الكتاب: علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة المؤلف: عادل عز الدين الأشول الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة عادل الأشول الكتاب: علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة المؤلف: عادل عز الدين الأشول الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية الطبعة: - عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المحتويات : الصفحة الموضوع 22 الباب الأول مدخل لدراسة علم نفس النمو 25 الفصل الأول تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره" 29 الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو 32 تطور علم نفس النمو 33 أولا: الأطوار غير العلمية 34 ثانيا: بداية علم نفس النمو الحديث 37 الصورة العامة لتطور النمو 39 مرحلة ما قبل الميلاد "من الإخصاب إلى 280 يوم" 40 الطفل حديث الولادة "الأسابيع الأولى بعد الولادة" 41 مرحلة المهد "من أسبوعين إلى العامين" 42 مرحلة الطفولة المبكرة "من 2 إلى 5 سنوات" 44 مرحلة الطفولة الوسطى "من 6 إلى 10 سنوات" 46 مرحلة الطفولة المتأخرة "من 10 إلى 12 سنة" 46 مرحلة المراهقة "من 12 إلى 20 سنة" 47 مفهوم المراحل في علم نفس النمو 51 الفصل الثاني محددات السلوك الإنساني 53 النضج 56 الاستعداد 57 الفترات الحرجة أو الحاسمة للنمو 59 ترسيخ النضج أو التعلم 60 مطالب النمو 60 مطالب النمو من الميلاد إلى 6 سنوات 61 مطالب النمو من السادسة حتى الثانية عشر 61 مطالب النمو من الثانية عشر إلى الثامنة عشر 61 مطالب النمو من الثامنة عشر إلى الخامسة والثلاثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 62 مطالب النمو من الخامسة والثلاثين إلى الستين 62 مطالب النمو في الحياة المتأخرة "الشيخوخة" 63 مبادئ النمو 64 النمو يسير وفقًا لنمط معين 64 التتابع الرأسي, الذئبي 68 النموذج العام للنمو 69 النمو يتقدم من العام إلى الخاص 71 النمو عملية مستمرة 73 النمو عملية متفردة 74 اختلاف معدل النمو 77 النمو عملية متكاملة 77 النمو يمكن التنبؤ به 79 لكل مظهر نمائي سمات مميزة له 80 الكثير من الأشكال المعرفة بالسلوك المشكل تعتبر سلوكًا سويًا بالنسبة للمرحلة التي يحدث فيها 82 النمو يستمر طول الحياة 82 مراحل النمو 85 مساهمات جيزل وآلج وآمز 87 نظرية بياجيه في النمو المعرفي 91 نظرية كولبرج في نمو التفكير الخلقي 91 مراحل كولبرج في الحكم الخلقي 93 نظرية فرويد في النمو 95 نظرية أريكسون النفسية الاجتماعية 97 ثانيًا: التعلم 98 الاستعداد والتعلم 100 تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال 100 الإشراط الكلاسيكي 101 الإشراط الأدوي 102 المدعمات الأولية والثانوية 103 جداول التعزيز والانطفاء 104 تشكيل السلوك 104 المدعمات الإيجابية والسلبية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 105 إدارة أو تشكيل السلوك 107 نظرية الدوافع 108 هرمية ماسلو للحاجات 110 الدافعية الداخلية والخارجية 111 الدوافع والتغير النمائي 113 النموذج والدافعية 115 أنماط تعلم الأطفال 115 تعلم الإدراك الحركي 116 تعلم المعلومات اللفظية 117 تعلم المهارات العقلية 117 تعلم إجراء التخطيطات المعرفية 118 تعلم الاتجاهات 119 الوراثة 119 أهمية الوراثة للطفل 120 جدل حول الوراثة والبيئة 123 الفصل الثالث طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو 125 أولا: الطرق الترابطية 126 طريقة الملاحظة 128 الملاحظة الطبيعية 128 سيرة حياة الطفل 130 طريقة دراسة الحالة 132 مقابلة الآباء 132 التقويم النفسي 132 السلوك ومظاهره الخارجية 133 الانطباعات والنتائج 134 موجز الانطباعات 134 الانطباع التشخيصي 135 الملاحظة المضبوطة 136 عينة الموقف 137 طريقة المقابلة 138 تفسير النتائج "الصدق" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 140 تفسير النتائج "الثبات" 140 ثانيًا: الطرق السببية 142 المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة 144 تأثير المجرب 145 ثالثًا: الطرق التمايزية 146 اختبارات الذكاء 147 وسائل تقرير الذات 147 الطرق الإسقاطية 148 ملاحظات اللعب 150 رابعًا: الطرق التتبعية 151 اتجاه الطرق التتبعية 151 المنحنى الطولي في مقابل المستعرض 151 الطريقة الطولية 154 الطريقة التتبعية المستعرضة 155 خامسًا: الدرسات المعيارية 159 الباب الثاني "الطفولة" 161 الفصل الرابع النمو قبل الولادة 163 الموروثات والأمشاج 163 حركة الأمشاج 165 الموروثات 169 حركة المورث 173 تطور الجنين 173 فترة البلاستوسيست 175 فترة الجنين غير المكتمل أو الخلوي 177 مرحلة الجنين المكتمل 177 النمو غير العادي للجنين 182 الحمل 183 الحمل كأزمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 188 تفاعلات الأم والجنين 188 تأثير انفعالات الأم على الجنين 189 عادات الأم 191 استخدام العقاقير 191 المرض أثناء الحمل 192 المخاض والولادة 192 عملية الولادة 193 مخاطر الولادة 194 العناية بالمولود 196 تحديد جنس الوليد 201 الفصل السادس "الولدي والفطيم" 203 النمو الجسمي والحركي 203 الرضيع في السنة الأولى 206 في السنة الثانية 208 النمو العقلي 208 الجوانب الكمية للنمو العقلي 211 الجوانب الكيفية للنمو العقلي 211 الإدراك 211 الرؤية 213 السمع 214 الحواس الأخرى 215 اللغة 218 مراحل التعبير عند الطفل 219 الكلام المبكر 223 العمليات المعرفية 223 التوحيه والانتباه والتعوذ 224 التعلم 226 حل المشكلة 228 التفكير 234 المفاهيم الرئيسية لطفل العامين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 237 تعليم الآباء الرضيع 238 الأنماط السلوكية التوجيهية 239 الصباح 240 التحديث 242 الابتسام 243 الخرير 243 التقليد 245 العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية "الإشارية والتوجيهية" 248 الارتباط مع الأشخاص الآخرين 249 الأنماط السلوكية المدعمة للارتباط 250 قلق الغرباء 252 قلق الانفصال 254 نظريات أصول الارتباطات المتبادلة 255 الانفصال والتفرد 256 بدايات التفرد 257 الاستجابات الأموية للتفرد 258 الاتجاهات نحو العالم 259 تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها 261 تطبيقات لتنشئة الرضيع 262 التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال 265 العناية وتدليل الأطفال 267 الفصل الرابع الطفولة المبكرة "سلوك ما قبل المدرسة من 2: 5" 269 النمو الجسمي 269 النمو الجسمي والحركي 274 النمو العقلي 274 قياس الذكاء 277 مقياس ديفيد وكسلر 280 اختبار القدرة اللغوية المصور 280 النمو الإدراكي 282 التذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 286 التعليم التمييزي 287 السلوك الاحتفاظي 288 الاستدلالات الانتقالية 289 ثبات العدد 292 النمو اللغوي 292 اكتساب اللغة 294 نظريات التحصيل اللغوي 295 مهارات الاتصال المرجعية 297 العالم التصوري للطفل الصغير 300 التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة 301 الشخصية والنمو الاجتماعي 302 الوعي بالذات واتجاهات الذات 302 الوعي بالجسم 303 إحساس السيطرة أو التمكن 304 دافعية الإنجاز 305 الكفاية الأدوية 307 تقدير الذات 308 العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة 309 دور الأب 314 العلاقات مع الأخوة والأخوات 314 مقدم طفل جديد 315 التفاعلات مع الأخوة والأخوات الأكبر 316 التفاعلات مع الصحبة والنظراء 319 التطبيع الاجتماعي 320 التدريب أو فرض النظام 322 تساوق التدريب أو النظام 325 التدريب المرشد 326 السلوك التدريبي الموجه 328 التقمص 331 العدوانية 332 العدوان العدائي 332 العدوان الآدوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 234 الغيرية 236 تقمص الجنس 237 تأثير البرامج التلفيزيونية على السلوك العدواني والسلوك الغير لأطفال ما قبل المدرسة 343 الفصل الثامن "الطفولة الوسطى "من 6- 12سنة" 345 النمو الجنسي والعقلي 345 النمو الجسمي 346 النمو الحركية 346 القفز 347 مهارات لعب الكرة 348 زمن الرجح 349 تصور الجسد 351 مفهوم الذات 352 النمو العقلي 352 الاختبارات التحصيلية 354 النمو الإدراكي 357 التنظيم المنطقي 357 ابطال المركزية 358 النمو اللغوي 358 نمو استخدام اللغة 359 نمو معرفة تركيب اللغة وبنائها 361 مهارات الاتصال المرجعية 361 التذكر 362 عملية التحويل إلى رموز وفهم المعلومات 363 التخزين وتنظيم الذاكرة 365 الاسترجاع 366 مبدأ بقاء أو ثبات الأشياء 366 أنماط بقاء أو ثبات الأشياء 369 التدريب على إدراك مبدأ ثبات الأشياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 373 التفكير المنطقي الاستدلالي 374 انتقال التفكير من المستوى الحسي العياني إلى المستوى الشكلي التجريدي 375 العمليات الفئوية 375 عمليات السلسلة 375 النمو الخلقي 377 المستوى قبل الأخلاقي 379 العالم التصوري للطفولة الوسطى 380 تعلم القراءة 383 الشخصية والنمو الاجتماعي 384 دخول المدرسة 384 الاتجاهات نحو المدرسة 385 تأثير المدرسة 389 تأثير الآباء 391 إحساس الكفاية أو الدونية 392 تأثير قدرات الطفل 393 تأثير المدرس 394 الارتباط أو المودة 394 اللامبالاة 394 التعلق أو الاهتمام 395 النبذ 396 الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق 397 إدراك الذات والشعبية 399 التفرد والتماثل وطرق أخرى للتعامل مع الأشخاص 403 أحاسيس الانتماء والاغتراب 403 التغيرات في بناء علاقة جماعة الأقران 404 الصدقات الحميمة 405 هوية دور الجنس 409 الكمون النفسي الجنسي 410 العلاقات الأسرية 411 تكيف الآباء لطفل المدرسة 412 إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 414 النمو وتكامل الشخصية 415 مفهوم الذات 416 مفهوم الحاجات 427 الثبات المعنوي 427 قوة الأنا 427 قوة الأنا الأعلى 427 التلقائية 428 الودية والتصادق 428 مركب العداوة والذنب 433 نظريات النمو 433 مفهوم دورة حياة الإنسان 438 بعض نظريات النمو 439 نظرية بوهلر في النمو الإنساني 445 نظرية يونج لمراحل الحياة 448 نظرية فرويد للنمو النفسي الجنسي 448 المرحلة النمية 449 المرحلة الشرجية 449 المرحلة القضيبية 450 مرحلة الكمون 451 المرحلة التناسلية 451 نظرية أريكسون 454 مراحل النمو عند أريكسون 454 مرحلة المهد أو الرضاعة 454 الثقة مقابل فقدان الثقة 455 الطفولة المبكرة للاستقلال الذاتي مقابل الخجل والشك 456 سن ما قبل المدرسة 457 سن المدرسة 458 المراهقة 460 الرشد المبكر 460 منتصف العمر 461 السن المتقدم 462 بيك وصقل وتنقيح نظرية اريكسون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 462 أهمية الحكمة في مقابل أهمية القوى الجسمية 463 التنشئة الاجتماعية في مقابل الجنسية في العلاقات الانسانية 463 المرونة النفسية في مقابل الجمود النفسي 463 المرونة العقلية في مقابل الجمود العقلي 463 سمو الأنا في مقابل استغراق الأنا 464 تحليل ريجل الدياليكتيلي للنمو 467 بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهاتها 468 بعض مشكلات النمو في فترة الطفولة 468 التغذية 470 النوم 472 التبول اللاارادي 473 مص الأصابغ وقضم الأطافر 475 السلوك العدواني 476 السلوك الانسحابي 477 الانحرافات السلوكية 477 السرقة 480 الكذب 482 بعض مشكلات النمو في فترة المراهقة 482 السلوك العدواني 483 الجناح 484 أحلام اليقظة 485 الانطواء 486 الانحرافات الجنسية 487 اغتراب المراهقين والشباب 493 الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو 493 الجو المدرسي 496 النظام المدرسي 497 التحصيل الدراسي 499 الكتاب المدرسي 500 المدرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 505 الباب الثالث "المراهقة" 507 طبيعة المراهقة 509 المراهقة المتكيفة 510 المراهقة الانسحابية المنطوية 510 المراهقة العدوانية المتمردة 511 المراهقة المنحرفة 511 نظريات المراهقة 512 اتجاهات المرحلة المعتدة 512 مناحي أو اتجاهات التعلم 513 مناحي الاتجاهات الثقافية 515 التغيرات الجسمية والفسيولوجية 516 تغير حجم الجسم وشكله 516 الذكور 518 الإناث 519 نمو الخصائص الجنسية الأولية والثانوية 519 الذكور 520 الإناث 521 النمو العقلي 522 اختبارات الذكاء 523 العمر التمايزي 523 تقدم النمو العقلي 525 التفكير الصوري الإجرائي ومظاهره 526 منطقية التفكير الصوري الإجرائي 529 اللغة والذاكرة 530 السلوك الاحتفاظي 531 التفكير التجميعي أو التوحيدي 533 الوعي بالتبديلات التصورية 534 النمو الخلقي 535 دلائل التفكير الإجرائي الصوري 535 عمومية العمليات الصورية 537 الاتساق الفردي في التفكير الإجرائي الصوري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 537 تأثير التدريب على التفكير الإجرائي الصوري 538 النتائج الوجدانية للتفكير الإجرائي الصوري 538 هوية المراهق وقيمه الخلقية 539 المراهق والذات 542 الهوية والقيم والاغتراب 543 مشكلات الهوية في فترة المراهقة 544 التباين في تكوين الهوية 545 علاقات الوالد بالمراهق وتكوين الهوية 546 نموذج الجنس والهوية الجنسية 547 نمو الأخلاق والقيم 548 النضج المعرفي والنمو الخلقي 551 المطلبات الاجتماعية المتغيرة 551 القيم الخلقية والصراعات النفسية الداخلية 551 النمو المعرفي والمعتقدات الدينية المتغيرة 552 نمو الأفكار السياسية 552 الاتجاهات الشائعة في قيم المراهقين 553 الاغتراب 553 اغتراب الفقراء والأقليات 554 الاغتراب بين الشباب صاحب الامتياز 555 المراهقون والمخدرات 556 الجنوح 557 التغير الاجتماعي والحرمان والجنوح 558 علاقة الوالد بالابن الجانح 560 الجنسية والأمن والألفة 560 الجنسية في مقابل الأمن 561 الألفة أو المودة في مقابل الجنسية 562 الألفة والمودة في مقابل الأمن 563 الاتجاهات نحو الآباء 565 تكامل الهوية الشخصية 567 تحقيق الهوية وأزمة الهوية 567 تحقيق الهوية 567 تعويق الهوية 567 انتشار الهوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 567 انتشار الهوية 568 توقيف أو تعليق الهوية 569 استمرار نمو الشخصية 570 مفهوم الذات وتقدير الذات لدى المراهقين 571 وعي المراهق بذاته 572 ثبات أو استقرار صورة الذات 573 تقدير الذات 574 نماذج نمو المراهقة 575 نمط النضج المستمر 575 نمط النضج العامر أو الجياش 576 نمط النضج الصاخب المضطرب 578 الشخصية والنمو الاجتماعي 579 النضال من أجل الاستقلال 579 مصادر نضال المراهق للاستقلال 580 ازدواجية المشاعر لاستقلال المراهق 580 ازدواجية مشاعر المراهق 581 ازدواجية مشاعر الآباء 582 نماذج السلطة الأبوية 583 النمط الاستبدادي 583 النمط الديمقراطي 583 النمط المتساهل 588 نمو العلاقات الاجتماعية الناضجة 588 الانتماء لجماعة الرفاق 589 عوامل الشعبية 591 ثبات الأصدقاء 592 ميول الجنسية الغيرية التزاوج 593 مراحل تكوين الجماعة ونمو الجنسية الغيرية 595 مصادر قلق الالتقاء بالجنس الآخر 596 الإرشاد النفسي للمراهقين 597 الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية 597 القلق 599 اكتئاب المراهق 600 توهم أو وسواس المرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 601 الاضرابات السيكوفسيولوجية 602 اضطربات الأكل 603 العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين 607 الباب الرابع "مرحلة الرشد" 609 مرحلة الرشد المبكرة 609 النمو الجسمي 610 النمو المعرفي 612 مرحلة تماسك واستقرار العمليات الصورية 612 النمو الخلقي 613 الشباب 615 الهوية والألفة 615 الألفة الجنسية 617 الانتاجية مقابل الركود 617 تكامل الأنا مقابل اليأس أو القنوط 618 عدم الألفة الجنسية 618 الهوية والعمل 619 اختيار المهنة ودور الجنس 620 المهنة ومفهوم الذات 621 الوظيفة والبطالة المقنعة 622 العمل عبر دورة الحياة 623 الزواج 624 اختيار الشريك 625 التوافق الزواجي 626 الإخلاص والتوافق الجنسي 629 التوافق للدور وتمييز الدور 629 القيام بدور الوالدية 629 الدافعية نحو الإنجاب 631 الوالدية كعملية نمائية 631 الوالدية كدور اجتماعي 633 دورة الأسرة 635 الطلاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 637 اختيار شريك أو شريكة الحياة 638 مرحلة الرشد الوسطي 639 التغيرات الجسمية 641 معدل العمر الجسمي 641 أزمات القلب 642 سن اليأس وانقطاع الحيض 644 العمليات العقلية والمعرفية 644 درجات الذكاء 646 القدرات المتبلورة وغير المتبلورة 646 الابتكارية 647 النمو المعرفي والخبرة 648 نمو الشخصية 649 استجابات الفرد لعمره الزمني 651 الاستجابات لمفهوم الموت 651 التوافق النفسي الجنسي 653 التوافق