الكتاب: البلدان المؤلف: أحمد بن إسحاق (أبي يعقوب) بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (المتوفى: بعد 292هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة: الأولى، 1422 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- البلدان لليعقوبي اليعقوبي الكتاب: البلدان المؤلف: أحمد بن إسحاق (أبي يعقوب) بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (المتوفى: بعد 292هـ) الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة: الأولى، 1422 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح، الكاتب الأصفهاني الأخباري الشهير باليعقوبي، وبابن الواضح، كان بحّاثة في التأريخ وأخبار البلدان في العصر العباسي الثاني. ولقد قيل فيه أنه يمكن عدّه معلماً جغرافياً للمسلمين وقيل أن الكثير من علماء الجغرافيا التالين لعصره أمثال ابن رستة وابن الفقيه والمسعودي الإصطخري وابن حوقل والمقدسي وغيرهم كانوا يعتبرونه أستاذاً لهم. كان جده واضح من موالي المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي وصالح بن منصور ولذا اشتهرت أسرته بالعباسي كان جده وأبوه من عمّال الحكومة ولكن لا يعلم أنه كان له موقع حكومي أم لا، بيد أنه يمكن فرض ذلك من خلال رحلاته المتكررة. ولد اليعقوبي في بغداد وعاش فيها ثم هاجر إلى بلاد فارس وأطال المقام في بلاد أرمينية وكان فيها سنة 260 هـ، ودخل الهند أيضاً والأقطار العربية، فالشام فالمغرب إلى الأندلس، وحظي في مصر والمغرب باهتمام الدولة الطولونية. لا يعلم تاريخ ولادته وأما وفاته فيبدو أنها كانت في سنة 284 هـ. آثاره له تأليفات عدة منها: كتاب في فتوحات وإنجازات طاهر بن الحسن، جغرافيا الإمبراطورية البيزنطية، تاريخ فتوحات أفريقيا، أخبار الأمم السالفة، المسالك والممالك، ملوك الروم، مشاكلة الناس لزمانهم، تاريخ اليعقوبي، البلدان. المقدمة بسم الله الرّحمن الرّحيم إن من أمتع الكتب قراءة وفائدة تلك الكتب التي تحكي تاريخ البلدان، والمدن ونشأتها، وأسباب تسميتها، وعادات أهلها، وتقاليدهم، ولا سيما أن كثيرا منها ما زال حتى أيامنا هذه. إن كتاب «البلدان» للمؤرخ الرحالة أحمد بن أبي يعقوب الشهير باليعقوبي غني جدا بسعة آفاقه وإطلالته التاريخية على أسباب نشوء وتسمية البلدان، والمدن، والأمم وتاريخها. والجدير ذكره أن اليعقوبي في هذا الكتاب يذكر مشاهداته في تلك البلدان والمدن، ويذكر أيضا سؤاله أهلها عن بعض أمور فيها، ثم يورد رأيه فيما سمعه منهم هل كان منطقيا مقنعا أم هو محض خرافة تناقلها أهل ذلك المصر. وفي معرض حديثه يعلّق على ذلك مشيرا إلى بعد رواية أهل ذلك الزمان عن المنطق والعقل. وذكر من فتح البلاد من الخلفاء والأمراء ومبلغ خراجها، فلم يدع صغيرة ولا كبيرة وقف عليها إلا وأحصاها في الكتاب، فجاء مصنفه «كتاب البلدان» أقدم مصدر جغرافي، وأوثقه لما تحمّله في تأليفه من جهد وعناء وعناية وحسن بلاء. ولكن مهما يكن الأمر فقد جاء كتاب «البلدان» كتابا ممتعا، تاريخيا، وجغرافيا على يد رحالة عالم بالأسفار وبأخبار الأمم السالفة. محمد أمين الضناوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 ترجمة المؤلف «1» هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب الأصبهاني الإخباري الشهير باليعقوبي، وبابن الواضح، وكان يقال له: مولى بني العباس، ومولى بني هاشم، لأنّ جده كان من موالي المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي، وكان هو بحّاثة في التأريخ، وأخبار البلدان، ولقد أعطى التنقيب حقّه في سياحته في البلاد شرقا وغربا، ودخل بلاد فارس وأطال المقام في بلاد أرمينية وكان فيها سنة 260 [هـ] ، ودخل الهند أيضا والأقطار العربية، فالشام فالمغرب إلى الأندلس، وأغرق نزعا في البحث فطفق يسائل أهل الأمصار عنها وعنهم، وعن عاداتهم، ونحلهم، وحكوماتهم، وعن المسافات بين البلاد، فإذا وثق بنقلهم أثبته في كتابه. وذكر من فتح البلاد من الخلفاء والأمراء ومبلغ خراجها، فلم يدع صغيرة ولا كبيرة وقف عليها إلا وأحصاها في الكتاب، فجاء مصنفه «كتاب البلدان» أقدم مصدر جغرافي، وأوثقه لما تحمّله في تأليفه من جهد وعناء وعناية وحسن بلاء. وكان نبوغه في القرن الثالث لأنه كان حيا سنة 292 هـ، ففي ليلة عيد الفطر منها تذكّر ما كان عليه بنو طولون في مثل هذه الليلة من بلهنية «2» العيش، والنعيم الرغيد، والوفر السابغ ورثاهم بأبيات مطلعها: [الكامل] إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم ... فارتع وعج «3» بمراتع الميدان إذا فلا يكاد يصح ما في معجم الأدباء عن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب المصري في تأريخه من أن اليعقوبي توفي سنة 284 [هـ] ، ولا ما ذكره الزركلي في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الأعلام من أن وفاته كانت سنة 278 [هـ] ، وكأنّه تبع جرجي زيدان الذي صدّر ترجمته بهذا التأريخ، لكنه يقول في أثنائها في تأريخ آداب اللغة العربية «1» : «ولكن يؤخذ من سياق كتبه أنه توفي بعد سنة 278 [هـ] » . والمترجم له من معاصري أبي حنيفة الدينوري «2» المتوفى سنة 282 [هـ] ؛ كما وأنه صحبه سعيد الطبيب «3» ، وأن حفيده محمد بن أحمد بن خليل التميمي المقدسي ابن سعيد المذكور يروي في كتابه «جيب العروس وريحان النفوس» عن اليعقوبي بواسطة أبيه أحمد وجده خليل. آثاره ذكر ياقوت الحموي «4» في معجم الأدباء من آثار المترجم له التأريخ الكبير الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 نشره المستشرق هو تسما في ليدن سنة 1883 [م] ، في مجلدين الأول: «في التأريخ القديم على العموم من آدم فما بعده إلى ظهور الإسلام» ، وتدخل فيه أخبار الإسرائيليين، والسريان، والهنود، واليونان، والرومان، والفرس، والنوبة، والبجة، والزنج، والحميريين، والغساسنة، والمناذرة. والثاني: «في تأريخ الإسلام وينتهي في زمن المعتمد على الله الخامس عشر من خلفاء بني العباس» أي إلى سنة 259 [هـ] ، وقد رتبه حسب الخلفاء، ومن المزايا التي يمتاز بها عن سائر التواريخ العامة فضلا عن قدمه أن مؤلفه يأتي فيه بلباب التأريخ، ويتحرّى القضايا الصادقة مما لا يلتزم به إلا المؤرخ المتصف، فيملي عليك الوقايع والحوادث الصحيحة حتى كأنك شاهدتها بنفسك ورأيتها بعينك ببيان سلس وأسلوب جذّاب. ومن آثاره أيضا «كتاب البلدان» في الجغرافية وهو هذا الكتاب الذي نزفه إلى القراء الكرام، وكان قد طبع أولا في ليدن سنة 1861 [م] بعناية المستشرق «جونبول» ، وطبع أيضا في جملة المكتبة الجغرافية الذي طبع فيها ثمانية مجلدات من كتب الجغرافية العربية بعناية المستشرق «ديغويه» وقد أوقفناك على أهمية الكتاب وعناء صاحبه به ومقدار الثقة به. ومن آثاره أيضا كتاب في «أخبار الأمم السالفة» صغير، وكتاب «مشاكلة الناس لزمانهم» ، هذه الكتب الأربعة هي التي ذكرها ياقوت الحموي في المعجم، ويظهر من آخر النسخة المطبوعة من «كتاب البلدان» أن له كتابا آخر أسماه بكتاب «الممالك والمسالك» ، وكان المترجم له شاعرا ونبوغه قبل الطبري، والمسعودي، ومن بديع شعره قوله يصف سمرقند «1» : [المنسرح] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 علت سمرقند أن يقال لها ... زين خراسان جنة الكور أليس أبراجها معلقة ... بحيث لا تستبين للنظر ودون أبراجها خنادقها ... عميقة ما ترام من ثغر فكأنها وهي وسط حائطها ... محفوفة بالظلال والشجر فبدر وأنهارها المجرة وال ... آطام مثل الكواكب الزهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 بسم الله الرّحمن الرّحيم [خطبة الكتاب] الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابه، وجعل الحمد كفاء لنعمه، وآخر دعاء أهل جنته، خالق السماوات العلى والأرضين السفلى، وما بينهما وما تحت الثرى، العالم بما خلق قبل كونه، والمدبر لما أحدث على غير مثال من غيره، أحاط بكل شيء علما وأحصاه عددا، له الملك والسلطان والعزة وهو على كل شيء قدير وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم. قال أحمد بن أبي يعقوب: إني عنيت في عنفوان شبابي، وعند احتيال سني، وحدّة ذهني بعلم أخبار البلدان، ومسافة ما بين كل بلد وبلد، لأني سافرت حديث السن، واتصلت أسفاري، ودام تغربي، فكنت متى لقيت رجلا من تلك البلدان سألته عن وطنه ومصره، فإذا ذكر لي محل داره وموضع قراره، سألته عن بلده ذلك في ... لدته «1» ما هي؟ وزرعه ما هو؟ وساكنيه من هم من عرب أو عجم؟ ... شرب أهله حتى أسأل عن لباسهم ... ودياناتهم ومقالاتهم والغالبين عليه والمنرا «2» ... مسافة ذلك البلد، وما يقرب منه من البلدان.. والرواحل، ثم أثبتّ كل ما يخبرني به من أثق بصدقه، وأستظهر بمسألة قوم بعد قوم، حتى سألت خلقا كثيرا، وعالما من الناس في الموسم وغير الموسم، من أهل المشرق والمغرب، وكتبت أخبارهم، ورويت أحاديثهم، وذكرت من فتح بلدا بلدا، وجنّد مصرا مصرا «3» من الخلفاء والأمراء، ومبلغ خراجه وما يرتفع من أمواله، فلم أزل أكتب هذه الأخبار وأؤلّف هذا الكتاب دهرا طويلا، وأضيف كل خبر إلى بلده، وكل ما أسمع به من ثقات أهل الأمصار إلى ما تقدمت عندي معرفته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وعلمت أنه لا يحيط المخلوق بالغاية، ولا يبلغ البشر النهاية، وليست شريعة لا بد من تمامها، ولا دين لا يكمل إلا بالإحاطة به، وقد يقول أهل العلم في علم أهل الدين الذين هو الفقه مختصر كتاب فلان الفقيه، ويقول أهل الآداب في كتب الآداب مثل اللغة، والنحو، والمغازي، والأخبار، والسير مختصر كتاب كذا، فجعلنا هذا الكتاب مختصرا لأخبار البلدان، فإن وقف أحد من أخبار بلد مما ذكرنا على ما لم نضمّنه كتابنا هذا، فلم نقصد أن يحيط بكل شيء. وقد قال الحكيم: ليس طلبي للعلم طمعا في بلوغ قاصيته، واستيلاء على نهايته، ولكن معرفة ما لا يسع جهله، ولا يحسن بالعاقل خلافه، وقد ذكرت أسماء الأمصار، والأجناد، والكور، وما في كل مصر من المدن والأقاليم، والطساسيج «1» ، ومن يسكنه، ويغلب عليه، ويترأس فيه من قبائل العرب، وأجناس العجم، ومسافة ما بين البلد والبلد، والمصر والمصر، ومن فتحه من قادة جيوش الإسلام، وتأريخ ذلك في سنته، وأوقاته، ومبلغ خراجه، وسهله، وجبله، وبرّه، وبحره، وهوائه في شدة حرّه، وبرده، ومياهه، وشربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 بغداد وإنما ابتدأت بالعراق «1» لأنها وسط الدنيا، وسرة الأرض، وذكرت بغداد «2» لأنها وسط العراق، والمدينة العظمى، التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة، وكبرا، وعمارة وكثرة مياه، وصحة، وهواء. ولأنه سكنها من أصناف الناس، وأهل الأمصار، والكور «3» ، [و] «4» انتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية، وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم، فليس من أهل البلد إلا ولهم فيها محلة، ومتجر، ومتصرّف، فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ثم يجري في حافيتها النهران الأعظمان دجلة «1» والفرات «2» فتأتيها التجارات والمير «3» برا وبحرا بأيسر السعي حتى تكامل بها كل متجر يحمل من المشرق والمغرب من أرض الإسلام وغير أرض الإسلام فإنه يحمل إليها من الهند «4» والسند «5» والصين» والتبت «7» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 والترك «1» والديلم «2» والخزر «3» والحبشة «4» ، وسائر البلدان، حتى يكون بها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 تجارات البلدان أكثر مما في تلك البلدان التي خرجت التجارات منها، ويكون مع ذلك أوجد وأمكن، حتى كأنما سيقت إليها خيرات الأرض، وجمعت فيها ذخائر الدنيا، وتكاملت بها بركات العالم، وهي مع هذا مدينة بني هاشم «1» ودار ملكهم، ومحل سلطانهم، لم يبتد بها أحد قبلهم، ولم يسكنها ملوك سواهم. ولأن سلفي كانوا القائمين بها، واحدهم تولى أمرها، ولها الاسم المشهور والذكر الذائع، ثم هي وسط الدنيا، لأنها على ما أجمع عليه قول الحساب وتضمّنته كتب الأوائل من الحكماء في الإقليم الرابع، وهو الإقليم الأوسط الذي يعتدل فيه الهواء في جميع الأزمان والفصول. فيكون الحرّ بها شديدا في أيام القيظ، والبرد شديدا في أيام الشتاء، ويعتدل الفصلان الخريف والربيع في أوقاتهما. ويكون دخول الخريف إلى الشتاء غير متباين الهواء، ودخول الربيع إلى الصيف غير متباين الهواء، وكذلك كل فصل ينتقل من هواء إلى هواء، ومن زمان إلى زمان، فلذلك اعتدل الهواء، وطاب الثوى «2» ، وعذب الماء، وزكت الأشجار، وطابت الثمار، وأخصبت الزروع، وكثرت الخيرات، وقرب مستنبط معينها «3» . وباعتدال الهواء، وطيب الثرى، وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها، ونضرت وجوههم، وانفتقت أذهانهم حتى فضلوا الناس في العلم، والفهم، والأدب، والنظر، والتمييز، والتجارات، والصناعات، والمكاسب، والحذق «4» بكل مناظرة، وإحكام كل مهنة، وإتقان كل صناعة، فليس عالم أعلم من عالمهم، ولا أروى من روايتهم، ولا أجدل من متكلّمهم، ولا أعرب «5» من نحويهم «6» ، ولا أصح من قارئهم، ولا أمهر من متطبّبهم، ولا أحذق من مغنّيهم، ولا ألطف من صانعهم، ولا أكتب من كاتبهم، ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 أبين من منطيقهم «1» ، ولا أعبد من عابدهم، ولا أورع من زاهدهم، ولا أفقه من حاكمهم، ولا أخطب من خطيبهم، ولا أشعر من شاعرهم، ولا أفتك من ماجنهم. ولم تكن بغداد مدينة «2» في الأيام المتقدّمة، أعني أيام الأكاسرة «3» والأعاجم «4» ، وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادوريا «5» . وذلك أن مدينة الأكاسرة التي خاروها «6» من مدن العراق المدائن «7» ، وهي من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بغداد على سبعة فراسخ وبها إيوان «1» كسرى أنوشروان «2» ، ولم يكن ببغداد إلا دير على موضع مصبّ الصراة «3» إلى دجلة الذي يقال له: قرن الصراة، وهو الدير الذي يسمى الدير العتيق، قائم بحاله إلى هذا الوقت، نزله الجاثليق «4» رئيس النصارى النسطورية «5» . ولم تكن أيضا بغداد في أيام العرب لمّا جاء الإسلام لأن العرب اختطت البصرة، والكوفة «6» ، فاختط الكوفة سعد بن أبي وقاص الزهري «7» في سنة سبع عشرة، وهو عامل عمر بن الخطاب «8» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 واختط البصرة عتبة بن غزوان المازني «1» - مازن قيس- في سنة سبع عشرة وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 واختطت العرب في هاتين المدينتين خططها إلا أن القوم جميعا قد انتقل وجوههم وجلتهم ومياسير تجارهم «1» إلى بغداد. ولم ينزل بنو أمية العراق لأنهم كانوا نزولا بالشام، وكان معاوية بن أبي سفيان «2» عامل الشام لعمر بن الخطاب، ثم لعثمان بن عفان «3» عشرين سنة، وكان ينزل مدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 دمشق وأهله معه، فلمّا غلب على الأمر وصار إليه السلطان «1» جعل منزله وداره دمشق التي بها كان سلطانه، وأنصاره، وشيعته. ثم نزل بها ملوك بني أمية بعد معاوية لأنهم بها نشأوا لا يعرفون غيرها، ولا يميل إليهم إلا أهلها، فلمّا أفضت الخلافة إلى بني عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ولد العباس بن عبد المطلب «2» عرفوا بحسن تمييزهم، وصحة عقولهم، وكمال آرائهم فضل العراق، وجلالتها، وسعتها، ووسطها للدنيا، وأنها ليست كالشام الوبيئة الهواء، الضيقة المنازل، الحزنة الأرض، المتصلة الطواعين، الجافية الأهل. ولا كمصر المتغيرة الهواء، الكثيرة الوباء، التي إنّما هي بين بحر رطب عفن «3» كثير البخارات الرديئة التي تولد الأدواء وتفسد الغذاء، وبين الجبل اليابس «4» الصلد الذي ليبسه، وملوحته، وفساده لا ينبت فيه خضر ولا ينفجر منه عين ماء. ولا كأفريقية «5» البعيدة عن جزيرة الإسلام وعن بيت الله الحرام، الجافية الأهل، الكثيرة العدو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ولا كأرمينية، النائية الباردة، الصردة «1» الحزنة التي يحيط بها الأعداء، ولا مثل كور الجبل، الحزنة، الخشنة، المثلجة، دار الأكراد «2» ، الغيلظي الأكباد. ولا كأرض خراسان، الطاعنة في مشرق الشمس، التي يحيط بها من جميع أطرافها عدوّ كلب، ومحارب حرب. ولا كالحجاز «3» ، النكدة المعاش، الضيقة المكسب، التي قوت أهلها من غيرها، وقد أنبأنا الله عز وجل في كتابه عن إبراهيم خليله عليه السّلام فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ [إبراهيم: 37] . ولا كالتبت، التي بفساد هوائها، وغذائها تغيرت ألوان أهلها، وصغرت أبدانهم، وتجعّدت شعورهم، فلما علموا أنها أفضل البلدان نزلوا مختارين لها، فنزل أبو العباس أمير المؤمنين وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الكوفة أول مرة، ثم انتقل إلى الأنبار «4» ، فبنى مدينة على شاطىء الفرات، وسماها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الهاشمية «1» ، وتوفي أبو العباس رضي الله عنه قبل أن يستتم المدينة. فلما ولي أبو جعفر المنصور «2» الخلافة، وهو أيضا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب بنى مدينة بين الكوفة، والحيرة «3» سماها الهاشمية، وأقام بها مدة، إلى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عزم على توجيه ابنه محمد المهدي «1» لغزو الصقالبة «2» في سنة أربعين ومائة، فصار إلى بغداد، فوقف بها وقال: ما اسم هذا الموضع؟ قيل له: بغداد. قال: والله المدينة التي أعلمني أبي محمد بن علي أني أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي من بعدي. ولقد غفلت عنها الملوك في الجاهلية والإسلام حتى يتم تدبير الله، إليّ وحكمه فيّ، وتصح الروايات، وتبين الدلائل والعلامات، وإلا فجزيرة بين دجلة والفرات، دجلة شرقيها، والفرات غربيها، مشرعة للدنيا. كل ما يأتي في دجلة من واسط «3» والبصرة والأبلة «4» والأهواز، وفارس «5» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وعمان «1» واليمامة «2» والبحرين «3» وما يتصل بذلك، فإليها ترقى، وبها ترسى. وكذلك ما يأتي من الموصل «4» وديار ربيعة «5» وآذربيجان وأرمينية مما يحمل في السفن في دجلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وما يأتي من ديار مصر، والرقة «1» والشام «2» والثغر «3» ومصر والمغرب «4» مما يحمل في السفن في الفرات. فيها يحطّ وينزل ومدرجة أهل الجبل أصبهان وكور خراسان، فالحمد لله الذي ذخرها لي، وأغفل عنها كل من تقدّمني، والله لأبنيها ثم أسكنها أيام حياتي، ويسكنها ولدي من بعد، ثم لتكونن أعمر مدينة في الأرض، ثم لأبنين بعدها أربع مدن لا تخرب واحدة منهن أبدا، فبناها، وهي الرافقة «5» ولم يسمها، وبنى ملطية المصيصة، وبنى المنصورة «6» بالسند، ثم وجه في إحضار المهندسين وأهل المعرفة بالبناء، والعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 بالذرع، والمساحة، وقسمة الأرضين حتى اختط مدينته المعروفة بمدينة أبي جعفر «1» ، وأحضر البنائين والفعلة والصناع من النجارين، والحدادين، والحفارين، فلما اجتمعوا وتكاملوا أجرى عليهم الأرزاق، وأقام لهم الأجرة، وكتب إلى كل بلد في حمل من فيه ممن يفهم شيئا من البناء فحضره مائة ألف من أصناف المهن والصناعات. خبّر بهذا جماعة من المشايخ أن أبا جعفر المنصور لم يبتد البناء حتى تكامل له من الفعلة وأهل المهن مائة ألف. ثم اختطها في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائة، وجعلها مدورة، ولا تعرف في جميع أقطار الدنيا مدينة مدورة «2» غيرها. ووضع أساس المدينة في وقت اختاره نوبخت المنجم، وما شاء الله بن سارية، وقبل وضع الأساس ما ضرب اللبن العظام. وكان في اللبنة التامة المربعة ذراع في ذراع، وزنها مائتا رطل، واللبنة المنصفة طولها ذراع، وعرضها نصف ذراع، ووزنها مائة رطل، وحفرت الآبار للماء وعملت القناة التي تأخذ من نهر كرخابا «3» ، وهو النهر الآخذ من الفرات فأتقنت القناة وأجريت إلى داخل المدينة للشرب، ولضرب اللبن، وبلّ الطين، وجعل للمدينة أربعة أبواب، بابا سماه باب الكوفة، وبابا سماه باب البصرة، وبابا سماه باب خراسان، وبابا سماه باب الشام، وبين كل باب منها إلى الآخر خمسة آلاف ذراع بالذراع السوداء «4» من خارج الخندق، وعلى كل باب منها بابا حديد عظيمان جليلان، ولا يغلق الباب الواحد منها، ولا يفتحه إلا جماعة رجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 يدخل الفارس بالعلم، والرامح بالرمح الطويل من غير أن يميل العلم، ولا يثني الرمح، وجعل سورها باللبن العظام التي لم ير مثلها قط على ما وصفنا من مقدارها والطين. وجعل أساس السور تسعين ذراعا بالسوداء، ثم ينحطّ حتى يصير في أعلاه على خمس وعشرين ذراعا، وارتفاعه ستون ذراعا مع الشرفات، وحول السور فصيل «1» جليل عظيم، بين حائط السور وحائط الفصيل مائة ذراع بالسوداء. وللفصيل أبرجة عظام وعليه الشرفات المدوّرة، وخارج الفصيل، كما يدور، مسناة «2» بالآجر «3» والصاروج «4» متقنة محكمة عالية، والخندق بعد المسناة قد أجري فيه الماء من القناة التي تأخذ من نهر كرخابا، وخلف الخندق الشوارع العظماء. وجعل لأبواب المدينة أربعة دهاليز عظاما آزاجا «5» كلها، حول كل دهليز ثمانون ذراعا كلها معقودا بالآجر والجص. فإذا دخل من الدّهليز الذي على الفصيل وافى رحبة مفروشة بالصخر، ثم دهليزا على السور الأعظم عليه بابا حديد جليلان عظيمان، لا يغلق كل باب ولا يفتحه إلا جماعة رجال، والأبواب الأربعة كلها على ذلك، فإذا دخل من دهليز السور الأعظم سار في رحبة إلى طاقات معقودة بالآجر والجص، فيها كواء رومية «6» يدخل منها الشمس والضوء، ولا يدخل منها المطر وفيها منازل الغلمان، ولكل باب من الأبواب الأربعة طاقات وعلى كل باب من أبواب المدينة التي على السور الأعظم قبة معقودة عظيمة مذهبة، وحولها مجالس، ومرتفعات يجلس فيها فيشرف على كل ما يعمل به، يصعد إلى هذه القباب على عقود مبنية بعضها بالجص والآجر، وبعضا باللبن العظام. قد عملت آزاجا بعضها أعلى من بعض فداخل الآزاج للرابطة والحرس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وظهورها عليها المصعد إلى القباب التي على الأبواب على الدواب، وعلى المصعد أبواب تغلق فإذا خرج الخارج من الطاقات خرج إلى رحبة، ثم إلى دهليز عظيم أزج معقود بالآجر والجص عليه بابا حديد يخرج من الباب إلى الرحبة العظمى، وكذلك للطاقات الأربعة على مثال واحد. وفي وسط الرحبة القصر الذي سمي بابه باب الذهب، وإلى جنب القصر المسجد الجامع، وليس حول القصر بناء ولا دار، ولا مسكن لأحد إلا دار من ناحية الشام للحرس، وسقيفة كبيرة ممتدة على عمد مبنية بالآجر والجص يجلس في إحداهما صاحب الشرطة وفي الأخرى صاحب الحرس، وهي اليوم يصلي فيها الناس، وحول الرحبة. كما تدور منازل أولاد المنصور الأصاغر ومن يقرب من خدمته من عبيده وبيت المال، وخزانة السلاح، وديوان الرسائل «1» ، وديوان الخراج «2» ، وديوان الخاتم «3» ، وديوان الجند «4» ، وديوان الحوائج «5» ، وديوان الأحشام «6» ، ومطبخ العامة، وديوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 النفقات، وبين الطاقات «1» إلى الطاقات، السكك «2» ، والدروب تعرف بقواده، ومواليه، وبسكان كل سكة. فمن باب البصرة إلى باب الكوفة سكة الشرطة، وسكة الهيثم، وسكة المطبق، وفيها الحبس الأعظم الذي يسمى المطبق، وثيق البناء محكم السور، وسكة النساء، وسكة سرجس، وسكة الحسين، وسكة عطية مجاشع، وسكة العباس، وسكة غزوان، وسكة ابن حنيفة، وسكة الضيقه. ومن باب البصرة إلى باب خراسان سكة الحرس، وسكة النعيمية، وسكة سليمان، وسكة الربيع، وسكة مهلهل، وسكة شيخ بن عميرة، وسكة المرورودية، وسكة واضح، وسكة السقائين، وسكة ابن بريهة بن عيسى بن المنصور، وسكة أبي أحمد، والدرب الضيق. ومن باب الكوفة إلى باب الشام سكة العكي، وسكة أبي قرة، وسكة عبدويه، وسكة السميدع، وسكة العلاء، وسكة نافع، وسكة أسلم، وسكة منارة. ومن باب الشام إلى باب خراسان سكة المؤذنين، وسكة دارم، وسكة إسرائيل، وسكة تعرف في هذا الوقت بالقواريري- قد ذهب عني اسم صاحبها-، وسكة الحكم بن يوسف، وسكة سماعة، وسكة صاعد- مولى أبي جعفر-، وسكة تعرف اليوم بالزيادي- وقد ذهب عني اسم صاحبها-، وسكة غزوان. هذه السكك بين الطاقات، والطاقات داخل المدينة وداخل السور، وفي كل سكة من هذه السكك جلة القواد الموثوق بهم في النزول معه، وجلة مواليه ومن يحتاج إليه في الأمر المهم، وعلى كل سكة من طرفيها الأبواب الوثيقة، ولا تتصل سكة منها بسور الرحبة التي فيها دار الخلافة، لأن حوالي سور الرحبة كما تدور الطريق، وكان الذين هندسوها عبد الله بن محرز، والحجاج بن يوسف «3» ، وعمران بن الوضّاح، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وشهاب بن كثير بحضرة نوبخت، وإبراهيم بن محمد الفزاري «1» ، والطبري المنجمين أصحاب الحساب. وقسم الأرباض «2» أربعة أرباع، وقلّد للقيام بكل ربع رجلا من المهندسين، وأعطى أصحاب كل ربع مبلغ ما يصير لصاحب كل قطيعة من الذرع، ومبلغ ذرع ما لعمل الأسواق في ربض ربض. فقلّد الربع من باب الكوفة إلى باب البصرة، وباب المحوّل «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والكرخ «1» وما اتصل بذلك كله المسيب بن زهير «2» ، والربيع مولاه وعمران بن الوضاح المهندس. والربع من باب الكوفة إلى باب الشام، وشارع طريق الأنبار إلى حد ربض حرب بن عبد الله «3» [و] «4» سليمان بن مجالد وواضحا مولاه، وعبد الله بن محرز المهندس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 والربع من باب الشام إلى ربض حرب وما اتصل بربض حرب، وشارع باب الشام، وما اتصل بذلك إلى الجسر على منتهى دجلة حرب بن عبد الله وغزوان مولاه، والحجاج بن يوسف المهندس، ومن خراسان إلى الجسر الذي على دجلة مادا في الشارع على دجلة إلى البغيين «1» ، وباب قطر بن هشام [بن] «2» عمرو التغلبي وعمارة بن حمزة «3» وشهاب بن كثير المهندس. ووقّع إلى كل أصحاب ربع ما يصير لكل رجل من الذرع، ولمن معه من أصحابه، وما قدّره للحوانيت والأسواق في كل ربض، وأمرهم أن يوسعوا في الحوانيت ليكون في كل ربض سوق جامعة تجمع التجارات، وأن يجعلوا في كل ربض من السكك، والدروب النافذة، وغير النافذة ما يعتدل بها المنازل، وأن يسموا كل درب باسم القائد النازل فيه، أو الرجل النبيه الذي ينزله، أو أهل البلد الذي يسكنونه، وحد لهم أن يجعلوا عرض الشوارع خمسين ذراعا- بالسوداء، والدروب ستة عشر ذراعا، وأن يبتنوا في جميع الأرباض، والأسواق، والدروب من المساجد والحمامات ما يكتفي بها من في كل ناحية ومحلة. وأمرهم جميعا أن يجعلوا من قطائع القواد والجند ذراعا معلوما للتجار يبنونه وينزلونه، والسوقة الناس، وأهل البلدان. وكان أول من أقطع خارج المدينة من أهل بيته عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي بن العباس «4» بإزاء باب الكوفة على الصرّاة «5» السفلى التي تأخذ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الفرات، فريضه يعرف بسويقة عبد الوهاب، وقصره هناك قد خرب. وبلغني أن السويقة أيضا قد خربت وأقطع العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب» الجزيرة التي بين الصراتين فجعلها العباس بستانا ومزروعا، وهي العباسية المذكورة المشهورة التي لا تنقطع غلّاتها في صيف، ولا شتاء، ولا في وقت من الأوقات. واستقطع العباس لنفسه لما جعل الجزيرة بستانا في الجانب الشرقي وفي آخر العباسية تجتمع الصراتان والرحا العظمى التي يقال لها رحا البطريق «2» ، وكانت مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 حجر تغلّ في كل سنة مائة ألف ألف درهم، هندسها بطريق قدم عليه من ملك الروم فنسبت إليه. وأقطع الشروية وهم موالي محمد بن علي بن عبد الله بن العباس دون سويقة عبد الوهاب مما يلي باب الكوفة، وكانوا بوابية رئيسهم حسن الشروي. وأقطع المهاجر بن عمرو صاحب ديوان الصدقات في الرحبة التي تجاه باب الكوفة، فهناك ديوان الصدقات وبإزائه قطيعة ياسين صاحب النجائب وخان النجائب، ودون خان النجائب إصطبل الموالي. وأقطع المسيّب بن زهير الضبي صاحب الشرطة يمنة باب الكوفة للداخل إلى المدينة مما يلي باب البصرة، فهناك دار المسيب ومسجد المسيب ذو المنارة الطويلة. وأقطع أزهر بن زهير أخا المسيّب في ظهر قطيعة المسيّب مما يلي القبلة وهو على الصراة، وهناك دار أزهر وبستان أزهر إلى هذه الغاية. ويتصل بقطيعة المسيّب وأهل بيته قطيعة أبي العنبر مولى المنصور مما يلي القبلة، وعلى الصراة قطيعة الصحابة، وكانوا من سائر قبائل العرب من قريش، والأنصار، وربيعة، ويمن، وهناك دار عياش المنتوف وغيره، ثم قطيعة يقطين بن موسى «1» أحد رجال الدولة وأصحاب الدعوة، ثم نعبر الصراة العظمى التي اجتمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فيها الصراتان: الصراة العليا، والصراة السفلى، وعليها القنطرة المعقودة بالجص والآجر المحكمة الوثيقة التي يقال لها: القنطرة العتيقة، لأنها أول شيء بناه، وتقدم في إحكامه، فتعرّج من القنطرة ذات اليمين إلى القبلة إلى قطيعة إسحاق بن عيسى بن علي، وقصوره ودوره شارعة على الصراة العظمى من الجانب الشرقي. والطريق الأعظم بين الدور والصراة. ومن قطيعة عيسى بن علي «1» إلى قطيعة أبي السري الشامي مولى المنصور، ثم الطاق المعقود عليه الباب المعروف بباب المحوّل فتصير منه إلى ربض حميد بن قحطبة الطائي «2» . وربض حميد شارع على الصراة العليا، وهناك دار حميد وأصحابه وجماعة من آل قحطبة بن شبيب «3» ، ثم يتصل ذلك بقطيعة الفراشين، وتعرف بدار الروميين، وتشرع على نهر كرخابا، ثم تعود إلى الشارع الأعظم، وهو شارع باب المحوّل، وفيه سوق عظيمة فيها أصناف التجارات، ثم يتّصل ذلك بالحوض العتيق، وهناك منازل الفرس أصحاب الشاه، ثم يستمر المسير إلى الموضع المعروف بالكناسة «4» ، فهناك مرابط دواب العامة، ومواضع نخّاسي الدواب، ثم المقبرة القديمة المعروفة بالكناسة مادة إلى نهر عيسى بن علي الذي يأخذ من الفرات والدباغين، وبإزاء قطيعة الروميين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 على نهر كرخابا الذي عليه القنطرة المعروفة بالروميين دار كعيوبة البستانيان الذي غرس النخل ببغداد، ثم بساتين متصلة غرسها كعيوبة البصري إلى الموضع المعروف ببراثا «1» . ثم رجعنا إلى القنطرة العتيقة، فقبل أن تعبر القنطرة مشرقا إلى ربض أبي الورد كوثر بن اليمان خازن بيت المال، وسوق فيها سائر البياعات تعرف بسويقة أبي الورد إلى باب الكرخ، وفي ظهر قطيعة أبي الورد كوثر بن اليمان قطيعة حبيب بن رغبان الحمصي، وهناك مسجد ابن رغبان، ومسجد الأنباريين كتّاب ديوان الخراج، وقبل أن تعبر إلى القنطرة العتيقة، وأنه مقبل من باب الكوفة في الشارع الأعظم قطيعة سليم مولى أمير المؤمنين صاحب ديوان الخراج، وقطيعة أيوب بن عيسى الشروي. ثم قطيعة رباوة الكرماني وأصحابه وتنتهي إلى باب المدينة المعروف بباب البصرة، وهو مشرف على الصراة، ودجلة وبإزائه القنطرة الجديدة لأنها آخر ما بني من القناطر، وعليها سوق كبير فيها سائر التجارات مادة متصلة، ثم ربض وضاح مولى أمير المؤمنين المعروف بقصر وضاح صاحب خزانة السلاح، وأسواق هناك وأكثر من فيه في هذا الوقت الوراقون أصحاب الكتب فإن به أكثر من مائة حانوت للوراقين. ثم إلى قطيعة عمرو بن سمعان الحراني وهناك طاق الحراني «2» ، ثم الشرقية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وإنما سميت الشرقية «1» لأنها قدرت مدينة للمهدي قبل أن يعزم على أن يكون نزول المهدي في الجانب الشرقي من دجلة فسميت الشرقية وبها المسجد الكبير، وكان يجمع فيه يوم الجمعة، وفيه منبر وهو المسجد الذي يجلس فيه قاضي الشرقية، ثم أخرج المنبر منه، وتنعرج من الشرقية مارا إلى قطيعة جعفر بن المنصور على شطّ دجلة وبها دار عيسى بن جعفر وتقرب منها دار جعفر بن جعفر المنصور. ثم تخرج من هذه الطرق الأربعة التي ذكرنا إلى شارع باب الكرخ، فأولها عند باب النخاسين، ثم الأسواق مادة في جانبي الشارع، وتنعرج من باب الكرخ متيامنا إلى قطيعة الربيع مولى أمير المؤمنين التي فيها تجار خراسان من البزازين «2» وأصناف ما يحمل من خراسان من الثياب لا يختلط بها شيء وهناك النهر الذي يأخذ من كرخابا عليه منازل التجار يقال له نهر الدجاج «3» لأنه كان يباع عليه الدجاج في ذلك الوقت، وفي ظهر قطيعة الربيع «4» منازل التجار وأخلاط الناس من كل بلد يعرف كل درب بأهله وكل سكة بمن ينزلها، والكرخ السوق العظمى مادة من قصر وضاح «5» إلى سوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الثلاثاء «1» طولا بمقدار فرسخين، ومن قطيعة الربيع إلى دجلة عرضا مقدار فرسخ، فلكل تجار وتجارة شوارع معلومة وصفوف في تلك الشوارع وحوانيت وعراص «2» ، وليس يختلط قوم بقوم ولا تجارة بتجارة ولا يباع صنف مع غير صنفه، ولا يختلط أصحاب المهن من سائر الصناعات بغيرهم وكل سوق مفردة وكل أهل منفردون بتجاراتهم. وكل أهل مهنة معتزلون عن غير طبقتهم، وبين هذه الأرباض التي ذكرنا والقطائع التي وصفنا منازل الناس من العرب والجند والدهاقين «3» والتجار وغير ذلك من أخلاط الناس ينتسب إليهم الدروب والسكك. فهذا ربع من أرباع بغداد وهو الربع الكبير الذي تولاه المسيّب بن زهير، والربيع مولى أمير المؤمنين، وعمران ابن الوضاح المهندس، وليس ببغداد ربع أكبر ولا أجل منه. ومن باب الكوفة إلى باب الشام ربض سليمان بن مجالد «4» لأنه كان يتولى هذا الربع فنسب إليه وفيه قطيعة واضح ثم قطيعة عامر بن إسماعيل المسلي، ثم ربض الحسن بن قحطبة «5» ومنازله ومنازل أهله شارعة في الدرب المعروف بالحسن ثم ربض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الخوارزمية «1» أصحاب الحارث بن رقاد الخوارزمي وقطيعة الحارث في الدرب، ثم قطيعة ... مولى أمير المؤمنين صاحب الركاب، وهي الدار التي صارت لإسحاق بن عيسى بن الهاشمي، ثم اشتراها كاتب لمحمد بن عبد الله بن طاهر، يقال له طاهر بن الحارث، ثم ربض الخليل بن هاشم الباوردي، ثم ربض الخطاب بن نافع الصحاوي، ثم قطيعة هاشم بن معروف وهي في درب الأقفاص، ثم قطيعة الحسن بن جعفرات وهي في درب الأقفاص أيضا متصل بدرب القصارين. ومن شارع طريق الأنبار القطائع، قطيعة واضح مولى أمير المؤمنين وولده، ودرب أيوب بن المغيرة الفزاري بالكوفة، والدرب يعرف بدرب الكوفيين، ثم قطيعة سلامة بن سمعان البخاري وأصحابه، ومسجد البخارية والمنارة الخضراء فيه، ثم قطيعة اللجلاج المتطبب، ثم قطيعة عوف بن نزار اليمامي ودرب اليمامة النافذ إلى دار سليمان بن مجالد وقطيعة الفضل بن جعونة الرازي، وهي التي صارت لداود بن سليمان الكاتب كاتب أم جعفر المعروف بداود النبطي، ثم السيب ودار هبيرة بن عمرو، وعلى السيب قطيعة صالح البلدي في درب صباح النافذ إلى سويقة عبد الوهاب، وقطيعة قابوس بن السميدع، وبإزائه قطيعة خالد بن الوليد «2» التي صارت لأبي صالح يحيى بن عبد الرحمن الكاتب صاحب ديوان الخراج في أيام الرشيد «3» ، فتعرف بدور أبي صالح، ثم قطيعة شعبة بن يزيد الكابلي، ثم ربض القس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مولى المنصور، وبستان القسّ المعروف به، ثم ربض الهيثم بن معاوية «1» بشار سوق (شهارسو) الهيثم، وهناك سوق كبيرة متصلة ومنازل ودروب وسكك كله ينسب إلى شار سوق (شهارسو) الهيثم، ثم قطيعة المروروذية آل أبي خالد الأنباري، ثم أبي يزيد الشووي مولى محمد بن علي «2» وأصحابه، ثم قطيعة موسى بن كعب التميمي «3» وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ولي شرطة المنصور، ثم قطيعة بشر بن ميمون ومنازله، ثم قطيعة سعيد بن دعلج التميمي، ثم قطيعة الشخير وزكرياء بن الشخير، ثم ربض أبي أيوب سليمان بن أيوب المعروف بأبي أيوب الخوزي المورياني (وموريان قرية من كورة من كور الأهواز يقال لها مناذر) . ثم قطيعة رداد بن زاذان المعروفة بالردادية، ثم الممددار، ثم حد ربض حرب، ودونه الرملية. وهذا الربع الذي تولاه سليمان بن مجالد وواضح مولى أمير المؤمنين والمهندس عمران بن الوضاح. والربع من باب الشام فأول ذلك قطيعة الفضل بن سليمان الطوسي، وإلى جنبه السجن المعروف بسجن باب الشام والأسواق المعروفة بسوق الشام وهي سوق عظيمة فيها جميع التجارات والبيّاعات ممتدة ذات اليمين وذات الشمال آهلة عامرة الشوارع والدروب والعراص، وتمتد في شارع عظيم فيه الدروب الطوال، كل درب ينسب إلى أهل بلد من البلدان ينزلونه في جنبتيه جميعا إلى ربض حرب بن عبد الله البلخي، وليس ببغداد ربض أوسع ولا أكبر ولا أكثر دروبا وأسواقا في الحال منه، وأهله أهل بلخ، وأهل مرو، وأهل الختّل، وأهل بخارى، وأهل أسبيشاب، وأهل إشتاخنج، وأهل كابل «1» شاه، وأهل خوارزم «2» ، ولكل أهل بلد قائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ورئيس. وقطيعة الحكم بن يوسف البلخي صاحب الحراب وقد كان ولي الشرطة. ومن باب الشام في الشارع الأعظم الماد إلى الجسر الذي على دجلة سوق ذات اليمين وذات الشمال. ثم ربض يعرف بدار الرقيق «1» كان فيه رقيق أبي جعفر الذين يباعون من الآفاق وكانوا مضمومين إلى الربيع مولاه. ثم ربض الكرمانية والقائد بوزان بن خالد الكرماني، ثم قطيعة الصغد ودار خرقاش الصغدي، ثم قطيعة ماهان الصامغاني وأصحابه، ثم قطيعة مرزبان أبي أسد بن مرزبان الفاريابي وأصحابه وأصحاب العمد ثم تنتهي إلى الجسر. فهذا الربع الذي تولاه حرب بن عبد الله مولى أمير المؤمنين والمهندس الحجاج بن يوسف. والربع من باب خراسان إلى الجسر على دجلة وما بعد ذلك بإزائها الخلد «2» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وكان فيه الإصطبلات وموضع العرض «1» وقصر يشرع على دجلة لم يزل أبو جعفر ينزله. وكان فيه المهدي قبل أن ينتقل إلى قصره بالرصافة «2» الذي بالجانب الشرقي من دجلة فإذا جاوز موضع الجسر «3» فالجسر، ومجلس الشرطة، ودار صناعة للجسر، فإذا جاوزت ذلك فأول القطائع قطيعة سليمان بن أبي جعفر في الشارع الأعظم على دجلة وفي درب يعرف بدرب سليمان، وإلى جنب قطيعة سليمان في الشارع الأعظم قطيعة صالح بن أمير المؤمنين المنصور وهو صالح المسكين مادة إلى دار نجيح مولى المنصور التي صارت لعبد الله بن طاهر. وآخر قطيعة صالح قطيعة عبد الملك بن يزيد الجرجاني المعروف بأبي عون وأصحابه الجرجانية، ثم قطيعة تميم الباذغيسي متصلة بقطيعة أبي عون، ثم قطيعة عبّاد الفرغاني، وأصحابه الفراغنة، ثم قطيعة عيسى بن نجيح المعروف بابن روضة وغلمان الحجابة، ثم قطيعة الأفارقة، ثم قطيعة تمام الديلمي مما يلي قنطرة التبانين، وقطيعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 حنبل بن مالك، ثم قطيعة البغيين أصحاب حفص بن عثمان ودار حفص هي التي صارت لإسحاق بن إبراهيم، ثم السوق على دجلة في الفرضة «1» ، ثم قطيعة لجعفر ابن أمير المؤمنين المنصور صارت لأم جعفر ناحية باب قطر، بل تعرف بقطيعة أم جعفر «2» ، ومما على القبلة قطيعة مرار العجلي وقطيعة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي «3» وقد كان يلي الشرطة ثم عزله وولاه خراسان فعصي هناك فوجّه إليه المهدي في الجيوش فحاربه حتى ظفر به فحمله إلى أبي جعفر فضرب عنقه وصلبه. وفي هذه الأرباض والقطائع ما لم نذكره لأن كافة الناس بنوا القطائع وغير القطائع وتوراثوا. وأحصيت الدروب والسكك فكانت ستة آلاف درب وسكة. وأحصيت المساجد فكانت ثلاثين ألف مسجد سوى ما زاد بعد ذلك. وأحصيت الحمامات فكانت عشرة آلاف حمام سوى ما زاد بعد ذلك. وجر القناة التي تأخذ من نهر كرخابا الآخذ من الفرات في عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها معقودة عقدا وثيقا فتدخل المدينة وتنفذ في أكثر شوارع الأرباض تجري صيفا وشتاء قد هندست هندسة لا ينقطع لها ماء في وقت، وقناة أخرى من دجلة على هذا المثال وسماها دجيل. وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهرا يقال له نهر الدجاج، وإنما سمّي نهر الدجاج لأن أصحاب الدجاج كانوا يقفون عنده، ونهرا يسمى نهر طابق «4» ابن الصمية ولهم نهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 عيسى الأعظم الذي يأخذ من معظم الفرات تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقة ويحمل فيها الدقيق والتجارات من الشام، ومصر تصير إلى فرضة عليها الأسواق وحوانيت التجار لا تنقطع في وقت من الأوقات فالماء لا ينقطع، ولهم الآبار التي يدخلها الماء من هذه القنوات فهي عذبة، شرب القوم جميعا منها. وإنما احتيج إلى هذه القنوات لكبر البلد وسعته وإلا فهم بين دجلة والفرات من جميع النواحي تدفق عليهم المياه حتى غرسوا النخل الذي حمل من البصرة فصار ببغداد أكثر منه بالبصرة، والكوفة، والسواد «1» ، وغرسوا الأشجار وأثمرت الثمر العجيب وكثرت البساتين والأجنّة في أرباض بغداد من كل ناحية لكثرة المياه وطيبها، وعمل فيها كل ما يعمل في بلد من البلدان لأنّ حذاق أهل الصناعات انتقلوا إليها من كل بلد وأتوها من كل أفق ونزعوا إليها من الأداني والأقاصي، فهذا الجانب الغربي من بغداد وهو جانب المدينة وجانب الكرخ، وجانب الأرباض. وفي كل طرف منه مقبرة وقرى متصلة وعمارات مادة. والجانب الشرقي من بغداد نزله المهدي بن المنصور وهو ولي عهد أبيه، وابتدأ بناءه في سنة ثلاث وأربعين ومائة فاختطّ المهدي قصره بالرصافة إلى جانب المسجد الجامع الذي في الرصافة، وحفر نهرا يأخذ من النهروان «2» سماه نهر المدي يجري في الجانب الشرقي. وأقطع المنصور إخوته وقوّاده بعد ما أقطع من الجانب الغربي وهو جانب مدينته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وقسّمت القطائع في هذا الجانب وهو يعرف بعسكر المهدي «1» كما قسمت في جانب المدينة، وتنافس الناس في النزول على المهدي لمحبتهم له ولاتساعه عليهم بالأموال والعطايا ولأنه كان أوسع الجانبين أرضا لأن الناس سبقوا إلى الجانب الغربي وهو جزيرة بين دجلة والفرات فبنوا فيه، وصار فيه الأسواق والتجارات، فلما ابتدي البناء في الجانب الشرقي امتنع على من أراد سعة البناء فأول القطائع على رأس الجسر لخزيمة بن خازم التميمي وكان على شرطة المهدي. ثم قطيعة إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب، ثم قطيعة العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب لأنه جعل قطيعته في الجانب الغربي بستانا، ثم قطيعة السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب، ثم قطيعة قثم بن العباس بن [عبيد] «2» الله بن العباس بن عبد المطلب «3» عامل أبي جعفر على اليمامة، ثم قطيعة الربيع مولى أمير المؤمنين لأنه جعل قطيعته بناحية الكرخ أسواقا ومستغلات فأقطع مع المهدي وهو قصر العضل بن الربيع والميدان «4» ، ثم قطيعة جبريل بن يحيى البجلي، ثم قطيعة أسد بن عبد الله الخزاعي «5» ، ثم قطيعة مالك بن الهيثم الخزاعي «6» ، ثم قطيعة سلم بن قتيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الباهلي «1» ، ثم قطيعة سفيان بن معاوية المهلبي، ثم قطيعة روح بن حاتم «2» ، ثم قطيعة إبان بن صدقة الكاتب، ثم قطيعة حمويه الخادم مولى المهدي، ثم قطيعة سلمة الوصيف صاحب خزانة سلاح المهدي، ثم قطيعة بدر الوصيف مع سوق العطش «3» ، وهي السوق العظمى الواسعة، ثم قطيعة العلاء الخادم مولى المهدي، ثم قطيعة يزيد بن منصور الحميري «4» ، ثم قطيعة زياد بن منصور الحارثي، ثم قطيعة أبي عبيد معاوية بن برمك البلخي على قنطرة بردان «5» ، ثم قطيعة عمارة بن حمزة بن ميمون، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قطيعة ثابت بن موسى الكاتب على خراج الكوفة وما سقى الفرات، ثم قطيعة عبد الله بن زياد بن أبي ليلى الخثعمي الكاتب على ديوان الحجاز، والموصل، والجزيرة، وأرمينية، وآذربيجان. ثم قطيعة عبيد الله بن محمد بن صفوان القاضي، ثم قطيعة يعقوب بن داود السلمي «1» الكاتب الذي كتب للمهدي في خلافته، ثم قطيعة منصور مولى المهدي وهو الموضع الذي يعرف بباب المقير، ثم قطيعة أبي هريرة محمد بن فروخ القائد بالموضع المعروف بالمخرّم «2» ، ثم قطيعة معاذ بن مسلم الرازي «3» جد إسحاق بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 يحيى بن معاذ «1» ، ثم قطيعة الغمر بن العباس الخثعمي صاحب الجر، ثم قطيعة سلام مولى المهدي بالمخرّم وكان يلي المظالم، ثم قطيعة عقبة بن سلم الهنائي، ثم قطيعة سعيد الحرشي في مربعة الحرشي، ثم قطيعة مبارك التركي، ثم قطيعة سوار مولى أمير المؤمنين ورحبة سوار، ثم قطيعة نازي مولى أمير المؤمنين صاحب الدواب وإصطبل نازي، ثم قطيعة محمد بن الأشعث الخزاعي «2» ، ثم قطيعة عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب، [ثم] «3» قطيعة أبي غسان مولى أمير المؤمنين المهدي، وبين القطائع منازل الجند وسائر الناس من التّنّاء «4» ، ومن التجار ومن سائر الناس في كل محلة وعند كل ربض. وسوق هذا الجانب العظمى التي تجتمع فيها أصناف التجارات والبياعات والصناعات على رأس الجسر مارا من رأس الجسر مشرقا ذات اليمين وذات الشمال من أصناف التجارات والصناعات. وينقسم طرق الجانب الشرقي وهو عسكر المهدي خمسة أقسام، فطريق مستقيم إلى الرصافة الذي فيه قصر المهدي والمسجد الجامع، وطريق في السوق التي يقال لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 سوق خضير وهي معدن طرائف الصين «1» ، وتخرج منها إلى الميدان ودار الفضل بن الربيع، وطريق ذات اليسار إلى باب البردان، وهناك منازل خالد بن برمك «2» وولده، وطريق الجسر من دار خزيمة إلى السوق المعروفة بسوق يحيى بن الوليد، وإلى الموضع المعروف بالدور «3» إلى باب بغداد المعروف بالشماسية «4» ، ومنه يخرج من أراد إلى سر من رأى، وطريق عند الجسر الأول الذي يعبر عليه من أتى من الجانب الغربي يأخذ على دجلة إلى باب المقير والمخرّم وما اتصل بذلك، وكان هذا أوسع الجانبين لكثرة الأسواق والتجارات في الجانب الغربي كما وصفنا، فنزله المهدي وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ولي عهد وفي خلافته، ونزله موسى الهادي «1» ، ونزله هارون الرشيد، ونزله المأمون «2» ، ونزله المعتصم «3» ، وفيه أربعة آلاف درب وسكة وخمسة عشر ألف مسجد سوى ما زاده الناس، وخمسة آلاف حمام سوى ما زاده الناس بعد ذلك، وبلغ أجرة الأسواق ببغداد في الجانبين جميعا مع رحا البطريق وما اتصل بها في كل سنة اثني عشر ألف ألف درهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ونزل ببغداد سبعة خلفاء: المنصور، والمهدي، وموسى الهادي، وهارون الرشيد، ومحمد الأمين وعبد الله المأمون، والمعتصم. فلم يمت بها منهم واحد إلا محمد الأمين بن هارون الرشيد «1» فإنه قتل خارج باب الأنبار عند بستان طاهر. وهذه القطائع والشوارع والدروب والسكك التي ذكرتها على ما رسمت في أيام المنصور ووقت ابتدائها وقد تغيرت ومات المتقدمون من أصحابها وملكها قوم بعد قوم وجيل بعد جيل، وزادت عمارة بعض المواضع، وملك قوم ديار قوم، وانتقل الوجوه والجلة والقواد وأهل النباهة من سائر الناس مع المعتصم إلى سر من رأى في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ثم اتصل بهم المقام في أيام الواثق «2» والمتوكل «3» ، ولم تخرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 بغداد ولا نقصت أسواقها، لأنهم لم يجدوا منها عوضا ولأنه اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسر من رأى في البر والبحر أعني في دجلة وفي جانبي دجلة. سر من رأى قد ذكرنا بغداد وابتداء أمرها والوقت الذي بناها أبو جعفر المنصور فيه، ووصفنا كيف هندست، وهندست أرباضها، وقطائعها، وأسواقها، ودروبها، وسككها، ومحالها في الجانب الغربي من دجلة، وهو جانب المدينة والكرخ. والجانب الشرقي وهو جانب الرصافة الذي يسمى عسكر المهدي، وقلنا في ذلك بما علمنا، فلنذكر الآن سر من رأى، وإنها المدينة الثانية من مدن خلفاء بني هاشم. وقد سكنها ثمانية خلفاء منهم المعتصم وهو ابتدأها وأنشأها، والواثق وهو هارون بن المعتصم، والمتوكل جعفر بن المعتصم «1» ، والمنتصر محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 المتوكل «1» ، والمستعين أحمد بن محمد بن المعصتم «2» ، و [المعتز] «3» أبو عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 المتوكل «1» ، والمهتدي «2» . قال أحمد بن أبي يعقوب: كانت سر من رأى «3» في متقدم الأيام صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها، وكان بها دير للنصارى «4» بالموضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامة، وصار الدير بيت المال. فلما قدم المعتصم بغداد منصرفه من طرسوس «1» في السنة التي بويع له بالخلافة وهي سنة ثمان عشرة ومائتين نزل دار المأمون، ثم بنى دارا في الجانب الشرقي من بغداد وانتقل إليها وأقام بها في سنة ثماني عشرة وتسع عشرة وعشرين وإحدى وعشرين ومائتين، وكان معه خلق من الأتراك وهم يومئذ عجم. أعلمني جعفر الخشكي قال: كان المعتصم يوجّه بي في أيام المأمون إلى سمرقند إلى نوح بن أسد «2» في شراء الأتراك، فكنت أقدّم عليه في كل سنة منهم بجماعة، فاجتمع له في أيام المأمون منهم زهاء ثلاثة آلاف غلام. فلما أفضت إليه الخلافة ألحّ في طلبهم واشترى من كان ببغداد من رقيق الناس. كان ممن اشترى ببغداد جماعة جملة منهم أشناس، وكان مملوكا لنعيم بن خازم أبي هارون بن نعيم، وإيتاخ كان مملوكا لسلام بن الأبرش، ووصيف كان زرادا مملوكا لآل النعمان، وسيما الدمشقي، وكان مملوكا لذي الرئاستين الفضل بن سهل «3» . وكان أولئك الأتراك العجم إذا ركبوا الدواب ركضوا فيصدمون الناس يمينا وشمالا فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا ويضربون بعضا وتذهب دماؤهم هدرا لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 يعدون على من فعل ذلك فثقل ذلك على المعتصم، وعزم على الخروج «1» من بغداد، فخرج إلى الشماسية وهو الموضع الذي كان المأمون يخرج إليه فيقيم به الأيام والشهور، فعزم أن يبني بالشماسية خارج بغداد مدينة فضاقت عليه أرض ذلك الموقع وكره أيضا قربها من بغداد فمضى إلى البردان بمشورة الفضل بن مروان «2» وهو يومئذ وزير، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين، وأقام بالبردان أياما، وأحضر المهندسين ثم لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له: باحمشا «3» من الجانب الشرقي من دجلة فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهرا فلم يجده المهندسين ثم لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له: باحمشا «4» من الجانب الشرقي من دجلة فقدر هناك مدينة على دجلة وطلب موضعا يحفر فيه نهر فلم يجده فنفذ إلى القرية المعروفة بالمطيرة «5» فأقام بها مدة ثم مدّ إلى القاطول «6» فقال هذا أصلح المواضع. فصير النهر المعروف بالقاطول وسط المدينة ويكون البناء على دجلة وعلى القاطول، فابتدأ البناء وأقطع القواد، والكتاب، والناس فبنوا حتى ارتفع البناء واختطت الأسواق على القاطول وعلى دجلة، وسكن هو في بعض ما بني له وسكن بعض الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أيضا، ثم قال أرض القاطول غير طائلة وإنما هي حصار وأفهار «1» ، والبناء بها صعب جدا وليس لأرضها سعة، ثم ركب متصيّدا فمر في مسيره حتى صار إلى موضع سر من رأى صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ولا أنيس فيها إلا دير للنصارى، فوقف بالدير وكلم من فيه من الرهبان، وقال ما اسم هذا الموضع؟ فقال له بعض الرهبان: نجد في كتبنا المتقدمة أن هذا الموضع يسمى سر من رأى، وأنه كان مدينة سام بن نوح وأنه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل مظفر منصور له أصحاب كأن وجوههم وجوه طير الفلاة ينزلها وينزلها ولده. فقال: أنا والله أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي، ولقد أمر الرشيد يوما أن يخرج ولده إلى الصيد فخرجت مع محمد والمأمون، وأكابر ولد الرشيد فاصطاد كل واحد منا صيدا، واصطدت بومة، ثم انصرفنا، وعرضنا صيدنا عليه فجعل من كان معنا من الخدم يقول هذا صيد فلان، وهذا صيد فلان حتى عرض عليه صيدي فلما رأى البومة، وقد كان الخدم أشفقوا من عرضها لئلا يتطيّر بها أو ينالني منه غلظة، فقال من صاد هذه؟ قالوا: أبو إسحاق فاستبشر وضحك وأظهر السرور؛ ثم قال: أما أنّه يلي الخلافة ويكون جنده وأصحابه، والغالبون عليه قوما وجوههم مثل وجه هذه البومة فيبني مدينة قديمة، وينزلها هؤلاء القوم ثم ينزلها ولده من بعده. وما سر الرشيد يومئذ بشيء من الصيد كما سر بصيدي لتلك البومة. ثم عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع فأحضر محمد بن عبد الملك الزيّات «2» ، وابن أبي دؤاد، وعمر بن فرج، وأحمد بن خالد المعروف بأبي الوزير، وقال لهم اشتروا من أصحاب هذا الدير هذه الأرض، وادفعوا إليهم ثمنها أربعة آلاف دينار «3» ففعلوا ذلك ثم أحضر المهندسين، فقال اختاروا أصلح هذه المواضع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فاختاروا عدة مواضع للقصور، وصيّر إلى كل رجل من أصحابه بناء قصر، فصيّر إلى خاقان «1» عرطوج «2» أبي الفتح بن خاقان بناء الجوسق «3» الخاقاني، وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري، وإلى أبي الوزير بناء القصر المعروف بالوزيري، ثم خط القطائع للقوّاد، والكتّاب، والناس وخط المسجد الجامع، واختطّ الأسواق حول المسجد الجامع، ووسعت صفوف الأسواق، وجعلت كل تجارة منفردة وكل قوم على حدتهم على مثل ما رسمت عليه أسواق بغداد. وكتب في إشخاص الفعلة، والبنّائين، وأهل المهن من الحدّادين، والنجارين، وسائر الصناعات، وفي حمل الساج، وسائر الخشب، والجذوع من البصرة وما والاها من بغداد، وسائر السواد من أنطاكية «4» ، وسائر سواحل الشام، وفي حمل عملة الرخام، وفرش الرخام، فأقيمت باللاذقية «5» وغيرها دور صناعة الرخام، وأفرد قطائع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الأتراك عن قطائع الناس جميعا، وجعلهم معتزلين عنهم لا يختلطون بقوم من المولدين ولا يجاورهم إلا الفرغنة «1» . وأقطع أشناس وأصحابه الموضع المعروف بالكرخ وضم إليه عدة من قوّاد الأتراك، والرجال، وأمره أن يبني المساجد والأسواق. وأقطع خاقان عرطوج وأصحابه مما يلي الجوسق الخاقاني، وأمر بضم أصحابه، ومنعهم من الاختلاط بالناس. وأقطع وصيفا وأصحابه مما يلي الحير، وبنى حائطا سماه حائر الحير ممتدا. وصيّرت قطائع الأتراك جميعا والفراغنة العجم بعيدة من الأسواق والزحام في شوارع واسعة ودروب طوال، ليس معهم في قطائعهم ودروبهم أحد من الناس يختلط بهم من تاجر ولا غيره. ثم اشترى لهم الجواري فأزوجهم منهن، ومنعهم أن يتزوجوا ويصاهروا إلى أحد من المولدين «2» ، إلى أن ينشأ لهم الولد فيتزوج بعضهم إلى بعض. وأجرى لجواري الأتراك أرزاقا قائمة، وأثبت أسماءهن في الدواوين فلم يكن يقدر أحد منهم يطلّق امرأته ولا يفارقها، ولمّا أقطع أشناس التركي في آخر البناء مغربا «3» ، وأقطع أصحابه معه وسمى الموضع الكرخ أمره أن لا يطلق «4» لغريب من تاجر، ولا غيره مجاور لهم ولا يطلق «5» معاشرة المولدين. فأقطع قوما آخرين فوق الكرخ وسمّاه الدور، وبنى لهم في خلال الدور والقطائع المساجد والحمامات، وجعل في كل موضع سويقة فيها عدة حوانيت للفاميين «6» والقصابين ومن أشبههم ممن لا بد لهم منه ولا غنى عنه. وأقطع الأفشين خيذر بن كاوس الأسروشني في آخر البناء مشرقا على قدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فرسخين وسمّى الموضع المطيرة، فأقطع أصحاب الأسروشنية وغيرهم من المضمومين إليه حول داره، وأمره أن يبني فيما هناك سويقة فيها حوانيت للتجار فيما لا بد منه ومساجد وحمامات. واستقطع الحسن بن سهل «1» بين آخر الأسواق وكان آخرها الجبل الذي صار فيه خشبة بابك، وبين المطيرة موضع قطيعة أفشين، وليس في ذلك الموضع يومئذ شيء من العمارات ثم أحدقت العمارة به حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سر من رأى. وامتدّ بناء الناس من كل ناحية واتصل البناء بالمطيرة. وجعلت الشوارع لقطائع قوّاد خراسان وأصحابهم من الجند والشاكرية «2» ، وعن يمين الشوارع ويسارها الدروب فيها منازل الناس كافة، وكان الشارع المعروف بالسريجة، وهو الشارع الأعظم ممتدا من المطيرة إلى الوادي المعروف في هذا الوقت بوادي إسحاق بن إبراهيم «3» لأن إسحاق بن إبراهيم انتقل من قطيعته في أيام المتوكل فبنى على رأس الوادي واتّسع في البناء. ثم قطيعة إسحاق بن يحيى بن معاذ، ثم تتصل قطائع الناس يمنة ويسرة في هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الشارع الأعظم وفي دروب من جانبي الشارع الأعظم تنفذ إلى شارع يعرف بأبي أحمد وهو أبو أحمد بن الرشيد من أحد الجانبين وتنفذ إلى دجلة وما قرب منها من الجانب الآخر، وتمر القطائع إلى ديوان الخرّاج الأعظم وهو في هذا الشارع الكبير وفي هذا الشارع قطائع قوّاد خراسان. منها قطيعة هاشم بن باينجور، وقطيعة عجيف بن عنبسة، وقطيعة الحسن بن علي المأموني، وقطيعة هارون بن نعيم، وقطيعة حزام بن غالب، وظهر قطيعة حزام الإصطبلات لدواب الخليفة الخاصية والعاميّة يتولّاها حزام ويعقوب أخوه ثم مواضع الرطابين «1» وسوق الرقيق في مربعة فيها طرق متشعّبة فيها الحجر، والغرف، والحوانيت للرقيق، ثم مجلس الشرطة، والحبس الكبير، ومنازل الناس والأسواق في هذا الشارع يمنة ويسرة مثل سائر البياعات والصناعات ويتصل ذاك إلى خشبة بابك، ثم السوق العظمى لا تختلط بها المنازل كل تجارة منفردة، وكل أهل مهنة لا يختلطون بغيرهم، ثم الجامع القديم الذي