحْمُولًا عَلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَغْلَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ التَّدَاوِي] 1 (السَّادِسَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّدَاوِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَامَّةِ الْخَلَفِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ التَّدَاوِيَ مِنْ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ، وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّدَاوِي وَحُجَّةُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ أَبْرَأَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ «قَالَتْ الْأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا وَهُوَ الْهَرَمُ» قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ، وَأَنَّ التَّدَاوِيَ أَيْضًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا كَالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَوْ قَالَ بِمَاءِ زَمْزَمَ» شَكَّ هَمَّامٌ..   Qوَكَالْأَمْرِ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَبِالتَّحْصِينِ وَمُجَانَبَةِ الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إلَى التَّهْلُكَةِ مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يَتَغَيَّرُ وَالْمَقَادِيرَ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ عَنْ أَوْقَاتِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْمُقَدَّرَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّابِعَةُ) (قَوْلُهُ) إلَّا السَّامَ يَقْتَضِي أَنَّ السَّامَ وَهُوَ الْمَوْتُ دَاءٌ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَيْسَ دَاءً، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمٌ وَفَنَاءٌ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ سَمَّاهُ دَاءً عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ دَاءٌ يُضْعِفُ وَالْمَوْتُ يُعْدِمُ. (ثَانِيهَا) أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنَّ السَّامَ لَا دَوَاءَ لَهُ كَمَا قَالَ وَدَاءُ الْمَوْتِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ، وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْمَرَضِ الَّذِي عِنْدَ الْمَوْتِ وَفَرَاغِ الْأَجَلِ فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الدَّوَاءُ. [حَدِيث الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ] (الْحَدِيثُ الثَّانِي) وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ «اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ» ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ «فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُسْلِمٍ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا بِلَفْظِ «إنَّ شِدَّةَ الْحُمَّى» وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ شِدَّةُ حَرِّهَا وَلَهَبِهَا وَانْتِشَارِهَا، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ» الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنَّا الرِّجْزَ) وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَجَازٌ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ بِحَرِّ جَهَنَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . [فَائِدَة الشِّدَّةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ الْحُمَّى هِيَ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْحُمَّى وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «إنَّ شِدَّةَ الْحُمَّى» فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْحُمَّى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ شِدَّةُ الْحُمَّى لَا مُطْلَقُ الْحُمَّى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الشِّدَّةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ الْحُمَّى هِيَ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَهَذَا وَصْفٌ لَازِمٌ لِلْحُمَّى إذْ لَا تَخْلُو عَنْ شِدَّةٍ وَإِنْ قَلَّتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 1 - (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ: «فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ» هُوَ بِهَمْزَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «فَابْرُدُوهَا» فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ يُقَالُ بَرَدْت الْحُمَّى اُبْرُدْهَا بَرْدًا عَلَى وَزْنِ قَتَلْتهَا اُقْتُلْهَا قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْت حَرَارَتَهَا وَأَطْفَأْت لَهَبَهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَكَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ أَنَّهُ يُقَالُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ فِي لُغَةٍ وَقَدْ حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ. [فَائِدَة مُدَاوَاةُ الْحُمَّى بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ] (الْخَامِسَةُ) فِيهِ مُدَاوَاةُ الْحُمَّى بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَنَّهُ اعْتَرَضَ ذَلِكَ وَقَالَ: الْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ الْبَارِدَ مُخَاطَرَةٌ وَقَرِيبٌ مِنْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَسَامَّ وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ الْمُتَحَلِّلَ، وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ؛ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَنَقُولُ فِي إبْطَالِ اعْتِرَاضِهِ إنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إلَى التَّفْصِيلِ حَتَّى أَنَّ الْمَرِيضَ يَكُونُ الشَّيْءُ دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا بِعَارِضٍ يَعْرِضُ مِنْ غَضَبٍ يُحْمِي مِزَاجَهُ فَيَتَغَيَّرُ عِلَاجُهُ، أَوْ هَوَاءٍ يَتَغَيَّرُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحْصَى كَثْرَتُهُ، فَإِذَا وُجِدَ الشِّفَاءُ بِشَيْءٍ فِي حَالَةٍ مَا لِشَخْصٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الشِّفَاءُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَجَمِيعُ الْأَشْخَاصِ وَالْأَطِبَّاءِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالْعَادَةِ وَالْغِذَاءِ الْمُتَقَدِّمِ وَالتَّأْثِيرِ الْمَأْلُوفِ وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ الْمُعْتَرِضَ تَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ اُبْرُدُوهَا بِالْمَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ وَحَالَتَهُ وَالْأَطِبَّاءُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيُسَلِّمُونَ أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُدَبَّرُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ، وَيَسْقُونَهُ الثَّلْجَ وَيَغْسِلُونَ أَطْرَافَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْحُمَّى، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِي الْمَرْأَةَ الْمَوْعُوكَةَ فَتَصُبُّ الْمَاءَ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» فَهَذِهِ أَسْمَاءُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ، وَقُرْبُهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْلُومٌ تَأَوَّلَتْ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْمُلْحِدِ الْمُعْتَرِضِ إلَّا اخْتِرَاعُهُ الْكَذِبَ وَاعْتِرَاضُهُ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَأَخَذَ كَلَامَهُ هَذَا مِنْ الْخَطَّابِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، فَقَالَ غَلِطَ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ فَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ لَمَّا أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَاحْتَقَنَتْ الْحَرَارَةُ فِي بَاطِنِ بَدَنِهِ فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ صَعْبَةٌ كَادَ أَنْ يَهْلِكَ مِنْهَا، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّتِهِ قَالَ قَوْلًا فَاحِشًا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ لِجَهْلِهِ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَتَبْرِيدِ الْحُمَّيَاتِ الصَّفْرَاوِيَّةِ أَنْ يَسْقِيَ الْمَاءَ الصَّادِقَ الْبَرْدَ، وَيُوضَعُ أَطْرَافُ الْمَحْمُومِ فِيهِ وَأَنْفَعُ الْعِلَاجِ وَأَسْرَعُهُ إلَى إطْفَاءِ نَارِهَا وَكَسْرِ لَهِيبِهَا فَإِنَّمَا أَمْرُنَا بِإِطْفَاءِ الْحُمَّى وَتَبْرِيدِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دُونَ الِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ وَغَطِّ الرَّأْسِ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَسْمَاءَ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَالَ الْقَاضِي بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ أَسْمَاءَ هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ وَيُصَحِّحُ حُصُولَ الْبُرْءِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَأْوِيلِ الْمَازِرِيِّ قَالَ: وَلَوْلَا تَجْرِبَةُ أَسْمَاءَ وَالْمُسْلِمِينَ لِمَنْفَعَتِهِ مَا اسْتَعْمَلُوهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُمَّيَاتِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ خَلْطِ بَارِدٍ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ حَارٍّ وَفِيهِ يَنْفَعُ الْمَاءُ وَهِيَ حُمَّيَاتُ الْحِجَازِ وَعَلَيْهَا خُرِّجَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلُهُ حَتَّى قَالَ «صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحَلَّلْ أَوْكِيَتُهُنَّ» فَتَبَرَّدَ وَخَفَّ حَالُهُ، وَذَلِكَ فِي أَطْرَافِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ أَنْ يُرَشَّ بَعْضُ جَسَدِ الْمَحْمُومِ أَوْ يُفْعَلَ بِهِ كَمَا كَانَتْ أَسْمَاءُ تَفْعَلُ، فَإِنَّهَا تَأْخُذُ مَاءً يَسِيرًا تَرُشُّ بِهِ فِي جَيْبِ الْمَحْمُومِ أَوْ يُنْضَحُ بِهِ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَيُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النُّشْرَةِ الْجَائِزَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ فَقَدْ يَنْفَعُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْحُمَّيَاتِ فَإِنَّ الْأَطِبَّاءَ قَدْ سَلَّمُوا أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُدَبَّرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ حَتَّى يُسْقَى الثَّلْجَ، وَتُغْسَلُ أَطْرَافُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ جَمِيعَ جَسَدِ الْمَحْمُومِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ اسْتِعْمَالَهُ بَعْدَ أَنْ تُقْلَعَ الْحُمَّى وَتَسْكُنَ حَرَارَتُهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَبِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخَوَاصِّ الَّتِي قَدْ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَدْ رَوَى قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ «أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُمَّى فَقَالَ لَهُ اغْتَسِلْ ثَلَاثًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ اذْهَبِي يَا أُمَّ مِلْدَمٍ فَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ فَاغْتَسِلْ سَبْعًا» (قُلْت) وَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ فَأَفْرَغَهَا عَلَى قَرْنِهِ فَاغْتَسَلَ» فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا حُمَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَسُنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي السَّحَرِ ثَلَاثَ لَيَالٍ» . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ جَهَالَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقَّعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ وَهِيَ سِجْنُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ وَصُبُّوهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَأَذَانِ الْعِشَاءِ فَفَعَلُوا فَذَهَبَتْ عَنْهُمْ» . وَذَكَرَ حَدِيثًا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدٍ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ الْحُمَّى فَإِنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيُطْفِئْهَا عَنْهُ بِالْمَاءِ فَلْيَسْتَنْقِعْ فِي مَاءٍ جَارٍ، وَلْيَسْتَقْبِلْ جِرْيَتَهُ فَيَقُولُ بِاسْمِ اللَّهِ اشْفِ عَبْدَك وَصَدِّقْ رَسُولَك بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلْيَنْغَمِسْ فِيهِ ثَلَاثَ غَمَسَاتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي ثَلَاثٍ فَخَمْسٌ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي خَمْسٍ فَسَبْعٌ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي سَبْعٍ فَتِسْعٌ فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُجَاوِزُ تِسْعًا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (قُلْت) وَسَعِيدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ زُرْعَةَ الشَّامِيُّ الْحِمْصِيُّ الْجَزَّارُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ لَكِنْ رَوَى عَنْهُ مَرْزُوقٌ الشَّامِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ هَمَّامٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَسَمِعْت وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ مَرَّةٍ يَحْكِي أَنَّهُ فِي شَبَابِهِ أَصَابَتْهُ حُمَّى، وَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى النِّيلِ فَاسْتَقْبَلَ جِرْيَةَ الْمَاءِ وَانْغَمَسَ فِيهِ فَأَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمَّى، وَلَمْ تَعُدْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ تُوُفِّيَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِي مِنْ الْعُمْرِ أَكْثَرُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 وَعَنْ عُرْوَةَ أَوْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ «صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحَلَّلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَسْتَرِيحُ فَأَعْهَدَ إلَى النَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ مِنْ نُحَاسٍ وَسَكَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ   Qمِنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمْ أُفَارِقْهُ إلَّا مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ ثَلَاثُ سِنِينَ وَمُدَّةَ رِحْلَتِي إلَى الشَّامِ وَهِيَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ أَرَهُ حُمَّ قَطُّ حَتَّى وَلَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إنَّمَا كَانَ يَشْكُو انْحِطَاطَ قُوَاهُ، وَكَانَ قَدْ جَاوَزَ إحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً وَذَلِكَ لِحُسْنِ مَقْصِدِهِ وَامْتِثَالِهِ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجِدٍّ وَتَصْدِيقٍ وَحُسْنِ نِيَّةٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرِضًى عَنْهُ. (السَّادِسَةُ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ كُنْت أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَكَّةَ وَأَخَذَتْنِي الْحُمَّةُ، فَقَالَ اُبْرُدْهَا عَنْك بِمَاءِ زَمْزَمَ «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِمَاءِ زَمْزَمَ» شَكَّ هَمَّامٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رَوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ فَأَبْرِدُوهَا بِمَاءِ زَمْزَمَ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ نَاحِيَةِ التَّبَرُّكِ بِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَاءِ زَمْزَمَ «إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ» . (السَّابِعَةُ) حَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ «فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» أَيْ تَصَدَّقُوا بِالْمَاءِ عَنْ الْمَرِيضِ يَشْفِهِ اللَّهُ لِمَا رُوِيَ «إنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ سَقْيُ الْمَاءِ» انْتَهَى. وَهُوَ شُذُوذٌ وَمُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِصَرِيحِ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ، وَلِمَا فَهِمَتْهُ رَاوِيَةُ الْحَدِيثِ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ وَرَاوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ] (الْحَدِيثُ الثَّالِثُ) وَعَنْ عُرْوَةَ أَوْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحَلَّلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لِعَلِيٍّ أَسْتَرِيحُ فَأَعْهَدَ إلَى النَّاسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ مِنْ نُحَاسٍ وَسَكَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى طَفِقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 إلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ «صُبُّوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى» ..   Qيُشِيرُ إلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ". (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَذَلِكَ يُرَجِّحُ الْجَزْمَ بِهِ، فَإِنَّ مَنْ ضَبَطَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَضْبِطْ، وَيُفْهَمُ أَنَّ الشَّكَّ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَذَكَرَهُ وَالْمَتْنُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ إنَّمَا أَمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُهْرَاقَ عَلَيْهِ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي كَمَا صَبَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وُضُوءَهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَكَمَا أَمَرَ الْمُعَيَّنَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَعْضُ مَنْ غَلِطَ، فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ مِنْ إغْمَائِهِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَصْرٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْغُسْلُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا طَالَ ذَلِكَ بِهِ، وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَجْنُبَ انْتَهَى. وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ الِاغْتِسَالُ، وَلَكِنْ إذًا الِاغْتِسَالُ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ إغْمَاءً، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُهُ بِهِ النَّشَاطَ وَالْقُوَّةَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ «لَعَلِّي أَسْتَرِيحُ» . (الثَّالِثَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ السَّبْعَ مِنْ الْعَدَدِ تَبَرُّكًا؛ لِأَنَّ لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَأْنًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْدَادِ فِي مُعْظَمِ الْخَلِيقَةِ وَبَعْضِ أُمُورِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَصْدُهُ إلَى سَبْعِ قِرَبٍ تَبَرُّكًا بِهَذَا الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كَثِيرًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ سَبْعًا سَبْعًا. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ لِذَلِكَ مَدْخَلًا فِي الطِّبِّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ» وَمِنْهُ تَكْرِيرُ عَائِدِ الْمَرِيضِ الدُّعَاءَ لَهُ بِالشِّفَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ «فَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ فَاغْتَسِلْ سَبْعًا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ لَا تَكُونَ حُلَّتْ أَوْكِيَتُهُنَّ لِطَهَارَةِ الْمَاءِ، وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَيْدِي خَالَطَتْهُ وَمَرَسَتْهُ، وَأَوَّلُ الْمَاءِ أَطْهَرُهُ وَأَصْفَاهُ (قُلْت) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَكْثِيرَ الْمَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ الْقِرَبُ السَّبْعُ مَلْأَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُنَّ شَيْءٌ وَلَمْ يَنْقُصْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة مَعْنَى الْأَوْكِيَةُ وَمَعْنَى الْمِخْضَبُ] 1 (الْخَامِسَةُ) الْأَوْكِيَةُ جَمْعُ وِكَاءٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ رَأْسُ السِّقَاءِ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «فَأَعْهَدَ إلَى النَّاسِ» أَيْ أُوصِيهِمْ وَمِنْ مَعَانِي الْعَهْدِ الْوَصِيَّةُ وَيَجُوزُ فِي هَذَا الْفِعْلِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ كَمَا قُرِئَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} [غافر: 36 - 37] قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالنَّصْبِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ يَجُوزُ النَّصْبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ التَّرَجِّي كَجَوَابِ التَّمَنِّي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} [النساء: 73] . 1 - (السَّابِعَةُ) (الْمِخْضَبُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّكْوَةُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحْكَمِ: شَبَهُ الرَّكْوَةِ وَهِيَ الْأَجَانَةُ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ وَيُقَالُ لَهَا الْقَصْرِيَّةُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ شَبَهُ الْأَجَانَةِ يُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ. (الثَّامِنَةُ) الْمِخْضَبُ قَدْ يَكُونُ مِنْ حِجَارَةٍ وَمِنْ صُفْرٍ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ جِنْسِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ نُحَاسٍ فَفِيهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ النُّحَاسِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي طَسْتٍ، وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَأَيْت عُثْمَانَ يَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ إبْرِيقٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ قَالَ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا كَرِهَ النُّحَاسَ وَالرَّصَاصَ وَشَبَهَهُ إلَّا ابْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ فِي الصُّفْرِ، وَكَانَ يَتَوَضَّأُ فِي حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ أَدَمٍ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ " نُهِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ بِالنُّحَاسِ " وَفِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْفِثُ   Qالْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ذَكَرْت لِعَطَاءٍ كَرَاهِيَةَ ابْنِ عُمَرَ لِلصُّفْرِ فَقَالَ إنَّا نَتَوَضَّأُ بِالنُّحَاسِ وَمَا نَكْرَهُ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا رَائِحَتَهُ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَدْ وَجَدْت عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِيهِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَمَا عَلَيْهِ النَّاسُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةُ ابْنِ عُمَرَ لِلنُّحَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا كَانَ جَوْهَرًا مُسْتَخْرَجًا مِنْ مَعَادِنِ الْأَرْضِ شُبِّهَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَكَرِهَهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الْوُضُوءَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَهُمْ يَكْرَهُونَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِيهَا انْتَهَى. [فَائِدَة اسْتِعْمَالُ الرَّجُلِ مَتَاعَ امْرَأَتِهِ] (التَّاسِعَةُ) وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الرَّجُلِ مَتَاعَ امْرَأَتِهِ بِرِضَاهَا وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ. [فَائِدَة الْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ] 1 (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «طَفِقَ يُشِيرُ إلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ» أَيْ كَرَّرَ ذَلِكَ وَوَاصَلَهُ، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الشُّرُوعِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طَفِقَ يَفْعَلُ كَذَا إذَا وَاصَلَ الْفِعْلَ انْتَهَى. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ فِي مِثْلِ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْآبَارَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيَغْتَسِلُ وَيَشْرَبُ] 1 (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ فِي مُسْنَدِهِ «مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى» أَيْ مُتَفَرِّقَةٍ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا يُرَادُ تَفَرُّقُهَا خَاصَّةً فَعَلَى الْأُولَى فِي تِلْكَ الْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا وَعَلَى الثَّانِي الْخُصُوصِيَّةُ فِي تَفَرُّقِهَا، الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّ الْآبَارَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيَغْتَسِلُ وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا سَبْعَةٌ قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْإِحْيَاءِ وَهِيَ بِئْرُ رَيْسٍ وَبِئْرُ حَاءٍ وَبِئْرُ رُومَةَ وَبِئْرُ غَرْسٍ وَبِئْرُ بُضَاعَةَ وَبِئْرُ الْبَصَّةِ وَبِئْرُ السُّقْيَا أَوْ بِئْرُ جَمَلٍ ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ فَجَزَمَ بِالسِّتَّةِ الْأُولَى مِنْهَا، وَتَرَدَّدَ فِي السَّابِعَةِ هَلْ هِيَ بِئْرُ السُّقْيَا أَوْ بِئْرُ جَمَلٍ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَنَا مِتُّ فَاغْسِلُونِي بِسَبْعِ قِرَبٍ مِنْ بِئْرِي بِئْرِ غَرْسٍ» . [حَدِيث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ بِالْمُعَوِّذَاتِ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ» ..   Qالْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْت أَنَا أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا، فَسَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ كَيْفَ كَانَ يَنْفِثُ قَالَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ» وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَمُسْلِمٍ وَحْدَهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَرْقِيَ الْمَرِيضُ نَفْسَهُ بِالْمُعَوِّذَاتِ لِبَرَكَتِهَا وَحُصُولِ الشِّفَاءِ بِهَا (فَإِنْ قُلْت) : كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ «لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فَإِنَّ ظَاهِرَهُ مُنَافَاةُ ذَلِكَ لِلتَّوَكُّلِ وَالْأَكْمَلِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْمَلُ الْخَلْقِ حَالًا وَأَعْظَمُهُمْ تَوَكُّلًا، وَلَمْ يَزَلْ حَالُهُ فِي ازْدِيَادٍ إلَى أَنْ قُبِضَ وَقَدْ رَقَى نَفْسَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ؟ (قُلْت) : الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الرُّقَى الَّتِي وَرَدَ الْمَدْحُ فِي تَرْكِهَا هِيَ الَّتِي مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ وَالرُّقَى الْمَجْهُولَةُ وَاَلَّتِي بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ فَهَذِهِ مَذْمُومَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا كُفْرًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ مَكْرُوهًا. وَأَمَّا الرُّقَى الَّتِي بِآيَاتِ الْقُرْآنِ وَبِالْأَذْكَارِ الْمَعْرُوفَةِ فَلَا نَهْيَ فِيهَا بَلْ هِيَ سُنَّةٌ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمَدْحَ فِي تَرْكِ الرُّقَى لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيَانِ التَّوَكُّلِ وَمَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الرُّقَى أَوْ أَذِنَ فِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ تَرْكَهَا أَفْضَلُ فِي حَقِّنَا، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَحَكَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ قَالَ وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى بِالْآيَاتِ وَأَذْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ جَمِيعُ الرُّقَى جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِذِكْرِهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا إذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ أَوْ بِمَا لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفِيهَا شِرْكٌ» . وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك نَهَيْت عَنْ الرُّقَى» فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدُهُمَا) كَانَ نَهَى أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِيهَا وَفَعَلَهَا وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى الْإِذْنِ وَ (الثَّانِي) أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ النَّهْيَ لِقَوْمٍ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَنْفَعَتَهَا وَتَأْثِيرَهَا بِطَبْعِهَا كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ. [فَائِدَة الْمُرَاد بِالْمُعَوِّذَاتِ] 1 (الثَّالِثَةُ) (الْمُعَوِّذَاتُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَيَعْنِي بِهَا {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] وَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] (قُلْت) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُعَوِّذَتَانِ مَعَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَأَطْلَقَهَا عَلَيْهَا اسْمَهُمَا عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِقِلِّ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ» قَالَ يُونُسُ كُنْت أَرَى ابْنَ شِهَابٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ إذَا آوَى إلَى فِرَاشِهِ، وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ وَطُرُقُهُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُعَوِّذَاتِ سُورَتَا الْفَلَقِ وَالنَّاسِ خَاصَّةً، وَعَبَّرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى تَعَاوِيذَ مُتَعَدِّدَةٍ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ تَخْصِيصُهُ بِالْمُعَوِّذَاتِ لِشُمُولِهَا الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ أَكْثَرِ الْمَكْرُوهَاتِ مِنْ شَرِّ السَّوَاحِرِ النَّفَّاثَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْحَاسِدِينَ وَوَسْوَسَةِ الشَّيَاطِينِ وَشَرِّ شِرَارِ النَّاسِ وَشَرِّ كُلِّ مَا خَلَقَ وَشَرِّ كُلِّ مَا جَمَعَهُ اللَّيْلُ مِنْ الْمَكَارِهِ وَالطَّوَارِقِ انْتَهَى. [فَائِدَة النَّفْثَ وَالتُّفْلَ فِي الرُّقَى] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (يَنْفِثُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالنَّفْثُ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ وَاسْتَحَبَّهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ النَّفْثَ وَالتُّفْلَ فِي الرُّقَى وَأَجَازُوا فِيهِ النَّفْخَ بِلَا رِيقٍ، قَالَ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ إنَّ النَّفْثَ مَعَهُ رِيقٌ قَالَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النَّفْثِ وَالتُّفْلِ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَا يَكُونَانِ إلَّا بِرِيقٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُشْتَرَطُ فِي التُّفْلِ رِيقٌ يَسِيرٌ وَلَا يَكُونُ فِي النَّفْثِ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 194 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ نَفْثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرُّقْيَةِ فَقَالَتْ كَمَا يَنْفِثُ آكِلُ الزَّبِيبِ» قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكْفِي الْيَسِيرُ مِنْ الرِّيقِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ نَافِثَ الزَّبِيبِ لَا بُزَاقَ مَعَهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ مِنْ بَلِّهِ وَلَا يَقْصِدُ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الَّذِي رَقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَجَعَلَ يَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة فِي فَائِدَةِ التُّفْلِ وَالرُّقَى] (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَائِدَةُ التُّفْلِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْهَوَاءِ أَوْ النَّفَسِ الْمُبَاشِرِ لِلرُّقْيَةِ وَالذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالدُّعَاءِ وَالْكَلَامِ الطَّيِّبِ كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنْ الذِّكْرِ وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي النُّشُرِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّفَاؤُلِ بِزَوَالِ ذَلِكَ الْأَلَمِ عَنْ الْمَرِيضِ وَانْفِصَالِهِ عَنْهُ كَانْفِصَالِ ذَلِكَ النَّفْثِ عَنْهُ فِي الرَّاقِي وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَنْفِثُ إذَا رَقَى نَفْسَهُ وَكَانَ يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ، وَاَلَّذِي يُعْقَدُ وَاَلَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ وَكَانَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ أَشَدَّ كَرَاهَةٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ السَّحَرَةِ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] . [فَائِدَة الْمَرْأَةِ تَرْقِي الرَّجُلَ] 1 (السَّادِسَةُ) إنْ قُلْت كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ «فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ» (قُلْت) كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْمَرَضِ وَفِعْلُهَا ذَلِكَ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْمَرَضِ كَمَا بُيِّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرْقِي الرَّجُلَ. [فَائِدَة الِاسْتِرْقَاءِ لِلصَّحِيحِ] 1 (السَّابِعَةُ) وَقَوْلُهَا «فِي الْمَرَضِ» الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ لَمْ تُرِدْ بِهِ تَقْيِيدَ ذَلِكَ بِحَالَةِ الْمَرَضِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَفِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ وَأَفْضَلِهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْسَخْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذُكِرَ فِي أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ كُلِّهَا أَنَّ الرُّقْيَةَ إنَّمَا جَاءَتْ بَعْدَ الشَّكْوَى وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فَحَكَى الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ الْقَوْلَ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِرْقَاءِ لِلصَّحِيحِ لِمَا يَخَافُ أَنْ يَغْشَاهُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْهَوَامِّ وَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» .   Q [حَدِيث الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ] (الْحَدِيثُ الْخَامِسُ) وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ «وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الْعَيْنُ حَقٌّ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «الْعَيْنُ حَقٌّ» أَيْ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ حَقٌّ أَيْ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ الْجُمْهُورُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَيْسَ بِمُحَالٍ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى قَلْبِ حَقِيقَةٍ وَلَا إفْسَادِ دَلِيلٍ فَإِنَّهُ مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ، فَإِذَا أَخْبَرَ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَكْذِيبِهِ. وَهَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ تَكْذِيبِهِمْ بِهَذَا وَتَكْذِيبِهِمْ بِمَا يُخْبَرُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ؟ قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الطَّبَائِعِيِّينَ الْمُثْبِتِينَ لِلْعَيْنِ أَنَّ الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمُعَيَّنِ فَيَهْلِكُ أَوْ يَفْسُدُ، قَالُوا: وَلَا يُسْتَنْكَرُ هَذَا كَمَا لَا يُسْتَنْكَرُ انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنْ الْأَفْعَى وَالْعَقْرَبِ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ فَيَهْلِكُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا فَكَذَلِكَ الْعَيْنُ قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا فَاعِلَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَّا فَسَادَ الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ شَيْئًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ مَا قَالُوهُ ثُمَّ نَقُولُ هَذَا الْمُنْبَعِثُ مِنْ الْعَيْنِ إمَّا جَوْهَرٌ أَوْ عَرَضٌ فَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَأَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا؛ لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ مُفْسِدًا لَهُ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ وَأَقْرَبُ طَرِيقَةٍ سَلَكَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مِنْهُمْ أَنْ قَالُوا: لَا يَبْعُدُ أَنْ تَنْبَعِثَ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنْ الْعَائِنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمُعَيَّنِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ الْبَارِئُ عَزَّ وَجَلَّ الْهَلَاكَ عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ السَّمُومِ عَادَةً أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَتْ ضَرُورَةً وَلَا طَبِيعَةً أَلْجَأَ الْعَقْلَ إلَيْهَا. وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ إنَّمَا يَفْسُدُ وَيَهْلِكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشَّخْصِ لِشَخْصٍ آخَرَ، وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِرُ خَفِيَّةٌ أَوَّلًا هَذَا مِنْ مُجَوَّزَاتِ الْعُقُولِ لَا نَقْطَعُ فِيهَا بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا نَقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا وَبِإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَطْعِهِ، وَإِنَّمَا التَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَفْصِيلِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَالتَّجْوِيزِ انْتَهَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ الْعَيْنُ حَقٌّ أَيْ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ حَقٌّ، وَأَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ وَالطَّبَائِعِ، وَفِيهِ إبْطَالٌ لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَصْحَابِ الطَّبَائِعِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ إلَّا مَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ وَالْمَشَاعِرُ الْخَمْسَةُ، وَمَا عَدَاهَا فَلَا حَقِيقَةَ لَهُ (قُلْت) وَيَجُوزُ فِي لَفْظِ التَّأْثِيرِ وَمُرَادُهُ بِهِ مَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ مِنْ حُصُولِ الضَّرَرِ فِي النُّفُوسِ وَالطَّبَائِعِ فَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ وَعَقِيدَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ ذَهَبَتْ الْفَلَاسِفَةُ إلَى أَنَّ مَا يُصِيبُ الْمُعَيَّنَ مِنْ جِهَةِ الْعَائِنِ إنَّمَا هُوَ صَادِرٌ عَنْ تَأْثِيرِ النَّفْسِ بِقُوَّتِهَا فِيهِ فَأَوَّلُ مَا تُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا، ثُمَّ تَقْوَى فَتُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ إنَّمَا هُوَ سُمٌّ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ يُصِيبُ لَفْحُهُ الْعَيْنَ عِنْدَ التَّحْدِيقِ إلَيْهِ كَمَا يُصِيبُ لَفْحُ سُمِّ الْأَفْعَى مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ. (الْأَوَّلُ) مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ. (الثَّانِي) إبْطَالُ التَّوَلُّدِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ كَذَا كَذَا وَلَيْسَ يَتَوَلَّدُ شَيْءٌ مِنْ شَيْءٍ بَلْ الْمُوَلِّدُ وَالْمُتَوَلَّدُ عَنْهُ كُلُّ ذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ الْقُدْرَةِ دُونَ وَاسِطَةٍ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يُصِيبُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ وَلَا مِنْ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ، وَلَوْ كَانَ بِرَسْمِ التَّوَلُّدِ لَكَانَتْ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً، وَلَبَقِيَتْ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ كَقُوَّةِ سُمِّ الْأَفْعَى فَإِنَّهَا طَائِفَةٌ جَهِلَتْهُ قَدْ وَقَعَتْ عَلَى عَمِيَةٍ لَا عَلَى عَقْلٍ حَصَلَتْ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ دَخَلَتْ، وَلَا بِالطِّبِّ قَالَتْ، وَهَلْ سُمُّ الْأَفْعَى إلَّا جُزْءٌ مِنْهَا فَكُلُّهَا قَاتِلٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَالْعَائِنُ لَيْسَ شَيْءٌ يَقْتُلُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا نَظَرُهُ، وَهُوَ مَعْنًى خَارِجٌ عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَالْحَقُّ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ إلَيْهِ وَإِعْجَابِهِ بِهِ إذَا شَاءَ مَا شَاءَ مِنْ أَلَمٍ أَوْ هَلَكَةٍ، وَكَمَا لَا يَخْلُقُهُ بِإِعْجَابِهِ بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِيهِ فَقَدْ يَخْلُقُهُ، ثُمَّ يَصْرِفُهُ دُونَ سَبَبٍ وَقَدْ يَصْرِفُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِالِاسْتِعَاذَةِ فَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِ أَبُو إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقُ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ» وَقَدْ يَصْرِفُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِالِاغْتِسَالِ، وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَسَنَحْكِيهِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ شُيُوخُ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْبَاطِنِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْعَيْنُ حَقٌّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَدَرَ وَالْعَيْنَ الَّذِي يَجْرِي مِنْهُ الْأَحْكَامُ وَالْقَضَاءُ السَّابِقُ، وَأَنَّ مَا أَصَابَ بِالْعَادَةِ مِنْ ضَرَرٍ عِنْدَ نَظَرِ النَّاظِرِ إنَّمَا هُوَ بِقَدَرِ اللَّهِ السَّابِقِ لَا بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ النَّاظِرُ فِي الْمَنْظُورِ. إذْ لَا يُحْدِثُ الْمُحْدَثُ فِي غَيْرِهِ شَيْئًا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ تَحْدِيدِ النَّظَرِ وَإِدَامَتِهِ لَا سِيَّمَا مَعَ جَرْيِ عَادَتِهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَمْتَثِلْ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ التَّبَرُّكِ وَالدُّعَاءِ كَانَ مَذْمُومًا مُؤَاخَذًا بِنَظَرِهِ انْتَهَى. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ بِالْأَنْفُسِ» قَالَ الْبَزَّارُ يَعْنِي بِالْعَيْنِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِ رِجَالِهِ ثِقَاتٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ الرَّجُلَ بِإِذْنِ اللَّهِ حَتَّى يَصْعَدَ حَالِقًا ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنْهُ» . وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «نِصْفُ مَا يُحْفَرُ لِأُمَّتِي مِنْ الْقُبُورِ مِنْ الْعَيْنِ» . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَيْنُ حَقٌّ وَيُحَضِّرُهَا الشَّيْطَانُ وَجَسَدُ ابْنِ آدَمَ» (قُلْت) وَيَخْطِرُ لِي أَنَّ الشَّيْءَ إذَا ارْتَفَعَ وَرَمَقَتْهُ الْأَعْيُنُ حَطَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَ سَبَبَ ذَلِكَ بَعْضَ الْأَعْيُنِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ الْعَضْبَاءَ نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَا تُسْبَقُ، وَأَنَّ أَعْرَابِيًّا سَبَقَهَا عَلَى قَعُودٍ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ» . [فَائِدَة مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْعَيْنُ حَقٌّ] 1 (الثَّالِثَةُ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْعَيْنُ حَقٌّ أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qشَيْئًا بِإِصَابَةِ عَيْنِهِ ضَمِنَهُ وَإِذَا قَتَلَ قَتِيلًا ضَمِنَهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَوْ انْتَهَتْ إصَابَةُ الْعَائِنِ إلَى أَنْ يَعْرِفَ بِذَلِكَ وَيَعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ كُلَّمَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مُعَظِّمًا لَهُ أَوْ مُتَعَجِّبًا مِنْهُ أُصِيبَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ عَادَةً فَمَا أَتْلَفَهُ بِعَيْنِهِ غَرِمَهُ وَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا بِعَيْنِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ قُتِلَ بِهِ كَالسَّاحِرِ الْقَاتِلِ بِسِحْرِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْتُلُهُ كُفْرًا وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَتَلَ بِسِحْرِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ جَزْمِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ فَلْيُحَقَّقْ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْعَيْنِ فَلَا قِصَاصَ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا دِيَةَ فِيهِ أَيْضًا وَلَا كَفَّارَةَ انْتَهَى. وَقَدْ يُنَازِعُ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا، وَيُقَالُ التَّصْوِيرُ فِي شَخْصٍ انْتَهَى أَمْرُهُ إلَى أَنَّ نَظَرَهُ الْمَذْكُورَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَيُعَدُّ مُهْلِكًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا يُرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى مُنْضَبِطٍ عَامٍّ دُونَ مَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ، وَلَا انْضِبَاطَ لَهُ كَيْفَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِعْلٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ حَسَدٌ وَتَمَنٍّ لِزَوَالِ النِّعْمَةِ، وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يَنْشَأُ عَنْ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ حُصُولُ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ فِي زَوَالِ الْحَيَاةِ فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُ مَنْ عُرِفَ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَأَمْرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَقُومُ بِهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ، فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَ عُمَرُ وَالْعُلَمَاءُ اخْتِلَاطَهُ بِالنَّاسِ وَمِنْ ضَرَرِ الْعَوَادِي الَّتِي أُمِرَ بِتَغْرِيبِهَا حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى مِنْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يُعْرَفُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِخِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة إثْبَاتُ الْقَدَرِ وَصِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ سَابَقَ الْقَدَرَ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِاسْمِهَا وَهِيَ تَامَّةٌ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا إغْبَاءٌ فِي تَحْقِيقِ إصَابَةِ الْعَيْنِ وَمُبَالَغَةٌ تَجْرِي مَجْرَى التَّمْثِيلِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qلَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدَرَ شَيْءٌ، فَإِنَّ الْقَدَرَ عِبَارَةٌ عَنْ سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا خُرِّجَ مَخْرَجَ قَوْلِهِمْ لَأَطْلُبَنَّكَ وَلَوْ تَحْتَ الثَّرَى وَلَوْ صَعِدْت إلَى السَّمَاءِ، وَنَحْوَهُ مِمَّا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إثْبَاتُ الْقَدَرِ وَهُوَ حَقٌّ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَفِيهِ صِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ. [فَائِدَة مَعْنَى قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا] (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» خِطَابٌ لِلْعَائِنِ وَأَمْرٌ لَهُ بِأَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ فِيهِ خِلَافًا، وَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي الْوُجُوبُ وَيَبْعُدُ الْخِلَافُ فِيهِ إذَا خَشَى عَلَى الْمَعِينِ الْهَلَاكَ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ أَوْ كَانَ الشَّرْعُ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا وَلَمْ يُمْكِنْ زَوَالُ الْهَلَاكِ إلَّا بِوُضُوءِ الْعَائِنِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِيهِ انْتَهَى. (السَّادِسَةُ) لَمْ يُبَيَّنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمُعَيَّنُ» . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ «مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا قَالَ مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ قَالُوا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ عَلَيَّ مَاذَا يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ» قَالَ سُفْيَانُ قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ «وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الْإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ» وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُوَطَّإِ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ الْكُبْرَى وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ كَمَا ذَكَرْته أَوْ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَوْ مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفِيَّةَ الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ صِفَةُ وُضُوءِ الْعَائِنِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُؤْتَى بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ غُرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثُمَّ يَمُجُّهَا فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِشِمَالِهِ مَا يَغْسِلُ بِهِ كَفَّهُ الْيُمْنَى ثُمَّ بِيَمِينِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا يَغْسِلُ بِهِ كَفَّهُ الْيُسْرَى ثُمَّ بِشِمَالِهِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ بِيَمِينِهِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِرْفَقَهُ الْأَيْسَرَ، وَلَا يَغْسِلُ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ، ثُمَّ قَدَمَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثُمَّ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ دَاخِلَةَ إزَارِهِ، وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حَقْوَهُ الْأَيْمَنَ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ دَاخِلَةَ إزَارِهِ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَرْجِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذَا صَبَّهُ خَلْفَهُ مِنْ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ: بَقِيَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْغُسْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَمَا فَسَّرَ بِهِ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاءَ يَصِفُونَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَمَضَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ غَسْلَ الْعَائِنِ وَجْهَهُ إنَّمَا هُوَ صَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْضَائِهِ إنَّمَا هُوَ صَبَّةً صَبَّةً عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ فِي الْقَدَحِ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ غَسْلُ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ غَسْلُ دَاخِلَةِ الْإِزَارِ إنَّمَا هُوَ إدْخَالُهُ وَغَمْسُهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدَحُ فَيَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِ الْمُعَيَّنِ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ ثُمَّ يَكْفَأُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَقِيلَ يَعْتَقِلُهُ بِذَلِكَ حِينَ صَبَّهُ عَلَيْهِ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَدْ جَاءَ وَصْفُ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ عَقِيلٍ بِمِثْلِ هَذِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ الْبُدَاءَةَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ، وَفِيهِ صِفَةُ غَسْلِ كَفِّهِ الْيُمْنَى بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فِي الْقَدَحِ، وَهُوَ ثَانٍ يَدَهُ وَذَكَرَ فِي غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ جَمِيعَهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي طَرَفِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ أُصُولِ أَصَابِعِهِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ وَدَاخِلَةُ الْإِزَارِ هُوَ مَا فُسِّرَ بِهِ، وَالْإِزَارُ هُنَا الْمِئْزَرُ وَدَاخِلَتُهُ مَا يَلِي جَسَدَهُ وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنْ الْجَسَدِ فَقِيلَ أَرَادَ مَذَاكِيرَهُ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ عَفِيفُ الْإِزَارِ يُرَادُ بِهِ الْفَرْجُ، وَقِيلَ أَرَادَ وِرْكَهُ إذْ هُوَ مَقْعَدُ الْإِزَارِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي صِفَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْعَائِنِ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ، وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْبَدٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ، وَغَسَلَ صَدْرَهُ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ ظَاهِرُهُمَا فِي الْإِنَاءِ، وَقَالَ وَحَسِبْته قَالَ وَأَمَرَهُ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَاتٍ انْتَهَى. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ وَاقْتَصَرَ فِي الْأَذْكَارِ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الِاسْتِغْسَالُ أَنْ يُقَالَ لِلْعَائِنِ وَهُوَ الصَّائِبُ بِعَيْنِهِ النَّاظِرُ بِهَا بِالِاسْتِحْسَانِ اغْسِلْ دَاخِلَةَ إزَارِك مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ، ثُمَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَصُبُّ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَصَفَ النَّاسُ الْغُسْلَ وَأَحْصَى الْخَلْقَ لَهُ مِلْكٌ؛ لِأَنَّ النَّازِلَةَ كَانَتْ فِي بَلَدِهِ، وَوَقَعَتْ لِجِيرَانِهِ فَتَقُولُهَا وَقَدْ حَصَّلَهَا مُشَاهَدَةً وَخَبَرًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ، وَهُوَ مَا يَلِي الْبَدَنَ مِنْ الْإِزَارِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِ وَمَنْ قَالَ لَا يَجْعَلُ الْإِنَاءَ فِي الْأَرْضِ وَيَغْسِلُ كَذَا بِكَذَا فَهُوَ كُلُّهُ تَحَكُّمٌ وَزِيَادَةٌ. [فَائِدَة هَلْ للغسل مَعْنَى يَعْرِف أُمّ لَا يمكن تَعْلِيله] 1 {السَّابِعَةُ} قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ، وَلَيْسَ مِنْ قُوَّةِ الْعَقْلِ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَسْرَارِ الْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا فَلَا يُدْفَعُ هَذَا بِأَنْ لَا يُعْقَلَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الِاغْتِسَالِ وَصَبِّ مَائِهِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا؟ (قُلْنَا) إنْ قَالَ: هَذَا مُسْتَفْسَرٌ، قُلْنَا لَهُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ قَالَهُ مُتَفَلْسِفٌ قِيلَ لَهُ انْكِصْ الْقَهْقَرَى أَلَيْسَ عِنْدَكُمْ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ بِقُوَاهَا وَطِبَاعِهَا، وَقَدْ تَفْعَلُ بِمَعْنًى لَا يُعْقَلُ فِي الطَّبِيعَةِ وَيَدْعُونَهَا الْخَوَاصُّ، وَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا زُكَاءُ خَمْسَةِ آلَافٍ فَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ هَذَا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِيهَا مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ لَا سِيَّمَا وَالتَّجْرِبَةُ قَدْ عَضَّدَتْهُ، وَالْمُشَاهَدَةُ فِي الْعَيْنِ وَالْمُعَايَنَةُ قَدْ صَدَّقَتْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّقْيَةُ تُصَدِّقُهُ. {الثَّامِنَةُ} فَائِدَةُ هَذَا الِاغْتِسَالِ وَاسْتِعْمَالِ فَضْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إزَالَةُ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ فِي قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَثَمَّ طَرِيقٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ التَّبْرِيكُ عَلَيْهِ فَفِي قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إذَا رَأَى مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَنْ يُبَرِّكَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ وَغَيْرُهُمَا. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ» . وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَافَ أَنْ يُصِيبَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرُّهُ» . وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ أَيْضًا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَعْجَبَهُ مَا أَعْجَبَهُ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ» . وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ التَّبْرِيكَ أَنْ يَقُولَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qاللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَذْهَبِ (أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ نَظَرَ إلَى قَوْمِهِ يَوْمًا فَاسْتَكْثَرَهُمْ وَأَعْجَبُوهُ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ سَبْعُونَ أَلْفًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنَّك عِنْتهمْ وَلَوْ أَنَّك إذْ عِنْتهمْ حَصَّنْتهمْ لَمْ يَهْلِكُوا قَالَ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أُحَصِّنُهُمْ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ تَقُولُ: حَصَّنْتُكُمْ بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا، وَدَفَعْت عَنْكُمْ السُّوءَ بِأَلْفِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ) . قَالَ الْمُعَلِّقُ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَكَانَ عَادَةُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا نَظَرَ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَعْجَبَهُ سَمْتُهُمْ وَحُسْنُ حَالِهِمْ حَصَّنَهُمْ بِهَذَا (قُلْت) لَوْ نَقَلْت لَنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى نَبِيِّنَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَتَلَقَّيْنَاهَا بِالْقَبُولِ، وَتَأَوَّلْنَا قَوْلَهُ عِنْتهمْ أَوْ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ إنَّهُ يُحَضِّرُهَا حِينَئِذٍ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّهُ مَتَى كَانَتْ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ مُتَضَمِّنَةً لِحَسَدٍ لَا يَجُوزُ صُدُورُهَا مِنْ نَبِيٍّ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعَاصِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَنَا ذَلِكَ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مَذْكُورَةٌ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُتَلَقَّاةٌ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ، فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَضَاضَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا لِلْقَاضِي وَلَا لِلنَّوَوِيِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتهَا لِلذِّكْرِ الَّذِي فِيهَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة طَرِيقٍ آخَرَ يُزَالُ بِهِ الضَّرَرُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ الِاسْتِرْقَاءُ] 1 {التَّاسِعَةُ} وَأَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى طَرِيقٍ آخَرَ يُزَالُ بِهِ الضَّرَرُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ الِاسْتِرْقَاءُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سُفْعَةٌ، فَقَالَ: اسْتَرِقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: النَّظْرَةُ الْعَيْنُ. يُقَالُ: صَبِيٌّ مَنْظُورٌ أَيْ أَصَابَتْهُ عَيْنٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُقَالُ عُيُونُ الْجِنِّ أَنْفَذُ مِنْ أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ وَقَدْ رَوَيْنَا (أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَمِعُوا قَائِلًا مِنْ الْحَيِّ يَقُولُ: قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَهُ) فَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ أَيْ أَصَبْنَاهُ بِعَيْنَيْنِ، وَأَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِهِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ، وَيَقُولُ إنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 الرُّؤْيَا عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» ، وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، وَلَمْ يَسُقْ مَالِكٌ لَفْظَهُ وَفِي   Qعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا أَنْ نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَذَكَرَ فِي التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَيْنُ. [فَائِدَة النَّهْيُ عَنْ الْوَشْمِ] (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْوَشْمِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَنْ تُغْرَزَ إبْرَةٌ أَوْ مِسَلَّةٌ أَوْ نَحْوَهُمَا فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ كَالشَّفَةِ أَوْ الْمِعْصَمِ أَوْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ ثُمَّ يُحْشَى ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِالْكُحْلِ أَوْ النُّورَةِ فَيُحَضَّرُ، وَقَدْ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِدَارَاتٍ وَنُقُوشٍ وَقَدْ يُقَلَّلُ وَقَدْ يَكْثُرُ وَهُوَ حَرَامٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَصِيرُ الْمَوْضِعُ الْمَوْشُومُ مِجَسًّا فَإِنْ أَمْكَنَتْ إزَالَتُهُ بِالْعِلَاجِ وَجَبَتْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْجَرْحِ فَإِنْ خَافَ مِنْهُ التَّلَفَ أَوْ فَوَاتَ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةَ عُضْوٍ أَوْ شَيْئًا فَاحِشًا فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ، وَإِذَا تَابَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إثْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ إزَالَتُهُ وَيُعْصَى بِتَأْخِيرِهِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَإِنْ قُلْت مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ (قُلْت) هُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، بَلْ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لُعِنَ فَاعِلُهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ مِنْ الرَّاوِي فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحْكِ لَفْظَ النُّبُوَّةِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الرُّؤْيَا] [حَدِيث رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ] الرُّؤْيَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ، وَلَمْ يَسُقْ مَالِكٌ لَفْظَهُ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «رُؤْيَا الْمُسْلِمِ يَرَاهَا أَوْ تُرَى لَهُ» وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَالْمَتْنُ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ طُرُقًا فَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.   Qمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَمِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ خَمْسَةٌ. (الثَّانِيَةُ) الرُّؤْيَا مَقْصُورَةٌ مَهْمُوزَةٌ وَيَجُوزُ تَرْكُ هَمْزِهَا كَنَظَائِرِهَا قَالَ الْمَازِرِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي حَقِيقَةِ الرُّؤْيَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي قَلْبِ النَّائِمِ اعْتِقَادَاتٍ كَمَا يَخْلُقُهَا فِي قَلْبِ الْيَقْظَانِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَمْنَعُهُ نَوْمٌ وَلَا يَقَظَةٌ فَإِذَا خَلَقَ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ تَلْحَقُهَا فِي ثَانِي الْحَالِ أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا فَإِذَا خَلَقَ فِي قَلْبِ النَّائِمِ الطَّيَرَانَ وَلَيْسَ بِطَائِرٍ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَمْرًا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ عَلَمًا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا يَكُونُ خَلْقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغَيْمَ عَلَمًا عَلَى الْمَطَرِ وَالْجَمِيعُ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ يَخْلُقُ الرُّؤْيَا وَالِاعْتِقَادَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى مَا يَسُرُّ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الشَّيْطَانِ وَيَخْلُقُ مَا هُوَ عَلَمٌ عَلَى مَا يَضُرُّ بِحَضْرَةِ الشَّيْطَانِ فَيُنْسَبُ إلَى الشَّيْطَانِ مَجَازًا لِحُضُورِهِ عِنْدَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا فِعْلَ لَهُ حَقِيقَةً وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرُّؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ» لَا عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا فَالرُّؤْيَا اسْمٌ لِلْمَحْبُوبِ وَالْحُلْمُ اسْمٌ لِلْمَكْرُوهِ وَإِنَّمَا كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ وَبِإِرَادَتِهِ وَلَا فِعْلَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يَحْضُرُ الْمَكْرُوهَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَيَرْتَضِيهَا وَيُسَرُّ بِهَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ هِيَ إدْرَاكَاتٌ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ عَلَى يَدِ الْمَلَكِ أَوْ الشَّيْطَانِ إمَّا بِأَسْمَائِهَا وَإِمَّا أَمْثَالًا يُكَنِّي بِهَا وَإِمَّا تَخْلِيطًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ الْخَوَاطِرُ فَإِنَّهَا تَأْتِي عَلَى نَسَقٍ وَتَأْتِي مُسْتَرْسِلَةً غَيْرَ مُحَصَّلَةٍ فَإِذَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ عَلَى يَدِ الْمَلَكِ شَيْئًا كَانَ وَحْيًا مَنْظُومًا وَبُرْهَانًا مَفْهُومًا هَذَا نَحْوُ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَصَارَ الْقَاضِي إلَى أَنَّهَا اعْتِقَادَاتٌ وَإِنَّمَا دَارَ هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى نَفْسَهُ بَهِيمَةً أَوْ مَلَكًا أَوْ طَائِرًا وَلَيْسَ هَذَا إدْرَاكًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقِيقَةً فَصَارَ الْقَاضِي إلَى أَنَّهَا اعْتِقَادَاتٌ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ قَدْ يَأْتِي عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَقِدِ وَذَهَلَ عَنْ التَّفَطُّنِ لِأَنَّ هَذَا الْمَرْئِيَّ مَثَلٌ فَالْإِدْرَاكُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَثَلِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَكًا مُوَكَّلًا يَعْرِضُ الْمَرْئِيَّاتِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمُدْرِكِ مِنْ النَّائِمِ فَيُمَثِّلُ أَمْثِلَةً لِمَعَانِي مَعْقُولَةٍ غَيْرِ مَحْسُوسَةٍ، وَفِي الْحَالَتَيْنِ تَكُونُ مُبَشِّرَةً وَمُنْذِرَةً قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ قَضِيَّةَ الْمَلَكِ وَيَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّرْعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تِلْكَ التَّمْثِيلَاتِ مِنْ غَيْرِ مَلَكٍ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ إنَّ الرُّؤْيَا إدْرَاكُ أَمْثِلَةٍ مُنْضَبِطَةٍ فِي التَّخَيُّلِ جَعَلَهَا اللَّهُ أَعْلَامًا عَلَى مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ، وَهُوَ أَشْبَهُهَا، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُقَالُ إنَّ الرُّؤْيَا إدْرَاكٌ مَعَ أَنَّ النَّوْمَ ضِدُّ الْإِدْرَاكِ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَضْدَادِ الْعَامَّةِ كَالْمَوْتِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ إدْرَاكٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُدْرِكَ مِنْ النَّائِمِ لَمْ يَحُلَّهُ النَّوْمُ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ فَقَدْ تَكُونُ الْعَيْنُ نَائِمَةً وَالْقَلْبُ يَقْظَانُ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَإِنَّمَا قَالَ مُنْضَبِطَةً فِي التَّخَيُّلِ لِأَنَّ الرَّائِيَ يَرَى فِي مَنَامِهِ الْآنَ نَوْعَ مَا أَدْرَكَهُ فِي الْيَقَظَةِ بِحِسِّهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تُرَكَّبُ الْمُتَخَيَّلَاتُ فِي النَّوْمِ تَرْكِيبًا يَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا صُورَةٌ لَمْ يُوجَدْ لَهَا مِثَالٌ فِي الْخَارِجِ يَكُونُ عَلَمًا عَلَى أَمْرٍ نَادِرٍ كَمَنْ يَرَى فِي نَوْمِهِ مَوْجُودًا رَأْسُهُ رَأْسُ الْإِنْسَانِ وَجَسَدُهُ جَسَدُ الْفَرَسِ مَثَلًا وَلَهُ جَنَاحَانِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ مِنْ التَّرْكِيبَاتِ الَّتِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا فِي الْوُجُودِ، وَإِنْ كَانَتْ آحَادُ أَجْزَائِهَا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ جَعَلَهَا اللَّهُ أَعْلَامًا عَلَى مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ لِأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ الرُّؤْيَا الصَّحِيحَةَ الْمُنْتَظِمَةَ الْوَاقِعَةَ عَلَى شُرُوطِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ لِلرُّؤْيَا مَلَكًا وُكِّلَ بِهَا يُرِي الرَّائِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَكُونُ لَهُ أَوْ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. [فَائِدَة