الزواجي والأسري 654 الترمل 655 العزوبية 655 العمل والانتاجية 657 الفصل العاشر "الشيخوخة" 659 الشيخوخة 659 معنى الشيخوخة 659 الشيخوخة وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية 660 الشيخوخة البيولوجية 660 شيخوخة الإدراك 660 شيخوخة الشعور 660 المشاكل العامة الخاصة بالشيخوخة 661 نظريات الشيخوخة 661 المجال البيولوجي 661 التغيرات في الدورة الدموية للقلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 661 نظريات الشيخوخة 661 المجال البيولوجي 661 التغيرات في الدورة الدموية 662 التغيرات في المظهر 662 التغيرات في الجهاز التنفسي 662 التغيرات في التغذية والجهاز الهضمي 663 القدرة على التكيف للضغوط 664 التغيرات في الجهاز العصبي 664 القدرة على المعرفة 664 العادات الثابتة 665 التقبل وتخزين المعلومات 665 الذكاء 665 التدهور الذهني 666 مجال الشعور 667 المجال الاجتماعي 667 ظواهر مجتمع المسنين 668 تدهور الروابط بين المسن والمجتمع 668 التغيير في الأداء 668 فقدان الدور 668 تدهور العلاقات الاجتماعية 668 الوعي المحدود بالزمن 669 الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة 669 الخرافة الأولى أكثر تشابهًا 670 الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفًا 671 الخرافة الثالثة الشيخوخة فترة الصفاء 672 الخرافة الرابعة انعدام القدرة الجنسية 673 الخرافة الخامسة الجمود وعدم المرونة 674 الخرافة السادسة عدم الابتكار وعدم الانتاجية 675 الخرافة السابعة صعوبة تعلم مهارات جديدة 677 الخرافة الثامنة غرابة الأطوار أو الخبل 678 الخرافة التاسعة الوحدة 679 الخرافة العاشرة أكثر تدينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 681 الخاتمة 683 الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان 685 عملية الموت 686 نظرية كويلر-روس 686 الإنكار 687 الغضب 687 المساومة 687 الاكتئاب 688 التقبل 688 نمو مفهوم الموت 691 المراجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 مقدمة : تدفع الثورة العلمية -التكنولوجية- التي يعيشها المجتمع الإنساني في القرن العشرين وفي الربع الأخير منه خاصة، بقضايا علم النفس إلى الحل الأول بين غيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية. هذه الحقيقة يعيها علماء النفس والطب النفسي، فهم بتطويرهم لفروع علم النفس أو بتعبير أدق بتطويرهم للعلوم النفسية كعلم النفس الصناعي، والإداري والحربي والفسيولوجي، ناهيك عن علم النفس التربوي والاجتماعي والطبي يدركون أنهم لا يستطيعون حل أدق مشكلاتهم إلا إذا وضعوا في الاعتبار الأول العامل الإنساني, وبمعنى آخر حيثما يوجد الإنسان في أي موقع في هذا الوجود لا بد وأن يكون هناك اعتبار للعوامل النفسية، وبالتالي لا بد وأن تبرز قيمة الدراسات النفسية إلى الحل الأول. وعمومًا فإن التقدم الحضاري يستند إلى بعدين متكاملين البعد المادي والبعد الإنساني، وما يتم بين هذين البعدين من تفاعل خلاق موصول وبالرغم مما للبعد المادي "للظروف والإمكانيات الطبيعية وموارد الثروة وغير ذلك" من أهمية كبيرة إلا أن الإنسان هو الذي يستخدم هذه الموارد ويجعل منها وسائل ومصادر لحياته ورفاهيته، وبالتالي حيثما يوجد الإنسان لا بد وأن يكون هناك علم نفس. فالإنسان الذي يتفاعل مع هذا الوجود وبمكوناته المختلفة ما هو إلا تكوين نفسي، هو شخصية تتميز وتنفرد بخصائص معينة ذاتها في العمل والانتاج، وفي نظام العلاقات الاجتماعية المختلفة، تستخدم ما لديها من قدرات وطاقات في التفاعل مع هذا العالم والارتقاء به. والإنسان هو محور العمل والإنتاج والاقتصاد والسياسة والإدارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 والحرب والعلم والفن -هو محور الوجود الحياتي، المادي والمعنوي- إلا أنه يكون محور هذا الوجود بما يتمتع به من قدرات وخصائص نفسية، وما يمكن وراء تغيير هذا الوجود من طاقة نفسية وجهد دافعي وقوة إبداعية ما هي إلا إمكانات ينفرد بها الإنسان في عملية نموه وتكوينه. ولا جدال في أن الآباء والمربين والباحثين النفسيين والاجتماعيين كثيرًا ما يتأملون طويلا في لغز الطفولة ومصاعب المراهقة ومعين أسرارها, فكم من باحث مشهود له بطول الباع في ميادين تخصصه، يؤلف الأسفار الضخمة حولهما وكيفية تقديمهما, ثم نجده في النهاية يعترف بلا مواربة بأن ما بذله من جهد لم يكن إلا محاولة متواضعة لمعرفة النزر اليسير عن هاتين المرحلتين الحرجتين من حياة الإنسان, وكم من دارس قد كرس جهدًا صادقًا دفاعًا عن الطفولة البريئة وانتصارا لها، واهتمامًا بالمراهقة القلقة، إلا أنه يشعر في نهاية المطاف أنه لم يوف الموضوع حقه رغم ما بذله من جهد ومعاناة. ولا يساورني أدنى شك في أن كثيرًا من الأسئلة تعن على أذهان الآباء والمعلمين على حد سواء، وجميعها ترمي إلى غاية واحدة، تلك هي: ماذا يجب أن أفعل لكي أجعل طفلي أسعد حالا وأسلس قيادة وأرصن شخصية؟ وكيف أسوس هذا المراهق المندفع وما هي السبل إلى ترويضه؟ وكيف نتعامل مع شباب اليوم ونحاول حمايتهم من كثير من الاضطربات النمائية والانحرافات السلوكية التي قد يتعرضون لها؟ وكيف نزيد من تفهمنا لكبار السن؟ وفي ثنايا هذا الكتاب جهد متواضع، توخيت منه تناول بعض مسائل الطفولة وجوانب المراهقة والشباب بالإضافة إلى فترة الشيخوخة, وما هو إلا رغبة صادقة في أن أضع بين يدي القارئ المهتم بهذه الأمور ما عساه أن يكون نافعًا مجديًا في هذا الشأن, وإني كأب وكفرد يهتم أصدق الاهتمام بالطفولة والمراهقة وبالنواحي التربوية القائمة على أسس من الدراسات النفسية، أرى أن يعار الطفل ما هو جدير به من رعاية وعناية وأن يوجه المراهق وفق قواعد حكيمة رصينة، وأن نحاول تفهم شبابنا، ونفتح أمامهم فرص النمو المختلفة، لنساعدهم على إثبات ذواتهم، بالإضافة إلى إدراكنا لأهمية فترة الشيخوخة وما يعتريها من نقصانات إنمائية، مما يستلزم اتباع الطرق الملائمة للتعامل مع المسنين لنوفر لهم حياة خالية من الصراعات والاضطرابات النفسية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ولقد حاولت أن أضمن هذا المؤلف استعراض وتحليل أحدث آراء ونظريات علماء النفس وكبار المربين في مجال علم نفس النمو، بالإضافة إلى فترة الشيخوخة من حيث المفهوم والخصائص النمائية، والمشكلات التي تواجه كل مرحلة من مراحل العمر، وكيفية مواجهتها، ثم مفهوم الموت في مرحل العمر المختلفة باعتباره نهاية نمو الإنسان بالإضافة إلى ما تجمع لدي من خبرات وملاحظات خاصة، لكي يكون بين أيدي قرائنا مرجع أساسي يمكنهم الانتفاع به في علم نفس النمو. والله وحده المرتجى في كل مسعى، إنه نعم المولى ونعم النصير. عادل عز الدين الأشول رئيس قسم الصحة النفسية مدير مركز الإرشاد النفسي كلية التربية, جامعة عين شمس القاهرة، يناير 1996م الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الباب الأول: مدخل لدراسة علم نفس النمو الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره" مدخل ... الباب الأول: مدخل لدراسة علم نفس النمو الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره" علم نفس النمو أحد فروع علم النفس، يهتم بدراسة الكائن الإنساني منذ تكوين البويضة المخصبة داخل رحم الأم، ونمو مراحل الجنين في فترة الحمل، فالولادة، ثم بعد الولادة رضيعًا، فطفلا، فمراهقًا، فشابًا، فرجلا، فكهلا، ويدرس نواحي النمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي والنفسي، وكل ما يؤثر في تلك الجوانب سلبيًا كان أو إيجابيًا فالفرد يتغير بصورة مستمرة، كما أنه في خلال عملية النمو يصبح الناس متباينين في إدراكهم للمواقف أو في استجاباتهم الانفعالية واتجاهاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعلى ذلك فيمكن القول أن علم النفس النمو يدرس ويصف التغيرات السلوكية التي تصاحب التغيرات في العمر. ويبحث علم نفس النمو الإنسان باعتباره كائنًا حيًا ناميًا، يتطور في مراحل حيوية في سلم تصاعدي في مقتبل العمر، ثم في هضبة تتوسط العمر، وأخيرًا في سلم تنازلي في أواخر العمر, ولعل هذا الفرع من أهم فروع علم النفس جميعًا، فعلى الرغم من كونه فرعًا من أصل ورغم حداثته النسبية، إلا أنه يزود سائر الفروع النفسية الأخرى بحقائق نفسية نمائية عن الإنسان يستفاد منها في جميع الميادين التطبيقية لعلم النفس، وفي الحياة بصفة عامة. ويهتم علم نفس النمو بأنواع السلوك المميزة لكل مراحل الأعمار الزمنية، أو مراحل النمو، كما يهتم بالمبادئ العامة التي تصف اتجاه النمو، متضمنة التفاعل بين وظائف النمو المختلفة. وعلم النفس النمو كأحد فروع علم النفس يتناول بالدراسة العلمية، مظاهر التغير التي يخبرها الكائن الإنساني بهدف تفسيرها والتنبؤ بها وضبطها وتوجيهها بما يحقق النمو الأمثل للكائن الآدمي أي إن موضع علم نفس النمو بمعنى آخر هو دراسة النشاط النفسي للكائن الإنساني في تطوره ونضجه والمدى الزمني لهذا النضج، ومدى تأثير هذا التغير على النواحي الجسمية والنفسية والاجتماعية والثقافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 كما أن علم نفس النمو باعتباره واحدًا من العلوم النفسية، يستند من ناحية على حقائق علم النفس بصفة عامة، ومن ناحية أخرى يسهم في فهم حقيقة النشاط النفسي في تغيره وتطوره وعوامل وقوى هذا التغير والتطور والارتقاء الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو : تعتبر دراسة علم النفس النمو على جانب كبير من الأهمية، ويرجع ذلك إلى طول الفترة التي يأخذها الكائن الآدمي حتى يصل لمرحلة البلوغ، ويتم نضجه وتتزايد الدلائل على أن العديد من المشكلات التي يجابهها الشباب عادة ما يكون لها جذور في نموهم المبكر, كما أن كثير من السمات الشخصية التي تتكون لدى الطفل الصغير تستمر معه في مراحل مراهقته وشبابه, وعمومًا فيمكن أن نوجز أهمية دراسة علم نفس النمو فيما يلي: أولا: إن التعرف على مبادئ وقوانين ومظاهر النمو في المراحل العمرية المختلفة ذات قيمة بالغة, ويرجع ذلك لما يلي: 1- تساعدنا على معرفة ما الذي نتوقعه من الطفل ومتى نتوقعه, وإذا لم يتوفر هذا الشرط في تهيئة وتنشئة الأطفال، فقد نساهم في تعويق نموهم, فعندما نكون أكثر ميلا إلى أن نتوقع من الطفل مستويات من السلوك عالية جدًا أو منخفضة للغاية في مرحلة عمرية معينة, فإن هذين النمطين من مستويات التوقع السلوكي ينطويان على آثار بالغة الخطورة في رعاية وتربية وتوجيه الأطفال, ففي حالة المستويات الأعلى من السلوك يحتمل أن تنمو في الطفل مشاعر عدم الكفاية أو عدم الأهلية لأنه لا يستطيع أن يصل إلى المعايير التي ارتآها له والداه ومعلموه, وتوقع أنماط سلوكية أقل من المستوى يؤدي إلى خفض الحالة الدافعية في الطفل, وبالتالي ينجز بمستوى أقل من قدراته الحقيقية. 2- إن المعرفة بمبادئ أو قوانين النمو توفر للكبار وللقائمين على تربية ورعاية وتوجيه الطفل المعرفة اللازمة, متى يمكن استثارة النمو في الطفل ومتى لا نستثيره؟ وهذه المعرفة تهيئ الأساس اللازم للتخطيط والتنشيط البيئي الذي ينبغي تقديمه للطفل والتوقيت الصحيح لتنشيط واستثارة النمو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 2- إن الوعي بالنمط النمائي السوي يجعل في ميسور الوالدين والمعلمين وغيرهم من العاملين مع الأطفال أن يسعوا إلى تهيئة الطفل مقدمًا للتغيرات التي سوف تحدث في جوانب النمو المختلفة، الجسمية، والسلوكية، والميول، وغير ذلك. وبالرغم من أن هذه التهيئة النفسية سوف لا تزيل كل التوترات التي تصاحب عملية التكيف بطريقة سوية, إلا أنها سوف تسهم بدرجة كبيرة في الإقلال منها, فالطفل الذي نقوم بتهيئته لما نتوقعه منه حينما يدخل المدرسة، على سبيل المثال، يأتي بتوافقات أفضل مع المدرسة ويكون أكثر سعادة بالمدرسة من الطفل الذي لم يهيأ لمثل هذه الانتقالة الجذرية في حياته بصفة عامة, وعلى هذا النحو فالطفل الذي يتعلم التعاون والأخذ والعطاء في الأسرة يبدي توافقًا أفضل مع الجماعات خارج الأسرة من الطفل الذي يكون مركز الانتباه في الأسرة. 4- وإذا كانت عملية النمو مستمرة متكاملة، تسير على نحو متسق بالنسبة لأغلبية الأطفال، فمن الممكن أن نحدد معاييرًا معينة لما يمكن أن نتوقعه في كل مرحلة نمائية, وبالتالي تتوفر لدينا أعمار عدة للأطفال، مقاييس عمر الطول، مقاييس عمر الوزن, مقاييس العمر الرسغي، مقاييس عمر التسنين، مقاييس عمر قبضة اليد، مقاييس العمر العقلي، مقاييس عمر القراءة، ويتفق الأطفال في معايير هذه المقاييس، بالرغم مما قد يوجد من تباينات طفيفة فحسب. ويعتبر العمر الزمني المقياس الرئيسي لتطور النمو بالنسبة لأغراض التنظيم المدرسية وتهيئة عمليات التعليم والتعلم. فالمدراس من الروضة إلى الجامعة، تتخذ من عمر الفرد مفهومًا أساسيًا، تحدد على أساسه متى تقام، وكيف تنظم الصفوف الدراسية؟ وكم يلزم من المدرسين؟ وكيف تخطط المناهج؟ غير أن البرامج التعليمية لا تخطط عادة لكل سنة من سنوات العمر بصورة مفصلة تمامًا، وإنما تنظم على أساس مراحل نمو عريضة, ومثل هذا التخطيط يعترف بقصور التقسيم الصارم على أساس السنن, كما يعترف بأن مثل هذا التقسيم إنما هو أمر تقريبي، وبأنه لا بد من النظر بعين الاعتبار إلى توزيع خصائص الأطفال على مدى زمني واسع. وقد كشفت لنا المعلومات المتزايدة عن النمو سذاجة اتخاذ معيار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 السن أساسا لمعظم الأغراض؛ لأن الفروق التي بين جماعة الأطفال في أي عمر زمني واحد أكبر بكثير من الفروق التي توجد بين الأطفال في الأعمار الزمنية المتعاقبة, ومع ذلك، فإن للارتباط بين تغيرات السن وتغيرات اكتمال النضج دلالة بالغة بالنسبة لمحتوى الخبرة وطرق التدريس وعلاقات الطفل الشخصية وحياته الاجتماعية والانفعالية، وهكذا تخدم السن غرضًا أساسيًا، إذ يسترشد بها عند معالجة المشكلات المتعلقة بملاءمة النظم التعليمية للأطفال. وقد يكون من أوضح الأمور التي يهتدى بها في تخطيط المناهج الحرص على أن تكون الخبرات التي يزود بها الطفل ملائمة لسنه، فلا يتوقع مثلا من طفل في السنة الأولى مثلا حدوث طفرة النمو، أو البقاء في حالة يغلب عليها الثبات "الكمون" أو الوصول إلى النمو الأمثل، أو التدرج إلى الاضمحلال والانهيار. ثانيًا: يتميز هذا العلم بأنه موضوعي، فدراسته تقدم للإنسان صورة واضحة المعالم عن ميوله وأهدافه كإنسان في مختلف مراحل العمر, كما أنه يشرح وسائله الخاصة لتحقيق تلك الأهداف. والفرد العادي كثيرًا ما يتهم الآخرين بعيب قد يكون فيه، فقد يتهم سواه بالبخل والأنانية ويكون هو نفسه أشد الناس بخلا وأبعدهم عن الإيثار. والإنسان -عادة- يتغافل عن إدراك حقيقة تكوينه إذ ينظر إليها بعين الكمال وكأنه ملاك، فدراسة هذا العلم تقدم للإنسان هيكله النفسي مجردًا عن عوامل التحريف والألوان والضلال وذلك أدعى ليعرف الإنسان نفسه، وإذا عرف الإنسان نفسه وأدرك ما فيها من نقاط الضعف والقوة، أو الخير والشر، فقد يسعى لتعديل دوافع الشر وتنمية مواطن الخير، وهذا هو الطريق العملي للتكامل الإنساني, وهكذا فدراسة هذا العلم تمهد السبيل أمامنا لتكون أحكامنا على أنفسنا أكثر حيادًا، ومعرفتنا لسلوكنا معرفة موضوعية إيجابية، وذلك ما يفضي إلى فائدة شخصية ذاتية في تحقيق التوجيه أو الوقاية والعلاج النفسي. ثالثًا: إن دراسة هذا العلم تجعل الإنسان عمليًا في علاقاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الاجتماعية مع الآخرين، فلا يطلب منهم أكثر مما يطلب من إنسان يتكون من لحم وعصب وعاطفة وعقل وانفعال وله نقاط ضعفه وقوته, فالآخرين ليسوا ملائكة كل ما فيهم صفاء وكمال وخير, كما أنهم ليسوا شياطين كلهم عدوان وتخريب وشر, وهم أيضًا ليسوا جمادات لا تحس ولا تتجاوب, إنهم كائنات حية إنسانية تحب كما يحب وتغضب كما يغضب، وتدرك كما يدرك، وبذلك لا يسأل الإنسان الآخرين في مجتمعه ما يتسامح به مع نفسه, ولا يترقب من سواه ما يعجز, وبذلك تقوم علاقتنا الاجتماعية على مستواها العلمي الإنساني وتنشأ في أنفسنا القيم الأخلاقية السلوكية التي تعيش في واقع الناس وتكوينهم. رابعًا: يقدم هذا العلم الحقائق التكوينية النفسية التي يستغلها المربون في وضع المناهج وإقامة المؤسسات التعليمية، وتحديد الطرق التدريسية ووسائلها, وقديمًا كان المربون والآباء هم الذين يقترحون المناهج وأساليبها كما يشاءون بعيدًا عن تكوين الطالب, فكانت التربية التقليدية عملية صب للطلاب في قوالب أعدت من قبل, أما التربية الحديثة فقد اعتمدت أولا وقبل كل شيء على الطالب ككائن إنساني ووضعت المناهج ومستوياتها وغاياتها حسب ميوله واسعداده ومستوياته الحسية والعقلية والانفعالية, وكما يفيد هذا العلم في دراسة الطالب في مراحل التكوين حسب سني الدراسة فإنه يقوم بدراسة المدرس والمدير والمفتش باعتبارهم أفرادًا إنسانيين يمرون بمرحلة معينة من مراحل التكوين النفسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 تطور علم النفس النمو مدخل ... تطور علم نفس النمو: دراستنا لتطور هذا العلم بمثابة دراسة منهحية نتعرف فيها إلى المصادر الأولى التي قامت عليها الدراسات القديمة، وهي كذلك دراسة نقدية لنهتدي إلى أخطاء علمية كانت من رواسب الفلسفات الماضية. ومن الممكن أن ننظر إلى نشأة علم النفس النمو بمعناه العام مع نشأة الإنسان في أيامه الأولى, فكان الإنسان يتذكر نفسه يوم كان طفلا، وكيف تقدم حتى غدا راشدًا؟ وكان يلاحظ أيضًا أولاده وإخوته الصغار كيف ينمون في مقتبل العمر, ويلاحظ نفسه كيف يهرم ويشيخ في أواخر العمر. وكيف يتبدل سلوكه ويتغير تبعًا لمراحل العمر في بدئه وأواسطه وختامه. ولكن كان تفكيره آنذاك متأثرًا إلى درجة كبيرة بالآراء الفلسفية والأوهام المتعلقة بجوهر الحياة ومعنى الروح. وقد تدرج علم نفس النمو في تطوره حتى غدا في العصر الحديث علمًا موضوعيًا يستقي حقائقه من الملاحظة المقصودة والتجريب المنظم والقياس والتحليل, ولتقديم صورة أكثر وضوحًا عن تطور هذا العلم ينبغي علينا إلقاء الضوء على التسلسل التاريخي له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 أولا: الأطوار غير العلمية لا تخلو الكتابات الفلسفية من الإشارة إلى سلوك الأطفال، وكيفية نموهم، فأفلاطون على سبيل المثال يشير إلى أهمية التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة، ومدى تأثير ذلك في إعداد الفرد وتكيفه، ففي كتابه "الجمهورية" يشير إلى وجود فروق بين الأفراد من الناحية الوراثية، وطالب باتخاذ الخطوات والإجراءات لكشف إمكانيات كل طفل, وعلى ذلك فإن أساليب تربوية معينة يجب أن تبدأ مبكرًا وفقًا للإمكانات المكتشفة لدى كل طفل. وكانت كذلك لأرسطو بعض الإشارات في النمو الإنساني, إذ كان يرى الحياة تنشأ في الغالب عن طريق المادة والصورة, فالمادة هي عضو التأنيث، والصورة عضو التذكير، وهو يدل على الكمال والعقل، في حين أن عضو التأنيث يدل على النقص والانفعال, ويتم التكاثر باجتماع عضو التذكير مع عضو التأنيث بحسب أحوال الكائنات الحية, فإذا كان فعل عضو التذكير كاملا تامًا فالمولود ذكر، وإن كان ناقصًا فالمولود أنثى, وعمومًا فإن فكرة الحمل والولادة وتحديد جنس المولود ووراثته كانت أمورا محاطة بكثير من الأوهام والسحر, ويرعاها كهنة وسدنة وسحرة أقاموا أنفسهم لذلك. واستمر هذا في أوربا خلال القرون الوسطى المظلمة, أما في الشرق العربي الإسلامي فقد تفتحت أمامه آفاق جديدة بفضل الحضارة الإسلامية العربية التي ازدهرت خلال تلك الفترة من الزمان في أواخر القرن السادس إلى أواخر القرن الثالث عشر من الميلاد, واهتمت الفلسفة الإسلامية منذ القديم بملاحظة التطور النمائي للكائن الآدمي، وما يتصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 به من سمات نفسية وسلوكية، ووضعوا لكل مرحلة نمائية اسمًا خاصًا بها, فأصدق الكتب هو كتاب الله، فيشير إلى نمو الكائن الآدمي من نطفة داخل رحم الأم. وتتطور هذه النطفة وتصبح علقة، وتتطور في صورة مضغة، ثم تصبح عظامًا، ويكسو اللحم هذه العظام, ثم ينشأ خلقًا آخر أي الجنين المكتمل فتبارك الله أحسن الخالقين. والمتأمل في كتابات مفكري الإسلام يجدها مليئة ببعض الأفكار الحديثة والتي تتفق مع نظريات النمو المعاصرة، فآراء الكندي والفارابي وابن سينا وابن خلدون وابن رشد وابن مسكويه في النمو الإنساني لا تخرج في جوهرها عما أتت به نظريات النمو الحديثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث ويدخل علم نفس النمو مرحلة جديدة في العصر الحديث. إذ بدأ مرحلته العلمية في نطاق محدود من ميدان الطفولة، ثم تعداها إلى المراهقة والشباب, وكان الدافع وراء ذلك طبيًا أو تربويًا أو اجتماعيًا, ولعل هذا يفسر لنا قلة المصادر التي كانت تعنى بجميع مراحل النمو النفسي للإنسان, فكل طائفة من العلماء كانت تدرس النمو النفسي في الميدان الذي يعنيها أو المشكلة التي تعترض سبيل الباحث فيها. ولقد استفاد علم نفس النمو في تقدمه العلمي من العلوم الأخرى التي تدرس جسم الإنسان والتي أحرزت تقدمًا ملحوظًا في النهضة العلمية الحديثة للإنسان. فاستعان بكثير مما توصل إليه علم التشريح، والطب الإنساني، وعلم الجراحة، ثم ما قام به علماء النفس أنفسهم من دراسات تتبعية أو تجريبية هدتهم إلى كثير من الحقائق التي تعتبر على الرغم من توافرها لا تزال تمثل النصيب الأدنى من حقائق التكوين النفسي للإنسان. ففي القرن السابع عشر نادى "جون لوك" John Loke بضرورة دراسة الطفل، وذلك لتكون عادات جديدة له تتمشى مع القيم الاجتماعية لجماعته، والعمل أيضًا إلى قمع ميول الطفل الطبيعية التي لا تتفق والعادات الاجتماعية السائدة. ثم ظهر "كومينيوس" Commenuis, J. A. حيث نشر في عام 1657م كتابه "العالم في صور" وقد جمع فيه صورًا وأشكالا ورسومًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لدراسة الطفل في ذاته كطفل، وأكد أن للطفل شخصيته النفسية المتميزة وليس هو رجلا صغيرًا. وفي القرن الثامن عشر جاء الفرنسي "جان جاك روسو" J.J. Rosseau فنادى بأهمية إعطاء الطفل حريته ليفصح بذلك عن ميوله الطبيعية ودوافعه الفطرية. ثم كان "بستالوزي" Pestalozzi حين نشر في عام 1774م مذكراته عن حياة طفلة في الثالثة والنصف من عمرها، وفيها تسجيلا لملاحظاته عن سلوك الطفل, كان عمله دراسة تتبعية لترجمة حياة الطفل ففي مدة محدودة مما مهد السبيل أمام "تيدمان" Tiedemann الذي نشر في عام 1787م تراجم الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم. وفي القرن التاسع عشر كان "فروبل" Froebl الذي يعتبر المؤسس الأول لرياض الأطفال في شكلها الحديث والذي نشر في عام 1827 كتابه عن "تربية الإنسان" الذي سجل فيه ما كان يلاحظه من سلوك الأطفال في البيت والمدرسة خلال سنوات متلاحقة. ثم جاء "تشارلس داروين" C. Darwin الذي عرفه بنظريته الخاصة في النشوء والارتقاء في كتابه أصل الأنواع Origine of Species ونشر كتابه في "سيرة تخطيطية لحياة الطفل" وذلك عام 1877. وتبعه "مندل" G. Mendel في أبحاثه حول قوانين الوراثة مما فتح آفاقًا جديدة في دراسة التكوين النفسي عند الإنسان. وفي غمار تقدم الدراسات التجريبية في وظائف الأعضاء كان "بافلوف" الروسي قد اكتشف الارتباط القائم بين المثير والاستجابة, وكان ما سماه بالفعل المنعكس كابتعاد اليد نتيجة لوخز إبرة, فوخز الإبرة مثير، وابتعاد اليد استجابة, وكان أيضًا ما سماه "بافلوف" بالفعل المنعكس الشرطي، في تجاربه الشهيرة، ولهذه التجارب آثارها العلمية في بعض مباحث علم النفس التكويني الحديث لا سيما في بعض أنماط السلوك والعادات والاتجاهات, وفي عملية التعليم والحفظ والتدريب وانتقال أثر التدريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ولقد استفاد "بروير" Preyer من تلك الدراسات السابقة، فنشر كتابه "عقل الطفل" عام 1882، وقد شرح فيه الأفعال المنعكسة للطفولة عند الميلاد وتفاعل تلك الأفعال بمراحل النمو. وهناك من كبار العلماء النفسيين الذين ساهموا مساهمة فعالة في دراسة التكوين النفسي في جانب آخر منه أمثال: "سيجموند فرويد" Freud Sigmund، ولد عام 1856، وقد عرف بمنهجه في التحليل النفسي، و"واطسون" Watson ولد عام 1878، وكان مساعدًا في تحرير مجلة علم النفس التكويني في نيويورك منذ "1911" حتى "1917"، وكذلك "الفرد بينه" A.Bint الفرنسي "1857-1911"، الذي عرف باختباراته للنمو العقلي للأفراد. وفي أوائل القرن العشرين خطا هذا العلم خطوات واسعة وجريئة معتمدًا فقط على الدراسات التتبعية والاختبارات، وسير الحياة، ودراسة الحالات الخاصة, ومن أشهر هذه الدراسات ما قام بها "هولينك ورث" Holling Wollth H.L في النمو العقلي وانحداره 1927م، ودراسة "جيزل" Gesell حيث درس الطفولة والنمو الإنساني وذلك في عام 1928م، ثم نشرت "جوانف" Goodenough دراسات تجربية في هذا الميدان عامي 1931، 1951. ثم كان "بريسي-كوهلن" حيث درس التكوين النفسي للإنسان في مدى حياته جميعًا 1957م. وبين هذا وذاك قامت دراسات عربية على مستوى الدراسات الجامعية أو على مستوى الأبحاث العلمية ولئن كان بعضها مترجمًا فإن بعضها الآخر حصيلة ملاحظات وتجارب واختبارات قام بها علماء النفس لأغراض نفسية أو تربوية أو اجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الصورة العامة لتطور النمو : يذهب "لاوتون - 1943" إلى أن مدى حياتنا مقسم إلى مفترات، لكل فترة مشكلاتها الخاصة بالتوافق، وهذه الفترات العمرية لا تترابط على نحو سطحي إذا تغيرت المشكلات. إنها طريقة التصدي لتلك المشكلات التي يحتمل أن تظل كما هي، وخلال مدى الحياة, ينمي الناس وسائل تناول هذه المشكلات بعض هذه الوسائل ملائمة وكافية، والأخرى غير ملائمة وغير مجدية، أو قد تكون الطريقة ملائمة لمرحلة عمرية ولا تلائم الأخرى، وحينما تحدث التغيرات، فإنها تعتمد على حاجات الفرد عند تلك المرحلة المعينة من نموه "روينوف - 1933". تبين الدراسات العلمية على الأطفال أنه في الأعمار المختلفة تتم أشكالا عامة للنمو تميز مرحلة عمرية معينة من المرحلة السابقة والمرحلة اللاحقة, وحينما ينتقل الطفل من مرحلة نمائية إلى مرحلة أخرى، تكون هناك انتقالة تدريجية في التأكيد على الشكل المسيطر للنمو الحادث في تلك الفترة، وبالرغم من أنه لا يوجد خط قاطع بين المراحل في تلك الفترة، وبالرغم من أنه لا يوجد خط قاطع بين المراحل المختلفة، إلا أنه من الممكن استنادًا إلى البينة المستخلصة من دراسات مجموعات كبيرة من الأطفال أن نحدد نمائية أساسية، تتميز بشكلها الخاص في النمو الذي يفوق في الأهمية بقية النمو الحادث في تلك الفترة. ومع ذلك، تشهد الدراسات في علم النفس تقسيمات متعددة لمراحل النمو، استنادًا إلى خصائص بارزة معينة تتميز بها كل مرحلة من هذه المراحل، ومن هذه التقسيمات الشائعة ما يستند بدرجة كبيرة على الخصائص الجسيمة للنمو كأساس للتقسيم مثل التقسيم الآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 إلا أنه، بالرغم من شيوع هذا التقسيم فيما كتب عن النمو، إلا أنه يلاحظ أن العلاقة غير قوية بين هذه الأقسام والطريقة المألوفة في تنظيم المدارس في شتى أنحاء العالم لأغراض التعليم, وبوجود الفروق الفردية يجعل سائر الأعمار المبينة أمام مختلف المراحل غير دقيقة، كما أن الفروق في الحاجات المميزة لكل مرحلة ليست بالغة الضخامة وإن كانت تساعد على رسم الخطوط العريضة للتنظيم. أما علماء النفس من أنصار التحليل النفسي، فيؤكدون الأحداث الجسمية والاجتماعية المتصلة بالتغذية والإخراج والإنجاب، وكلها نواح تحظى بقسط كبير من التأكيد في تنشئة الطفل الاجتماعية حتى يتوافق تطوره مع المقتضيات، ويشيرون إلى التقسيم الآتي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وقد استخدم تصنيف النمو وفقًا لاتجاه التحليل النفسي في مجال محاولات وصف تطور الشخصية وفهم أسباب الاضطراب أو الخلل، وتحليل خلق الراشد باعتباره يمثل مظاهر مرحلة معينة على غيرها، وتفسير الظاهرة المرضية النفسية على أنها نكوص إلى مراحل طفلية سابقة. وبالرغم من تعدد تصنيفات مراحل النمو بتعدد الأسس التي قامت عليها، إلا أن أكثر هذه التصنيفات شيوعًا تلك التي تستند على الخصائص الجسمية ويمكن إيجازها فيما يلي. مرحلة ما قبل الميلاد "من الإخصاب إلى 280 يومًا": تمتد هذه الفترة منذ لحظة الإخصاب، حيث ينتج عن اتحاد البويضة بالحيوان المنوي كائن فريد إلى حد كبير على الرغم مما سيكون بينه وبين أسلافه وأبويه وإخوته وأخواته من تشابه أساسي, والطفل في فترة الحمل يعتبر من الناحية السلالية مالكًا لآلاف السنين من الحياة البشرية، والطفل في بطن الأم يكون في حماية تامة، فهو محصن نسبيًا ضد الأذى الذي ينجم عن عدم كفاية الغذاء، ولكنه يستطيع أن يخل بتوازن الحالة الغذائية عند الأم, ومع ذلك يتأثر تكوين الجنين بالحالة الصحية والنفسية العامة للأم، فقد يؤدي تعرض الأم لبعض الأمراض الجسمية أو استخدام بعض العقاقير إلى أحداث إصابات في بنية الجنين مما يؤدي إلى إحداث تلف في مراكز المخ أو غير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الطفل حديث الولادة "الأسابيع الأولى بعد الولادة": تبدأ هذه المرحلة مباشرة بعد قطع الحبل السري وتستمر ما بين 15، 20 يومًا. ويبدأ الطفل في هذه المرحلة بالتكيف لظروف الوسط الخارجي في المحيط الجديد له بعد انتقاله من بطن الأم إلى هذا العالم الخارجي، فمنذ هذه اللحظة يتوقف إمداد الأم للطفل بالأكسجين والحرارة والتغذية بواسطة الحبل السري، ويبدأ الطفل بالرضاعة من ثدي أمه، ويتنفس الهواء عن طريق الرئتين، كما يقوم بحماية نفسه عن طريق تنسيق وتنظيم درجة الحرارة ما بين جسمه والوسط الخارجي بالرغم من أن هذا التنسيق يكون ناقصًا في هذا الوقت, ويبدأ الجسم بتكوين الأجسام المضادة ضد مختلف الأمراض المعدية، كما يتم في هذه المرحلة أيضًا سقوط الحبل السري. وتتميز هذه المرحلة بكون وظائف جسم الطفل لم تكتمل بعد لعدم نضوج الجهاز العصبي المركزي وخاصة لحاء المخ، ولذلك فإن الطفل يحتاج إلى عناية خاصة دقيقة. وتختلف مدة هذه المرحلة، مرحلة تكيف الطفل لظروف الحياة الجديدة، من طفل لآخر، ولذلك لا توجد حدود ثابتة تفصل هذه المرحلة عن المرحلة التالية، وقد تستمر عملية التكيف عند بعض الأطفال أكثر من 20 يومًا. عندما يولد الطفل يتحول من جنين إلى وليد وتستمر هذه الفترة حتى نهاية الشهر الثاني من عمره، وفي غضون تلك الفترة يعتمد الوليد اعتمادًا كليًا في تغذيته ورعايته على أمه. ويقضي الطفل حديث الولادة الجزء الأكبر من وقته في النوم "حوالي 20 ساعة يوميًا", وقد قامت "شارلوت بهلر" Buhler و"هتزر" Hitzer بدراسات عديدة على الأطفال في مراحل سنية مختلفة، وقاما بتسجيل كل ما يقوم به الطفل في غضون يومه، واستخلصا من دراستهما إلى حدوث أشياء معينة في المجال اليومي لكل مرحلة من العمر، وبالنسبة للطفل حديث الولادة فقد وجد أنه يقضي حوالي 80% من ساعات يومه في النوم، أما الجزء الباقي فيكون موزعًا كما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أ- حالة النصف إغفاءة, وهو الوقت الذي لا يكون فيه الوليد مستغرقًا تمامًا في النوم ولا في تمام اليقظة. ب- استجابات سلبية، وهي عبارة عن تلك الاستجابات الناتجة عن الخوف من المثيرات العنيفة أو المفاجئة والتي لا يكون الطفل متهيئًا لها. وهي عبارة عن كل مثير مفاجئ أو صوت عال مفاجئ أو صرخة حادة أو اختلال في التوازن "فقد السند"، كما يدخل تحت نطاق تلك الاستجابات السلبية الصراخ والبكاء والذي يرجع أسبابه -في أغلب الأحيان- إلى الجوع أو البلل أو التبرز أو القيء وأحيانًا أخرى إلى أسباب غير معلومة. جـ- تناول الطعام "الرضاعة"، في الفترة التي يقضيها الوليد الحديث متيقظًا يقضي معظمها في عملية الرضاعة, وكذلك القيام ببعض الحركات, واستقبال بعض المثيرات الحسية التي تقع على حواسه المختلفة. مرحلة المهد "من أسبوعين إلى العامين": وهذه المرحلة تمثل فترة العجز بسبب ضرورة اعتماد الطفل تمامًا على الآخرين لإشباع حاجاته, وبالتدريج يصير الطفل أكثر استقلالية من خلال تعلم ضبط عضلاته لكي يستطيع أن يقوم بتغذية نفسه، وأن يمشي وأن يلبس نفسه، وأن يتكلم، وأن يلعب. ويكون وزن الطفل الوليد حوالي 7 أرطال، ويزيد وزن الذكور عن الإناث بمقدار نصف رطل تقريبًا, والفروق الفردية في الوزن كبيرة، وقد يحدث نقص بسيط في الوزن عقب الولادة مباشرة، ولكنه يستكمل عادة بعد ذلك بأسبوع أو أسبوعين، ثم تزداد سرعة النمو فيبلغ الوزن في الشهر الخامس ضعف ما كان عليه، وفي نهاية السنة الأولى ثلاثة أمثاله, أما طول الوليد عند الولادة فيكون حوالي 20 بوصة في المتوسط، ويزيد بمقدار 10 بوصات تقريبًا في السنة الأولى، وتظهر أولى الأسنان بين الشهرين السادس والسابع, ولكن الفروق في هذه الناحية كبيرة جدًا، ولا تكتمل المجموعة الأولى من الأسنان اللبنية أو المؤقتة إلا في حوالي السنة الثانية من العمر. وتتميز مرحلة المهد بصفة عامة بالنمو السريع واستمرار تطور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 جميع أجهزة وأعضاء جسم الطفل، ولذلك يحتاج الطفل إلى كمية كبيرة من الطعام بالنسبة لوزنه، ويجب أن نتذكر أن وظيفة الجهاز الهضمي لا تزال في هذه المرحلة في دور النمو، ولذلك يجب أن تكون تغذية