لم يزل يجمع فيه إلى أيام المتوكل فضاق على الناس فهدمه وبنى مسجدا جامعا واسعا في طرق الحير المسجد الجامع والأسواق من أحد الجانبين. ومن الجانب الآخر القطائع، والمنازل، وأسواق أصحاب البيّاعات الدنية مثل أصحاب الفقاع «2» ، والهرائس «3» ، والشراب، وقطيعة مبارك المغربي، وسويقة مبارك، وجبل جعفر الخياط، وفيه كانت قطيعة جعفر، ثم قطيعة أبي الوزير. ثم قطيعة العباس بن علي بن المهدي، ثم قطيعة عبد الوهاب بن علي بن المهدي، ويمتد الشارع وفيه قطايع عامة إلى دار هارون بن المعتصم وهو الواثق عند دار العامة وهي الدار التي نزلها يحيى بن أكثم «4» في أيام المتوكل لما ولّاه قضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 القضاة، ثم باب العامة ودار الخليفة وهي دار العامة التي يجلس فيها يوم الاثنين، ثم الخزائن خزائن الخاصة، وخزائن العامة، ثم قطيعة مسرور سمانة الخادم وإليه الخزائن. ثم قطيعة قرقاس الخادم وهو خراساني، ثم قطيعة ثابت الخادم، ثم قطيعة أبي الجعفاء وسائر الخدم الكبار، والشارع الثاني يعرف بأبي أحمد، وهو أبو أحمد بن الرشيد أول هذا الشارع من المشرق دار بختيشوع «1» المتطبب التي بناها في أيام المتوكل. ثم قطائع قواد خراسان، وأسبابهم من العرب، ومن أهل قم، وأصبهان، وقزوين، والجبل، وآذربيجان يمنة في الجنوب مما يلي القبلة فهو نافذ إلى شارع السريجة الأعظم، وما كان مما يلي الشمال ظهر القبلة فهو نافذ إلى شارع أبي أحمد ديوان الخراج الأعظم، وقطيعة عمر، وقطيعة للكتاب، وسائر الناس، وقطيعة أبي أحمد بن الرشيد في وسط الشارع، وفي آخره مما يلي الوادي الغربي الذي يقال له: وادي إبراهيم بن رياح قطيعة ابن أبي دؤاد، وقطيعة الفضل بن مروان، وقطيعة محمد بن عبد الملك الزيّات، وقطيعة إبراهيم بن رياح في الشارع الأعظم، ثم تتصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الإقطاعات في هذا الشارع، وفي الدروب إلى يمنته ويسرته إلى قطيعة بغا الصغير، ثم قطيعة بغا الكبير، ثم قطيعة سيما الدمشقي، ثم قطيعة برمش، ثم قطيعة وصيف القديمة. ثم قطيعة إيتاخ ويتّصل ذلك إلى باب البستان وقصور الخليفة، والشارع الثالث شارع الحير الأول الذي صارت فيه دار أحمد بن الخصيب في أيام المتوكل فاصل هذا الشارع من المشرق. ومن الوادي المتصل بوادي إسحاق بن إبراهيم وفيه قطايع الجند والشاكرية وأخلاط الناس ويمتد إلى وادي إبراهيم بن رياح. والشارع الرابع يعرف بشارع برغامش التركي فيه قطائع الأتراك والفراغنة، فدروب الأتراك منفردة ودروب الفراغنة منفردة والأتراك في الدروب التي في القبلة والفراغنة بإزائهم بالدروب التي في ظهر القبلة كل درب بإزاء درب لا يخالطهم أحد من الناس. وآخر منازل الأتراك وقطائعهم قطائع الخزر مما يلي المشرق أول هذا الشارع من المطيرة عند قطائع الأفشين التي صارت لوصيف وأصحاب وصيف، ثم يمتد الشارع إلى الوادي الذي يتصل بوادي إبراهيم بن رياح. والشارع الخامس يعرف بصالح العباسي وهو شارع الإسكر فيه قطائع الأتراك والفراغنة، والأتراك أيضا في دروب منفردة، والفراغنة في دروب منفردة ممتد من المطيرة إلى دار صالح العباسي التي على رأس الوادي، ويتصل ذاك بقطائع القوّاد والكتّاب والوجوه والناس كافة. ثم شارع خلف شارع الإسكر يقال له شارع الحير الجديد فيه أخلاط من الناس من قوّاد الفراغنة والأسروشنية والأشناخنجية وغيرهم من سائر كور خراسان، وهذه الشوارع التي من الحير كلما اجتمعت إلى إقطاعات لقوم هدم الحائط وبني خلفه حائط غيره، وخلف الحائط الوحش من الظباء، والحمير، والوحش، والأيايل، والأرانب، والنعام وعليها حائط يدور في صحراء حسنة واسعة، والشارع الذي على دجلة يسمى شارع الخليج، وهناك الفرض، والسفن، والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر وسائر السواد من البصرة والأبلة، والأهواز، وما اتصل بذلك ومن الموصل، وبعربايا، وديار ربيعة، وما اتصل بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وفي هذا الشارع قطائع المغاربة كلهم أو أكثرهم، والموضع المعروف بالأزلاخ الذي عمّر بالرجالة المغاربة في أول ما اختطّت سرّ من رأى، واتّسع الناس في البناء بسرّمن رأى أكثر من اتّساعهم ببغداد، وبنوا المنازل الواسعة إلا أن شربهم جميعا من دجلة مما يحمل في الروايا «1» على البغال وعلى الإبل لأن آبارهم بعيدة الرشاء «2» ، ثم هي مالحة غير سائغة فليس لها اتّساع في الماء. ولكن دجلة قريبة والروايا كثيرة، وبلغت غلات ومستغلات سرّ من رأى وأسواقها عشرة آلاف ألف درهم في السنة، وقرب محمل ما يؤتي به من الميرة من الموصل، وبعربايا، وسائر ديار ربيعة في السفن في دجلة فصلحت أسعارهم. ولما فرغ المعتصم من الخطط ووضع الأساس للبناء في الجانب الشرقي من دجلة وهو جانب سرّ من رأى عقد جسرا إلى الجانب الغربي من دجلة فأنشأ هناك العمارات والبساتين والأجنّة، حفر الأنهار من دجلة وصيّر إلى كل قائد عمارة ناحية من النواحي، وحمل النخل من بغداد، والبصرة، وسائر السواد، وحملت الغروس من الجزيرة، والشام، والجبل، والرّيّ، وخراسان، وسائر البلدان فكثرت المياه في هذه العمارة في الجانب الشرقي بسرّمن رأى وصلح النخل وثبتت الأشجار وزكت الثمار وحسنت الفواكه، وحسن الريحان، والبقل، وزرع الناس أصناف الزرع، والرياحين، والبقول، والرطاب. وكانت الأرض مستريحة ألوف سنين، فزكا كل ما غرس فيها وزرع بها حتى بلغت غلة العمارات بالنهر المعروف بالإسحاقي وما عليه والإيتاخي، والعمري، والعبد الملكي، ودالية ابن حمّاد والمسروري، وسيف والعربات المحدثة، وهي خمس قرى، والقرى السفلى، وهي سبع قرى، والأجنة، والبساتين، وخراج الزرع أربع مائة ألف دينار في السنة. وأقدم المعتصم من كل بلد من يعمل عملا من الأعمال، أو يعالج مهنة من مهن العمارة، والزرع، والنخل، والغرس، وهندسة الماء، ووزنه، واستنباطه، والعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 بمواضعه من الأرض، وحمل من مصر من يعمل القراطيس «1» وغيرها، وحمل من البصرة من يعمل الزجاج والخزف والحصر، وحمل من الكوفة من يعمل الأدهان. ومن سائر البلدان من أهل كل مهنة وصناعة فأنزلوا بعيالهم بهذه المواضع وأقطعوا فيها وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة. وبنى المعتصم العمارات قصورا، وصيّر في كل بستان قصرا فيه مجالس، وبرك، وميادين، فحسنت العمارات ورغب وجوه الناس في أن يكون لهم بها أدنى أرض، وتنافسوا في ذلك وبلغ الجريب «2» من الأرض مالا كبيرا ومات المعتصم بالله سنة سبع وعشرين ومائتين. وولي الخلافة هارون الواثق بن المعتصم، فبنى الواثق القصر المعروف بالهاروني على دجلة، وجعل فيه مجالس في دكة شرقية، ودكة غربية، وانتقل إليه وزادت الإقطاعات، وقرّب قوما، وباعد ديار قوم على الأخطاء لا على الأبعاد فأقطع وصيفا دار أفشين التي بالمطيرة، وانتقل وصيف عن داره القديمة إلى دار أفشين، ولم يزل يسكنها وكان أصحابه ورجاله حوله وزاد في الأسواق، وعظمت الفرض «3» التي تردها السفن من بغداد، وواسط، والبصرة، والموصل. وجدد الناس البناء وأحكموه وأتقنوه لما علموا أنها قد صارت مدينة عامرة، وكانوا قبل ذلك يسمّونها العسكر. ثم توفي الواثق في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وولي جعفر المتوكل بن المعتصم «4» ، فنزل الهاروني وآثره على جميع قصور المعتصم، وأنزل ابنه محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 المنتصر «1» قصر المعتصم المعروف بالجوسق، وأنزل ابنه إبراهيم المؤيد «2» بالمطيرة، وأنزل ابنه المعتز «3» خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوارا فاتصل البناء من بلكوارا إلى آخر الموضع المعروف بالدور مقدار أربعة فراسخ، وزاد في شوارع الحير شارع الإسكر والشارع الجديد، وبنى المسجد الجامع في أول الحير في موضع واسع خارج المنازل لا يتصل به شيء من القطائع، والأسواق، وأتقنه، ووسّعه، وأحكم بناءه، وجعل فيه فوارة ماء لا ينقطع ماؤها، وجعل الطرق إليه من ثلاثة صفوف واسعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رياح، في كل صف حوانيت بها أصناف التجارات والصناعات والبياعات، عرض كل صف مائة ذراع بالذراع السوداء لئلا يضيق عليه الدخول إلى المسجد إذا حضر المسجد في الجمع في جيوشه وجموعه، وبخيله، ورجله. ومن كل صف إلى الذي يليه دروب وسكك فيها قطائع جماعة من عامة الناس، فاتسعت على الناس المنازل والدور. واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت، والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع، وأقطع نجاح بن سلمة الكاتب في آخر الصفوف مما يلي قبلة المسجد، وأقطع أحمد بن إسرائيل الكاتب أيضا بالقرب من ذاك، وأقطع محمد بن موسى المنجم وإخوته وجماعة من الكتاب والقوّاد والهاشميين وغيرهم، وعزم المتوكل أن يبتني مدينة ينتقل إليها، وتنسب إليه، ويكون له بها الذكر فأمر محمد بن موسى المنجم ومن يحضر بابه من المهندسين أن يختاروا موضعا، فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة. وقيل له: إن المعتصم قد كان على أن يبني ههنا مدينة، ويحفر نهرا قد كان في الدهر القديم فاعتزم على ذلك وابتدأ النظر فيه في سنة خمس وأربعين، ووجّه في حفر ذلك النهر ليكون وسط المدينة فقدر النفقة على ألف ألف وخمسمائة ألف دينار، فطاب نفسا بذلك ورضي به وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال الجليلة على ذلك النهر واختطّ موضع قصوره ومنازله. وأقطع ولاة عهوده وسائر أولاده وقوّاده وكتّابه، وجنده، والناس كافة، ومدّ الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ، وهي التي صارت للفتح بن خاقان مقدار ثلاثة فراسخ إلى قصوره. وجعل دون قصوره ثلاثة أبواب عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه، وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته، وجعل عرض الشارع الأعظم مائتي ذراع، وقدّر أن يحفر في جنبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره. وبنيت القصور وشيّدت الدور، وارتفع البناء وكان يدور بنفسه، فمن رآه قد جدّ في البناء أجازه وأعطاه، فجدّ الناس. وسمّى المتوكل هذه المدينة الجعفرية «1» ؛ واتصل البناء من الجعفرية إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الموضع المعروف بالدور، ثم بالكرخ وسرّ من رأى مادا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه أبو عبد الله المعتز، ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج، ولا موضع لا عمارة فيه، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ، وارتفع البنيان في مقدار سنة. وجعلت الأسواق في موضع معتزل، وجعل في كل مربعة وناحية سوقا، وبنى المسجد الجامع، وانتقل المتوكل إلى قصور هذه المدينة أول يوم من المحرم سنة سبع وأربعين ومائتين، فلما جلس أجاز الناس بالجوائز السنية ووصلهم، وأعطى جميع القوّاد، والكتّاب، ومن تولى عملا من الأعمال. وتكامل له السرور وقال: الآن علمت أني ملك إذا بنيت لنفسي مدينة سكنتها. ونقلت الدواوين: ديوان الخراج، وديوان الضيّاع، وديوان الزمام، وديوان الجند والشاكرية، وديوان الموالي والغلمان، وديوان البريد، وجميع الدواوين؛ إلا أن النهر لم يتم أمره، ولم يجر الماء فيه إلا جريا ضعيفا لم يكن له اتصال ولا استقامة، على أنه قد أنفق عليه شبيها بألف ألف دينار، ولكن كان حفره صعبا جدا، إنما كانوا يحفرون جصا وأفهارا «1» لا تعمل فيها المعاول. وأقام المتوكل نازلا في قصوره بالجعفرية تسعة أشهر وثلاثة أيام، وقتل لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين في قصره الجعفري أعظم القصور شؤما. وولي محمد المنتصر بن المتوكل فانتقل إلى سرّ من رأى وأمر الناس جميعا بالانتقال عن الماحوزة «2» ، وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سرّ من رأى. فانتقل الناس وحمّلوا نقض المنازل إلى سرّ من رأى وخربت قصور الجعفري ومنازله، ومساكنه، وأسواقه في أسرع مدة، وصار الموضع موحشا لا أنيس به ولا ساكن فيه، والديار بلاقع «3» كأنها لم تعمر ولم تسكن، ومات المنتصر بسرّمن رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وولي المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم فأقام بسرّمن رأى سنتين وثمانية أشهر حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسرّمن رأى معه الأتراك وسائر [الموالي] «1» ، ثم خلع المستعين وولي المعتز فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر بعد خلع المستعين. وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين فأقام حولا كاملا ينزل الجوسق حتى قتل رحمه الله. وولي أحمد المعتمد بن المتوكل «2» فأقام بسرّمن رأى في الجوسق وقصور الخلافة، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسرّمن رأى فبنى قصرا موصوفا بالحسن سمّاه المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن، ولسرّ من رأى منذ بنيت وسكنت إلى الوقت الذي كتبنا فيه كتابنا هذا خمس وخمسون سنة هلك بها ثمانية خلفاء؛ مات وقتل فيها خمسة: المعتصم، والواثق، والمنتصر، والمعتز، والمهتدي. وقتل في حريمها وفيما هو متصل بها، وقريب منها اثنان المتوكل والمستعين، واسمها في الكتب المتقدمة زوراء «3» بني العباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ويصدق ذلك أن قبل مساجدها كلها مزورة فيها ازورار ليس فيها قبلة مستوية إلا أنها لم تخرب ولم يذهب اسمها. قد ذكرنا بغداد وسرّ من رأى وبدأنا بهما لأنهما مدينتا الملك ودار الخلافة ووصفنا ابتداء أمر كل واحد منهما. فلنذكر الآن سائر البلدان والمسافات فيما بين كل بلد وبلد، ومدينة ومدينة على قسم أربعة حسب ما تقسم عليه أقطار الأرض بين المشرق، والمغرب، ومهب الجنوب، وهو القبلة، وهو مطلع سهيل» الذي يسمّيه الحساب التيمّن «2» ، ومهبّ الشمال وهو كرسي بنات نعش الذي يسميه الحساب الجدي، ونصف كل بلد إلى الربع الذي هو منه والذي يتصل به وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الربع الأول وهو ربع المشرق من بغداد إلى الجبل وآذربيجان وقزوين وزنجان وقم وأصبهان والرّيّ، وطبرستان، وجرجان، وسجستان، وخراسان وما اتصل بخراسان من النبت وتركستان. كور الجبل «1» من أراد أن ينفذ من بغداد مشرقا نفذ من جانبها الشرقي من دجلة ثم أخذ مشرقا إلى موضع يقال له ثلاثة أبواب وهو آخر بغداد مما يلي المشرق ثم استقام به المسير إلى جسر النهروان. هو بلد جليل قديم على نهر يأخذ من نهر يأتي من الجبل يقال له: تامرا «2» ، ثم يسقي بعده طساسيج من طساسيج السواد. وتجري فيه المراكب العظام والسفن الكبرى، فإذا عبر جسر النهروان تشعبت به طرق الجبل فإن أراد أن يأخذ على كور ماسبذان «3» ، ومهر جان قذق «4» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 والصّيمرة «1» أخذ ذات اليمين عند عبوره جسر النهروان فسار ست مراحل إلى مدينة ماسبذان، وهي مدينة يقال لها السيروان جليلة القدر عظيمة واسعة بين جبال وشعاب. وهي أشبه المدن بمكة وفيها عيون ماء منفجرة تجري في وسط المدينة إلى أنهار عظام تسقي المزارع، والقرى، والضياع، والبساتين على مسافة ثلاثة أيام. وهذه العيون حارة في الشتاء، باردة في الصيف، وأهل هذه المدينة أخلاط من العرب والعجم. الصّيمرة «2» ومن مدينة السيروان «3» إلى مدينة الصّيمرة وهي مدينة كورة تعرف بهمرجان قذق مرحلتان. ومدينة الصّيمرة في مرج أفيح «4» فيه عيون وأنهار تسقي القرى، والمزارع، وأهلها أخلاط من الناس من العرب والعجم من الفرس والأكراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وافتتحت ماسبذان في خلافة عمر بن الخطاب، وخراج هذا البلد يبلغ ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، وكلامهم بالفارسية. ومن أراد من بغداد إلى حلوان «1» أخذ من جسر النهروان ذات اليسار فصار إلى دسكرة الملك «2» ، وبها منازل لملوك الفرس عجيبة البناء جليلة حسنة. ثم صار من دسكرة الملك إلى طرارستان «3» ، وبها آثار لملوك الفرس عجيبة موصوفة. وفيها أنهار بعضها فوق بعض معقودة بالجص والآجر، وبعض تلك الأنهار يأخذ من القواطيل «4» ، وبعضها يأخذ من النهروان ومن طرارستان إلى جلولاء الوقيعة «5» ، وهي أول الجبل. وفيها كانت الوقعة أيام عمر بن الخطاب بالفرس لما لحقهم سعد بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وقّاص، ففضّ الله جموع الفرس، وشرّدهم، وذلك في سنة تسع عشرة من الهجرة. ومن جلولاء إلى خانقين «1» وهي من أجلّ القرى وأعظمها أمرا، ومن خانقين إلى قصر شيرين «2» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وشيرين «1» امرأة كسرى «2» كانت تصيّف بهذا القصر، وبهذا الموضع آثار لملوك الفرس كثيرة، ومن قصر شيرين إلى حلوان . حلوان ومدينة حلوان «3» مدينة جليلة كبيرة، وأهلها أخلاط من العرب والعجم من الفرس والأكراد افتتحت أيام عمر بن الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وخراج حلوان على أنها من كور الجبل داخل في خراج طساسيج السواد، ومن مدينة حلوان إلى المرج المعروف بمرج القلعة «1» وبهذا الموضع دواب الخلفاء في المروج. ومن مرج القلعة إلى الزبيدية «2» ، ثم منها إلى مدينة قرماسين «3» ، وقرماسين مدينة جليلة القدر كثيرة الأهل. أكثر أهلها العجم من الفرس والأكراد، ومن مدينة قرماسين إلى الدينور «4» ثلاث مراحل. الدينور والدينور «5» مدينة جليلة القدر وأهلها أخلاط من الناس من العرب والعجم افتتحت أيام عمر «6» . وهي التي تسمى: ماه الكوفة، لأن مالها كان يحمل في أعطيات أهل الكوفة ولها عدة أقاليم ورساتيق «7» . ومبلغ خراجها سوى ضياع السلطان خمسة آلاف ألف وسبعمائة ألف درهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 قزوين وزنجان ومن أراد من الدينور إلى قزوين «1» وزنجان خرج من الدينور إلى مدينة أبهر «2» وتشعبت به الطرق، فإن قصد زنجان «3» كان مسيره من أبهر إلى زنجان، ثم سار إلى مدينة قزوين. وقزوين عادلة عن معظم الطريق وهي في سفح جبل يتاخم الديلم «4» ، ولها واديان يقال لأحدهما الوادي الكبير وللآخر وادي سيرم يجري فيهما الماء في أيام الشتاء، وينقطع في أيام الصيف. وأهلها أخلاط من العرب والعجم، وبها آثار للعجم وبيوت نيران، وخراجها مع خراج زنجان ألف ألف وخمسمائة ألف. وتشعّبت منها الطرق إلى همذان، وإلى الدينور، وإلى شهرزور «5» ، وإلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 أصبهان «1» ، وإلى الرّيّ «2» ، والطريق منها إلى آذربيجان . آذربيجان فمن أراد إلى آذربيجان «3» خرج من زنجان فسار أربع مراحل إلى مدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 أردبيل «1» ، وهي أول ما يلقاه من مدن آذربيجان. من أردبيل إلى برزند «2» من كور آذربيجان مسيرة ثلاثة أيام، ومن برزند إلى مدينة ورثان من كور آذربيجان. ومن ورثان «3» إلى البيلقان «4» ، ومن البيلقان إلى مدينة المراغة «5» وهي مدينة آذربيجان العليا، ولآذربيجان من الكوار أردبيل، وبرزند، وورثان، وبرذعة «6» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 والشيز «1» ، وسراة «2» ، ومرند «3» ، وتبريز «4» ، والميانج «5» ، والرومية «6» ، وخوي «7» ، وسلماس «8» . وأهل مدن آذربيجان وكورها أخلاط من العجم الآذرية والجاودانية القدم أصحاب مدينة البذ «9» التي كان فيها بابك ثم نزلتها العرب لما افتتحت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وافتتحت آذربيجان سنة اثنتين وعشرين، افتتحها المغيرة بن شعبة الثقفي «1» في خلافة عثمان بن عفان «2» . وخراجها أربعة آلاف ألف درهم يزيد في سنة وينقص في أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 همذان ومن أراد من الدينور إلى مدينة همذان «1» خرج من مدينة الدينور إلى موضع يقال له: محمد أباذ «2» مرحلتين، ومن محمد أباذ إلى همذان مرحلتان. وهمذان بلد واسع جليل القدر كثير الأقاليم والكور، وافتتح سنة ثلاث وعشرين، وخراجه ستة آلاف ألف درهم وهو الذي يسمى: ماه البصرة، كان خراجه يحمل في أعطيات أهل البصرة. وشرب أهلها من عيون وأودية تجري شتاء وصيفا وبعضها يجري إلى السوس «3» من كور الأهواز، ثم يمر إلى دجيل «4» نهر الأهواز إلى مدينة الأهواز «5» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 نهاوند ومن همذان إلى نهاوند «1» مرحلتان، ونهاوند مدينة جليلة كان فيها اجتماع الفرس لما لقيهم النعمان بن مقرن المزني سنة إحدى وعشرين «2» . ولها عدة أقاليم، يسكنها أخلاط من العرب والعجم. وخراجها سوى مال الضياع ألفا ألف درهم. الكرج ومن نهاوند إلى مدينة الكرج «3» مرحلتان، والكرج منازل عيسى بن إدريس بن معقل بن شيخ بن عمير العجلي أبي دلف. ولم تكن في أيام الأعاجم مدينة مشهورة وإنما كانت في عدد القرى العظام من رستاق يسمى (قائقا) من كورة أصبهان، منها إلى مدينة أصبهان ستون فرسخا فنزلها العجليون» فبنوا الحصون والقصور، فقصورها تنسب إلى أبي دلف وأخوته وأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 بيته، وأضيف إليها أربعة رساتيق، فأحدها يقال له: الفائقين، وجابلق، وبرقروذ. والكرج بين أربعة جبال عامرة بالضياع والمزارع والقرى وأنهار مطردة وعيون جارية. وأهلها قوم من العجم إلا من كان من آل عيسى بن إدريس العجلي ومن انضوى إليهم من سائر العرب. وكان خراج الكرج ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف مقاطعة، فيها من الرساتيق ألف ألف درهم، ومن الأشربة أربعمائة ألف ثم انتقص ذلك في أيام الواثق فبلغ ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف درهم. قمّ وما يضاف إليها ومن أراد إلى قمّ «1» خرج من مدينة همذان كالمشرق فسار في رساتيق همذان، ومن مدينة همذان إلى مدينة قمّ خمس مراحل. ومدينة قمّ الكبرى يقال: لها منيجان وهي جليلة القدر، يقال إنّ فيها ألف درب، وداخل المدينة حصن قديم للعجم، وإلى جانبها مدينة يقال لها: كمندان «2» ، ولها وادي يجري فيه الماء بين المدينتين عليه قناطر معقودة بحجارة يعبر عليها من مدينة منيجان إلى مدينة كمندان. وأهلها الغالبون عليها قوم من مذحج «3» ، ثم من الأشعريين «4» ، وبها عجم قدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وقوم من الموالي يذكرون أنهم موال لعبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ولها نهران أحدهما في أعلى المدينة يعرف برأس المور، والآخر في أسفل المدينة يعرف بفوروز وهما من عيون تجري في قنوات محفورة وهي في مرج واسع مقدار عشرة فراسخ ثم تصير إلى جبالها فمنها جبل يعرف برستاق سرداب وجبل يعرف بالملاحة، ولها اثنا عشر رستاقا «1» : رستاق ستارة، ورستاق كرزمان، ورستاق الفراهان «2» ، ورستاق وره «3» ، ورستاق طيرس، ورستاق كوردر، ورستاق وردراه، ورستاق سرداب، ورستاق برآوستان «4» ، ورستاق براحة، ورستاق قارص، ورستاق هندجان. وأكثر شرب أهل المدينة في الصيف من الآبار، والطرق تتشعب منها إلى الرّيّ وإلى أصبهان وإلى الكرج وإلى همذان، وخراجها أربعة آلاف ألف وخمسمائة ألف درهم. أصبهان ومن قمّ إلى أصبهان ستون فرسخا تكون ست مراحل، ولأصبهان مدينتان يقال لإحداهما: جي «5» ، والمدينة الأخرى يقال لها: اليهودية «6» ، وأهلها أخلاط من الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وعربها قليل، وأكثر أهلها عجم من أشراف الدهاقين وبها قوم من العرب انتقلوا إليها من الكوفة والبصرة من ثقيف «1» ، وتميم «2» ، وبني ضبة «3» ، وخزاعة «4» ، وبني حنيفة «5» ، ومن بني عبد القيس «6» وغيرهم. ويقال: إن سلمان الفارسي «7» رحمة الله عليه كان من أهل أصبهان، ومن قرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يقال لها جيان «1» فيما يقول أهل أصبهان إدارة. ولأهل أصبهان مياه كثيرة من أودية وعيون تجري إلى الأهواز من أصبهان إلى تستر «2» ، ثم إلى مناذر «3» الكبرى، ثم إلى مدينة الأهواز. وافتتحت أصبهان سنة ثلاث وعشرين ومبلغ خراجها عشرة آلاف درهم، ولها من الرساتيق: رستاق جي وفيه المدينة، ورستاق برآن «4» ، وأهلها دهاقين لا يخالطهم غيرهم، ورستاق برخار «5» فيه قوم من الدهاقين أيضا، ورستاق رويدشت «6» وهو الحد بين أصبهان وبين كورة من كور فارس يقال لها: يزد «7» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ورستاق البران «1» ، ورستاق ميرين، ورستاق القامدان وفيه الأكراد وأخلاط من العجم ليسوا من الشرف كغيرهم، ومنه خرجت الخرمية «2» وهو الحد بين عمل أصبهان وعمل الأهواز، ورستاق فهمان وفيه الأكراد أيضا والخرمية، ورستاق فريدين، وبه العجم السفلة الذين يسمّيهم أشراف عجم أصبهان الليية، ورستاق الرادميلة، ورستاقا سردقاسان وجرمقاسان فيهما أشراف من الدهاقين، وقوم من العرب من أهل اليمن من همدان وهما الحد بين عمل أصبهان، وقمّ، ورستاق أردستان «3» به جلة من الدهاقين. ويقال: إن بهذا الموضع ولد كسرى أنوشروان، ورستاقا التيمري وهما رستاقان يسكنهما قوم من العرب من بني هلال «4» وغيرهم من بطون قيس وهو الحد بين عمل أصبهان والكرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الرّيّ ومن كان قصده إلى الرّيّ «1» خرج من مدينة الدينور إلى قزوين ثم سار من قزوين ثلاث مراحل على جادة الطريق والرّيّ على جادة طريق خراسان «2» . واسم مدينة الرّيّ المحمّدية، وإنما سمّيت بهذا الاسم لأن المهدي نزلها في خلافة المنصور لما توجّه إلى خراسان لمحاربة عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي وبناها، وبها ولد الرشيد لأن المهدي أقام بها عدة سنين، وبنى بها بناء عجيبا، وأرضع نساء الوجوه من أهلها الرشيد، وأهل الرّيّ أخلاط من العجم وعربها قليل. افتتح الرّيّ قرظة بن كعب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب سنة ثلاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وعشرين. وشرب أهلها من عيون كثيرة وأودية عظام. وبها واد عظيم يأتي من بلاد الديلم يقال له نهر موسى ولكثرة مياه البلد كثرت ثماره، وأجنّته، وأشجاره. وله رساتيق، وأقاليم، وبه ضياع إسحاق بن يحيى بن معاذ، وضياع ابن أبي عباد ثابت بن يحيى كاتب المأمون وهما جميعا من أهل الرّيّ. ومبلغ خراجه عشرة آلاف ألف درهم. قومس من الرّيّ إلى قومس «1» على جادة الطريق والخط الأعظم اثنتا عشرة مرحلة بعضها في عمارة، وبعضها في مفاوز، وقومس بلد واسع جليل القدر واسم المدينة الدامغان «2» ، وهي أول مدن خراسان. افتتحه عبد الله بن عامر بن كريز «3» في خلافة عثمان بن عفان سنة ثلاثين، وأهلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 قوم عجم وأحذق قوم يعملون أكسية الصوف القومسية الرفيعة. وخراجه يبلغ ألف ألف وخمسمائة ألف درهم، إلا أنه يدخل في خراج خراسان. وأما البلد الذي يلي بحر الديلم من خراسان فمن الرّيّ إلى طبرستان ، ومدينة طبرستان سارية من الرّيّ إليها سبع مراحل. طبرستان وإلى مدينة طبرستان «1» الثانية وهي التي يقال لها آمل مرحلتان، ومدينة آمل على بحر الديلم. وطبرستان بلد منفرد له مملكة جليلة ولم يزل ملكه يسمى: الأصبهبذ «2» ، وهي بلد المازيار الذي كان يكتب إلى الخلفاء إلى المأمون وإلى المعتصم: من جيل جيلان أصبهبذ خراسان المازيار محمد بن قارن موالي أمير المؤمنين لا يقول مولى أمير المؤمنين. وهو بلد كثير الحصون منيع بالأودية، وأهله أشراف العجم أبناء ملوكهم، وهم أحسن قوم وجوها. يقال: إن كسرى يزدجر خلف بن جواريه فحسنت وجوه أهله من قبل أولئك الجواري لأن أهل طبرستان أولادهن. وخراج البلد أربعة آلاف ألف درهم يعمل به الفرش الطبري والأكسية الطبرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 جرجان ومن الرّيّ إلى جرجان «1» سبع مراحل، ومدينة جرجان على نهر الديلم. أفتتح بلد جرجان سعيد بن عثمان في ولاية معاوية، ثم انغلقت وارتدّ أهلها عن الإسلام حتى افتتحها يزيد بن المهلّب «2» في ولاية سليمان بن عبد الملك بن مروان «3» . وخراج البلد عشرة آلاف ألف درهم، وفيه يعمل جيد الخشب من الخلنج «4» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وغيره وأصناف ثياب الحرير، وبه الإبل البخاتي «1» العظام. وبأرض جرجان النخل الكثير. طوس ويتصل بهذه البلدان مما يلي بحر الديلم من كور نيسابور وما والاها طوس «2» ، وهي من نيسابور على مرحلتين. وبطوس قوم من العرب من طيّىء «3» وغيرهم، وأكثر أهلها عجم، وبها قبر الرشيد أمير المؤمنين، وبها توفي الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه السّلام «4» ، ومدينة طوس العظمى يقال لها: نوقان، وخراج البلد مع خراج نيسابور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ومن طوس إلى نسا «1» من كورة نيسابور مرحلتان، ومن نسا إلى باورد «2» مرحلتان، ومن نسا إلى خوارزم «3» لمن أخذ مشرقا ثماني مراحل. وخوارزم على آخر نهر بلخ في الموضع الذي يخرج ماء نهر بلخ منه إلى بحر الديلم، وهو بلد واسع افتتحه سلم بن زياد بن أبيه «4» في أيام يزيد بن معاوية «5» ، وبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 تعمل الفراء، وسائر الوبر من السمور، والفنك، والقافم، والوشق، والسنجاب. فهذه الكور التي دون نهر بلخ من أرض خراسان، ونهر بلخ يخرج من عيون بين جبال، وبين فوهته وبين مدينة بلخ عشر مراحل. نيسابور ومن قومس على جادة الطريق الأعظم إلى مدينة نيسابور «1» تسع مراحل، ونيسابور بلد واسع كثير الكور، فمن كور نيسابور: الطبسين «2» ، وقوهستان «3» ، ونسا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وأبيورد «1» ، وأبرشهر «2» ، وجام، وباخرز «3» ، وطوس، ومدينة طوس العظمى يقال لها: نوقان، وزوزن «4» ، وأسفرايين «5» على جادة طريق جرجان. افتتح البلد عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان سنة ثلاثين، وأهلها أخلاط من العرب والعجم وشربها من العيون والأودية، وخراجها يبلغ أربعة آلاف ألف درهم. وهو داخل في خراج خراسان وبها يعمل في جميع. نزل عبد الله بن طاهر «6» مدينة نيسابور ولم يتعدّها إلى مرو على حسب ما كانت الولاة تفعل وبنى بها بناء عجيبا (الشاذياخ) «7» ثم بنى المنار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 أعلمني بعض أهل طاهر أن من نيسابور إلى مرو عشر مراحل، ومن نيسابور إلى هراة «1» عشر مراحل، ومن نيسابور إلى جرجان عشر مراحل، ومن نيسابور إلى الدامغان عشر مراحل، ومن نيسابور على جادة الطريق والخط الأعظم إلى سرخس «2» ست مراحل. أول المراحل قصر الرّيح «3» يقال له بالفارسية: دزباد، ثم خاكسار، ثم مزدوران، ولها عقبة طين. وسرخس بلد جليل ومدينتها عظيمة وهي في برية في رمال، فيها أخلاط من الناس. افتتحها عبد الله بن خازم السلمي «4» ، وهو يومئذ من قبل عبد الله بن عامر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 كريز في خلافة عثمان وشرب أهلها من الآبار، ليس لها نهر ولا عين وبها قوم من [ ... ] «1» ومبلغ خراجها ألف ألف درهم وهو داخل في خراج خراسان. مرو ومن سرخس على الخط الأعظم إلى مرو «2» ست مراحل، أولها اشتر مغاك ثم تلستانه ثم الدندانقان «3» ثم كنوكرد، وهي ضياع آل علي بن هشام بن فرخسرو، وهذه المنازل في مفازة برية وكل منزل منها فيه حصن يتحصّن أهله فيه من الترك لأنهم ربما طرقوا بعض هذه المنازل، ثم مرو وهي أجلّ كور خراسان. افتتحها حاتم بن النعمان الباهلي وهو من قبل عبد الله بن عامر في خلافة عثمان. ويقال: إن الأحنف بن قيس «4» حضر فتحها وذلك في سنة إحدى وثلاثين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وأهلها أشراف من دهاقين العجم، وبها قوم من العرب من الأزد «1» وتميم وغيرهم. وهي كانت منازل ولاة خراسان فكان أول من نزلها المأمون ثم من ولي خراسان بعد، حتى نزل عبد الله بن طاهر نيسابور. وشرب أهل مرو من عيون تجري وأودية، وخراجها داخل في خراج خراسان، وبها جيد الثياب الموصوفة من ثياب خراسان، ولها من الكور كورة زرق «2» ، وأرم كيلبق، وسوسقان «3» ، وجرارة «4» . ومن مرو إلى آمل «5» ست مراحل أولها كشماهن «6» منها الزبيب الكشمهاني وسائر المراحل في برية وحصون. فهذا ما على الخط الأعظم من كور خراسان، وشرب أهل آمل من آبار إلا ما كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 يقرب منها من جيحون «1» ، وهو نهر بلخ «2» ، فأما ما عن يمين الخط الأعظم مما يلي بحر الهند «3» فهو من نيسابور إلى هراة ذات اليمين للمشرق عشر مراحل. وهراة من أكثر بلاد خراسان عمارة وأحسنه وجوه أهل. افتتحها الأحنف بن قيس في خلافة عثمان، وأهلها أشراف من العجم وبها قوم من العرب وشربها من العيون والأودية، وخراجها داخل في خراج خراسان. بوشنج ومن هراة إلى بوشنج «4» مرحلة، وبوشنج بلد طاهر بن الحسين بن مصعب «5» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 افتتحها أوس بن ثعلبة التيمي، والأحنف بن قيس وهما من قبل عبد الله بن عامر في خلافة عثمان، وأهلها أخلاط من العجم، وبها عرب يسير. بادغيس ومن بوشنج إلى بادغيس «1» ثلاث مراحل، افتتح بادغيس عبد الرحمن بن سمرة «2» في أيام معاوية بن أبي سفيان. سجستان ومن بوشنج إلى سجستان «3» خمس مراحل ويقال سبع مراحل في مجابة، وهو بلد جليل ومدينتها العظمى بست «4» نزلها معن بن زائدة الشيباني «5» ، وكان فيها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 خلافة أبي جعفر المنصور. وأهلها قوم من العجم وأكثرهم يقولون: إنهم ناقلة من اليمن «1» من حمير «2» . ولها من الكور مثل ما بخراسان، وأكثر غير أنها منقطعة متصلة ببلاد السند والهند، وكانت تضاهي خراسان وتوازيها. فمن كورها: كورة بست، وكورة جوين «3» ، وكورة رخّج «4» ، وكورة خشك «5» ، وكورة بلمر، وكورة خواش «6» ، وكورة زرنج «7» العظمى، وهي مدينة الملك [رتبيل] «8» ، وهي أربعة فراسخ حولها خندق، ولها خمسة أبواب، ولها نهر يشق في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وسطها يقال له: الهندمند» وإليها صار تبّع اليماني «2» فأقام بها، وكورة زالق «3» ، وكورة سناروذ «4» ، ولها نهر يقال له: الهندمند يأتي من جبال شاهقة وليس يقطع إليها من بلد من البلدان إلا في مفازة، وهي تتاخم مكران «5» من بلاد السند، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 والقندهار «1» ، وأول من افتتحها الربيع بن زياد الحارثي «2» قطع المفازة وهي خمسة وسبعون فرسخا وبلغ إلى زرنج، وهي المدينة العظمى التي كانت الملوك بها، وذلك في خلافة عثمان ولم يجز الموضع الذي يقال له: القرنين «3» ، ثم صار إليها عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، ثم انغلقت سجستان إلى خلافة معاوية، ثم ولي عبد الرحمن بن سمرة فافتتح البلاد وصار إلى كرمان فافتتحها. ثم رجع إلى سجستان، فصالح أهلها، ثم انغلقت حتى صار إليها الربيع بن زياد الحارثي، ثم انغلقت حتى وليها عبيد الله بن أبي بكرة. ولاة سجستان الربيع بن زياد الحارثي لعبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان، وربعي بن كاس العنبري الكوفي من قبل عبد الله بن عباس في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «4» صلوات الله عليه، وعبد الرحمن بن سمرة أيضا في أيام معاوية ومات بها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 والربيع بن زياد الحارثي أيضا من قبل زياد في أيام معاوية، وعبيد الله بن أبي بكرة «1» من قبل زياد في أيام معاوية، وعبّاد بن زياد «2» بعد موت زياد ولي سجستان لمعاوية، ويزيد بن زياد من قبل يزيد بن معاوية، وطلحة بن عبد الله بن خلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الخزاعي «1» من قبل سلم بن زياد ومات طلحة بن عبد الله بسجستان. وعبد العزيز بن عبد الله بن عامر من قبل القباع «2» وهو الحارث بن عبد الله المخزومي عامل ابن الزبير «3» على البصرة وقدم مصعب بن الزبير العراق عاملا من قبل أخيه فأقر عبد العزيز على سجستان وكان شجاعا فارسا. وعبد الله بن عدي بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزيز بن عبد شمس من قبل عبد الملك بن مروان. وأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية «4» من قبل عبد الملك بن مروان، ثم عبد الله بن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد من قبل أبيه، وعبيد الله بن أبي بكرة من قبل الحجاج «5» في أيام عبد الملك بن مروان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ومات عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان ولما حضرت عبيد الله بن أبي بكرة الوفاة استخلف ابنه أبا برذعة، ثم كتب الحجاج إلى المهلب بن أبي صفرة «1» بولاية سجستان مع خراسان، فولى المهلب سجستان وكيع بن بكر بن وائل الأزدي، ثم ولى الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، وأشار الناس عليه أن لا يفعل فلم يقبل فعصى وخالف على الحجاج وسار إليه فحاربه، ثم رجع إلى سجستان منهزما، وكتب الحجاج إلى رتبيل ملك في أخذ عبد الرحمن وحمله إليه فأخذه وأوثقه وحمله مع رسل الحجاج فطرح عبد الرحمن نفسه من سطح كان عليه فاندقّت عنقه ومات برخّج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ووقع الصلح بين الحجاج ورتبيل ملك سجستان وولى الحجاج عمارة بن تميم اللخمي فكرهه رتبيل فعزله الحجاج. وولى الحجاج عبد الرحمن بن سليم الكناني، ثم عزله الحجاج بعد سنة، وولى مسمع بن ملك بن مسمع الشيباني وتوفي مسمع بسجستان واستخلف ابن أخيه محمد بن شيبان بن مالك فاستعمل الحجاج الأشهب بن بشر الكلبي من أهل خراسان. ثم ضم الحجاج سجستان مع خراسان إلى قتيبة بن مسلم الباهلي «1» ، فبعث أخاه عمرا بن مسلم، ثم كتب إليه الحجاج أن يسير إلى سجستان بنفسه فسار في سنة اثنتين وتسعين في أيام الوليد بن عبد الملك «2» ، وانصرف قتيبة عن سجستان واستولى عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 عبد ربه بن عبد الله بن عمير الليثي، فأقام فيها مدة، ثم بلغه عنه ما أنكره فوجه مكانه منيع بن معاوية بن فروة المنقري وأمره أن يعذبه حتى يأخذ ما صار إليه فلم يفعل منيع ذلك فعزل قتيبة منيع بن فروة واستعمل النعمان بن عوف اليشكري فعذّب عبد ربه بن عبد الله حتى قتله. وولى سليمان بن عبد الملك العراق يزيد بن المهلب بن أبي صفرة فاستعمل يزيد على سجستان أخاه مدرك بن المهلب «1» فلم يعطه رتبيل شيئا فعزل يزيد بن المهلب مدركا أخاه وولى ابنه معاوية بن يزيد المهلب. ثم ولي عمر بن عبد العزيز «2» فاستعمل على العراق عدي بن أرطاة الفزاري «3» فولى عدي الجراح بن عبد الله الحكمي خراسان وضم إليه سجستان. ثم عزله وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي، وكان على سجستان السري بن عبد الله بن عاصم بن مسمع وأقره عمر بن عبد العزيز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ثم ولي يزيد بن عبد الملك بن مروان «1» فولى ابن هبيرة الفزاري العراق فاستعمل ابن هبيرة على سجستان القعقاع بن سويد بن عبد الرحمن بن أويس بن بجير بن أويس المنقري من أهل الكوفة. ثم عزل ابن هبيرة القعقاع وولى السيّال بن المنذر بن النعمان الشيباني، وفي كل هذه السنين رتبيل ممتنع عليهم. وولى هشام بن عبد الملك بن مروان «2» ، فولى العراق خالد بن عبد الله القسري «3» ، فولى سجستان يزيد بن الغريف الهمداني من أهل الأردن ورتبيل ممتنع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ثم عزل خالد بن عبد الله القسري يزيد بن الغريف وولى سجستان الأصفح بن عبد الله الكلبي فلم يزل بسجستان، ثم عزله خالد، وولى عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري فلم يزل واليا حتى عزل خالد بن عبد الله، وولى يوسف بن عمر الثقفي «1» . ولما ولي يوسف بن عمر العراق لهشام بن عبد الملك ولي سجستان إبراهيم بن عاصم العقيلي، فصار إلى سجستان وحمل عبد الله بن أبي بردة في وثاق إلى يوسف. ثم ولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك، فاستعمل على العراق منصور بن جمهور «2» ، فاستعمل منصور على سجستان يزيد بن عزان الكلبي. ثم ولي العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز فولى سجستان حرب بن قطن بن المخارق الهلالي. ثم وجه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن سعيد بن عمر بن يحيى بن العاص الأعور فأخرجه أهل سجستان عن البلد، وافتعل بجير بن السلهب من بكر بن وائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عهدا على لسان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ووقع الشربين بكر «1» وتميم، وولي يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري «2» العراق فوجّه إلى سجستان بعامر بن ضبارة المري «3» فلم يبلغها. وجاءت دولة بني هاشم «4» فوجّه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي «5» إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 سجستان، فقال: يا أهل سجستان الحرب بيننا وبينكم حتى تدفعوا إلينا من قبلكم من أهل الشام، فقالوا: نفتديهم، ففدوهم بألف ألف، وأخرجوا أهل الشام من سجستان، ثم وجه أبو مسلم عمر بن العباس بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة على سجستان. وكان كثيرا عند أبي مسلم فقتل أهل سجستان أخاه إبراهيم بن العباس «1» ، ووقعت الحرب بينهم وبينه، فوجّه إليه أبو مسلم أبا النجم عمران بن إسماعيل بن عمران، وقال له: الحق عمر بن العباس فإن كان قد قتل فأنت أمير البلد، ثم ولى أبو جعفر المنصور إبراهيم بن حميد المروروذي ثم عزله، وولى المنصور معن بن زائدة بن مطر بن شريك الشيباني فنزل بست وحارب الممتنعين وأساء معن الولاية ونال الناس منه كل بلاء فدسوا السيوف في أطنان القصب ثم وثبوا عليه فقتلوه، والذي قتله رجل من أهل طاق «2» رستاق من رساتيق زرنج وذلك في سنة ست وخمسين ومائة، وأقام يزيد «3» بن مزيد بن [زائدة] «4» يحارب القوم فوجّه أبو جعفر تميم بن عمرو من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تيم الله بن ثعلبة ليعيّن يزيد بن مزيد فصار إلى البلد وحمل قوما إلى أبي جعفر وقدم يزيد بن مزيد العراق. ثم عزل أبو جعفر تميم بن عمرو وولى سجستان عبيد الله بن العلاء من بني بكر بن وائل، فمات أبو جعفر وهو عليها. ثم صارت مضمومة إلى [أعمال] «1» خراسان يولونها رجالا من قبلهم، وذلك أن الشراة «2» غلبت عليها، وكثرت عليها. وخراج سجستان يبلغ عشرة آلاف ألف درهم، يفرّق في جيوشها، وشحنتها، وثغورها. كرمان وكرمان «3» يمنة سجستان توازي الجوزجان «4» ، ومدينة كرمان العظمى السيرجان «5» ، وهي منيعة جليلة شجاعها بطل، ولها من المدن والقلاع بيمند «6» ، وخنّاب «7» ، وكوهستان، وكرستان، ومغون طمسكان، وسروسقان وقلعة بم، ومنوجان، ونرماشير «8» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 والبلد واسع جليل ومياهها قليلة، وبها نخل كثير بمدينة يقال لها جيربت «1» ، ومنها يسلك إلى الهند من جيربت إلى الرتق والدهقان «2» ، ثم إلى البل والفهرج «3» يسميها أهلها: فهره، وهي آخر مدينة عمل كرمان. وصاحب مكران يدّعي أنها من عمله، ثم إلى الخروج، وهي أول مدينة من عمل مكران، ثم إلى مدينة فنزبور وهي مدينة مكران العظمى. افتتح كرمان عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس وصالح ملكها على ألفي ألف درهم وألفي وصيف، وذلك في خلافة عثمان. وأما البلدان التي من سرخس إلى بحر الهند: الطالقان من مدينة سرخس إلى الطالقان «4» أربع مراحل، والطالقان بين جبلين عظيمين وبها لسعتها مسجدا جماعة يجمع فيها يوم الجمعة، وبها تعمل اللبود الطالقانية. ومن الطالقان إلى الفارياب «5» أربع مراحل فالفارياب المدينة القديمة، والمدينة الثانية يقال لها: يهودان، ينزلها عامل الفارياب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الجوزجان ومن الفارياب إلى الجوزجان خمس مراحل ولها أربع مدن، فمدينة الجوزجان يقال لها أنبار، بها ينزل الولاة. والثانية يقال لها أسان وصمعاكن. والثالثة التي كان يسكنها ملك الجوزجان يقال لها كندرم «1» وقرزمان. والرابعة يقال لها: شبورقان «2» ، وكانت لها في الأيام المتقدمة مملكة، والجوزجان توازي كرمان على أرض الهند. بلخ ومن الجوزجان إلى بلخ لمن أخذ مشرقا أربع مراحل، وبلخ لها كور ومدائن فتحها عبد الرحمن بن سمرة في أيام معاوية بن أبي سفيان، ومدينة بلخ مدينة خراسان العظمى وفيها كان الملك طرخان ملك خراسان ينزل بها وهي عظيمة القدر عليها سوران سور خلف سور، وقد كان عليها في متقدم الأيام ثلاثة ولها اثنا عشر بابا. ويقال: إن مدينة بلخ وسط خراسن، فمنها إلى فرغانة ثلاثون مرحلة مشرقا، ومنها إلى الرّيّ ثلاثون مرحلة مغربا. ومنها إلى سجستان ثلاثون مرحلة مما يلي القبلة، ومنها إلى كابل، وقندهار ثلاثون مرحلة. ومنها إلى كرمان ثلاثون مرحلة، ومنها إلى قشمير «3» ثلاثون مرحلة، ومنها إلى خوارزم ثلاثون مرحلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ومنها إلى الملتان «1» ثلاثون مرحلة، وكان يحيط بقرى بلخ وضياعها ومزارعها سور عظيم. فمن باب من أبواب السور الذي يحيط بالمزارع والقرى إلى الباب الذي بإزائه اثنا عشر فرسخا، وليس خارج السور عمارة ولا ضيعة ولا قرية وإنما خارجها الرمال، ولهذا السور الأعظم الذي يحيط بأرض بلخ اثنا عشر بابا، وللسور الثاني الذي يحيط بربض المدينة أربعة أبواب من السور الأعظم إلى السور الثاني خمسة فراسخ سور على المدينة بين سور الربض وسور المدينة فرسخ. وفي الربض النوبهار «2» وهي منازل البرامكة، ومن باب سور المدينة إلى الباب الذي بإزائه فرسخ، فكانت مساحة المدينة ثلاثة أميال في ثلاثة أميال. ولبلخ سبعة وأربعون منبرا في مدن ليست بالعظام: مدينة يقال لها خلم «3» ، ومدينة يقال لها سمنجان «4» ، ومدينة يقال لها: بغلان «5» ، ومدينة يقال لها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 سكلكند «1» ، ومدينة يقال لها: ولوالج «2» ، ومدينة يقال لها: هوظة، ومدينة يقال لها: آرهن «3» ، ومدينة يقال لها: راون «4» ، ومدينة يقال لها: طاركان، ومدينة يقال لها: نورين، ومدينة يقال لها: بذخشان «5» ، ومدينة يقال لها: جرم «6» ، وهي آخر المدن الشرقية مما يلي بلخ إلى ناحية بلد التبت. فأما المدن التي عن يمين المشرق فأولها: مدينة يقال لها: خست «7» ، ومدينة يقال لها: بنجهار «8» ، ومدينة يقال لها: بروان، ومدينة يقال لها غوروند، افتتحها الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك «9» في أيام الرشيد، وكانت ممتنعة وهي من مدن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 كابل شاه فهذه المدن بين مدينة بلخ العظمى وبين الباميان. ثم مدينة الباميان «1» ، وهي مدينة على جبل، وكان بها رجل دهقان يسمى أسدا، وهو بالفارسية: الشير، فأسلم على يد مزاحم بن بسطام في أيام المنصور وزوج مزاحم بن بسطام ابنته محمد بن مزاحم ويكنى أبا حرب، فلما قدم الفضل بن يحيى خراسان وجه بابن له يقال له الحسن إلى غوروند فافتتحها مع جماعة من القواد فملكه على الباميان وسماه باسم جده شيرباميان، وهي من مدن طخارستان الأولى. وتخرج من جبل الباميان عيون ماء فيمر منها واد إلى القندهار مسافة شهر، ويمر من شعب آخر إلى سجستان مسافة شهر ويمر نهر آخر إلى مرو مسيرة ثلاثين يوما، ويخرج نهر آخر إلى بلخ مسيرة اثني عشر يوما، ونهر آخر إلى خوارزم مسيرة أربعين يوما. كل هذه الأنهار تخرج من جبل الباميان لارتفاعه وفيه معادن نحاس ورصاص وزيبق. وعن يسار المشرق من المدن: مدينة يقال لها: الترمذ «2» ، ومدينة يقال لها: سرمنكان، ومدينة يقال لها: دارزنكا «3» ، ومدينة يقال لها: الصغانيان «4» ، وهي أكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 المدن التي عن يسار المشرق من مدينة بلخ، ومدينة خرون «1» ، ومدينة يقال لها: ماسند، ومدينة بارسان، ومدينة يقال لها: كبر سراع، ومدينة يقال لها: قباذيان «2» ، ومدينة يقال لها: يوز «3» ، وهي بلد حاتم بن داود، ومدينة يقال لها: وخش «4» ، ومدينة يقال لها: هلاورد، ومدينة يقال لها: كاربنك، ومدينة إيديشاراع، ومدينة يقال لها: روستابيك، وهي مملكة الحارث بن أسد بن بيك صاحب الدواب البيكية، ومدينة يقال لها: هلبك، ومدينة يقال لها: منك، وهي الحد إلى بلاد الترك إلى الموضع الذي يقال له: راشت، وكماد، وبامر. ومما يلي الشمال من مدن بلخ: مدينة يقال لها دريا هنين تفسيره: باب الحديد، ومدينة يقال لها: كشّ، «5» ومدينة يقال لها: نخشب «6» ، ومدينة يقال لها: صغد ومنها إلى مملكة سمرقند. فأما البلدان التي في تيمن نهر بلخ ونحو القبلة، فمن بلخ نحو القبلة إلى تخارستان وإلى أندراب «7» ، وإلى الباميان، وهي أول ممالك طخارستان الدنيا الغربية، وهي في جبل عظيم وقلعة منيعة، ثم إلى بذخشتان، وإلى مدينة كابل شاه مدينة منيعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 حصينة لا يوصل إليها يقال لها حزربدين لا يوصل إليها لما دونها من الجبال الخشنة والمسالك الحزنة والأودية الصعبة والقلاع المنيعة، ولها طريق من كرمان وطريق من سجستان وبها ملك منيع لا يكاد يؤدي الطاعة إلا أن الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك لما ولي خراسان للرشيد سنة ست وسبعين ومائة «1» ، وجه إلى أرض كابل شاه جيوشا عليهم إبراهيم بن جبريل وأنهض معه الملوك من بلاد طخارستان والدهاقين. وكان في الملوك الحسن الشير ملك باميان فصاروا إلى البلاد وفتحوا مدينة الغوروند، وفج غوروند، وسار حود، وسدل إستان، وشاه بهار التي فيها الصنم الذي يعبدونه فهدم وحرق بالنار واستأمن إلى الفضل بن يحيى من ملوك مدن كابل شاه أهل مدينة كاوسان مع عفريكس ملكهم، وأهل مدينة المازران، وأهل مدينة سرحرد مع ملوكهم فأعطاهم الأمان ووجهوا بالرهائن. ومدينة كابل العظمى التي يقال لها: جروس افتتحها عبد الرحمن بن سمرة في خلافة عثمان بن عفان، وهي منغلقة في هذا الوقت إلا أن التجار يدخلون إليها ويحملون الإهليلج الكابلي الكبار. مرو رود وأما البلدان التي من مدينة مرو إلى مدينة بلخ فمن مدينة مرو إلى مرو رود «2» خمس مراحل، ومرورود افتتحها الأحنف بن قيس، وهو من قبل عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان سنة إحدى وثلاثين، ومن مرو رود إلى بلخ ومن سلك منها إلى زم، وهي على نهر بلخ، وإلى آمل وهي على نهر بلخ أيضا وبينها وبين مرو ست رحلات، فهذه البلدان التي تلي بحر الهند من كور خراسان. فأما البلدان التي تيمن نهر بلخ فالترمذ وهي مدينة جليلة على نهر بلخ الأعظم في الجانب الشرقي منه لأن مدينة بلخ من الجانب الغربي من النهر، وهي مدينة آهلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 واسعة، وإلى جانب الترمذ على النهر أيضا مدينة القواذيان «1» نظيرة الترمذ، ثم منها إلى مملكة هاشم بن بانيجور وهي وخش، وهلاورد مدينتان جليلتان لهما منعة، ثم إلى مدينة شومان وهي متصلة بمملكة هاشم بن بانيجور وآل هاشم، ثم الأحد يلي وهي مدينة داود بن أبي داود، ثم إلى الواشجرد «2» ، وهي مدينة ثغر عظيم، وبلد واسع فيه سبعمائة حصن حصينة وذلك أنهم يغزون الترك، وبينهم وبين أرض ترك إستان أربعة فراسخ، ومن الترمذي إلى الصغانيان أربع مراحل. والصغانيان بلد جليل واسع فيه كور وعدة مدن فمن كورة حردن، ونهاران، وكاسك. ومن الصغانيان إلى مملكة الختّل ثلاث مراحل، ومدينة الختّل العظمى وواشجرد وهي التي ذكرنا أن فيها سبعمائة حصن وأنها متاخمة الترك. ختّل ومن الختّل «3» إلى بخارستان العليا ومملكة حماربك: ملك شقنان وبذخشان، ومنه الوادي الأعظم إلى شقنان، وهذه كلها مملكة طخارستان العليا. وما كان من وراء نهر بلخ على الخط الأعظم فأول ذلك مدينة فربر وهي مرو وذلك أن الترك تصير إلى هذه المدينة فينفر إليها أهل مرو وما اتصل بها. ومن فربر إلى باكند مرحلة، وباكند مدينة جليلة وبها أخلاط من الناس. ومن باكند إلى مدينة بخارا «4» مرحلتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 بخارا «1» وبخارا «2» بلد واسع فيه أخلاط من الناس من العرب والعجم ولم يزل شديد المنعة. افتتح «3» بخارا «4» سعيد بن عثمان بن عفان في أيام معاوية «5» ، ثم خرج عنها يريد سمرقند فامتنع أهلها فلم تزل منغلقة حتى افتتحها سلم بن زياد في أيام يزيد بن معاوية. ثم انتقضت وامتنعت حتى صار إليها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك فافتتحها. وخراج البلد أعني بلد بخارا «6» يبلغ ألف ألف درهم، ودراهمهم شبيه بالنحاس. الصغد ومن بخارا «7» إلى بلد الصغد «8» لمن أخذ نحو القبلة سبع مراحل، وبلد الصغد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 واسع، وله مدن جليلة منيعة حصينة منها: دبّوسية «1» ، وكشّانية «2» ، وكشّ، ونسف» ، وهي نخشب. افتتح هذه الكور أعني كور الصغد قتيبة بن مسلم الباهلي أيام الوليد بن عبد الملك. سمرقند ومن كشّ إلى مدينة الصغد العظمى أربع مراحل، وسمرقند «4» من أجل البلدان وأعظمها قدرا وأشدها امتناعا وأكثرها رجالا وأشدها بطلا وأصبرها محاربا وهي نحر الترك. انغلقت سمرقند بعد أن افتتحت عدة مرارا لمنعتها وشجاعة رجالها وشدة أبطالها. افتتحها قتيبة بن مسلم الباهلي في أيام الوليد بن عبد الملك وصالح دهاقينها وملوكها، وكان عليها سور عظيم فانهدم فبناه الرشيد أمير المؤمنين. ولها نهر عظيم يأتي من بلاد الترك كالفرات يقال له: باسف يجري في أرض سمرقند، ثم إلى بلاد الصغد، ثم إلى أسروشنة «5» ، ويعم بلاد سمرقند، وإشتاخنج، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وأسروشنة، وشاش، ومن سمرقند إلى أسروشنة مملكة أفشين خمس مراحل مشرقا. ومملكة أسروشنة واسعة جليلة يقال: إن فيها أربعمائة حصن، ولها عدة مدن كبار منها: أرسمندة، وزامن «1» ، ومانك، وحصنك، ولها واد عظيم يأتي من باسف نهر سمرقند. وتوجد في ذلك الوادي سبائك ذهب، وليس بخراسان ذهب بموضع من المواضع إلا ما بلغني أنه يوجد في هذا الوادي وفي جميع مدن خراسان قوم من العرب من مضر «2» وربيعة «3» وسائر بطون اليمن إلا بأسروشنة، فإنهم كانوا يمنعون العرب أن يجاوروهم حتى صار إليهم رجل من بني شيبان فأقام هناك وتزوج فيهم، ومن مدينة أسروشنة إلى فرغانة مرحلتان. فرغانة ومدينة فرغانة «4» التي ينزلها الملك يقال لها كاسان وهي مدينة جليلة القدر عظيمة الأمر وكل هذه المدن مضافة إلى عمل سمرقند. إشتاخنج وإشتاخنج «5» وهي مدينة جليلة لها حصون ورساتيق وكانت مملكة منفردة وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 المعتصم قد جعل مملكة إشتاخنج إلى عجيف ومنها إلى سمرقند مرحلتان، ومن فرغانة إلى الشاش خمس مراحل، والشاش مدينة جليلة من عمل سمرقند. ومن أخذ من سمرقند إلى الشاش سار إلى خجندة وهي مدينة من مدن سمرقند سبع مراحل، ثم من خجندة إلى الشاش أربع مراحل. الشاش ومن الشاش «1» إلى ثغر أسبيشاب الأعظم مرحلتان وهو البلد الذي يحارب منه الترك وهو آخر عمل سمرقند. فهذا ما وراء النهر من مدن طخارستان والصغد وسمرقند والشاش وفرغانة على الخط الأعظم. وما وراء ذلك فبلاد الشرك وعامة بلاد الترك المحيطة بخراسان وسجستان فترك إستان. والترك عدة أجناس عدة ممالك فمنها: الخزلخية، والتغزغز، وتركش، وكيماك، وغز. ولكل جنس من الترك مملكة منفردة، ويحارب بعضهم بعضا، وليس لها منازل ولا حصون وإنما ينزلون القباب التركية المضلعة ومساميرها سيور من جلود الدواب، والبقر، وأغشيتها لبود، وهم أحذق قوم بعمل اللبود لأنها لباسهم. ولبس بترك إستان زرع إلا الدخن وهو الجاورس وإنما غذاؤهم البان الحجور ويأكلون لحومها وأكثر ما يأكلون لحوم الصيد. والحديد عندهم قليل وهم يعملون سهامهم من عظام إلا أنهم يحيطون بأرض خراسان ويحاربون من كل ناحية ويغزون، فليس بلد من بلدان خراسان إلا وهم يحاربون الترك وتحاربهم الترك من سائر الأجناس. فهذه مدن خراسان وسجستان وكورها ومسافة ما بين كل مدينة وأحوالها، فلنذكر الآن ولأنها مذ فتحت إلى هذه الغاية ومبلغ خراجها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 ولاة خراسان أول من دخل خراسان عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس كتب إليه عثمان بن عفان في سنة ثلاثين وكان يومئذ على البصرة، وكتب إلى سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس «1» ، وكان عامله بالكوفة يأمرهما بالنفوذ إلى خراسان ويقول لكل واحد منهما أنه إن سبق إلى خراسان فهو أمير عليها، وكان قد صار إلى عبد الله بن عامر كتاب ملك طوس فقال له: أنا أسبق بك على أن تملكني على نيسابور، فسبق به فكتب له كتابا هو عند ولده إلى هذه الغاية، فافتتح عبد الله بن عامر عدة كور من خراسان في سنة إحدى وثلاثين، وكان على مقدمته عبد الله بن حازم السلمي، وكان معه الأحنف بن قيس التميمي، ثم انصرف عبد الله بن عامر وولي خراسان قيس بن الهيثم بن أسماء بن الصلت السلمي وخلف معه الأحنف بن قيس، ثم ولى عبد الله حاتم بن النعمان الباهلي فأقام بخراسان يفتح ويغزو حتى قتل عثمان سنة خمس وثلاثين. وولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام على خراسان جعدة بن هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي وكان قد قدم على علي بن أبي طالب عليه السّلام، وهو بالبصرة ماهويه مرزبان مرو فصالحه، وكتب له كتابا وهو بمرو إلى هذه الغاية، ولما قتل علي عليه السّلام ولى معاوية عبد الله بن عامر خراسان فوجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي وعبد الرحمن بن سمرة فسارا جميعا وحطا على بلخ حتى افتتحاها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ثم