رُؤْيَا الصَّالِحِ وَرُؤْيَا الْفَاسِقِ] 1 (الثَّالِثَةُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَيَّدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الرُّؤْيَا بِكَوْنِهَا مِنْ «الرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «الْمُسْلِمِ» ، وَفِي أُخْرَى «الْمُؤْمِنِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «رُؤْيَا الْمُسْلِمِ يَرَاهَا أَوْ تُرَى لَهُ» وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ فَأَمَّا ذِكْرُ الرَّجُلِ فَقَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُسْلِمًا أَوْ مُؤْمِنًا أَوْ صَالِحًا فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَالرُّؤْيَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأَضْغَاثِ وَالْأَهَاوِيلِ فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، وَقَدْ تَكُونُ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ مِنْ الْكَافِرِ وَمِنْ الْفَاسِقِ كَرُؤْيَا الْمَلِكِ الَّتِي فَسَّرَهَا يُوسُفُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُؤْيَا الْفَتَيَيْنِ فِي السِّجْنِ وَكَرُؤْيَا بُخْتَ نَصَّرَ الَّتِي فَسَّرَهَا دَانْيَالُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَهَابِ مُلْكِهِ وَكَرُؤْيَا كِسْرَى فِي ظُهُورِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلِ رُؤْيَا عَاتِكَةَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ: وَقَدْ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْسَامًا تُغْنِي عَنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ «الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ابْنَ آدَمَ وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» ، فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْته بِهَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنَا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ فَرُؤْيَا صَالِحَةٌ: بُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا تَحْزُنُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، فَذَكَرَهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ أَبْيَنُ (قُلْت) وَتَقْسِيمُ الرُّؤْيَا إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لَا يُنَافِي تَقْيِيدَ الصَّادِقَةِ بِاَلَّتِي هِيَ صَادِرَةٌ عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ رُؤْيَا الْكَافِرِ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الرَّاءُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَالِحٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَفَاسِقٌ مِنْهُمْ، وَكَافِرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا رُؤْيَا الصَّالِحِ فَهِيَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى النُّبُوَّةِ وَمَبَادِئِهَا لِأَنَّ الصَّلَاحَ جُزْءٌ مِنْهَا وَأَمَّا رُؤْيَا الْفَاسِقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا مُرَادَةٌ بِقَوْلِهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُؤْمِنٍ فَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَمَعْنَى صَلَاحِهَا اسْتِقَامَتُهَا وَانْتِظَامُهَا وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ رُؤْيَا الْفَاسِقِ لَا تُعَدُّ فِي النُّبُوَّةِ. وَأَمَّا الرُّؤْيَا مِنْ الْكَافِرِ فَقَدْ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ كَانَ كُفَّارُ الْعَرَبِ وَالْأُمَمِ تَرَى الرُّؤْيَا الصَّحِيحَةَ وَلَا تُعَدُّ أَيْضًا فِي النُّبُوَّةِ وَلَكِنَّهَا تَدْخُلُ فِي بَابِ النَّدَارَةِ وَقَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qأَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ لَا تَكُونُ الرُّؤْيَا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ إلَّا إذَا وَقَعَتْ مِنْ مُسْلِمٍ صَادِقٍ صَالِحٍ، وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالُهُ حَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُكْرِمَ بِنَوْعٍ مِمَّا أُكْرِمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ» فَإِنَّ الْكَافِرَ وَالْكَاذِبَ وَالْمُخَلِّطَ، وَإِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاهُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا تَكُونُ مِنْ الْوَحْيِ وَلَا مِنْ النُّبُوَّةِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ صَدَقَ فِي حَدِيثٍ عَنْ غَيْبٍ يَكُونُ خَبَرُهُ ذَلِكَ نُبُوَّةً، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْكَاهِنَ يُخْبِرُ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ وَكَذَلِكَ الْمُنَجِّمُ قَدْ يُحَدِّثُ فَيَصْدُقُ وَلَكِنْ عَلَى النُّدُورِ وَالْقِلَّةِ وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالْكَاذِبُ، وَقَدْ يَرَى الْمَنَامَ الْحَقَّ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَنَامُ سَبَبًا فِي شَرٍّ يَلْحَقُهُ أَوْ أَمْرٍ يَنَالُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمَقْصُودَةِ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْكُفَّارِ مَنَامَاتٌ صَحِيحَةٌ صَادِقَةٌ كَمَنَامِ الْمَلِكِ الَّذِي رَأَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ وَمَنَامِ الْفَتَيَيْنِ فِي السِّجْنِ وَمَنَامِ عَاتِكَةَ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ كَافِرَةٌ وَنَحْوُهُ كَثِيرٌ لَكِنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنَامَاتِهِمْ الْمُخَلَّطَةِ وَالْفَاسِدَةِ انْتَهَى. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَنَا أَقُولُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُشِيرُ إلَى عُمُومِ صِدْقِ الرُّؤْيَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ صِدْقَهَا لَا يَخْتَصُّ بِصَالِحٍ مِنْ طَالِحٍ، وَهُوَ بَيِّنٌ. [فَائِدَة مَعْنَى قَوْلُهُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ» ) هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّهَا الْأَكْثَرُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهَا الْأَكْثَرُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُعَلِّمِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْإِكْمَالِ لِلْقَاضِي وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا «جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ» وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْهُ وَاَلَّذِي فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ «مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ» ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَغَيْرِهِمْ وَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِلَفْظِ «خَمْسَةٍ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ «سَبْعِينَ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «جُزْءٌ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qسَبْعِينَ جُزْءًا» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ قَالَ وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَالَ وَأَخْطَأَ فِيهِ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُزْءًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ» بِإِسْنَادٍ فِيهِ لِينٌ، ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ غَرِيبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ» . قَالَ سَلْمَانُ فَحَدَّثْت بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ فَقُلْت إنِّي سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّنِي سَمِعْت «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَمِعْت الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَدْ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو سَلَمَةَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ عَدَدِ الْحَصَا لَرَأَيْتهَا صِدْقًا، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ بِلَفْظِ «جُزْءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدِيثَ أَبِي رَزِينٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِلَفْظِ «جُزْءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» فَهَذِهِ ثَمَانِ رِوَايَاتٍ أَقَلُّهَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَأَكْثَرُهَا سَبْعُونَ وَأَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ فَإِنْ مِلْنَا إلَى التَّرْجِيحِ فَرِوَايَةُ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ أَصَحُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَكْثَرُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكُلُّهَا مَشْهُورٌ فَلَا سَبِيلَ إلَى أَخْذِ أَحَدِهَا وَطَرْحِ الْبَاقِي كَمَا فَعَلَ الْمَازِرِيُّ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ مَا تَرَكَ أَوْلَى مِمَّا قَبِلَ إذَا بَحَثْنَا عَنْ رِجَالِ أَسَانِيدِهَا وَرُبَّمَا تَرَجَّحَ عِنْدَ غَيْرِهِ غَيْرُ مَا اخْتَارَهُ هُوَ انْتَهَى. وَهُوَ اسْتِرْوَاحٌ وَرَدٌّ بِغَيْرِ نَظَرٍ وَكَشْفٍ، وَقَدْ عَرَفْت بِتَفْصِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْأَشْهَرَ وَالْأَصَحَّ رِوَايَةُ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ سَلَكْنَا طَرِيقَ الْجَمْعِ فَفِي ذَلِكَ أَوْجُهٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ صَاحِبِ الرُّؤْيَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَشَارَ الطَّبَرِيُّ إلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qرَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَالْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ تَكُونُ نِسْبَةُ رُؤْيَاهُ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْفَاجِرُ مِنْ سَبْعِينَ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي رِوَايَةِ السَّبْعِينَ فِي وَصْفِ الرَّائِي مَا اُشْتُرِطَ فِي وَصْفِ الرَّائِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ كَوْنِهِ صَالِحًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِاخْتِلَافِ تَضَادٍّ وَتَدَافُعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ مَا يَكُونُ الَّذِي يَرَاهَا مِنْ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالدِّينِ الْمَتِينِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ فَمَنْ خَلَصَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَيَقِينِهِ وَصِدْقِ حَدِيثِهِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ أَصْدَقَ وَإِلَى النُّبُوَّةِ أَقْرَبَ كَمَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَتَفَاضَلُونَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ حَمْلِ مُطْلَقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مُقَيَّدِهَا وَبِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَسَكَتَ فِيهِ عَنْ ذِكْرِ وَصْفِ الرَّائِي وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ ذَكَرَ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَحَدِيثُ الْعَبَّاسِ حِينَ ذَكَرَ خَمْسِينَ قُلْت كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَإِنَّمَا فِيهِ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (ثَانِيهَا) قَالَ الْمَازِرِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيلَ إنَّ الْمَنَامَاتِ دَلَالَاتٌ وَالدَّلَالَاتُ مِنْهَا خَفِيٌّ وَمِنْهَا جَلِيٌّ فَمَا ذَكَرَ فِيهِ السَّبْعِينَ يُرِيدُ الْخَفِيَّ مِنْهَا وَمَا ذَكَرَ فِيهِ السِّتَّةَ وَالْأَرْبَعِينَ يُرِيدُ بِهِ الْجَلِيَّ مِنْهَا. (ثَالِثُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنَامَ الصَّادِقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ النُّبُوَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ النُّبُوَّةُ مَجْمُوعَةُ خِصَالٍ تَبْلُغُ أَجْزَاؤُهَا سِتَّةً وَعِشْرِينَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَشْيَاءَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْهَا وَعَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ التَّجْزِئَةِ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا ضَرَبْنَا ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ صَحَّ لَنَا أَنَّ عَدَدَ خِصَالِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ آحَادِهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ وَيَصِحُّ أَنْ نُسَمِّيَ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ جُزْءًا خَصْلَةً فَيَكُونُ جَمِيعُهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَيَصِحُّ أَنْ تُسَمَّى كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا جُزْءًا فَيَكُونُ مَجْمُوعُ أَجْزَائِهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ فَتَخْتَلِفُ أَسْمَاءُ الْعَدَدِ الْمُجَزِّئِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ. وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ اخْتِلَافُ أَعْدَادِ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةِ اضْطِرَابًا وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ اعْتِبَارِ مَقَادِيرِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ أَنَّهُ أَشْبَهَ مَا ذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَثْلُجْ النَّفْسُ بِهِ وَلَا طَابَ لَهَا انْتَهَى كَلَامُهُ وَذَكَرَهُ قَبْلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَخْصَرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 210 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمِنْهُ. (رَابِعُهَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّجْزِئَةُ فِي طُرُقِ الْوَحْيِ إذْ مِنْهُ مَا سُمِعَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ وَاسِطَةٍ كَمَا قَالَ {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] وَمِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ كَمَا قَالَ {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] وَمِنْهُ مَا يُلْقَى فِي الْقَلْبِ كَمَا قَالَ {إِلا وَحْيًا} [الشورى: 51] أَيْ إلْهَامًا وَهَذَا حَصْرٌ لَهَا، ثُمَّ فِيهِ مَا يَأْتِيهِ الْمَلَكُ عَلَى صُورَتِهِ وَمِنْهُ مَا يَأْتِيهِ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ يَعْرِفُهُ وَمِنْهُ مَا يَتَلَقَّاهُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِيهِ بِهِ فِي مَنَامِهِ بِحَقِيقَةٍ كَقَوْلِهِ الرَّجُلُ مَطْبُوبٌ وَمِنْهُ مَا يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَمِنْهُ مَا يُلْقِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَالَاتُ إذَا عُدِّدَتْ غَايَتُهَا انْتَهَتْ إلَى سَبْعِينَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْبُعْدِ وَالتَّسَاهُلِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْدَادَ كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرْت هُنَا لَيْسَتْ مِنْ النُّبُوَّةِ فِي شَيْءٍ كَكَوْنِهِ يَعْرِفُ الْمَلَكَ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ يَأْتِيهِ عَلَى صُورَتِهِ أَوْ غَيْرِ صُورَتِهِ، ثُمَّ مَعَ هَذَا التَّكَلُّفِ الْعَظِيمِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَبْلُغَ عَدَدَ مَا ذَكَرَ إلَى ثَلَاثِينَ انْتَهَى. (خَامِسُهَا) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا ظَهَرَ لِي وَجْهٌ خَامِسٌ وَأَنْ أَسْتَخِيرَ اللَّهَ فِي ذِكْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ النُّبُوَّةَ مَعْنَاهَا أَنْ يُطْلِعَ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَوَحْيِهِ إمَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ أَوْ بِإِلْقَاءٍ فِي الْقَلْبِ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِالنُّبُوَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ إلَّا مَنْ خَصَّهُ بِصِفَاتِ كَمَالِ نَوْعِهِ مِنْ مَعَارِفِ الْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ وَنَزَّهَهُ عَنْ نَقَائِضِ ذَلِكَ فَأَطْلَقَ عَلَى تِلْكَ الْخِصَالِ نُبُوَّةً كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَارُ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ» أَيْ مِنْ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ لَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ مُتَفَاضِلُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] وَقَالَ {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] فَتَفَاضُلُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ لِكُلِّ مِنْهُمْ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَشَرُفَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَاتِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ الصِّدْقُ أَعْظَمُ صِفَتِهِ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَكَانُوا تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَنَائِمُهُمْ يَقْظَانُ وَوَحْيُهُمْ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ سِيَّانِ فَمَنْ نَاسَبَهُمْ فِي الصِّدْقِ حَصَلَ مِنْ رُؤْيَاهُ عَلَى الْحَقِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ فِي مَقَامَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ مُتَفَاضِلِينَ وَكَانَ كَذَلِكَ أَتْبَاعُهُمْ مِنْ الصَّادِقِينَ وَكَانَ أَقَلُّ خِصَالِ كَمَالِ الْأَنْبِيَاءِ مَا إذَا اُعْتُبِرَتْ كَانَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبْعِينَ وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرَاتِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَلَاحِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى رُتْبَةٍ تُنَاسَبُ كَمَالَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ نُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَكِمَالَاتُهُمْ مُتَفَاضِلَةٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَنِسْبَةُ أَجْزَاءِ مَنَامَاتِ الصَّادِقِينَ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ وَبِهَذَا الَّذِي أَظْهَرَهُ اللَّهُ لَنَا يَرْتَفِعُ الِاضْطِرَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ. (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ «جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَوْلًا لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ مِنْ طَرِيقِ الْبُرْهَانِ، قَالَ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَقِيَ مُنْذُ أَوَّلِ مَا بُدِئَ بِالْوَحْيِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَكَانَ يُوحَى إلَيْهِ فِي مَنَامِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ نِصْفُ سَنَةٍ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ زَمَانِ النُّبُوَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا قَدْ يَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَثْبُتَ مَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ خَبَرًا وَرِوَايَةً، وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ خَبَرًا وَلَا ذِكْرَ قَائِلٍ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا فَكَأَنَّهُ ظَنٌّ وَحُسْبَانُ الظَّنِّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا وَلَئِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَحْسُوبَةً مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْقِسْمَةِ لَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُلْحِقَ بِهَا سَائِرَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي كَانَ يُوحَى إلَيْهِ فِي مَنَامِهِ فِي تَضَاعِيفِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ وَأَنْ تُلْتَقَطَ فَتُلَفَّقُ وَيُزَادُ فِي أَصْلِ الْحِسَابِ وَإِذَا صِرْنَا إلَى هَذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ، وَقَدْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرَى الرُّؤْيَا فِي أُمُورِ الشَّرِيعَةِ وَمُهِمَّاتِ الدِّينِ فَيَقُصُّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَكَانَ بَعْضُ الشَّرِيعَةِ عَنْ رُؤْيَا بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَرُؤْيَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَذَانِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْلَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ رُؤْيَا الْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: 27] وَقَالَ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] وَلَيْسَ كُلُّ مَا تَخْفَى عَلَيْنَا عِلَّتُهُ لَا تَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَحَصْرُ النُّبُوَّةِ مُتَعَذِّرٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُمَا مِنْ هَدْيِ الْأَنْبِيَاءِ وَشَمَائِلِهِمْ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي الرُّؤْيَا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْقِيقُ أَمْرِ الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا مِمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَانَ الْأَنْبِيَاءُ يُثْبِتُونَهُ وَيُحَقِّقُونَهُ وَأَنَّهَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِمْ وَالْأَنْبَاءِ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُ بِهَا الْوَحْيُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ مُخْتَصَرًا، ثُمَّ قَالَ وَلَا وَجْهَ عِنْدِي لِلِاعْتِرَاضِ بِمَا كَانَ مِنْ الْمَنَامَاتِ خِلَالَ زَمَنِ الْوَحْيِ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تُوصَفُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا وَتُنْسَبُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْهَا فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السِّتَّةُ أَشْهُرٍ مُخْتَصَّةً بِالْمَنَامَاتِ وَالثَّلَاثُ وَالْعِشْرُونَ سَنَةً جُلُّهَا وَحْيٌ وَإِنَّمَا فِيهَا مَنَامَاتٌ قَلِيلَةٌ وَشَيْءٌ يَسِيرٌ يُعَدُّ عَدًّا صَحَّ أَنْ يَطَّرِدَ الْأَقَلُّ فِي حُكْمِ النِّسْبَةِ وَالْحِسَابِ، ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يُرَادَ بِالْحَدِيثِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ ثَمَرَةَ الْمَنَامَاتِ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ لَا أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُ ذَلِكَ إنْذَارَاتٌ وَبُشْرَى وَالْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ أَحَدُ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَأَحَدُ فَوَائِدِهَا، وَهُوَ فِي جَنْبِ فَوَائِدِ النُّبُوَّةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهَا يَسِيرٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ يُشَرِّعُ الشَّرَائِعَ وَيُثْبِتُ الْأَحْكَامَ وَلَا يُخْبِرُ بِغَيْبٍ أَبَدًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا مُبْطِلًا لِلْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا صِدْقًا وَالرُّؤْيَا بِمَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَقَعُ لِكَوْنِهَا مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ أَوْ مِنْ غَلَطِ الْعَابِرِ فِي الْعِبَارَةِ فَصَارَ الْخَبَرُ بِالْغَيْبِ أَحَدَ ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مِنْهَا وَلَكِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا حَقًّا وَثَمَرَةُ الْمَنَامِ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ وَلَكِنَّهُ قَدْ لَا يَقَعُ صِدْقًا فَتُقَدَّرُ النِّسْبَةُ فِي هَذَا بِقَدْرِ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِهَذَا الْعَدَدِ عَلَى حَسَبِ مَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ حَقَائِقِ نُبُوَّتِهِ مَا لَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ انْتَهَى. (فَإِنْ قُلْت) قَدْ شَارَكَ الْمَنَامُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ الْإِلْقَاءُ فِي الرَّوْعِ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْيِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَيَقَعُ مِثْلُهُ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ أَيْ مُلْهَمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأَمَةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ» فَمَا وَجْهُ الْحَصْرِ فِي الْمَنَامِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ «ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَاتُ» (قُلْت) الْمَنَامُ يَرْجِعُ إلَى قَوَاعِدَ مُقَرَّرَةٍ وَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ مَعْرُوفَةٌ وَيَقَعُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْإِلْقَاءِ فِي الرَّوْعِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْخَوَاصِّ وَلَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَمَّةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالشَّيْطَانِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلُ الْوِلَايَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْخَاطِرَ الَّذِي مِنْ الْمَلَكِ مُسْتَقِرٌّ غَيْرُ مُضْطَرِبٍ بِخِلَافِ الْخَاطِرِ الشَّيْطَانِيِّ فَإِنَّهُ مُضْطَرِبٌ لَا اسْتِقْرَارَ لَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُهَا بَشَرٌ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَمَنْ أُوتِيَ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُقَسَّمَ النُّبُوَّةُ أَجْزَاءً تَبْلُغُ إلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فَتَكُونُ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْهَا قَالَ فَقُلْت لَهُ مَا تَفْعَلُ بِالْخَمْسِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالسَّبْعِينَ وَلَا تُنْسَبُ السِّتَّةُ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْ السَّبْعِينَ بِنِسْبَةٍ عَدَدِيَّةٍ، وَإِنْ انْتَسَبَتْ الْخَمْسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ مِنْهَا وَالْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ لَنَا لِأَنَّهَا اطِّلَاعٌ عَلَى الْغَيْبِ وَتَفْصِيلُ النِّسْبَةِ يَخْتَصُّ بِهِ دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ انْتَهَى. (قُلْت) وَلَا يُمْكِنُ إلْغَاءُ النِّسْبَةِ بَعْدَ ذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا وَغَايَتُهُ أَنْ لَا يَصِلَ عِلْمُنَا إلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَكِلُ عِلْمَهُ إلَى عَالَمِهِ، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يَلْزَمُ الْعُلَمَاءُ أَنْ تَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْعُلَمَاءِ حَدًّا تَقِفُ عِنْدَهُ فَمِنْهَا مَا لَا نَعْلَمُهُ أَصْلًا وَمِنْهَا مَا نَعْلَمُهُ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا وَهَذَا مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) لَا يُتَخَيَّلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رُؤْيَا الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ الرُّؤْيَا إنَّمَا هِيَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَلَيْسَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الرُّؤْيَا الْوَاقِعَةَ لِلصَّالِحِ تُشْبِهُ الرُّؤْيَا الْوَاقِعَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ الَّتِي هِيَ فِي حَقِّهِمْ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فَأَطْلَقَ أَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يُوحَى إلَيْهِمْ فِي مَنَامِهِمْ كَمَا يُوحَى إلَيْهِمْ فِي الْيَقَظَةِ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنْ النُّبُوَّةِ وَقَالَ آخَرُ مَعْنَاهُ إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ وَعِلْمُ النُّبُوَّةِ بَاقٍ وَالنُّبُوَّةُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ انْتَهَى. . (فَإِنْ قُلْت) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟ قِيلَ لَهُ فَهَلْ يَعْبُرُهَا عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ عَلَيْهِ، قَالَ لَا، ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ انْتَهَى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيت بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سُوَارَانِ فَكَبُرَا عَلَيَّ   Qوَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَرَرْتُمْ (قُلْت) لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَمَا أَوَّلْنَا الْحَدِيثَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتْ النُّبُوَّةَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ بِخَلْقِ إدْرَاكٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُتَلَاعَبْ بِهَا، وَلَمْ يُتَكَلَّمْ فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَمَا لَا يُخَاضُ فِي النُّبُوَّةِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لَلرَّوِيَّا مَلَكًا وَهَذَا مِنْ مَعْنَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّ لَفْظَ النَّبِيِّ قَدْ يَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ أَيْ يُعَلِّمُ اللَّهُ رَسُولَهُ وَيُطْلِعُهُ مِنْ غَيْبِهِ فِي مَنَامِهِ عَلَى مَا لَا يُظْهِرُ عَلَيْهِ أَحَدًا إلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ، وَقَدْ يَكُونُ نَبِيٌّ فَعِيلَا بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَعَلِيمٍ أَيْ يُعْلِمُ غَيْرَهُ بِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا صُورَةُ صَاحِبِ الرُّؤْيَا. [فَائِدَة هَلْ تفيد الرُّؤْيَا حُكْمًا مِنْ أَحْكَام التَّكْلِيف] 1 (السَّادِسَةُ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَوْنِ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرُ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ، وَإِنْ أَفَادَتْ الِاطِّلَاعَ عَلَى غَيْبٍ فَشَأْنُ النُّبُوَّةِ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ وَشَأْنُ الرِّسَالَةِ تَبْلِيغُ الْأَحْكَامِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ صَادِقٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مُخَالِفٍ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ لَمْ نَعْتَمِدْهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ نَقْصُ الرَّائِي لِعَدَمِ ضَبْطِهِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ شَخْصًا قَالَ لَهُ لَيْلَةَ شَكٍّ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لِي صُمْ غَدًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي قَدْ قَالَ لَنَا فِي الْيَقَظَةِ لَا تَصُومُوا غَدًا فَنَحْنُ نَعْتَمِدُ ذَلِكَ أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِ الْمَنَامِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَام جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ وَرَأَيْت فِي مَجْمُوعِ عَتِيقٍ مَنْسُوبٍ لِابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ كِتَابِ آدَابِ الْجَدَلِ لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ حِكَايَةَ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُ فِي الْمَنَامِ (قُلْتُ) وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَحَلَّهُمَا مَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْعًا مُقَرَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيت بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سُوَارَانِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيت بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سُوَارَانِ فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيَّ أَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 وَأَهَمَّانِي فَأُوحِيَ إلَيَّ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتهمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ» .   Qأَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتهمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتهمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «سُوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ» وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «مِنْ ذَهَبٍ» ، وَفِيهِ «فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِغْرَابَ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُ قَلِيلَةٌ وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٍ آخَرَ فِي التَّعْبِيرِ أَيْضًا فِي قِصَّةِ الرُّؤْيَا الَّتِي عَبَّرَهَا الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ مِنْ الْمُدَبَّجِ فِي رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنْ الصَّحَابِيِّ (قُلْت) وَالِاصْطِلَاحُ فِي الْمُدَبَّجِ أَنْ يَرْوِيَ كُلٌّ مِنْ الْقَرِينَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالصَّحَابَةِ عَنْ الْآخَرِ فَمُجَرَّدُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُعَدُّ مِنْ الْمُدَبَّجِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا نَعْلَمُهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيت بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى مَا فُتِحَ لِأُمَّتِهِ مِنْ الْمَمَالِكِ فَغَنِمُوا أَمْوَالَهَا وَاسْتَبَاحُوا خَزَائِنَ مُلُوكِهَا الْمُدَّخَرَةَ كَخَزَائِنِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُلُوكِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَعَادِنَ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَنْوَاعُ الْفِلِزَّاتِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَا يَنْفِيهِ الْكِيرُ مِمَّا يُذَابُ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ بِمَعْنَى الْمُعَدَّةِ أَيْ سَتُفْتَحُ تِلْكَ الْبُلْدَانُ الَّتِي فِيهَا هَذِهِ الْمَعَادِنُ وَالْخَزَائِنُ فَيَكُونُ لِأُمَّتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْعُلَمَاءُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى سُلْطَانِهَا وَمِلْكِهَا وَفَتْحِ بِلَادِهَا وَأَخْذِ خَزَائِنِ أَمْوَالِهَا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَهُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ» بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَقَوْلُهُ «سُوَارَانِ» ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَسْوَارٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَكَبُرَا عَلَيَّ» بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَوْلُهُ «وَأَهَمَّانِي» بِهَمْزَةٍ أَوَّلُهُ وَيُسْتَعْمَلُ ثُلَاثِيًّا أَيْضًا يُقَالُ هَمَّنِي الْأَمْرُ وَأَهَمَّنِي بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَإِنَّمَا أَهَمَّهُ شَأْنُهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ حِلْيَةِ النِّسَاءِ وَمِمَّا يُحَرَّمُ عَلَى الرِّجَالِ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيَّ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتهمَا» هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَنَفْخُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا «فَذَهَبَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَطَارَا» دَلِيلٌ لِانْمِحَاقِهِمَا وَاضْمِحْلَالِ أَمْرِهِمَا وَكَانَ كَذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ أَنْ أَخْرِجْهُمَا بِيَدَيْك أَوْ ارْمِ بِهِمَا عَنْ يَدَيْك فَكَانَ النَّفْخُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمَا مَرْمِيَّانِ بِبَرَكَتِهِ أَيْ أَنَّ غَيْرَهُ يَفْعَلُهُمَا بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ وَكَوْنِهِ مِنْهُ قَالَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النَّفْخُ مَثَلًا دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ حَالِهِمَا فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدًا لَمْ يَنْزِلْ بِالْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُ قَطُّ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَثَلٌ عَلَى ضَعْفِهِمَا لَقُلْنَا إنَّهُ مَثَلٌ ضَمِنَ الْوَجْهَيْنِ. (السَّادِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ الْمَلَكِ عَلَى غَالِبِ عَادَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلْهَامًا. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «فَأَوَّلْتهمَا الْكَذَّابَيْنِ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنَّمَا تَأَوَّلَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيهِمَا لَمَّا كَانَ السُّوَارَانِ فِي الْيَدَيْنِ جَمِيعًا مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَكَانَ حِينَئِذٍ النَّبِيُّ بَيْنَهُمَا وَتَأَوَّلَ السُّوَارَيْنِ عَلَى الْكَذَّابَيْنِ وَمَنْ يُنَازِعُهُ الْأَمْرَ لِوَضْعِهِمَا غَيْرَ مَوْضِعِهِمَا إذْ هُمَا مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ وَمَوْضِعُهُمَا أَيْدِيهِمَا لَا أَيْدِي الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَوْضِعِهِ مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلِمَا فِي اسْمِ السُّوَارَيْنِ مِنْ لَفْظِ السُّوَرِ لِقَبْضِهِمَا عَلَى يَدَيْهِ وَلَيْسَا مِنْ حِلْيَتِهِ وَلِأَنَّ كَوْنَهُمَا مِنْ ذَهَبٍ إشْعَارًا بِذَهَابِ أَمْرِهِمَا وَبُطْلَانِ بَاطِلِهِمَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ السُّوَارُ مِنْ آلَاتِ الْمُلُوكِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ الْكُفَّارِ {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 53] وَلِلْيَدِ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْقُوَّةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ تَقُولُ الْعَرَبُ مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ يَدَانِ وَلِذَلِكَ أَوَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَازِعًا لَهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَخْرُجُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالسُّوَارِ كِنَايَةً عَنْ الْأَسْوَارِ، وَهُوَ الْمِلْكُ وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْرَبُ الْمِلْكُ الْأَمْثَالَ بِالْحَذْفِ مِنْ الْحُرُوفِ وَبِالزِّيَادَةِ فِيهَا، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّأْوِيلِ لِهَذِهِ الرُّؤْيَا أَنَّ أَهْلَ صَنْعَاءَ وَالْيَمَامَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا وَكَانَا كَالسَّاعِدَيْنِ لِلْإِسْلَامِ فَلَمَّا ظَهَرَ فِيهِمَا هَذَانِ الْكَذَّابَانِ وَتَبَهَّرَ حَالُهُمَا بِتُرَّهَاتِهِمَا وَزَخْرَفَا أَقْوَالَهُمَا فَانْخَدَعَ الْفَرِيقَانِ بِتِلْكَ الْبَهْرَجَةِ فَكَانَ الْبَلَدَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْزِلَةِ يَدَيْهِ وَالسُّوَارَانِ فِيهِمَا هُمَا مُسَيْلِمَةُ وَصَاحِبُ صَنْعَاءَ بِمَا زَخْرَفَا مِنْ أَقْوَالِهِمَا. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «الَّذِينَ أَنَا بَيْنَهُمَا» يَقْتَضِي وُجُودَهُمَا حِينَ هَذِهِ الرُّؤْيَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «فَأَوَّلْتهمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي» . قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِهَا بَعْدَهُ ظُهُورُ شَوْكَتِهِمَا وَمُحَارَبَتِهِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَخْرُجَانِ بَعْدِي» أَيْ يُظْهِرَانِ شَوْكَتَهُمَا وَمُحَارَبَتَهُمَا وَدَعْوَاهُمَا النُّبُوَّةَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِهِ. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ (صَاحِبُ صَنْعَاءَ وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ) يَقْتَضِي أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَيْهِمَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ قَدْ يُفْهَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ. وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَهُ الرَّاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرُ) صَاحِبُ صَنْعَاءَ هُوَ الْعَنْسِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ الْأَسْوَدُ بْنُ كَعْبٍ وَيُلَقَّبُ بِذِي حِمَارٍ وَسَبَبُ تَلْقِيبِهِ بِذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَقِيَهُ حِمَارٌ فَعَثَرَ وَسَقَطَ لِوَجْهِهِ فَقَالَ سَجَدَ لِي الْحِمَارُ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَتَخَرَّقَ عَلَى الْجُهَّالِ فَاتَّبَعُوهُ وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْمُهَاجِرَ بْنَ أَسَدٍ الْمَخْزُومِيَّ وَكَانَ عَامِلًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَانْتَشَرَ أَمْرُهُ وَغَلَبَ عَلَى امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ الْأَسَاوِرَةِ فَتَزَوَّجَهَا فَدَسَّتْ إلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَسَاوِرَةِ إنِّي قَدْ صَنَعْت سِرْبًا يُوصَلُ مِنْهُ إلَى مَرْقَدِ الْأَسْوَدِ وَدَلَّتْهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَدَخَلَ مِنْهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ وَقَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ فَقَتَلُوهُ وَجَاءُوا بِرَأْسِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ وَثِيمَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَيْ بَعْدَ وَفَاتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ هُوَ مُسَيْلِمَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَكَسْرِ اللَّامِ ابْنُ ثُمَامَةَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَامَةَ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَقُولُ إنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْته، وَقَدِمَهَا فِي نَفَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمَرَ اللَّهِ فِيك وَلَئِنْ أَدْبَرْت لَيَعْقِرْنَك اللَّهُ وَإِنِّي لِأَرَاك الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُك عَنِّي، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسَأَلْت عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أُرِيت فِيك مَا أُرِيت فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَنَبَّأَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ وَكَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ شَرِيكٌ مَعَهُ فِي نُبُوَّتِهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إنَّهُ كَانَ قَدْ تَسَمَّى بِالرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ قُتِلَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا يَعْنِي مُسَيْلِمَةَ وَعَظُمَ أَمْرُ مُسَيْلِمَةَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْيَمَامَةِ وَانْضَافَ إلَيْهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُتُبًا كَثِيرَةً يَعِظُهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ إلَى أَنْ بَعَثَ إلَيْهِمْ كِتَابًا مَعَ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ فَقَتَلَهُ مُسَيْلِمَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ عَزَمَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى قِتَالِهِمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَتَجَهَّزَ النَّاسُ فَصَارُوا إلَى الْيَمَامَةِ فَاجْتَمَعَ لِمُسَيْلِمَةَ جَيْشٌ عَظِيمٌ وَخَرَجَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَالْتَقَوْا وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ عَظِيمَةٌ شَدِيدَةٌ وَاسْتُشْهِدَ فِيهَا مِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ حَتَّى خَافَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لِكَثْرَةِ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْقُرَّاءِ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ثَبَّتَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 الْأَمْثَالُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا وَأَجْمَلَهَا إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهَا وَيُعْجِبُهُمْ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ أَلَّا وَضَعْت هَهُنَا لَبِنَةً فَيَتِمَّ بُنْيَانُك؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُنْت أَنَا اللَّبِنَةُ» .   Qالْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ عَلَى يَدَيْ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَرَمَاهُ بِالْحَرْبَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا حَمْزَةَ، ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَهَزَمَ اللَّهُ جَيْشَهُ وَأَهْلَكَهُمْ وَفَتَحَ اللَّهُ الْيَمَامَةَ فَدَخَلَهَا خَالِدٌ وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَالْأَمْوَالِ وَأَظْهَرَ اللَّهُ الدِّينَ وَجَعَلَ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَقَّعُ لِمُسَيْلِمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَأَوَّلَ الرُّؤْيَا لَهُمَا لِيَكُونَ ذَلِكَ إخْرَاجًا لِلْمَنَامِ عَلَيْهِمَا وَدَفْعًا لِحَالِهِمَا فَإِنَّ الرُّؤْيَا إذَا عُبِّرَتْ خَرَجَتْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِوَحْيٍ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ انْتَهَى. [الْأَمْثَالُ] [حَدِيث مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي] الْأَمْثَالُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا وَأَجْمَلَهَا إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهَا وَيُعْجِبُهُمْ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ أَلَّا وَضَعْت هَهُنَا لَبِنَةً فَيَتِمُّ بُنْيَانُك فَقَالَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُنْت أَنَا اللَّبِنَةُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْمَثَلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَشَابُهِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ وَالْمِثْلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَشَابُهِ الْأَشْخَاصِ الْمَحْسُوسَةِ وَيَدْخُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلتَّقْرِيبِ لِلْإِفْهَامِ وَمَقْصُودُ هَذَا الْمَثَلِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَتَمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ وَتَمَّمَ بِهِ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ إظْهَارُهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ (فَإِنْ قُلْت) يَقْتَضِي هَذَا التَّشْبِيهَ أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ بِدُونِهِ نَاقِصًا (قُلْت) هُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجْمُوعِ الشَّرَائِعِ وَكَمْ حِكْمَةٌ وَلَطِيفَةٌ وَذِكْرٌ وَغَيْبٌ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُلُّ شَرِيعَةٍ عَلَى حِدَتِهَا كَامِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهَا فَإِذَا نَظَرْت إلَى مَجْمُوعِ مَا كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَمَا أَظْهَرَهُ مِنْ عَجَائِبِ مَلَكُوتِهِ عَلَى أَيْدِي الْمُرْسَلِينَ وَمَا أَطْلَعَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْغُيُوبِ وَمَا أَلْهَمَهُمْ إيَّاهُ مِنْ الذِّكْرِ الَّذِي تَطْهُرُ بِهِ الْقُلُوبُ وَجَدْت ذَلِكَ لَمْ يَكْمُلْ إلَّا بِمَا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلَى لِسَانِ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ. (الرَّابِعَةُ) اللَّبِنَةُ الطُّوبَةُ الَّتِي يُبْنَى بِهَا وَفِيهَا لُغَتَانِ. (إحْدَاهُمَا) فَتْحُ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَجَمْعُهَا لَبْنٌ بِإِسْقَاطِ الْهَاءِ كَنَبْقَةٍ وَنَبْقٌ. (الثَّانِيَةُ) كَسْرُ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَجَمْعُهَا لِبْنٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ كَسِدْرَةٍ وَسِدْرٍ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. (قُلْت) وَفِيهَا (لُغَةٌ ثَالِثَةٌ) وَهِيَ فَتْحُ اللَّامِ وَإِسْكَانُ الْبَاءِ كَنَظَائِرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «أَلَّا» بِالتَّشْدِيدِ لِلتَّحْضِيضِ وَقَوْلُهُ «وَضَعْت» بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ لِلْمُخَاطَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيَتِمُّ بُنْيَانُك وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَبِنَةً مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ؛ وَقَوْلُهُ فَيَتِمُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَقَوْلُهُ «بُنْيَانُك» مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ كَذَا رَوَيْنَاهُ وَضَبَطْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ إذَا تَأَمَّلَ الْمُتَفَطِّنُ هَذَا الْحَدِيثَ رَأَى أَنَّ قَدْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنْ لَبِنَةٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّبِنَةَ كَانَتْ مِنْ الْآسِ وَلَوْلَا هَذِهِ اللَّبِنَةُ فِي هَذَا الْآسِ لَانْقَضَّ الْمَنْزِلُ لِأَنَّهَا الْقَاعِدَةُ وَالْمَقْصُودُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يَقَعْنَ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ يَتَقَحَّمْنَ، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تُقْحِمُونَ فِيهَا» .   Q [حَدِيث مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يَقَعْنَ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ يَتَقَحَّمْنَ قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ أَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ هَلُمَّ عَنْ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقْتَحِمُونَ فِيهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «اسْتَوْقَدَ نَارًا» أَيْ أَوْقَدَهَا وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ. (الثَّالِثَةُ) «الْفَرَاشُ» بِفَتْحِ الْفَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ غَوْغَاءُ الْجَرَادِ الَّذِي يَفْتَرِشُ وَيَتَرَاكَمُ وَقَالَ غَيْرُهُ الَّذِي يَتَسَاقَطُ فِي النَّارِ وَالسِّرَاجِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الَّذِي يَطِيرُ كَالْبَعُوضِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا نَرَاهُ كَصِغَارِ الْبَقِّ يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَى نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى نَقْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ، ثُمَّ قَالَ إنَّ الثَّانِيَ أَشْبَهُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ (قُلْت) وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبَا الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْفَرَاشُ دَوَابُّ مِثْلُ الْبَعُوضِ وَاحِدَتُهَا فَرَاشَةٌ وَالْفَرَاشَةُ الْخَفِيفُ الطَّيَّاشُ مِنْ الرِّجَالِ انْتَهَى. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «يَتَقَحَّمْنَ» بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ، ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقٍ، ثُمَّ قَافٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَالتَّقَحُّمُ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ وَلَا تَرَوٍّ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ» قَالَ النَّوَوِيُّ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) اسْمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَاعِلٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَنْوِينِ الذَّالِ (وَالثَّانِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ بِضَمِّ الْخَاءِ بِلَا تَنْوِينٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُمَا صَحِيحَانِ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «بِحُجَزِكُمْ» بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ حُجْزَةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ يُقَالُ تَحَاجَزَ الْقَوْمُ أَخَذَ بَعْضُهُمْ بِحُجْزَةِ بَعْضٍ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ إمْسَاكَ مَنْ يَخَافُ سُقُوطَهُ أَخَذَهُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْهُ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «هَلُمَّ» بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ هُوَ بِمَعْنَى تَعَالَ قَالَ الْخَلِيلُ أَصْلُهُ لُمَّ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمَّ اللَّهُ شَعَثَهُ أَيْ: جَمَعَهُ كَأَنَّهُ أَرَادَ لُمَّ نَفْسَك إلَيْنَا أَيْ اُقْرُبْ وَهَا لِلتَّنْبِيهِ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ أَلِفُهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَجُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّأْنِيثُ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] وَأَهْلُ نَجْدٍ يَصْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ لِلِاثْنَيْنِ هَلُمَّا وَلِلْجَمْعِ هَلُمُّوا وَلِلْمَرْأَةِ هَلُمِّي بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفِي التَّثْنِيَةِ هَلُمَّا لِلْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ جَمِيعًا وَهَلْمُمْنَ يَا رِجَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَلْمُمْنَانِ يَا نِسْوَةُ وَحُكِيَ فِي الْمُحْكَمِ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا تَدْخُلُ النُّونُ الْخَفِيفَةُ وَلَا الثَّقِيلَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفِعْلٍ وَإِنَّمَا هِيَ اسْمُ فِعْلٍ قَالَ يُرِيدُ أَنَّ النُّونَ إنَّمَا تَدْخُلُ الْأَفْعَالَ دُونَ الْأَسْمَاءِ. وَأَمَّا فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ فَتَدْخُلُهَا الْخَفِيفَةُ وَالثَّقِيلَةُ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْرَوْهَا مَجْرَى الْفِعْلِ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ وَمِنْ لُمَّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ اسْتِعْمَالَ الْكَلِمَةِ الْمُفْرَدَةِ وَالْبَسِيطَةِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «هَلُمَّ عَنْ النَّارِ» مَعْمُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قَائِلًا هَلُمَّ عَنْ النَّارِ، وَقَدْ كَرَّرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي رِوَايَتِنَا ثَلَاثًا لِلتَّأْكِيدِ وَاقْتَصَرَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. (الثَّامِنَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ فِي نَارِ الْآخِرَةِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِ إيَّاهُمْ وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا لِهَوَاهُ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ فَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ سَاعٍ فِي ذَلِكَ بِجَهْلِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ مَثَلٌ لِاجْتِهَادِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَجَاتِنَا وَحِرْصِهِ عَلَى تَخْلِيصِنَا مِنْ الْمُهْلِكَاتِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا لِجَهْلِنَا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَغَلَبَةِ شَهَوَاتِنَا عَلَيْنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 حَقُّ الضَّيْفِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» .   Qهَذَا مَثَلٌ غَرِيبٌ كَثِيرُ الْمَعَانِي، الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلًا لِجَهَنَّمَ وَمَا رُكِّبَ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْمُسْتَدْعِيَةِ لَهَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلدُّخُولِ فِيهَا وَمَا نَهَى عَنْهَا وَتَوَعَّدَ عَلَيْهَا وَأَنْذَرَهَا وَذَكَرَ ذَلِكَ فِيهَا، ثُمَّ تَغْلِبُ الشَّهَوَاتُ عَلَى التَّقَحُّمِ بِاسْمِ أَنَّهَا مَصَالِحُ وَمَنَافِعُ وَهِيَ نُكْتَةُ الْأَمْثَالِ فَإِنَّ الْخَلْقَ لَا يَأْتُونَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الْهَلَكَةِ وَإِنَّمَا يَأْتُونَ بِاسْمِ النَّجَاةِ وَالْمَنْفَعَةِ كَالْفَرَاشِ يَقْتَحِمُ الضِّيَاءَ لَيْسَ لِتَهْلِكَ فِيهِ وَلَكِنَّهَا تَأْنَسُ بِهِ وَهِيَ لَا تَصْبِرُ بِحَالٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا فِي ظُلْمَةٍ فَتَعْتَقِدُ أَنَّ الضِّيَاءَ كُوَّةٌ فَتَسْتَظْهِرُ فِيهَا النُّورَ فَتَقْصِدُهَا لِأَجَلِ ذَلِكَ فَتَحْتَرِقُ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ وَذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْخَلْقِ أَوْ كُلُّهُ انْتَهَى. [حَقُّ الضَّيْفِ] [حَدِيث إذَا نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا] حَقُّ الضَّيْفِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» . (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (قُلْت) «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَمُرُّ بِقَوْمٍ فَلَا هُمْ يُضَيِّفُونَا وَلَا هُمْ يُؤَدُّونَ مَا لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ حَقٍّ وَلَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ أَبَوْا إلَّا أَنْ تَأْخُذُوا كَرْهًا فَخُذُوا» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. (الثَّانِيَةُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَوْلُهُ «لَا يَقْرُونَا» بِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ قَرَى الضَّيْفَ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَقَرَاءً بِفَتْحِ الْقَافِ مَمْدُودٌ. (الثَّالِثَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ قِرَى الضَّيْفِ وَاجِبٌ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ أُخِذَتْ الضِّيَافَةُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ قَهْرًا، وَقَدْ حُكِيَ الْقَوْلُ بِظَاهِرِهِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِوُجُوبِهِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقُرَى وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَلَا يَصِلُ أَمْرُهَا إلَى الْوُجُوبِ وَلَا إلَى أَخْذِهَا مِنْ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا قَهْرًا وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ: (أَحَدِهَا) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ فَإِذَا لَمْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا حَاجَتَهُمْ مِنْ مَالِ الْمُمْتَنِعِينَ وَهَلْ هُوَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْأَوَّلِ وَحُكِيَ الثَّانِي عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَحُكِيَ أَنَّ الذَّاهِبِينَ إلَى أَنَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ احْتَجُّوا «بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ فِيهَا عَبْدٌ يَرْعَاهَا وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ وَشَرِبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ» . وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً» ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ (إذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِالْإِبِلِ، وَهُوَ عَطْشَانُ صَاحَ بِرَبِّ الْإِبِلِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا حَلَبَ وَشَرِبَ) . (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُوا لِلنَّاسِ لُؤْمَهُمْ وَبُخْلَهُمْ وَالْعَتْبَ عَلَيْهِمْ وَذَمَّهُمْ حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا يَعُمُّ لِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَيْ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَخُصُّ قَالَ وَلَكِنَّهُ مَعَ خُصُوصِيَّتِهِ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَتْبَ وَاللَّوْمَ وَالذَّمَّ عِنْدَ النَّاسِ نَدَبَ الشَّرْعُ إلَى تَرْكِهِ لَا إلَى فِعْلِهِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةٌ فَلَمَّا اتَّسَعَ الْإِسْلَامُ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» . قَالُوا وَالْجَائِزَةُ تَفَضُّلٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ عَنْ حِكَايَةِ الْقَاضِي عِيَاضٍ لَهُ: وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ قَائِلُهُ لَا يُعْرَفُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالرَّابِعُ) أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْعُمَّالِ الْمَبْعُوثِينَ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إنَّك تَبْعَثُنَا فَكَانَ عَلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ طَعَامُهُمْ وَمَرْكَبُهُمْ وَسُكْنَاهُمْ يَأْخُذُونَهُ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَتَوَلَّوْنَهُ لِأَنَّهُ لَا مَقَامَ لَهُمْ إلَّا بِإِقَامَةِ هَذِهِ الْحُقُوقِ، وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُهُمْ فِي زَمَانِهِ وَلَيْسَ إذْ ذَاكَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْنَ مَالٍ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَأَرْزَاقُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَإِلَى نَحْوِ ذَلِكَ مِنْهُ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ فِي الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فَزَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ خَاصَّةً. (الْخَامِسُ) أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [عَلَى] الَّذِينَ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى نَصَارَى الشَّامِ جَعَلَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ لِمَنْ نَزَلَ بِهِمْ فَإِذَا شُرِطَتْ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَ الْجِزْيَةِ فَمَنَعُوهَا كَانَ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْ عَرَضِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ إنَّمَا صَارَ هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ فَكَيْفَ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ. (السَّادِسُ) بَوَّبَ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِي الْغَزْوِ فَيَمُرُّونَ بِقَوْمٍ وَلَا يَجِدُونَ مِنْ الطَّعَامِ مَا يَشْتَرُونَ بِالثَّمَنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوا إلَّا أَنْ تَأْخُذُوا كَرْهًا فَخُذُوا» . هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِنَحْوِ هَذَا انْتَهَى) . وَتَبْوِيبُهُ قَدْ يُوَافِقُ الْجَوَابَ الْخَامِسَ وَلَكِنَّ مَا شُرِحَ بِهِ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعٍ لِلْمُحْتَاجِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بِهِ الْحَالُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَهُوَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة جَوَازِ أَخَذَ الظَّافِر حَقّه مِنْ الْمُمْتَنِع عَنْ أَدَائِهِ] 1 (الرَّابِعَةُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ فَمَنَعَهُ إيَّاهُ وَجَحَدَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي مُقَابِلَةِ مَا مَنَعَهُ مِنْ حَقِّهِ فَبَوَّبَ عَلَيْهِ (بَابُ قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ) وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ يُقَاصُّهُ وَقَرَأَ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَجَزَمَ بِالْأَخْذِ فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُ الْحَقِّ بِالْقَاضِي بِأَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا وَلَا بَيِّنَةَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ قَالَ وَلَا يَأْخُذُ غَيْرَ الْجِنْسِ مَعَ ظَفَرِهِ بِالْجِنْسِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا غَيْرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْجِنْسِ جَازَ الْأَخْذُ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْحَقِّ بِالْقَاضِي بِأَنْ كَانَ مُقِرًّا مُمَاطِلًا أَوْ مُنْكِرًا عَلَيْهِ بَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ يَرْجُو إقْرَارَهُ لَوْ حَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَهَلْ يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ أَوْ يَجِبُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي؟ فِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ جَوَازُ الْأَخْذِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ وَرُوِيَ عَنْهُ الْأَخْذُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَاحِدِ دَيْنٌ فَلَهُ الْأَخْذُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِيهِ أُسْوَةً بِالْغُرَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ مِنْ الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَمِنْ الْمَكِيلِ الْمَكِيلَ وَمِنْ الْمَوْزُونِ الْمَوْزُونَ وَلَا يَأْخُذُ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَالَ زُفَرُ. لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعِوَضَ بِالْقِيمَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ أَجَازَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ هِنْدَ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ لَهَا أَنْ تُطْعِمَ عَائِلَةَ زَوْجِهَا مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ عِوَضًا عَمَّا قَصَّرَ فِي إطْعَامِهِمْ فَدَخَلَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ يُوَفِّهِ أَوْ جَحَدَهُ فَيَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عُتْبَةَ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ خُذُوا مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الظَّفَرِ وَالْقَهْرِ فَلَعَلَّ مَعْنَاهُ خُذُوا مِنْهُمْ بِرَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْحُكَّامِ لِيُلْزِمُوهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَبِي كَرِيمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ أَضَافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَةٍ مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ» وَرَوَاهُ أَيْضًا بِلَفْظِ «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ اقْتَضَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقْتَضِي وَيُطَالِبُ وَيَنْصُرُهُ الْمُسْلِمُونَ لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ أَحَدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَفْعَلْ فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا مَا لَمْ يَفْعَلْهَا فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ رَبِّ ذَاكَ عَبْدُك يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا» وَلِلْبُخَارِيِّ   Q [الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ] [حَدِيث إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً] ُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَفْعَلْهَا فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَفْعَلْهَا فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ رَبِّ ذَاكَ عَبْدُك يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وَهُوَ أَبْصَرُ بِهِ فَقَالَ اُرْقُبُوهُ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ بِأَلْفَاظِهِ الثَّلَاثَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 «فَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» .   