الطفل منسجمة مع مدى نضج جهازه الهضمي وإلا حدث اضطراب في عمل هذا الجهاز، يستمر في هذه المرحلة أيضًا نمو الجهاز العصبي المركزي وخاصة لحاء المخ. وسرعان ما يأخذ الطفل في هذه المرحة في تعلم الاستجابة للمثيرات المرتبطة باهتمام الكبار والصغار به جسميًا واجتماعيًا في البيت, فالطفل وإن كان كائنًا حيًا متكيفًا بذاته إلا أنه يعتمد أيضًا في تنشئته على بيئته بدرجة كبيرة, فاختلال التوازن في عملياته الجسمية يدفعه إلى الصراخ الذي يجعل الآخرين يستجيبون له. فإذا لم يظفر الطفل بالعناية إلا إذا صرخ فقط، فقد يتخذ من الصراخ وسيلة لجذب الانتباه إلى نفسه. أما إذا لقي اهتماما به وهو يناغي أو يقرقر، أو عندما يكون سعيدا فإن المناغاة والقرقرة قد تغدوان أيضًا طريقة مكتسبة للحصول على الاهتمام الاجتماعي. وتتميز هذه المرحلة أيضًا بنمو جميع الوظائف التوازنية نموًا تامًا، كما تتصف بالنمو السريع للحاء النصفين الكرويين للمخ، الذي ينتج عنه بدء مركز التكلم في القيام بوظيفته فلا يقتصر الطفل على نطق بعض المقاطع والألفاظ بل يستطيع تركيب الجمل من الكلمات المفردة، وهكذا تأخذ لغته في النمو تدريجيًا. مرحلة الطفولة المبكرة "من 2-5 سنوات": يستمر في هذه المرحلة نمو أجهزة جسم الطفل وتتطور قدرته العقلية، ويزداد تطور وظائف المخ. وتتميز هذه المرحلة بمعدل سريع في مسار النمو، يشمل مكونات النمو المختلفة الجسمية، والعقلية، والانفعالية والاجتماعية. ففي هذه المرحلة يكون الطفل قد تعلم الاتصال الحسي الحركي في عملية المشي والحركة، وتناول الأطعمة الصلبة، كما تأخذ حصيلته اللغوية وعادته الكلامية في النمو، وتتخذ عملية التخلص من الفضلات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 عنده صيغة اجتماعية، ويكتسب الحياء، وينمي مدركاته عن العالم الاجتماعي والمادي، ويرتبط انفعاليًا برفاقه، ويأخذ في التمييز بين الصواب والخطأ. ولهذا فإن إتاحة الفرص الملائمة للنمو الكامل في الطفولة المبكرة تعتبر على أكبر جانب من الأهمية بالنسبة للمراحل التالية. ويمكننا تخليص أهم مظاهر النمو من هذه المرحلة فيما يلي: 1- يتم في السنة الأولى للطفل كما سبق أن ذكرنا سيطرته على حركة ساقيه وقدميه وحركة الإبهام والسبابة, كما يتمكن من جذب الأشياء ودفعها من الوقوف منتصبًا, أما في السنة الثانية فيتمكن من المشي والجري ويستعمل كلمات وجمل بسيطة ويتمكن كذلك من سيطرته على حركة المعدة والمثانة ويبدأ في تكوين فكرة عن نفسه. 2- أما في السنة الثالثة فيتمكن من التعبير عن نفسه في جمل مفيدة، ويبدي استعدادًا لفهم البيئة المحيطة به والاستجابة لمطالب الكبار، ولا يصبح بالتالي مجرد طفلا صغيرًا. 3- وفي السنة الرابعة يسأل الطفل أسئلة كثيرة ويمكنه إدراك التجانس والتشابه. ويصل إلى مرحلة من التفكير يتمكن فيها من التعميم كما يتمكن فيها من الاعتماد على نفسه في الأعمال الروتينية اليومية. 4- وفي السنة الخامسة يتم نضجه الحركي فيقفز ويقوم بالكثير من المهارات الحركية الأخرى ويتحدث حديثًا خاليًا من لكنة الأطفال، كما يجد نوعًا من الكبرياء في ملبسه ومظهره، وما يقوم به من أفعال ويكتسب ثقة في نفسه ويصبح مواطنا صغيرًا في عالمه الخاص. ولأهمية هذه المرحلة بالنسبة لمسار النمو في المرحلة التالية، يؤكد علماء النفس والتربية على ضرورة الاهتمام بدور الحضانة خاصة مع متغيرات هذا العصر وخروج المرأة إلى العمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مرحلة الطفولة الوسطى "من 6-10 سنوات": تتصف هذه المرحلة بحدث خطير في حياة الطفل, ويتمثل في التحاقه بالمدرسة في حوالي سن السادسة وما يتوفر له من تنظيم عوامل استثارة النمو بالخبرات المدرسية والتربوية الملائمة. ويصف علماء النفس التشريح هذه المرحلة بأنها فترة كمون نسبي في معدل النمو، ففيها يأخذ النمو في الإبطاء ويكون الجهاز التناسلي قد بلغ حوالي 19% من حجمه عند الشخص الراشد, ويبلغ الجسم في مجموعه ما يقرب من 42% والمخ والجهاز العصبي 90%، والجهاز الليمفاوي أيضًا90% والواقع أن كل أجزاء الجسم تستمر في النمو في الطفولة الوسطى، غير أن مدى زيادة النمو في وحدة الزمن يكون بسيطًا، كما أن أثره في التدرج نحو النضح لا يلفت النظر، ويتم في هذه المرحلة نمو معظم أعضاء الجسم، وتسقط الأسنان اللبنية وتظهر محلها الأسنان الدائمة. وإبان هذه المرحلة يزداد النمو في النمط الليمفاوي "الغدة التيموسية، والغدة الليمفاوية، الكتل الليمفاوية المعوية" فالمادة النسيجية كاللوزتين مثلا تبلغ في نموها حجمًا ضخمًا ثم تضمر، وكذلك تفعل الغدة التيموسية فإنها تأخذ في الضمور قرب مرحلة البلوغ. ويبلغ المخ والحبل الشوكي معظم تطورهما في هذه المرحلة, ولذا فإن الكثير من المهارات اللغوية والحركية الهامة يتم اكتسابه فعلا بدخول الطفل المدرسة. وتتصف هذه المرحلة بنمو الأعضاء التناسلية عند الذكور والإناث من الأطفال بمعدل أبطأ من معدل نمو سواها من أجزاء الجسم. غير أنه من الخطأ أن نفترض غياب كل المشاعر والميول الجنسية، فإن الكثيرين من الناس يرجعون بمعلوماتهم وخبراتهم المبكرة في هذه الناحية إلى مرحلة الطفولة الوسطى, وإذا كان الكثير من الآباء يميل إلى تسويف أي خطة للتربية الجنسية، إلا أنهم يفاجئون بأن الطفل قد حصل من رفاقه وملاحظاته وقراءاته على طائفة شتى من المعلومات في هذه الناحية. ويتضمن النمو في هذه المرحلة تعلم المهارات الجسمية اللازمة للألعاب العادية ولتكوين اتجاهات سليمة نحو الذات ككائن حي نام، وتعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 الوفاق مع الغير، والدور الاجتماعي لكل من الرجل والمرأة وتنمية المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، والمفاهيم الضرورية للحياة اليومية، وتنمية الضمير والخلق ومعايير القيم، وتحقيق الاستقلال الشخصي، وتنمية الاتجاهات الاجتماعية. بالرغم من أن مرحلة التعليم الابتدائي تقسم عادة إلى مرحلتين، الطفولة المتوسطة من 6-9 سنوات، والطفولة المتأخرة من سن 9-12 سنة، إلا أن "روبرت هافيجهرست" يعتبرها مرحلة واحدة، وتتصف هذه المرحلة عامة بالتعبيرات التالية: 1- يشعر الأطفال عادة في هذه السن برغبة أكيدة في تحقيق الذات وسط عالم الكبار لتبلور فكرتهم عن أنفسهم ورغبتهم في تأكيد ذواتهم مما يؤدي إلى سعيهم إلى الحذر من الكبار في تصرفاتهم والتكتم فيما يقومون به أو يفعلونه. 2- تتميز هذه السن ببدء انطلاق الطفل من المنزل فيصبح إرضاء الأصدقاء أهم من إرضاء الآباء أو الكبار. 3- يتميز الطفل في هذه السن بالنشاط والطاقة الزائدة مما يؤدي به إلى قضاء أكثر وقته خارج المنزل في اللعب ويصعب على الكبار انتزاعه من بين أصدقائه في اللعب؛ لذا قلما يلج المنزل إلا عندما يشعر بالجوع ويقوم بذلك وهو كاره لتركه أصدقائه في اللعب. 4- يأخذ الأطفال في هذه السن الأمور بجدية تامة ويتوقعون الجدية من الكبار, لذا نراهم في حاجة إلى المعاملة الثابتة الخالية من التذبذب. 5- تعتبر هذه المرحلة حدًا فاصلا بين المرحلة السابقة لها والتي كان فيها طفلا يعامل كطفل، والمرحلة التي تليها والتي يشب فيها عن الطوق، لذا يشعر طفل المدرسة الابتدائية بأنه لا ينتمي إلى عالم من هم أصغر منه ولا عالم من هم أكبر منه مما يؤدي إلى صعوبة التعامل معه ويزيد من مشقة الحصول على المعلومات من الأطفال في هذه السن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 مرحلة الطفولة المتأخرة "10-12 سنة": تتحدد أهمية هذه الفترة بأنها مرحلة انتقالية بين الطفولة، والمراهقة مرحلة تهيئة للتغيرات الجذرية السريعة التي تأتي مع البلوغ. في هذه المرحلة "الفترة" العمرية يكون الطفل عادة في الصف الخامس أو السادس من المدرسة الابتدائية، ونشاط النمو في هذه المرحلة استمرار لما حدث في المرحلة السابقة، ومن ثم تزيد معظم المدارس من اهتمامها باكتساب التلاميذ للمهارات والمعلومات والاتجاهات، وتعنى المدارس الحديثة بتأكيد المعنى والدافع في طرق التدريس، في حين ينصب التأكيد في المدارس التقليدية، على المادة أو الاستظهار والتدريب الشكلي، ونظرًا لأن هذه المرحلة تتميز بالنمو السريع وبظهور الخصائص الجنسية الثانوية فإن العادات والتقاليد الاجتماعية تصبح عاملا من عوامل تحديد العلاقات الاجتماعية بين البنين والبنات وتعديلها. مرحلة المراهقة "من 12-20 سنة": وهي مرحلة البلوغ الجنسي ويكتشف الأطفال في الفترة من هذه المرحلة مع مراعاة ما بينهم من الفروق الفردية، عن كثير من الخصائص الجسمية التي تنبئ بنضج الوظائف الجنسية، ومن ذلك التغيرات السريعة في الخصيتين والمبيضين والتغيرات الهامة في توازن هرمونات الذكورة وهرمونات الأنوثة. وفي هذه المرحلة يبلغ التنظيم الوظيفي للمخ Anesation Brain Funclional الحد الأقصى لنموه وتطوره، وتزول الغدة التيموسية Thymus وتبدأ الغدد التناسلية في العمل، كما تأخذ الوظائف الجسمية في النضوج نحو الذكورة أو الأنوثة. ومما تجدر الإشارة إليه، أن المسار الصحيح للنمو -كعملية متعاقبة- مستمرة متكاملة، مركبة منفردة يعتمد اعتمادًا بالغًا على التوجيه الأمثل لعملية التغير، وعلى عوامل استثارة النمو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 مفهوم المراحل في علم نفس النمو : تبقى أخيرًا مسألة المراحل في علم نفس النمو، وهل صحيح أن نمو الطفل يمر بمراحل زمنية معينة كما يشير إلى ذلك بعض علماء سيكولوجية النمو؟ إن الجواب عن هذا السؤال ليس بالأمر اليسير باعتبار أن مفهوم المراحل ما يزال غامضًا في علم النفس، وإن الاختلاف في الآراء والنظريات قائم حتى الآن بين علماء النفس, ومؤتمر علم النفس الذي عقد في جنيف لعام 1955، يشير بوضوح إلى هذا التناقض والغموض، "إن علم النفس التكويني هو بالفعل كما يقول بياجيه في وضع متناقض فيما يتعلق بتحديد المراحل", وجميع العلماء الذين يدرسون نمو الطفل يجدون أنفسهم مجبرين على اتباع المراحل الطبيعية أو المتفق عليها من خلال التطورات الحاصلة في نمو الطفل, والسؤال المطروح الآن، كيف يحدث النمو؟ هناك نظريات مختلفة في هذا الموضوع سنكتفي بأهمها ونعني بذلك نظرية "بياجيه" ونظرية "فالون" وما يهمنا في هذا الموضوع ليس النمو الجسمي أو البيولوجي عند الطفل بل النمو العقلي ونمو الشخصية.. وإذا كان النمو البيولوجي يتم بصورة متدرجة ومستمرة ولكن بدرجات مختلفة، فإن النمو السيكولوجي قد يكون مشابهًا أو موازيًا للنمو البيولوجي الذي يبدأ منذ تكوين الجنين ويستمر حتى الثامنة عشرة. إن "فالون" Wallon ينظر إلى النمو على كونه مجموعة من المراحل تحدث فيها فترات من الراحة تعقبها قفزات في النمو, وهذه القفزات يطلق عليها "فالون" اسم "أزمات النمو", والنمو المقصود هنا ليس زيادة سنتيمترات في الوزن والحجم والقامة, أي إن النمو ليس زيادة في الكمية بل في الكيفية وفي حدوث وظائف جديدة عند الطفل, والنمو وحدة دينماميكية تتم عبر مراحل متعددة ينتقل فيها الطفل من حالات الضعف والتفكك إلى مرحلة الرجولة, ويعتقد "فالون" أن الانتقال من مرحلة نمو سابقة إلى مرحلة جديدة لا يتم دون حدوث تحولات مفاجئة, وهذا لا يعني انتفاء المرحلة السابقة، وإن النمو يتم بصورة أفقية أو على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 شكل خط مستقيم, ويمكن للقارئ لزيادة المعلومات أن يطالع كتاب "فالون" عن "التطور السيكولوجي عند الطفل"، وكما توجد هناك فترات من النوم وفترات من اليقظة أو النشاط في حياة الكائن البشري، فإن النمو عند "فالون" يشبه إلى حد بعيد هذا التعاقب بين الهدوء والنوم من جهة وبين النشاط والتأزم من جهة, وهذا التعاقب القائم على التحولات الوظيفية يتم خلال مراحل متعددة: "مرحلة الجنين, مرحلة الولادة, المرحلة الانفعالية أو التعبيرية قبل بداية اللغة, المرحلة الانعاكسية المتجه نحو الأشياء, ومرحلة التأزم الشخصي في الثالثة ... إلخ". أما النمو عند "بياجيه" فهو سلسلة متصلة الحلقات بحيث تعتبر كل مرحلة امتدادًا للمرحلة السابقة وتمهيدًا للمرحلة التالية, وهذا يعني أن النمو متدرج ومستمر ولا يقوم على مبدأ التعارض أو التناقض والتأزم كما هو الحال مثلا عند "فالون". وفيما يتعلب بالتطور العقلي. هناك إنباء في كل مرحلة، وهذا الإنباء يتطور في المراحل التالية وينتقل من حالة الغموض والتوازن الضعيف أو المختل إلى حالة الوضوح والتوازن المتكامل, فهناك الذكاء الحسي الحركي، وهناك الذكاء الحدسي والذكاء المحسوس أو العملي وأخيرًا الذكاء المجرد, وإذا قسم "بياجيه" النمو إلى مراحل وحاول أن يحصرها في حدود زمنية، فهذا لا يعني أن تلك الحدود واحدة وشاملة ومشتركة عند جميع الأطفال في المجتمعات المختلفة. إن العمليات العقلية المتبادلة والتي تبدأ مثلا في السابعة عند الطفل السويسري قد تتغير عند الطفل المصري أو الأفريقي باعتبار أن ظروف الحضارة والمجتمع بما في ذلك الأسس السيكولوجية مختلفة تمامًا, يضاف إلى ذلك أن العينات التي درسها بياجيه لم تكن ممثلة وكبيرة وشاملة, إذا اكتفى بدراسة بعض الأطفال في مدينة جنيف، وكان العدد قليلا بحيث لم يتجاوز العشرين أو المائة في دراسة كل مرحلة، ثم لم تتناول دراسات بياجيه الأطفال في مختلف مناطق سويسرا, وهذا يعني أن العينة لم تكن ممثلة ولا تسمح باستخلاص النتائج والتعميمات, وإذا ألقينا نظرة على الدراسات الأنثربولوجية والسوسيولوجية، فإننا نرى بأن مراحل النمو تختلف من مجتمع إلى آخر ولا يمكن بالتالي حصرها في سنة معينة. فالمراهقة التي تبدأ بصورة عامة في حدود 12-14 في المجتمعات الأوربية نرها تبدأ في حدود العاشرة مثلا في البلدان الأفريقية, وأزمة المراهقة التي تكلم عنها علماء النفس الغربيون قد لا نجدها في بعض المجتمعات كما هي الحال مثلا في جزر الساموا بحيث لا توجد روادع جنسية وأخلاقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وكذلك عقدة أوديب قد لا نجدها في بعض المجتمعات, وهذا يتوقف على طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الطفل والأهل, ففي جزر تروبرياند تنصب عقدة أوديب على الخال وليس على الأب باعتبار أن الخال هو الأب الروحي والمسئول عن تربية الأطفال، ولا يمكن تحديد دور الأب نظرًا لتعدد علاقة الأم بالجنس الآخر, وإذا كان علماء النفس في أوربا ومنهم "بياجيه" قد عمدوا إلى تقسيم النمو إلى مراحل، فإن هذا الحماس لم يكن واردًا وبنفس الدرجة عند علماء النفس في أمريكا. إن جيزل Gessell الذي يعتبر من أئمة علماء النفس التكويني لم يحدد بوضوح مراحل النمو المختلفة عند الطفل, بل يكتفي بدراسة النمو وعلاقة الطفل مع الآخرين منذ الولادة وحتى العاشرة, ومن العاشرة وحتى السادسة عشرة, وهو يتكلم عن الخصائص المميزة لكل سن, ويعتقد بوجود أزمة في النمو تبدأ في السادسة تقريبًا بحيث ينتقل الطفل من البيت إلى عالم المدرسة. وإذا كان "فالون" يعتبر مثلا أن سن الثالثة هي مرحلة تأزم في شخصية الطفل تعرف بأزمة المعارضة، فإن علماء النفس يختلفون في تظرياتهم وتفسيراتهم, فمنهم من ينظر إلى النمو من وجهة التحليل النفسي كما فعل فرويد وأتباعه, ومنهم من ينظر إليه من ناحية التداخل الاجتماعي والانفعالي، ومنهم من ينظر إلى الموضوع من زاوية التطور العقلي والعمليات العقلية, ولا يمكننا الآن الدخول في التفاصيل. ولكن كيف يحاول "بياجيه" الخروج من المأزق؟ وهل تقسيماته للنمو العقلي لا يمكن الاعتماد عليها لأنها ليست شاملة؟ إن المحور الأساسي عند "بياجيه" ليس الحدود أو التقسيمات الزمنية التي تتبدل وتتغير بالنسبة للأطفال والمجتمعات، ولكن تفكير "بياجيه" يرتبط بنظام التدرج أي تدرج العمليات العقلية ومرورها بمراحل تطور ثابتة, فهناك في المرحلة الأولى الذكاء الحسي الحركي، يليه الذكاء الحدسي فالذكاء المحسوس، وأخيرًا الذكاء المجرد, وإن معظم اختبارات "بياجيه" التي سيرد ذكرها فيما بعد تشير بوضوح إلى هذا التدرج الثابت في تطور العمليات العقلية، والبناء العام هو حصيلة البناءات العديدة المتدرجة والتي تصل أخيرًا بالطفل إلى درجة التوازن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 والتفكير المنطقي, وينظر "بياجيه" إلى المراحل على كونها وسيلة أو أداة ضرورية لدراسة وتحليل العمليات العقلية, لذا لا تشكل المراحل هدفًا بحد ذاتها بل هي وسيلة لتسهيل الدراسة, ولكن هذا الرأي ليس مشتركًا بين علماء النفس الذين ينظرون إلى الموضوع من وجهات نظر مختلفة كما ذكرنا, لهذه الأسباب وغيرها لا يمكننا في الوقت الحاضر أن نتحدث عن وجود مراحل عامة ثابتة وبصورة مطلقة، والأبحاث المقبلة قد نجد جوابًا لهذه المسألة المعلقة. فإن قسمت حياة الإنسان إلى مراحل فهذا فقط من أجل الدراسة, فنمو الكائن الإنساني سلسلة متصلة من الحلقات تتأثر بما قبلها وتؤثر فيما بعدها، وعلى ذلك فنظرتنا نظرة متكاملة كلية وليست نظرة جزئية لمراحل النمو الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني مدخل ... الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني كلما تقدم الوليد الإنساني في مدارج النمو، كلما لاحظنا حدوث تغيرات في جوانبه الجسمية والسلوكية، فالطفل ينمو جسميًا حيث يصبح أكبر من ذي قبل، كما أن نسب جسمه تتغير ويصبح تدريجيًا أقوى, قادرًا على إجراء استجابات أكثر تركيبًا وتعقيدًا ويمكنه تناول المشكلات الأكثر تعقيدًا, بالإضافة إلى أنه ينمي ميولا واتجاهات وقدرات مختلفة. ويهتم معظم دراسي علم النفس النمو بوصف وتفسير هذه التغيرات التي تحدث للوليد الإنساني كلما تقدم في عمره الزمني، ويرون أن هذه التغيرات النمائية ما هي إلا سلسلة متدرجة من المراحل النمائية، كما أن البعض يرجع هذه التغيرات إلى أسباب سيكولوجية، ومنهم من يرجعها إلى أسباب بيئية، وفرق يرجعها إلى التفاعل بين الأسباب الوراثية والأسباب البيئية معًا. وعمومًا، سنتأمل سويًا في ثنايا هذا الفصل محددات سلوك الوليد الإنساني كما سنتعرض لبعض النظريات التي حاولت تفسير حدوث التغيرات عند الطفل سواء في جوانبه الجسمية أو السلوكية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 النضج Maturation: إن بعض التغيرات التي تحدث مع تقدم العمر الزمني قد تعزى إلى الوراثة البيولوجية، بالإضافة إلى حقيقة أننا كآدميون، حيث نجد هذه التغيرات تجعلنا مختلفون عن سائر الكائنات الحية الأخرى، فالطفل في نموه يصبح إنسانًا راشدًا، كما أن المواد الوراثية المكونة في كل خلية يمكن أن تتحكم في بعض جوانب النمو التي تحدث للوليد البشري، وهذا النمو يحدث مستقلا من التفاعل مع البيئة. بمعنى أنه يغفل التأثيرات الخارجية وفي تلك الحالة يسمى بالنضج, وسوف نرى في نهاية هذا الفصل بعض الميكانزمات النوعية والتي من خلالها تتحكم الوراثة في النمو الإنساني، كما سنرى أن ثمة تعويق في المواد الجينية المسببة بواسطة بعض العوامل كالفيروسات وأشعة x وكيماويات أخرى يمكن أن تغير وتبدل وبصورة متطرفة مجرى النمو الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وتشير "هيرلوك" Hurloc 1972 أن مجريات النضج تحدد وتؤثر على النمو، أو على الأقل تضع المحددات العامة للنمو، ومع ذلك فإنه بالنسبة لمعظم الكائنات البشرية نرى أن محددات النضج لا تقابل وتواجهه بصورة كلية، حيث أننا لا نصل مطلقًا إلى إمكاناتنا الحقيقية. والنضج يؤثر على أنماط النمو المختلفة، سواء منها السلوكية أو الجسمية، ويشير كثير من علماء نفس النمو أن أنماطًا سلوكية إنسانية عديدة، تنمو من خلال النضخ فالقدرة على المشي مثلا، نجدها تتأثر بالحد الأدنى، فقط بخبرة التعلم, ويستدلون على ذلك بنتائج دراسات أطفال الهوبي Hopi بالهند، حيث نجد الأمهات قد اعتدن على ربط أطفالهن على ألواح خشبية هزازة حيث يمكن حملهم على ظهورهن، ويظل أطفال هذه القبائل مرتبطون بهذه الألوالح والأحبال أغلب الوقت خلال الثلاثة أشهر الأولى من حياتهم. ونتائج دراسة "ماسون" Mussen 1973 تشير إلى أنه على الرغم من أن هؤلاء الأطفال لم يستطيعوا تحريك أرجلهم عندما يحملون على طهور أمهاتهم، وبالتالي لم يكن لديهم الخبرة في استعمال العضلات المتطلبة في المشي, إلا أنه وجد أنهم عندما ينتزعون من تلك الألواح الخشبية الهزازة فإنهم يمشون في نفس العمر الزمني للأطفال الآخرين تقريبًا. جملة القول أن فقدان فرصة التدريب الحركي للأذرع والأرجل لهؤلاء الأطفال لم يعق نمو المشي عندهم, وجدير بالذكر فإنه منذ لحظة الحمل نجد الجنين النامي يتفاعل في طرق معينة مع البيئة، وعمومًا يؤدي التفاعل بين الطفل والعالم الخارجي إلى تغييرات سلوكية، نقول حينئذ أن التعلم قد حدث, والكائنات الإنسانية يمكنها أداء أشكال بسيطة جدًا من التعلم حتى قبل الولادة SPelt؛ "1948" ومع ذلك فمن الصعب للغاية بالنسبة للسيكولوجيين تحديد أي السلوك يعزى إلى النضج وأي منها يرجع إلى التعلم, وبصورة واضحة فإن النضج والتعلم يرتبطان بصورة وثيقة في تأثيراتهما على النمو الإنساني, فالنضج يفسر التشابهات الكثيرة بين الكائنات البشرية، كما أن العلاقة بين النضج والتعلم تلقي الضوء على تفرد سلوك الكائن الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ولقد استخدم كثير من علماء نفس النمو مثل "جيزل وتمبسون" Gesell & Thomposn؛ "1929", ستراير Strayer وهليجارد Hilgard؛ "1933" التوائم المتماثلة للتمييز بين تأثير التعلم والنضج على النمو الإنساني, وتلك التوائم المتماثلة يكون لديها نفس الجينات الوراثية، فإن الاختلافات الملاحظة في أنماط سلوكهم يمكن أن تعزى إلى خبرات الحياة المختلفة, وأشارت نتائج الدراسات سابقة الذكر إلى وجود اختلافات سلوكية كثيرة عند التوائم المتماثلة كما وجدوا كذلك كثيرًا من التشابهات, ويجب أن نشير إلى أن التشابهات السلوكية عند التوائم المتماثلة لا يمكن أن نرجعها إلى العوامل الوراثية فقط، وبغض النظر عن التأثيرات البيئية، حيث نجد في أغلب حالات التوائم المتماثلة أنهم يقضون وقتًا طويلا معًا, وغالبًا ما يذهبا إلى مدرسة واحدة أو يوضعا في فصل دراسي واحد، كما أن لديهم سجلا صحيًا متشابها، وبصورة عامة يتقاسمون بيئة مادية واجتماعية متشابهة, وعلى ذلك فإن التأثيرات البيئية متشابهة بدرجة كبيرة أو على الأقل في بعض جوانبها بالنسبة للتوائم المتماثلة, وعلى ذلك فإننا لا نستطيع التأكد أن التشابه في سلوك التوائم المتماثلة يعزى إلى النواحي الوارثية وحدها, ومع ذلك فإن كثيرًا من الاختلافات التي تحدث ترجع إلى البيئة وليست إلى الوراثة. واستخدم "هليجارد" Hilgard؛ "1933" توائم متماثلة لدراسة التأثيرات النوعية للنضح عن عمليات التذكر والأداء الحركي، ودرس "هليجارد" زوجين من التوائم المتماثلة أعمارهم ما بين 16 شهرًا إلى 45 شهرًا، وركز على سلسلة من المهارات المتضمنة الاستجابات الحركية والتذكرية, وكانت الاختبارات العددية, وهز الجرس على القدم, والمشي على امتداد مائدة ضيقة طويلة، ولم يظهر أي من التوأمين في بداية الدراسة أية قدرة في أي من هذه المهارات, وبعد ذلك أعطى التوأم "أ" تدريبًا خاصًا، ولم يعط التوأم "ب" أي تدريب, وبعد ثلاثة أشهر اختبر التوأمين، ولقد وجد "هيلجارد" أن التوأم الذي لم يحظ على أية تدريب قد لحق بسرعة بالآخر, ولم يتضح له أي فائدة قد اكتسب من التدريب المبكر, وأشار "هيلجارد" أن مهارات التوائم قد نمت أثناء النضج فقط، وأشار إلى أن التدريب لم يساعد في سوها. وتأثير رئيسي للنضج على النمو في أنه يتيح أنواع جديدة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 السلوك الممكن لكي تظهر، فدراسات "جيزل" Gessll على الأنماط السلوكية الجديدة للأطفال يبدو أنها كانت ذاتية النشأة Autogenous، فالأنماط ذاتية النشأة أو التوليد يبدو أنها تظهر تلقائيًا بدون إعداد أو تدريب، والمشي ما هو إلا مثال جيد على ذلك من الممكن أن تتأخر عملية المشي عند الطفل بسب عدم توفير الغذاء الكافي والمناسب له، وبالتالي نجد أرجل الطفل لا تنمو بصورة كافية لكي تحمل وزنه, ومن جانب آخر فباستثناء هذا الحرمان، فيمكن أن نتوقع أن كل الأطفال يمكنهم المشي في نفس العمر الزمني تقريبًا أو في نفس مرحلة النمو بغض النظر عن توفير أي نوع من الخبرة التعليمية الخاصة لهم في هذا المجال. وتشير نتائج دراسات سيكولوجية النمو أن الأنماط السلوكية ذاتية التولد والنشأة والتي ترجع إلى النضج فقط بدون أي تدريب أو ممارسة ضرورية، تكون محددة بالمهارات البسيطة جدًا، حيث نجد أنه كلما ازدادت السلوكية الأكثر تركيبًا وتعقيدًا قد تتطلب درجات معينة من النضج ولكنها لا تظهر مطلقًا بدون خبرات تعليمية خاصة إضافية، واللغة وكلام الطفل ما هو إلا مثال على ذلك السلوك المركب، وكما سنرى فيما بعد أن التعلم وليس النضج يعتبر المحدد الرئيسي في نمو المهارات الدراسية المركبة مثل القراءة والكتابة؟ الاستعداد Readiness: يشير "ستون" Stone و"شيرش" Church؛ "1973" إلى أن العلاقة بين النضج والتعلم علاقة دائرية، كل يغذى داخل الآخر، وبمعنى آخر يمكن القول أن النضج يحدث مقترنا بحالة استعداد أو تهيؤ لظهور أنماط سلوكية جديدة أكثر تركيبًا وتعقيدًا, ففي بعض الحالات نجد التهيؤ أو الاستعداد يعزى للسلوك الذي يستطيعه الطفل النامي, وكثير من خبرات التعلم تمدنا بدليل ذلك وتسمى هذه الحالة بالاستعداد للتعلم، ويشير كثير من علماء نفس النمو أن الأطفال لا يمكنهم التعلم إلا حين يكونوا على استعداد لعلم ذلك, فالتدريس ذو الفعالية تبعًا لهذا الاتجاه يعتمد على التوقيت المناسب للخبرة, كما أنه يعتمد على المعلومات الشاملة الكاملة للمرحلة النمائية التي يمر بها الطفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الفترات الحرجة أو الحاسمة للنمو: يؤدي النضج إلى الاستعداد لأنماط سلوكية جديدة، ويشير علماء نفس الطفل بأنه توجد فترات حاسمة أو ذات حساسية كبيرة في نمو الأطفال والتي أثناءها يصبح تعلم أنماط سلوكية ممكنًا, ومن جانب آخر يشيرون إلى وجوب توفر تفاعلات بيئية معينة أثناء هذه الفترة لكي يتقدم النمو بصورة عادية والعامل الحاسم هنا هو التوقيت, فإن لم يحدث تفاعل مناسب أثناء فترة معينة، نجد النمو قد يبطئ أو يتوقف، وبمعنى آخر توجد فترات مناسبة وأخرى غير كذلك في نمو تعلم مهارات معينة, فالأطفال الذين يتلقون الانتباه والمديح لمحاولاتهم اللغوية المبكرة يكونون أميل إلى التكلم بطلاقة في عمر مبكر، إذا ما قورنوا بالأطفال الذين لا يتلقون استثارة لفظية عندما يكونون في حالة استعداد أو تهيؤ للتعلم, وعمومًا فإن الطفل الذي يفتقد فرصة التعلم يتوقع أن يكون لديه صعاب في نمو استجابات متعلمة أخرى تكون مفيدة للتعلم المدرسي. ويحدث الحرمان من التعلم عندما لا نستطيع أن نمد الطفل بالرعاية والانتباه المناسب, وجدير بالذكر أن حرمان الطفل أثناء الفترات الحاسمة من النمو يمكن أن يسبب أذى وتخلفا مستمرا, كما أن سوء التغذية الشديد في المراحل المبكرة من العمر يمكن كذلك أن تسبب عملية تأخر يتعذر إلغاؤها. وكرست عديد من الدراسات النمائية لتحديد الفترات الدقيقة حيث تكون الاستثارة المعطاة أكثر فائدة وجدوى, وأشارت نتائج دراسات عديدة أن سنوات ما قبل المدرسة تكون ذات أهمية كبيرة خاصة في نمو ذكاء الطفل، ويدافعون عن أهمية البرامج النظامية التعليمية المبكرة حتى تساعد الأطفال على تلقي الاستثارة المعرفية في طفولتهم المبكرة. ويؤيدون كذلك توفير ما يسمى ببرامج Intervention أو الاستثارية للأطفال المعوقين من نقص الاستثارة، وأشاروا إلى أن التعليم يجب أن يبدأ من المهد Gradle بالنسبة لهم، وصممت كثيرًا من البرامج التعليمية المتدخلة لمساعدة الطفل على تعويض النقص المبكر للاستثارة. ولقد استعمل مفهوم الفترات الحاسمة والاستعداد بصورة واسعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 بواسطة السيكولوجيين المهتمين بالنمو الاجتماعي والانفعالي وكذلك بالنمو المعرفي، فمثلا أشارت نظرية التحليل النفسي أن تعويق تكوين الارتباطات العاطفية الوثيقة في سن مبكرة من الطفولة قد يعيق قدرة الطفل فيما بعد في تكوين ارتباطات عاطفية شخصية وثيقة مع الأفراد الآخرين، كما اهتم كثير من الأطباء النفسيون وبصورة كبيرة بالتأثيرات الاجتماعية السلوكية التي تظهر فيما بعد مع تقدم الحياة بالطفل، وأشار "بولبي" Bowlby إلى عدد من الخصائص التي يتصف بها الطفل المحروم ونذكر منها. - يتصف بالعلاقات السطحية الظاهرية مع الأفراد الآخرين. - عدم القدرة على العناية بالأفراد الآخرين. - يتعذر التأثير في سلوك هذا الطفل ويصعب توجيهه. - يفتقد الاستجابة الانفعالية للمواقف التي تستدعي ذلك. - يتصف بعدد من الحماقات كالسرقة وغيرها. - افتقاد أو نقص في التركيز المدرسي. ويشير بولبي إلى أن تغيير السلوك المرتبط بتلك الخصائص السابقة هو جد غاية في الصعوبة، ومع ذلك فكلما بكرنا في التقليل من حالة الحرمان التي يعاني منها الطفل أو إزاحتها كليًا كلما كانت الفرصة أكبر لتصحيح بعض الأذى أو الضرر على الأقل الذي يصيب الطفل, ويتصف الأطفال وبصورة لافتة -باستثناء الحالات المتطرفة المبكرة- بالمرونة، فالجميع طيعون لعمليات التدريب حتى أثناء الفترات الحاسمة من نموهم، وكما أشرنا فيما سبق إلى إخفاق كثير من البرامج المتدخلة للأطفال الصغار نجد كذلك صورة مماثلة في إخفاق البرامج التعويضية اللاحقة حيث تشير إلى صعوبات كثيرة في مهارات التدريس والتعليم، بعد مرور هذه الفترات الأمثل للتعليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ترسيخ النضج أو التعلم: اهتمت كثير من دراسات سيكولوجية النمو بالعلاقة بين النضج والتعلم, هل هي علاقة ثابتة راسخة؟ أو هل يمكن إزالتها ومحوها؟ لقد أشار "ليرنز" Konard Lerenz الرائد في هذا المجال إلى أن بعض الحيوانات تولد بميل لتقبل مدى معينا من أشكال الأمومة وصورها، وبمجرد أن تحظى صورة الأم أو شكلها بالتقبل بواسطة الحيوان الصغير، نجده يتبعها كصورة لأمه في أي مكان، ويستخدم مصطلح الترسيخ لكي يعزى إلى الرباط الذي ينمو بصورة واضحة بين الحيوان الصغير وصورة الأم التي قد تتبنى ولقد استخدم "لورنس" أشهر من درس سلوك الحيوانات الأوز، وأشارت نتائجه إلى أنه بعد فترة قصيرة من الاحتضان فإن صغار الأوز سوف تتبع أول موضوع متحرك يأتي في مجال رؤيتها وبالتالي أمكن ترسيخ Imprint أو تثبيت هذا الموضع كأم للأوز. وبطبيعة الحال، فقد كان عاديًا أن يكون أول موضوع متحرك يقدم لصغار الأوز كانت الأوزة الأم، ومع ذلك فقد تمكن "لورنس" أن ينتج مواقف صناعية حيث كان الموضوع المتحرك الأول أمام صغار الأوز موضوعات أو أشخاص أخرى غير الأوزة الأم "ولقد كان أحد هذه الموضوعات "لورنس" نفسه حيث كان يمشي أمام صغار الأوز ملوحًا بساعديه متهاديًا في مشيته". ونتيجة لدراسات "لورنس" وزملائه، أشار إلى أن كثيرا من الحيوانات بما في ذلك الأوز والدجاج والماعز والخراف قد أظهرت هذه الاستجابة المترسخة "الثابتة" واكتشفوا أن هناك فترة حاسمة في حياة الحيوان الصغير لعمل تلك الاستجابة, فعند الأوز كانت ثلاثة أيام تقريبا بعد تواجده للحياة يمكن حدوث الآثار المميزة للترسيخ أو التثبيت, وجدير بالذكر فإن تكوين العلاقة بين الحيوانات الدنيا بواسطة عملية الترسيخ أو التثبيت ونمو الارتباطات العاطفية وبين الكائنات الإنسانية قد وضع في الاعتبار عند كثير من دارسي علم النفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 مطالب النمو : تعتبر طريقة "هافجهرست Havighurst" في تحديد مطالب النمو من أدق الأساليب الحديثة, حيث أشار إلى سلسلة لمطالب النمو Developmental Tasks؛ "1950" ويحدد هافجهرست مطلب النمو على أنه المطلب الذي يظهر في فترة عمرية معينة من حياة الفرد. ويؤدي التحقيق الناجح لهذا المطلب إلى شعوره بالسعادة وإلى النجاح في إنجاز المطالب اللاحقة, بينما يؤدي إلى الإخفاق إلى شعور الفرد بالتعاسة وإلى عدم استحسان المجتمع وإلى صعوبة في تحقيق المطالب الأخرى. وتعمل الشروط الداخلية والخارجية كصورة تفرض مطالب النمو، يشير "هافيجهرست" إلى مصادر ثلاثة لتلك المطالب: 1- النضج الجسمي. 2- الضغوط الثقافية. 