انصراف عبد الرحمن بن سمرة فسلم خراسان إلى عبد الله بن خازم السلمي، ثم ولى معاوية زياد بن أبي سفيان البصرة، وخراسان، وسجستان فوجه زياد إلى خراسان الحكم بن عمرو الغفاري «1» صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أميرا فخرج إلى خراسان سنة أربع وأربعين وكان جميل السيرة فاضل المذهب، وكتب إليه زياد لما افتتح ما افتتح من كور خراسان: أن أمير المؤمنين معاوية كتب إليّ أن اصطفي له البيضاء والصفراء فلا تقسمن شيئا من الذهب والفضة. فلم يلتفت الحكم إلى كتابه ورفع الخمس وقسم ما بقي بين الناس، وكتب إلى زياد: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين معاوية ولو أن السماء والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا والسّلام. وكان المهلب بن أبي صفرة أحد رجال الحكم بن عمرو ومات الحكم بخراسان. ثم وجه زياد الربيع بن زياد بن أنس بن الديان بن قطن بن زياد الحارثي «2» أميرا على خراسان وكان الحسن البصري «3» كاتبه، وولى معاوية خالد بن معمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 السدوسي «1» خراسان فسار يريدها فدس إليه زياد سما فمات ولم يصل إلى خراسان، فولى زياد خراسان عبد الله بن ربيع بن زياد مكان أبيه ثم عزله وولى عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب. ثم توفي زياد فأقر معاوية عبد الرحمن على سجستان وولى عبيد الله بن زياد خراسان وأنفذه في جيوش وأمره أن يعبر النهر من بلاد طخارستان فخرج في جمع وغزا بلاد طخارستان «2» ، والمهلب بن أبي صفرة مدبر الأمر وصاحب الحرب. وأقام عبيد الله بن زياد بخراسان سنتين، ثم انصرف إلى معاوية واستخلف على خراسان أسلم بن زرعة بن عمرو بن الصعق الكلابي وولى عبيد الله البصرة وولى أخاه عبد الله بن زياد خراسان فأقام أربعة أشهر وبلغه ضعفه ومهانته فعزله. وولى معاوية بعد عبد الله بن زياد عبد الرحمن بن زياد خراسان فلم يحمده فعزله، وولى معاوية سعيد بن عثمان، وكان سعيد بن عثمان قد امتنع وكلمه بكلام غليظ فنفذ إلى خراسان وغزا سمرقند. ويقال: إنه أول من قطع إلى ما وراء النهر، وغزا طخارستان وبخارا «3» وسمرقند. وكان على خراج خراسان أسلم بن زرعة الكلابي فطلب منه سعيد بن عثمان المال فلم يعطه وجعل يحمله إلى عبيد الله بن زياد، وهو أمير البصرة، ثم هرب أسلم بن زرعة من خراسان، وكتب إلى معاوية بخبره وأن سعيد بن عثمان أراد أخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 المال، فعزل معاوية سعيد بن عثمان وولى أسلم بن زرعة. فخرج أسلم إلى خراسان حتى قدم مرو الشاهجان «1» ، وبها سعيد بن عثمان وكان أسلم في جمع كثيف فطعن بعض أصحابه سرادق سعيد بن عثمان بالرمح فقتل جارية له، فكتب إلى معاوية، فكتب إليه وإلى أسلم أن أقدما جميعا عليّ، وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب قد خرج إلى سعيد بن عثمان فمات بمرو، وكان مالك بن الريب «2» الشاعر مع سعيد بن عثمان وكان معه يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري «3» فانصرف سعيد بن عثمان عن خراسان. وولى عبيد الله بن زياد أخاه عبّاد بن زياد خراسان فخرج إليها فاستصحب يزيد بن مفرّغ، فترك ابن مفرّغ سعيدا وصحبه فلم يحمده، وصحبته، فهو حيث هجاه وهجا آل زياد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ثم ولى عبد الرحمن بن زياد خراسان فانصرف عنها واستخلف بها قيس بن الهيثم السلمي «1» ، ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان، وكان بينه وبين أخيه عبيد الله بن زياد عناد شديد، فخرج معه المهلب بن أبي صفرة وعبد الله بن خازم، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وهو طلحة الطلحات وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي «2» ، وعبّاد بن حصين الحبطي «3» ، وعمران بن فضيل البرجمي، وغير هؤلاء من وجوه الناس من أهل البصرة فهدم عبيد الله بن زياد دور جميع من خرج معه أخيه، فكتب إليه يزيد بن معاوية أن يبنيها بالجص والآجر والساج من ماله فبناها. وغزا سلم خوارزم وافتتح مدينة كنداكين «4» وبخارا «5» . ومات يزيد بن معاوية وكانت فتنة ابن الزبير فانصرف سلم واستخلف عرفجة بن الورد السعدي وسار عبد الله بن خازم السلمي مع سلم متبعا له فرده وكتب عهده على خراسان فلما رجع امتنع عرفجة أن يسلم إليه فتحاربوا بالسهام فأصاب عرفجة سهم فمات، وأقام عبد الله بن خازم بخراسان يغزو ويفتح وهو في طاعة ابن الزبير إلى أن قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير فوجه برأسه إلى عبيد الله بن خازم وكتب يدعوه إلى طاعته فأخذ رأس مصعب فغسله وحنطه وكفنه ودفنه، وأجاب عبد الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 جوابا غليظا ولم يقبل ما جعل له عبد الملك بن مروان فوثب عليه أهل خراسان فقتلوه، قتله وكيع بن الدورقية وبايع لعبد الملك بن مروان وبعثوا برأسه إليه. ولما استقامت الأمور لعبد الملك بن مروان ولى خراسان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس فقطع أمية إلى ما وراء النهر وصار إلى بخارا «1» ، ثم خلف عليه بكير بن وسّاج «2» فرجع ولم يزل أمية على خراسان حتى ولي الحجاج العراق. فلما ولي الحجاج كتب إلى عبد الملك يخبره أن أمر خراسان قد اضطرب فرد إليه الأمر، فولى المهلب بن أبي صفرة خراسان، وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان. ولما صار المهلب إلى خراسان أقام مدة، ثم سار إلى طخارستان، ثم إلى كش مدينة الصغد، ثم اعتل المهلب فرجع إلى مرو رود وهو عليل من أكلة وقعت في رجله، ثم مات المهلب بخراسان، وقد عهد إلى ابنه يزيد بن المهلب فأقام مدة. ثم عزل الحجاج يزيد بن المهلب وولى المفضل بن المهلب «3» خراسان فلم يزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بخراسان حتى وثب الحجاج بيزيد بن المهلب وحبسه. ولما وثب الحجاج بيزيد بن المهلب كتب إلى قتيبة بن مسلم الباهلي وكان عامله بالرّيّ بولاية خراسان وأمره أن يقبض على المفضل وسائر آل المهلب فيحملهم إليه في الأصفاد ففعل ذلك. وقدم قتيبة بن مسلم خراسان فحمل آل المهلب إلى الحجاج وصار إلى بخارا «1» فافتتحها، ثم صار إلى الطالقان وقد عصي «باذام» ، فحاربه حتى ظفر به وقتله. وولي الوليد بن عبد الملك وقتيبة بخراسان وقد جل أمره وقوي على البلد وقتل «نيزك طرخان» ، وسار إلى خوارزم، ثم سار إلى سمرقند ففتحها وصالح «غوزك» إخشيد سمرقند. وولي سليمان بن عبد الملك وتوفي الحجاج قبل ذلك بشهور فولى يزيد بن المهلب العراق وأمره أن يقصد أسباب الحجاج، فلما بلغ قتيبة ابن مسلم أراد أن يخلع، فوثب عليه وكيع بن أبي سود التميمي فقتله، وهو لا يشك أن سليمان يوليه خراسان فلم يفعل. وولي سليمان يزيد بن المهلب خراسان مع العراق، فشخص يزيد بن المهلب إلى خراسان بنفسه فتتبع أصحاب قتيبة وحبس وكيع بن أبي سود وناله بكل مكروه. وخالفت كور خراسان على يزيد بن المهلب ففرق أخوته وولده في كور خراسان وولاهم أعمالها. وولي عمر بن عبد العزيز بن مروان فلما بلغ يزيد ولايته شخص من خراسان واستخلف بها مخلدا ابنه وتحمل بجميع أمواله، فأشار عليه قوم أن لا يفعل فلم يقبل ووافى البصرة، وقد عزله عمر بن عبد العزيز وولى عدي بن أرطاة الفزاري فأخذه عدي بالشخوص إلى عمر فشخص فحبسه. وولى عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله الحكمي «2» خراسان وأمره أن يأخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 مخلد بن يزيد بن المهلب «1» فيستوثق منه ففعل. وقدمت وفود التبت عليه يسألونه أن يبعث إليهم من يبصرهم دين الإسلام، ثم عزل عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي وكتب إليه أن ينقل عيالات المسلمين وذراريهم مما وراء النهر إلى مرو فلم يفعلوا وأقاموا. وولي يزيد بن عبد الملك بن مروان فولى مسلمة بن عبد الملك «2» العراق وخراسان، فولى مسلمة خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، فحارب ملك فرغانة وحاصر خجندة «3» من بلاد الصغد وقتل وسبى، ثم عزله مسلمة وولى سعيد بن عمرو الحرشي «4» من أهل الشام، ثم جمعت خراسان والعراق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 لعمر ابن هبيرة الفزاري فولى خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي فقدم خراسان، فغزا فلم يعمل شيئا وقاتله أهل فرغانة حتى هزموه. وولي هشام بن عبد الملك بن مروان، وقد ظهر بخراسان دعاة لبني هاشم فولى خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز القسري العراق وخراسان وأمره أن يوجه إلى خراسان من يثق به، فوجه خالد أخاه أسد بن عبد الله «1» فبلغه خبرهم، فأخذ جماعة اتهمهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وبلغ هشاما اضطراب خراسان فولى من قبله أشرس بن عبد الله السلمي «2» ، ثم عزله وولى الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان المري «3» ، ثم عزله وولى عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وبلغ هشاما أن خراسان قد افتتنت فضمها ثانية إلى خالد بن عبد الله القسري فوجه إليها أخاه أسد بن عبد الله، ومات أسد بن عبد الله بخراسان واستخلف عليها جعفر بن حنظلة البهراني من أهل الشام. وعزل هشام خالد بن عبد الله عن العراق، وولى يوسف بن عمر الثقفي وأمره أن يوجه إليه برجل له علم بخراسان فوجه إليه بعبد الكريم بن سليط بن عطية الحنفي فسأله عن خراسان وحالها ورجالها فجعل يقص عليه حتى أسمى له نصر بن سيار الليثي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فكتب بعهده على خراسان وكان قبل ذلك يتولى كورة من كور خراسان، فعزل جعفر بن حنظلة وتولى البلد، وأخذ يحيى بن زيد بن علي بن الحسين «1» من بلخ فحبسه في القهندز، وكتب إلى هشام فوافى كتابه وقدمات هشام، وولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك. واحتال يحيى بن زيد حتى هرب من الحبس وصار إلى ناحية نيسابور، فوجه نصر بن سيار سلم بن أحوز الهلالي فلحقه بالجوزجان فحاربه وأتي بسهم غرب فقتل يحيى بن زيد وصلبه سلم بن أحوز على باب الجوزجان، فلم يزل يحيى بن زيد مصلوبا، حتى غلب أبو مسلم فأنزله وكفنه ودفنه وقتل كل من شايع على قتله، وكثرت دعاة بني هاشم بخراسان في سنة مائة وست وعشرين. وحارب نصر بن سيار جديع بن علي الكرماني الأزدي «2» ، وقتل الوليد وولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان وأمر خراسان مضطرب ودعاة بني هاشم قد كثروا، ونصر بن سيار قد اعتزله ربيعة واليمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ثم ولي مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وقد ظهر أمر أبي مسلم بخراسان وضعف عنه نصر بن سيار. ثم طلب نصر المتاركة والكانة ثم قتل أبو مسلم نصر بن سيار «1» وغلب على خراسان سنة ثلاثين ومائة، ووجه بعماله ورجاله ووجه قحطبة وغيره إلى العراق. وولى أبو العباس عبد الله بن محمد أمير المؤمنين فظهرت الدولة الهاشمية المباركة وأقام أبو مسلم بخراسان إلى سنة ست وثلاثين ومائة، ثم استأذن أبا العباس أمير المؤمنين في الحج فأذن له فقدم العراق واستخلف على خراسان أبا داود خالد بن إبراهيم الذهلي «2» . ومات أبو العباس أمير المؤمنين وولي أبو جعفر المنصور وأبو داود خالد بن إبراهيم بخراسان خليفة لأبي مسلم ثم قتل أبو مسلم فخرج بخراسان سنفاذ يطلب بدم أبي مسلم فوجه إليه المنصور جهور بن مرار العجلي فهزمه وقتله وفرق جمعه. وولى أبو جعفر المنصور عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي «3» خراسان سنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ثمان وأربعين ومائة فخرج إليها وكان يتولى شرطة المنصور، فلما كثرت أمواله وعدده بخراسان أظهر المعصية وكشف رأسه للخلاف، فوجه المنصور المهدي فحاربه وأسره وحمله إلى أبي جعفر فقتله وصلبه بقصر ابن هبيرة سنة تسع وأربعين ومائة. وكان مقام المهدي بالرّيّ فعصى قارن أصبهبذ طبرستان فوجه إليه خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي ففتحت طبرستان وأسر قارن. وولي المهدي خراسان أسيد بن عبد الله الخزاعي «1» فمات بها ثم ولاها حميد بن قحطبة الطائي فأقام بها مدة، ثم عزله المنصور وولى أبا عون عبد الملك بن يزيد، ثم عزل عبد الملك بن يزيد. وقد ولي الخلافة المهدي فرد حميد بن قحطبة «2» فأقام بها حتى مات، ثم ولي المهدي خراسان معاذ بن مسلم الرازي مولى ربيعة. وقد خرج يوسف البرم الحروري ووجه المهدي لمحاربة يوسف البرم يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني فحاربه حتى أسره وحمله إلى المهدي فقطع يديه ورجليه. ثم خرج بعقب يوسف البرم حكيم الأعور المعروف بالمقنع ومعاذ بن مسلم عامل خراسان ومعه عقبة بن سلم الهنائي وجبريل بن يحيى البجلي والليث مولى أمير المؤمنين، فأفرد المهدي لمحاربة المقنع سعيدا الحرشي فلم يزل يهزمه حتى صار إلى بلاد الصغد فتحصن في قلعة بكش. فلما اشتد به الحصار شرب هو وأصحابه السم فماتوا جميعا وفتحت القلعة. وعزل المهدي معاذ بن مسلم عن خراسان وولاها المسيب بن زهير الضبي «3» ، ثم عزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 المهدي المسيب في آخر خلافته، وولى خراسان الفضل بن سليمان الطوسي فلم يزل عليها حتى مات المهدي. وفي خلافة موسى ولى هارون الرشيد خراسان جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعي ففلج ومات، وولى مكانه ابنه العباس بن جعفر بن الأشعث، ثم عزله وولى الغطريف بن عطاء وكان خال الرشيد فلم يضبط خراسان فعزله، وولى حمزة بن مالك بن الهيثم الخزاعي «1» ثم عزله، وولى الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك فصار إلى بلخ وافتتح عدة كور من طخارستان، وكابل شاه، وشقنان. ثم عزل الفضل بن يحيى بن خالد، وولى علي بن عيسى بن ماهان وكان على شرطة الرشيد وقدم علي بن عيسى خراسان وقد خرج أبو عمرو الشاري فحاربه حتى قتله. ثم خرج على علي بن عيسى بن ماهان حمزة الشاري ببادغيس فنهض إليه علي بن عيسى فهزمه واتّبعه حتى صار إلى كابل فحاربه حتى قتله. وخرج عليه بعد حمزة أبو الخصيب بباورد فحاربه وقتله، وصار إلى علي بن عيسى أموال جليله، وكان علي قد وجه برافع بن الليث بن نصر بن سيار بن رافع الليثي «2» على سمرقند فعصى رافع واشتدت شوكته وقوي أمره، وبلغ الرشيد أن هذا تدبير من علي بن عيسى، فوجه إليه هرثمة بن أعين «3» فقبض عليه وحمله في الحديد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 إلى الرشيد وقبض أمواله فحملها وولى هرثمة بن أعين البلخي خراسان في سنة إحدى وتسعين ومائة. ثم خرج الرشيد إلى خراسان واستخلف ابنه محمدا الأمين ببغداد وأخرج معه المأمون إلى خراسان وخرجت العساكر معه، فلما صار إلى طوس اعتل فاشتدت به العلة فأنفذ المأمون ومعه هرثمة والقواد إلى مرو، وتوفي الرشيد بطوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة فقبره بطوس. وأقام المأمون بمرو عاملا على خراسان وكورها وسائر أعمالها وأنفذ هرثمة بن أعين إلى سمرقند لمحاربة رافع بن الليث بن نصر بن سيار الليثي فلم يزل يحاربه حتى فتح سمرقند، وخرج رافع في الأمان فحمله هرثمة إلى المأمون وحمله المأمون إلى محمد وكتب إليه بالفتح. وأقام المأمون بمرو بقية سنة ثلاث وتسعين ومائة وسنة أربع وتسعين ومائة، ثم كتب إليه محمد في القدوم إلى بغداد، ووجه إليه العباس بن موسى بن عيسى ومحمد بن عيسى بن نهيك وصالحا صاحب المصلى فامتنع المأمون من القدوم وقال: هذا نقض الشرط. فوجه إليه عصمة بن أبي عصمة السبيعي في جيش، فأقام عصمة بالرّيّ لم يبرح، فوجه علي بن عيسى بن ماهان وكان قد أطلقه إلى خراسان. فلما بلغ المأمون ذلك وجه طاهر بن الحسين بن مصعب البوشنجي من مرو في أربعة آلاف فلقي علي بن عيسى بالرّيّ فقتله. ثم وجه المأمون هرثمة بن أعين أيضا إلى العراق، ولم يزل المأمون بمرو مقيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 حتى قتل محمد في آخر المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وبويع له بالخلافة. ثم أقام المأمون بخراسان سنة تسع وتسعين ومائة وسنة مائتين وهو يوجه إلى العراق بالرجال، فوجه بحميد بن عبد الحميد بن ربعي الطائي الطوسي «1» . ثم وجه علي بن هشام بن خسرو المرورودي، ثم وجه بدي العلمين علي بن أبي سعيد ابن خالة الفضل بن سهل على خراج العراق. ثم وجه الحسن بن سهل على جميع الأمور، وانصرف هرثمة من العراق مغاضبا وصار إلى المأمون، فحبسه المأمون ومات في الحبس بعد ثلاثة أيام بمرو في سنة مائتين. ثم بايع المأمون للرضا علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام بمرو بولاية العهد سنة اثنتين ومائتين. ثم خرج من مرو في هذه السنة فسار سيرا مهونا ثم صار إلى سرخس فأقام بها. وقتل الفضل بن سهل وزيره بسرخس في الحمام، فقتل المأمون جماعة بسببه، وسار المأمون إلى طوس فلما قدم طوس أقام بها وذلك في سنة ثلاث ومائتين. وتوفي الرضا عليه السّلام بطوس وكان المأمون قد كاتب جميع ملوك خراسان فاستصلحهم حتى استقامت وولى خراسان كلها رجاء بن أبي الضحاك وكان زوج أخت الفضل بن سهل. وقدم المأمون بغداد في النصف من صفر سنة أربع ومائتين وفسدت خراسان كلها على يد رجاء بن أبي الضحاك، فولى المأمون خراسان غسان بن عبّاد «2» فأصلحها واستقامت على يده وأحمده المأمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وأقام بقية سنة أربع ومائتين وأشهرا من سنة خمس ومائتين. ثم احتال طاهر بن الحسين بن مصعب البوشنجي حتى ولاه المأمون خراسان وعهد له عليها، فخرج إليها في سنة خمس ومائتين، وبلغه سوء رأي من المأمون فأظهر خلافا لم يكشف رأسه فيه، وبلغ المأمون ذلك فيقال أنه احتيل له بشربة، وتوفي طاهر في سنة سبع ومائتين، فولى المأمون مكانه ابنه طلحة بن طاهر بن الحسين، فأقام أميرا بخراسان سبع سنين مستقيم الأمر ثم توفي طلحة بن طاهر سنة خمس عشرة ومائتين. وكان المأمون قد ولى عبد الله بن طاهر كور الجبل وآذربيجان فخرج وأقام بالدينور عليلا، فولاه المأمون خراسان مكان أخيه طلحة بن طاهر ووجه إليه بعهده وعقده مع إسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن أكثم «1» قاضي القضاة، فشخص عبد الله بن طاهر إلى خراسان فنزل نيسابور ولم ينزلها وال من ولاة خراسان قبله وجعلها وطنه. وأقام عبد الله بن طاهر على خراسان وأعمالها مستقيم الأمر شديد السلطان، والبلدان كلها مستقيمة أربع عشرة سنة، ثم توفي بنيسابور في سنة ثلاثين ومائتين وله ثمان وأربعون سنة، فولى الواثق خراسان ابنه طاهر بن عبد الله بن طاهر، فأقام بخراسان خلافة الواثق، والمتوكل، والمنتصر، وبعض خلافة المستعين، ووليها ثماني عشرة سنة مستقيم الأمور ثم توفي بنيسابور في رجب سنة ثمان وأربعين ومائتين وله أربع وأربعون سنة. وولى المستعين خراسان ابنه محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر «2» ، فأقام واليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 عليها من سنة ثمان وأربعين ومائتين إلى سنة تسع وخمسين ومائتين، وقد كانت الأمور اضطربت بخروج الحسن بن زيد الطالبي «1» بطبرستان وغيره وخروج يعقوب بن الليث الصفار بسجستان وتخطيه إلى كور خراسان. ثم سار يعقوب بن الليث الصفار «2» إلى نيسابور في شوال سنة تسع وخمسين ومائتين فقبض على محمد بن طاهر واستوثق منه ومن أهل بيته وقبض أموالهم وما تحويه منازلهم وحملهم في الأصفاد إلى قلعة بكرمان يقال لها: قلعة «بم» ، فلم يزالوا في تلك الحال حتى مات الصفار وخلت خراسان منهم، وصار بها عمرو بن الليث «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 أخو الصفار. فأقام آل طاهر ولاة خراسان خمسا وخمسين سنة وليها منهم خمسة أمراء ومع انقضاء الدول تزول الأمور وتتغير الأحوال ويقع العجز ويظهر التقصير وكان خراج خراسان يبلغ في كل سنة من جميع الكور أربعين ألف ألف درهم سوى الأخماس التي ترتفع من الثغور ينفقها آل طاهر كلها فيما يرون ويحمل إليهم بعد ذلك من العراق ثلاثة عشر ألف ألف سوى الهدايا. فهذا ربع المشرق قد ذكرنا منه ما حضرنا ذكره، وعلمنا خبره ووصفنا أحواله. فلنذكر الآن ربع القبلة وما فيه وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 [الربع الثانى] الربع القبلي من أراد من بغداد إلى الكوفة وإلى طريق الحجاز، والمدينة، ومكة، والطائف «1» ، من بغداد إلى الكوفة ثلاثون فرسخا وهي ثلاث مراحل، أولها قصر ابن هبيرة على اثني عشر فرسخا من بغداد كان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري ابتناه في أيام مروان بن محمد بن مروان «2» ، وابن هبيرة يومئذ عامل مروان على العراق وأراد البعد من الكوفة. وهي مدينة عامرة جليلة ينزلها العمال والولاة، وأهلها أخلاط من الناس وهي على نهر يأخذ من الفرات يقال له: الصراة، وبين قصر ابن هبيرة، وبين معظم الفرات مقدار ميلين إلى جسر على معظم الفرات يقال له: جسر سورا. ومن قصر ابن هبيرة إلى موضع يقال له: سوق أسد «3» غربي الفرات في الطسوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 الذي يقال له: الفلوجة «1» ، ومن سوق أسد إلى الكوفة والمسافات من بغداد إلى الكوفة في عمارات وقرى عظام متصلة عامرة فيها أخلاط من العجم ومن العرب. والكوفة مدينة العراق الكبرى والمصر الأعظم وقبة الإسلام ودار هجرة المسلمين. وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق سنة أربع عشرة وبها خطط العرب. وهي على معظم الفرات، ومنه شرب أهلها، وهي من أطيب البلدان وأفسحها وأغذاها وأوسعها. وخراجها داخل في خراج طساسيج السواد، وطساسيجها التي تنسب إليها: طسوج الجبة، وطسوج البداة، وفرات بادقلا، والسالحين «2» ، ونهر يوسف. والحيرة منها على ثلاث أميال، والحيرة على النجف، والنجف «3» كان على ساحل بحر الملح، وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة، وهي منازل آل بقيلة وغيرهم. وبها كانت منازل ملوك بني نصر من لخم وهم آل النعمان بن المنذر، وعليه أهل الحيرة نصارى فمنهم من قبائل العرب على دين النصرانية من بني تميم آل عدي بن زيد العبادي الشاعر ومن سليم ومن طيّىء وغيرهم. والخورنق «4» بالقرب منها مما يلي المشرق وبينه وبين الحيرة ثلاثة أميال، والسدير «5» في برية تقرب منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 خطط الكوفة كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص «1» لما افتتح العراق يأمره أن ينزل بالكوفة ويأمر الناس أن يختطوها، فاختطت كل قبيلة مع رئيسها، فأقطع عمر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكانت عبس «2» إلى جانب المسجد، ثم تحول قوم منهم إلى أقصى الكوفة. واختط سلمان بن ربيعة الباهلي «3» ، والمسيب بن نجبة الفزاري «4» ، وناس من قيس حيال دار ابن مسعود. واختط عبد الله بن مسعود «5» ، وطلحة بن عبيد الله «6» ، وعمرو بن حريث «7» الدور حول المسجد. وأقطع عمر جبير بن مطعم «8» ، فبنى دارا، ثم باعها من موسى بن طلحة «9» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وأقطع سعد بن قيس عند دار سلمان بن ربيعة بينهما الطريق، واستقطع سعد بن أبي وقاص لنفسه الدار التي بدار عمر بن سعد «1» . وأقطع خالد بن عرفطة، وخباب بن الأرت «2» ، وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار وعمارة بن رويبة التميمي. وأقطع أبا مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري «3» ، وأقطع بني شمخ بن فزارة «4» مما يلي جهينة «5» ، وأقطع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص «6» شهار سوج خنيس «7» . وأقطع شريح بن الحارث الطائي «8» ، وأقطع عمر أسامة بن زيد «9» دارا ما بين المسجد إلى دار عمرو بن الحارث بن أبي ضرار. وأقطع أبا موسى الأشعري «10» نصف الآري وكان فضاء عند المسجد، وأقطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 حذيفة بن اليمان «1» مع جماعة من عبس نصف الآري وهو فضاء كانت فيه خيل المسلمين. وأقطع عمرو بن ميمون الأودي الرحبة التي تعرف بعلي بن أبي طالب عليه السّلام، وأقطع أبا جبيرة الأنصاري وكان على ديوان الجند. وأقطع عدي بن حاتم وسائر طيّىء ناحية جبانة بشر، وأقطع الزبير بن العوام، وأقطع جرير بن عبد الله البجلي وسائر بجيلة قطيعة واسعة كبيرة. وأقطع الأشعث بن قيس «2» الكندي وكندة من ناحية جهينة إلى بني أود، وجاء قوم من الأزد فوجدوا فرجة فيما بين بجيلة وكندة فنزلوا، وتفرقت همدان بالكوفة، وجاءت تميم وبكر وأسد فنزلوا الأطراف. وأقطع أبا عبد الله الجدلي في بجيلة فقال جرير بن عبد الله لم نزل هذا فينا وليس منا، فقال له عمر انتقل ما خير لك فانتقل إلى البصرة وانتقلت عامة أحمس عن جرير بن عبد الله إلى الجبانة. وقد تغيرت الخطط وصارت تعرف بقوم اشتروا بعد ذلك وبنوا، وكان لكل قبيلة جبانة تعرف بهم وبرؤسائهم، منها: جبانة عرزم، وجبانة بشر، وجبانة أزد، وجبانة سالم، وجبانة مراد، وجبانة كندة، وجبانة الصائديين، وصحراء أثير، وصحراء بني يشكر، وصحراء بني عامر. وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد أن يجعل سكك الكوفة خمسين ذراعا بالسواء، وجعلت السوق من القصر، والمسجد إلى دار الوليد إلى القلائين إلى دور ثقيف وأشجع وعليها ظلال بواري إلى أيام خالد بن عبد الله القسري فإنه بنى الأسواق وجعل لأهل كل بياعة دارا وطاقا وجعل غلالها للجند، وكان ينزلها عشرة آلاف مقاتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 المنازل من الكوفة إلى المدينة ومكة من أراد أن يخرج من الكوفة إلى الحجاز خرج على سمت القبلة في منازل عامرة ومناهل قائمة. فيها قصور لخلفاء بني هاشم، فأول المنازل القادسية «1» ، ثم المغيثة «2» ، ثم القرعاء، ثم واقصة، ثم العقبة، ثم القاع، ثم زبالة، ثم الشقوق، ثم بطان، وهي قبر العبادي. وهذه الأربعة الأماكن ديار بني أسد والثعلبية، وهي مدينة عليها سور، وزرود والأجفر منازل طيّىء، ثم مدينة فيد «3» ، وهي المدينة التي ينزلها عمال طريق مكة وأهلها طيّىء وهي في سفح جبلهم المعروف بسلمى، وتوز «4» وهي منازل طيّىء، وسميراء «5» والحاجر «6» . وأهلهما قيس وأكثرهم بنو عبس، والنقرة ومعدن النقرة وأهلها أخلاط من قيس وغيرهم. ومنها يعطف من أراد مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بطن نخل، ومن قصد مكة فإلى مغيثة الماوان وهي ديار محارب، ثم الربذة، ثم السليلة، ثم العمق، ثم معدن بني سليم، ثم أفيعية، ثم المسلح، ثم غمرة، ومنها يهل بالحج، ثم ذات عرق، ثم بستان ابن عامر، ثم مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن قصد مدينة «1» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ من المنزل الذي يقال له: معدن النقرة إلى بطن نخل «2» ، ثم العسيلة «3» ، ثم طرفة «4» ثم المدينة. والمدينة كما سماها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طيبة في مستواها من الأرض عذبة برية جبلية وذلك أن لها جبلين أحدهما أحد والآخر عير، وأهلها المهاجرون والأنصار والتابعون وبها قبائل العرب من قيس بن عيلان من مزينة وجهينة وكناية وغيرهم. ولها أربعة أودية يأتي ماؤها في وقت الأمطار والسيول من جبال بموضع يقال له حرة بني سليم على مقدار عشرة فراسخ من المدينة وهي وادي بطحان، والعقيق الكبير، والعقيق الصغير، ووادي قناة، فمياه هذه الأودية تأتي في وقت السيول، ثم تجتمع كلها بموضع يقال له: الغابة، وتخرج إلى واد يقال له: وادي أضم، ثم يخرج العقيق الكبير، والعقيق الصغير في آبار منها بئر رومة وهي حفير بني مازن، وبئر عروة فيشرب أهل المدينة سائر السنة من هاتين البئرين وغيرهما من الآبار التي ليست لها شهرة هاتين البئرين، وبها آبار يسقى منها النخل والمزارع تجرها النواضح وهي الإبل التي تعمل في الزرانيق. وبالمدينة عيون نابعة معينة فمنها: عين الصورين، وعين ثنية مروان، وعين الخانقين، وعين أبي زياد وخيف القاضي، وعين برد، وعين أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأكثر أموال أهلها النخل ومنه معاشهم وأقوانهم. وخراجها من أعشار النخل والصدقات، والبحر الأعظم منها على ثلاثة أيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وساحلها موضع يقال له: الجار وإليه ترسى مراكب التجار والمراكب التي تحمل الطعام من مصر. ومن المدينة إلى قباء «1» ستة أميال وبها كانت منازل الأوس والخزرج قبل الإسلام وبها نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصير إلى موضع المدينة فإنه صلّى الله عليه وسلّم نزل بقباء على كلثوم بن الهدم ثم مات كلثوم فنزل على سعد بن خيثمة الأنصاري» ، ودار سعد بن خيثمة إلى جانب مسجد قباء ثم انتقل إلى المدينة فكتب معاقلها واختط الناس بها الخطط وكانوا قبل ذلك مفترقين واتصل البنيان بعضه ببعض حتى صارت مدينة. ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة، فأولها ذو الحليفة ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة وهي على أربعة أميال من المدينة ومنها إلى الحفيرة وهي منازل بني فهر من قريش، وإلى ملل، وهي هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب، وإلى السيالة وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام، وكان بها قوم من قريش وغيرهم. وإلى الروحاء وهي منازل مزينة، وإلى الرويئة وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب. وإلى العرج وهي أيضا منازل مزينة، وإلى سقيا بني غفار وهي منازل بني كنانة، وإلى الأبواء وهي منازل أسلم. وإلى الجحفة وبها قوم من بني سليم، وغدير خم «3» من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق، وإلى قديد وبها منازل خزاعة، وإلى عفان، وإلى مر الظهران وهي منازل كنانة وإلى مكة. مكة وأعمالها ومن المدينة إلى مكة «4» مائتان وخمسة وعشرون ميلا، والحاج ينزلون هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 المنازل وغيرها من المناهل ويطول قوم ويقصر آخرون على ما يذهبون إليه في المسير من السرعة والإبطاء، فيدخل الناس إلى مكة من ذي طوى وهي أسفل مكة، ومن عقبة المدنيين وهي أعلى مكة ومنها دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومكة بين جبال عظام وهي أودية ذات شعاب فجبالها المحيطة بها: أبو قبيس الجبل الأعظم منه تشرق الشمس على المسجد الحرام، وقعيقعان، وفاضح، والمحصب، وثور عند الصفا، وجراء وثبير، وتفاحة، والمطابخ، والفلق، والحجون، وسقر. ولها من الشعاب: شعب الحجون، وشعب دار مال الله، وشعب البطاطين، وشعب فلق ابن الزبير، وشعب ابن عامر، وشعب الجوف، وشعب الخوز، وشعب أذاخر، وشعب خط الحزامية، وشعب الصفا، وشعب الرزازين، وشعب الخبير بين، وشعب الجزارين، وشعب زقاق النار، وشعب جبل تفاحة، وشعب الحجاج، وشعب العطارين، وشعب جياد الكبير، وشعب جياد الصغي، وشعب النفر، وشعب ثور وخيام عنقود، وشعب يرني، وشعب علي، وشعب ثنية المدنيين، وشعب الحمام. والمسجد الحرام بين جياد وقعيقعان، وآخر من بنى المسجد الحرام وزاد فيه ووسعه حتى صارت الكعبة في وسطه المهدي في سنة أربع وستين ومائة، فذرع المسجد الحرام مكسرا مائة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وطول المسجد من باب بني جمح إلى باب بني هاشم الذي عند العلم الأخضر أربعمائة ذراع وأربع أذرع، وعرضه من باب الندوة إلى باب الصفا ثلاثمائة ذراع وأربع أذرع، وفيه من العمد الرخام أربعمائة وأربع وثمانون عمودا طول كل عمود عشر أذرع، وفيه أربعمائة طاق وثمانية وتسعون طاقا وثلاثة وعشرون بابا. والمهدي أمير المؤمنين بنى العلمين الأخضرين اللذين بين الصفا والمروة وبين كل علم وصاحبه مائة واثنتا عشرة ذراعا وبين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وأربع وخمسون ذراعا وارتفاع سمك الكعبة ثمان وعشرون ذراعا، ومن الركن الأسود إلى الركن الشامي خمس وعشرون ذراعا ومن الركن الغربي في الحجر إلى الركن الشامي اثنتان وعشرون ذراعا ومن الركن الغربي إلى الركن اليماني خمس وعشرون ذراعا ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الركن اليماني إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود إحدى وعشرون ذراعا. وشرب أهل مكة من آبار ملحة ومن القنوات التي حفرتها أم جعفر بنت جعفر بن أمير المؤمنين المنصور في خلافة الرشيد أمير المؤمنين وأجرتها من الموضع الذي يقال له: المشاش في قنوات رصاص وبينهما اثنا عشر ميلا فشرب أهل مكة والحاج من بركة أم جعفر. والطائف من مكة على مرحلتين، والطائف منازل ثقيف وهي من أعمال مكة مضمومة إلى عامل مكة. ولمكة من الأعمال رعيلاء الهوذة ورعيلاء البياض وهي معادن سليم وهلال وعقيل من قيس. وتبالة وأهلها خثعم ونجران لبني الحارث بن كعب كانت منازلهم في الجاهلية. والسراة وأهلها الأزد وعشم معدن ذهب وبيش، والسرين، والحسبة وعثر، وجدة وهي ساحل البحر، ورهاط، ونخلة، وذات عرق، وقرن، وعسفان، ومر الظهران، والجحفة. وحول مكة من قبائل العرب من قيس: بنو عقيل وبنو هلال وبنو نمير وبنو نصر. ومن كنانة: غفار ودوس وبنو ليث وخزاعة وخثعم وحكم والأزد. ولمكة عيون كثيرة بها أموال الناس بمر الظهران وعرفة ورهاط وتثليث وبها معدن ذهب بعشم وذو علق وعكاظ. وخراجها من أعشار وصدقات والميرة تحمل إليها من مصر إلى ساحلها وهو جدة. ومن مكة إلى اليمن من مكة إلى صنعاء «1» إحدى وعشرون مرحلة «2» فأولها الملكان «3» ، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يلملم «1» ومنها يحرم حاج اليمن، ثم الليث، ثم عليب، ثم قربا، ثم قنونا، ثم يبة، ثم المعقر، ثم ضنكان، ثم زنيف، ثم ريم، ثم يبش، ثم العرش من جازان، ثم الشرجة، ثم السلعاء، ثم بلحة، ثم المهجم، ثم العارة، ثم المروة، ثم سودان، ثم صنعاء، وهي المدينة العظمى التي ينزلها الولاة والأشراف العرب. واليمن أربعة وثمانون مخلافا وهي شبيه بالكور والمدن وأسماؤها: اليحصبين، ويكلي، وذمار، وطمؤ، وعيان، وطمام، وهمل، وقدم، وخيوان، وسنحان، وريحان، وجرش، وصعدة، والأخروش، ومجنح، وحراز، وهوزن، وقفاعة، والوزيرة، والحجر، والمعافر، وعنة، والشوافي، وجبلان، ووصاب، والسكون، وشرعب، والجند، ومسور، والثلجة، والمزارع، وحيران، ومأرب، وحضور، وعلقان، والعرش من جازان، والخصوف، والساعد، وبلحة وهي مور، والمهجم، والكدراء وهي سهام، والمعقر وهي ذوال، وزبيدة، ورمع، والركب، وبني مجيد: ولحج، وأبين، وبين الواديين، والهان، وحضرموت، ومقرا، وحيس، وحرض، والحقلين، وعنس، وبني عامر، ومأذن، وحملان، وذي جرة، وخولان، والسرو، والدثينة، وكبيبة، وتبالة. جزائر اليمن زيلع «2» وهي حيال المندب، ثم دهلك «3» وهي حيال غلافقة «4» وهي جزيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 النجاشي ورحسوا وهي حيال الدهلك وباضع «1» وهي حيال عثر وهي ساحل بيش بلاد كنانة. سواحلها فعدن «2» وهي ساحل صنعاء وبها مرفأ مراكب الصين، وسلاهط، والمندوب، وغلافقة، والحردة، والشرجة «3» ، وهي شرجة القريص، وعثر «4» ، والحسية، والسرين، وجده. تسمية من يسكن كل بلد من قبائل العرب باليمن بيش أهلها الأزد وبها قوم من بني كنانة، والخصوف والساعد أهلها حاء «5» وحكم «6» والكدراء والمهجم أهلها عك والحصيب أهلها زبيد والأشعريون. وحيس وهي مدينة الركب وبني مجيد، وحرض مدينة المعافر، والجند مدينة شرعب، ومدينة جيشان لحمير، وتبالة لخثعم، ونجران لبني الحارث بن كعب، وصعدة لخولان، وشرعب، وقفاعة، والحجر بلاد كندة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الربع الثالث الجربي وهو ربع الشمال قد ذكرنا التيمن وهو ربع القبلة فلنذكر الآن ربع الجربي وهو ربع الشمال وما فيه من المدائن والكور. من أراد من بغداد إلى المدائن وما والاها مما على حافتي دجلة من المدن والطساسيج: واسط، والبصرة، والأبلة، واليمامة، والبحرين، وعمان، والسند، والهند خرج من بغداد فسلك أي الجانبين أحب الشرقي من دجلة، أو الغربي في قرى عظام فيها ديار الفرس حتى يصير إلى المدائن وهي على سبعة فراسخ من بغداد. والمدائن دار ملوك الفرس، وكان أول من نزلها أنو شروان وهي عدة مدن في جانبي دجلة، فالجانب الشرقي فيه المدينة التي يقال لها: العتيقة فيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرون من بناه، وفيها المسجد الجامع الذي بناه المسلمون لما افتتحت. وفي الجانب الشرقي أيضا المدينة التي يقال لها: أسبانير «1» ، وفيها إيوان كسرى العظيم الذي ليس للفرس مثله، ارتفاع سمكة ثمانون ذراعا وبين المدينتين مقدار ميل، وفي هذه كان ينزل سلمان الفارسي، حذيفة بن اليمان وبها قبراهما. ثم تلي هاتين المدينتين مدينة يقال لها الرومية التي يقال أن الروم بنتها لما غلبت على ملك فارس وبها كان أمير المؤمنين المنصور لما قتل أبا مسلم. وما بين هذه المدن الثلاث متقارب الميلين والثلاثة الأميال. في الجانب الغربي من دجلة مدينة يقال لها: بهر سير، ثم ساباط المدائن على فرسخ من بهر سير فما كان من جانب دجلة الشرقي فشربه من دجلة، وما كان من جانب دجلة الغربي فشربه من الفرات يأتي من نهر يقال له: نهر الملك يأخذ من الفرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 افتتحت هذه المدائن كلها سنة أربع عشرة افتتحها سعد بن أبي وقاص، ومن المدائن إلى واسط خمس مراحل أولها دير العاقول «1» وهي مدينة النهروان الأوسط وبها قوم دهاقين أشراف، ثم جرجرايا وهي مدينة النهروان الأسفل وهي ديار أشراف الفرس ومنهم رجاء بن أبي الضحاك وأحمد بن الخصيب. ثم النعمانية وهي مدينة الزاب الأعلى ويقرب منها منازل آل نوبخت وفي مدينة النعمانية دير هزقل الذي يعالج المجانين. ثم جبل وهي مدينة قديمة عامرة ثم مادرايا وهي منزل أشراف العجم قديمة، ثم المبارك نهر قديم، وبعد النعمانية من الجانب الغربي من دجلة القرية المعروفة بنعماذ وهي فرضة ينتقل منها مير دجلة إلى النيل. ثم نهر سابس وهي في الجانب الغربي وهي بإزاء المبارك لأن مدينة المبارك من الجانب الشرقي منها يسلك إلى طسوجي باداريا وباكسايا، ثم قناطر الخيزران من الجانب الشرقي. ثم فم الصلح وبه منازل الحسن بن سهل وإلى هذا الموضع صار المأمون لما زار الحسن بن سهل وابتنى بابنته بوران. ثم واسط وهي مدينتان على جانبي دجلة فالمدينة القديمة في الجانب الشرقي من دجلة، وابتنى الحجاج مدينة في الجانب الغربي وجعل بينهما جسرا بالسفن، وبنى الحجاج قصره بهذه المدينة الغربية، والقبة الخضراء التي يقال لها خضراء واسط والمسجد الجامع وعليها السور نزلتها الولاة بعد الحجاج، وبها كان يزيد بن عمرو بن هبيرة الفزاري لما انهزم من أصحاب قحطبة وتحصن فيها أعطي الأمان، وسكان هاتين المدينتين أخلاط من العرب والعجم. ومن الدهاقين فمنزله بالمدينة الشرقية وهي مدينة كسكر. وخراجها داخل في خراج طساسيج السواد، وإنما سميت واسط لأن منها إلى البصرة خمسين وإلى الكوفة خمسين وإلى الأهواز خمسين فرسخا وإلى بغداد خمسين فرسخا فلذلك سميت واسط، ويتصل بها نهر أبان وبه يصنع الفرش الذي يعمل منه الأرمني ثم يحمل إلى أرمينية فيغزل وينسج، ثم إلى عبداسي «2» ، ثم إلى المذار وهي مدينة ميسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ومدينة المذار «1» على دجلة أيضا، ومما يلي المذار كورة أيزقباذ «2» والمدينة يقال لها فسى. ومن واسط إلى البصرة في البطائح وإنما سميت البطائح لأنه تجتمع فيها عدة مياه، ثم يصير من البطائح في دجلة العوراء، ثم يصير إلى البصرة فيرسى في شط نهر ابن عمر «3» . البصرة والبصرة «4» كانت مدينة الدنيا ومعدن تجاراتها وأموالها وهي مدينة مستطيلة تكون مساحتها على أصل الخطة التي اختطت عليها في وقت افتتاحها في ولاية عمر بن الخطاب في سنة سبع عشرة فرسخين في فرسخ فالباطنة منها وهي الجانب الذي يلقى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الشمال تشرع على نهرين لها أحدهما نهر يعرف بنهر ابن عمر وهو نهر [ ... ] «1» وخرشنة «2» خمسمائة فارس وسلوقية «3» خمسمائة فارس وتراقية خمسة آلاف فارس ومقدونية ثلاثة آلاف فارس فجميع جيش بلاد الروم من الجند الموظف على الرساتيق والقرى أربعون ألف فارس وليس فيهم مرتزق وإنما هم جند يوظف على كل ناحية رجال يخرجون مع بطريقها في وقت الحرب. وقد ذكرنا أخبار بلاد الروم ورجالها ومدنها وحصونها وموانيها وجبالها وشعابها وأوديتها وبحيراتها ومواضع الغارات عليها في كتاب غير هذا، فهذه المسالك إلى الثغور وما اتصل بها. ومن أراد أن يسلك من حلب الطريق الأعظم إلى المغرب خرج من حلب إلى مدينة قنسرين ثم إلى الموضع الذي يقال له تلمنس وهو أول عمل جند «4» حمص. جند حمص ثم منها إلى مدينة حماة «5» وهي مدينة قديمة على نهر يقال له الأرنط، وأهل هذه المدينة قوم من يمن والأغلب عليهم بهراء وتنوخ ثم من مدينة حماة إلى مدينة الرستن ثم إلى مدينة حمص. ومدينة حمص «6» من أوسع مدن الشام ولها نهر عظيم منه شرب أهلها، وأهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 حمص جميعا يمن من طيّىء وكندة وحمير وكلب وهمدان وغيرهم من بطون اليمن. افتتحها أبو عبيدة الجراح «1» سنة عشرة صلحا وانتقضت بعد الفتح فصالح أهلها ثانية. وبحمص أقاليم منها: النمة وأهلها كلب، والرستن وحماة وهي مدينة على نهر عظيم وأهلها بهراء وتنوخ وصوران وبه قوم من أياد، وسلمية وهي مدينة في البرية كان عبد الله بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابتناها وأجرى إليها نهرا واستنبط أرضها حتى زرع فيها الزعفران وأهلها من ولد عبد الله بن صالح الهاشمي ومواليهم وأخلاط من الناس تجار وزراعين. وتدمر «2» وهي مدينة قديمة عجيبة البناء يقال لكثرة ما فيها من عجائب الآثار إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 سليمان بن داود النبي عليه السّلام بناها وأهلها كب وتلمنس وهي مساكن أياد وكان ابن أبي دؤاد بناها منزلا، ومعرة النعمان مدينة قديمة خراب وأهلها تنوخ، والبارة وأهلها بهراء، ومدينة فامية وهي مدينة رومية قديمة خراب على بحيرة عظيمة وأهلها عذرة وبهراء، ومدينة شيزر وأهلها قوم من كندة، ومدينة كفر طاب، والإطميم وهي مدينة قديمة وأهلها قوم من يمن وسائر البطون وأكثرهم كندة. وعلى ساحل البحر من جند حمص أربع مدن: مدينة اللاذقية «1» وأهلها قوم من يمن من سليح وزبيد وهمدان ويحصب وغيرهم، ومدينة جبلة «2» وأهلها همدان وبها قوم من قيس ومن أياد، ومدينة بلنياس «3» وأهلها أخلاط، ومدينة أنظرظوس «4» وأهلها قوم من كندة. وخراج حمص القانون القائم يبلغ سوى الضياع مائتي ألف وعشرين ألف دينار. جند دمشق ومن حمص إلى مدينة دمشق «5» أربع مراحل، فالمرحلة الأولى جوسية وهي من حمص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 والثانية قارا وهي أول عمل جند دمشق. والثالثة القطيفة وبها منازل لهشام بن عبد الملك بن مروان ومنها إلى مدينة دمشق. ومن سلك من حمص على طريق البريد أخذ من جوسية «1» إلى البقاع «2» ، ثم إلى مدينة بعلبك «3» وهي إحدى مدن الشام الجليلة وبها بنيان عجيب بالحجارة وبها عين عجيبة يخرج منها نهر عظيم وداخل المدينة الأجنة والبساتين. ومن مدينة بعلبك إلى عقبة الرمان ثم إلى مدينة دمشق، ومدينة دمشق مدينة جليلة قديمة وهي مدينة الشام في الجاهلية والإسلام وليس لها نظير في جميع أجناد الشام في كثرة أنهارها وعمارتها ونهرها الأعظم يقال له: [بردى] «4» . افتتحت مدينة دمشق في خلافة عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة افتتحها أبو عبيدة بن الجراح من باب لها يقال له: باب الجابية صلحا بعد حصار سنة ودخل خالد بن الوليد من باب لها يقال له: باب الشرقي بغير صلح فأجاز أبو عبيدة الصلح في جميعها وكتبوا إلى عمر بن الخطاب فأجاز ما عمل به أبو عبيدة. وكانت دمشق منازل ملوك غسان وبها آثار لآل جفنة «5» ، والأغلب على مدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 دمشق أهل اليمن وبها قوم من قيس ومنازل بني أمية وقصورهم أكثر منازلها وبها خضراء معاوية وهي دار الإمارة، ومسجدها الذي ليس في الإسلام أحسن منه بالرخام والذهب بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان في خلافته. ولجند دمشق من الكور الغوطة وأهلها غسان وبطون من قيس وبها قوم من ربيعة وحوران، ومدينتها بصرى وأهلها قوم من قيس من بني مرة خلا السويدا فإن بها قوما من كلب. والبثينة ومدينتها أذرعات وأهلها قوم من يمن ومن قيس، والظاهر ومدينتها عمان، والغور ومدينتها ريحا وهاتان المدينتان أرض البلقاء وأهلها قوم من قيس وبها جماعة من قريش. وجبال ومدينتها عرندل وأهلها قوم من غسان ومن بلقين وغيرهم، ومآب، وزغر وأهلها أخلاط من الناس وبها القرية المعروفة بموتة التي قتل فيها جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة بن عبد الله بن رواحة، والشراة ومدينتها أذرح وأهلها موالي بني هاشم وبها الحميمة منازل علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وولده. والجولان «1» ومدينتها بانياس وأهلها قوم من قيس أكثرهم بنو مرة وبها نفر من أهل اليمن وجبل سنير وأهلها بنو ضبة وبها قوم من كلب، وبعلبك وأهلها قوم من الفرس وفي أطرافها قوم من اليمن، وجبل الجليل وأهلها قوم من عاملة، ولبنان صيدا «2» وبها قوم من قريش ومن اليمن. ولجند دمشق من الكور على الساحل كورة عرفة ولها مدينة قديمة فيها قوم من الفرس ناقلة وبها قوم من ربيعة من بني حنيفة، ومدينة أطرابلس «3» وأهلها قوم من الفرس كان معاوية بن أبي سفيان نقلهم إليها ولهم ميناء عجيب يحتمل ألف مركب، وجبيل «4» وصيدا وبيروت «5» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وأهل هذه الكور كلها قوم من الفرس نقلهم إليها معاوية بن أبي سفيان، وكل كور دمشق افتتحها أبو عبيدة بن الجراح في خلافة عمر بن الخطاب سنة أربع عشرة وخراج دمشق سوى الضياع يبلغ ثلاثمائة دينار. جند الأردن ومن مدينة دمشق إلى جند الأردن «1» أربع مراحل، أولها جاسم من عمل دمشق، وخسفين «2» من عمل دمشق، وفيق ذات العقبة المذكورة ومنها إلى مدينة طبرية «3» وهي مدينة الأردن، وهي في أسفل جبل على بحيرة جليلة يخرج منها نهر الأردن المشهور وفي مدينة طبرية مياه تنبع حارة تفور في الصيف والشتاء ولا تنقطع فتدخل المياه الحارة إلى حماماتهم ولا يحتاجون لها إلى وقود وأهل مدينة طبرية قوم من الأشعريين هم الغالبون عليها. ولجند الأردن من الكور صور وهي مدينة السواحل وبها دار الصناعة ومنها تخرج مراكب السلطان لغزو الروم وهي حصينة جليلة وأهلها أخلاط من الناس. ومدينة عكا «4» وهي من السواحل، وقدس «5» وهي من أجل كوره، وببسان وفحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وجرش والسواد. وأهل هذه الكور أخلاط من العرب والهجم افتتحت كور الأردن في خلافة عمر بن الخطاب افتتحها أبو عبيدة بن الجراح خلا مدينة طبرية فإن أهلها صالحوه، وغيرها من كور جند الأردن افتتحها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص من قبل أبي عبيدة بن الجراح سنة أربع عشرة. وخراج جند الأردن يبلغ سوى الضياع مائة ألف دينار. جند فلسطين ومن جند الأردن إلى جند فلسطين «1» ثلاث مراحل، ومدينة فلسطين القديمة كانت مدينة يقال لها: لدّ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة ابتنى مدينة الرملة وخرب مدينة لدّ ونقل أهل له إلى الرملة. الرملة مدينة فلسطين ولها نهر صغير منه شرب أهلها، ونهر أبي فطرس منها على اثني عشر ميلا. وشرب أهل الرملة من ماء الآبار ومن صهاريج يجري فيها ماء المطر وأهل المدينة أخلاط من الناس من العرب والعجم وذمتها سامرة. ولفلسطين من الكور: كورة إيليا وهي بيت المقدس وبها آثار الأنبياء عليهم السّلام، وكورة لدّ «2» ومدينتها قائمة بحالها إلا أنها خراب، وعمواس «3» ، ونابلس «4» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وهي مدينة قديمة فيها الجبلان المقدسان وتحت المدينة مدينة منقورة في حجر وبها أخلاط من العرب والعجم والسامرة وسبسطية وهي مضافة إلى نابلس وقيسارية وهي مدينة على ساحل البحر كانت من أمنع مدن فلسطين وهي آخر ما افتتح من مدن البلد افتتحها معاوية ابن أبي سفيان في خلافة عمر بن الخطاب، وبينا «1» وهي مدينة قديمة على قلعة وهي التي يروى أن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما وجهني فقال: «اغد على يبنا صباحا ثم حرق» «2» . وأهل هذه المدينة قوم من السامرة، ويافا «3» وهي على ساحل البحر إليها ينفر أهل الرملة. وكورة بيت جبرين وهي مدينة قديمة وأهلها قوم من جذام وبها البحيرة الميتة التي تخرج الحمرة وهي الموميا. ومدينة عسقلان على ساحل البحر، ومدينة غزة على ساحل البحر وهي رأس الإقليم الثالث وبها قبر هاشم بن عبد مناف. وأهل جند فلسطين أخلاط من العرب والعجم ومن لخم وجذام وعاملة وكندة وقيس وكنانة. افتتحت أرض فلسطين سنة ست عشرة بعد طول محاصرة حتى خرج عمر بن الخطاب فصالح أهل كورة إيليا وهي بيت المقدس، وقالوا: لا نصالح إلا الخليفة، فسار إليهم حتى صالحهم. وافتتحت أكثر كور فلسطين خلا قيسارية فحلف عليها أبو عبيدة بن الجراح معاوية بن أبي سفيان فافتتحها سنة ثمان عشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ومبلغ خراج جند فلسطين مع ما صار في الضياع يبلغ ثلاثمائة ألف دينار. ومن أراد أن يسلك من الشام على فلسطين إلى مكة سلك جبالا خشنة حزنة حتى يصير إلى إيلة، ثم إلى مدين، ثم يستمر به الطريق مع أهل مصر والمغرب. مصر وكورها ومن خرج من فلسطين مغرّبا يريد مصر «1» خرج من الرملة إلى مدينة يبنا، ثم إلى مدينة عسقلان «2» وهي على ساحل البحر، ثم إلى مدينة غزة «3» وهي على الساحل أيضا، ثم إلى رفح «4» وهي آخر أعمال الشام. ثم إلى موضع يقال له الشجرتين وهي أول حد مصر ثم إلى العريش «5» وهي أول مسالح مصر وأعمالها، ويسكن العريش قوم من جذام وغيرهم وهي قرية على ساحل البحر، ومن العريش إلى قرية يقال لها: البقارة، ومنها إلى قرية يقال لها: الواردة في جبال من رمال، ثم إلى الفرما «6» وهي أول مدن مصر وبها أخلاط من الناس وبينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال، ومن الفرما إلى قرية يقال لها: جرجير مرحلة، ومنها إلى قرية يقال لها: قافوس مرحلة، ومنها إلى قرية يقال لها غيفة ثم الفسطاط. وكانت الفسطاط «7» تعرف بباب اليون وهو الموضع المعروف بالقصر فلما افتتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 عمرو بن العاص باب اليون في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين اختطت قبائل العرب حول فسطاط عمرو بن العاص فسميت الفسطاط لهذا، ثم اتسعوا في البلد فاختطوا على النيل واختطت قبائل العرب في المواضع المنسوبة إلى كل قبيلة، وبنى عمرو بن العاص مسجد جامعها ودار إمارتها المعروفة بدار الرمل، وجعل الأسواق محيطة بالمسجد الجامع في الجانب الشرقي من النيل وجعل لكل قبيلة محرسا وعريفا وابتنى حصن الجيزة في الجانب الغربي من النيل وجعله مسلحة للمسلمين وأسكنه قوما، وكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه: لا تجعل بيني وبين المسلمين ماء. وافتتح عمرو كور مصر صلحا خلا الإسكندرية «1» ، فإنه أقام يحارب أهلها ثلاث سنين، ثم فتحها سنة ثلاث وعشرين لأنه لم يكن في البلد مدينة تشبهها حصانة وسعة وكثرة عدة. وكور مصر منسوبة إلى مدنها لأن لكل كورة مدينة مخصوصة بأمر من الأمور، فمن مدن الصعيد وكورها مدينة منف «2» ، وهي مدينة قائمة خراب يقول أهل مصر إنها المدينة التي كان فرعون يسكنها، ومدينة بوصير كوريدس «3» ، ومدينة دلاص «4» وإليها ينسب اللجم الدلاصية، ومدينة الفيوم «5» ، وكان يقال في متقدم الأيام مصر والفيوم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 لجلالة الفيوم وكثرة عمارتها، وبها القمح الموصوف وبها يعمل الخيش. ومدينة القيس وبها تعمل الثياب القيسية والأكسية الصوف الجياد، ومدينة البهنسا وبها تعمل الستور البهنسية. ومدينة أهناس وبها تعمل الأكسية وبها شجر اللبخ، ومدينة طحا وبها القمح الموصوف والكيزان التي يسميها أهل مصر البواقيل، وأنصنا وهي مدينة قديمة يقال: إن سحرة فرعون كانوا منها، وإن بها بقية من السحر وهي في الجانب الشرقي من النيل. ومدينة الأشمونين وبها فرهة الخيل والدواب والبغال وهي من مدن مصر العظام، ومدينة أسيوط «1» وهي من عظام مدن الصعيد بها يعمل الفرش القرمز الذي يشبه الأرمني، وقهقاوة وبها مدينة قديمة يقال لها: بوتيج. ومدينة يقال لها: بشمور وبها القمح اليوسفي المجزع، ومدينة إخميم «2» وهي في الجانب الشرقي من النيل، ولها ساحل وبها يعمل الفرش القطوع والجلود الإخميمية، والدير المعروف بدير بوشنودة، ويقال: إن فيه قبر رجلين من حواري المسيح. ومدينة أبشاية يقال لها البلينا ومن أبشاية تسلك إلى الواحات في مفازة وجبال خشنة ست رحلات ثم إلى ألواح الخارجة وهي بلاد فيها حصون، ومزارع، وعيون مطّردة، ومياه جارية، ونحل، وأصناف الشجر، والكروم، ومزارع أرز وغير ذلك. ثم إلى الواح الداخلة ولها مدينة يقال لها الفرفرون وأهلها أخلاط من الناس من أهل مصر وغيرهم. ومن مدينة أبشاية التي يقال لها مدينة البلينا «3» إلى مدينة هو «4» ، ومدينة هو مدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قديمة كان بها أربع كور: كورة هو وكورة دندرة من غربي النيل، وكورة قا، وكورة قنا من الجانب الشرقي فخربت وقلّت عمارتها لكثرة من يخرج إليها في ناحية من الأعراب والخارجين وقطاع الطريق وانتقل الناس عنها إلى ما هو أعمر منها. ومن مدينة هو إلى مدينة قفط «1» مرحلتان وهي مدينة في الجانب الشرقي فيها آثار الملوك المتقدمين وبربا. ومن قفط تسلك إلى معادن الزمرد وهو معدن يقال له: خربة الملك على ثمان رحلات من مدينة قفط وفيه جبلان يقال لأحدهما العروس وللآخر الخصوم فيهما معادن الزمرذ وفيه موضع يقال له كوم الصابوني وكوم مهران ومكابر وسفسيد. وكل هذه معادن يوجد فيها الجواهر، وتسمى الحفائر التي يخرج منها الجوهر: «شيم» واحدتها «شيمة» . وكان بها معدن قديم يقال له: سروميط وهو معدن كان في الجاهلية، وكذلك معدن مكابر. ومن المعدن التي يقال له: خربة الملك إلى جبل صاعد، وهو معدن تبر مرحلة، وإلى الموضع الذي يقال له: الكلبي، وموضع يقال له: الشكري، وموضع يقال له: العجلي، وموضع يقال له: العلاقي الأدنى، وموضع يقال له: الريفة، وهو ساحل بحر خربة الملك. وكل هذه معادن تبر، ومن الخربة إلى المعدن يقال له رحم معدن تبر ثلاث مراحل، وبرحم قوم من بلي وجهينة وغيرهم من أخلاط الناس يقصدون للتجارات، فهذه معادن الجوهر وما يتصل بها من معادن التبر القريبة. ومن مدينة قفط إلى مدينة الأقصر وهي مدينة قد خربت وصارت مكانها مدينة قوص وهي على ساحل النيل من الجانب الشرقي من النيل. وكورة إسنا «2» ومدينة إسنا في الجانب الغربي من النيل ويقال: إن أهلها المريس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ومنها الحمير المريسية، ثم كورة أتفو «1» وهي في الجانب الغربي من النيل، وكورةسان وهي من الجانب الغربي. ثم مدينة أسوان «2» العظمى وبها تجار المعادن وهي في الجانب الشرقي من النيل وهي ذات نخل كثير ومزروع وتجارات مما يأتي من بلاد النوبة والبجة. وآخر مدن بلاد الإسلام من هذه الناحية مدينة في جزيرة في وسط النيل يقال لها: بلاق «3» عليها سور حجارة، ثم حد بلاد النوبة «4» بموضع يقال له: القصر على مقدار ميل من بلاق. معادن التبر ومن أراد المعادن معادن التبر خرج من أسوان إلى موضع يقال له الضيقة بين جبلين، ثم البويب، ثم البيضية، ثم بيت ابن زياد، ثم عذيفر جبل الأحمر، ثم جبل البياض، ثم قبر أبي مسعود، ثم عفار، ثم وادي العلاقي. وكل هذه المواضع معادن التبر يقصدها أصحاب المطالب، ووادي العلاقي كالمدينة العظيمة به خلق من الناس وأخلاط من العرب والعجم أصحاب المطالب وبها أسواق وتجارات وشربهم من آبار تحفر في وادي العلاقي، وأكثر من بالعلاقي قوم من ربيعة من بني حنيفة من أهل اليمامة «5» انتقلوا إليها بالعيالات والذرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ووادي العلاقي وما حواليه معادن للتبر، وكل ما قرب منه يعتمل فيه الناس، لكل قوم من التجار وغير التجار عبيد من السودان يعملون في الحفر، ثم يخرجون التبر كالزرنيخ الأصفر، ثم يسبك. ومن العلاقي إلى موضع يقال له: وادي الجبل مرحلة، ثم إلى موضع يقال له: عنب. ثم إلى موضع يقال له: كبار يجتمع الناس به لطلب التبر وبه قوم من أهل اليمامة من ربيعة. ومن العلاقي إلى معدن يقال له: بطن واح مرحلة، ومن العلاقي إلى موضع يقال له: أعماد مرحلتان، وإلى معدن يقال له: ماء الصخرة مرحلة، وإلى معدن يقال له: الأخشاب مرحلتان. وإلى معدن يقال له: ميزاب تنزله لمى وجهينة أربع مراحل، وإلى معدن يقال: له عربة بطحا مرحلتان. ومن العلاقي إلى عيذاب «1» أربع مراحل، وعيذاب ساحل البحر المالح يركب الناس منه إلى مكة والحجاز واليمن، ويأتيه التجار فيحملون التبر والعاج وغير ذلك في المراكب. ومن العلاقي إلى بركان وهي آخر معادن التبر التي يصير إليها المسلمون ثلاثون مرحلة. ومن العلاقي «2» إلى موضع يقال له دح ينزله قوم من بني سليم وغيرهم من مضر عشر مراحل. ومن العلاقي إلى معدن يقال له: السنطة، وبه قوم من مضر وغيرهم عشر مراحل، ومن العلاقي إلى معدن يقال له: الرفق عشر مراحل. ومن العلاقي إلى معدن يقال له: سختيت عشر مراحل فهذه المعادن التي يصل إليها المسلمون ويقصدونها لطلب التبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 بلاد النوبة فأما من قصد من العلاقي إلى بلاد النوبة الذين يقال لهم: علوة فيسير