Qمَجْمُوعَةً مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِيهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِمِثْلِهَا «، وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الثَّانِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» وَفِيهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِ أَيْضًا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً» الْمُرَادُ حَدَّثَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَحَدُّثِهِ بِهِ بِلِسَانِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ، وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ عُذْرٌ وَلَا تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَةُ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ مَعَ الِانْكِفَافِ عَنْ الْفِعْلِ بِلَا عُذْرٍ وَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْهَمِّ بِالْخَيْرِ قُرْبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ. (الثَّالِثَةُ) هَلْ تَكْتُبُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ الْهَمَّ بِالْحَسَنَةِ أَوْ فِعْلَ الْحَسَنَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ وَظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي كِتَابَةَ نَفْسِ الْحَسَنَةِ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَفَظَةَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ وَعَقْدَهَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَكْتُبُ إلَّا الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ وَحَكَى النَّوَوِيُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَلَكَ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِرَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ تَفُوحُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ فَإِنَّهُ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ بِعَشْرٍ وَالْوَجْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qفَإِنَّ الْمِثْلَ مُذَكَّرٌ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِتَأْوِيلِهِ بِالْحَسَنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ الْمُرَاد أَنَّ تُكْتَب لَهُ عَشْر حَسَنَات مَضْمُومَة لِلْحَسَنَةِ عَلَى الْهَمّ] 1 (السَّادِسَةُ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ تُكْتَبُ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ مَضْمُومَةٌ إلَى الْحَسَنَةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الْهَمِّ، أَوْ يُكَمَّلُ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، أَوْ يَنْتَظِرُ الْمَلَكُ بِكِتَابَةِ الْهَمِّ فَإِنْ حَقَّقَهُ كَتَبَ عَشْرًا، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْهُ كَتَبَ وَاحِدًا فِيهِ احْتِمَالٌ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «إلَى سَبْعِمِائَةِ» ضِعْفٍ فِيهِ أَنَّ التَّضْعِيفَ قَدْ يَنْتَهِي إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَهَذَا جُودٌ وَاسِعٌ وَكَرَمٌ مَحْضٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ» ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَقِفُ عَلَى سَبْعِمِائَةٍ بَلْ قَدْ يَزِيدُ عَلَيْهَا لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَتَهُ لَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] بِهَذَا التَّضْعِيفِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَقِفُ عَلَى سَبْعِمِائَةٍ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يُجَاوِزُ سَبْعِمِائَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ غَلَطٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَ التَّضْعِيفُ بِأَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ (الثَّامِنَةُ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» اسْتِثْنَاءُ الصِّيَامِ مِنْ حَصْرِ التَّضْعِيفِ فِي قَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ. [فَائِدَة حَدِيثَ النَّفْسِ وَالْخَوَاطِرَ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا] 1 (التَّاسِعَةُ) فِي قَوْلِهِ «فَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَفْعَلْهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ وَالْخَوَاطِرَ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَسْتَقِرُّ مِنْ الْخَوَاطِرِ وَلَا يَقْتَرِنُ بِهِ عَزْمُ مُصَمِّمٍ فَإِنْ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ عَزْمًا مُصَمَّمًا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَطِيبِ أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِقَلْبِهِ وَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا أَثِمَ بِاعْتِقَادِهِ وَعَزْمِهِ وَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَمْثَالِهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَإِنَّمَا مَرَّ ذَلِكَ بِفِكْرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ وَيُسَمَّى هَذَا وَهْمًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْهَمِّ وَالْعَزْمِ هَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَامَّةُ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ هَذَا الْعَزْمَ يُكْتَبُ سَيِّئَةٌ وَلَيْسَتْ السَّيِّئَةُ الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلْهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْرُ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَمَانَةِ لَكِنَّ نَفْسَ الْإِصْرَارِ وَالْعَزْمِ مَعْصِيَةُ فَيُكْتَبُ مَعْصِيَةٌ فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَةً ثَانِيَةً. وَأَمَّا الْهَمُّ الَّذِي لَا يُكْتَبُ فَهُوَ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا يُوَطِّنُ النَّفْسَ عَلَيْهَا وَلَا يَصْحَبُهَا عَقْدٌ وَلَا نِيَّةُ عَزْمٍ انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْبِ الْمُسْتَقَرِّ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] وقَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَاحْتِقَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَعَزْمِهَا انْتَهَى. [فَائِدَة إذَا ترك الْعَبْد المعصية لأجل كَتَبَتْ حَسَنَة] (الْعَاشِرَةُ) فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» زِيَادَةً عَلَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ «فَأَنَا أَغْفِرُهَا» لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَغْفِرَتِهَا كِتَابَةُ حَسَنَةٍ بِسَبَبِ تَرْكِهَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» . فَإِنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُجَاهِدَتَهُ نَفْسَهُ الْأَمَارَةَ بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانَهُ هَوَاهُ حَسَنَةٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً» ، وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِأَجَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ عَلَى كِتَابَتِهَا حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْهَا لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَعَلَّلَ كِتَابَتَهَا حَسَنَةً بِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِهَا الْحَيَاءُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا وَجْهَ لَهُ (قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ حَمْلُ هَذَا الْمُطْلَقِ عَلَى ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ فَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ وَتُسَاعِدُهُ الْقَاعِدَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْمَلْهَا تَارِكًا لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا لَا إذَا هَمَّ بِهَا فَلَمْ يَعْمَلْهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهَا وَعَدَمِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَلَا يُسَمَّى الْإِنْسَانُ تَارِكًا لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يُتَوَهَّمُ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» يَقْتَضِي أَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا تُضَاعَفُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا فِي التَّنْزِيلِ فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] وَذَلِكَ لِشَرَفِهِنَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِنَّ وَأَنَّ الْفَاحِشَةَ مِنْهُنَّ عَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ لِشِدَّةِ تَأَذِّي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي سَيِّئَاتِ الْحَرَمِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ بِمِثْلِهَا» يَقْتَضِي أَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا تُضَاعَفُ، أَيْ إنْ جَازِيَتُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذُهُ بِهَا وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، أَوْ مَحَاهَا اللَّهُ» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا» وَوَصَلَهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ تِسْعَةِ طُرُقٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْفَذَ الْوَعِيدَ عَلَى الْعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَتَجَاوَزُ عَنْهَا إذَا شَاءَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «إذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إسْلَامَهُ» . أَيْ أَسْلَمَ إسْلَامًا حَقِيقِيًّا وَلَيْسَ كَإِسْلَامِ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ هَذَا مَعْرُوفٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ يَقُولُونَ حَسُنَ إسْلَامُ فُلَانٍ إذَا دَخَلَ فِيهِ حَقِيقَةً بِإِخْلَاصٍ وَسَاءَ إسْلَامُهُ، أَوْ لَمْ يَحْسُنْ إسْلَامُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَوْلُهُ «فَحَسُنَ إسْلَامُهُ» قَدْ فَسَّرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ «سُئِلَ مَا الْإِحْسَانُ؟ فَقَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ» أَرَادَ مُبَالَغَةَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ لَهُ انْتَهَى. وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا يَتَوَقَّفُ كَوْنُ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَر فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ مُبَالِغًا فِي الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ لَهُ بَلْ مُجَرَّدُ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعِبَارَةِ كَافٍ فِي ذَلِكَ وَلَا يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ إلَّا عَنْ النِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) فِيهِ بَيَانُ مَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ مِنْ كِتَابَةِ خَوَاطِرِهِمْ الْحَسَنَةِ دُونَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» .   Qخَوَاطِرِهِمْ السَّيِّئَةِ وَمُجَازَاتِهِمْ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا إنْ شَاءَ وَعَلَى الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ إلَى مَا لَا يُحْصَى وَفِيهِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الرَّجَاءِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ هَالِكٌ» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ مَنْ حُتِمَ هَلَاكُهُ وَسُدَّتْ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْهُدَى مَعَ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ وَجَعْلِهِ السَّيِّئَةَ حَسَنَةً إذَا لَمْ يَعْمَلْهَا وَإِذَا عَمِلَهَا وَاحِدَةً وَالْحَسَنَةُ إذَا لَمْ يَعْمَلْهَا وَاحِدَةً وَإِذَا عَمِلَهَا عَشْرَةً إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ فَمَنْ حُرِمَ هَذِهِ السَّعَةُ وَفَاتَهُ هَذَا الْفَضْلُ وَكَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ حَتَّى غَلَبَتْ مَعَ أَنَّهَا أَفْرَادُ حَسَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهَا مُتَضَاعِفَةٌ فَهُوَ الْهَالِكُ الْمَحْرُومُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ مَعْنَاهُ بِالْغُفْرَانِ لَهُ إذَا اسْتَغْفَرَنِي وَالْقَبُولِ إذَا تَابَ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَانِي وَالْكِفَايَةِ إذَا اسْتَكْفَانِي لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَظْهَرُ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا إذَا حَسُنَ ظَنُّهُ بِاَللَّهِ وَقَوِيَ يَقِينُهُ قَالَ الْقَابِسِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحْذِيرًا مِمَّا يَجْرِي فِي نَفْسِ الْعَبْدِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا، وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» يَعْنِي فِي حُسْنِ عَمَلِهِ فَمَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الرَّجَاءِ وَتَأْمِيلِ الْعَفْوِ وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي نَقْلِهِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ أَوَّلًا وَاَلَّذِي حَكَاهُ آخِرًا وَعَبَّرَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّجَاءُ وَتَأْمِيلُ الْعَفْوِ. ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ وَظَنُّ قَبُولِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ فِعْلِهَا عَلَى شُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْدِهِ وَجَزِيلِ فَضْلِهِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُدْعُوَا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلتَّائِبِ وَالْمُسْتَغْفِرِ وَلِلْعَامِلِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مُوقِنًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ عَمَلَهُ وَيَغْفِرُ ذَنْبَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَأَمَّا لَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ فَذَلِكَ هُوَ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَصَلَ إلَى مَا ظَنَّ مِنْهُ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ عَبْدِي بِي مَا شَاءَ» . فَأَمَّا ظَنُّ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةِ، وَهُوَ يَجُرُّهُ إلَى مَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» . وَالظَّنُّ تَغْلِيبُ أَحَدِ الْمُجَوَّزَيْنِ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي التَّغْلِيبَ فَلَوْ خَلَا عَنْ السَّبَبِ الْمُغَلِّبِ لَمْ يَكُنْ ظَنًّا بَلْ غِرَّةً وَتَمَنِّيًا انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) فِيهِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الرَّجَاءِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَمَلَ عَفْوَ اللَّهِ وَصَفْحَهُ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَمَلَهُ وَعَفَا عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47] فَذَلِكَ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» أَيْ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ غَيْرِ تَحَفُّظٍ وَلَا تَوْبَةٍ وَلَا تَعَاطِي سَبَبٍ وَالْمُؤَمِّلُ عَفْوَ اللَّهِ لَا يَكُونُ أَمَلُهُ إلَّا عَنْ سَبَبٍ مِنْ تَوْبَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَتَقَرُّبٍ بِحَسَنَاتٍ تَمْحُو سَيِّئَاتِهِ فَيَرْجُو لُحُوقَ الرَّحْمَةِ لَهُ وَمَحْوَ سَيِّئَاتِهِ. وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ اسْتِحْضَارَ مَا يَقْتَضِي الرَّجَاءَ قُرْبَ الْمَوْتِ لِيَحْصُلَ مَعَهُ ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ زَمَنِ الصِّحَّةِ يَنْبَغِي فِيهِ اسْتِحْضَارُ مَا يَقْتَضِي الْخَوْفَ لِيَكُونَ أَعْوَنُ عَلَى الْعَمَلِ، وَأَمَّا حَالَةَ الْمَوْتِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ تَلَقَّيْته بِذِرَاعٍ وَإِذَا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ: تَلَقَّيْته بِبَاعٍ وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ أَتَيْته بِأَسْرَعَ» لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ (وَإِذَا تَلَقَّانِي الثَّالِثَةَ) وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ «وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً» .   Qفَإِنَّهُ لَا عَمَلَ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَرْجُ أَيِسَ وَإِذَا رَجَا انْبَسَطَ وَحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِمَا أَمْكَنَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ تَلَقَّيْته بِذِرَاعٍ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بِشِبْرٍ تَلَقَّيْته بِذِرَاعٍ وَإِذَا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ تَلَقَّيْته بِبَاعٍ وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ أَتَيْته بِأَسْرَعَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مَثَلٌ وَمَعْنَاهُ حُسْنُ الْقَبُولِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ الَّذِي يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ مُمَثَّلًا بِفِعْلِ مَنْ أَقْبَلَ نَحْوَ صَاحِبِهِ قَدْرَ شِبْرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ صَاحِبُهُ ذِرَاعًا وَكَمَنْ مَشَى إلَيْهِ فَهَرْوَلَ إلَيْهِ صَاحِبُهُ قَبُولًا لَهُ وَزِيَادَةً فِي إكْرَامِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ التَّوْفِيقَ لَهُ وَالتَّيْسِيرَ لِلْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُهُ مِنْهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا أَيْ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ قَرَّبْته تَوْفِيقًا وَتَيْسِيرًا ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بِالْعَزْمِ وَالِاجْتِهَادِ ذِرَاعًا قَرَّبْته بِالْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَةِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي مُعْرِضًا عَمَّنْ سِوَايَ مُقْبِلًا إلَيَّ أَدْنَيْتُهُ وَحُلْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ قَاطِعٍ وَسَبَقَتْ بِهِ كُلَّ صَانِعٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْهَرْوَلَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَيَسْتَحِيلُ إرَادَةُ ظَاهِرِهِ وَمَعْنَاهُ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بِطَاعَتِي تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ، وَإِنْ زَادَ زِدْت، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي أَتَيْته هَرْوَلَةً أَيْ صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْته بِهَا، وَلَمْ أُحْوِجْهُ إلَى الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ جَزَاءَهُ يَكُونُ تَضْعِيفُهُ عَلَى حَسَبِ تَقَرُّبِهِ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إذَا ضَلَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا؟ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إذَا تَابَ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إذَا وَجَدَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ   Qظَاهِرِ هَذَا الْخِطَابِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً جُوزِيَ بِمِثْلِهَا فَإِنَّ الذِّرَاعَ شِبْرَانِ وَالْبَاعَ ذِرَاعَانِ، وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُجَازَى عَلَى الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى فَكَيْفَ بِوَجْهِ الْجَمْعِ (قُلْتُ) هَذَا الْحَدِيثُ مَا سِيقَ لِبَيَانِ مِقْدَارِ الْأُجُورِ وَعَدَدِ تَضَاعِيفِهَا وَإِنَّمَا سِيقَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ قَلِيلًا كَانَ، أَوْ كَثِيرًا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسْرِعُ إلَى قَبُولِهِ وَإِلَى مُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ إسْرَاعَ مَنْ جِيءَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَبَادَرَ لِأَخْذِهِ وَتَبَشْبَشَ لَهُ بَشْبَشَةَ مَنْ سُرَّ بِهِ وَوَقَعَ مِنْهُ الْمَوْقِعَ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ أَسْرَعْتُ إلَيْهِ وَلَا تَتَقَدَّرُ الْهَرْوَلَةُ وَالْإِسْرَاعُ بِضِعْفَيْ الْمَشْيِ. وَأَمَّا عَدَدُ الْأَضْعَافِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) الْبَاعُ طُولُ ذِرَاعَيْ الْإِنْسَانِ وَعَضُدَيْهِ وَعَرْضُ صَدْرِهِ قَالَ الْبَاجِيَّ، وَهُوَ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَجَازُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ أَتَيْته بِأَسْرَعَ أَيْ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ. [حَدِيث أَيَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إذَا ضَلَّتْ مِنْهُ ثُمَّ وَجَدَهَا] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إذَا ضَلَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهَا؟ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ إذَا تَابَ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ إذَا وَجَدَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاتَّفَقَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» .   Qعَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ وَزَادَ فِيهِ قَالَ «مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (الثَّانِيَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَرَحُ اللَّهِ هُوَ رِضَاهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ (الْفَرَحُ) يَنْقَسِمُ عَلَى وُجُوهٍ (مِنْهَا) السُّرُورُ وَالسُّرُورُ يُقَارِنُهُ الرِّضَى بِالْمَسْرُورِ بِهِ قَالَ فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى تَوْبَةَ عَبْدِهِ أَشَدَّ مَا يَرْضَى وَاجِدُ ضَالَّتِهِ بِالْفَلَاةِ فَعَبَّرَ عَنْ الرِّضَى بِالْفَرَحِ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الرِّضَى فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَمُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ انْتَهَى. وَمَثَّلَ الْخَطَّابِيُّ إطْلَاقَ الْفَرَحِ عَلَى الرِّضَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَرَحَ مُعْظَمُ السُّرُورِ وَغَايَتُهُ وَالسُّرُورُ عِبَارَةٌ عَنْ بَسْطِ الْوَجْهِ وَسَعَةِ الصَّدْرِ وَاسْتِنَارَةِ الْوَجْهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا مَثَلٌ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ سُرْعَةِ قَبُولِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَوْبَةِ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَأَنَّهُ يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيُعَامِلُهُ مُعَامَلَةَ مَنْ يَفْرَحُ بِهِ وَوَجْهُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ الْعَاصِيَ حَصَلَ بِسَبَبِ مَعْصِيَتِهِ فِي قَبْضَةِ الشَّيْطَانِ وَأَسْرِهِ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَإِذَا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَأَرْشَدَهُ إلَى التَّوْبَةِ خَرَجَ مِنْ شُؤْمِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ وَتَخَلَّصَ مِنْ أَسْرِ الشَّيْطَانِ وَمِنْ الْهَلَكَةِ الَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَأَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَبَادَرَ إلَى ذَلِكَ مُبَادَرَةَ هَذَا الَّذِي قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ لَمَّا عَدِمَ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ الَّذِي قَدْ انْتَهَى. بِهِ الْفَرَحُ وَاسْتَفَزَّهُ السُّرُورُ إلَى أَنْ نَطَقَ بِالْمُحَالِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لِشِدَّةِ سُرُورِهِ وَفَرَحِهِ وَإِلَّا فَالْفَرَحُ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِنَا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ اهْتِزَازٌ وَطَرَبٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ ظَفَرِهِ بِغَرَضٍ يَسْتَكْمِلُ بِهِ الْإِنْسَانُ نُقْصَانَهُ وَيَسُدُّ بِهِ خَلَّتَهُ أَوْ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا، أَوْ نَقْصًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالْكَامِلُ بِذَاتِهِ الْغَنِيُّ بِوُجُودِهِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ وَلَا قُصُورٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْفَرَحَ عِنْدَنَا لَهُ ثَمَرَةٌ وَفَائِدَةٌ، وَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَفْرُوحِ بِهِ وَإِحْلَالُهُ الْمَحَلَّ الْأَعْلَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَعَبَّرَ عَنْ ثَمَرَةِ الْفَرَحِ بِالْفَرَحِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي تَسْمِيَتِهَا الشَّيْءَ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ، أَوْ كَانَ مِنْهُ بِسَبَبٍ وَذَلِكَ الْقَانُونَ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَى وَالضَّحِكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) ذَكَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مُطْلَقِ وِجْدَانِ ضَالَّتِهِ فَقَالَ «اللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتَهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَاَللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ» وَهَذَا زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ لِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَوْبَتِهِ وَقَبُولِهَا. [فَائِدَة حَقِيقَة التَّوْبَةُ وَأَرْكَانهَا] 1 (الرَّابِعَةُ) التَّوْبَةُ لُغَةً الرُّجُوعُ يُقَالُ تَابَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَثَابَ بِالْمُثْلَةِ وَآبَ وَأَنَابَ بِمَعْنَى رَجَعَ وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ هُنَا الرُّجُوعُ عَنْ الذَّنْبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ التَّوْبَةُ أَوَّلُ الدَّرَجَاتِ وَكَأَنَّهَا الْإِقْلَاعُ وَالْإِنَابَةُ بَعْدَهَا وَالْأَوْبَةُ أَعَزُّهَا وَهِيَ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ يُفَسِّرُ التَّوْبَةَ بِالنَّدَمِ وَبِهِ عَبَّرَ كَثِيرُونَ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَالْأَكْثَرُونَ جَمَعُوا بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَقَالُوا إنَّ لِلتَّوْبَةِ أَرْكَانًا الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا أَكْمَلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّرْكِيبِ الْمَحْذُورِ فِي الْحُدُودِ غَيْرُ مَانِعٍ وَلَا جَامِعٍ، بَيَانُ. (الْأَوَّلُ) : أَنَّهُ قَدْ يَنْدَمُ وَيُقْلِعُ وَيَعْزِمُ وَلَا يَكُونُ تَائِبًا شَرْعًا إذْ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ شُحًّا عَلَى مَالِهِ أَوْ لِئَلَّا يُعَيِّرَهُ النَّاسُ بِذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] وَأَمَّا (الثَّانِي) فَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَنْ زَنَا مَثَلًا، ثُمَّ قُطِعَ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُ النَّدَمِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الزِّنَا. وَأَمَّا الْعَزْمُ وَالْإِقْلَاعُ فَغَيْرُ مَقْصُودَيْنِ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّوْبَةُ مِنْ الزِّنَا صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ إجْمَاعًا وَبِهَذَا اغْتَرَّ مَنْ قَالَ إنَّ النَّدَمَ يَكْفِي فِي حَدِّ التَّوْبَةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ نَدِمَ، وَلَمْ يُقْلِعْ وَعَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ تَائِبًا اتِّفَاقًا وَلَمَّا فَهِمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ هَذَا حَدَّ التَّوْبَةَ بِحَدِّ آخَرَ فَقَالَ. هِيَ تَرْكُ اخْتِيَارِ ذَنْبٍ سَبَقَ مِنْك مِثْلُهُ حَقِيقَةً، أَوْ تَقْدِيرًا لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا أَشَدُّ الْعِبَارَاتِ وَأَجْمَعُهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّائِبَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلذَّنْبِ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ الذَّنْبَ الْمَاضِيَ قَدْ وَقَعَ وَفَرَغَ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ تَرْكُهُ إذْ هُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ عَيْنِهِ لَا تَرْكًا وَلَا فِعْلًا وَإِنَّمَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مِثْلِهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ زِنًا آخَرُ مَثَلًا فَلَوْ جُبَّ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ تَرْكُ الزِّنَا بَلْ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَقْدِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الزِّنَا تَرَكَهُ، فَلَوْ قَدَّرْنَا مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَنْبٌ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إلَّا اتِّقَاءُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَا تَرَكَ مِثْلُ مَا وَقَعَ فَيَكُونُ مُتَّقِيًا لَا تَائِبًا انْتَهَى. فَيُزَادُ فِي التَّوْبَةِ رُكْنٌ رَابِعٌ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، وَقَدْ قَالَ الْمَازِرِيُّ التَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ النَّدَمُ عَلَيْهِ رِعَايَةً لَحِقَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَكَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ التَّصْرِيحَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَأَنَّهُمْ مَثَّلُوهُ بِمَا إذَا قَتَلَ وَلَدَهُ وَنَدِمَ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ وَبِمَا إذَا بَذَلَ الشَّحِيحُ مَالًا فِي مَعْصِيَةٍ وَنَدِمَ لِأَجَلِ غَرَامَةِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِآدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ خَامِسٍ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ تِلْكَ الْمَظْلِمَة قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ الْخُرُوجُ عَنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ قَالَ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى كَمَالِهَا وَتَمَامِ أَمْرِهَا لَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ (قُلْتُ) وَلَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخُرُوجَ عَنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ مُطْلَقًا بَلْ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ وَبِتَقْدِيرِ إرَادَتِهِ الْخُرُوجَ عَنْهَا مُطْلَقًا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة هَلْ مِنْ التَّوْبَة مَا يَقْطَع بِقَبُولِهِ] 1 (الْخَامِسَةُ) فِيهِ قَبُولُ اللَّهِ تَعَالَى تَوْبَةَ الْعَبْدِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعَبِّرِ شَرْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَوْبَةُ الْكَافِرِ مِنْ كُفْرِهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِمُنْجِيهِ عَمَلُهُ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا: قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ» .   Qفَهِيَ مَقْطُوعٌ بِقَبُولِهَا، وَإِنْ كَانَتْ سِوَاهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْبَةِ فَهَلْ قَبُولُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، أَوْ مَظْنُونٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ مَظْنُونٌ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ عَلَى يَقِينٍ، وَمِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَلَى خَطَرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ دَائِمَ الْحَذَرِ. (السَّادِسَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ إلَى آخِرِهِ فِيهِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَبِيلِ هَذَا مِنْ دَهَشٍ وَذُهُولٍ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ وَكَذَلِكَ حِكَايَتُهُ عَنْهُ عَلَى طَرِيقٍ عِلْمِيٍّ وَفَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا عَلَى الْهُزْءِ وَالْمُحَاكَاةِ وَالْعَيْبِ لِحِكَايَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ وَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا مَا حَكَاهُ. [حَدِيث لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِمُنْجِيهِ عَمَلُهُ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ أَحَدُكُمْ بِمُنْجِيهِ عَمَلُهُ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي صَالِحٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) فِيهِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا ثَوَابٌ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ الْعَالَمُ مُلْكُهُ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ فِي سُلْطَانِهِ يَفْعَلُ فِيهِمَا مَا يَشَاءُ فَلَوْ عَذَّبَ الْمُطِيعِينَ وَالصَّالِحِينَ أَجْمَعِينَ وَأَدْخَلَهُمْ النَّارَ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ وَإِذَا أَكْرَمَهُمْ وَنَعَّمَهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ فَهُوَ بِفَضْلٍ مِنْهُ وَلَوْ نَعَّمَ الْكَافِرِينَ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أَخْبَرَ وَخَبَرُهُ صِدْقٌ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ هَذَا بَلْ يَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ وَيُدْخِلُهُمْ النَّارَ عَدْلًا مِنْهُ فَمَنْ نَجَا وَدَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَيْسَ بِعَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعِلْمِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى إيجَابِ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحَكَّمُوا الْعَقْلَ وَأَوْجَبُوا مُرَاعَاةَ الْأَصْلَحِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qوَلَهُمْ فِي ذَلِكَ خَبْطٌ عَرِيضٌ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ اخْتِرَاعَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ الْمُنَابِذَةِ لِنُصُوصِ الشَّرْعِ. (الثَّالِثَةُ) (فَإِنْ قُلْتُ) كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى «اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» وقَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ (قُلْتُ) مَعْنَى الْآيَاتِ أَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ الْأَعْمَالِ، ثُمَّ التَّوْفِيقُ لِلْأَعْمَالِ وَالْهِدَايَةِ لِلْإِخْلَاصِ فِيهَا وَقَبُولِهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ فَيَصِحُّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ أَنَّهُ دَخَلَ بِالْأَعْمَالِ أَيْ بِسَبَبِهَا وَهِيَ مِنْ الرَّحْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «بِمُنْجِيهِ» يَجُوزُ فِيهِ إسْكَانُ النُّونِ وَتَخْفِيفُ الْجِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ يُقَالُ نَجَاهُ وَأَنْجَاهُ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزِ وَالتَّضْعِيفِ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «سَدِّدُوا» هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اُطْلُبُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَلِكَ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ لَا غُلُوَّ وَلَا تَقْصِيرَ وَقَوْلُهُ «وَقَارِبُوا» أَيْ إنْ عَجَزْتُمْ عَنْ السَّدَادِ فَقَارِبُوهُ أَيْ اقْرَبُوا مِنْهُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» أَيْ وُجُوهُ الِاسْتِقَامَةِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَى مُقَارِبَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ «وَقَارِبُوا» هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ سَدِّدُوا فِي الْأَعْمَالِ أَيْ اعْمَلُوهَا مُسَدَّدَةً لَا غُلُوَّ فِيهَا وَلَا تَقْصِيرَ وَقَارِبُوا فِي أَزْمَانِهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهَا قَصِيرٌ وَلَا طَوِيلٌ انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ مُسَاوَاةُ قَوْلِهِ وَقَارِبُوا لِقَوْلِهِ وَسَدِّدُوا فِي الْمَعْنَى وَعِبَارَةُ الْقَاضِي عِيَاضٍ بَعْدَ تَفْسِيرِ السَّدَادِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَعْنَى قَارِبُوا أَيْ اقْرَبُوا مِنْ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ وَلَا تَغْلُوا فَدِينُ اللَّهِ سَمْحَةٌ حَنِيفِيَّةٌ انْتَهَى. وَصَدْرُ كَلَامِهِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْقُرْطُبِيِّ وَآخِرُهُ يُوَافِقُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ وَلَا أَنْتَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ كَأَنَّهُ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِظَمِ مَعْرِفَتِهِ بِاَللَّهِ وَكَثْرَةِ عِبَادَاتِهِ أَنَّهُ يُنْجِيهِ عَمَلُهُ فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَأَخْبَرَ أَنَّهُ عَنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ لَا يَسْتَغْنِي. (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» أَيْ يُلْبِسُنِيهَا وَيَغْمُرُنِي فِيهَا وَمِنْهُ غَمَدْتُ السَّيْفَ وَأَغْمَدْتُهُ إذَا جَعَلْته فِي غِمْدِهِ وَسَتَرْتُهُ بِهِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا، أَوْ هِرٍّ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمِّمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الزُّهْرِيُّ (ذَلِكَ لَأَنْ لَا يَتَّكِلَ رَجُلٌ وَلَا يَيْأَسَ رَجُلٌ) .   