الكتاب: أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين المؤلف: د. حصة بنت عبد الكريم الزيد الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين حصة بنت عبد الكريم الكتاب: أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين المؤلف: د. حصة بنت عبد الكريم الزيد الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين تأليف: د. حصة بنت عبد الكريم الزيد ال مقدمة : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: وبعد. فإن الله سبحانه وتعالى جعل محمداً شاهداً على الناس أجمعين، وجعل سلوكه أعظم سلوك، وتصرفاته أهدى تصرف، فكانت بذلك مثلاً يحتذى، وميزاناً صادقاً للبشرية في أعمالها وتصرفاتها، وقد كان هذا الهدي واضحاً لدى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكانوا يترسمونه، ويسيرون على هداه، ويتحرونه في كل أمورهم صغيرها وكبيرها. ولما خبا ضوء السيرة النبوية في حياة الناس، وبخاصة من لهم رأي وتوجيه، وتعليم وتربية، تبع ذلك خلل في سلوك الناشئة التي تتلقى عنهم، فتلفت المربون، وبادر الموجهون إلى البحث عن مواطن الخلل في هذه السلوكيات، أهذا الخلل في المادة العلمية، أم في طريقتها؟ أهو في المعلم، أم في المتلقِّي؟ وفي ميدان البحث يتذكر الراشدون أنه لن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وخير زاد، وأعظم هدي، يستضاء به ويسترشد بخطواته عملياً، هو الهدي المحمدي، في سيرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أعظم معلم، وأهدى مُرَبًّ. وفي هذا البحث الذي اخترته بعد تفكير وتأمل حرصت فيه على إبراز أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين من خلال التركيز على المسائل التالية: المسألة الأولى: اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم. المسألة الثانية: موضوعات التعليم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. المسألة الثالثة: أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 المسألة الرابعة: وسائل الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم. الخاتمة: نتائج دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالتعليم، وكيف يمكن توظيف نتائج الدراسة فيما يحقق خدمة المعلمين في العصر الحاضر، ويساعد على تطوير أدائهم التعليمي استناداً إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وأسأله جل شأنه أن يتقبله، ويجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 المسألة الأولى: اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعليم مدخل ... المسألة الأولى: اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعليم. لم يُعرف دين رفع قَدْرَ العلم، واحترم العلماء واهتم بطلب العلم، مثل الدين الإسلامي قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11] . ولقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلم وبَيَّن أنه طريق الجنة، كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة" (1) . ولم يرغَّب صلى الله عليه وسلم أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها على عباده إلا على نعمتين إحداهما: طلب العلم والعمل به، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" (2) (3) . ومن المؤكد أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على التعليم لم يرد على سبيل الإشارة العابرة هنا وهناك بدون امتداد وإثراء للفكرة ذاتها. فالقدر الكبير من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحض على طلب العلم والاستمرار فيه تؤكد   (1) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن رقمه (2699) جـ4 ص (2699) . (2) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة رقمه (73) جـ1 ص30، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه رقمه (816) جـ1 ص558 واللفظ له. (3) انظر كتاب العلم ص18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 أن الاهتمام بالتعليم كان فكرة أصيلة ضمن إطار فكري عام (1) . ولهذا فالإنسان المسلم في حاجة ماسة إلى العلم الذي ينمي الإيمان، ويغرس الفضائل، ويفقهه في دينه، فيحصل على الخيرية التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (2) ، فيعبد ربه على بصيرة، فإذا تعلم وتفقه في أمور دينه ودنياه، وعلَّمه غيره ورغبهم في العلم، وبيَّن لهم أن مجالسه تحفها الملائكة، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكرها الله في الملأ الأعلى (3) مقتدياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رغَّب في العلم، وحرص على تعليم المسلمين أمور دينهم سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً. وكان صلى الله عليه وسلم أرفق الناس بالمتعلمين، وأبعدهم عن التشديد والتعسير والفظاظة والغلظة، وهذا ما نوَّه به القرآن الكريم عند الإشارة إلى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] (4) . وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عَلَّمه الله تعالى قولاً وفعلاً وأمر أصحابه   (1) رسالة الخليج العربي، العدد (47) نظرية التربية المستمرة وتطبيقاتها في التربية الإسلامية، نور الدين محمد عبد الجواد، ص30. (2) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً رقمه (71) جـ1 ص30، انظر صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة رقمه (1037) ، جـ2، ص 718. (3) انظر: كتاب الرسول والعلم ص10. (4) انظر: المرجع السابق 119. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 رضي الله عنهم بذلك، فعندما أرسل معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى اليمن معلمين وقضاة قال لهما: "يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، وَبَشِّروا ولا تُنَفِّروا" (1) . ولهذا ينبغي للمعلمين الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في فعله وقوله بالرفق بطلابهم والصبر عليهم، وعدم تعنيفهم، كما قال الماوردي رحمه الله: "ألا يعنفوا متعلماً، ولا يحقروا ناشئاً، ولا يستصغروا مبتدئاً، فإن ذلك أدعى إليهم، وأعطف عليهم، وأحث على الرغبة فيما لديهم" (2) . ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص فئة دون أخرى بالتعليم أو يتابع مجموعة دون غيرها، بل كان حرصه على التعليم ممتداً ليشمل الصغار والكبار، والنساء والرجال، متابعاً لأمورهم، حريصاً على إرشادهم وتعليمهم بالقول والفعل والقدوة. ولتقديم توضيح لاهتمامه صلى الله عليه وسلم بالجميع دون استثناء نتناول كيفية اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الرجال، والنساء، وكذلك الأطفال.   (1) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا رقمه (69) جـ1 ص30، واللفظ له. انظر صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير رقمه (1732) . جـ3 ص1358. (2) فيض القدير جـ4/338 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 أولاً: الاهتمام بتعليم الرجال. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم أصحابه وتوجيههم وإرشادهم حسب واقع الحال الذي يتطلبه الموقف، فمثلاً هذا رجل غريب جاء يسأل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 عن دينه فترك صلى الله عليه وسلم خطبته ليعلمه ما سأل عنه، فقد روى الإمام مسلم عن أبي رفاعة رضي الله عنه قال: "انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، قال: قلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، ولا يدري ما دينه؟ قال: فأقبل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إليّ. فأُتي بكرسي، حسبت قوائمه حديداً، قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها" (1) . قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين، وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم" (2) . وفي موضع آخر يصف صحابي جليل اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه رضي الله عنهم مشيراً إلى رفقه وحسن تعليمه بقوله: "بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه"، فعن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله؛ فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليّ! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ماكهرني، ولا ضربني ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكُهَّان؟   (1) صحيح مسلم – كتاب الجمعة، باب" حديث التعليم في الخطبة، رقمه (876) جـ2/ 597. (2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ6/165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 قال: "فلا تأتهم". قلت: ومنا رجال يتطيرون قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم" (1) . قال النووي – رحمه الله -: "فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته، وشفقته عليهم، وفيه من التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف، وتقريب الصواب إلى فهمه" (2) . ونلحظ أثر الرفق واللين في معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه، إذ بدأ يستفسر عن الأمور التي كانت شائعة في الجاهلية كي يتجنبها إن كانت محرمة – لئلا تظهر منه فينكر عليه (3) . فالمعلم شفيق على طلابه حريص على تعليمهم وتقريب المعاني إلى أفهامهم مقتدياً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا رجل يدخل المسجد ويتبول فيه، من دون مراعاة لحرمة المكان ووجود الناس فيتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينتهي، ثم يدعوه إليه ليعلمه أن للمسجد حرمة وأنه للصلاة والذكر والتسبيح. فعن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه مه" (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه (5) ،دعوه (6) " فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - دعاه   (1) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة رقمه (537) جـ 1/ 381. وقوله: «ما كهرني» ، أي: ما نهرني. (2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ5/28. (3) انظر: من صفات الداعية اللين والرفق، ص 34. (4) ((مه مه)) هي كلمة زجر، انظر صحيح مسلم بشرح النووي 3/193. (5) (لا تزرموه) لا تقطعوا عليه بوله، المرجع السابق، 3/192. (6) (دعوه) اتركوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة، وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه (1) عليه". قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداً (2) .فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك الأعرابي يبول في المسجد إلا لما خشي من ظهور منكر أعظم من منعه مِن البول" (3) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة، فلو منع لزادت، إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين: إما أن يقطعه فيتضرر، وإما ألا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه، أو مواضع أخرى من المسجد" (4) فالمعلم التربوي يقرن تعليمه بالرفق واللين، فيكون له أعظم الأثر في قلوب طلابه. وهكذا كان لمعاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي بالرفق أعظم الأثر في نفسه، ونلاحظ ذلك في قول الأعرابي بعد أن فقه "بأبي وأمي" فلم يؤنب ولم يسب. ومن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الرجال دعوته المستمرة إلى الاهتمام بالفرد، واغتنام أحسن المناسبات لتوعيته وتوجيهه، ومن ذلك قصة الرجل الذي جاء   (1) (فشنه) فصبه، صحيح مسلم بشرح النووي، 3/193. (2) صحيح مسلم، باب كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، رقمه (285) جـ1/237. (3) انظر: مراعاة أحوال المخاطبين، ص97. (4) انظر: فتح الباري، 1/ 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة "فعن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة. فقال له: صَلِّ معنا هذين – يعني اليومين". فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن. ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره، فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها. ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله.. قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" (1) . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار، وفيه أن وقت المغرب ممتد، وفيه البيان بالفعل، فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره" (2) . فعلى المعلم أن يقتدي بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء تعليمه لطلابه، فيقرن العلم بالعمل؛ لتثبيت المعلومات في أذهانهم، وحصر الفكرة في مدلول واقعي يدركه المتعلم ويفهمه.   (1) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب أوقات الصلوات الخمس رقمه (613) ،ج1/428. (2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ5/159-160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ثانياً: الاهتمام بتعليم النساء. لم يغفل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاهتمام بتعليم النساء أمور دينهن، بل كان حريصاً على توصيل الأحكام الشرعية إليهن وبخاصة ما يتعلق منها بالمرأة، وله في ذلك شواهد تؤكد اهتمامه وحرصه صلى الله عليه وسلم على الاستجابة لأي سؤال أو استفسار يأتيه من النساء، حتى ولو كان في أدق خصوصياتهن. ومن ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل. ثم قال: "خذي فرصة من مسك، فتطهري بها" قالت: وكيف أتطهر بها. ثم قال: "سبحان الله تطهري بها"، قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة وقلت: "تتبعين بها أثر الدم" (1) . كما كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال النساء، ويطمئن على صحتهن. فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على ضباعة بنت الزبير، ويسألها عن الحج، وهل تستطيع ذلك؟ فيشجعها بقوله صلى الله عليه وسلم: "حجي واشترطي". فعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها: " لعلك أردت الحج" قالت: والله لا أجدني إلا وجعة (2) فقال لها: "حجي واشترطي، قولي: اللهم محلِّي (3) حيث حبستني (4) " وكانت تحت المقداد بن الأسود (5) .   (1) صحيح سنن النسائي – كتاب الطهارة، باب ذكر العمل في الغسل من الحيض رقمه (245) ، جـ1/53. (2) وجعة: ذات مرض. (3) محلي: أي مكان تحللي من الإحرام. (4) حيث حبستني أي عن النسك بعلة المرض. (5) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقمه (5089) جـ6 ص149، وصحيح مسلم – كتاب الحج، باب اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، رقمه (1207) جـ2/867. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أشكل عليها أمراً، وأثار لديها تساؤلاً، حيث عَلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها، حينما أشكل عليها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر لتعارضها ظاهراً مع نهيه صلى الله عليه وسلم. فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ثم رأيته يصليها حين صلى العصر، ثم دخل عليّ وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه، قولي له: "تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين، وأراك تصليها". فإن أشار بيده فاستأخري عنه. ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه. فلما انصرف، قال: "يا ابنة أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني أناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" (1) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفيه الفحص عن الجمع بين المتعارضين (2) فأم سلمة رضي الله عنها استشكلت ما ظهر لها من خلاف بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأثار لديها تساؤلاً، أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون هناك مجال لظن". فالطالب إذا أشكل عليه أمر فظهر له الخلاف بين القول والفعل أو الفعل والأمر، ينبغي له المسارعة بسؤال المعلم، فإنه بالسؤال يسلم من إرسال الظن السيئ بتعارض الأفعال والأقوال (3) .   (1) صحيح البخاري، كتاب السهو، باب إذا كُلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع. جزء من حديث رقمه (1233) ، جـ2/84. (2) فتح الباري، جـ3/106. (3) صحيح مسلم بشرح النووي، جـ6/121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 كما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليم من جهل منهن أمراً من أمور الدين والرفق بهن، وعدم مؤاخذتهن. ومن ذلك ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتقي الله واصبري". قالت: "إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه". فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين. فقالت: لم أعرفك. فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى " (1) . قال العلامة العيني رحمه الله: "فيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل، وترك مؤاخذة المصاب، وقبول اعتذاره" (2) . وكان لتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم باللطف مع المرأة الأثر الكبير في نفسها. فهذا التعامل بالرفق واللين مع المرأة ولَّد لديها محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومهابة. ومما يؤيد ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فلما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم قيل لها: "إنه رسول الله، فأخذها مثل الموت. فأتت بابه ... الحديث" (3) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح قول أنس بن مالك رضي الله عنه "فأخذها مثل الموت" أي: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه وسلم؛ خجلاً منه ومهابة (4) . فحسن تعامل المعلم مع طلابه والرفق بهم، والأخذ بأيديهم يُوَلِّد لديهم   (1) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، رقمه (1283) ، جـ2/99. (2) انظر: عمدة القاري، جـ8/68. (3) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، رقمه (926) ، باختصار، جـ2/637. (4) فتح الباري، جـ3/149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 محبة المعلم ومهابته، وحسن الاستماع إلى ما يأمر به. وهذا هو المطلوب في العملية التعليمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ثالثاً: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الصغار. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المعلم لأصحابه متصفاً بصفات الكمال، ومن كمال منهجه التربوي اهتمامه بتربية الصغار وتعليمهم، وصبره عليهم وأخذه بأيديهم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يحرص أن يكون معلماً ومؤدباً لهم ليتحقق صلاحهم حينما يكبرون. من اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالصغار ما ورد من توجيهه التدريجي في الصلاة حيث قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفَرِّقوا بينهم في المضاجع" (1) . فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الصلاة هي الأساس، وأمر بحثِّ الأبناء على إقامتها على الوجه المطلوب وإن في ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "قال القاضي: يجب على ولي الصبي أن يعلمه الطهارة والصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويأمره بها، ويؤدبه عليها إذا بلغ عشر سنين" (2) . لذا ينبغي للمربي أن يأمر الأطفال بالطاعات قبل بلوغهم سن الرشد؛ كي يستأنسوا لها ويعتادوها؛ فالطفل أسلس قياداً، وأسرع مؤاتاة، ولم تغلب عليه عادة تمنعه من اتباع ما يراد منه، ولا له عزيمة تصرفه عما يؤمر به (3) .   (1) سنن أبي داود – كتاب باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ رقمه (495) ، جـ1/97.وقال عنه الشيخ الألباني (حسن صحيح) ، انظر صحيح سنن أبي داود، جـ1/97. (2) المغني جـ2/350. (3) انظر: جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب، ص39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فإذا اعتادوا هذه الطاعات سهل عليهم القيام بها إذا ما كبروا. قال الشيخ محمد السفاريني الحنبلي: "ويجب عليه أيضاً أن يعلمه ما يجب عليه علمه، أويقيم له مَنْ يعلمه ذلك" (1) . كما كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليمهم بعض مهارات الحياة التي تفيدهم في دنياهم فعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنح حتى أريك" فأدخل يده بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى، فصلى للناس، ولم يتوضأ" (2) . والرسول صلى الله عليه وسلم عطوف ورحيم في تعليمه للصغار معالجاً لأخطائهم بدون قسوة ولا تعنيف. ومن ذلك حينما جمعت لدى الرسول صلى الله عليه وسلم الزكاة فأكل منها الحسن رضي الله عنه، فوجَّهه الرسول صلى الله عليه وسلم بلطف، بأنه لا ينبغي له الأكل من الزكاة؛ وذلك لما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ" ليطرحها ثم قال: "أما شعرتَ أنَّا لا نأكل الصدقة" (3) . قال الحافظ ابن حجر: كلمة كخٍ كخٍ كلمة زجر للصبي عما يريد فِعْله (4) .   (1) غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب، جـ1/232. (2) صحيح سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله.. رقمه (185) جـ1/37. (3) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما يُذكر في صدقة النبي (، رقمه (1491) ، جـ2/164. (4) فتح الباري- جـ6/185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 لذا يجب على الأولياء إبعاد أطفالهم عن المحرمات، ومنعهم من تعاطيها، ومعاتبتهم عليها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحسن بطرح التمرة ورميها مِنْ فيه مع أنه طفل لا تلزمه الفرائض، ولم تَجْرِ عليه الأقلام. قال الإمام النووي رحمه الله: "وفي الحديث أن الصبيان يُحَذّرون مما يحذر منه الكبار، وهذا واجب على الولي" (1) . ولا ينسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن توجيهه للصغار بالقول حينما يكون ذلك كافياً في التوجيه والتعلم. ومن ذلك حينما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة وهو لا يحسن الأكل من الإناء، فوجَّهه توجيهاً لطيفاً إلى آداب الأكل. فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما يقول: "كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة (2) فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، سَمِّ الله وكل بيمينك وكُلْ مما يليك" فما زالت طعمتي بعد (3) (4) . فرسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه آداب الأكل بالرغم من صغر سنه. ومما يدل على ذلك مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله: "يا غلام"، والغلام - كما بيَّن العلماء - هو الصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم (5) .   (1) صحيح مسلم بشرح النووي جـ7/175. (2) الصحفة: «ما تشبع خمسة ونحوها، وهي أكبر من القصعة» المرجع السابق، جـ9/522. (3) «فما زالت طعمتي بعد - أي صفة أكلي- فلزمت ذلك وصار عادة» والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين، والأكل مما يليه .... انظر فتح الباري جـ9/523. (4) صحيح البخاري، كتاب الأطعمة – باب التسمية علىالطعام والأكل باليمين، رقمه (5376) ، جـ6/241. (5) فتح الباري، جـ9/521، وانظر عمدة القاري، جـ21/29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فعلى الأولياء والمعلمين الحرص على تعليم الأطفال ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، على أن يكون التعليم بالرفق واللين، حتى يتقبل الطفل من وليه، ويكون له الأثر العظيم في مستقبل حياته. كما كان في تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة الأثر العظيم حيث قال رضي الله عنه: "فما زالت تلك طعمتي بعد أي: لزمت ذلك وصار عادة لي" (1) . ومن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم الصغار: أنه صلى الله عليه وسلم عندما سمع من البنت الأنصارية الصغيرة قولاً مخالفاً للشرع، بأن نَسَبت إليه أنه يعلم ما في الغد علَّمها ما ينبغي لها قوله، ومنعها من إعادة كلامها. فقد روت الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني عليّ (2) فجلس على فراشي كمجلسك (3) مني، فجعلت جويريات (4) لنا يضربن بالدف (5) ويندبن (6) من قُتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: "وفينا نبيّ يعلم ما في غد". قال: "دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين" (7) .   (1) انظر: فتح الباري، جـ9/523. (2) (بُني علي) البناء: الدخول بالزوجة – فتح الباري، جـ9/203. (3) (كمجلسك) بكسر اللام أي مكانك، المرجع السابق جـ9/203. (4) (جويريات) جمع جويرية، ومصغر جارية، عمدة القاري، جـ20/135. (5) (الدف) الأفصح في (الدف) ضم الدال، وقد تُفتح وهو الذي بوجه واحد عمدة القاري، جـ20/2135. (6) (يندبن) أي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها (فتح الباري، جـ9/203) . (7) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، رقمه (5147) ، جـ6/167. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "إنما أنكر عليها ما ذُكر من الإطراء حيث أُطلق علم الغيب له، وهو صفة تختص بالله تعالى كما قال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] . فعلى المعلمين والأولياء الحرص على تعليم الصغار الكلمات الصحيحة التي لا تتنافى مع التوحيد ولا تتعارض مع احترام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يمنعوهم إذا سمعوا منهم كلمات تخالف الشرع، مِنْ حلفٍ بغير الله، أو سب أو شتم أو غيبة أو نميمة أو تنابز بالألقاب (1) .   (1) انظر: الاحتساب على الأطفال، ص45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 المسألة الثانية: موضوعات التعليم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أولا: العقيدة ... المسألة الثانية: موضوعات التعليم في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بينت في المسألة السابقة اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم. وهنا أتحدث عن الموضوعات التى كان يوليها الرسول صلى الله عليه وسلم اهتماماً بارزاً في تعليمه للناس والتي يمكن الحديث عنها في الفقرات التالية: أولاً: العقيدة: إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى وطاعته وابتغاء مرضاته هو الهدف من خلق الإنسان. وفي حديث جبريل الطويل عندما أرسله الله سبحانه وتعالى ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم الأولويات في التعليم بدأ بالعقيدة ثم العبادات ثم المعاملات، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر.." قال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الصلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان". قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لا تراه، فإنه يراك". قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، لكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأَمَةُ ربها، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله"، ثم تلا صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] . قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا عليّ الرجل" فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم" (1) . فالإيمان فَسَّره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالاعتقادات الباطنة، فقال أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره" (2) . ورسول الله صلى الله عليه وسلم سلك هذا المنهج في تعليمه للبشرية فبدأ بالعقيدة وقَدَّمها على سائر الموضوعات الأخرى، فتناول أصول الإيمان بالله تعالى وملائكته   (1) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان رقمه (50) جـ1 ص22. انظر صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، رقمه (9) جـ1 ص 39 واللفظ له. (2) إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم ص 57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما فيه من بعث وحساب وجزاء وجنة ونار، ويقيم على ذلك الحجج والبراهين، حتى يستأصل من نفوس المشركين العقائد الوثنية ويغرس فيها عقيدة الإسلام (1) . ومن أمثلة ذلك: ما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادْعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" (2) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "المراد بعبادة الله توحيده، وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بها؛ لأنها أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان مُوَحِّداً فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة" (3) . كما أن من أقر بالشهادتين، واعتقد ذلك جزماً كفاه ذلك في صحة إيمانه، وكونه من أهل القبلة والجنة (4) ومن ذلك ما وَرَدَ في حديث معاوية بن الحكم السلمي، قال: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانيَّة (5) ،   (1) تاريخ التشريع الإسلامي، ص52. (2) صحيح البخاري - كتاب الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا رقمه (1496) جـ2 /165. (3) فتح الباري جـ3/ 358. (4) صحيح مسلم بشرح النووي جـ 5/35. (5) الجوانية: الجوانية بقرب أحد. موضع في شمال المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسَفُ كما يأسفون (1) ، لكني صككتها (2) صكةً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها" فأتيته بها. فقال لها "أين الله؟ " قالت: في السماء. قال "من أنا؟ " قالت:" أنت رسول الله " قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" (3) . قال النووي رحمه الله تعالى قال: "كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده؟ " (4) . فعلى المعلم الابتداء في تعليم طلابه العقيدة الإسلامية الصحيحة مقتدياً في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم وغرس مفهومها الصحيح في نفوس طلابه، فيربطهم بالخالق عز وجل، حتى يتوجهوا إليه في سائر عباداتهم ودعائهم، ويعلموا يقيناً أنه تعالى هو الرازق الناصر القادر على كل شيء، كما عليه أن يحثهم على أن من حصل له مكروه فعليه التوجه إلى الله تعالى بالدعاء، فإنه سميع مجيب، وليتوكلوا عليه في سائر أمورهم (5) .   (1) آسف كما يأسفون: أي أغضب كما يغضبون. (2) (صككتها صكة) أي ضربتها بيدي مبسوطة. (3) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، رقمه (537) ، جـ1 ص381. (4) صحيح مسلم بشرح النووي جـ5/33. (5) انظر: ((آداب المتعلمين)) ص 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ثانياً: الشريعة: وتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مقتصراً على العقيدة بل اتجهت جهوده صلى الله عليه وسلم إلى العبادات التي تعد أمراً أساسياً في الشريعة الإسلامية حتى أوجد منهجاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 متكاملاً في أمور العبادات العملية بجميع أشكالها من صلاة وزكاة وصوم وحج..إلخ واتخذ في ذلك منهج التدرج في التشريع ليحصل القبول لهذا الدين عند الناس. وذلك بعد أن عمر قلوبهم بالإيمان الخالص لله وحده، فبدأ بتعليمهم كيفية الصلاة المفروضة وحقوقها وأركانها وحدودها، سواء كان ذلك عن طريق سؤال الصحابة رضي الله عنهم له أو من خلال الممارسة العملية. ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يُعَلمهم دعاء الاستفتاح في الصلاة. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبَّر في الصلاة سكت هُنيَّةً (1) قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" (2) . قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وقيل قاله على سبيل التعليم لأمته" (3) . فالمعلم الناجح المشفق على طلابه يُعَلِّمهم أدعية الاستفتاح في الصلاة فإذا اعتادت أنفسهم دعاءً أرشدهم إلى غيره، كما يحثهم على الإلحاح بالدعاء إلى الله أن ينقيهم من الخطايا والذنوب.   (1) هنية: أي قليلاً من الزمن. (2) صحيح البخاري كتاب الأذان باب ما يقول بعد التكبير رقمه (744) ،ط/203، وصحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، رقمه (598) ،ط/419 واللفظ له. (3) فتح الباري جـ2/230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 كما كان يُعَلِّمهم قراءة الفاتحة آية آية، أي قراءتها ثم قراءة الآية التي بعدها كما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبد ي نصفين، ولعبد ي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبد ي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبد ي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مَجَّدني عبد ي (وقال مرة: فَوَّض إليّ عبدي) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين: قال: هذا بيني وبين عبد ي ولعبد ي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبد ي ولعبد ي ما سأل" (1) . فالمعلم يحث طلابه ويرغبهم أثناء قراءة الفاتحة في السكوت على الآية والتي بعدها لاستحضار رَدٍّ من رب العالمين، مما يزيد المصلي طمأنينة وخشوعاً، كما كان صلى الله عليه وسلم يترك فرصة للصحابة رضي الله عنهم أن يتعلموا ما يُلْقَى إليهم بعد تكراره. ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي عليه السلام فقال: ارجع، فصل فإنك لم تصل، فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فَصَلِّ فإنك لم تصل ثلاثاً" فقال: والذي بعثك بالحق فما أُحسن غيره، فعلِّمني. قال "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد   (1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقمه (395) جـ1 ص296. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" (1) . قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وفيه حسن التعليم بغير تعنيف" (2) ، وقال النووي رحمه الله: "وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة" (3) . وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه رضي الله عنهم بالفعل ليقع التشريع منه؛ لكونه أبلغ من القول، ومن ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه – "صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي (4) - قال محمد: وأكثر ظني أنها العصر – ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – فهابا أن يكلماه، وخرج سَرَعَانُ (5) الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه رسول الله ذا اليدين فقال: أَنَسِيت أم قَصُرَت؟ فقال: "لم أنس، ولم تقصر"، قال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، فكبَّر ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبَّر" (6) .   (1) صحيح البخاري، كتاب الأذان باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة رقمه (793) ، جـ1 ص216. انظر صحيح مسلم، كتاب الصلاة با ب وجوب قراءة الفاتحة، رقمه (397) جـ1 ص298. (2) فتح الباري، جـ2/ 280. (3) صحيح مسلم بشرح النووي، جـ4 ص281،143. (4) العشي: ما بين زوال الشمس إلى غروبها. (5) السرعان: المسرعون إلى الخروج. (6) صحيح البخاري، كتاب السهو، باب يكبرُ في سجدتي السهو رقمه (1229) جـ2 ص83.انظر صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقمه (573) ، جـ1 ص403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره" (1) . وكثير من الطلاب يجهلون من أحكام سجود السهو في الصلاة، فمنهم من يترك سجود السهو في محل وجوبه، ومنهم من يسجد في غير محله، ومنهم مَنْ يجعل سجود السهو قبل السلام وإن كان هو وضعه بعده ... ولذا كان تعليم المعلم لطلابه أحكام سجود السهو مُهِمّاً جداًّ؛ ليفهموا أحكام دينهم ويطبقوه (2) . وكما عَلَّمهم صلى الله عليه وسلم الصلاة عَلَّمهم ما يكون لهم فيه من بركة أو تزكية للنفوس إذا أخرجوا زكاة أموالهم، ففيها تنمية للأموال وتكثير لبركتها. كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما نقصت صدقة من مال" (3) . فهي ليست غرامةً، ولا ضريبة تنقص المال وتضر صاحبها، بل هي على العكس تزيد المال نمواً من حيث لا يشعر الناس (4) . كما بَيَّن صلى الله عليه وسلم ما يترتب على أدائها من الأجر العظيم ألا وهو دخول الجنة وذلك ما ورد عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال صلى الله عليه وسلم: " خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة. من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان وحج البيت، إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه " (5) .   (1) فتح الباري جـ3، 101. (2) كتاب سجود السهو، ص 4. (3) صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب العفو والتواضع رقمه (2588) جـ4 ص2001. انظر صحيح سنن الترمذى أبواب البر والصلة، باب ما جاء في التواضع رقمه (1652) جـ 2/199 (4) انظر الملخص الفقهي، جـ1/321. (5) صحيح سنن أبي داود. كتاب الصلاة، باب المحافظة على وقت الصلوات رقمه (429) جـ1 ص87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 كما بَيَّنَ لهم صلى الله عليه وسلم مقدار الزكاة، وأنَّ مَنْ أدَّى زكاته كما أمر بذلك فليس بكانز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق (1) صدقة، وليس فيما دون خمس ذودٍ (2) صدقة وليس فيما دون خمس أوسق (3) صدقة" (4) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه، فلا يُسَمَّى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزاً " (5) . لذا فالمعلم يُرغَّب في الصدقة، ويبين أنها إن نقصت المال عددياً فإنها لن تنقصه بركة وزيادة في المستقبل، بل يخلف الله بدلها ويبارك له في ماله" (6) . ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر حتى يسأل عن الأجر بل إذا رأى منكراً أو أمراً مخالفاً يبادر إلى إنكاره. ومن ذلك ما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله عنهم – أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يدِ ابنتها مسكتان غليظتان (7) من ذهب، فقال لها: " أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا. قال: "أيسرك أن يُسَوِّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ " قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله" (8) .   (1) جمع أوقية وهي أربعون درهماً من الفضة. (2) الذود: من واحد إلى تسع وقيل درهم، من الفضة. (3) أوسق: جمع وسق وهو ستون صاعاً. (4) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته فليس بكنزٍ رقمه (1405) جـ2 ص136، واللفظ له انظر صحيح مسلم، كتاب الزكاة، بدون باب، رقمه (979) ، جـ2 ص673. (5) فتح الباري جـ3//272. (6) فصول في الصيام والتراويح والزكاة ص21. (7) مسكتان: يعني سوارين غليظين. (8) صحيح سنن أبي داود كتاب الزكاة باب العروض إذا كانت للتجارة رقمه (1563) جـ1/291، وانظر صحيح سنن النسائي كتاب الزكاة باب زكاة الحلي رقمه (2304) جـ2/523. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وشرع صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة بعد أن مرت مشروعيته بمراحل (1) فكان في ذلك مجال لتعليم أصحابه فضل الصوم وأحكامه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم، وسننتُ لكم قيامه، فمن صامه وقامه احتساباً، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" (2) . وأيضاً ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: "تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة   (1) المرحلة الأولى: الأيام المعدودات، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:183-184] . والأيام المعدودات قيل: هي الاثنين والخميس، وقيل: الأيام البيض، وهي ثلاثة أيام من كل شهر وقيل: غير ذلك. المرحلة الثانية: التخيير بين الصيام أو الإطعام كما في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] . المرحلة الثالثة: وجوب صيام شهر رمضان على كل مسلم، حتماً إلا من كان له عذر قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} [البقرة: 185] . المرحلة الرابعة: التخفيف على المسلمين، فقد كان الصوم يبدأ بأول نومة بعد صلاة العشاء، ويبقى الصائم ممسكاً بقية الليل، واليوم الذي يليه كله حتى تغرب الشمس فشق ذلك على المسلمين، فخفف الله عنهم ذلك، وأباح لهم في ليالي رمضان كلها الأكل والشراب والجماع وذلك كما في قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . انظر " أيام رمضان " للدكتور صالح الزيد. (2) مسند الإمام أحمد (1/191) عن عبد الرحمن بن عوف (جـ3/127) برقم (1660) وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 المفروضة، وتصوم رمضان"، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً أبداً، ولا أنقص. فلما ولَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" (1) . فالرسول صلى الله عليه وسلم رغَّب في الصيام وحث عليه لما فيه من تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة ولما له من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ َيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 183] (2) . قال ابن القيم رحمه الله في الصوم: "هو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئاً، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو يترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سر ما بين العبد وربه ولا يطلع عليه سواه" (3) . فلهذا ينبغي للمعلم أن يبين لطلابه حقيقة الصوم، وهو أن يترك طعامه وشرابه لأجل الله فهذا أمرٌ لا يَطَّلع عليه إلا الله، ويحثهم ويرغبهم في صيام شهر رمضان وقيامه، ويبين لهم فضل هذا الشهر، وأنه مضاف إلى الله تعالى يقول سبحانه وتعالى، عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به" (4) . قال الغزالي:" اعلم أن في الصوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى   (1) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة رقمه (1397) جـ2 ص134، صحيح مسلم، كتاب الإيمان باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة رقمه (14) جـ1 ص44 واللفظ له. (2) زاد المعاد، جـ2/29. (3) زاد المعاد، جـ2/29. (4) صحيح مسلم، كتاب الصيام باب فضل الصيام، رقمه 164 (1151) ، جـ2 ص807. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الله - عز وجل – وكفى بهذه الإضافة شرفاً " (1) . وفي السنة العاشرة من الهجرة أُذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ، فقدم المدينةَ بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتَّم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله (2) وكان في ذلك فرصة عظيمة لتعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أمور دينهم. فعن عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي – رضي الله عنه -، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى "الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتمَّ حجه. أيام منى ثلاثة. فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه" (3) وزاد الترمذي لفظاً آخر " ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" (4) . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: "خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر. ثم جعل يعطيه الناس" (6) . وأيضاً ما رواه جابر رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذوا مناسككم (5) ، فإني لا أدري لعلي لا أحج   (1) إحياء علوم الدين جـ3/363. (2) صحيح مسلم، كتاب الحج باب حجة النبي (رقمه (1218) جـ2 ص 887. (3) صحيح سنن أبي داود، كتاب المناسك باب من لم يدرك عرفة رقمه (1949) جـ1 ص 367. (4) صحيح سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن باب من سورة البقرة رقمه (2376) ، جـ3 ص26. (6) صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان رقم الحديث (171) جـ1 ص58، صحيح مسلم كتاب الحج باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق رقمه (1305) جـ2ص947 واللفظ له. (5) لتأخذوا مناسككم: اللام لام الأمر. والمعنى: خذوا مناسككم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 بعد حجتي هذه" (1) . فالمعلم المحب لتلاميذه يبين لهم أسباب الفوز بالجنة والنجاة من النار فيبين لهم فضل الحج المبرور الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "والحج المبرور (2) ليس له جزاء إلا الجنة" (3) . كما يحثهم على المتابعة ما بين الحج والعمرة لنفي الفقر والذنوب فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خَبَثَ الحديد" (4) . قال الشيخ أبو الحسن السندي مبيناً المراد بالمتابعة بين الحج والعمرة: "اجعلوا أحدهم تابعاً للآخر واقعاً على عقبه، أي: إذا حججتم فاعتمروا، وإذا اعتمرتم فحجوا فإنهما متتابعان" (5) .   (1) صحيح مسلم، كتاب الحج باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً رقمه (1297) جـ2 ص943. (2) الحج المبرور: الذي لا يخالطه إثم، أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق. (3) صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة وجوب العمرة وفضلها رقمه (1773) جـ2، ص240،.صحيح مسلم، كتاب الحج باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة رقمه (1349) جـ2/983 واللفظ لهما. (4) صحيح سنن ابن ماجه كتاب المناسك، باب فضل الحج والعمرة حديث رقمه (2887) جـ2ص148. (5) حاشية الإمام السندي على سنن النسائي 5/115. (6) انظر: تاريخ التشريع، ص 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثالثاً: الأخلاق: بعد تأصيل مبادئ الإيمان والعقيدة في النفوس ووضع القواعد الأساسية لأمور العبادات، يأتي دور محاسن الأخلاق التي تزكو بها النفوس، ويستقيم عوجها (6) واتخذ لذلك وسيلتين: إمَّا التدرجَ، وإما القطعَ الحاسم. وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 التدرج في تربية الأمة وفق ما يمر بها من أحداث. وأوضح مثال لذلك التدرج في تشريع تحريم الخمر. فقد نزل قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل:67] . ثم نزل قوله تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] فقارنت الآية بين منافع الخمر فيما يصدر عن شربها من طرب ونشوة أو يترتب على الاتِّجار بها من ربح، ومضارها من إثم تعاطيها، وما ينشأ عنه من ضرر في الجسم وفساد في العقل، وضياع للمال وإثارة لبواعث الفجور والعصيان، ونَفَّرت الآية منها بترجيح المضارِّ على المنافع. ثم نزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] فاقتضى هذا الامتناع عن شرب الخمر من الأوقات التي يستمر تأثيرها إلى وقت الصلاة، حيث جاء النهي عن قربان الصلاة في حالة السكر حتى يزول عنهم أثره، ويعلموا ما يقولونه في صلاتهم. ثم نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91] . فكان هذا تحريماً قاطعاً للخمر في كل الأوقات (1) .   (1) انظر: تاريخ التشريع ص 54-55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وهناك بعض الأخلاق التي واجهها صلى الله عليه وسلم مواجهة حاسمة دون تدرج أو إبطاء عند تعليمه لأصحابه، لما يترتب عليها من أضرار. منها: * الغيبة: وهي من الصفات المذمومة والتي يتم فيها ذكر المرء ما يكرهه بظهر الغيب (1) فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه ما هي الغيبة، وما الفرق بينها وبين البهتان. فعن أبي هريرة رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه" (2) (3) . والله تعالى ذكر مثلاً منفراً عن الغيبة فقال: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] قال الشيخ السعدي: "شَبَّهَ أكل لحمه ميتاً المكروه للنفوس غاية الكراهة، باغتيابه فكما أنكم تكرهون أكل لحمه ولاسيما إذا كان ميتاً، فاقد الروح، فكذلك فلتكرهوا غيبته، وأكل لحمه حياً" (4) . وحذَّرهم من الغيبة، وبيَّن لهم العقاب الشديد لمن أطلق عنان لسانه ليتحدث بما يشاء كيفما شاء.   (1) انظر فتح الباري جـ10/484. (2) بهته: أي قلت فيه البهتان وهو الباطل. (3) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم الغيبة رقمه (2589) جـ4/2001. (4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان جـ7/138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" (1) ، قال الشيخ السعدي تعليقاً على قوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات: 12] وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأنها من الكبائر، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر" (2) . وبين صلى الله عليه وسلم أن التعريض بالغيبة كالتصريح، سواء كان إشارة أو إيماء أو غمزاً أو لمزاً أو حركة أو إشارة أو محاكاة. وعن عائشة رضي الله عنها – قالت: فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني قصيرة – فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". قالت وحكيت له إنساناً فقال: "ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا" (3) . قال ابن حجر رحمه الله: "هي ذكر امرئ بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو ماله" (4) . والرسول صلى الله عليه وسلم قد حثَّ المسلم على دفع كلام السوء عن أخيه المسلم وأن من فعل ذلك أبعد الله عن وجهه النار فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن   (1) أخرجه أحمد في المسند (3/224) ، انظر صحيح سنن أبي داود كتاب الآداب باب في الغيبة رقمه (4878) جـ3/923 واللفظ له. (2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، جـ7/138. (3) صحيح سنن أبي داود كتاب الآداب باب الغيبة رقمه (4875) ،جـ3 ص923. (4) فتح الباري جـ10/484. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عِرْض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" (1) . فعلى المعلم أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويحث طلابه على مدافعة بعضهم عن بعض، وعدم تتبع عورات بعضهم بعضاً، فعن معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم" (2) . وقال عمر رضي الله عنه في ذلك: "وإياكم وذِكْرَ الناس، فإنه داء" (3) . * النميمة: هي نَقْلُ كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد، ولذلك حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أنها طريق موصل إلى النار، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه". كما أن النمَّام ينال عقاب الله في قبره، كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما – أنه قال: "مرّ النبي على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، - ثم قال-: بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله"، قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحد منهما على قبر، ثم قال: "لعله يُخَفف عنهما، مالم ييبسا" (4) .   (1) صحيح سنن الترمذي أبواب البر والصلة باب ما جاء في الذب عن المسلم رقمه (2013) ، جـ2 ص181. (2) صحيح سنن أبي داود كتاب الآداب، باب في النهي عن التجسس رقمه (4888) ، جـ3،ص924. (3) إحياء علوم الدين (جـ3/152) . (4) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب عذاب القبر من الغيبة والبول، رقمه (1378) ،جـ2/125 صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه رقمه (292) ، جـ1 ص240. واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 قال الحافظ ابن حجر: "قال الزين بن المنير: المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهم " (1) . قال قتادة -رحمه الله-: "ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول" (2) . فالمعلم يبين أن النميمة تؤذي وتضر، وتؤلم، وتجلب الخصام والنفور وتذكي نار العداوة بين المتآلفين، ولم ينقل جواز إباحتها أحد (3) . فقد روي عن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً فقال له عمر:" إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] . وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] . وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً " (4) . فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول للبشرية يبين الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة وعلومها، ويبين الأخلاق الذميمة والأعمال السيئة ويحذر منها. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "فالأخلاق التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها هي أسباب سعادة الأمة ورقيها، وبقاء حكمها ودولتها، فعلى كل مسلم ومسلمة التخلق بهذه الأخلاق العظيمة" (5) .   (1) فتح الباري جـ3/242. (2) إحياء علوم الدين جـ3/166. (3) انظر: نضرة النعيم، جـ11/5671. (4) انظر: إحياء علوم الدين جـ3/166. (5) انظر: الأخلاق الإسلامية ص 32-33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 المسألة الثالثة: أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم مدخل ... المسألة الثالثة: أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم الأسلوب هو الإجراء الذي يتخذه المعلم في إيصال المادة التعليمية للمتعلم (1) . ويختلف الناس في سرعة استيعابهم وتعلمهم لما يلقى عليهم..ولهذا اهتمت البحوث التربوية بتنويع أساليب التعليم وصدرت العديد من البحوث التربوية التي تتناول الفروق الفردية بين سريع التعلم، وبطيئه، والمتوسط بينهما. ومن صفات المعلم الناجح أن يكون قادراً على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين قادراً على التنويع في مادته العلمية، يمزج بين الأساليب المختلفة، سواء كانت في التطبيق أو الحوار أو المناقشة، مع التنويع في أساليب التشويق من قصة وضرب للأمثال. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعْمَ المربي والمعلم بل أفضل مُرَبًّ ومعلم لأصحابه رضوان الله عليهم، إذ كان صلى الله عليه وسلم أقدر الناس على الاستفادة من الأساليب التي تقرب المفاهيم إلى الأذهان، وتساعد على ترسيخها في عقولهم وقلوبهم.. ينتقل من أسلوب إلى آخر مراعياً حال المخاطبين فتارة، يبدأ بالقول المقرون بالفعل، وتارة يطلب التطبيق من آخرين، وأخرى يستخدم السؤال والحوار، كما أنه صلى الله عليه وسلم يلجأ في بعض الأوقات، ووفقاً لواقع الحال، إلى استخدام القصة أو ضرب الأمثال أو التشبيه، أو يستخدم أسلوب التشجيع حرصاً منه صلى الله عليه وسلمعلى أن تنتقل هذه التوجيهات النبوية الشريفة من مرحلة القول إلى مرحلة التطبيق والفعل. ومن الأساليب التي استخدمها صلى الله عليه وسلم في تعليمه وتوجيهه لأصحابه نذكر ما يأتي:   (1) دراسات في المناهج والأساليب العامة، ص109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 أولاً: أسلوب الحوار والمناقشة. يساعدنا هذا الأسلوب على شحذ الأذهان وتشويق النفوس لمعرفة المسألة المطلوبة وإثارة عنصر التحدي والترقب لدى المتعلم. وقد أصبحت طريقة الحوار والمناقشة وإثارة الأسئلة من أهم طرق التدريس الحديثة، بكونها تثير الاهتمام، وتدعو إلى التفكير اللذين يعدان من أهم خطوات التعلم. وقد وضعت طرق التدريس الحديثة قواعد لتحقيق فاعلية هذه الطريقة، منها أن يكون السؤال للجميع، وأن تتاح لهم فرصة التفكير قبل الإجابة، وغير ذلك من القواعد التي تَضْمَنُ فاعلية هذه الطريقة (1) . وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب مرات كثيرة إما من خلال طرح السؤال ليجيب عنه المتعلمون، إن استطاعوا، أو ينتظروا ليسمعوا الإجابة منه صلى الله عليه وسلم. ومما يؤكد ذلك أن الإمام البخاري رحمه الله خصص باباً في صحيحه تحت عنوان " باب طرح الإمام المسألة ليختبر ما عندهم من العلم "، وأخرج فيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مَثَلُ المسلم، حَدِّثوني ما هي؟! " فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت. فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة".   (1) التربية العملية وأسس طرق التدريس، ص29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قال عبد الله: فحدَّثت أبي بما وقع في نفسي. فقال: لأن تكون قلتها أحب إليّ من أن يكون لي كذا وكذا (1) . قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (فيه – أي حديث السؤال عن النخلة – وسيأتي بعده في الأمثلة التحريض على الفهم في العلم، وينبغي للمُلغَز له أن يتفطَّن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، كما ينبغي للملغِز ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للمُلغَز باباً يدخل منه، بل كلما قرَّبه كان أوقع في نفس سامعه (2) . فعلى المعلم أن يستخدم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار والمناقشة، فها هو عليه الصلاة والسلام لم يُلْقِ على أصحابه رضي الله عنهم هذه الحقيقة إلقاء تقريرياً: أن المسلم مثل النخلة، أو أن المفلس يوم القيامة من يأتي بكذا وكذا، بل حاورهم وناقشهم وأراد أن يتوصل من خلال هذه المحاورة إلى استثارة دفائن ما عندهم وبلغتهم إلى ملاحظة ما حولهم ويشركهم معه في البحث. وبهذا لا يصبح المتعلم مجرد جهاز تسجيل ينفعل ولا يفعل، ويتلقى ولا يفكر. بل هو كائن حي عاقل يبحث ويفكر ويحاور ويناقش ويخطئ ويصيب (3) . أو يسأل صلى الله عليه وسلم أصحابه عن بعض المعاني المعروفة فحينما يخبرونه بما يعرفون يأتي بمعنى آخر لهذه الألفاظ التي سألهم عنها (4) . ومن ذلك ما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس"؟ قالوا: المفلس فينا   (1) صحيح البخاري، كتاب العلم باب الحياء في العلم رقمه (131) ، جـ1 ص 47 – 48. (2) فتح الباري 1/146. (3) انظر: الرسول المعلم، ص151. (4) المرجع السابق ص151-152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 من لا درهم له ولا متاع. فقال: "إن المفلس من أمتي مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وَسَفَك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار" (1) . ومن ذلك أيضاً ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أيوب يغتسل عرياناً فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك" (2) .   (1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم، رقمه (2581) ، جـ4، ص 1997. (2) صحيح البخاري – كتاب الغسل، باب من اغتسل عرياناً وحده، وهو في الخلوة رقمه (279) جـ1/84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ثانياً: أسلوب القصة. تعتمد القصة على الرواية والتشويق جذباً للسامعين وتهيئة لهم لسماع ما يريد المعلم قوله مما يعين على فهم المعنى وتقريره في نفوسهم. وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب القصة في مواضع كثيرة، ومن ذلك ما ورد في الصحيح من قصة الثلاثة الذين خرجوا يمشون، فأصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل فحطَّتْ عليهم صخرة فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه. فأخذ كل واحد منهم يتحدث عن أفضل عمل عمله، وفي كل مرة يتحدث بها أحدهم يفرج الله عنهم فرجة، حتى انتهى الثالث من رواية عمله، فكشف الله عنهم (3) .   (3) انظر نص الحديث كاملاً في صحيح البخاري، كتاب الأدب باب إجابة دعاء من بر والديه، رقمه (5974) جـ7 ص92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فمن الصفات التي لابد أن تتوافر في المعلم استخدام الأسلوب القصصي أثناء تدريسه، فهو تربة خصبة، يستطيع المعلم من خلالها توصيل المعلومات إلى أذهان طلابه وزيادة قناعتهم بما يريد تقريره لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ثالثاً: أسلوب ضرب الأمثال. وضرب الأمثال يساعد على إبراز المعنى في صورة رائعة لها وقعها في النفس سواء كانت تشبيهاً أو قولاً مرسلاً. والتمثيل: هو القالب الذي يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه الغائب بالحاضر والمعقول بالمحسوس، وقياس النظير على النظير، وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعة وجمالاً، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له وإقناع العقل به (1) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم ضرب الأمثال في مواقف كثيرة ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها، ويتعجبون، ويقولون: لولا موضع اللبنة" (2) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام" (3) . ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد (4) بالسهر   (1) انظر: طرائق النبي صلى الله عليه وسلم، ص124. (2) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم رقمه (3534) ، جـ4/196. (3) فتح الباري، جـ6/559. (4) تداعى له سائر الجسد: دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك، انظر صحيح مسلم بشرح النووي جـ16/140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 والحمى" (1) . قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام" (2) . وفي هذين الحديثين ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثالين لتقريب المعاني إلى الأفهام، فينبغي للمعلم أثناء تدريسه نهج هذا المنهج؛ لأن ضرب الأمثال أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع (3) .   (1) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقمه 66 (2586) ، جـ4/1999. (2) صحيح مسلم بشرح النووي، جـ6/139. (3) انظر: مباحث في علوم القرآن ص 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 رابعاً: أسلوب التشجيع. يساعد تشجيع المتعلم على زيادة تركيزه وإقباله على العلم ليستزيد منه أكثر فأكثر، ولهذا فإن على المعلم أن يشيد بالمواقف الحسنة لطلابه، وأن يشجعهم على السؤال والحوار والمناقشة؛ لأن هذا أدعى إلى توسيع مداركهم وتمكينهم من استيعاب المادة العلمية بشكل أفضل. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك مناسبة إلا ويثني فيها على من أصاب من أصحابه. ونجد في كتاب فضائل ومناقب الصحابة في صحيحي البخاري ومسلم عدداً من النصوص التي تحمل الكثير من الثناء والتشجيع من الرسول صلى الله عليه وسلم على واحد أو أكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي عبيدة رضي الله عنه حينما قدم أهل اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبين أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يبعث معهم رجلاً ليعلمهم السنة والإسلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة قائلاً: "هذا أمين هذه الأمة" (1) (2) .   (1) صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه رقمه (3744) جـ4ص 259، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي عبيدة بن الجراح رقمه 54 (2419) ، جـ4 ص1881، واللفظ له. (2) انظر: الرسول والعلم ص129. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 خامساً: أسلوب مراعاة الفروق الفردية. من المعلوم أن الناس يختلفون في قدراتهم الاستيعابية إما بسبب خلفيتهم الثقافية أو الاجتماعية أو التعليمية أو بسبب تفاوت أعمارهم واهتماماتهم، فكل هذه الأشياء تجعل الفروق الفردية بين الناس شيئاً ملموساً ومحسوساً ينبغي للمعلم أن ينتبه له ويلاحظه؛ ليقدم لكل متعلم حسب قدرته الاستيعابية ووفقاً لواقع الحال. ويندرج تحت مراعاة الفروق الفردية التدرج في التعليم، لكونه يراعي السن والبيئة والثقافة. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على مراعاة الفروق الفردية والتدرج في التعليم ويتضح ذلك من وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن فعن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإنْ أطاعوك لذلك، فأعلمهم أنَّ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 فرض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" (1) . فينبغي للمعلم أن يُراعي الفروق الفردية بين طلابه، فلا يبدأ بدقائق العلم، وعويص مسائله، فيغرقهم في بحر عميق لا يستطيعون النجاة منه، بل يبدؤهم بالأسهل والأيسر؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حُبب إلى مَنْ يدخل فيه، وَتَلقَّاه بانبساط، وكانت عاقبته غالباً الازدياد منه، بخلاف ضده (2) ". ومن هذا يتضح أن على المعلم وهو يختار الأسلوب لإيصال المادة العلمية لطلابه أن يتأكد من ملاءمة هذا الأسلوب لمحتوى المادة العلمية وأن تتوافق مع مستويات نمو الطلاب. كما ينبغي له إدراك أن مهمته لا تقتصر فقط على تزويد الطلاب بالمعلومات والحقائق، وإنما تتسع لتشمل إكسابهم مهارات التعلم المستمر (3) .   (1) صحيح البخاري – كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد على الفقراء حيث كانوا، رقمه (1496) ، جـ2 / 165. (2) انظر: الرسول والعلم، ص 134. (3) دراسات في الأساليب والمناهج العامة، ص 178-179-209. (4) انظر: مدخل إلى علم الدعوة ص282 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 المسألة الرابعة: وسائل الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم مدخل ... المسألة الرابعة: وسائل الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم. الوسيلة بمعناها التعليمي هي ما يتوصل به المتعلم إلى تطبيق مناهج التعليم من أمور معنوية أو مادية (4) . وقد أشارت العديد من الكتب التربوية الحديثة إلى أهمية الوسيلة التعليمية لكونها تساعد على تنمية الإدراك الحسي وسرعة الفهم وإثارة التفكير واكتساب المهارات المتعددة إضافةً إلى ما تقدمه الوسيلة   (4) انظر: مدخل إلى علم الدعوة ص282 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 من فرصة لترسيخ عناصر الدرس في أذهان الطلاب (1) . وكلما أحسن المعلم في اختيار الوسيلة المناسبة والتوقيت المناسب، ساعد على تنمية معلومات الطلاب وتثبيتها في أذهانهم، فمثلاً يساعد ربط الخبرات التي يحتوي عليها الدرس مع بعضها، بحيث تعتمد الخبرة على خبرة سابقة، وتؤدي إلى خبرة تالية مع حسن التوقيت على تمكين المتعلمين من الوصول إلى مدركات أوسع وفهم أعمق وتعميمات أشمل (2) . استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الوسائل في تعليمه وتوجيهه لأصحابه تقريباً للمفاهيم وترسيخاً في أذهانهم. ومن الوسائل التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم ما يلي:   (1) انظر: أفكار تربوية، ص60. (2) انظر: الوسائل التعليمية، ص40. (3) صحيح البخاري- كتاب الأذان، باب السجود على الأنف رقمه (812) ، جـ1/222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 أولاً: الإشارة: الإشارة وسيلة تعليمية لتوضيح الفكرة، كما أن التعليم بها أبلغ. ورسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم الإشارة وسيلة من وسائل الإيضاح لتقريب المعاني إلى أذهان الصحابة رضي الله عنهم. ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة – وأشار بيده على أنفه – واليدين، والركبتين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر" (3) . وأيضاً ما ورد في صحيح البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه -   (3) صحيح البخاري- كتاب الأذان، باب السجود على الأنف رقمه (812) ، جـ1/222. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 أو يرحم" (1) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" ويستفاد منه الذي يريد المبالغة في بيان أقواله بحركاته؛ ليكون أوقع في نفس السامع " (2) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:" الاكتفاء بالإشارة المفهمة عن التصريح" (3) . فالإشارة وسيلة مهمة للمعلم أثناء تعليمه لطلابه؛ لأنها تقوم مقام اللفظ والإيضاح باللسان إذا فهم المراد منها (4) ، كما أن في الإشارة: اللفظ القليل يدل على المعنى الكثير (5) ، لذا ينبغي للمعلم الحرص على استخدام هذه الوسيلة لما لها من فائدة للمتعلم فإنه قد يفهم ويستوعب مقصد المعلم من خلال حركات يده.   (1) جزء من حديث ورد في صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، رقمه (1304) ، جـ2/105-106. (2) فتح الباري، جـ10/450. (3) المرجع السابق، جـ3/9،10. (4) انظر: شرح الكرماني على صحيح أبي عبد الله البخاري جـ4/118. (5) انظر بديع القرآن، ص 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ثانياً: رسم الخطوط: رسم الخطوط يساعد على تقريب المفاهيم إلى السامعين لأنه يقرن بين حاستي السمع والبصر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم هذه الوسيلة لتقريب ما أراد توصيله إلى السامعين، ومن الشواهد الدالة على هذا ما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطاًّ مربعاً، وخط خطاًّ في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 جانبه الذي في الوسط، وقال: هذا الإنسان وهذا أَجَلُه محيط به – أو قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض (1) ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا (2) ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا " (3) . ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام أحمد والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "خَطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاًّ، ثم قال: "هذا سبيل الله". ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: «هذه سبل قال يزيد: متفرقة. على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الانعام:153] (4) . قال الملا علي القاري تعليقاً على قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" خط لنا " أي لأجلنا تعليماً وتفهيماً وتقريباً؛ لأن التمثيل يجعل المقصود من المعنى كالمحسوس" (5) . فعلى المعلم أن يقتدي بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويسعى إلى استخدام الرسوم التوضيحية التي تشرح الفكرة أو تفسرها، وتُعنى بالترتيب وبالعلاقات بين الشكل وأجزائه وتوضح قيمة كلٍّ منهما بالنسبة للآخر (6) .   (1) (الأعراض) الآفات العارضة له، فتح الباري، 11/238. (2) (نهشه) أصابه، المرجع السابق، جـ11/238. (3) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، رقمه (6417) ، جـ7/ 219. (4) المسند 1/435، وانظر المستدرك على الصحيحين، كتاب التفسير جـ2/239، وقال عنه الحاكم:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، المرجع السابق جـ2/239. (5) انظر: مرقاة المفاتيح جـ1/411. (6) الوسائل التعليمية، ص 304. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ثالثاً: استخدام الأدوات المادية: الأدوات المادية الملموسة لها أثر بالغ في تثبيت المعاني في الأذهان، لذا فهي من وسائل الإيضاح المهمة في التعليم، ومما يدل على أهميتها استخدام رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز بين يديه غرزاً (1) ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث، فأبعده، ثم قال: "هل تدرون ما هذا؟ " قالوا: "الله ورسوله أعلم "، قال: "هذا الإنسان وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأمل (2) يختلجه (3) دون ذلك" (4) . وقد أشار علماء التربية إلى استخدام الأدوات المادية على أنها خبرات يتم فيها التفاعل بين الظروف الخارجية في البيئة التي يستطيع أن يستجيب إليها، سواءً كانت بيئة طبيعية أو فكرية أو نفسية أو اجتماعية. وقد قسم التربويون الخبرات التي يمكن للفرد اكتسابها من خلال استخدام الأدوات المادية إلى قسمين: خبرات مباشرة تعتمد على تفاعل المتعلم المباشر مع الشيء المراد تعليمه، كما يحدث في واقع الحياة، وخبرات غير مباشرة وهي ليست الحقيقة ذاتها، ولكنها صورة منقحة عنها (5) .   (1) (غرز بين يديه غرزاً) غرز: أي أدخل في الأرض. (2) (يتعاطى الأمل) يباشره ويستعمله، ويشتغل بما يأمله ويريد أن يحصله، انظر مرقاة المفاتيح، جـ9/129. (3) يختلجه: أي يجتذبه ويقتطعه، انظر: النهاية في غريب الحديث، والأثر مادة "خلج"، جـ2/129. (4) مسند الإمام أحمد جـ3/18، وقال عنه الحافظ الهيثمي " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير علي ابن علي الرفاعي وهو ثقة) ، مجمع الزوائد، جـ10/255. (5) دراسات في المناهج والأساليب العامة، ص115-117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فالرسول صلى الله عليه وسلم استخدم أدوات محسوسة لتفهيم كلامه للسامعين وتقريبه إلى أفهامهم فها هو يستخدم أعواداً، لتعليمهم أن الأجل أقرب إلى الإنسان من أمله، حيث غرز العود الذي كان يمثل الأجل أقرب إلى العود الذي يمثل الإنسان من العود الذي يمثل أمله. والمعلم الناجح ينبغي له استخدام الأدوات المادية المحسوسة عند تعليمه لتقريب المعاني إلى أذهان الطلاب وتفهيمهم ما يريد توصيله إليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 رابعاً: التعليم بالفعل والمشاهدة: الأداء العملي النموذجي أمام المتعلمين أوقع في النفس وأثبت من القول (1) ؛ لأنه يثبت في الذهن بصور أوسع، لذا اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الوسيلة لما لها من أهمية في التعليم، وبخاصة في تعليم أصحابه الأمور العملية. ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال:" هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم - أو ظلم وأساء " (2) . فعلى المعلم أن يقرن القول بالفعل؛ لأنه أبلغ في إيصال رسالته إلى المتعلمين، فإذا امتزج القول بالتطبيق ساعد على ترسيخ المفاهيم في أذهان   (1) انظر: عمدة القاري جـ4/112. (2) صحيح سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً رقمه (135) ، جـ1، ص28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 المتعلمين مما يساعد على سهولة تطبيقهم لما تعلموه. ومما يؤيد ذلك ما ذكره العلامة ابن أبي جمرة الأندلسي بقوله: "الاستدلال بالأعمال أولى من الاستدلال بالمقال، لأن المقال قد يحتمل التجوز في الكلام وغيره والفعل ليس كذلك " (1) . وبهذا يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخدم العديد من الوسائل التي تساعدنا على زيادة الفهم أو تؤكد المعاني، وتجسِّد المعلومات المجردة. وهذا هو بالفعل ما تقدمه الوسائل التعليمية الحديثة في عصرنا الحاضر، حيث إنها ومن خلال الاستخدام الجيد لها تساعد على استثارة اهتمام الطلاب، وإشباع حاجتهم للتعلم، كما أنها تساعد على زيادة خبرة المتعلمين وتجعلهم أكثر استعداداً للتعلم وإقبالاً عليه، هذا خلاف تنويع الخبرات والمساعدة في تكوين المفاهيم السليمة وبنائها، وتنويع أساليب التعزيز، مما يؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة، وتأكيد التعلم، كما أن استخدام الوسائل التعليمية يؤدي إلى تعديل السلوك وتكوين الاتجاهات الحديثة (2) . ولابد من تأكيد أن المعلمين أثناء استخدامهم للوسائل التعليمية التي تعتمد على التقنية الحديثة أو غيرها يجب أن يراعوا في ذلك أن تكون منضبطة بأحكام الشرع، فلا يُستخدم إلا المشروع منها وليبتعد عما سواها.   (1) بهجة النفوس جـ1/134. (2) انظر: وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم، ص44-48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الخاتمة : إن من الأمور المهمة في هذا العصر السعي إلى ربط الناشئة منذ البداية بالسيرة النبوية العطرة؛ ليتم تلقي المعرفة من خلالها موضوعاً وأسلوباً، وذلك لما يجده الدارس لهذه السيرة من علم ومعرفة تنسجم مع حاجاته ومتطلباته في الدنيا والآخرة، بل إنه ليجد التطبيق الحي لهذا العلم. وإن مما يعانيه المجتمع اليوم الانفصام البين بين العلم والتطبيق، فكثير من الناس لا ينقصهم المعرفة، ولكن ينقصهم جانب كبير من تطبيق لتلك المعرفة، وتحويلها إلى سلوك عملي مؤثر، ولذلك فإن من المهم اليوم أن يتجه الأساتذة والمربون، وهم قادة المجتمع ومربُّو أجياله، وقدوة ناشئته، إلى السيرة النبوية للارتباط بها، والسعي على تلقي تلك الدروس النبوية، ومعايشتها موضوعا وأسلوبا ومنهجا، والتي كان النبي يعلمها أصحابه، ثم يتلقاها أصحابه رضي الله عنهم، سلوكاً عملياً في حياتهم. وهذا هو المطلوب بالدرجة الأولى من المعلّم، أن يكون متمكنا من دفع الطالب للعمل بما علم، وأن تترجم تلك المعرفة التي يتلقاها الطلاب إلى سلوك في حياتهم في المنزل وفي المدرسة وفي الطريق ومع الجميع. ثم يستشعر أن التعليم من الأمور المطلوبة من الجميع، فهو حق متاح، بل واجب على الرجل والمرأة، فكل منهما كان يسعى ويتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كانت تلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العملية، فقد خصص الرسول صلى الله عليه وسلم يوما للنساء يتعلمن منه العلم الشرعي، لكونهن يطلبن ما يطلبه الرجال من الخير، ولما لهن من النصيب الأوفر في الرسالة التربوية المهمة، سواء في تربية أولادهن في المنازل أو التعليم في المدارس، فالأم هي المربية الأولى لجيل المستقبل، ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 حقها أن تنال من التعليم ما يعينها على تحقيق هذه الرسالة العظيمة المسندة إليها، وأن تكون مشاركة فعالة في تعليم بنات جنسها مختلف أنواع المعرفة المطلوبة في هذه الحياة. كما كان من ضمن اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم تعليم الصغار، وهذا إشارة عملية منه صلى الله عليه وسلم لما لهذا التعليم من مكانة في سلم التربية والتعليم، سواء في المنزل أو في المدرسة. فالأب لا يمكن أن تنحصر رسالته في تأمين مأكل أو مشرب أو كساء، ثم يغفل عن توجيه عقل هذا الناشئ، لقد كانت توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والعملية تتضافر نحو تأكيد الاهتمام بهذا الواجب، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشارك بنفسه في رعاية الصغار وتوجيههم نحو الصواب عندما يبدر من أحدهم خطأ كما مر معنا. وهو بهذا يعطينا الأسوة والقدوة للاهتمام والمتابعة والتعليم والتوجيه لهؤلاء الصغار، آباء كانوا أومعلمين، فالجميع يشتركون في حمل هذه الرسالة التعليمية المهمة. ثم يأتي بعد ذلك الارتباط بالسيرة لمعرفة الموضوعات التي كان يوليها الرسول صلى الله عليه وسلم العناية ويديم التركيز عليها، ليقوم معلم اليوم بالتركيز عليها، تأسيا واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ويوجه طلابه نحوها. كما يهتم بالأساليب والوسائل التي كان يستخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم متناسبة مع عصره، ليأتي معلم اليوم ويدرك أهمية الوسيلة التعليمية في