ثلاثين مرحلة بعضها إلى كباو، ثم إلى موضع يقال له: الأبواب، ثم إلى مدينة علوة العظمى التي تسمى سوبة وبها ينزل ملك علوة، والمسلمون يختلفون إليها ومنها يأتي خبر ابتداء النيل. ويقال: إن جزيرة علوة متصلة بجزيرة السند والنيل يجري من وراء علوة إلى أرض السند في النهر الذي يقال له: مهران كما يجري في نيل مصر ويزيد فيه في وقت زيادته بمصر. وفي الجزيرة التي بأرض علوة مثل ما بجزائر السند من الفيلة والكركدنات وأشباه ذلك، وفي نهر مهران التماسيح كما في نيل مصر. ومن أسوان إلى أول بلاد النوبة الذين يقال لهم: مقرا، وهو موضع يقال له: ماوا، وبهذا الموضع كان زكريا بن قرقي خليفة أبيه قرقي ملك النوبة. ومن ماوا إلى مدينة النوبة العظمى التي ينزلها ملك النوبة وهي سال ودنقلة ثلاثون مرحلة. بلاد البجة ومن العلاقي إلى أرض البجة «1» الذين يسمون الحداربة والكدانين خمس وعشرون مرحلة، ومدينة ملك البجة الحداربة يقال لها: هجر «2» يأتيها الناس من المسلمين للتجارات. والبجة ينزلون خيام جلود وينتفون لحاهم وينزعون فلك ثدي الغلمان لئلا يشبه ثديهم ثدي النساء ويأكلون الذرة وما أشبهها، ويركبون الإبل، ويحاربون عليها كما يحارب على الخيل، ويرمون بالحراب فلا يخطئون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 ومن العلاقي إلى أرض البجة الذين يقال لهم: الزنافجة خمس وعشرون مرحلة. والمدينة التي يسكنها ملك الزنافجة يقال لها: بقلين وربما صار المسلمون إليها للتجارات، ومذهبهم مثل مذهب الحداربة وليس لهم شريعة إنما كانوا يعبدون صنما يسمونه «ححاخوا» . فأما مدن مصر التي بأسفل الأرض فأولها مدينة أتريب «1» ولها كورة واسعة وبها القرية المعروفة بينها التي بها العسل الموصوف، ثم مدينة عين شمس «2» وهي مدينة قديمة يقال: إن بها مساكن لفرعون وبها آثار عجيبة، وفيها مسلتان شاهقتان عظيمتان من حجارة صلدة مكتوب عليها باللسان القديم يقطر من رأس إحداهما ماء لا يدرى ما سببه، ثم مدينة نتو، ومدينة بسطة، ومدينة طرابية، ومدينة قربيط، ومدينة صان، ومدينة إبليل، هذه التسع المدن تسمى كور الحوف. ثم مدينة بنا وهي مدينة جليلة قديمة ومدينة بوصير وهي نظيرة بنا في العظم والجلالة، ومدينة سمنود، ومدينة نوسا، ومدينة الأوسية وهي مدينة دميرة، ومدينة البجوم، وهذه الست المدن في الجانب الشرقي من النيل تسمى كور بطن الريف. ومدينة سخا، ومدينة تيدة، ومدينة الإفراحون، ومدينة طوّة، ومدينة منوف السفلى، وهذه المدن والكور السبع في جزيرة من النيل بين خليج دمياط وخليج الغرب. فأما المدن التي على ساحل البحر المالح فأولها الفرما وهي المدينة القديمة التي ندخل إلى مصر منها، ثم مدينة تنيس يحيط بها البحر الأعظم المالح وبحيرة يأتي ماؤها من النيل وهي مدينة قديمة تعمل بها الثياب الرفيعة الصفاق والرقاق من الدبيقي والقصب والبرود والمخمل والوشي وأصناف الثياب، وبها مرسى المراكب الواردة من الشام والمغرب «3» ، ثم مدينة شطا «4» وهي على ساحل البحر وبها تعمل الثياب الشروب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الشطوية، ثم مدينة دمياط «1» وهي على ساحل البحر وإليها ينتهي ماء النيل، ثم يفترق من دمياط فيخرج بعضه إلى بحيرة تنيس وهي بحيرة تجري فيها السفن والمراكب العظام ويجري باقي ماء النيل إلى البحر المالح وتعمل بدمياط الثياب الصفاق الدبيقية والثياب الشروب والقصب. وبورة وهي حصن على ساحل البحر من عمل دمياط تعمل بها الثياب والقراطيس، ثم حصن نقيزة على ساحل البحر، ثم مدينة البرلس «2» على ساحل البحر المالح وهي موضع الرباط، ثم مدينة رشيد «3» ، وهي مدينة عامرة آهلة لها ميناء يجري فيه ماء النيل إلى البحر المالح وتدخله المراكب من البحر حتى تصير في النيل. ومدينة إخنو «4» وهي على ساحل البحر والمدينة يقال لها وسيمة يعمل بها القراطيس، ثم مدينة الإسكندرية العظيمة الجليلة التي لا توصف سعة وجلالة وكثرة آثار الأولين. ومن عجائب الآثار التي بها المنارة التي على ساحل البحر على فوهة الميناء الأعظم وهي منارة متقنة محكمة طولها مائة وخمس وسبعون ذراعا وعليها مواقيد توقد فيها النيران إذا نظر النواظير إلى مراكب في البحر على مسافة بعيدة وبها مسلتان من حجارة مجزعة على سرطانات نحاس وعليها كتاب قديم وآثارها وعجائبها كثيرة ولها خليج يدخله الماء العذب من النيل، ثم يصب في البحر المالح. وللإسكندرية من الكور مما ليس على ساحل البحر المالح وهو على ساحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 خلجان النيل كورة البحيرة، وكورة مصيل «1» ، وكورة المليدس، وهذه الكور على خليج الإسكندرية الذي يدخل المدينة. وكورة ترنوط «2» ، وكورة قرطسا «3» ، وكورة خربتا «4» ، وهي أيضا على الخليج وكورة صا «5» ، وكورة شباس «6» ، وكورة الحيز، وكورة البدقون، وكورة الشراك، وهذه الكور على خليج من النيل يقال له: النسترو. وللإسكندرية بعد ذلك من الكور كورة مريوط «7» ، وهي كورة عامرة ولها كروم، وشجر، ولها ثمار موصوفة، ثم كورة لوبية، ثم كورة مراقية «8» وهاتان الكورتان على ساحل البحر المالح ينزل أداني قراها قوم من بني مدلج من كنانة وينزل أكثرها قوم من البربر وبها قرى وحصون. افتتحت كور مصر كلها في خلافة عمر بن الخطاب والأمير عمرو بن العاص بن وائل السهمي. وبلغ خراج مصر على يد عمرو في خلافة عمر في أول سنة من جزية رؤوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الرجال أربعة عشر ألف ألف دينار ثم جباها عمرو في السنة الثانية عشرة آلاف ألف فكتب إليه عمر يا خائن، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان اثني عشر ألف ألف دينار، ثم أسلم رجالها فبلغ خراج الأرض في أيام معاوية مع جزية رؤس الرجال خمسة آلاف ألف دينار. وبلغ في أيام هارون الرشيد أربعة آلاف ألف دينار ثم وقف مال مصر على ثلاثة آلاف ألف دينار. وشرب مصر وجميع قراها من ماء النيل صيفا وشتاء يزيد في أيام الصيف ويأتي من أرض علوة مخرجه من عيون وزيادته من أمطار تأتي في الصيف فينتشر على وجه الأرض حتى يطبق جميع الأرضين ثم يبتدئ نقصانه في شهر من شهور القبط يقال له: «بابه» ، وهو تشرين الأول فيبتدىء الناس بالعمارة وزرع الغلات لأن أرض مصر لا تمطر إلا المطر اليسير إلا ما كان منها على السواحل. وعجم مصر جميعا القبط، فمن كان بالصعيد يسمون المريس، ومن كان بأسفل الأرض يسمون البيما. طريق مكة من مصر ومن أراد الحج من مصر وخرج من مصر إلى مكة فأول منزل يقال له جب عميرة به مجتمع الحاج يوم خروجهم، ثم منزل يقال له القرقرة في صحراء لا ماء بها، ثم منزل يقال له: عجرود به بئر قديمة بعيدة الرشاء زعقة الماء، ثم إلى جسر القلزم «1» فمن أراد أن يدخل مدينة القلزم وهي مدينة على ساحل البحر عظيمة فيها التجار الذين يجهزون الميرة من مصر إلى الحجاز وإلى اليمن وبها مرسى المراكب وأهلها أخلاط من الناس تجارها أهل يسار. ومن القلزم ينزل الناس في برية وصحراء ست مراحل إلى أيلة ويتزودون الماء لهذه الست المراحل. ومدينة إيلة جليلة على ساحل البحر المالح وبها يجتمع حاج الشام وحاج مصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 والمغرب وبها التجارات الكثيرة وأهلها أخلاط من الناس، وبها قوم يذكرون أنهم موالي عثمان بن عفان. وبها برد حبرة يقال: إنه برد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقال إنه وهبه لرؤبة بن يحنة لما صار إلى تبوك. ومن أيلة «1» إلى شرف البعل، ومن شرف البعل إلى مدين «2» وهي مدينة قديمة عامرة بها العيون الكثيرة والأنهار المطردة العذبة والأجنة والبساتين والنخيل وأهلها أخلاط من الناس. ومن أراد أن يخرج منها إلى مكة أخذ على ساحل البحر المالح إلى موضع يقال له: عينون «3» فيه عمارة، ونخل وبه مطالب يطلب الناس فيها الذهب، ثم إلى العونيد «4» وهي مثلها، ثم إلى الصلا، ثم إلى النبك «5» ، ثم إلى القصيبة «6» ، ثم إلى البحرة، ثم إلى المغيثة وهي تبعل، ثم إلى ظبة «7» ، ثم إلى الوجه، ثم إلى منخوس وبمنخوس غاصة يخرجون اللؤلؤ، ثم إلى الحوراء «8» ، ثم إلى الجار، ثم إلى الجحفة «9» ، ثم إلى قديد «10» ، ثم إلى عسفان، ثم إلى بطن مر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 ومن أراد أن يسلك على طريق مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذ من مدين إلى منزل يقال له: أغراء، ثم إلى قالس «1» ، ثم إلى شغب، ثم إلى بدا، ثم إلى السقيا، ثم إلى ذي المروة، ثم إلى ذي جشب، ثم إلى المدينة فهذه المنازل من مصر إلى مكة والمدينة. المغرب فأما من أراد أن يسلك من مصر إلى برقة وأقاصي المغرب «2» نفذ من الفسطاط في الجانب الغربي من النيل حتى يأتي ترنوط، ثم يصير إلى منزل يعرف بالمنى قد أقفر أهله، ثم إلى الدير الكبير المعروف ببومينا وفيه الكنيسة الموصوفة العجيبة البناء الكثيرة الرخام، ثم إلى المنزل المعروف بذات الحمام وفيه مسجد جامع وهو من عمل كورة الإسكندرية، ثم يصير في منازل لبني مدلج في البرية بعضها على الساحل وبعضها بالقرب من الساحل. منها: المنزل المعروف بالطاحونة، والمنزل المعروف بالكنائس، والمنزل المعروف بجب العوسج، ثم يصير في عمل لوبية وهي كورة تجري مجرى كور الإسكندرية. منها: منزل يعرف بمنزل معن، ثم المنزل المعروف بقصر الشماس، ثم خربة القوم، ثم الرمادة وهي أول منازل البربر يسكنها قوم من مزاته وغيرهم من العجم القدم وبها قوم من العرب من بلى وجهينة وبني مدلج وأخلاط، ثم يصير إلى عقبة وهي على ساحل البحر المالح صعبة المسلك حزنة خشنة مخوفة فإذا علاها صار إلى منزل يعرف بالقصر الأبيض، ثم مغاير رقيم، ثم قصور الروم، ثم جب الرمل وهذه ديار البربر من ماصلة بن لواتة وأخلاط من الناس، ثم يصير إلى وادي مخيل وهو منزل كالمدينة به المسجد الجامع وبرك الماء وأسواق قائمة وحصن حصين وفيه أخلاط من الناس وأكثرهم البربر من ماصلة وزنارة ومصعوبة ومراوة وفطيطة. ومن وادي مخيل إلى مدينة برقة ثلاث مراحل في ديار البربر من مراوة ومفرطة ومصعوبة وزكودة وغيرهم من بطون لواتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 برقة ومدينة برقة «1» في مرج واسع وتربة حمراء شديدة الحمرة وهي مدينة عليها سور وأبواب حديد وخندق، أمر ببناء السور المتوكل على الله، وشرب أهلها ماء الأمطار يأتي من الجبل في أودية إلى برك عظام قد عملتها الخلفاء والأمراء لشرب أهل مدينة برقة، وحوالي المدينة أرباض لها يسكنها الجند وغير الجند، وفي دور المدينة والأرباض أخلاط من الناس وأكثر من بها جند قدم قد صار لهم الأولاد والأعقاب، وبين مدينة برقة وبين ساحل البحر المالح ستة أميال. وعلى ساحل البحر مدينة يقال لها أجية بها أسواق ومحارس ومسجد جامع وأجنة ومزارع وثمار كثيرة وساحل آخر يقال له طلميثة ترسي المراكب فيه في بعض الأوقات ولبرقة جبلان أحدهما يقال له الشرقي فيه قوم من العرب من الأزد ولخم وجذام وصدف وغيرهم من أهل اليمن، والآخر يقال له الغربي فيه قوم من غسان وقوم من جذام والأزد ونجيب وغيرهم من بطون العرب. وقرى بطون البربر من لواتة من زكودة ومفرطة وزنارة، وفي هذين الجبلين عيون جارية وأشجار وثمار وحصون وآبار للروم قديمة. ولبرقة أقاليم كثيرة تسكنها هذه البطون من البربر، ولها من المدن برنيق «2» وهي مدينة على ساحل البحر المالح ولها ميناء عجيب في الاتفاق والجودة تجوز فيه المراكب وأهلها قوم من أبناء الروم القدم الذين كانوا أهلها قديما وقوم من البربر من تحلالة وسوة ومسوسة ومغاغة وواهلة وجدانة. وبرنيق من مدينة برقة على مرحلتين ولها أقاليم منسوبة إليها، ومدينة أجدابية وهي مدينة عليها حصن وفيها مسجد جامع وأسواق قائمة من برنيق إليها مرحلتان. ومن برقة إليها أربع مراحل وأهلها قوم من البربر من زنارة وواهلة ومسوسة وسوة وتحلالة وغيرهم وجدانة وهم الغالبون عليها، ولها أقاليم وساحل على البحر المالح على مقدار ستة أميال من المدينة ترسى به المراكب، وهي آخر ديار لواتة من المدن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وبطون لواتة يقولون إنهم من ولد لواتة بن بر بن قيس عيلان، وبعضهم يقول إنهم قوم من لخم كان أولهم من أهل الشام فنقلوا إلى هذه الديار، وبعضهم يقول إنهم من الروم. سرت ومن مدينة أجدابية إلى مدينة سرت «1» على ساحل البحر المالح خمس مراحل، مرحلة منها من ديار لواتة، وفيهم قوم من مزاتة وهم الغالبون عليها منها الفاروج وقصر العطش واليهودية وقصر العبادي ومدينة سرت وأهل هذه المنازل وأهل مدينة سرت منداسة ومحنحا وفنطاس وغيرهم، آخر منازلهم على مرحلتين من مدينة سرت بموضع يقال له تورغة وهو آخر حد برقة، ومزاتة كلها إباضية «2» على أنهم لا يفقهون ولا دين لهم. وخراج برقة قانون قائم كان الرشيد وجه بمولى له، يقال له بشار فوزع خراج الأرض بأربعة وعشرين ألف دينار على كل ضيعة شيء معلوم سوى الأعشار والصدقات والجوالي، ومبلغ الأعشار والصدقات والجوالي خمسة عشر ألف دينار، ربما زاد وربما نقص، والأعشار للمواضع التي لا زيتون بها ولا شجر ولا قرى مقراة. ولبرقة عمل يقال له: أوجلة وهو في مفازة مغرب لمن أراد الخروج إليها ينحرف إلى القبلة، ثم يصير إلى مدينتين يقال لإحداهما جالو وللأخرى ودّان ولهما النخل والتمر والقسب الذي لا شيء أجود منه، وأرض ودان لآنقهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ودّان ومن أعمال برقة المضافة كانت إليها ودّان «1» وهو بلد يؤتى من مفازة وهو مما يضاف إلى عمل سرت. ومن مدينة سرت إليه مما يلي القبلة خمس مراحل وبه قوم مسلمون يدّعون أنهم عرب من يمن وأكثرهم من مزاتة وهم الغالبون عليه. وأكثر ما يحمل منه التمر فإن به أصناف التمور وإنما يتولاه رجل من أهله وليس له خراج. زويلة ووراء ذلك بلد زويلة «2» مما يلي القبلة وهم قوم مسلمون إباضية كلهم يحجون البيت الحرام وأكثرهم رواية ويخرجون الرقيق الس ودان من الميريين والزغاويين والمرويين وغيرهم من أجناس السودان لقربهم منهم وهم يسبونهم، وبلغني أن ملوك السودان يبيعون السودان من غير شيء ولا حرب. ومن زويلة الجلود الزويلية، وهي أرض نخل ومزدرع درة وغيرها، وبها أخلاط من أهل خراسان من البصرة والكوفة. ووراء زويلة على خمس عشرة مرحلة مدينة يقال لها: «كوار» بها قوم من المسلمين من سائر الأجياء أكثرهم بربر يأتون بالسودان. وبين زويلة ومدينة كوار وما يلي زويلة إلى طريق أوجلة «3» وأجدابية «4» قوم يقال لهم: لمطة أشبه شيء بالبربر، وهم أصحاب الدرق اللمطية البيض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فزّان وجنس يعرف بفزّان «1» أخلاط من الناس لهم رئيس يطاع فيهم وبلد واسع ومدينة عظيمة، وبينهم وبين مزاته حرب لاقح أبدا وتسمى برقة أنطابلس هذا اسمها القديم. افتتحها عمرو بن العاص سنة ثلاث وعشرين صلحا، ومن آخر عمل برقة من الموضع الذي يقال له: تورغة إلى أطرابلس ست مراحل وينقطع ديار مزاتة من تورغة ويصير في ديار هوارة فأول ذلك ورداسة، ثم لبدة وهي حصن كالمدينة على ساحل البحر. وهوارة يزعمون أنهم من البربر القدم وأن مزاتة ولوانة كانوا منهم فانقطعوا عنهم وفارقوا ديارهم وصاروا إلى أرض برقة وغيرها. وتزعم هوارة أنهم قوم من اليمن جهلوا أنسابهم، وبطون هوارة يتناسبون كما تتناسب العرب فمنهم بنو الله ان ومليلة وورسطفة، فبطون الله ان بنو درصا وبنو مرزبان وبنو ورفلة وبنو مسراتة، ومنازل هوارة من آخر عمل سرت إلى أطرابلس. أطرابلس أطرابلس «2» مدينة قديمة جليلة على ساحل البحر عامرة آهلة وأهلها أخلاط من الناس. افتتحها عمرو بن العاص سنة ثلاث وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب وكانت آخر ما افتتح من المغرب في خلافة عمر. ومن أطرابلس إلى أرض نفوسة «3» وهم قوم عجم الألسن إباضية كلهم لهم رئيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 يقال له: إلياس لا يخرجون عن أمره ومنازلهم في جبال أطرابلس في ضياع وقرى ومزارع وعمارات كثيرة، لا يؤدون خراجا إلى سلطان ولا يعطون طاعة إلا إلى رئيس لهم بتاهرت «1» وهو رئيس الإباضية يقال له عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فارسي «2» . وديار نفوسة متصلة من حد أطرابلس مما يلي القبلة إلى قريب من القيروان ولهم قبائل كثيرة وبطون شتى. ومن أطرابلس على الجادة العظمى إلى مدينة يقال لها: قابس «3» - عظيمة على البحر المالح عامرة كثيرة الأشجار والثمار والعيون الجارية، وأهلها أخلاط من العرب والعجم والبربر، وبها عامل من قبل ابن الأغلب صاحب أفريقية- خمس مراحل عامرة يسكنها قوم من البربر من زناتة ولواتة والأفارقة الأول فأولها وبلة أول مرحلة من أطرابلس ثم صبرة وهي منزل بها أصنام حجارة قديمة ثم قصر بني حبان ثم بام وقب ثم الفاصلات ثم قابس. القيروان ومن قابس إلى مدينة القيروان «4» أربع مراحل أولها عين الزيتونة غير آهلة، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 للس قصر فيه عمارة، ثم غدير الأعرابي، ثم قلشانة «1» وهي موضع المعرس لمن خرج من القيروان وقدم إليها، ثم مدينة القيروان العظمى التي اختطها عقبة بن نافع الفهري «2» سنة ستين في خلافة معاوية، وكان عقبة الذي افتتح أكثر المغرب على أن أول من دخل أرض أفريقية وافتتحها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان سنة ست وثلاثين. والقيروان مدينة كان عليها سور من لبن وطين فهدمه زيادة الله بن إبراهيم ابن الأغلب لما ثار عليه عمران بن مجالد وعبد السّلام بن المفرج ومنصور الطنبذي فإنهم ثاروا عليه بالقيروان وهم من الجند القدم الذين كانوا قدموا مع ابن الأشعث. وشربهم من المطر إذا كان الشتاء ووقعت الأمطار والسيول دخل ماء المطر من الأودية إلى برك عظام يقال لها المؤاجل، فمنها شرب السقاة ولهم واد يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة يأتي فيه ماء مالح لأنه في سباخ الناس يستعملونه فيما يحتاجون إليه. ومنازل بني الأغلب على ميلين من مدينة القيروان في قصور قد بني عليها عدة حيطان لم تزل منازلهم حتى تحول عنها إبراهيم بن أحمد فنزل بموضع يقال له: الرقادة «3» على ثمانية أميال من مدينة القيروان وبنى هناك قصرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وفي مدينة القيروان أخلاط من قريش ومن سائر بطون العرب من مضر وربيعة وقحطان وبها أصناف من العجم من أهل خراسان ومن كان وردها مع عمال بني هاشم من الجند وبها عجم من عجم البلد البربر والروم وأشباه ذلك. ومن القيروان إلى سوسة «1» وهي على ساحل البحر المالح مرحلة وبها دار صناعة تعمل فيها المراكب وأهل سوسة أخلاط من الناس ومن القيروان إلى الموضع الذي يقال له الجزيرة مرحلة وهي جزيرة أبي شريك موغلة في البحر يحيط بها ماء البحر كثيرة التجارة وفيها قوم من رهط عمر بن الخطاب وسائر بطون العرب والعجم، ولها عدة مدن ليست بالعظام يتفرق فيها الناس وعاملها ينزل مدينة يقال لها البواسة بالقرب من إقليبية «2» التي يركب منها إلى سقلية «3» . ومن القيروان إلى مدينة سفوطرة مرحلتان خفيفتان وهي مدينة كبيرة فيها قوم من قريش ومن قضاعة وغيرهم. ومن القيروان إلى مدينة تونس «4» وهي على ساحل البحر وبها دار صناعة وهي مدينة عظيمة منها كان حماد البربري مولى هارون الرشيد وهو صاحب اليمن. وكان على تونس سور من لبن وطين وكان سورها مما يلي البحر بالحجارة فخالف أهلها على زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب وكان منهم منصور الطنبذي وحصين التجيبي والقريع البلوي فحاربهم فلما ظهر عليهم هدم سور المدينة بعد أن قتل فيهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 خلقا عظيما. ومن ساحل تونس يعبر إلى جزيرة الأندلس، وقد ذكرنا جزيرة الأندلس وأحوالها عند ذكرنا تاهرت. ومن القيروان إلى مدينة باجة «1» ثلاث مراحل، ومدينة باجة مدينة كبيرة عليها سور حجارة قديم وبها قوم من جند بني هاشم القدم وقوم من العجم، ويلي مدينة باجة قوم من البربر يقال هم وزداجة ممتنعين لا يؤدون إلى ابن الأغلب طاعة. ومن القيروان إلى مدينة الأربس «2» مرحلتان وهي مدينة كبيرة عامرة بها أخلاط من الناس. ومن القيروان إلى مدينة يقال لها مجانه أربع مراحل، وبهذه المدينة معادن الفضة والكحل والحديد والمرتك والرصاص بين جبال وشعاب وأهلها قوم يقال لهم السناجرة يقال إن أولهم من سنجار من ديار ربيعة وهم جند للسلطان وبها أصناف من العجم من البربر وغيرهم. ومن القيروان مما يلي القبلة إلى بلاد قمودة وهو بلد واسع فيه مدن وحصون، والمدينة التي ينزلها العامل في هذا الوقت مذكورة، والمدينة القدية العظمى التي هي يقال لها سبيطلة وهي التي افتتحت في أيام عثمان بن عفان وحصرها عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأمير الجيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وثلاثون. ومن قمودة إلى مدينة قفصة وهي مدينة حصينة عليها سور حجارة وفيها عيون ماء داخل المدينة وهي مفروشة بالبلاط وحولها عمارة كثيرة وثمار موصوفة. ومن قفصة إلى مدائن قسطيلية «3» وهي أربع مدائن في أرض واسعة لها النخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 والزيتون فالمدينة العظمى يقال لها توزر «1» وبها ينزل العمال، والثانية يقال لها الحامة، والثالثة تقيوس «2» ، والرابعة نفطة «3» ، وحول هذه المدن أربع سباخ، وأهل هذه المدن قوم عجم من الروم القدم والأفارقة والبربر، ومن مدائن قسطيلية إلى مدائن نفزاوة «4» ثلاث مراحل. ونفزاوة عدة مدن فالمدينة العظمى التي ينزلها العمال يقال لها بشرة وبها قوم من الأفارقة القدم ومن البربر يحيط بالمدائن التي تلي القبلة الرمال. ومما يلي القبلة من القيروان بلد يقال له الساحل- ليس بساحل بحر- كثير السواد من الزيتون والشجر والكروم وهي قرى متصلة بعضها في بعض كثيرة، ولهذا البلد مدينتان يقال لإحداهما سه وللأخرى قبيشة. ومن بلد الساحل إلى مدينة يقال لها أسفاقس «5» يكون من سه وقبيشة على مرحلتين وهي على ساحل البحر يضرب البحر المالح سورها وهي آخر بلد الساحل. ومن أسفاقس إلى موضع يقال له بنزرت «6» مسيرة ثمانية أيام وفي جميع المراحل حصون متقاربة ينزلها العباد والمرابطون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ومن القيروان إلى بلاد الزاب عشر مراحل، ومدينة الزاب العظمى طبنة «1» وهي التي ينزلها الولاة وبها أخلاط من قريش والعرب والجند والعجم والأفارقة والروم والبربر. والزاب بلد واسع فمنه مدينة قديمة يقال لها: باغاية «2» بها قبائل من الجند وعجم من أهل خراسان وعجم من عجم البلد من بقايا الروم حولها قوم من البربر من هوارة بجبل جليل يقال له: أوراس «3» يقع عليه الثلج. ومدينة يقال لها: تيجس من عمل باغاية حولها قوم بربر عجم يقال لها: نفزة، ومدينة عظيمة جليلة يقال لها: ميلة عامرة محصنة لم يلها وال قط ولها حصن دون حصن فيه رجل من بني سليم يقال له: موسى بن العباس بن عبد الصمد من قبل ابن الأغلب، وسواحل البحر تقرب من هذه المدينة ولها مرسى يقال له: جيجل، ومرسى يقال له قلعة خطاب، ومرسى يقال له إسكيدة، ومرسى يقال له ملر، ومرسى يقال له مرسى دنهاجة، وهذا البلد كله عامر كثير الأشجار والثمار وهم في جبال وعيون. ومدينة يقال لها: سطيف «4» بها قوم من بني أسد بن خزيمة عمال من قبل ابن الأغلب، ومدينة يقال لها بلزمه، أهلها قوم من بني تميم وموالي لبني تميم وقد خالفوا على ابن الأغلب في هذا الوقت. ومدينة يقال لها نقاوس كثيرة العمارة والثمر بها قوم من الجند وحواليها البربر من مكنانة بطن من زناتة وحولهم قوم يقال لهم أورية، وطبنة مدينة الزاب العظمى وهي في وسط الزاب وبها ينزل الولاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ومدينة يقال لها مقرة لها حصون كثيرة والمدينة العظمى مقرة أهلها قوم من بني ضبة وبها قوم من العجم وحولها قوم من البربر يقال لهم بنو زنداج وقوم يقال لهم كزبرة وقوم يقال لهم سارسة، ومنها إلى حصون تسمى برحلس وطلمة وحبرور بها قوم من بني تميم من بني سعد يقال لهم بنو الصمصامة خالفوا على ابن الأغلب وظفر ابن الأغلب ببعضهم فحبسهم. ومدينة أحه وهي على الجبل وخالف أهلها على ابن الأغلب وكان من خالفه قوم من هوارة يقال لهم بنو سعمان وبنو ورجيل وغيرهم. ومدينة أربة «1» وهي آخر مدن الزاب مما يلي المغرب في آخر عمل بني الأغلب ولم يجاوزها المسودة، وإذا خرج الخارج من عمل الزاب مغربا صار إلى قوم يقال لهم بنو برزال وهم فخذ من بني دمر من زناتة وهم شراة كلهم. وقد ذكرنا فتح أفريقية وأخبارها في كتاب أفردناه. ومن هذا الموضع البلد الذي تغلب عليه الحسن بن سليمان بن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام وأول المدن التي في يده مدينة يقال لها هاز سكانها قوم من البربر القدم يقال لهم بنو برنيان من زناتة أيضا ثم مدن بعض سكانها صنهاجة وزواوة يعرفون بالبرانس وهم أصحاب عمارة وزرع وضرع، وإلى هاز ينسب البلد وبينها وبين عمل أدنة «2» مسيرة ثلاثة أيام. ثم إلى قوم يقال لهم بنو دمر من زناتة في بلد واسع وهم شراة كلهم عليهم رئيس منهم يقال له مضادف بن جرتيل في بلد زرع ومواش بينه وبين هاز مرحلة، ومنها إلى حصن يقال له حصن ابن كرام وليس أهله بشراة، ولكنهم جماعية بلدهم بلد زرع ثم يصير إلى بلد يقال له متيجة تغلب فيه رجال من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام يقال لهم بنو محمد بن جعفر، وهو بلد واسع فيه عدة مدن وحصون وهو بلد زرع وعمارة، بين هذا البلد وبين حصن مصادف بن جرتيل مسيرة ثلاثة أيام مما يلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 البحر. ثم مدينة مدكرة فيها ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السّلام. ومدينة الخضراء «1» ويتصل بهذه مدن كثيرة وحصون وقرى ومزارع، يتغلب على هذا البلد ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السّلام كل رجل منهم مقيم متحصن في مدينة وناحية وعددهم كثير حتى أن البلد يعرف بهم وينسب إليهم، وآخر المدن التي في أيديهم المدينة التي تقرب من ساحل البحر يقال لهم سوق إبراهيم وهي المدينة المشهورة فيها رجل يقال له عيسى بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. ثم من هذه إلى تاهرت، والمدينة العظمى مدينة تاهرت جليلة المقدار عظيمة الأمر تسمى «عراق المغرب» لها أخلاط من الناس تغلب عليها قوم من الفرس يقال لهم بنو محمد بن أفلج بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الفارسي. وكان عبد الرحمن بن رستم يتولى أفريقية وصار ولده إلى تاهرت فصاروا إباضية ورأس الإباضية، فهم رؤساء إباضية المغرب، ويتصل بمدينة تاهرت بلد عظيم ينسب إلى تاهرت في طاعة محمد بن أفلج ابن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، والحصن الذي على ساحل البحر الأحمر ترسى به مراكب تاهرت يقال له مرسى فروخ. جزيرة الأندلس ومدنها ومن أراد جزيرة الأندلس «2» نفذ من القيروان إلى تونس على ما ذكرنا وهي على ساحل البحر المالح فركب البحر المالح يسير فيه مسيرة عشرة أيام مسحلا «3» غير موغل حتى يحاذي جزيرة الأندلس من موضع يقال له تنس «4» بينه وبين تاهرت مسيرة أربعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 أيام، أو صار إلى تاهرت يوافي الجزيرة (جزيرة الأندلس) فيقطع اللج في يوم وليلة حتى يصير إلى بلد تدمير «1» وهو بلد واسع عامر فيه مدينتان يقال لإحداهما العسكر وللأخرى لورقة في كل واحدة منبر. ثم يخرج منها إلى المدينة التي يسكنها المتغلب من بني أمية وهي مدينة يقال لها قرطبة «2» فيسير ستة أيام من هذا الموضع في قرى متصلة وعمارات ومروج وأودية وأنهار وعيون ومزارع، وقبل أن يصير إلى مدينة قرطبة من تدمير يصير إلى مدينة يقال لها إلبيرة «3» نزلها من كان قدم البلد من جند دمشق من مضر وجلهم قيس وأفناء قبائل العرب، بينها وبين قرطبة مسيرة يومين، وغربيها مدينة يقال لها رؤية «4» نزلها جند الأردن وهم يمن كلهم من سائر البطون. وغربي رية «5» مدينة يقال لها شدونة «6» نزلها جند حمص وأكثرهم يمن وفيهم من نزار نفر يسير، وغربي شدونة مدينة يقال لها الجزيرة نزلها البربر وأخلاط من العرب قليل، وغربي المدينة التي يقال لها الجزيرة مدينة يقال لها إشبيلية «7» على نهر عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وهو نهر قرطبة دخلها المجوس الذين يقال لهم الروس سنة تسع وعشرين ومائتين فسلبوا ونهبوا وحرقوا وقتلوا. وغربي إشبيلية مدينة يقال لها البسلة «1» نزلها العرب أول ما دخل البلد مع طارق مولى موسى بن نصير اللخمي، وغربيها مدينة يقال لها باجة نزلها العرب أيضا مع طارق، وغربيها على البحر المالح المحيط مدينة يقال لها الأشبونة «2» ، وغربيها على البحر أيضا مدينة يقال لها أحسونبة وهي الأندلس في الغرب على البحر الذي يأخذ إلى بحر الخزر. ومما يلي الشرق من هذه