Q [حَدِيث دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ] {الْحَدِيثُ السَّادِسُ} وَعَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا، أَوْ هِرٍّ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تُرَمِّمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: {الْأُولَى} أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. {الثَّانِيَةُ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَآهَا النَّبِيُّ. فِي النَّارِ هِيَ امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، كَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَفِي أُخْرَى لَهُ أَنَّهَا حِمْيَرِيَّةٌ وَسَنَذْكُرُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَحِمْيَرُ قَبِيلَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَلَيْسُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. {الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «مِنْ جَرَّاءِ» بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَقْصُورَةٌ وَيَجُوزُ فِيهِ الْمَدُّ أَيْضًا يُقَالُ فَعَلْتُهُ مِنْ جَرَّاك وَمِنْ جَرَّائِك أَيْ مِنْ أَجْلِك وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ أَجْلِك فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا. {الرَّابِعَةُ} «الْهِرُّ» ذَكَرُ السِّنَّوْرِ وَالْأُنْثَى هِرَّةٌ فَتَرَدَّدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَلْ كَانَ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى وَيُجْمَعُ الْهِرُّ عَلَى هِرَرَةٍ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ وَالْهِرَّةُ عَلَى هِرَرٍ كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ. {الْخَامِسَةُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ إنَّمَا عُذِّبَتْ بِسَبَبِ قَتْلِ هَذِهِ الْهِرَّةِ بِالْحَبْسِ وَتَرْكِ الطَّعَامِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَذَابُ بِالنَّارِ، أَوْ يَكُونَ بِالْحِسَابِ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ عُذِّبَ، أَوْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ كَافِرَةً فَعُذِّبَتْ بِكُفْرِهَا وَزِيدَتْ عَذَابًا بِسَيِّئِ أَعْمَالِهَا، وَكَانَ مِنْهَا هَذَا إذْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً فَتُغْفَرْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qصَغَائِرُهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَلْ كَانَتْ كَافِرَةً، أَوْ لَا، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَأَنَّهَا دَخَلَتْ النَّارَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْهِرَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ صَغِيرَةً بَلْ صَارَتْ بِإِصْرَارِهَا كَبِيرَةً وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا تُخَلَّدُ فِي النَّارِ (قُلْتُ) وَمِنْ هُنَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ الْخَوْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ وَمُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِرَةً فَقَدْ تَمَحَّضَ أَنَّ سَبَبَ تَعْذِيبِهَا فِي النَّارِ حَبْسُ الْهِرَّةِ إلَى أَنْ مَاتَتْ جُوعًا فَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْهِرَّ لَا يُتَمَلَّكُ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إطْعَامُهُ إلَّا عَلَى مَنْ حَبَسَهُ (قُلْتُ) لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَمَلَّكُ فَإِنَّهُ إنَّمَا حَكَى فِيهِ وَاقِعَةً خَاصَّةً وَهِيَ تَعْذِيبُهَا عَلَى حَبْسِهِ حَتَّى أَفْضَى إلَى تَلَفِهِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى حُكْمِ غَيْرِ حَالَةِ الْحَبْسِ هَلْ فِيهَا إثْمٌ بِسَبَبِ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا أَمْ لَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ عَلَى مَالِكِهِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْهِرَّةَ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهَا لَكِنَّهُ أَقْرَبُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ لِإِمْكَانِ اسْتِنْبَاطِ كَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لَهَا مِنْ الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ «لَهَا» فَإِنَّ ظَاهِرَهَا الْمِلْكُ وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ اسْتِدْلَالُهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا إذَا عُذِّبَتْ عَلَى إتْلَافِهَا بِالْحَبْسِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا إذَا مُلِكَتْ كَسَائِرِ الْمُحْتَرَمَاتِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ فَضَعِيفٌ جِدًّا لَا وَجْهَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة رَبْطِ الْحَيَوَان الْمَمْلُوكِ] 1 (السَّابِعَةُ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ رَبْطِ الْحَيَوَان الْمَمْلُوكِ لَيْسَ حَرَامًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ الذَّمَّ إلَّا عَلَى تَرْكِ إطْعَامِهَا وَإِرْسَالِهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ قَتْلِ الْهِرَّةِ وَتَحْرِيمِ حَبْسِهَا بِغَيْرِ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ. (الثَّامِنَةُ) قَوْلُهُ «تُرَمِّمُ» رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ وَ. (الثَّانِي) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا وَالْمُرَادُ تَنَاوُلُ ذَلِكَ بِشَفَتَيْهَا. (التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ «مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ قَالَ وَرُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّوَابُ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتُهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَشَرَاتِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 الْقَدَرُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَحَاجَّ   Qالْأَرْضِ وَقِيلَ صِغَارُ الطَّيْرِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، أَوْ غَلَطٌ. [فَائِدَة بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ بِدُخُولِ النَّارِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 1 (الْعَاشِرَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ بِدُخُولِ النَّارِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَأَمْكَنَ تَأْوِيلُهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا سَتَدْخُلُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَمَّا كَانَ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ أَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَنَظَائِرُهُ، لَكِنْ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَرَأَيْت فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَرَأَيْت أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ» وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «وَرَأَيْتُ فِي النَّارِ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَوِيلَةً» وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْت مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْت فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَأَنَّهُ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا» ، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْكُسُوفِ «وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُشَاهَدَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ. (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «هَزْلًا» ) رَوَيْنَاهُ وَضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَيَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ الْهَاءِ أَيْضًا، وَهُوَ الْهُزَالُ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ هَزَلَ الرَّجُلُ وَالدَّابَّةُ هُزَالًا، وَهَزَلَ يَهْزِلُ هَزْلًا وَهُزَالًا، قَالَ فِي الصِّحَاحِ؟ الْهُزَالُ ضِدُّ السِّمَنِ يُقَالُ هَزَلَتْ الدَّابَّةُ هُزَالًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهَزَلْتُهَا أَنَا هَزْلًا. [الْقَدَرُ] [حَدِيث تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى] الْقَدَرُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى فَحَجَّ آدَم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 آدَم وَمُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَقَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ لَهُ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ، قَالَ نَعَمْ، قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ فَحَاجَّ آدَم مُوسَى»   Qمُوسَى فَقَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إلَى الْأَرْضِ قَالَ لَهُ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ فَحَاجَّ آدَم مُوسَى» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ «قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا» .   Qالْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَم مُوسَى قَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَك فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهَبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِك إلَى الْأَرْضِ فَقَالَ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ وَأَعْطَاك الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا قَالَ آدَم فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] قَالَ نَعَمْ قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتَ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ النَّجَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ثُبُوتِهِ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ أَئِمَّةِ الْإِثْبَاتِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فِي إسْنَادِهِ فَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكُلُّهُمْ يَرْفَعُهُ وَهِيَ كُلُّهَا صِحَاحٌ لِلِقَاءِ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى» أَيْ تَنَاظَرَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةً عَلَى مَطْلُوبِهِ وَالْحُجَّةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ وَقَوْلُهُ فَحَجَّ آدَم مُوسَى أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَالرُّوَاةُ وَالشُّرَّاحُ وَأَهْلُ الْغَرِيبِ بِرَفْعِ آدَمَ، وَهُوَ فَاعِلٌ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي آخَرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (فَحَاجَّ آدَم مُوسَى) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ فَحَاجَّ يَعْنِي فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَقَدْ تَخْرُجُ الْمُفَاعَلَةُ عَنْ بَابِهَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذِهِ الْمُحَاجَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِرُوحَيْهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِجَسَدِهِمَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ الْتَقَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ فَوَقَعَ الْحِجَاجُ بَيْنَهُمَا وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ يُوَافِقُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ رُوحَهُ لَمْ تَجْتَمِعْ بِرُوحِ مُوسَى، وَلَمْ يَلْتَقِيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَبَعْدَ رَفْعِ أَرْوَاحِهِمَا فِي عِلِّيِّينَ وَكَانَ الْتِقَاؤُهُمَا كَنَحْوِ الْتِقَاءِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ لَقِيَهُ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدِي لَا يَحْتَمِلُ تَكْيِيفًا وَإِنَّمَا فِيهِ التَّسْلِيمُ لِأَنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا بِأَشْخَاصِهِمَا، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَوَاتِ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلَّى بِهِمْ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمْ كَمَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَيَاةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنَّهُ يُرِيهِ آدَم فَحَاجَّهُ بِمَا ذُكِرَ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي الْقِصَّةِ أَثَرًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ «مُوسَى رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَرَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ فَقَالَ أَنْتَ آدَم» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (قُلْت) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مُوسَى قَالَ يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ فَقَالَ أَنْتَ أَبُونَا آدَم فَقَالَ لَهُ آدَم نَعَمْ فَقَالَ أَنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَك؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا حَمَلَك عَلَى أَنْ أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَم مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَك اللَّهُ مِنْ وَرُوَاءِ حِجَابٍ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ نَعَمْ قَالَ أَفَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qنَعَمْ، قَالَ فِيمَ تَلُومُنِي فِي شَيْءٍ سَبَقَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْقَضَاءُ قَبْلِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ تَحَاجِّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ «عِنْدَ رَبِّهِمَا» وَهِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَحَاجُّهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّحَاجُّ فِي الدُّنْيَا وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ مِنْ عِنْدِ أَبِي دَاوُد (قُلْتُ) وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ اخْتِصَاصٍ وَتَشْرِيفٍ لَا عِنْدِيَّةُ مَكَان لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى «إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهْرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» أَيْ فِي مَحَلِّ التَّشْرِيفِ وَالْإِكْرَامِ وَالِاخْتِصَاصِ انْتَهَى. وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «أَغْوَيْتَ النَّاسَ» أَيْ كُنْت سَبَبًا لِإِغْوَاءِ مَنْ غَوَى مِنْهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْجَنَّةِ وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَالْغَيُّ: الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ، وَهُوَ ضِدُّ الرُّشْدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْغَيِّ الْخَطَأُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] أَيْ أَخْطَأَ صَوَابَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ إطْلَاقِ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى مَنْ لَهُ تَسَبُّبٌ فِيهِ. (الرَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ «وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ» الْمُرَادُ بِهَا جَنَّةُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ آدَمَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا جَنَّةٌ أُخْرَى غَيْرُهَا وَقَالُوا إنَّ جَنَّةَ الْجَزَاءِ لَمْ تُخْلَقْ إلَى الْآنَ وَلَكِنَّهَا تُخْلَقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُبْطِلُ قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ» عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ قَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - (إنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُرَادُ مِمَّا عَلَّمَك وَقِيلَ يَحْتَمِلُ مِمَّا عُلِّمَهُ الْبَشَرُ (قُلْت) لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَّمَهُ إيَّاهُ وَهَذَا غَنِيٌّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَنْ الْقَوْلِ، وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْخَضِرِ مِنْ الْعِلْمِ قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْلَمُهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ هُنَا الْأَكْثَرِيَّةُ وَالْغَلَبَةُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] وَقَوْلُهُ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (السَّادِسَةُ) (وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ) عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَصْطَفِهِ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَإِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ نَاسُ زَمَانِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] . (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا انْتَهَى حَدِيثُ مَالِكٍ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ وَزَادَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ «قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ» وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَتَبَهُ قَبْلَ خَلْقِهِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ أَظْهَرَهُ، أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مَا أَضَافَ إلَيْهِ هَذَا التَّارِيخَ وَإِلَّا فَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيَّةٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَدَّرَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَيْ كَتَبَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «فَبِكُمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ قَالَ مُوسَى بِأَرْبَعِينَ عَامًا قَالَ فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا وَعَصَى آدَم رَبَّهُ فَغَوَى قَالَ نَعَمْ» فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ مَكْتُوبًا بِلِسَانٍ غَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ هُنَا الْكِتَابَةُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ فِي صُحُفِ التَّوْرَاةِ وَأَلْوَاحِهَا أَيْ كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْلَ خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَالَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُصَرِّحَةٌ بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالتَّقْدِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ الْقَدَرِ فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ، وَلَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ مَرِيدًا لِمَا أَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ وَخَيْرٍ وَشَرٍّ انْتَهَى. وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْمُرَادَ إظْهَارُ ذَلِكَ عَنْ تَصْوِيرِ آدَمَ طِينًا وَاسْتَمَرَّ آدَم مُتَجَدِّلًا فِي طِينَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَكَانَ ظُهُورُ هَذَا قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَالْمُرَادُ بِخَلْقِهِ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّ مُدَّةَ مُكْثِ آدَمَ طِينًا بَيْنَ تَصْوِيرِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَرْبَعُونَ عَامًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَإِنْ قُلْتُ) مَا مَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qكَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ (قُلْتُ) هُوَ تَحْدِيدٌ لِلْكِتَابِ لَا لِلتَّقْدِيرِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ كِتَابَةٌ قَبْلَ الْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذِكْرُ الْخَمْسِينَ أَلْفًا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَقَدْ يَكُونُ تَمْثِيلًا لِلْكَثِيرِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] (قُلْتُ) وَلَا يَقُومُ عَلَى التَّكْثِيرِ دَلِيلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْدِيدُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ أَظْهَرُ وَأُولَى قَالَ وَهَذِهِ الْخَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ سُنُونَ تَقْدِيرِيَّةٌ إذْ قَبْلَ وُجُودِ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ الْأَزْمَانِ فَإِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّنِينَ وَبِالْأَيَّامِ، وَاللَّيَالِيِ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى أَعْدَادِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ، وَالْبُرُوجِ السَّمَاوِيَّةِ فَقَبْلَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ كَانَتْ السَّمَوَاتُ مَوْجُودَةً فِيهَا لَعُدَّتْ بِذَلِكَ الْعَدَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة الْقَدَرِ مِنْ اللَّهِ وَالْقَضَاءِ مِنْهُ] 1 (الثَّامِنَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ قَدْ يَحْسِبُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى الْقَدَرِ مِنْ اللَّهِ، وَالْقَضَاءِ مِنْهُ مَعْنَى الْإِجْبَارِ، وَالْقَهْرِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ وَيُتَوَهَّمُ أَنَّ فَلْجَ آدَم فِي الْحُجَّةِ عَلَى مُوسَى إنَّمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ كَمَا أَنَّ الْهَدْمَ، وَالْقَبْضَ، وَالنَّشْرَ أَسْمَاءٌ لِمَا صَدَرَ عَنْ فِعْلِ الْهَادِمِ، وَالْقَابِضِ، وَالنَّاشِرِ يُقَالُ قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقُدْرَتُهُ خَفِيفَةٌ وَثَقِيلَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَضَاءُ فِي هَذَا مَعْنَاهُ الْخَلْقُ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] أَيْ خَلَقَهُنَّ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَاءِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ أَفْعَالُهُمْ وَأَكْسَابُهُمْ وَمُبَاشَرَتُهُمْ تِلْكَ الْأُمُورَ وَمُلَابَسَتُهُمْ إيَّاهَا عَنْ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ وَتَقَدُّمِ إرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ فَالْحُجَّةُ إنَّمَا تَلْزَمُهُمْ بِهَا، وَاللَّائِمَةُ إنَّمَا تَلْحَقُهُمْ عَلَيْهَا وَجِمَاعُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ، وَالْآخَرَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ فَمَنْ رَامَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ الْبِنَاءِ وَنَقْضَهُ وَإِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُ الْحُجَّةِ لِآدَمَ عَلَى مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qآدَم أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الشَّجَرَةَ وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَأَنْ يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيَانُ هَذَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فَأَخْبَرَ قَبْلَ كَوْنِ آدَمَ أَنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهُ لِلْأَرْضِ وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْقُلَهُ عَنْهَا إلَيْهَا فَإِنَّمَا كَانَ تَنَاوُلُهُ الشَّجَرَةَ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا وَلِيَكُونَ فِيهَا خَلِيفَةً وَوَالِيًا عَلَى مَنْ فِيهَا وَإِنَّمَا أَدْلَى آدَم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَدَفَعَ لَائِمَةَ مُوسَى عَنْ نَفْسِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي [فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ اللَّوْمُ أَصْلًا (قِيلَ) ] ، وَاللَّوْمُ سَاقِطٌ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ مُوسَى إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَيِّرَ أَحَدًا بِذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ لِأَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ أَكْفَاءٌ سَوَاءٌ، وَقَدْ رُوِيَ لَا تَنْظُرُوا إلَى ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَلَكِنْ اُنْظُرُوا إلَيْهَا كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ وَلَكِنَّ اللَّوْمَ لَازِمٌ لِآدَمَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذَا كَانَ قَدْ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَخَرَجَ إلَى مَعْصِيَتِهِ وَبَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ سُبْحَانَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقَوْلُ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْهُ شُبْهَةٌ، وَفِي ظَاهِرِهِ مُتَعَلَّقٌ لِاحْتِجَاجِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي قَدْ جُعِلَ أَمَارَةٌ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَوْلُ آدَم فِي تَعَلُّقِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ أَرْجَحُ وَأَقْوَى، وَالْفَلْجُ قَدْ يَقَعُ مَعَ الْمُعَارِضَةِ بِالتَّرْجِيحِ كَمَا يَقَعُ بِالْبُرْهَانِ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ اهـ وَقَالَ فِي أَعْلَامِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ إنَّمَا حَجُّهُ آدَم فِي دَفْعِ اللَّوْمِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ أَنْ يَلُومَ أَحَدًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «اُنْظُرُوا إلَى النَّاسِ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ وَلَا تَنْظُرُوا إلَيْهِمْ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ» فَأَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي تَنَازَعَاهُ فَهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُسْقِطَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْقَدَرُ وَلَا أَنْ يُبْطِلَ الْكَسْبَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، وَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا خَرَجَ عَنْ الْقَصْدِ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الْقَدَرِ، أَوْ الْجَبْرِ، وَقَوْلُ آدَمَ «أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» اسْتِقْصَارٌ لِعِلْمِ مُوسَى يَقُولُ إذْ قَدْ جَعَلَك اللَّهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مِنْ الِاصْطِفَاءِ بِالرِّسَالَاتِ، وَالْكَلَامِ فَكَيْفَ يَسَعُك أَنْ تَلُومَنِي عَلَى الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ الَّذِي لَا مِدْفَعَ لَهُ، فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه «فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ دَفَعَ حُجَّةَ مُوسَى الَّذِي أَلْزَمَهُ بِهَا اللَّوْمَ وَذَلِكَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَسْأَلَةِ، وَالِاعْتِرَاضِ إنَّمَا كَانَ مِنْ مُوسَى، وَلَمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qيَكُنْ مِنْ آدَمَ إنْكَارٌ لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنْ الذَّنْبِ إنَّمَا عَارَضَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ دَفْعُ اللَّوْمِ فَكَانَ أَصْوَبُ الرَّأْيَيْنِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ آدَم بِقَضِيَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَقَدْ كُنَّا تَأَوَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ مَعَالِمِ السُّنَنِ وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِمَنْ قَبْلَهُ، وَمَعْنَى كَلَامِ آدَمَ أَنَّك يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَقُدِّرَ عَلَيَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَلَوْ حَرَصْت أَنَا، وَالْخَلَائِقُ أَجْمَعُونَ عَلَى رَدِّ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْهُ لَمْ نَقْدِرْ فَلِمَ تَلُومُنِي عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ، وَإِذْ تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اللَّوْمُ، فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ، (فَإِنْ قِيلَ) فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ، وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِيَ بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَاللَّوْمِ، وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَم فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ، وَعَنْ الْحَاجَةِ إلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ؛ بَلْ فِيهِ إيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ، اهـ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى تَابَ عَلَى آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ مُبَاحَثَتَهُ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ آدَم أَنَّ السَّبَبَ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الْمُبَاحَثَةُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ سَبَبٌ مُوقِعٌ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَقَوْلُ آدَمَ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ وَذَكَرَ فَضَائِلَهُ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرَ عَلَيَّ مَا فَعَلْت، فَنَفَذَ فِي؛ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ إنَّمَا غَلَبَهُ آدَم بِالْحُجَّةِ لِأَنَّ آدَمَ أَبٌ وَمُوسَى ابْنٌ وَلَا يَجُوزُ لَوْمُ الِابْنِ أَبَاهُ وَلَا عَتْبُهُ، قَالَ وَهَذَا نَاءٍ عَنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَعَمَّا سِيقَ لَهُ، وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ تِلْكَ الْأَكْلَةَ سَبَبَ إهْبَاطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ وَسُكْنَاهُ فِي الْأَرْضِ وَنَشْرَ نَسْلِهِ فِيهَا فَيُكَلِّفُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ؛ وَيُرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمْ الْأُخْرَوِيَّ، قَالَ وَهَذَا إبْدَاءُ حِكْمَةِ تِلْكَ الْأَكْلَةِ لَا انْفِكَاكَ عَنْ إلْزَامِ تِلْكَ الْحُجَّةِ، وَالسُّؤَالُ بَاقٍ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ، وَقِيلَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 (أَشْرَاطُ السَّاعَةِ) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ» {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]   Qإنَّمَا تَوَجَّهَتْ حَجَّتُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ مَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَابَ عَلَيْهِ وَاجْتَبَاهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ اللَّوْمَ، وَالْمُعَاتَبَةَ حَتَّى صَارَتْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ [فَقَدْ] وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَعَلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ مُوسَى نِسْبَةَ جَفَاءٍ فِي حَالِ صَفَاءٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْإِشَارَاتِ (ذِكْرُ الْجَفَاءِ فِي حَالِ الصَّفَاءِ جَفَاءٌ) وَهَذَا الْوَجْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَشْبَهَ مَا ذُكِرَ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ لَا يَلْزَمُ. (التَّاسِعَةُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الْأَصْلُ الْحَتْمُ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَكُلٌّ يَجْرِي فِيمَا قُدِّرَ لَهُ وَسَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إثْبَاتِ الْقَدَرِ وَدَفْعِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُطَالِبُ خَلْقَهُ بِمَا قَضَى عَلَيْهِمْ وَقَدَّرَهُ وَلَكِنْ يُطَالِبُهُمْ بِمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَأَمَرَ؛ فَطَالِبْ نَفْسَك مِنْ حَيْثُ يُطَالِبُك رَبُّك، وَالسَّلَامُ، وَرَوَيْنَا أَنَّ النَّاسَ لِمَا خَاضُوا فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ اجْتَمَعَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَرَفِيعُ أَبُو الْعَالِيَةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ تَعَالَ نَنْظُرْ مَا خَاضَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ؛ فَقَعَدَا وَفَكَّرَا، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمَا أَنَّهُ يَكْفِي الْمُؤْمِنَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، أَوْ سَطَّرَهُ عَلَيْهِ. (الْعَاشِرَةُ) وَفِيهِ إثْبَاتُ الْمُنَاظَرَةِ، وَالْحِجَاجِ وَلَوْ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ طَلَبَ الْحَقِّ وَتَقْرِيرَهُ، وَالِازْدِيَادَ مِنْ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [أَشْرَاطُ السَّاعَةِ] [حَدِيث خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ] (أَشْرَاطُ السَّاعَةِ) (الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ) عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ. {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 / رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُؤَالِ جِبْرِيلَ وَقَالَ فِيهِ فِي خَمْسٍ إلَيَّ آخِرِهَا.   Q/. رَوَاهُ أَحْمَدُ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فَلِذَلِكَ عَزَّاهُ الْمُصَنِّفُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى اصْطِلَاحِهِ، وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إخْرَاجِ هَذَا الْمَتْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْ الْإِيمَانِ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُك عَنْ أَشْرَاطِهَا، إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتْ الْعُرَاةُ الْحُفَاةُ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبُهْمِ فِي الْبُنْيَانِ فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ تَلَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان: 34] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] » لَفْظُ مُسْلِمٍ. (الثَّانِيَةُ) أَشْرَاطُ السَّاعَةِ عَلَامَاتُهَا وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَالرَّاءِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَمِنْهُ سُمِّيَ (الشَّرَطُ) لِجَعْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا، وَقِيلَ أَشْرَاطُهَا مُقَدِّمَاتُهَا وَأَشْرَاطُ الْأَشْيَاءِ أَوَائِلُهَا وَقِيلَ الْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا، وَهُوَ الدُّونُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ صِغَارُ أُمُورِهَا قَبْلَ قِيَامِهَا وَعَلَى الْمِثْلِ الشَّرَطُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ ذِكْرُ أَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ كَالْمُقَدِّمَةِ لِذَكَرِ أَشْرَاطِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا بَحَثَ عَنْ عَلَامَاتِهَا لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ وَقْتِهَا. (الثَّالِثَةُ) لَيْسَ فِي الْآيَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا صَرَاحَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَلَكِنْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ ذَلِكَ كَمَا قَدْ عَرَفْته وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إنَّ مَعْنَاهُ النَّفْيُ إذْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ بِتَوْقِيفِ الرَّسُولِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} [الأنعام: 59] إنَّهَا هَذِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْخَمْسَةُ لَا يَعْلَمُهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ. (قُلْت) وَمُخَالِفَتُهُ لَهُ بِاعْتِبَارِ تَفْسِيرِ الرَّسُولِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ النَّفْيَ لَقَلَّتْ فَائِدَتُهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالذِّكْرِ إلَّا اخْتِصَاصِهِ بِعِلْمِهَا وَحَكَى الْقُشَيْرِيُّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مُقَاتِلٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ اسْمُهُ الْوَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ أَتَى النَّبِيَّ. فَقَالَ «إنَّ امْرَأَتِي حُبْلَى فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِدُ وَبِلَادُنَا جَدْبَةٌ فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ، وَقَدْ عَلِمْت مَتَى وُلِدْت فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوتُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَمِلْتُ الْيَوْمَ فَأَخْبِرْنِي مَاذَا أَعْمَلُ غَدًا وَأَخْبِرْنِي مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ» . {الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ {وَيُنَزِّلُ} [لقمان: 34] يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ النُّونِ وَتَشْدِيدُ الزَّايِ وَإِسْكَانُ النُّونِ وَتَخْفِيفُ الزَّايِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ، وَالْغَيْثُ الْمَطَرُ. {الْخَامِسَةُ} قَدْ يَعْلَمُ الْأَنْبِيَاءٌ كَثِيرًا مِنْ الْغَيْبِ بِتَعْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ، وَقَدْ يُطْلِعُ اللَّهُ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى بَعْضِ الْغُيُوبِ بِالْإِلْقَاءِ فِي الْخَوَاطِرِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ أَيْ مُلْهَمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأَمَةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ» وَكَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَمْلِ زَوْجَتِهِ بِنْتِ خَارِجَةَ أَظُنُّهَا أُنْثَى. وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عِلْمًا بِالْغَيْبِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ عِلْمٌ بِأَمْرٍ مَخْصُوصٍ فِي قِصَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلِلْأَوْلِيَاءِ ظَنٌّ بِفِرَاسَةٍ صَحِيحَةٍ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ فِي جُزْئِيَّةٍ أَوْ جُزْئِيَّاتٍ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَقَدْ يَحْصُلُ لِغَيْرِ الْأَوْلِيَاءِ مَعْرِفَةُ ذُكُورَةِ الْحَمْلِ وَأُنُوثَتِهِ بِطُولِ التَّجَارِبِ، وَقَدْ يُخْطِئُ الظَّنُّ وَتَنْخَرِمُ الْعَادَةُ، وَالْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إبْطَالُ قَوْلِ الْكَهَنَةِ، وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يَسْتَسْقِي بِالْأَنْوَاءِ. {السَّادِسَةُ} ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْغَيْبَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ مَكَانَ الْوَفَاةِ لَا وَقْتَهَا وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَحْسِبُ حِسَابَ النُّجُومِ فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إنْ شِئْت أَنْبَأْتُك نَجْمَ ابْنِك وَأَنَّهُ يَمُوتُ بَعْدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» .   