3- قيم الفرد التي تؤلف جزءًا من شخصيته. وفيما يلي نتناول أهم مطالب النمو وفقًا لمراحل النمو المختلفة، كما قررها "هافيجهرست" "1952". مطالب النمو في الميلاد إلى ست سنوات، "الرضيع والطفولة المبكرة": - تعلم تناول الأطعمة الصلبة. - تعلم المشي والكلام وضبط الإخراج. - نمو الثقة في الذات والآخرين. - استكشاف البيئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 - تعلم التطابق مع آخر من نفس جنسه. - تعلم الارتباط اجتماعيًا وعاطفيًا بالآخرين. - تعلم التمييز بين الخطأ والصواب وتكوين الضمير. مطالب النمو من السادسة حتى الثانية عشر "الطفولة الوسطى": - ازدياد المعرفة عن العالم المادي والاجتماعي. - تعلم دور الجنس المناسب. - نمو الثقة وتقدير الذات. - اكتساب المهارات الأكاديمية والتفكير والتمييز. - تعلم المهارات الجسمية والاجتماعية. مطالب النمو من الثانية عشر إلى الثامنة عشر "المراهقة": - نمو الثقة بالذات والإحساس بالهوية. - التكيف للتغيرات الجسمية. - اكتساب الميول الجنسية وعلاقات أكثر نضجًا مع الأقران. - تحقيق الاستقلال الانفعالي عن الوالدين. - استكشاف الميول والقدرات واختيار العمل. - تكوين نظام من القيم والمثل التي تؤهله للأدوار الاجتماعية. - التهيؤ للزواج والحياة الأسرية. مطالب النمو من الثامنة عشر إلى الخامسة والثلاثين "الرشد المبكر": - إتمام التعليم الرسمي والبدء المهني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 - الاضطلاع بالحياة الأسرية واختيار الزوجة ورعاية الأبناء والانسجام الأسري. - نمو المسؤلية للعناية بحاجات الأسرة. - نمو فلسفة أساسية للحياة. مطالب النمو من الخامسة والثلاثين إلى الستين "متوسط العمر": - تقبل مسئولية اجتماعية أكبر. - بناء نموذج ومعيار للحياة. - مساعدة أبنائه لكي يصبحوا راشدين وأكثر فعالية. - التكيف للقيام بدور أحد الأبوين المسنين. - تقبل التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في خريف العمر. مطالب النمو في الحياة المتأخرة "الشيخوخة": - التكيف لازدياد القصور الجسمي. - التواد مع جماعة المسنين. - تقبل التقاعد. ويشير "هافجهرست" إلى أننا نستطيع دراسة النمو عن طريق قدرة الطفل عن أداء أنماط سلوكية معينة، وطريقة أخرى لدراسة النمو تكون عن طريق أداء المتطلبات النمائية للحياة، ففي كل مرحلة من حياة الإنسان بحاجة إلى متطلبات مختلفة حيث يتوقع منه المجتمع إنجازها, ولقد قسم "هافجهرست" امتداد الحياة في فترات ستة رئيسية ووصف بعد ذلك المطالب النمائية المتوقع من الأفراد القيام بها داخل المجتمع، كما أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 النمو السوي هو القدرة على فهم هذه المتطلبات والإتيان بها وتقبل المرحلة النمائية التي يمر بها الفرد، كما أن المطالب تتغير من مجتمع إلى آخر فما هو متقبل في مجتمع ما قد لا يكون متقبلا في مجتمع آخر, وعادة ما يكافئ الأفراد الذين ينجحون في إنجاز المطالب المفروضة بواسطة مجتمعاتهم في السن الذين يمرون فيه، كما أن الإخفاق4 في تلك المطالب النمائية يميل إلى تعويق النمو في المراحل التالية. كما أن المتأمل في مطالب "هافجهرست" من سن الرضاعة إلى الشيخوخة يرى أن ارتباط هذه المطالب بدوره حياة الكائن الآدمي كما نستطيع أن نرى أن السيطرة المبكرة على مطالب كل مرحلة ما هو إلا نتيجة للنضج السريع الذي يصيبه الفرد. وإن طاقة الفرد ونشاطه تلعب دورًا هامًا في السيطرة والتمكن على المطالب النمائية خاصة في المراحل المبكرة من النمو, فالأطفال الذين توفر لهم بيئتهم فرصة التعلم، وتكافؤهم على التعلم, يميلون إلى إنجاز المطالب النمائية بسرعة أكبر من الأطفال الذين لا نجد لديهم تلك البيئة، ومن جانب آخر نرى أن الأطفال الذين يتلقون التوجيه من الأسرة والمدرسة يميلون كذلك إلى التعلم بسرعة أكبر وبالتالي إنجاز مطالب المرحلة التي يمرون بها عن الأطفال الذين يعتمدون على المحاولة والخطأ أو محاكاة النماذج الطفلية "هورلوك" Hurlock "1972". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 مبادئ النمو : النمو ليس عملية اعتباطية، بل هو عملية تنظيم الحياة الإنسانية وإعداد لتكاملها، وهو بذلك يخضع لمبادئ عامة أساسية يشترك جميع الأفراد الإنسانيين في سلوكها من بدء الحياة إلى ختامها، وهذه المبادئ تخضع في وجودها لعوامل طبيعية في السلالة البشرية، ولذا فإن البيئة أو الرعاية لا تستطيع إلا أن تفعل أثرًا ثانويًا في بعض الجوانب. ولقد درس بعض أخصائيو علم نفس النمو الأطفال بهدف وصف وتفسير المبادئ التي ينمون بواسطتها، وكان هدفهم ليس فقط المساعدة في تفسير سلوك الكائن الآدمي في عمر زمني ولكن بالإضافة القدرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 على عمل تنبؤات في كيفية تصرف مجموعة من الأفراد في أي مرحلة معينة من نموهم, وعمومًا فإن المبادئ التي سنوردها فيما بعد تحكم جميع مظاهر النمو سواء كانت جسمية، سلوكية، حركية، معرفية، اجتماعية أو انفعالية, ويمكن إيجاز هذه المبادئ فيما يلي: 1- النمو يسير وفقًا لنمط معين: يتبع الكائن الحي، حيوانًا أو إنسانًا، نموذجًا أو نمطًا للنمو يميز النوع الحيواني أو الإنساني ويتشابه معدل وحدود النمو لدى كل أعضاء النوع, وفي حالة الكائن الحي الإنساني، لا يتم النمو على نحو عفوي غير منظم، ولكن يحدث بشكل نظامي أو نموذجي، فكل مرحلة من مراحل النمو نتاج المرحلة السابقة ومقدمة للمرحلة التالية, ويصدق ذلك على نمو الطفل قبل الميلاد وبعد الميلاد, ذلك النمو الذي يقوم على أساس التتابع التطوري بظهور خصائص معينة في كل فترة عمرية فالطفل على سبيل المثال، يستطيع أن يقف قبل أن يمشي، وأن يتمكن من رسم الدائرة قبل أن يتمكن من رسم المربع. يذهب "جيزل 1941"، استنادًا إلى البيئة المتجمعة من الدراسات التطورية لمجموعات من الأطفال خلال سنوات عديدة، إلى أن النمو السلوكي يتبع نموذجًا منظمًا يتأثر بالخبرة بدرجة ضئيلة نسبيًا، ويقرر كذلك أنه بالرغم من أنه لا يوجد ثمة فردان متشابهان بالضبط، يميل كل الأطفال الأسوياء، إلى أن يسيروا وفقًا لتتابع عام للنمو مميز للنوع الإنساني والجماعة الثقافية, وإذا كان لكل طفل نموذجا فريدًا للنمو إلا إن هذا النمط مرتبط بالخطة البنائية الأساسية، فالتتابع النوعي جزء من نظام ثابت للطبيعة "جيزل 1949". 2- التتابع الرأسي الذنبي Caphalocaudal Sequence: يسير النمو قبل وبعد الميلاد، وفقًا لنمط التتابع الرأسي الذنبي، الذي يعني أن ضبط الجسم، وكذلك التحسن في البنية ذاتها، ينمو أولا في الدماغ ثم يتقدم فيما بعد إلى المناطق الأبعد من الرأس, فالحساسية الجلدية تتوفر لدى الطفل حديث الولادة في الأجزاء العليا من الجسم قبل أن تظهر في الأجزاء الأدنى "شيرمان 1925". ويتضح هذا التتابع الرأسي الذنبي كذلك في الوظائف الحركية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فحينما يوضع الطفل في وضع مائل يستطيع أن يرفع رأسه بواسطة عنقه قبل أن يستطيع أن يفعل ذلك برفع صدره قبل أن يتمكن من الجلوس ويستطيع الطفل أن يتحكم في عضلات الجذع، قبل أن يتحكم في عضلات الذراعين والرجلين، ويتحكم في عضلات ذراعيه ورجليه قبل أن يتمكن من ضبط عضلات القدمين واليدين, فالطفل في سن العشرين أسبوعًا، على سبيل المثال يتمتع بالقدرة على التحكم في عضلات عينيه والرأس والكتفين، ولكن لا يزال الجذع رخوًا بحيث يستلزم إسناده على الكرسي لكي يتمكن من الاحتفاظ بوضع الجلوس. وفي هذا السن، تكون منطقة الحوض Pelvic Zone والأطراف extremities غير ناضجة "جيزل 1954". وفي هذا التتابع الرأسي الذنبي، لا يمتد النمو فحسب من الرأس إلى القدمين في اتجاه المحور الطولي, ولكن يتقدم أيضًا من القطاعات المركزية إلى القطاعات الطرفية Peripheral من الجسم، ففي المراحل النمائية الأولى يميل الذراعان والرجلان إلى الاستجابة ككل, ويظهر التحكم تدرجيًا في المفاصل المرفقة Elboe Joints والمفاصل الرسغية Erist Joints وفيما بعد في مفصل الركبة والكعب. وقد وجد في دراسة عن تناول الأطفال للأشياء والقبض عليها أن المرفق والأصابع تسهم في تحقيق حركات ذات فاعلية متزايدة من الأسبوع السادس عشر إلى الأسبوع الأربعين من العمر "هالفيوسون 1933"، ولا يتم التحكم في الرجلين والقدمين بالنسبة للوقوف والمشي قبل الستين أسبوعًا من العمر "جيزل 1954". والنمو كذلك يسير في طريق قريبة بعيدة Proximo distal fashion بمعنى ينمو من الأطراف القريبة من الجهاز العصبي المركزي متجهًا إلى أطراف الجسم، ولهذا السبب فإن عضلات الذراع تنمو قبل عضلات الأصابع، ويتعلم الأطفال التحكم في حركات الذراع قبل أن يتحكموا في الأصابع بصورة جيدة، كما أنهم لا ينمون ضبط أناملهم بصورة كافية لعمل الحركات الدقيقة في الكتابة إلى ما يقرب من سن السادسة "انظر شكل رقم1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ولا يتغير النموذج العام للنمو بسرعة النمو، فكل الأطفال تمر بنفس الأشكال الرئيسية، في أوقات واحدة تقريبًا، وتبين دراسة "جيزل" "1930" على الأطفال المبتسرين "الذين ولدوا قبل اكتمال النضوج Premature والأطفال الذين ولدوا بعد فترة النضوج Post-mature إن برنامج النمو يسير وفقًا للتابع تطوري، بصرف النظر عن عدم انتظار الميلاد، فبينما لا يتفق نموذج النمو لدى الأطفال الذين ولدوا قبل اكتمال النضوج مع نموذج النمو لدى الأطفال المكتملي النضوج خلال الثلاثة إلى الخمسة الأشهر الأولى بعد الميلاد، إلا أنهم يتفقون في نموذج الفرد المتوسط من نفس السن "ميلكر 1937". ومن المبادئ التي أسفرت عنها بحوث متعددة في النمو إنه إذا أحللنا في حياة الطفل بصورة طبيعية مصطنعة عاملا تجريبيًا من شأنه أن يحدث تغييرًا في نموه، فإن الطفل يستأنف المعدل العادي لنموه بمجرد إبعاد هذا العامل. ويمكن صياغة مبدأ مقاومة الإحلال على النحو التالي، عندما يكون الكائن الحي في حالة نمو بمعدل معين منتظم فإنه ينزع إلى مقاومة أي إحلال لعوامل تؤدي إلى مزيد من الاستثارة والحرمان, وإلى معاودة النمو بالمعدل الأصلي بمجرد زوال هذه العوامل الدخلية. ويكفينا للتدليل على هذا المبدأ قليل من الأمثلة، فالأطفال المبتسرين يكون محيط الرأس عندهم أصغر من محيط الرأس عند الأطفال الذين يولدون مكتملين حتى ولو أضفنا إلى ذلك المحيط ما يعوض من فترة عدم اكتمال النضج غير أن رأس مثل هؤلاء الأطفال المبتسرين لا تلبث أن تكبر بالتدريج حتى لا يكاد الطفل منهم يبلغ من العمر ما بين 12 و18شهرًا إلا ويصبح حجم رأسه مساويًا لحجم رأس الطفل العادي, ويبدو أنه قد احتاج إلى بعض الوقت للتعويض عما فقده في النمو في الشهر الأخير من الحمل. ويسوق أولسون "1943" مثلا إيضاحيًا لهذا المبدأ عن تطور نمو أحد الصبيان، ففي الفترة التالية لبلوغ هذا الصبي الشهر الرابع والثمانين من عمره تعرض لهزات بيئية عنيفة منها موت أمه، وإصابته بالتهاب شعبي ربوي مع وجود استجابة إيجابية لاختبار التوبركلين "الدرن", وقد أثبت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 التشخيص الطبي أنه كان يعاني من سوء التغذية، وفي هذه الفترة كان الطفل يستنفد جزءًا كبيرًا من طاقته في السير مسافة طويلة لتناول طعام الغذاء، فكان طبيعيًا أن يفقد الكثير من وزنه، ولكن سرعان ما زاد وزنه عندما تحسنت ظروفه، واتجهت هذه الزيادة نحو استعادة خط نموه الطبيعي، على الرغم من أن هذا النمو دون المتوسط، ومما يثير الاهتمام أن هذا الصبي أصبح بعد عشرين سنة مواطنًا صالحًا، وأبا يتمتع بصحة جيدة. ونزعة الطفل لاستئناف المعدل الطبيعي لنموه بعد استبعاد الاستثارة أو الحرمان غير العادية قد أوضحها عدد من التجارب مثل تجارب محاولات تحسين النمو بالعلاج بخلاصة الغدد، وتغيير الاتجاهات، وإثارة التقدم في الحساب، أو إحداث تغييرات في قدرة الطفل على القراءة. فلكل طفل خطة للنمو، وتقوم الرعاية المثلى بتحقيق هذه الخطة، وأي محاولة تبذل لفرض النمو عنوة بالمقاومة، كما أن الطفل ينزع إلى الإسراع في نموه عن فترات الحرمان المؤقتة، "أولسون 1959". النموذج العام للنمو: تكشف الدراسات التطورية للأطفال منذ الميلاد بالملاحظات والفحوص والاختبارات المتكررة، أن هناك نموذجًا عامًا يتبعه كل الأطفال على النحو التالي "جيزل 1954". - من سن 14-16 أسبوعًا يتحقق للطفل القدرة على التحكم في الاثني عشر عضلة لحركة العين Oculmotor muscles. - من 16-28 أسبوعًا، يتمكن الطفل من التحكم في العضلات التي تساعد على ضبط حركة الرأس وعلى تحريك ذراعيه، وبالتالي يبدأ في التوصل إلى تناول الأشياء. - من 28-40 أسبوعًا يتمكن في التحكم في جذعه ويديه، وهذا يمكنه من الجلوس، والتنقل، والقبض على الأشياء وتناولها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 - من 4-52 أسبوعًا، يتسع ضبطه إلى رجليه وقدميه، وإلى أصابع السبابة والإبهام، وهو الآن يستطيع الوقوف باعتدال، وأن يتحرك بخفة ويلتقط الأشياء. - وفي خلال العام الثاني، يمشي ويجري, ويتلفظ بكلمات وجمل، يكتسب إمكانية التحكم في المعدة والمثانة، ويكتسب إحساسًا أوليًا بالهوية الشخصية وبالتملك الذاتي. - وفي خلال العام الثالث، يتكلم بجمل ويستخدم الكلمات كأدوات التفكير، ويبدي نزعة إلى تفهم بيئته وإلى الإذعان للمتطلبات الثقافية. - وفي خلال العام الرابع، يوجه أسئلة عديدة ويدرك المتشابهات ويبدئ ميلا إلى التعميم والتصور الذهني، ويستطيع أن يعتمد على نفسه تقريبًا في مضمار الحياة المنزلية. - وفي خلال العام الخامس، يتمتع الطفل بدرجة طيبة من نضج التحكم الحركي، يستطيع القفز والوثب, يتكلم بدون تلفظ طفلي ويستطيع أن يحكي قصة طويلة, يفضل اللعب الجماعي ويشعر بالاعتداد بالملابس وبما يقوم بإنجازه من أعمال, وهو الآن يشعر بتأكيد الذات, ويتشرب معايير الجماعة. 3- النمو يتقدم من العام إلى الخاص: في كل مظاهر النمو الحركي أو العقلي، تكون استجابات الطفل ذات نمط عام قبل أن تصير متخصصة، كما أن النشاط العام يسبق النشاط المتخصص النوعي، سواء قبل الميلاد أو بعد الميلاد, ويتضح هذا أولا في الاستجابات الحركية، فالطفل الوليد يحرك جسمه ككل في وقت واحد. بدلا من أن يحرك أي جزءا منه, ويحرك الطفل ذراعيه بصفة عامة ويأتي بحركات عشوائية قبل أن يستطيع الإتيان بحركات متخصصة مثل مد ذراعيه، نحو الأشياء وتناول الأشياء بيديه بنجاح، كذلك، يستخدم الطفل رجليه في الركل العشوائي قبل أن يتمكن من تنسيق عضلات الرجلين لكي يستخدمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 والطفل يستطيع أن يرى الأشياء الكبيرة قبل أن يتمكن من رؤية الأشياء الصغيرة لأن حركات عينيه غير متسقة بدرجة كافية في البداية للتركيز على الأشياء أو الموضوعات الصغيرة، ويتضح نفس النمط في استخدام اليدين، فحينما يصل الطفل في البداية إلى موضوعات لا يستخدم فحسب كلا يديه، ولكن يلقي برجليه وبجسمه ككل على الاستجابة في آن واحد, وفي حوالي الستة أشهر الأولى من عمر الطفل تتحدد استجابة الوصول إلى الشيء باليدين، وفيما بعد -في حوالي العام من العمر- بيد واحدة, وفي حالة تعلم مهارة جديدة كاللبس، يشترك جسم الطفل ككل في هذا النشاط، ومع التحسن في هذه المهارة، يتحدد النشاط باليدين، فالأطفال تقوم بأداء الأشياء البسيطة أولا وبالأكثر تعقيدًا فيما بعد "آمس 1940". وقد اتضح من دراسة على التتابع الحركي في عملية القبض على الأشياء أن الطفل الوليد في البداية يأتي بحركة عامة من ذراعيه، بأن دفعهما إلى الخلف، ثم أعادهما في اتجاه الشيء المراد مسكه، وأخيرًا مد يده إلى الشيء فأمسكه، والقبض على الأشياء ذاته يمر بعملية تخصص تبدأ باليد، ثم بمقابلة الإبهام، بالأصابع، وتنتهي "وذلك في حالة الأشياء الصغيرة" يمسك الشيء بالتقاطه بين الأبهام والسبابة. واستنادًا لهذا المبدأ الأساسي للنمو "تطور نمو الاستجابة من الكل إلى الجزء" يمكن تفسير تطور النمو اللغوي عند الأطفال, فالملاحظة والخبرة الحسية العيانية تسبقان الصياغة اللفظية، والنطق بالألفاظ يسبق تسمية الرموز المصورة، وهذا بدوره يسبق القراءة، وفي بناء حصيلته اللغوية يتعلم الكلمات العامة قبل الكلمات المتخصصة النوعية، فمثلا يستخدم كلمة "لعبة" لكل أدوات اللعب قبل أن يتعلم أن يسمي كل لعبة باسمها، ويصير تكوين المفاهيم وفقًا لنفس هذا النموذج التتابعي، فالطفل يميز أولا الموضوعات الحية من الأشياء الجامدة غير الحية، والكائنات الإنسانية عن الحيوانات ثم الأنماط المختلفة من الكائنات الإنسانية كالأبيض والأسود أو المصري أو الصيني. وينطبق هذا المبدأ النمائي أيضًا على الاتصال إذ نجد أولا، الاتصال الشفهي، ثم الاتصال التحريري دون التقيد، بالتفاصيل الدقيقة وأخيرًا العناية بتفاصيل الهجاء وقواعد اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وتطبيق هذا المبدأ في ميدان الكتابة يجعلنا نبدأ بتزويد الطفل بالخبرات الخاصة بنقش الحروف الكبيرة بالفرشاة على لوحات كبيرة من الورق، وهذا التدريب يتضمن الكثير من الحركات الكلية للجسم والذراع. ويلي ذلك استخدام الورق وقلم الرصاص للكتابة على مسافات متباعدة دون حاجة إلى الضبط الحركي الدقيق, بعد ذلك يأتي دور استخدام مسافات وأقلام وحروف أصغر, وأخيرًا يمكن الانتقال ما مرحلة كتابة الحروف المنفصلة إلى كتابة الحروف المتصلة بقدر ما يتحقق لدى الطفل من الضبط. وبالنسبة للسلوك الانفعالي. يستجيب الطفل في البداية للأشياء الغريبة أو غير العادية بخوف عام، يعبر عن نفس الخوف في كل المواقف، ثم تأخذ مخاوفه فيما بعد في أن تصير أكثر تخصصًا ونوعية وتتميز بأنماط مختلفة من السلوك في المواقف المختلفة, فكل أنماط الاستجابات الانفعالية تنمو من حالات عامة للاستثارة والسكينة كلما يأخذ في النمو "سبيتز 1949 بانهام 1950". ولا يعني ذلك أن النمو يأخذ في التمايز والتخصص المستمر فحسب وفقًا لمبدأ التعاقب من الكل إلى الجزء فالاستجابة الجزئية، النوعية تأخذ في التكامل الوظيفي مع كليات أكبر ويتضح ذلك في حالة الأداءات العقلية والأعمال المركبة. 