التعليم، ومن ثم يستخدم الوسائل والأساليب المتاحة له اليوم لما لها من دور فعال في إيصال المعلومة إلى الطلاب. كل هذا تأكد لنا من خلال نتائج هذه الدراسة المختصرة لجزئية من سيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالتعليم، إذ برز اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه وتوجيههم، مما يشير إلى ما للتعليم عنده من عناية فائقة، واتبع في ذلك أرقى الأساليب التعليمية وأنجع الوسائل التي توصل إلى بعضها أخيراً النظريات التربوية الحديثة. وكان من نتائج هذه الدراسة بروز القيمة العلمية المهمة للجوانب التعليمية التي وردت في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي لابد من تنبيه المعلمين على قيمتها العظيمة للاستنارة بها في سيرتهم التعليمية. ولهذا يمكن توظيف نتائج هذه الدراسة فيما يحقق خدمة المعلمين في العصر الحاضر من خلال توجيه المعلمين للاستعانة بطريقة وأسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليمه الأصحاب، والمزج بينهما وبين النظريات التربوية الحديثة، وإبراز السيرة النبوية الشريفة في مختلف المواقف وتعميق ذلك في نفوس الطلاب، وكذلك دراسة تلك المواقف واستخلاص الفوائد المهمة المتصلة بالمعلم والربط بينها وبين مقدرته في إيصال المادة العلمية لتحقيق نجاح العملية التربوية. هذا خلاف ضرورة لفت انتباه الدارسين والممارسين من رجال التربية والتعليم إلى ما تحفل به السيرة النبوية الشريفة من لفتات تربوية عظيمة ينبغي أن تكون حاضرة في ذاكرة المعلم. وأخيراً لابد من توجيه نداء إلى القائمين على أمر التربية والتعليم بالاهتمام بإبراز الجوانب المختلفة في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فما تفرَّق في البشر من صفات الكمال تجمع في شخصه صلى الله عليه وسلم، وأخص من تلك الجوانب تلطفه صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه وحرصه على ذلك أشد الحرص. فالتركيز على كل هذه الجوانب المشرقة من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما ما يتعلق منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 بالوسائل والأساليب التربوية، وإبرازها من قبل المسؤولين عن المناهج في المؤسسات التربوية؛ لتكون نبراساً يستنير به المعلمون في أداء رسالتهم التعليمية، سيكون له - بإذن الله - أثر إيجابي في العملية التعليمية، وسيكون أدعى للقبول لدى المتلقي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 مصادر ومراجع ... فهرس المراجع 1- آداب المتعلمين للدكتور أحمد بن عبد الله الباتلي، الطبعة الأولى، 1418هـ، دار القاسم للنشر. 2- الاحتساب على الأطفال الأستاذ الدكتور فضل إلهي، الطبعة الأولى 1419هـ-1998م، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع – الرياض. 3- إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي، سنة الطبع 1403 هـ، ط دار المعرفة بيروت. 4- الأخلاق في الشريعة الإسلامية أحمد عليان، الطبعة الأولى 1420هـ -2000م. دار النشر الدولي – الرياض. 5- أساليب وطرق تدريس مواد التربية الإسلامية للدكتور عبد الرحمن ابن مبارك الفرج. الطبعة الأولى 1412هـ، مطبعة سفير – الرياض. 6- أفكار تربوية للدكتور إبراهيم عباس ننو – الطبعة الأولى (1400هـ-1981م) ، تهامة للنشر بجدة. 7- أيام رمضان (ثلاثون كلمة في الصيام) للدكتور صالح بن عبد الكريم الزيد، الطبعة الأولى 1416هـ -1995م، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع – الرياض. 8- إيقاظ الهمم المنتقى من جامع العلوم والحكم للحافظ أبي الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد السلامي، بقلم أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي. الطبعة الرابعة 1419هـ - 1998م، دار الجوزي للنشر والتوزيع. 9- بديع القرآن لابن أبي الإصبع المصري، الطبعة الثانية، ط دار النهضة – مصر، بتحقيق د. حفني شرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 10- بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها، شرح مختصر صحيح البخاري المسمى (جمع النهاية في بدء الخير والغاية) للحافظ أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، الطبعة الثالثة، 1979م، دار الجيل – بيروت – لبنان. 11- تاريخ التشريع الإسلامي (التشريع والفقه) للشيخ مناع القطان، الطبعة العاشرة 1413هـ -1992م، مؤسسة الرسالة – بيروت. 12- التربية العملية وأُسس طرق التدريس، دكتور إبراهيم عصمت مطاوع، وللدكتور واصف عزيز واصف. دار النهضة العربية، ودار النهضة العربية للطباعة والنشر – بيروت. 13- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، 1410هـ، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، حققه محمد زهير النجار. 14- جوامع الآداب في أخلاق الأنجاب للشيخ جمال الدين القاسمي، ط: مؤسسة قرطبة: مدينة الأندلس، الهرم. 15- حاشية السندي على سنن النسائي للشيخ أبي الحسن السندي، الطبعة الأولى 1348هـ ط: دار الفكر بيروت. 16- دراسات في المناهج والأساليب العامة للدكتور صالح ذياب هندي والأستاذ هشام عامر عليان، الطبعة السابعة 1419هـ-1999م، دار الفكر للطباعة والنشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 17- رسالة الخليج العربي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، العدد السابع والأربعون، 1414هـ-1993م. 18- الرسول والعلم، للدكتور يوسف القرضاوي، الطبعة السادسة، 1415هـ- 1995م مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت. 19- زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام شمس الدين محمد بن قيم الجوزية، الطبعة الأولى 1399هـ مؤسسة دار الرسالة. 20- سجود السهو لفضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين – مرامر للطباعة الإلكترونية. 21- شرح الكرماني على صحيح البخاري (المسمى الكواكب الدراري) ، الطبعة الثانية، 1401هـ-1981م، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان. 22- شعب الإيمان للبيهقي، الطبعة الأولى 1410هـ، بومباي، الدار السلفية، بتحقيق وتخريج مختار أحمد الندوي. 23- صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري،، دون طبعة، 1414هـ، 1994م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، حقق أصولها وأجازها الشيخ عبد الله بن باز. 24- صحيح سنن أبي داود باختصار السند، صحح أحاديثه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، إشراف الأستاذ زهير الشاويش، الطبعة الأولى 1409هـ - مكتب التربية العربي لدول الخليج – الرياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 25- صحيح سنن ابن ماجه، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية، 1408هـ - 1987م، مكتب التربية العربي لدول الخليج – الرياض. 26- صحيح سنن النسائي باختصار السند، صحح أحاديثه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، إشراف الأستاذ زهير الشاويش، الطبعة الأولى 1409هـ، مكتب التربية العربي لدول الخليج – الرياض. 27- صحيح مسلم، للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، بدون طبعة 1400هـ، نشر وتوزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 28- صحيح مسلم بشرح النووي، الطبعة الثانية 1414هـ - 1994م، ط مؤسسة قرطبة. 29- طرائق النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه رضوان الله عليهم للدكتور أحمد محمد العليمي، ط: دار ابن حزم. 30- عمدة القاري للعلامة العيني، ط دار الفكر – بيروت. 31- غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للشيخ محمد السفاريني الحنبلي، مكتبة الرياض الحديثة: الرياض. 32- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. قرأ أصله تصحيحاً وتحقيقاً الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز. رقَّم كتبه وأبوابه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه الشيخ محب الدين الخطيب، 1380هـ، المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 33- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني مع شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني، كلاهما للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان. 34- فن تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الناشئة، إعداد عبد العزيز بن أحمد يحيى آل صايل، الطبعة الأولى 1421هـ -2000م، دار الوطن للنشر – الرياض. 35- فيض القدير شرح الجامع الصغير لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي، الطبعة الثانية 1391هـ دار المعرفة. 36- كتاب العلم، لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، الطبعة الأولى 1420هـ/1999م، دار الثريا للنشر والتوزيع – الرياض. 37- مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان، الطبعة الثلاثون، 1417هـ-1996م، مؤسسة الرسالة – بيروت. 38- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر العيثمي بتحرير الحافظين الجليلين العراقي وابن حجر، دون طبعة 1406هـ/1986م، مكتبة المعارف – بيروت – لبنان. 39- المدخل إلى الدعوة والإرشاد، لمحمد أبو الفتح البيانوني، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م، مؤسسة الرسالة – بيروت. 40- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للعلامة الملا على القاري، بدون طبعة وسنة طبع، الناشر: المكتبة التجارية مكة المكرمة،، بتحقيق الأستاذ صدقي محمد جميل العطار. 41- المستدرك على الصحيحين للإمام أبي عبد الله الحاكم النيسابوري وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 42- مسند الإمام أحمد وفي حاشيته منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، دون طبعة ولا سنة، طبع دار صادر – بيروت. 43- المصنف للإمام عبد الرازق الصنعاني، الطبعة الأولى 1392هـ ط: المجلس العلمي جنوب إفريقيا، بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. 44- المغني للإمام ابن قدامة، الطبعة الأولى 1406هـ، ط: هجر للطباعة والنشر، القاهرة، بتحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ود. عبد الفتاح محمد الحلو. 45- من صفات الداعية اللين والرفق للدكتور فضل إلهي، الطبعة الأولى 1411هـ، إدارة ترجمان الإسلام باكستان. 46- من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين في ضوء الكتاب والسنة وسير الصالحين للدكتور فضل إلهي، الطبعة الأولى 1417هـ- 1996م، إدارة ترجمان الإسلام باكستان. 47- موسوعة نضرة النعيم إعداد مجموعة من المتخصصين، بإشراف صالح بن عبد الله بن حميد وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن ملُوح، الطبعة الأولى 1418هـ/1998م، دار الوسيلة للنشر والتوزيع – جدة. 48- الوابل الصيب من الكلم الطيب لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن قيم الجوزية، 1393هـ -1973م، مكتبة المؤيد – الطائف. 49- وسائل الاتصال والتكنولوجيا في التعليم، للدكتور حسني حمدي الطوبجي، الطبعة الثامنة – 1987م، دار القلم الكويت. 50- الوسائل التعليمية للأستاذ الدكتور إبراهيم عصمت مطاوع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58