Qعَشْرَةِ أَيَّامٍ وَأَنَّك لَا تَمُوتُ حَتَّى تَعْمَى وَأَنَا لَا يَحُولُ عَلَيَّ الْحَوْلُ حَتَّى أَمُوتَ قَالَ فَأَيْنَ مَوْتُك يَا يَهُودِيُّ قَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَدَقَ اللَّهُ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] فَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ ابْنَهُ مَحْمُومًا وَمَاتَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَمَاتَ الْيَهُودِيُّ قَبْلَ الْحَوْلِ وَمَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْمَى وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ عِلْمُ الْوَفَاةِ زَمَانًا وَمَكَانًا وَيَدُلُّ لَهُ سَبَبُ الْآيَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ مُقَاتِلٍ وَعَبَّرَ بِالْمَكَانِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا عَدَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «يُبْعَثُ» أَيْ يَخْرُجُ وَيَظْهَرُ وَلَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْبَعْثِ الَّذِي هُوَ الْإِرْسَالُ، وَفِي رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ «يَنْبَعِثُ» بِزِيَادَةِ نُونٍ، وَالِانْبِعَاثُ فِي السَّيْرِ الْإِسْرَاعُ. (الثَّالِثَةُ) الدَّجَّالُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدَّجْلِ، وَهُوَ التَّمْوِيهُ، وَالْخَلْطُ وَقَوْلُهُ «قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ» كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحِ قَرِيبًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَصَحَّ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ لِوَصْفِهَا. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ خَلْقٌ كَثِيرُونَ فِي الْأَعْصَارِ وَأَهْلَكَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَطَعَ آثَارَهُمْ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا» .   Q [حَدِيث لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثٌ إذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ» . (الثَّانِيَةُ) تَبَيَّنَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْله تَعَالَى «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا» هِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَهَذَا يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَطِيَّةَ الْمُفَسِّرُ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ التَّأْوِيلَ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا إحْدَى ثَلَاثٍ إمَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَإِمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ وَإِمَّا خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قَالَ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَرُدُّهُ وَتُخَصِّصُ الشَّمْسَ (قُلْت) وَقَدْ عَرَفْت رِوَايَةَ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qمَرْفُوعًا وَهِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهِيَ مُشْبِهَةٌ لِهَذَا الْمَحَلِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَّا أَنَّ فِيهَا بَدَلَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ؛ خُرُوجَ الدَّجَّالِ وَزَمَنُهُمَا مُتَقَارِبٌ لَكِنْ فِي كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ اسْتِقْلَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَرَتُّبُ ذَلِكَ عَلَى مَجْمُوعِهَا، وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ إشْكَالٌ فَإِنَّ نُزُولَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ زَمَنُ خَيْرٍ كَثِيرٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، وَالظَّاهِرُ قَبُولُ التَّوْبَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيُقَوِّي النَّظَرَ أَيْضًا أَنَّ الْغَرْغَرَةَ هِيَ الْآيَةُ الَّتِي تُرْفَعُ مَعَهَا التَّوْبَةُ (قُلْت) حَالَةُ الْغَرْغَرَةِ تُشَارِكُ حَالَةَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَةِ وَإِذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِتَقْدِيرِ مُشَارَكَةِ خُرُوجِ الدَّجَّالِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي إيمَانِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ بَلْ يَسْتَمِرُّ النَّاسُ عَلَى كُفْرِهِمْ وَيَتَّبِعُونَ الدَّجَّالَ وَتَشْتَدُّ غَوَايَتُهُمْ بِهِ. (الثَّالِثَةُ) بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفِيَّةَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا، وَهُوَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقَالَ «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ إنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي وَارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مُطْلِعِهَا، ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَالِك تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي اصْبَحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِك فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا، تَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا» وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا، فَقَالَ جَمَاعَةٌ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلُ إذَا غَرَبَتْ كُلَّ يَوْمٍ اسْتَقَرَّتْ تَحْتَ الْعَرْشِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ مَعْنَاهُ تَجْرِي إلَى وَقْتٍ لَهَا وَأَجَلٍ لَا تَتَعَدَّاهُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَعَلَى هَذَا مُسْتَقَرُّهَا انْتِهَاءُ سَيْرِهَا عَنْ انْقِضَاءِ الدُّنْيَا وَهَذَا اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ تَسِيرُ فِي مَنَازِلِهَا حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى مُسْتَقَرِّهَا الَّتِي لَا تُجَاوِزُهُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى أَوَّلِ مَنَازِلِهَا وَاخْتَارَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هَذَا الْقَوْلَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] أَيْ إنَّهَا جَارِيَةٌ أَبَدًا لَا تَثْبُتُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ (قُلْت) كَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ صَرِيحِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَمَا مُسْتَنَدُ الْعَادِلِينَ عَنْهُ إلَّا كَلَامُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَوْلِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ الْمَغِيبَاتِ فَكَيْفَ، وَقَدْ عَارَضَهُ كَلَامُ أَصْدَقِ الْخَلْقِ وَأَعْرَفِهِمْ بِرَبِّهِ وَبِأَحْوَالِ الْغَيْبِ، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ لَيْسَتْ حُجَّةً عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَيْفَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ فِي الْمَعْنَى لِلْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» فَكَيْفَ يَجُوزُ مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ الْبَيِّنِ الْعُدُولُ عَنْهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَارٌ مَا تَحْتَ الْعَرْشِ مِنْ حَيْثُ لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نُشَاهِدُهُ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ غَيْبٍ فَلَا نُكَذِّبُهُ وَلَا نُكَيِّفُهُ لِأَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ عِلْمَ مَا سُئِلْت عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ كُتِبَ فِيهِ مَبَادِئِ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَتِهَا، وَالْوَقْتِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ مُدَّتُهَا فَيَنْقَطِعُ دَوَرَانُ الشَّمْسِ وَيَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ فِعْلُهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَخْطُوطُ الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ أَحْوَالَ الْخَلْقِ، وَالْخَلِيقَةِ وَآجَالَهُمْ وَمَآلَ أُمُورِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ كَثُرَتْ أَقْوَالُ النَّاسِ فِي مَعْنَى مُسْتَقَرِّ الشَّمْسِ وَأَشْبَهُ مَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ انْتِهَائِهَا إلَى أَنْ تَسَامَتْ جُزْءًا مِنْ الْعَرْشِ مَعْلُومًا بِحَيْثُ تُخْضَعُ عِنْدَهُ وَتُذَلَّلُ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِسُجُودِهَا وَتَسْتَأْذِنُ فِي سَيْرِهَا الْمُعْتَادِ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مُتَوَقَّعَةً أَلَا يُؤْذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَأَنْ تُؤْمَرَ بِالرُّجُوعِ مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ وَبِأَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَعْقِلُ نُسِبَ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْقِلُ فَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا. (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْفِقْهِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ (الْخَامِسَةُ) مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا الْإِيمَانُ وَأَنَّ الْعَاصِيَ لَا يَنْفَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْبَةُ وَاكْتِسَابُ الْخَيْرِ بَلْ يُخْتَمُ عَلَى أَحَدٍ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَوْلُهُ {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] يُرِيدُ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا. (السَّادِسَةُ) سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ قِيَامِ السَّاعَةِ وَبُدُوِّ التَّغَيُّرَاتِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ فَإِذَا شُوهِدَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 الْبَعْثُ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَبَلَغَك أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالسَّمَوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] الْآيَةُ» .   Qذَلِكَ وَعُويِنَ حَصَلَ الْإِيمَانُ الضَّرُورِيُّ وَارْتَفَعَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ الَّذِي هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ. (السَّابِعَةُ) ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ اسْتِمْرَارُ هَذَا الْأَمْرِ، وَهُوَ مَنْعُ قَبُولِ الْإِيمَانِ، وَالتَّوْبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا تَرَاخَى الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْعَهْدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَتَنَاسَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ قُبِلَتْ التَّوْبَةُ، وَالْإِيمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ الْآيَةِ الَّتِي تَضْطَرُّ النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَمَا أَظُنُّ الزَّمَانَ يَتَرَاخَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى فِيهِ مُهْلَةٌ وَتَطَاوُلٌ بِحَيْثُ يَطُولُ الْعَهْدُ بِذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْبَعْثُ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ] [حَدِيث جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ] الْبَعْثُ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَبَلَغَك أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالسَّمَوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ: وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُعٍ قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67] الْآيَةُ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qطَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظٍ «إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ وَفِيهِ، وَالشَّجَرَ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ وَفِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، وَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ ضَحِكِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] » ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ» كَمَا فِي رِوَايَتِنَا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «، وَالْجِبَالَ عَلَى إصْبَعٍ» بَدَلَ الْخَلَائِقِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ «تَصْدِيقًا لَهُ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ» وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ «إنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْأَرْضِينَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74] » ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ بَعْدَ ذِكْرِ «السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ، وَالشَّجَرِ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءِ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ وَسَائِرِ الْخَلَائِقِ عَلَى إصْبَعٍ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجِبَالَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ مِثْلُهُ، ثُمَّ قَالَ «، وَالْجِبَالَ، وَالشَّجَرَ عَلَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءَ، وَالثَّرَى عَلَى إصْبَعٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إصْبَعٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَهُمَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ» . (الثَّانِيَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْأَصْلُ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، أَوْ خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِيمَا يَثْبُتُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْمُسْنَدَةِ إلَى أَصْلٍ فِي الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهَا، أَوْ بِمُوَافَقَةِ مَعَانِيهَا وَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالتَّوَقُّفُ عَنْ إطْلَاقِ الِاسْمِ بِهِ هُوَ الْوَاجِبُ وَيُتَأَوَّلُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِمَعَانِي الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مَعَ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَذِكْرُ الْأَصَابِعِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ الَّتِي شَرْطُهَا مَا وَصَفْنَاهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ فِي الصِّفَاتِ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ بِثُبُوتِهَا ثُبُوتُ الْأَصَابِعِ بَلْ هُوَ تَوْقِيفٌ شَرْعِيٌّ أَطْلَقْنَا الِاسْمَ فِيهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ قَوْلَهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ وَالْيَهُودِ مُتَّهَمُونَ فِيمَا يَدَّعُونَهُ مُنَزَّلًا فِي التَّوْرَاةِ بِأَلْفَاظٍ تَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْبِيهِ لَيْسَ الْقَوْلُ بِهَا مِنْ مَذَاهِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qقَالَ «مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ» وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى الْخَلْقِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ هَذَا الْحَبْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُنْطِقْ فِيهِ بِحَرْفٍ تَصْدِيقًا لَهُ، أَوْ تَكْذِيبًا إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الضَّحِكُ الْمُخَيِّلُ لِلرِّضَى مَرَّةً وَلِلتَّعَجُّبِ، وَالْإِنْكَارِ أُخْرَى، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ فِيهَا لِلْأُصْبُعِ ذِكْرٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ الرُّوَاةِ (تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ) ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ، وَالْقَوْلُ فِيهِ ضَعْفٌ إذْ كَانَ لَا يَمْحَضُ شَهَادَتَهُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَرُبَّمَا اُسْتُدِلَّ بِحُمْرَةِ اللَّوْنِ عَلَى الْخَجَلِ وَبِصُفْرَتِهِ عَلَى الْوَجَلِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِ الْحُمْرَةِ لِتَهَيُّجِ دَمٍ، وَالصُّفْرَةِ لِثَوَرَانِ خَلْطٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِالضَّحِكِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْجَسِيمِ غَيْرُ سَائِغٍ مَعَ تَكَافُؤِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ صَحَّ الْخَبَرُ لَكَانَ مَقُولًا عَلَى نَوْعِ مَجَازٍ وَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] أَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى طَيِّهَا وَسُهُولَةِ الْأَمْرِ فِي جَمْعِهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَمَعَ شَيْئًا فِي كَفِّهِ فَاسْتَخَفَّ حَمْلُهُ فَلَمْ يُمْسِكْهُ بِجَمِيعِ كَفِّهِ لَكِنَّهُ نَقَلَهُ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْأَمْرِ الشَّاقِّ إذَا أُضِيفَ إلَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهِ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِخِنْصَرِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الِاسْتِظْهَارُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِ وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ: الرُّمْحُ لَا أَمْلَأُ كَفِّي بِهِ ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّفُ أَنْ يَجْمَعَ كَفَّهُ فَيَشْتَمِلَ بِهَا كُلِّهَا عَلَى الرُّمْحِ لَكِنْ يَطْعَنُ بِهِ خَلْسًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ قَالَ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ» فَهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَفْظُهُ جَاءَ عَلَى وِفَاقِ الْآيَةِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَصَابِعِ وَتَقْسِيمِ الْخَلِيقَةِ عَلَى أَعْدَادِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَخْلِيطِ الْيَهُودِ وَتَحْرِيفِهِمْ وَأَنَّ ضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْهُ، وَالنَّكِيرِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ مُلَخَّصَةٍ (قُلْت) وَيَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَصَابِعِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَجَوُّزٍ وَتَقْرِيبٍ لِلْفَهْمِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَدِّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا الْمَذْهَبَانِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ لَهُ   Qالتَّأْوِيلُ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ مَعَ الْإِيمَانِ بِهَا وَاعْتِقَادِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا غَيْرُ مُرَادٍ فَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَتَأَوَّلُونَ الْأَصَابِعَ هُنَا عَلَى الِاقْتِدَارِ، وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ الْأُصْبُعَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَالِاحْتِقَارِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ بِأُصْبُعِي أَقْتُلُ زَيْدًا أَيْ لَا كُلْفَةً عَلَيَّ فِي قَتْلِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَصَابِعُ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ يَدَ الْجَارِحَةِ مُسْتَحِيلَةٌ، ثُمَّ قَالَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَّقَ الْخَبَرَ فِي قَوْلِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَيْسَ ضَحِكُهُ وَتَعَجُّبُهُ وَتِلَاوَتُهُ الْآيَةَ تَصْدِيقًا لَهُ بَلْ هُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَإِنْكَارٌ وَتَعَجُّبٌ مِنْ سُوءِ اعْتِقَادِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَ الْيَهُودِ التَّجْسِيمُ فَفَهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (تَصْدِيقًا لَهُ) إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَلَى مَا فَهِمَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى. (الثَّالِثَةُ) الثَّرَى بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مَقْصُورٌ التُّرَابُ النَّدِيُّ قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَمُرَادُهُمْ الَّذِي نَدَاوَتُهُ أَصْلِيَّةٌ لِتَسَفُّلِهِ وَكَوْنِهِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا حَكَاه فِي الصِّحَاحِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَقَى الثَّرَيَانِ أَيْ جَاءَ الْمَطَرُ فَرَسَخَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْتَقَى هُوَ وَنَدَى الْأَرْضِ، وَفِي جَعْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّرَى مُفْرَدًا عَنْ الْأَرْضِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الرَّابِعَةُ) النَّوَاجِذُ بِالنُّونِ، وَالْجِيمِ، وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ نَاجِذٍ، وَهُوَ آخَرُ الْأَضْرَاسِ وَلِلْإِنْسَانِ أَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ فِي أَقْصَى الْأَسْنَانِ بَعْدَ الْأَرْجَاءِ وَيُسَمَّى ضِرْسُ الْحُلُمِ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَمَالِ الْعَقْلِ يُقَالُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ إذَا اسْتَغْرَقَ فِيهِ. (الْخَامِسَةُ) ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ هِيَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث إنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ] الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ لَهُ هَلْ تَمَنَّيْت؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيَقُولُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 هَلْ تَمَنَّيْت، فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ فَإِنَّ لَك مَا تَمَنَّيْت وَمِثْلَهُ مَعَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَهُمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي آخَرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ «حَتَّى إذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ لَك وَمِثْلُهُ مَعَهُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ «وَعَشْرُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي آخَرِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ «فَإِنَّ لَك مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، أَوْ إنَّ لَك عَشَرَةَ   Qإنَّ لَك مَا تَمَنَّيْت وَمِثْلَهُ مَعَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «ذَلِكَ لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ وَفِيهِ فِي آخَرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ «فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ تَمَنَّهُ فَيَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَتَمَنَّى حَتَّى إنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا حَتَّى إذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ذَلِكَ لَك وَمِثْلُهُ مَعَهُ» قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ أَحَادِيثِهِ شَيْئًا حَتَّى إذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا حَفِظْت إلَّا قَوْلَهُ ذَلِكَ لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَعْلَمُ آخَرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ وَفِيهِ فَإِنَّ لَك مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، أَوْ أَنَّ لَك عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ «فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 أَمْثَالِ الدُّنْيَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ لَهُ لَك الَّذِي تَمَنَّيْت وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا» .   Qفَيَتَمَنَّى فَيُقَالُ لَهُ لَك الَّذِي تَمَنَّيْت وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «إنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ» مَعْنَاهُ أَنَّ أَقَلَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَظًّا وَأَضْيَقَهُمْ مَقْعَدًا وَأَنْزَلَهُمْ مَرْتَبَةً مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ رِوَايَةِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْهُ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً وَيُنْصَبُ لَهُ فِيهِ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ إلَى صَنْعَاءَ» . [فَائِدَة اسْتِحْبَابُ التَّمَنِّي فِي الْآخِرَةِ] 1 (الثَّالِثَةُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّمَنِّي فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ خَاصَّةٌ بِالدُّنْيَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى إنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ وَمِنْ الشَّيْءِ الْآخَرِ يُسَمِّيَ لَهُ أَجْنَاسَ مَا يَتَمَنَّى وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ. (الرَّابِعَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ أَوَّلًا بِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ تَكَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فَزَادَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَك الَّذِي تَمَنَّيْت وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا قَدْ يُقَالُ إنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْلَمَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنْ يَكُونَ الَّذِي تَمَنَّاهُ قَدْرَ الدُّنْيَا فَأُعْطِيَهُ وَأُعْطِيَ عَشَرَةُ أَمْثَالِهِ أَيْضًا، وَهُوَ عَشَرَةُ أَمْثَالِ الدُّنْيَا فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنَّ لَك مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا» فَلَمَّا عَبَّرَ عَنْهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِاَلَّذِي تَمَنَّاهُ، وَفِي الْأُخْرَى بِمِثْلِ الدُّنْيَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي تَمَنَّاهُ مِثْلُ الدُّنْيَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالضِّعْفُ بِمَعْنَى الْمِثْلِ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ فِيهَا وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ   Qوَغَيْرِهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا قَالَ «سَأَلَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ اُدْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ كَيْفَ، وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَك مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيت رَبِّ فَيَقُولُ لَك ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَبِّ رَضِيت فَيَقُولُ هَذَا لَك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَك مَا اشْتَهَتْ نَفْسُك وَلَذَّتْ عَيْنُك فَيَقُولُ رَضِيت رَبِّ قَالَ رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْت غَرَسْت كَرَامَتَهُمْ بِيَدَيَّ وَخَتَمْت عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] الْآيَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدَ مُلُوكِ الدُّنْيَا لَا يَنْتَهِي مُلْكُهُ إلَى جَمِيعِ الْأَرْضِ بَلْ يَمْلِكُ بَعْضًا مِنْهَا، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَكْثُرُ الْبَعْضُ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِلُّ فَيُعْطِي هَذَا الرَّجُلَ مِثْلَ أَحَدِ مُلُوكِ الدُّنْيَا خَمْسَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ قَدْرُ الدُّنْيَا كُلِّهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ لَك عَشَرَةُ أَمْثَالِ هَذَا قَالَ فَيَعُودُ مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إلَى مُوَافَقَةِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ] الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ فِيهَا وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ وَمَجَامِرُهُمْ مِنْ أَلُوَّةٍ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 وَالْفِضَّةُ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنْ أَلُوَّةٍ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ وَاحِدٍ وَيُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً» ..   Qوَعَشِيَّةً» فِيهِ " فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَيْلَةَ الْبَدْرِ «، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً» وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ «وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ» إلَى آخِرِهِ، وَفِي آخِرِهِ «وَأَزْوَاجُهُمْ الْحَوَرُ الْعِينُ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ» وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «وَاَلَّذِينَ عَلَى أَسْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضَاءَةً» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «وَاَلَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ» الْحَدِيثَ وَذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ «عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ» أَيْ بِضَمِّ الْخَاءِ، وَاللَّامِ وَعَنْ شَيْخِهِ أَبِي كُرَيْبٌ «عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ» أَيْ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ. (الثَّانِيَةُ) الزُّمْرَةُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «لَيَدْخُلُنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا الْجَنَّةَ، أَوْ سَبْعمِائَةِ أَلْفٍ لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» فَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَدَ هَذِهِ الزُّمْرَةِ. (الثَّالِثَةُ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَيْهَا جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر: 73] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q/ وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْفَضْلِ وَتَفَاوُتِ الدَّرَجَاتِ فَمَنْ كَانَ أَفْضَلُ كَانَ إلَى الْجَنَّةِ أَسْبِقُ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «آتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِك أُمِرْت أَنْ لَا أُفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَك» . [فَائِدَة مَعْنَى كونهم عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ وصفة أَهْل الْجَنَّة] 1 (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ أَيْ عَلَى صِفَتِهِ أَيْ إنَّهُمْ فِي إشْرَاقِ وُجُوهِهِمْ عَلَى صِفَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ وَهِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْقَمَرُ بَدْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يَقْتَضِي مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا «لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرَهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ» . (الْخَامِسَةُ) اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذِكْرِ صِفَةِ الزُّمْرَةِ الْأُولَى وَبَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الثَّانِيَةَ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً، وَفِي الدُّرِّيِّ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قُرِئَ بِهِنَّ فِي السَّبْعِ (الْأَكْثَرُونَ) دُرِّيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَالْيَاءِ بِلَا هَمْزٍ (وَالثَّانِيَةُ) بِضَمِّ الدَّالِ مَهْمُوزٌ مَمْدُودٍ (وَالثَّالِثَةُ) بِكَسْرِ الدَّالِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، وَهُوَ الْكَوْكَبُ الْعَظِيمُ قِيلَ سُمِّيَ دُرِّيًّا لِبَيَاضِهِ كَالدُّرِّ وَقِيلَ لِإِضَاءَتِهِ وَقِيلَ لِشَبَهِهِ بِالدُّرِّ فِي كَوْنِهِ أَرْفَعَ مِنْ بَاقِي النُّجُومِ كَالدُّرِّ أَرْفَعُ الْجَوَاهِرِ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ [أَيْ] إنَّ دَرَجَاتِهِمْ فِي إشْرَاقِ اللَّوْنِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ عُلُوِّ دَرَجَاتِهِمْ وَتَفَاوُتِ فَضْلِهِمْ. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا» هِيَ صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُطْلَقًا وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالزُّمْرَةِ الْأُولَى، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَيَّنَ فِيهَا صِفَةَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَأَشَارَ إلَى بَقِيَّةِ الْمَنَازِلِ. [فَائِدَة قَوْلُهُ آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ] 1 (السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «آنِيَتُهُمْ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ النَّوْعَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لِبَعْضِهِمْ الذَّهَبَ وَلِبَعْضِهِمْ الْفِضَّةَ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا» . (الثَّامِنَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ يُقَالُ أَيُّ حَاجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لِلْأَمْشَاطِ لَا تَتَلَبَّدُ شُعُورُهُمْ وَلَا تَنْسَحُّ وَأَيُّ حَاجَةٍ لِلْبَخُورِ وَرِيحُهُمْ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَكِسْوَتُهُمْ لَيْسَ عَنْ دَفْعِ أَلَمٍ اعْتَرَاهُمْ فَلَيْسَ أَكْلُهُمْ عَنْ جُوعِ وَلَا شُرْبُهُمْ عَنْ ظَمَأٍ وَلَا تَطْيِيبُهُمْ عَنْ نَتِنٍ وَإِنَّمَا هِيَ لَذَّاتٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَنِعَمٌ مُتَتَابِعَةٌ، وَحِكْمَةُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَعَّمَهُمْ فِي الْجَنَّةِ تَنَوُّعِ مَا كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَزَادَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ انْتَهَى. (التَّاسِعَةُ) «الْمَجَامِرُ» بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْجِيمِ يَكُونُ جَمْعَ مُجْمَرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ النَّارُ لِلْبَخُورِ وَيَكُونُ جَمْعَ مُجْمَرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالْبَاقِي كَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ وَأُعِدَّ لَهُ الْجَمْرُ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (، وَالْأَلُوَّةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِهَا هُوَ الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ، وَهُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ وَهَمْزَتُهُ أَصْلِيَّةٌ وَقِيلَ زَائِدَةٌ أَيْ إنَّ بَخُورَهُمْ الْعُودُ، وَهُوَ الْأَلَنْجُوجُ الْمَذْكُورُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَاللَّامِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا يَلَنْجُوجُ بِالْيَاءِ أَوَّلُهُ بَدَلُ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا النَّجَجُ بِحَذْفِ الْوَاوِ الَّتِي بَيْنَ الْجِيمَيْنِ، وَالْأَلْفُ، وَالنُّونُ فِيهِ زَائِدَتَانِ كَأَنَّهُ يَلِجُ فِي تَضَوُّعِ رَائِحَتِهِ وَانْتِشَارِهَا (فَإِنْ قُلْت) إنَّمَا تَفُوحُ رَائِحَةُ الْعُودِ بِوَضْعِهِ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ ... مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ نَشْرِ الْعُودِ وَالْجَنَّةُ لَا نَارَ فِيهَا (قُلْت) قَدْ يَشْتَعِلُ بِغَيْرِ نَارٍ، وَقَدْ تَفُوحُ رَائِحَتُهُ بِلَا اشْتِعَالٍ وَلَيْسَتْ أُمُورُ الْآخِرَةِ عَلَى قِيَاسِ أُمُورِ الدُّنْيَا وَهَذَا الطَّيْرُ يَشْتَهِيهِ الْإِنْسَانُ فَيَنْزِلُ مَشْوِيًّا بِلَا شَيِّ نَارٍ وَلَا غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْعَاشِرَةُ) قَوْلُهُ «وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ» بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ إنَّ الْعَرَقَ الَّذِي يَتَرَشَّحُ مِنْهُمْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّغَوُّطِ، وَالْبَوْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَإِنَّمَا هُوَ عَرَقٌ يَجْرِي مِنْ أَعْرَاضِهِمْ مِثْلُ الْمِسْكِ» يَعْنِي مِنْ أَبْدَانِهِمْ وَلَمَّا كَانَتْ أَغْذِيَةُ الْجَنَّةِ فِي غَايَةِ اللَّطَافَةِ، وَالِاعْتِدَالِ لَا عَجْمَ لَهَا وَلَا تَفْلَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فَضْلَةٌ تُسْتَقْذَرُ، بَلْ تُسْتَطَابُ وَتُسْتَلَذُّ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمِسْكِ الَّذِي هُوَ أَطْيَبُ طِيبِ أَهْلِ الدُّنْيَا. [فَائِدَة قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ] (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ» هَكَذَا هُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِالتَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَالْأَكْثَرُ حَذْفُهَا وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ. (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qعَلَى أَنَّ النِّسَاءَ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّجَالِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ (أَمَا تَفَاخَرُوا أَمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ أَكْثَرُ فِي الْجَنَّةِ أَمْ النِّسَاءِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يَرَى مُخَّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " اخْتَصَمَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ فَسَأَلُوا أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ فَإِذَا خَلَّتْ الْجَنَّةُ عَنْ الْعُزَّابِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ زَوْجَتَانِ كَانَ النِّسَاءُ مِثْلَيْ الرِّجَالِ " وَيُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «اطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ لِكَثْرَتِهِنَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَخْرُجُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا أَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ وَلَدِ آدَمَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْآدَمِيَّاتِ وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَ أَنَّ لِلْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْحَوَرِ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ قُلْت) . وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ عِنْدِ الزَّبِيدِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً» . (فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذِكْرِ زَوْجَتَيْنِ (قُلْت) الزَّوْجَتَانِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ نَوْعَ النِّسَاءِ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْحُورِ، وَالْآدَمِيَّاتِ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعِ الرِّجَالِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَرِجَالُ بَنِي آدَمَ أَكْثَرُ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَعَنْ هَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقَلُّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ وَأَكْثَرُ سَاكِنِي جَهَنَّمَ النِّسَاءُ» يَعْنِي نِسَاءُ بَنِي آدَمَ هُنَّ أَقَلُّ فِي الْجَنَّةِ وَأَكْثَرُ فِي النَّارِ (قُلْت) وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَيْنِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا فَيُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ «أَقَلُّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ» وَلَعَلَّ رَاوِيَهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فِي فَهْمِهِ فَأَخْطَأَ، فَهِمَ مِنْ كَوْنِهِنَّ أَكْثَرَ سَاكِنِي جَهَنَّمَ أَنَّهُنَّ أَقَلُّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَأَنَّهُنَّ أَكْثَرُ سَاكِنِي الْجِهَتَيْنِ مَعًا لِكَثْرَتِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) قَدْ تَبَيَّنَّ بِبَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الزَّوْجَتَيْنِ أَقَلُّ مَا يَكُونُ لِسَاكِنِ الْجَنَّةِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْحَوَرِ الْعِينِ سَبْعُونَ زَوْجَةً. وَأَمَّا أَكْثَرُ ذَلِكَ فَلَا حَصْرَ لَهُ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Q «إنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَفِي رِوَايَةٍ «فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ لَا يَرَاهُمْ الْآخَرُونَ» . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ثُوَيْرٍ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً» . (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «يَرَى مُخَّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ» يَعْنِي مِنْ شِدَّةِ صَفَاءِ لَحْمِ السَّاقَيْنِ كَمَا يُرَى السِّلْكُ فِي جَوْفِ الدُّرَّةِ الصَّافِيَةِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يَرَى مُخَّهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 58] » فَأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْت فِيهِ سِلْكًا، ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لَرَأَيْته مِنْ وَرَائِهِ. وَفِي هَذَا زِيَادَةٌ وَهِيَ صَفَاءُ الْحُلَلِ وَرِقَّتُهَا بِحَيْثُ يُرَى الْمُخُّ مِنْ وَرَائِهَا أَيْضًا وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهَا. (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ وَاحِدٍ» بِالْإِضَافَةِ وَتَرْكِ التَّنْوِينِ أَيْ عَلَى قَلْبِ شَخْصٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنَّهَا مُطَهَّرَةٌ عَنْ مَذْمُومِ الْأَخْلَاقِ مُكَمَّلَةً لِمَحَاسِنِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَائِدَة قَوْلُهُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً] 1 (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً أَيْ بِقَدْرِهِمَا فَأَوْقَاتُ الْجَنَّةِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَالسَّاعَاتِ تَقْدِيرِيَّاتٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِيءُ مِنْ اخْتِلَافِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا التَّسْبِيحُ لَيْسَ عَنْ تَكْلِيفٍ وَإِلْزَامٍ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ تَكْلِيفٍ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ جَزَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ تَيْسِيرٍ وَإِلْهَامٍ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ، وَالتَّحْمِيدَ، وَالتَّكْبِيرَ كَمَا يُلْهِمُونَ النَّفَسَ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ تَنَفُّسَ الْإِنْسَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي فِعْلِهِ وَآحَادُ التَّنَفُّسَاتِ مُكْتَسَبَةٌ لِلْإِنْسَانِ وَجُمْلَتُهَا ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّهِ إذْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ قَلِيلِ الْأَنْفَاسِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ جَمِيعِهَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ قَدْ تَنَوَّرَتْ بِمَعْرِفَتِهِ، وَأَبْصَارَهُمْ، قَدْ تَمَتَّعَتْ بِرُؤْيَتِهِ، وَقَدْ غَمَرَتْهُمْ سَوَابِغُ نِعْمَتِهِ، وَامْتَلَأَتْ أَفْئِدَتُهُمْ بِمَحَبَّتِهِ، فَأَلْسِنَتُهُمْ مُلَازَمَةٌ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.   Qذِكْرَهُ، وَرَهِينَةَ شُكْرِهِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، انْتَهَى. [حَدِيث لَقِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ] (الْحَدِيثُ الرَّابِعُ) وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، أَوْ تَغْرُبُ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِلَفْظِ «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ قَيْدِهِ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . (الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «لَقِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ» هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَدْرُ يُقَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحٍ وَقَادُ رُمْحٍ أَيْ قَدْرُ رُمْحٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ» يُقَالُ بَيْنَهُمَا قَابُ قَوْسَيْنِ وَقِيبُ قَوْسَيْنِ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَدْرُ قَوْسَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ قَدْرَ رَمْيَتِهِمَا (قُلْت) هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «لَقِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (مَوْضِعُ قِدِّهِ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِدِّ هُنَا السَّوْطِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ سَيْرٌ يُقَدُّ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَسُمِّيَ السَّوْطُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَدُّ أَيْ يُقْطَعُ طُولًا، وَالْقَدُّ الشَّقُّ بِالطُّولِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ، وَالْقِدَّةُ أَخَصُّ مِنْهُ وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِدِّ هُنَا الشِّرَاكُ. (الثَّالِثَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي لَفْظِهِ تَقْدِيرٌ أَيْ لَقَدْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسَعُ سَوْطَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ ذَلِكَ وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فَفِيهِ تَعْظِيمُ شَأْنِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي الْعَادَةِ خَيْرٌ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا. (الرَّابِعَةُ) الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» .   Qقَوْلُهُ فِي رِوَايَتِنَا «خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ» وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، أَوْ تَغْرُبُ» وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَيُرَادُ بِهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ كُلَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّنْيَا وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَنَّ لِلْمُتَكَلِّمِينَ قَوْلَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الدُّنْيَا: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْهَوَاءِ، وَالْجَوِّ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْجَوَاهِرِ، وَالْأَعْرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ] الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ادَّخَرَ فِي الْجَنَّةِ مِنْ النَّعِيمِ، وَالْخَيْرَاتِ، وَاللَّذَّاتِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدُ مِنْ الْخَلْقِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَذَكَرَ الرُّؤْيَةَ، وَالسَّمْعَ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِمَا أَكْثَرُ الْمَحْسُوسَاتِ، وَالْإِدْرَاكُ بِالذَّوْقِ، وَالشَّمِّ، وَاللَّمْسِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ طَرِيقًا إلَّا تَوَهَّمَهَا بِفِكْرٍ وَخُطُورٍ عَلَى قَلْبٍ فَقَدْ جَلَّتْ وَعَظُمَتْ عَنْ أَنْ يُدْرِكَهَا فِكْرٌ وَخَاطِرٌ، وَلَا غَايَةَ فَوْقَ هَذَا فِي إخْفَائِهَا، وَالْإِخْبَارِ عَنْ عِظَمِ شَأْنِهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ دُونَ التَّفْصِيلِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ النَّاسِ لِتَعْيِينِهِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ يَنْفِيهِ الْخَبَرُ نَفْسُهُ إذْ قَدْ نَفَى عِلْمَهُ، وَالشُّعُورَ بِهِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ قَالَ وَيَشْهَدُ لَهُ وَيُحَقِّقُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qالصَّحِيحَيْنِ بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ أَيْ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُعَدَّ الْمَذْكُورَ غَيْرُ الَّذِي أَطْلَعَ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ الْخَلْقِ وَبَلْهَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ بِمَعْنَى دَعْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهَا وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى غَيْرُ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَعْنَى. قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَاهُ دَعْ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي لَمْ يُطْلِعْكُمْ عَلَيْهِ أَعْظَمُ فَكَأَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْهُ اسْتِقْلَالًا فِي جَنْبِ مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَى بَلَّهُ كَيْفَ. (الثَّالِثَةُ) إنْ (قُلْت) رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إلَيْهَا فَقَالَ اُنْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا فَنَظَرَ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِك لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إلَّا دَخَلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إلَيْهَا فَانْظُرْ إلَى مَا أَعْدَدْت لِأَهْلِهَا فِيهَا فَرَجَعَ إلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِك لَقَدْ خِفْت أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ» . فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَطْلَعَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا أَعَدَّ لِعِبَادِهِ فِيهَا فَقَدْ رَأَتْهُ عَيْنٌ (قُلْت) الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ: (أَحَدِهَا) أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ فِيهَا بَعْدَ رُؤْيَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمُورًا كَثِيرَةً لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ وَلَا غَيْرُهُ فَتِلْكَ الْأُمُورُ هِيَ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. (ثَانِيهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْيُنِ، وَالْآذَانِ أَعْيُنُ الْبَشَرِ وَآذَانُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ «وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» فَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَلَا مَانِعَ مِنْ اطِّلَاعِ بَعْضِهِمْ عَلَى ذَلِكَ. (ثَالِثُهَا) أَنَّ ذَلِكَ يَتَجَدَّدُ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي أَثْنَائِهِ «وَيَقُولُ رَبُّنَا قُومُوا إلَى مَا أَعْدَدْت لَكُمْ مِنْ الْكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَنَأْتِي سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مَا لَمْ تَنْظُرْ الْعُيُونُ إلَى مِثْلِهِ، وَلَمْ تَسْمَعْ الْأَذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ فَنَحْمِلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا» الْحَدِيثَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ «أَعْدَدْت» لِأَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 274 وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَارُكُمْ هَذِهِ مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ قَالُوا وَاَللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، فَقَالَ إنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» .   Q [حَدِيث نَارُكُمْ هَذِهِ مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ] الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَارُكُمْ هَذِهِ مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا وَاَللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا» ، وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً فَقَالَ إنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ جُمِعَ كُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ مِنْ النَّارِ الَّتِي يُوقِدُهَا بَنُو آدَمَ لَكَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ جَهَنَّمَ الْمَذْكُورَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ جُمِعَ حَطَبُ الدُّنْيَا فَأُوقِدَ كُلُّهُ حَتَّى صَارَ نَارًا لَكَانَ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ مِنْ أَجْزَاءِ نَارِ جَهَنَّمَ الَّذِي هُوَ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا أَشَدُّ مِنْ حَرِّ نَارِ الدُّنْيَا كَمَا نُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثُ وَقَوْلُهُمْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَم مِمَّا   Q «وَاَللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً» إنْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَيْن وَهَذِهِ اللَّامُ هِيَ الْمُفَرِّقَةُ بَيْنَ إنْ النَّافِيَةِ، وَالْمُخَفَّفَةِ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِمَعْنَى مَا، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَّا، تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَتْ إلَّا كَافِيَةً وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهَا كَانَتْ كَافِيَةً فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِأَنَّهَا كَمَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا فِي الْمِقْدَارِ، وَالْعَدَدِ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ ضِعْفًا» انْتَهَى. (قُلْت) كَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الْمُفْهِمِ عَلَيْهَا خَطَّ الْمُصَنِّفُ وَتِسْعِينَ وَصَوَابُهُ وَسِتِّينَ فَهُوَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَلَعَلَّ التِّسْعِينَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ نَاسِخٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَدْرِ، وَالْعَدَدِ وَثَانِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرِّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا وَثَانِيًا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرِّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ وَلَا يَضُرُّ تَأْكِيدُ الْكَلَامِ وَتَكْرِيرُهُ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا ذَكَرَ تَفْضِيلَ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ بِهَذِهِ الْأَجْزَاءِ وَقَالَ الصَّحَابَةُ إنَّ حَرَّ نَارِ الدُّنْيَا كَانَ كَافِيًا فِي الْعُقُوبَةِ، وَالِانْتِقَامِ أَكَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَخْبَرَ بِهِ أَوَّلًا بَعْدَ سُؤَالِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ إنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِهَذَا الْقَدْرِ فِي الْحَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّالِثَةُ) الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ هَذِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْقَرِيبِ لِحُضُورِهَا وَمُشَاهَدَتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّقْلِيلِ، وَالِاحْتِقَارِ وَقَوْلُهُ «مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ» ) تَابِعٌ لِمَا تَقَدَّمَ بَدَلًا، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. (الرَّابِعَةُ) فِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ تَرْجِيحُ جَانِبِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّ النَّارَ الَّتِي هِيَ النِّقْمَةُ الْمُعَدَّةُ لِأَهْلِ الْمُخَالِفَةِ مُقَدَّرَةٌ قَدْ عَرَفَ نِسْبَةَ زِيَادَتِهَا عَلَى نَارِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ النِّعْمَةُ الْمُعَدَّةُ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ لَا تَقْدِيرَ لَهَا وَلَا نِسْبَةَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَنْحَصِرْ فِي قَدْرٍ مَخْصُوصٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [حَدِيث خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ] الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَم مِمَّا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 276 وُصِفَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ قَوْمًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ «قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» وَزَادَ الْبُخَارِيُّ «كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ قُلْت وَمَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ   Qوُصِفَ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ. (الثَّانِيَةُ) النُّورُ جِسْمٌ لَطِيفٌ مَشْرِقٌ وَفَسَّرَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ بِالضِّيَاءِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الضِّيَاءَ أَبْلَغُ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] حَيْثُ شَبَّهَ هُدَاهُ بِالنُّورِ، وَلَمْ يُشْبِهْهُ بِالضِّيَاءِ فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَوْ شُبِّهَ بِالضِّيَاءِ لَزِمَ أَنْ لَا يَضِلَّ أَحَدٌ بِخِلَافِ النُّورِ كَضَوْءِ الْقَمَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَهُ الضَّلَالُ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُ وَيُطْلَقُ النُّورُ أَيْضًا عَلَى جَمِيعِ النَّارِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَلَمْ يَنْحَصِرْ النُّورُ فِي ضَوْءِ النَّارِ فَالْمَلَائِكَةُ خُلِقُوا مِنْ ضَوْءٍ لَا مِنْ نَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِنَوْعِ ذَلِكَ الضَّوْءِ وَلَوْ كَانَ مِنْ ضَوْءِ نَارٍ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ فَالْمَخْلُوقُ مِنْ ضَوْءِ النَّارِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ النَّارِ. (الثَّالِثَةُ) الْجَانُّ الْجِنُّ «وَمَارِجُ النَّارِ» بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ لَهَبُهَا الْمُخْتَلِطُ بِسَوَادِهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ، وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ نَارٌ لَا دُخَانَ لَهَا وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ اللَّهَبُ الْمُخْتَلِطُ وَقِيلَ نَارٌ دُونَ الْحِجَابِ مِنْهَا هَذِهِ الصَّوَاعِقُ وَحُكِيَ فِي الْإِكْمَالِ هَذَا الثَّانِي عَنْ الْفَرَّاءِ. (الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ «وَخُلِقَ آدَم مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» أَيْ مِنْ طِينٍ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ عَدِيدَةٍ. [حَدِيث يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ قَوْمًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ] الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ قَوْمًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ» ، وَفِي لَفْظٍ «قَوْمٌ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» (فِيهِ) فَوَائِدُ: (الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ قَوْمًا مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ قُلْت وَمَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ الضَّغَابِيثُ» كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 الضَّغَابِيسُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ»   Qجَابِرٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ «أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ «يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِيهِ، «ثُمَّ تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ وَيَشْفَعُونَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ وَتَجْعَلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمْ الْمَاءَ حَتَّى يَنْبُتُوا نَبَاتَ الْحَبِّ فِي السَّيْلِ وَيَذْهَبُ بِحُرَاقِهِ، ثُمَّ يَسِيلُ حَتَّى تُجْعَلَ لَهُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا مَعَهَا» . (الثَّانِيَةُ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ يَدْخُلُ فِيهَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي إخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنْ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ الَّذِي اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِالْبُلُوغِ، وَالتَّائِبِ تَوْبَةً صَحِيحَةً مِنْ الشِّرْكِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي إذَا لَمْ يُحْدِثْ مَعْصِيَةً بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَالْمُوَفَّقُ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَصْلًا لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا خَاصَّةً، وَالْوُرُودُ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ. وَأَمَّا مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ وَأَلْحَقَهُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدُهُ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا عَمِلَ. (الثَّالِثَةُ) قَدْ تَبَيَّنَ بِالطَّرِيقِ الْأُخْرَى أَنَّ إخْرَاجَ هَؤُلَاءِ بِالشَّفَاعَةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَمَنَعَ مِنْهَا الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْفَاسِدِ فِي تَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ، وَالشَّفَاعَاتُ الْأُخْرَوِيَّةُ خَمْسٌ لَا يُنْكِرُ هَؤُلَاءِ مِنْهَا قِسْمَيْنِ وَهُمَا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِلْإِرَاحَةِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 قَالَ مُؤَلِّفُهُ: وَقَدْ انْتَهَى الْغَرَضُ بِنَا فِيمَا جَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ الْمَنِيعِ، وَالْمِثَالِ الْبَدِيعِ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ لِلْخَاصِّ، وَالْعَامِّ عَلَى مَمَرِّ الشُّهُورِ، وَالْأَعْوَامِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَهَدْءٍ، إنَّهُ بِالْإِجَابَةِ كَفِيلٌ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. .   Qوَتَعْجِيلِ الْحِسَابِ، وَالشَّفَاعَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا. وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ هَذِهِ وَهِيَ إخْرَاجُ قَوْمٍ مِنْ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهَا، وَالشَّفَاعَةُ فِي إدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، وَفِي قَوْمٍ حُوسِبُوا وَاسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيُشْفَعُ فِي عَدَمِ دُخُولِهِمْ إيَّاهَا. (الرَّابِعَةُ) الثَّعَارِيرُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ رَاءَانِ مُهْمَلَتَانِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ قَدْ عَرَفْت تَفْسِيرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالضَّغَابِيسِ وَهِيَ بِالضَّادِ، وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتٍ، ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هِيَ قِثَّاءٌ صِغَارٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ شِبْهُ قِثَّاءٍ صَغِيرٍ يُؤْكَلُ يَعْنِي الضَّغَابِيسُ وَهِيَ الشَّعَارِيرُ أَيْضًا بِالشِّينِ أَيْ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الثَّعَارِيرُ وَاحِدُهَا ثُعْرُورٌ بِضَمِّ الثَّاءِ وَهِيَ رُءُوسُ الضَّرَاثِيتِ تَكُونُ بَيْضَاءَ شُبِّهُوا بِهَا وَقِيلَ هِيَ شَيْءٌ يَخْرُجُ فِي أُصُولِ السَّمَرِ، قَالَ وَالضَّغَانِيثُ شِبْهُ الْعَرَاجِينِ تَنْبُتُ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ قَالَ، وَالثَّعَارِيرُ الطَّرَاثِيتُ وَالطُّرْثُوثُ بِضَمِّ الثَّاءِ نَبَاتٌ كَالْقُطْنِ مُسْتَطِيلٌ وَقِيلَ الثَّعَارِيرُ شِبْهُ الْعَسَالِيجِ يَنْبُتُ فِي الثُّمَامِ، وَفِي الْجَمْهَرَةِ الطُّرْثُوثُ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الرَّمَلِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ الضَّغَابِيثُ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ يُشْبِهُ الْهِلْيُونَ يُسْلَقُ بِالْخَلِّ، وَالزَّيْتِ وَيُؤْكَلُ وَقِيلَ هُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ [يَخْرُجُ قَدْرَ شِبْرٍ أَرَقُّ مِنْ الْأَصَابِعِ رُخْصٌ لَا وَرَقَ لَهُ أَخْضَرُ فِي غُبْرَةٍ] يَنْبُتُ فِي أَجْنَابِ الشَّجَرِ وَفِي الْإِذْخِرِ [فِيهِ حُمُوضَةٌ يُؤْكَلُ نِيئًا فَإِذَا اُكْتُهِلَ فَهِيَ الثَّعَارِيرُ] وَقِيلَ هُوَ الْأَقِطُ مَا دَامَ رَطْبًا وَوَجَدْت عَنْ الْقَابِسِيِّ [أَنَّهُ] صَدَفَ الْجَوْهَرَ، وَقَدْ يُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤُ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الثَّعَارِيرُ وَكَأَنَّهُمْ الضَّغَابِيسُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ اهـ. وَفِيهِ مَا يُفَرِّقُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الضَّغَابِيسَ صِغَارُ الْقِثَّاءِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   Qابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: شُبِّهُوا بِالْقِثَّاءِ الصَّغِيرِ لِأَنَّ الْقِثَّاءَ يُنَمَّى سَرِيعًا وَقِيلَ هِيَ رُءُوسُ الطَّرَاثِيثِ تَكُونُ بَيْضَاءَ شُبِّهُوا بِبَيَاضِهَا وَاحِدُهَا طُرْثُوثٌ، وَهُوَ نَبْتٌ يُؤْكَلُ (قُلْت) وَيَظْهَرُ عِنْدِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُمْ شُبِّهُوا بِهَا فِي صِغَرِهَا وَحَقَارَةِ قَدْرِهَا فَإِذَا أُنْشِئُوا خَلْقًا لِلْجَنَّةِ صَارَتْ لَهُمْ بَهْجَةٌ وَنَضَارَةٌ، وَقَدْرٌ لَا يُعَبَّرُ عَنْ قَدْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ «فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ» وَالسَّمَاسِمُ بِالسِّينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ. وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ جَمْعُ سِمْسِمٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الشَّيْرَجُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَعِيدَانُهُ تَرَاهَا إذَا قُلِعَتْ وَتُرِكَتْ لِيُؤْخَذَ حَبُّهَا دِقَاقًا سَوْدَاءَ كَأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ، ثُمَّ قَالَ وَمَا أَشْبَهَ أَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ مُحَرَّفَةً وَرُبَّمَا كَانَتْ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّاسَمِ أَيْ وَهُوَ بِحَذْفِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا حَبٌّ أَسْوَدُ كَالْأَبَنُوسِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَا نَعْرِفُ مَعْنَى السَّمَاسِمِ هُنَا وَلَعَلَّ صَوَابَهُ السَّاسَمُ، وَهُوَ أَشْبَهُ، وَهُوَ عُودٌ أَسْوَدُ وَقِيلَ هُوَ الْأَبَنُوسُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ السَّمَاسِمُ كُلُّ نَبْتٍ ضَعِيفٍ كَالسِّمْسِمِ، وَالْكُزْبَرَةِ وَقَالَ آخَرُونَ لَعَلَّهُ السَّآسِمُ مَهْمُوزٌ، وَهُوَ الْأَبَنُوسُ شَبَّهَهُمْ بِهِ فِي سَوَادِهِ انْتَهَى. (السَّادِسَةُ) قَوْلُهُ «يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إلَّا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ» هُوَ جَمْعُ دَارَةٍ وَهِيَ مَا يُحِيطُ بِالْوَجْهِ مِنْ جَوَانِبِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ دَارَةَ الْوَجْهِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ السُّجُودِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحِ «حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ السَّبْعَةِ الْمَأْمُورِ بِالسُّجُودِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْجَبْهَةُ، وَالْيَدَانِ، وَالرُّكْبَتَانِ، وَالْقَدَمَانِ، وَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ الْمُرَادُ بِأَثَرِ السُّجُودِ الْجَبْهَةُ خَاصَّةً. وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَخْصُوصُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ بِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُمْ مِنْ النَّارِ إلَّا دَارَاتُ الْوُجُوهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَتَسْلَمُ جَمِيعُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ مِنْهُمْ عَمَلًا بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ إلَّا مَا خُصَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قُلْت) وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَبْهَةِ خَاصَّةً فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ دَارَاتِ الْوُجُوهِ أَوْسَعُ مِنْ الْجَبْهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280