4- النمو عملية مستمرة: إذا تناولنا أحد معالم النمو، كالنمو من حيث الطول مثلا، قد يتراءى لنا أن الفرد ينمو بطريقة "متناوبة منقطعة" أكثر من أن ينمو بمعدل مستمر, كذلك يفترض استخدام مصطلحات مثل مرحلة "المهد" و"المراهقة" النمو يتوقف محددة يحدث فيها النمو، ويتضمن في نفس الوقف أن النمو يتوقف في أوقات أخرى ولعل أصدق مثل على ذلك نظرية "ستانلي هول" عن المراهقة بأنها مرحلة ميلاد جديدة. وتعتبر هذه تطورات خاطئة عن حقيقة النمو، فالنمو يستمر منذ فترة الحمل حتى وصول الفرد إلى النضوج، ويتم النمو وفقًا لمعدل منتظم بطيء نسبيًا أكثر مما يتم وفقًا لمعدل سريع، ويستمر نمو الخصائص الجسمية والعقلية بالتدرج حتى تصل هذه الخصائص إلى أقصى نموها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 خلال فترة المراهقة المتأخرة، وإذا كنا نستخدم مصطلحات معينة لمراحل معينة للنمو فلكي نؤكد الحقيقة بأن ثمة نمطًا خاصًا للنمو يحدث في هذه الفترة بعينها. وليس هناك خصائص، سواء جسمية أو عقلية، تنمو بطريقة فجائية، فهي -على العكس- كلها نتاج النمو الذي بدأ قبل الميلاد, وهناك أمثلة عديدة على ذلك, فقد يتراءى لنا بظهور الأسنان الأولى خلال السنة الأولى من عمر الطفل أنها تنمو بشكل فجائي، ولكن حقيقة الأمر عكس ذلك فهي تبدأ في النمو من الشهر الخامس من تكوين الجنين في بطن الأم، على الرغم من أنها لا تخرج من اللثة، إلا في حوالي الشهر الخامس بعد الميلاد، كذلك لا يتأتى الكلام للطفل بين يوم وليلة، ولكنه ينمو بالتدريج من الصياح والأصوات الأخرى التي يأتي بها الطفل بعد الولادة. ولكون النمو عملية مستمرة، فإن ما يحدث في مرحلة معينة يمتد إلى المرحلة أو المراحل التالية، ويؤثر فيها، فمثلا سوء التغذية في السنوات الأولى من حياة الطفل سوف يؤدي إلى إحداث أضرار جسمية ونفسية يصعب تعويضها كلية فيما بعد، كذلك يؤدي التوتر الانفعالي الناشئ عن الظروف غير المواتية في المنزل إلى إحداث بصمات في تطور نمو شخصية الطفل، كما أن تكون اتجاهات غير صحيحة نحو نفسه، وعلاقته بالآخرين -خلال السنوات الأولى من حياته- تظل تؤثر في اتجاهاته فيما بعد, فتأثيرها على نظرة الفرد إلى الحياة تظل مترسبة في كيانه النفسي في مرحلة النضج. وهكذا ينطوي إقرار مبدأ استمرارية النمو على حكمة تربوية، إذا يجعل في مقدورنا أن نسعى إلى تحديد مسار النمو والتنبؤ به والتخطيط له. وإذا كنا نرفض فجائية تفتح إمكانات وخصائص الطفل الكامنة، ذلك الاعتقاد الذي كان يتخذ أساسًا في بعض محاولات تخطيط المناهج في الماضي، استنادًا إلى الشواهد الحقيقية للنمو، فإن هذا لا يعني القول بأن من الإسفاف المناداة بوجود بعض العلاقة بين خبرات الطفل ومرحلة بزوغ استعدادات معينة مركبة، فالطفل العادي فيما يبدو يكون متأهبًا لتعلم القراءة عند سن السادسة أو السادسة والنصف تقريبًا، ولكن بعض الأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قد يتعلمون أبكر من ذلك، والبعض الآخر قد يتأخر في تعلم القراءة عن هذا السن ويبدو أن توقيت فرص التعلم في ضوء مراحل النضج أضمن سبيل لنجاح العملية التعليمية، وليس ثمة فائدة تجنى من وراء فرض القراءة على الطفل لمجرد أنه بلغ السادسة على حين يكون نموه في الحقيقة لم يتجاوز الخامسة, وفيما يتصل بنمو الخلق والشخصية من المفيد في بعض حالات الانحراف عن السواء أن نتج للأطفال عن قصد الفرص التي تعينهم على أن يحيوا مرة ثانية مرحلة من مراحل نموهم يكونون قد افتقدوها بسبب التعسف أو الحرمان أو سوء التربية بصفة عامة. 5- النمو عملية متفردة "الفروق الفردية في معدل النمو تظل ثابتة": هناك عديد من البيانات التجريبية التي توضح أن معدل النمو ثابت فالأطفال الذين قد نموا في البداية بسرعة، سوف يستمرون على هذا النحو، في حين أن أولئك الذين كان نموهم بطيئًا سوف يستمرون في النمو في نحو بطيء, وتبين منحنيات الطول أن الأطفال الذين كانوا يتصفون بطول القامة في فترة عمرية معينة يتصفون بالطول، كذلك في فترات أخرى بينا يظل قصيرو القامة على معدل طولهم في المراحل المختلفة "بالدوين 1922". وتكشف مقاييس الطول والوزن، التي تؤخذ على فترات كل نصف عام لدى الأولاد والفتيات حتى سن الثالثة عشر من العمر والذين صنفوا إلى مجموعات وفقًا للوزن عند الميلاد، أن اتجاه الفروق في معدل النمو الذي لوحظ عند الميلاد يميل إلى أن يظل ثابتا خلال مرحلة الطفولة "إيلينجورث وآخرين 1949", وفي مرحلة ما قبل البلوغ، تميل الفتيات اللائي ينمون بمعدل كبير في عام من الأعوام، ينمون على هذا النمو خلال كل فترة، بينما تظل الفتيات اللائي ينمون بمعدل بطيء ينمون نموا بطيئًا خلال الفترة كلها "موهسام 1947". وينطبق هذا المبدأ على الأنماط السلوكية، فلقد وجد أن الحركات الفردية سواء كانت ذات نمط بسيط أو معقد، تظل ثابتة بشكل واضح خلال فترة من الزمن "آمس 1940" وتكشف منحنيات النمو العقلي لدى الأطفال الأذكياء والمتوسطين والأغنياء ميلا إلى الثبات الذي يوجد في منحنيات النمو الجسمي، فالمنو العقلي "السريع يستمر على سرعته إلى حد كبير "جيزل 1928"، وتكشف دراسات "تيرمان 1926-1947" على العباقرة أنهم يبدون ميلا إلى التبكر في النمو خلال مرحلة الطفولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وتتضمن الفروق الفردية في تفتح النمو أمورًا كثيرة، وعلى المدارس تقع مهمة التلاؤم معها، وترجع أهمية هذه الفروق إلى عدة أسباب، منها مثلا أن الأطفال تنزعون بدرجة ما إلى التجمع وفقًا لعمر نموهم، فالأكثر نضجًا منهم يميلون إلى التجمع معًا، وكذلك يغلب أن يفعل الأقل نضجًا ذلك والطفل بطيء النمو ينزع إلى أن يغدو مشكلا فهو يحدث من الشغب أكثر مما يفعل غيره, ويحتاج إلى مزيد من العناية، كما أنه يكون مصدر متاعب كثيرة لأبويه ومدرسيه وغيره من الأطفال، أما الطفل سريع النمو فيغلب أن يصل إلى مركز الزعامة في الجماعة بسهولة أكبر من الطفل بطيء النمو. وينطوي هذه الحقائق على مغزى تربوي هام، فينبغي أن تعمل المدارس على تزويد كل صف دراسي بالفرص التي تغطي مدى واسعًا من الخبرات, وبهذا يتاح للطفل الذي يبلغ من العمر الزمني عشر سنوات، ولكن عمره العقلي لا يتجاوز ثماني سنوات أن يجد من الأعمال ما يناسب عمر نموه، فيستطيع أن يحصل على الإشباع الناجم عن أداء هذه الأعمال أداء كاملا. 6- اختلاف معدل النمو: لا تنمو كل أجزاء الجسم بمعدل واحد، كما أن كل جوانب النمو العقلي لا تتقدم بدرجة متساوية, فعند الميلاد تختلف الأجزاء المتنوعة للجسم في علاقتها ببعضها البعض، ويتم نمو الأوجه المختلفة للنمو العقلي والجسمي وفقًا لمعدلاتها الخاصة وتصل إلى النضوج في أوقات مختلفة وفي بعض أجزاء الجسم قد يكون النمو سريعًا بينما يكون بطيئًا أو متقطعًا في أجزاء أخرى من الجسم "ويشيك 1950"، ومن ثم يتغير نمط الجسم النسبي لأعضاء الجسم من وقت لآخر "انظر الشكل رقم 2". ويصل الدماغ إلى حجمه الناضج في حوالي سن ست إلى ثمان سنوات. ولكي يتحقق له الكثير من النمو من ناحية التنظيم بعد هذه الفترة العمرية، وتصل القدمان واليدان والأنف إلى أقصى نموها في بداية مرحلة المراهقة، وهذا يعتبر مسئولا إلى حد ما عن عدم الاتزان وعن الوعي بالذت المميز لهذه السنوات من العمر, ويتم نمو القلب والكبد والجهاز الهضمي خلال مرحلة المراهقة وتحدث الزيادة في الوزن بمعدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 التغيرات في نسب الرأس والجذع والأطراف في أربع نقاط للنمو، ويتضح من الشكل مقارنة لنسب النمو الجسمي في الأجزاء المختلفة في أربعة أعمار، لاحظ أن طول الرأس يصل إلى حوالي 50% من طول الجسم كله عند الجنين الذي يبلغ من العمر شهرين، ثم يصبح طولها 25% من طول الجسم عند الوليد، وهكذا نجد أن نسب أجزاء الجسم بعضها للبعض الآخر تتغير خلال عملية النمو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 سريع في السنة الأولى من الطفولة المبكرة، ثم أخرى حول مرحلة البلوغ. وتكشف مقاييس نمو القدرات العقلية المختلفة أنها تنمو وفقًا لمعدلات مختلفة ويتحقق لها النضوج في فترات عمرية مختلفة "وكسلر 1950"، وينمو التخيل المبدع بسرعة في مرحلة الطفولة، ويبدو أنه يصل إلى قمته خلال مرحلة الشباب، ومن ناحية أخرى، يرتقي التفكير والتعقل بمعدل بطيء نسبيًا للنمو، الذاكرة الآلية والذاكرة المرتبطة بالموضوعات والحقائق الحسية بطريقة أسرع من التذكر القائم على المادة النظرية المجردة. ويصل نمو الذكاء العام بالنسبة للفرد المتوسط إلى أقصاه في حوالي سن الرابعة عشر من العمر. ويبدو أن هناك ثمة توافقًا بين الإسراع والتأخر في نمو الطول والوزن والذكاء ونضج العمليات الانفعالية أو النضج الجنسي، وعدم انتظار معدلات نمو الجوانب المختلفة للتركيب والوظيفة والتوافق الاجتماعي والذكاء يحمل تطبيقات نفسية جسمية متعددة, فالطفل النابه مثلا قد يفوق أقرانه في ميوله ومناشطه، ولكن لا يلقي تقبلا من الناحية الاجتماعية من جماعة الأطفال الأكبر سنًا, وهذا قد يؤثر بدوره في توافقه الاجتماعي، في إحساسه بالأهلية الشخصية، وفي الحالة الدافعية "سونتاج 1946". ويستخدم مصطلح "نمط تطور النمو" في هذه الحالة للإشارة إلى العلاقة بين شتى الخصائص المقاسة الدى الفرد، فطفل العاشرة الذي يكون متقدمًا من حيث العمر العقلي والعمر التحصيلي، ولكنه متخلف إلى حد ما من حيث عمر الطول وعمر الوزن والعمر الرسغي وعمر التسنين، مثل هذا الطفل يختلف من حيث النمط عن طفل متقدم في أعماره الجسمية ويختلف نسبيًا في عمره التحصيلي، كذلك قد نقول عن نمط النمو عند أحد الأطفال في القراءة بأنه قد بلغ هضبة فيما بين السادسة والتاسعة أعقبتها زيادة سريعة فيما بين التاسعة والثانية عشر. وهكذا يشير معدل النمو إلى مقدار الزيادة في التركيب أو الوظيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 في وحدات الزمن, ويختلف معدل النمو بشكل ملحوظ من طفل لآخر. وليست لدينا من البينة الثابتة ما يعين أي متخصص على أن يغير من معدل النمو في حدود ضيقة, كما أنه ليس لدينا من الوسائل السحرية ما يمكننا من محو الفردية الناجمة عن اختلاف معدلات النمو، وكل المأمول هو أن ينمو الجميع من حيث شتى أبعاد التطور. 7- النمو عملية متكاملة: ما يشيع من افتراض بأن التعويض قاعدة عامة في نمو الطفل لم ينشأ من الدراسات التجريبية, فليس من الصحيح أن الطفل الذي يكون فوق المتوسط في سمة من السمات يكون أقل من غيرها، والعكس، كوسيلة لتوازن قدراته، يقرر "جيزل 1954" أن نواتج النمو يمكن تصويرها بمصنع تتضح فيه الخطوط والتصميمات. فالطفل الذي نموه العقلي فوق المتوسط يكون عادة فوق المتوسط في الحجم والنضج الاجتماعي، والاستعدادات الخاصة، ومن ناحية أخرى، الطفل الذي يكون نموه العقلي أقل من المتوسط لا يعوض هذا بنمو جسمي أو بصحة أفضل، أو بنمو أكبر لاستعدادات خاصة، أو بمزيد من النضج الاجتماعي, ويميل الأطفال ضعاف العقول إلى أن يكونوا أقصر قامة من الأطفال الأسوياء، كما يميل المعتوهين والبلهاء إلى أن يكونوا أقصر فئات الضعف العقلي, وقد وجدت أنه يوجد ارتباط بين الذكاء العالي والنضج الجنسي المبكر، وارتباط بين انخفاض الذكاء وتأخر النضج الجنسي. ويعني ذلك أن معظم السمات تترابط في النمو، والنمو على هذا لا يحدث بشكل آلي بسيط، وإنما على أساس التكامل بين جوانب النمو المختلفة، الجسمية، والعقلية، المعرفية، الانفعالية، العاطفية، الاجتماعية، وما بين هذه الجوانب من ارتباطات وتأثيرات متبادلة. 8- النمو يمكن التنبؤ به: إذا كان معدل النمو ثابت إلى حد كبير بالنسبة لكل طفل، يتبع ذلك أنه من الممكن أن نتنبأ في فترة مبكرة بالمدى الذي يحتمل أن يحدث فيه النمو الناضج للطفل، فمثلا تبين أشعة إكس لعظم الرسغ حجمها الأقصى الذي ستكون عليه "بايليي 1946". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ومعرفة ما سيكون عليه أقصى مستوى للنمو العقلي، يعتبر ذا قيمة بالغة في تخطيط تعليمه وفي مساعدته على التدريب على نمط العمل الذي يحقق فيه أقصى مستوى من الكفاية والنجاح والإنجازية, ففي إعادة الاختبار على الأطفال خلال السنتين الأوليين من الحياة مثلا وجد أن 80% من الحالات تتفق فيها معدلات النمو في المراحل الأولى من إجراء اختبار مستويات النمو العقلي مع التقدير النهائي الذي كشفت عنه إعادة الاختبار في نهاية العامين من العمر "جيزل 1928"، ومن بين أولئك الأطفال الذين كشفت عنهم اختبارات الذكاء على أنهم ينتمون إلى فئة ضعاف العقول، لم يكن هناك إلا طفلا واحدًا لم يبد نفس المستوى من النمو العقلي في نهاية العامين من العمر "جيزل 1930". وعندما تتبع نفس هذه المجموعة من الأطفال حتى سن العشرين من العمر، يقرر "جيزل 1954" أن مسار النمو لم يبد في حالة خروجًا عن القاعدة. ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا حالة واحدة, ففي الظروف غير المواتية فحسب يصبح النمو الأقصى للفرد أقل تنبؤا، وتشير "جود أنف 1954" أنه حينما تحدث تغيرات كبيرة في تقديرات نسبة الذكاء في أعمار متأخرة، فإن هذا يوجد عادة في حالة أولئك الأطفال الذين تبين تقديراتهم الأولى انحرافات كبيرة بصفة عامة عما يمكن توقعه على أساس ذكاء الأسلاف. وقد بينت دراسات "تيرمان 1926" على السمات العقلية المبكرة للعباقرة الذين عاشوا في الفترة ما بين عام 1945 إلى 1950، كما تتضح في تقارير إنجازاتهم أنهم كانوا مبرزين يبزون غيرهم، كأطفال. ومن المبادئ الأساسية في فهم حقيقة الطفل أن النمو يتأثر بنمط التفتح بالتدرج فقوى الطفل تزداد عن طريق ما يحققه من نمو بعض الوقت، ومن الخطأ أن نحاول الهيمنة على توقيت نظام النمو بالتدريب السابق لأوانه، لأننا لو حاولنا ذلك فإننا لا نحصل من ورائه على أية نتيجة وسوف نلحق بالطفل ضررًا بالغًا بسبب تدخلنا في حياة كائن حي يتصف بالتعقيد والاتزان والاكتفاء الذاتي. إن تفتح النمط يحدث بالتدريج ومن ثم ينبغي ألا نتوقع نتائج عاجلة من وراء أي طريقة للرعاية، كما ينبغي ألا نتوقع ظهور الخبرات المرتبطة بالنمو بانتظام يعادل انتظام دقات الساعة، فإن من القدرات المدهشة الكامنة في الكائن الحي قدرته على إحداث تعديلات كثيرة في أثناء العملية الحياتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 9- لكل مظهر نمائي سمات مميزة له: في كل مرحلة عمرية تنمو بعض السمات على نحو أكثر سرعة وأكثر وضوحًا من السمات الأخرى. ووفقًا لما يذهب إليه "فيلدمان 1941"، أن حياة الإنسان تتقدم وفقًا لمراحل معينة، وليست الفترات العمرية للإنسان الفرد أقل واقعية ودلالة من الأعمار الجيولوجية للأرض والمراحل التطورية للحياة, وتتميز كل مرحلة ببعض المعالم المسيطرة، بخاصية رئيسية، توفر للمرحلة ترابطها وتكاملها ووحداتها وتفردها, فحتى سن العامين من عمر الطفل مثلا، يتوجه اهتمام الطفل لتكشف بيئته، يأخذ في التحكم في جسمه، وفي تعلم الكلام، ومن سنة 3-6 سنوات يتجه النمو إلى مزيد من النضوج الاجتماعي "بورولسكي 1953". وتكشف الدراسات التي أجريت على جماعات الأطفال التي اختبرت في فترات مختلفة خلال سنوات النمو أن كل طفل لا يبدو فحسب أنه يتمتع بفردية مميزة محددة تكوينيًا تعبر أولا عن نفسها وتستمر في الظهور على نحو متسق خلال سنوات ما قبل المدرسة -أو بعد ذلك- ولكن أيضًا إن لكل مستوى عمري نمطًا مميزًا بذاته، يكون متسقًا من طفل لآخر، ولذا يتلون سلوك أي طفل في أي مرحلة عمرية جزئيا بفرديته الأساسية الخاصة وجزئيا بنمط مستواه العمري، ولا يتألف النمط كثيرًا مما يمكن أن يحققه الطفل. وإنما يتألف من الطريقة التي يسلك بها "الج وآخرون 1949". وأكثر من ذلك، هناك مظاهر في نمط النمو، تتميز "بالتوازن وأخرى تتميز "بعدم التوازن"، بالنسبة للمظاهر النمائية التي تميل إلى الاتزان يحقق الطفل توافقات طيبة تيسر له الاستقرار النفسي، أما بالنسبة للمظاهر النمائية الأخرى، على العكس من ذلك، تعيق توافقاته بظروف داخلية, أن يحقق مستويات طيبة من التوافق النفسي، حيث يعاني من التواترات والعجز وقلة الحيلة والشعور بعدم الأمان وغير ذلك من المشكلات السلوكية، وتتغير فترات التوازن وعدم التوازن، حسبما يقرر "جيزل 1941"، وفقًا لمبدأ النماذج أو التناسج الحركي العصبي المتناوب Reciprocal neuromotor, interweaving وفي فترة عدم التوزن، قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 يبدو سلوك الطفل "سلوكًا مشكلا", وهذه الصعوبات السلوكية ليست انحرافات فردية, ولكنها مظاهر مميزة لهذا المستوى العمري وبالتالي يمكن التنبؤ بها. وتكشف الدراسات التطورية عن إمكانية التنبؤ بالفترات العمرية التي تتميز بعدم التوازن، ففي السنوات المبكرة من حياة الطفل، مثلا، يوجد فترات عدم توازن تحدث في سن الـ15 شهر، 21 شهر، العامين والنصف، الثلاث أعوام ونصف، وبين 10-12 سنة قبيل التغيرات المتعلقة بالبلوغ "فورفي 1962، بيولر 1927-1935، جيزل 1939، جيزل والج 1950" وبين هذه الفترات من عدم التوازن توجد فترات للتوازن حينما يبدي سلوك الطفل دلائل لتوافق أفضل، إلا أن هناك -طبعًا- فروقًا في الأعمار الحقيقية التي تظهر هذه الفترات المرتبطة بالتوازن وعدم التوازن. 