المدينة يقال لها ماردة «3» على نهر عظيم وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي غربي قرطبة وهي تحاذي أرض الشرك وجنس منهم يقال لهم الجلالقة وهي في الجزيرة. ثم يخرج من قرطبة مشرقا إلى مدينة يقال لها جيان وبها من كان من جند قنسرين والعواصم وهم أخلاط من العرب من معد واليمن، ومن جيان ذات الشمال إلى مدينة طليطلة «4» وهي مدينة منيعة جليلة ليس في الجزيرة مدينة أمنع منها وأهلها يخالفون على بني أمية، وهم أخلاط من العرب والبربر والموالي ولها نهر عظيم يقال له دوير. ومن طليطله لمن أخذ مشرقا إلى مدينة يقال لها وادي الحجارة كان عليها رجل من البربر يقال له مسل بن فرج الصنهاجي يتولاها يدعو لبني أمية، ثم صار ولده وذريته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بعده إلى هذه الغاية في البلد، ثم منها مشرقا إلى مدينة سرقصطة «1» وهي من أعظم مدائن ثغر الأندلس على نهر يقال له أبرة، وذات الشمال منها مدينة يقال لها نطيلة محاذية لأرض الشرك الذين يقال لهم البسكنس، وذات الشمال من هذه المدينة مدينة يقال لها وشقة وهي محادة من الإفرنج لجنس يقال لهم الجاسقس. ومن سرقصطة إلى القبلة مدينة يقال لها طرطوشة «2» وهي آخر ثغر الأندلس في الشرق محادة للإفرنجيين وهي على هذا النهر المنحدر من سرقصطة. ومن طرطوشة لمن أخذ مغربا إلى بلد يقال له بلنسية «3» وهو بلد واسع جليل نزله قبائل البربر ولم يعطوا بني أمية الطاعة ولهم نهر عظيم ببلد يقال له الشقر، ومنها إلى بلد تدمير البلد الأول، فهذه جزيرة الأندلس ومدنها. رجعنا إلى ذكر تاهرت في معظم طريق المغرب ومن مدينة تاهرت «4» وما يحوز عمل ابن أفلح الرستمي إلى مملكة رجل من هوارة يقال له ابن مسالة الإباضي إلا أنه مخالف لابن أفلح يحاربه، ومدينته التي يسكنها يقال لها الجبل منها إلى مدينة يقال لها يلل تقرب من البحر المالح مسيرة نصف يوم ولها مزارع وقرى وعمارات وزرع وأشجار، ثم من مملكة ابن مسالة الهواري إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مملكة لبني محمد بن سليمان عبد الله بن الحسن بن الحسن أيضا سوى المملكة التي ذكرناها وهي مدينة مدكرة. ومسكنهم في المدينة العظمى التي يقال لها غطلاس وأهل هذه المملكة قوم من بطون البربر من سائر قبائلهم وأكثرهم قوم يقال لهم بنو مطماطة وهم بطون كثيرة ولهم في مملكتهم مدينة عظيمة يقال لها أيزرج بها بعضهم. وأهل هذه المدينة مطماطة ومدينة أيضا يملكها رجل منهم يقال له عبيد الله تسمى المدينة الحسنة إذا فسرت من لسان البربر بالعربية، ثم إلى المدينة العظمى المشهورة بالغرب التي يقال لها تلمسان «1» وعليها سور حجارة وخلفه سور آخر حجارة وبها خلق عظيم وقصور ومنازل مشيدة ينزلها رجل منهم يقال له محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان، وحول هذه المدينة قوم من البربر يقال لهم مكناسة وسرسة. ثم إلى المدينة التي تسمى مدينة العلويين كانت في أيدي العلويين من ولد محمد بن سليمان ثم تركوها فسكنها رجل من أبناء ملوك زناتة يقال له علي بن حامد بن مرحوم الزناتي، ثم منها إلى مدينة يقال لها نمالتة فيها محمد بن علي بن محمد بن سليمان، وآخر مملكة بني محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مدينة فالوس وهي مدينة عظيمة أهلها بطون البربر من مطماطة وترجة وجزولة وصنهاجة وأنجفة وأنحره. ثم بعد مملكة بني محمد بن سليمان مملكة رجل يقال له صالح بن سعيد يدعي أنه من حمير، وأهل البلد يزعمون أنه من أهل البلد نفزي، واسم مدينته العظمى التي ينزلها باكور وهي على البحر المالح. ومن هذه المدينة جاز رجل من ولد هشام بن عبد الملك بن مروان ومن معه من آل مروان إلى جزيرة الأندلس لما هربوا من بني العباس ومملكة صالح بن سعيد الحميري مسيرة عشرة أيام في عمارات وحصون وقرى ومنازل وزرع وضرع وخصب، وآخر مملكته مدينة يقال لها مرحانة على جبل تحتها أنهار وأودية وعمارات، ثم يصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 منها إلى مملكة بني إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام وأول حد مملكتهم بلد يقال له غميرة بها رجل يقال له عبيد الله بن عمر بن إدريس. ثم إلى بلد يقال له ملحاص لخانة عنده يجتمع فيها حاج السوس الأقصى وطنجة «1» ويملكه علي بن إدريس، ثم قلعة صدينة وهو بلد عظيم به محمد بن عمر بن إدريس، ثم من قلعة صدينة إلى النهر العظيم الذي يقال له لمهار به حصون وعمارات وبلد واسع عليه رجل من ولد داود بن إدريس بن إدريس وإلى نهر يقال له سبو عليه حمزة بن داود بن إدريس بن إدريس، ثم يدخل إلى المدينة العظمى التي يقال لها مدينة أفريقيا- على النهر العظيم الذي يقال له قاس- بها يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس بن إدريس وهي مدينة جليلة كثيرة العمارة والمنازل، ومن الجانب الغربي من نهر قاس- وهو نهر يقال إنه أعظم من جميع أنهار الأرض عليه ثلاثة آلاف رحا تطحن- المدينة التي تسمى مدينة أهل الأندلس ينزلها داود بن إدريس وكل واحد من يحيى بن يحيى، وداود بن إدريس يخالف على صاحبه يدافعه ويحاربه، وعلى طرف قاس مدينة يقال لها [ ... ] «2» تسكنها برقسانة قوم من البربر القدم، وعلى نهر قاس عمارات جليلة وقرى وضياع ومزارع من حافتيه يأتي ماؤه من عيون قبلية إلا أنهم يقولون إنه لا يزيد ولا ينقص ويفيض في النهر الذي يقال له سبو وقد ذكرناه، ويفرغ سبو في البحر المالح. ومملكة بني إدريس واسعة كبيرة، حدثني أبو معبد عبد الرحمن بن محمد بن ميمون بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم التاهرتي قال: تاهرت مدينة كبيرة آهلة بين جبال وأودية ليس لها فضاء بينها وبين البحر المالح مسيرة ثلاث رحلات في مستوى من الأرض وفي بعضها سباخ وواد يقال له وادي شلف وعليه قرى وعمارة يفيض كما يفيض نيل مصر يزرع عليه العصفر والكتان والسمسم وغير ذلك من الحبوب ويصير إلى جبل يقال أنقيق ثم يخرج إلى بلد نفزة «3» ثم يصير إلى البحر المالح، وشرب أهل مدينة تاهرت من أنهار وعيون يأتي بعضها من صحراء وبعضها من جبل قبلي يقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 له جزول لم يجدب زرع ذلك البلد قط إلا أن يصيبه ريح أو برد وهو جبل متصل بالسوس يسميه أهل السوس درن ويسمى بتاهرت جزول ويسمى بالزاب أوراس، ومن خرج من تاهرت سالك الطريق بين القبلة والغرب سار إلى مدينة يقال لها أوزكا ثلاث مراحل والغالب عليها فخذ من زناتة يقال لهم بنو مسرة رئيسهم عبد الرحمن بن أودموت بن سنان وصار بعده ولده فانتقل ابن له يقال له زيد إلى موضع يقال له ثارينة فولده به. ومن مدينة أوزكا لمن سلك مغربا إلى أرض الزناتة ثم يصير إلى مدينة سجلماسة بعد أن يسير سبع مراحل أو نحوها على حسب الجد في المسير والتقصير، ومسيره في قرى ليست بآهلة وفي بعضها مفازة. سجلماسة وسجلماسة «1» مدينة على نهر يقال له زيز وليس بها عين ولا بئر وبينها وبين البحر عدة مراحل وأهل سجلماسة أخلاط والغالبون عليها البربر وأكثرهم صنهاجة وزرعهم الدخن والذرة وزرعهم على الأمطار لقلة المياه عندهم فإن لم يمطروا لم يكن لهم زرع. ومن مدينة سجلماسة قرى تعرف ببني درعة وفيها مدينة ليست بالكبيرة يقال لها تامدلت «2» ليحيى بن إدريس العلوي عليها حصن كان منها عبد الله بن إدريس، وحولها معادن ذهب وفضة يوجد كالنبات، ويقال: إن الرياح تسفيه والغالب عليهم قوم من البربر يقال لهم بنو ترجا. السوس الأقصى ومن المدينة التي يقال لها تاملت «3» إلى مدينة يقال لها السوس «4» ، وهي السوس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 الأقصى نزلها بنو عبد الله بن إدريس بن إدريس، وأهلها أخلاط من البربر والغالب عليهم مداسة، ومن السوس إلى بلد يقال له أغمات «1» وهو بلد خصب فيه مرعى ومزارع في سهل وجبل وأهله قوم من البربر من صنهاجة. ومن أغمات إلى ماسة، وماسة قرية على البحر تحمل إليها التجارات وفيها المسجد المعروف بمسجد بهلول وفيه الرباط على ساحل البحر، ويلقي البحر عند مسجد بهلول المراكب الخيطية التي تعمل بالإبلة التي يركب فيها إلى الصين. ومن سجلماسة لمن سلك متوجها إلى القبلة يريد أرض السودان من سائر بطون السودان يسير في مفازة وصحراء مقدار خمسين رحلة ثم يلقاه قوم يقال لهم أنبية من صنهاجة في صحراء ليس لهم قرار، شأنهم كلهم أن يتلثموا بعمائمهم سنة فيهم ولا يلبسون قمصا إنما يتشحون بثيابهم ومعاشهم من الإبل ليس لهم زرع ولا طعام، ثم يصير إلى بلد يقال له غسط وهو واد عامر فيه المنازل وفيه ملك لهم لا دين له ولا شريعة يغزو بلاد السودان وممالكهم كثيرة. تم كتاب البلدان، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. كتبه علي بن أبي محمد بن علي الكندي الأنماطي غفر الله له ولمن قال آمين والحمد لله كفى أفضاله وصلواته على محمد وآله. ووافق فراغة في صبيحة يوم السبت الحادي والعشرين من شوال سنة سبع وستمائة تأليف أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 إلحاقات هذه الإلحاقات قد رواها الأعلام في مؤلّفاتهم عن اليعقوبي ذكرت في آخر كتاب البلدان المطبوع في ليدن سنة 1861 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 مساجد البصرة حكى أحمد بن أبي يعقوب صاحب كتاب المسالك والممالك أنه كان بالبصرة سبعة آلاف مسجد. نهر الأهواز «قال الشيخ جمال الدين محمد بن إبراهيم الوطواط (الكتبي) الوراق المتوفى سنة 718 في كتابه (مناهج الفكر ومباهج العبر) ذكر ابن أبي يعقوب أن ماءه. (نهر الأهواز «1» ) يأتي من واديين أحدهما منبعث (ينبعث) من أصبهان ويجري إلى أن يمر بشاذروان تستر وعسكر مكرم وجنديسابور، ولها عليه جسر طوله خمسمائة وثلاث وستون خطوة وتسمى (ويسمى) المسرقان (بضم الميم وبالسين المهملة والقاف) والآخر ينبعث من همذان ويجري إلى السوس يسمى الهندوان. ثم يجريان إلى مناذر الكبرى وعندها يصب أحدهما في الآخر ويصيران نهرا واحدا يسمى دجيل الأهواز. ثم يجري إلى الأهواز ثم يمر حتى يصب في بحر فارس عند حصن مهدي، وهو ينقطع في الصيف ويصير موضع جريته طريقا تسلكه القوافل (ولأهل هذا السقع لسان خاص بهم يشبه الرطانة إلا أن الغالب عليهم اللغة الفارسية) . شيراز «2» مدينة فارس العظمى وهي مدينة جليلة عظيمة ينزلها الولاة، ولها سعة حتى أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ليس لها منزل إلا وفيه لصاحبه بستان، فيه جميع الثمار والرياحين والبقول وكل ما يكون في البساتين، وشرب أهلها من عيون تجري في أنهار تأتي من جبال يسقط عليها الثلج. نصيبين «1» قال اليعقوبي: هي مدينة عظيمة كثيرة الأنهار والجنات والبساتين ولها نهر عظيم يقال له الهرماس عليه قناطر حجارة قديمة رومية وأهلها قوم من ربيعة من بني تغلب. افتتحها غنم بن عياض الغنمي (عياض بن غنم الفهري) في خلافة عمر (رضي الله عنه) سنة ثماني عشرة. وقال ابن واضح اليعقوبي: وقنسرين «2» الثانية هي حيار بني القعقاع وعد ابن واضح في كورة حلب «3» : مرتحوان «4» وكورة مصرين. المصيصة قال ابن يعقوب: ومدينة المصيصة «5» بناها أبو جعفر المنصور في خلافته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وكانت قبل ذلك مسلحة «1» ، وبنى المأمون كفربيا «2» ، فصارت نهر جيحان «3» بينهما، وعلى النهر جسر قديم عظيم معقود بالحجارة من ثلاث طاقات على شرف من الأرض. عين زربة قال ابن أبي يعقوب ومن الثغور الشامية غير هذه الثلاث مدن (أنطاكية «4» والمصيصة وطرسوس) مدينة عين زربة «5» وهي من نواحي المصيصة. ملطية قال ابن أبي يعقوب: كانت مدينة ملطية «6» قديمة من بناء الإسكندر وهي من بلاد الروم مشهورة تتاخم الشام. قال اليعقوبي: ملطية هي المدينة العظمى وكانت قديمة فأخربها الروم فبناها المنصور سنة تسع وثلاثين ومائة وجعل عليها سورا واحدا ونقل إليها عدة قبائل من العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 وقال: وهي في مستوى من الأرض يحيط بها جبال الروم وماؤها من عيون وأودية من الفرات، وخففها المتنبي ضرورة. رعبان ودلوك قال ابن أبي يعقوب: ورعبان «1» ودلوك «2» كورتان متقاربتان، فأما دلوك فهي مدينة قديمة لها ذكر. وكانت عامرة ولها قلعة من بناء الروم عالية مبنية بالحجارة وكانت لها قناة قد ركبت على قناطر يصعد الماء عليها إلى القلعة وحولها أبنية حسنة منقوشة في الحجر وحولها مياه كثيرة وبساتين كثيرة الفواكه. ويقال: إن مقام داود، عليه السّلام كان بها، وأنه منها جهز الجيش إلى قورس «3» ، فقتل بها أوريا بن حنان وقد خربت المدينة والقلعة وبقيت الآن قرية بها فلاحون. كيسوم «4» قال ابن شداد «5» ذكرها ابن أبي يعقوب وعدها في كتاب البلدان من العواصم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 منبج وقال ابن أبي يعقوب: منبج «1» مدينة قديمة افتتحت صلحا صالح عليها عمرو بن العاص من قبل أبي عبيدة بن الجراح وهي على الفرات الأعظم. أذنة قال أحمد الكاتب اليعقوبي: وأذنة بناها الرشيد وهو أيضا الذي بنى طرسوس. باب إسكندرونة قال أحمد الكاتب اليعقوبي: وباب إسكندرونة «2» مدينة على ساحل البحر بالقرب من أنطاكية بناها أحمد بن أبي داود (دؤاد) الأيادي في خلافة الواثق. تفليس تفليس «3» مدينة ب أرمينية بينها وبين قاليقلا «4» ثلاثون فرسخا، ومن قاليقلا ابتداء الأنهار العظام أولها الفرات وقد تقدم، يأخذ من قاليقلا على فرسخين، ثم يشق مغربا إلى دبيل، ثم إلى ورثان، ثم يصب إلى بحر الخزر. والثاني الكبير (الكر) يخرج من ميدنة قاليقلا ثم يشق مدينة تفليس مشرقا إلى مدينة بردعة وأرضها ثم يقرب من بحر الخزر فيلتقي مع الرس ويصيران نهرا واحدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ويقال: إن خلف الرس ثلاثمائة مدينة خراب وهي التي ذكرها الله تعالى: «وأصحاب الرس» بعث إليهم حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكوا، وقيل في أصحاب الرس غير ذلك. و أرمينية مقسومة على ثلاثة أقسام. فالقسم الأول: مدينة دبيل، ومدينة قاليقلا، ومدينة خلاط، ومدينة شمشاط، ومدينة السواد. والجزء الثاني: مدينة بردعة، ومدينة البيلقان، ومدينة قيلة (قبلة) ومدينة الباب والأبواب. والثالث: مدينة خرزان (جرزان) ومدينة تفليس، والمدينة التي تعرف بمسجد ذي القرنين. وافتتحت أرمينية في خلافة عثمان افتتحها سليمان (سلمان) بن ربيعة الباهلي في سنة أربع وعشرين. أرمينية قال أحمد بن أبي يعقوب: وأرمينية «1» على ثلاثة أقسام، القسم الأول: يشتمل على قاليقلا، وخلاط، وشمشاط وما بين ذلك. والقسم الثاني: يشتمل على خزان (جرزان) وتفليس، ومدينة باب اللان وما بين ذلك. والقسم الثالث: يشتمل على بردعة وهي مدينة الران وعلى البيلقان وباب الأبواب. وذكر أحمد بن واضح اليعقوبي الأصبهاني: أنه أطال المقام ببلاد أرمينية، الخ ... المسك قال محمد بن أحمد بن الخليل بن سعيد التميمي المقدسي في كتابه المترجم بجيب العروس وريحان النفوس: المسك «2» أصناف كثيرة وأجناس مختلفة وأفضلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وأرفعها التبتي ويؤتى به من موضع يقال له ذو سمت بينه وبين التبت مسيرة شهرين فيصار به إلى التبت، ثم يحمل إلى خراسان ... قال: وقال أحمد بن أبي يعقوب مولى بني العباس: ذكر لي جماعة من العلماء بمعدن المسك أن معادنه بأرض التبت وغيرها معروفة قد ابتني الجلابون فيها بناء يشبه المنار في طول عظم الذراع فتأتي هذه البهيمة التي من سررها يتكون المسك فتحك سررها بتلك المنار فتسقط السرر هنالك فيأتي إليه الجلابون في وقت من السنة قد عرفوه فيلتقطون ذلك مباحا لهم فإذا وردوا به إلى التبت عشر عليهم ... قال: وأفضل المسك ما كان يرعى غزلانه حشيشا يقال له (الكدهمس) ينبت بالتبت وقشمير «1» أو بأحدهما. ذكر ابن أبي يعقوب: أن اسم هذه الحشيشة الكندهسة، وقال أحمد بن أبي يعقوب: أفضل المسك التبتي ثم بعد المسك السغدي وبعد السغدي المسك الصيني وأفضل الصيني ما يؤتى به من خانقوا وهي المدينة العظمى التي هي مرقاة الصين التي ترسى بها مراكب تجار المسلمين ثم يحمل في البحر إلى الزقاق، فإذا قرب من بلد الأبلة ارتفعت رائحته فلا يمكن التجار أن يستروه من العشارين، فإذا خرج من المركب جادت رائحته وذهبت عنه رائحة البحر. ثم المسك الهندي وهو ما يقع إلى الديبلي (الديبل) ثم يجهز في البحر وهو دون الأول، وبعد الهندي من المسك القنباري وهو مسك جيد إلا أنه دون التبتي في القيمة والجوهر واللون والرائحة يؤتى به من بلد يقال له قنبار من الصين وتنبت (بين الصين والتبت) وربما غالطوا به فنسبوه إلى التبتي. قال: ويتلوه في الجودة المسك الطغرغري (الطغزغزي) وهو مسك رزين يضرب إلى السواد يؤتى به من أرض الترك الطغرغر (الطغزغز) وتجلبه التجار فيغالطون به إلا أنه ليس له جوهر ولا لون وهو بطيء السحق لا يسلم من الخشونة ويتلوه في الجودة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 المسك القصاري يؤتى به من بلدة يقال لها قصار بين الهند والصين. قال: وقد يلحق الصيني إلا أنه دونه في القيمة والجوهر والرائحة. قال: والسمك الجرجيري وهو مسك يشاكل التبتي ويشبهه وهو أصفر زعراء الرائحة، وبعده المسك العصماري وهو أضعف أنواع المسك كلها وأدناها قيمة يخرج من النافجة التي زنتها أوقية زنة درهم من المسك، ثم المسك الجبلي وهو ما يؤتى به من أرض السند من أرض الموليان (المولتان) وهو كثير (كبير) النوافج حسن اللون إلا أنه ضعيف الرائحة. وقال: (الخ) ما اشتراه تجار خراسان السغدي من التبت وحملوه على الظهر إلى خراسان ثم يحمل من خراسان إلى الآفاق. العنبر قال محمد بن أحمد التميمي «1» حدثني أبي عن أبيه عن أحمد بن أبي يعقوب أنه قال العنبر «2» أنواع كثيرة وأصناف مختلفة ومعادنه متباينة وهو يتفاضل بمعادنه وبجوهره فأجود أنواعه وأرفعه وأفضله وأحسنه لونا وأصفاه جوهرا وأغلاه قيمة العنبر الشحري وهو ما قذفه بحر الهند إلى ساحل الشحر من أرض اليمن، وزعموا أنه يخرج من البحر في خلقة العنبر أو الصخرة الكبيرة. قال التميمي الخ ... قال وحدثني أبي عن أبيه عن أحمد بن أبي يعقوب قال: تقطعه الريح وشدة الموج فترمي به إلى السواحل وهو يفور لا يدنو منه شيء لشدة حره وفورانه فإذا أقام أياما وضربه الهواء جمد فتجمعه الناس من السواحل المتصلة بمعادنه. قال: وربما أتت السمكة العظيمة التي يقال لها أكبال (البال) فابتلعت من ذلك العنبر الطافي وهو يفور فلا يستقر في جوفها حتى تموت وتطفو ويطرحها البحر إلى الساحل فيشق جوفها ويستخرج ما فيه من العنبر وهو العنبر السمكي ويسمى أيضا المبلوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 قال: وربما طرح البحر القطعة العنبر فيبصرها طائر أسود شبيه بالخطاف فيأتي إليها ويرفرف بجناحيه فإذا دنا منها وسقط عليها تعلقت بمخاليبه ومنقاره فيها فيموت ويبلى ويبقى منقاره ومخاليبه في العنبر، وهو العنبر المناقيري. قال: وبعد العنبر الشحري العنبر الزنجي وهو الذي يؤتى به من بلاد الزنج إلى عدن وهو عنبر أبيض، وبعده العنبر السلاهطي وهو يتفاضل، وأجود السلاهطي الأزرق الدسم الكثير الدهن وهو الذي يستعمل في الغوالي، وبعد السلاهطي العنبر القاقلي وهو أشهب جيد للريح (الريح) حسن المنظر خفيف وفيه يبس يسير وهو دون السلاهطي لا يصلح للغوالي ولا للتعلية (للتغلية) والتطهير إلا عن ضرورة وهو صالح للذرائر والمكلسات ويؤتى بهذا العنبر من بحر قاقلة إلى عدن، وبعد القاقلي العنبر الهندي يؤتى به سواحل الهند الداخلة فيحمل الى البصرة وغيرها، وبعده الزنجي يؤتى به من سواحل الزنج وهو شبيه بالهندي ويقاربه (هكذا ذكر التميمي) في- جيب العروس- فإنه يجعل الزنجي بعد الشحري وذكر الزنجي أيضا بعد الهندي. قال: وعنبر يؤتى به من الهند يسمى الكرك بالوس وينسب إلى قوم من الهند يجلبونه يعرفون بالكرك بالوس يأتون به إلى قرب عمان يشتريه منهم أصحاب المراكب. قال: وأما العنبر فإنه دون هذه الأنواع كلها يؤتى به من بحر الأندلس فتحمله التجار إلى مصر وهو شبيه في لونه بالعنبر الشحري وقد يغالط به فيه ... وقال أحمد بن أبي يعقوب: قال لي جماعة من أهل العلم بالعنبر إنه بجبال نابتة في قرار البحر مختلفة الألوان تقتلعه الرياح وشدة اضطراب البحر في الأشتية الشديدة فلذلك لا يكاد يخرج في الصيف. العود «1» قال أحمد بن أبي يعقوب: وله (للعود القماري) سن نضيج الماء. قال ابن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 يعقوب: وبعد العود القاقلي العود الصنفي ويجلب من بلد يقال له الصنف بناحية الصين وبينه وبين الصين جبل لا يسلك وهو أجل الأعواد وأبقاها في الثياب، ومنهم من يفضله على القاقلي ويرى أنه أطيب وأعبق وآمن من القتار، ومنهم أيضا من قدمه على القماري. قال أحمد بن أبي يعقوب: ومن العود أيضا صنف يسمى القشور رطب أزرق وهو أعذب رائحة من القطعي ودونه في القيمة (وأفضل الصيني نوع منه يسمى القطعي) . قال: ومن الصيني أيضا أصناف أخر هي دون هذه الأصناف منها المنطاوي وهو المانطاي قطعه كبار ملس سود لا عقد فيها ليست روائحها محمودة تصلح للأدوية والسفوقات والجوارشنات ومنه صنف يعرف بالجلاي، وصنف يعرف باللوافي (اللواقي) وهو اللوقيني (اللوقيني) وهي أعواد متقاربة في القيمة. قال التميمي: ومن الناس من رتب العود الصيني عن غير ترتيب أحمد بن أبي يعقوب فقالوا الخ. السنبل الهندي فأما السنبل الهندي فقد قال أحمد بن أبي يعقوب: السنبل «1» أصناف وأجوده العصافير الحمر الألوان المسلل. والمسلل هو الذي قد نقي من زغبه ومسح منه وفي عصافير مجردة، وإذا أمسكه الإنسان بكفه ساعة ثم اشتمه كانت رائحته كرائحة التفاح أو نحوها ثم الذي يليه. وهو نوع من العصافير أحمر كثير البياض والشمط أطيب الرائحة قريب من الأول ثم أدناه وهو دقاق من السنبل وجلال ليس مما يدخل في جيد العطر وأما أصله فهو حشيشة تنبت بأرض الهند وببلد التبت أيضا. وقيل إنها تنبت في أودية بالهند كما ينبت الزرع ثم تجف فيأتي قوم يحصدونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ويجمعونه. وقيل إن الأودية التي ينبت فيها هذا السنبل كثيرة الأفاعي وليس يأتيها أحد إلا وفي رجليه خف طويل غليظ منعل بالخشب أو بالحديد. قالوا: وتلك الأفاعي ذوات قرون فيها السم القاتل الذي يقال له البيش، ويقال إنه من قرون الأفاعي. وقال قوم من أهل العلم: إنه نبات ينبت بتلك الأودية وهو ضربان ضرب خلنجي يضرب في لونه إلى الصفرة وهو أفضله، وضرب آخر يضرب إلى السواد وهم يعرفون فيتوقونه، وربما جهله بعضهم فمات من مسه سيما إن كانت يده قد عرقت أو هي رطبة. وقد كان بعض الخلفاء يأمر بأن يوكل بالمراكب التي تأتي من بلد الهند إلى الأبلة وغيرها من الفرض من يكشف السنبل ويختبره فيخرج منه البيش فيؤخذ بكلبتين من حديد وليس يمسه أحد إلا مات لوقته فكان يجمع ذلك في وعاء وقد يلقى في البحر. القرنفل قال أحمد بن أبي يعقوب: القرنفل «1» كله جنس واحد وأفضله وأجوده الزهر اليابس الجاف الذكي الحريف الطعم الحلو الرائحة ومنه الزهر ومنه الثمر، والزهر منه هو ما صغر وكان مشاكلا لعيدان فروع الخريق الأسود في المنظر، والثمر منه ما غلظ وشاكل نوى التمر أو عجم الزيتون. وقيل هو ثمر شجر عظام تشبه شجر السدر، وقال آخرون (إلخ) . قال: ويجلب من بلاد سفالة الهند وأقاصيها، وله بالمواضع التي هو بها روائح ذكية ساطعة الطيب جدا حتى أنهم يسمون أماكن القرنفل ريح الجنة لذكاء رائحته (الخ) . الغوالي وذكر محمد بن أحمد التميمي في كتابه المترجم (بجيب العروس) في باب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الغوالي كثيرا منها نذكر من ذلك ما كان يعمل للخلفاء والملوك والأكابر، فمن ذلك غالية من غوالي الخلفاء (عن أحمد أبي يعقوب) يؤخذ من المسك التبتي النادر مائة مثقال يسحق الخ ... وهذه الغاية المتساوى فيها العنبر والمسك كانت تعمل لحميد الطوسي وكانت تعجب المأمون جدا وكانت هذه الغالية تعمل لأم جعفر ... وكانوا يصنعون هذه الغالية لمحمد بن سليمان ... وكانوا أيضا يصنعون لأم جعفر غالية العنبر الخ. صفة رامك وسك آخر ذكر التميمي عن أحمد بن أبي يعقوب أنه عمله وأنه أجود ما يكون من السك «1» . قال ابن أبي يعقوب: صفة عمل الرامك «2» أن يؤخذ من العفص البالغ الجيد إلخ. البان «3» وأما كيفيته (دهن البان) بالأفاوية حتى يصير بانا مرتفعا فمنه كوفي ومنه مديني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أما الكوفي فقال أحمد بن أبي يعقوب مولى ولد العباس: فيه يؤخذ الدهن الخ ... وأما البان المديني: فإن أهل المدينة يطبخونه بالأفاويه الطيبة الخ ... إلا أن هذا الدهن لا يصلح للغوالي لأنه يغلب على روائح العنبر والمسك بروائح الأفاوية وحدتها فلا تستعمله الملوك إلا أن تدهن به أيديها في الشتاء وتستعمله النساء في أطيابهن وخمرهن. ماء التفاح وأما ماء التفاح ونضوحه الذي يصنع منه قال التميمي عن أحمد بن أبي يعقوب في صنعة ماء التفاح المطيب تأخذ من التفاح الشامي الخ. حب لإزالة البخر صفة حب آخر ملوكي (لإزالة البخر) ذكره التميمي في كتابه (جيب العروس وريحان النفوس) وقال: إنه أخذه عن أحمد بن أبي يعقوب وهو الخ. تسمية نصارى الحيرة بالعباد وقال أحمد بن أبي يعقوب: إنما سمي نصارى الحيرة العباد لأنه وفد على كسرى خمسة منهم فقال لأحدهم: ما اسمك؟ قال عبد المسيح. وقال للثاني: ما اسمك؟ قال عبد ياليل. وقال للثالث: ما اسمك؟ قال عبد ياسوع. وقال للرابع: ما اسمك؟ قال عبد الله. وقال للخامس: ما اسمك؟ قال عبد عمرو. فقال كسرى أنتم عباد كلكم فسموا العباد. ما أنفقه الخلفاء والملوك قال أحمد بن أبي يعقوب من ولد جعفر بن وهب قال: وفرق الواثق في أيامه من الأموال في الصدقة والصلة ووجوه البر ببغداد وبسر من رأى وبالكوفة وبالبصرة والمدينة ومكة خمسة آلاف ألف دينار وقدم الوليد بن حمد بن أبي داود (دؤاد) من قبله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 إلى بغداد بعد الحريق الذي وقع بالأسواق ببغداد ومعه خمس مائة ألف دينار ففرقها على التجار الذين ذهبت أموالهم في الحريق فحسنت أحوالهم وبنوا أسواقهم بالجص والآجر وجعلوا أبواب حوانيتهم أبواب حديد. قال أحمد الكاتب: أنفق عليه (أحمد بن طولون على الجامع) مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وقال له الصناع على أي مثال تعمل المنارة وما كان يعبث قط في مجلس فأخذ درجا من الكاغذ وجعل يعبث به فخرج بعضه وبقي بعضه في يده فعجب الحاضرون فقال اصنعوا المنارة على هذا المثال فصنعوها. ولما تم بناء الجامع رأى أحمد بن طولون في منامه كأن الله تعالى قد تجلى للمقصورة التي حول الجامع ولم يتجل للجامع فسأل المعبّرين فقالوا يخرب ما حوله ويبقى قائما وحده فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا من قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ، لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: 134] . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا تجلى الله لشيء خضع له» «1» ، وكان كما قالوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 رثاء ابن طولون وحدث محمد (أحمد) بن أبي يعقوب الكاتب قال: لما كانت ليلة عيد الفطر من سنة 292 «1» تذكرت ما كان فيه آل ابن طولون «2» في مثل هذه الليلة من الزي الحسن بالسلاح وملونات البنود والأعلام وشهرة (وشهر) (وشهير) الثياب وكثرة الكراع وأصوات الأبواق والطبول فاعترتني (فاعتراني) لذلك فكرة (عبرة لذلك وفكرة) ونمت في ليلتي فسمعت هاتفا يقول: ذهب الملك والتملك والز ... ينة لما مضى بنو طولون وقال أحمد بن أبي يعقوب: إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم ... فارتع وعج بمراتع الميدان وانظر إلى تلك القصور وما حوت ... وامرح بزهرة ذلك البستان وإن اعتبرت ففيه أيضا عبرة ... تنبيك كيف تصرف العصران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 يا قتل هارون اجتثثت أصولهم ... وأشبت رأس أميرهم شيبان لم يغن عنهم بأس قيس إذ غدا ... في جحفل لجب ولا غسان وعدية البطل الكمي وخزرج ... لم ينصرا بأخيهما عدنان زفت إلى آل النبوة والهدى ... وتمزقت عن شيعة الشيطان ومثل هذا ما حكاه اليعقوبي قال: ... توجهت إلى باب حمدونة ابنة الرشيد فخرجت دقاق مولاتها وفي يدها مروحة مكتوب عليها في الوجه الأول: الحر أحوج إلى أيرين من الأير إلى حرين. وفي الجانب الثاني من المروحة مكتوب: كما أن الرحى «1» أحوج إلى بغلين من البغل إلى رحيين. صفة سمرقند وقال ابن الواضح اليعقوبي في صفة سمرقند: علت سمرقند أن يقال لها ... زين خراسان جنة الكور أليس أبراجها معلقة ... بحيث لا تستبين للنظر ودون أبراجها خنادقها ... هميقة ما ترام من ثغر كأنها وهي في وسط حائطها ... محفوفة بالظلال والشجر بدر وأنهارها المجرة وال ... آطام مثل الكواكب الزهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218