10- الكثير من الأشكال المعروفة "بالسلوك المشكل" تعتبر سلوكًا سويًا بالنسبة للمرحلة التي يحدث فيها: لكل مرحلة من مراحل النمو أشكال غير مرغوبة للسلوك تعبر عن خصائص عادية "سوية" في هذه المرحلة، وتأخذ في التطور كلما ينتقل الطفل إلى المراحل التالية للنمو، وتكشف الدراسات المتعلقة بالسلوك المميز للأطفال في سن الثلاثة أعوام ونصف من العمر عن الأشكال التالية للسلوك التي تميز حالة عدم الاتزان، وعدم التناسق الجسمي، والخوف من الوقوع أو من الأماكن المرتفعة، التواترات المتعددة، مثل ترميش العين أو قضم الأظافر أو اللجلجة في الكلام, الصعوبات البصرية، عدم الأمان الانفعالي، مشكلات تتعلق بالعلاقات بين الطفل والكبار مثل الرغبة في استحواز انتباه الكبار والخجل، والشعور بالإيذاء بسهولة، التناقضات الانفعالية، والتعبيرات الواضحة عن العطف والانفعال, ففي هذه الفترة العمرية هناك طفرة في النمو، وخاصة لدى الأولاد, ثم يأخذ السلوك في الميل إلى التنظيم والاستقرار الذي يميز بداية فترة التوازن "الج وآخرين 1949". وعلى العكس من ذلك النمط المشكل من السلوك، تكون الأنماط السلوكية للطفل في الخامسة من العمر, ففي هذه المرحلة العمرية, يكون الطفل متعاونًا، صدوقًا, رقيقًا, عطوفًا، ودودًا, ويعقب هذه الفترة من الاتزان فترة من عدم التوازن التي هي "فترة اختبار" يكون الطفل فيها صعبًا عدوانيا مندفعًا لحوحًا، ميالا إلى المناقشة والجدل، متهورًا، وفظا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 "جيزل والج 1946"، وبعد دخول الطفل المدرسة يأخذ سلوك الطفل في التحسن بصفة عامة "ستندلر وينج 1950", ويظل على حالة التوازن حتى حدوث التغيرات الجسمية المصاحبة لفترة البلوغ, "فيرفي 1926، ويكمان 1929، هورلوك وماكدونالد 1934، هورلوك وسندر 1930، ستون وباركر 1937، لونج 1941، ستولز وستولز 1951, ستاوفر 1952". ويعتبر فهم السلوك السوي للأطفال في مراحل عمرية مختلفة مسئولا عن الكثير من الاحتكاك بين الوالدين والطفل, بل وغالبًا ما يتضايق المعلمون من السلوك الذي يكون في الحقيقة سلوكا سويًا تماما بالنسبة لمستوى نمو الطفل, ففي إحدى الدراسات, على سبيل المثال، تبين أن لكثير من أشكال سلوك تلاميذهم التي يعتبرونها سلوكًا يبعث على الانزعاج والقلق ليست إلا سلوكا سويًا بالنسبة للطفل, فما قد يبدو من الطفل من دلائل عدم الاهتمام بعمله وبمظهره والعدوانية اللفظية يعبر عن مظاهر سلوكية عادية مميزة للأطفال في هذا السن، وما يبديه الطفل من عدم مبالاة بعمله المدرسي, وما يبديه من أحلام اليقظة بدلا من العمل يوضح أن الطفل يعتبر دروسه كما لو أنها ذات قيمة عملية ضئيلة بالنسبة له، وبالتالي تكون لديه دافعية أقل للدراسة والاستذكار, وهكذا يمكن أن نصل إلى نتيجة بأن المعلمين محتاجون إلى فهم وتقبل وتحمل الأنماط السلوكية السوية للأطفال، وأنهم ينبغي أن يتقبلوا الأطفال في ضوء المعايير الاجتماعية والسلوكية للطفولة، وألا يحاولوا طبع الأطفال وفقًا للصور التي قد يتبناها المعلم بشأن السلوك والتحلي السليم "كابلان 1952". ولكن ينبغي أن نقرر أن أشكالا معينة من السلوك المشكل لا ينبغي إغفالها على أساس أنها سوف تختفي من حياة الطفل بنموه وانتقاله إلى مراحل أخرى أكثر نضوجًا, فالسلوك الذي لا يميز مرحلة عمرية معينة يعتبر مؤشرًا خطيرًا لاضطربات في المستقبل، فالفترة من الميلاد حتى سن الثامنة عشر من عمر الطفل تمثل سنوات من الاختبار والاكتشاف. والطفل الذي يبدي اضطرابًا يحتمل أن ينمو معه في مرحلة الرشد بعض مظاهر اضطرابات الشخصية إلا إذا اكتشفت وعولجت المظاهر الدالة على هذا الاضطراب في مراحل مبكرة وقبل أن تتجسم وتتمكن من بنيته الشخصية ككل "توب 1950". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 11- النمو يستمر طوال الحياة: إن التغيرات التي تضبط بواسطة العملية النمائية تكون خاضعة لنظام معين، وتميل إلى أن تحدث في توالي غير متباين، وهذا يعني أن جسم الشخص وأنماط سلوكه تستمر في التغير في اتجاهات يمكن التنبؤ بها مادام الشخص يبقى على قيد الحياة، فكل طفل يتوقف منه أن يجلس قبل أن يقف، وأن يقف قبل أن يمشي، كما يتوقع من جميع المسنين أن يفقدوا تدريجيًا قدراتهم التي يتملكونها, وهذه الحقيقة التي أدت "بهافجهرست" وعلماء نفس آخرين أن يخطوا المطالب النمائية المتوقعة لجميع فترات العمر, ولقد أدى ذلك بأحد الباحثين إلى أن يصف الموت كما لو أنه المرحلة الأخيرة من النمو.Ross. K؛ "1975". وحيث أن النمو عملية مستمرة، فإن ما يحدث في فترة معينة يؤثر في جميع المراحل التالية، فالأفراد يتغيرون نتيجة اتحاد النضج والخبرة، ولقد أشار علماء التحليل النفسي أن الطفل الذي يتلقى عناية وعطف أموي ضعيف في السنة الأولى من حياته يتوقع وجود مشكلات اجتماعية وتوافقية في المراحل المتقدمة من نموه, وعلى ذلك فإننا نجد كثيرا من علماء النفس الآن يهتمون بدراسة نمو الطفل للتفهم الأحسن لسلوك الراشد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 مراحل النمو مدخل ... مراحل النمو: مفهوم مراحل النمو نمى بصورة منطقية من مبادئ النمو التي سبق الإشارة إليها, ووفقًا لهذه المبادئ فإن الوليد البشري ينمو في طريقة خاضعة لنظام وترتيب معين, ولقد تمكن الباحثون من تحديد مراحل مميزة إلى حد ما تتصف بأنماط سلوكية معينة, كما أن استكشاف الجوانب والمظاهر الواسعة للسلوك أدى بالسيكولوجيين إلى عمل تعميمات عن أنواع سلوكية يمكن أن نتوقعها من الكائن الإنساني في أعمار زمنية مختلفة، ولقد أشار بعض الباحثين أن مفهوم المراحل النمائية يصبح أكثر جدوى عند استخدامه ليس فقط لنمط سلوكي معين، ولكن لتدوين مجموعة مترابطة موحدة من السلوك يكون مرتبطا بمستوى عمر زمني معين Ln-helder؛ "1953" Wohlwill؛ "1973" ويطلق "انهلدر" على هذه المجموعة من السلوك على أنها بمثابة بناء كامل يمكن أن يقارن بأي عينات منفصلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 من السلوك، وثمة مثال لذلك ما نراه في مجموعة من الأنماط السلوكية التي ترتبط مع الطفولة أو المراهقة. كما أننا نستخدم مفهوم المراحل النمائية، لكي تمدنا بوصف لنتائج وتواليات التغير المتوقعة كلما تقدم الوليد البشري في عمره الزمني، فمثلا مفهوم المراهقة يحضر إلى الذهن توالي خاص من الأنماط السلوكية، فالمراهقة تعني بالنسبة لمعظمنا الأنماط السلوكية المرتبطة مع النمو الجنسي، وكذلك بتحقيق استقلال أكبر من المنزل والأبوين وبالوقت المتزايد الذي يقضى خارج المنزل مع الأصدقاء وهكذا, فالمرحل النمائية تبنى أساسًا على معدل الأنماط السلوكية للشخص العادي، أي ما يصدر من أنماط سلوكية لدى أغلب الأفراد في أي عمر زمني معين كما أنها تستخدم كنوع من إيجاز ما يحدث للأفراد في فترة معينة من نموهم, بالإضافة إلى أنها تفيد في تخطيط الخبرات التعليمية المناسبة لكل مرحلة زمنية معينة. ولقد وصف "كينستون Keniston"؛ "1970" ما يشير إليه من مراحل نمائية بين المراهقة والرشد, وسمى هذه بمرحلة الشباب Stage of yoeth، ويستطرد بأن الشباب يتصف بأنماط سلوكية ترتبط بالتوترات بين الذات والمجتمع، والنفور من الأشخاص ذوي السلطة المطلقة، كما أن مصطلح الشباب كما عرفه "كينستون" يصف كثيرًا من الناس في مجتمعنا، وكثيرًا منهم ليسوا كبارًا ولكنهم كالصغار. كما أن المراحل النمائية مجرد أوصاف بسيطة لأعمار زمنية معينة مرتبطة بأنماط سلوكية معينة, وأشار "بياجيه Piaget" إلى ذلك بقوله إن المراحل النمائية السلوكية بمعنى، أنها تصف السلوك التدريجي والتغير الذاتي يمكن أن يتنبأ بها في نظام معين, كما أشارت "انهلدر Lnhelder"؛ "1953" إلى أن المرور من المراحل الأدنى إلى المراحل الأعلى، نجد الأدنى تصبح جزءا من الأعلى، حيث إن المراحل المبكرة لا تنسى، فالمهارات التي اكتسبت داخل كل مرحلة تستخدم في المراحل اللاحقة. ويشير "وهلول Wohlwill؛ "1973" أنه على الرغم من أن المراحل النمائية تصف الأنماط السلوكية، والتي تكون مرتبطة كل منها بالأخرى، إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 إن الباحثين يجب أن يتخطوا أكثر من وصف الأنماط السلوكية العامة بعمر زمني معين، حيث يجب أن يكونوا قادرين على وصف وتفسير النماذج المتداخلة بين التغيرات الاستجابية. كما أشار "جيزل وآخرون Gesell et al"؛ "1974" أن مراحل النمو عادة ما تكون متأثرة بما نسميه بالنماذج المتبادلة reciprocal interweaving بمعنى تكرار تناوب أو تعاقب القوى المتناقصة أو المتقابلة، ويستطرد "جيزل" أن هذه النماذج يحدث نموذج من الحركة المكوكية، أي إن الطفل يأخذ خطوتين إلى الأمام حتى يكتسب خبرة جديدة، وخطوة أخرى إلى الوراء عندما يدمج أو يوحد الأهداف, ويشير "جيزل" أن بعض المراحل تتأثر بهذا التمازج، ووصفها بما تسمى بعملية التوازن equolibrium وكذلك أخرى تتصف بعدم التوازن, ونجد أن أغلب الأطفال في المراحل المتوازنة يظهرون أمارات التكيف الاجتماعي الجيد، حيث من السهل عليهم التكيف مع الآخرين، وكذلك لمتطلبات البيئة، ويميلون إلى أن يكونوا أكثر إشباعًا وسعادة واسترخاء إذا ما قورنوا أثناء مراحل نمائية أخرى, كما أن الأطفال الذين يكونون في مراحل تتسم بعدم التوازن يميلون إلى أن يكونوا أكثر توترًا، ومترددين وغير آمنين، كما أنهم قد يظهرون كثيرًا من المشكلات السلوكية والتي لا تحدث أثناء المراحل الأخرى من النمو، حيث نجد لديهم مشكلات في التكيف مع الأفراد الآخرين، وكذلك مشكلات تكيف في الحياة بصورة عامة. ولقد أشارت "هيرلوك Hurlock؛ "1972" إلى أن كثيرًا من الآباء يربطون تلك التغيرات في النماذج السلوكية، بالتغيرات البيئية، وعلاوة على ذلك, فمن الأسوأ أن يربطوها في أغلب الأحيان بالطفل نفسه قائلين: إنه مزعج ودائم الشكوى ومتذمر ... إلخ, وتستطرد "هيرلوك" بقولها: إن المشكلات السلوكية لا يمكن أن تكون انحرافات فردية على الإطلاق، ولكنها بالأحرى أنماط سلوكية متنبأة تصف مرحلة نمائية معينة يمر بها الطفل. ولقد وصفها "آمز Ames" بطريقة أخرى بقوله في مراحل معينة: نجد جميع الأطفال يميلون إلى أن يكونوا خارج الجماعة التي ينتمون إليها، وإن ذلك يعتبر جزء عادي من النمو، ويجب أن يدرك الآباء أن هذا هو حال الفرد الذي يتعلم التعامل مع الأشياء بخطوات واسعة أو بقفزات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 كما أثير كثير من الجدل بين علماء النفس حول أدوار الوراثة والنضج وخبرات التعلم في النمو، وسوف نناقش هذا الجدل بتفصيل فيما بعد، إلا أنهم اتفقوا مع ذلك أن المراحل النمائية ما هي إلا نتيجة الاتحاد بين النضج والتعلم, كما أن وصف المرحلة نادرًا إن لم يكن مستحيلا أن يتم مستقلا عن البيئة التي يعمل فيها الطفل ولهذا السبب فإن كثيرًا من المراحل النمائية لا يمكن أن تنفصل كل منهما عن الأخرى، فالانتقال من مرحلة إلى أخرى تالية تكون في صورة تدريجية وتحدث في أوقات مختلفة للأطفال بواسطة خبرات تعليمية متباينة، كما أن دراسات التحليل النفسي قد اهتمت بصورة خاصة بخبرات الطفولة في فترات معينة من حياتهم. ويجب أن نشير في هذا المقام أن التوقيت يكون حاسمًا في النمو، فالطفل الذي يحرم من العطف الأموي خلال طفولته المبكرة يتوقع أن يتأثر بصورة مختلفة تمامًا عن الطفل الذي حرم من العطف الأموي في طفولته الوسطى, وبهذه الطريقة فإن المرحلة النمائية تستخدم لتفسير الاختلافات أو الفروق الفردية في السلوك، بالإضافة إلى تفسير النمط السلوكي العادي. وفي ثنايا الصفحات التالية سنلقي الضوء على بعض من النظريات في علم نفس النمو التي أشارت إلى أن النمو الإنساني يسير في مراحل معينة، وعلى الرغم من أن هذه المراحل قد تختلف أحيانًا، وأنها قد تتداخل، إلا أنها تحدث في نظام متوال، كما أنها تتغير في التعقيد والتركيب وتتحدد وتتميز مع العمر الزمني. ويسمى هذا المنحى في النمو بمنحى المرحلة التابعة Stage dependent, ولقد اهتم كثيرًا من الباحثين في النمو الإنساني من أمثال "جيزل Gesell"، و"آمز Ames" بأنماط كثيرة مختلفة من النمو، والعلاقات المتداخلة المركبة التي توجد بينها، وسنرى بعض مساهمات "جيزل" و"آمز" و"بياجيه" و"كوهلبرج" و"فرويد" و"آريكسون" في مراحل النمو الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 1- مساهمات "جيزل وآلج وآمز" : أشار جيزل Gesell مؤسس معهد علم النفس الطفل بجامعة "بيل" أن النمو يحدث في توال غير متباين، ويتضح هذا في تأملنا للنمو الحركي أو العقلي في الكائنات الإنسانية، وقد اهتم "جيزل" وزملائه بالخمسة سنوات الأولى من حياة الوليد البشري, وأشارت دراساتهم إلى أن تلك السنوات تتضمن تغييرات سريعة متنوعة ومفاجئة، ولا يمكن أن تدرس بلمحات منفردة والحقيقة فإذا تأملنا السلوك الحركي بمفردة فإن التغيرات التي تحدث من الميلاد حتى الخمس سنوات الأولى تكون جد مثيرة مفاجئة لدرجة أنه من الصعب الاعتقاد بأننا نتعامل مع نوع واحد من المخلوقات, ولقد وصف "جيزل" وزملاؤه نتيجة ملاحظاتهم للأطفال التغيرات التي شاهدوها كما يلي: "أثناء الخمسة عشر الأسابيع الأولى من حياة الرضيع، نجد نمو تحكم الرضيع في مناطق الرؤية بصورة أساسية، وخاصة نمو العضلات الاثني عشر المتعلقة بحركة العين, ومن الأسبوع 16، 18 يكشف الرضيع تدريجيًا القدرة على التحكم في العضلات التي تسند الرأس وتسمح للذراعين بالحركة، وعند حلول الأسبوع 18 يمكن للرضيع تناول الموضوعات والوصول Proximo distal ومن الأسبوع 28 إلى الأسبوع 40 يكتسب إليها، ويسير النمو في هذه الفترة وفقًا للاتجاه من المراكز إلى أطراف الرضيع تدريجيًا التحكم وضبط اليدين والجذع، حيث نجده يستطيع أن يجلس ويزحف إلى الموضوعات أو الأشياء التي ليست في متناوله وتكون بعيدة عنه، ومن الأسبوع 40 إلى الأسبوع 50 نجد النمو يمتد إلى الأرجل والقدم، وكذلك إلى إبهام اليد والسبابة، حيث يتمكن الرضيع في هذا السن من الإشارة إلى الأشياء والإمساك بها. وكان "جيزل" وزملاؤه مهتمين بنمو السلوك الحركي واللغوي والذي نعتوه بالسلوك التكيفي adaptive وهو تعلم استخدام الخبرة الحاضرة والماضية للتكيف للبيئة، والعلاقات الاجتماعية الشخصية، ولكي يكملوا وصفهم للتغيرات الملاحظة يشيرون أنه بنهاية السنة الثانية يمكن أن نتوقع من الطفل أن يمشي ويجري ويتكلم كلمات معينة، وأن يضبط إخراجه وإن العلاقات المتداخلة بين جوانب النمو المختلفة، فمثلا نجد درجة النمو الحركي تؤثر في القدرة على تعلم المطالب النمائية لعمر زمني معين, كما أنه بنهاية السنة الثانية من عمر الطفل يتوقع منه التكلم في جمل، ويفكر في الكلمات, ويظهر ميلا أكبر للتعامل مع البيئة، كما نرى نمو سلوك التناظر الوظيفي Analogy في تعلم طفل الرابعة، وقدرته على التعميم وعلى تأليف مفاهيم معينة، ويمثل هذا السن استخدام الأم كأداة موجهة لفحص العالم المحيط بالطفل، فكثيرًا ما نجده يتساءل، لماذ يحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الظلام ليلا؟ لماذا يكون لون السماء زرقاء؟ لماذا لا يسقط المطر صيفًا؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ وتقف هذه التساؤلات عند سن الخامسة تقريبًا, حيث نجده يقضي وقته الآن في التحكم في نموه الحركي الدقيق، وتعلم فعل أشياء كالمراكب والسفن والطائرات، بالإضافة إلى تعلم الاتساق والتطابق مع عالمه المحيط به, وعمومًا فإن تأثير المراحل السابقة على هذه المرحلة من النمو تكون هامة، وبدون النمو الفعلي للأنماط السلوكية السابقة، نجد من غير الممكن أن يصل الطفل إلى هذه المرحلة, وبصورة مشابهة، فإن تأثير هذه المرحلة في كل المراحل اللاحقة للنمو يكون كذلك تأثيرًا كبيرًا هائلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 2- نظرية بياجيه في النمو المعرفي : قضى "جان بياجيه" فترة كبيرة من حياته في ملاحظة الطرق التي يفكر بها الأطفال في أعمار زمنية مختلفة، وكيف يتناولون المشكلات ويحلونها. ولاحظ "بياجيه" الأطفال الصغار وكذلك الأطفال الرضع أثناء تفاعلهم مع أنواع مختلفة من المشكلات وكان مهتمًا ليس فقط في مدى قدرتهم على حل هذه المشكلات بصورة صحيحة ولكن كان مهتمًا كذلك في الأسباب التي أدت بهم إلى الاستجابة التي أجروها، وتبعًا لنظرية "جان بياجيه" يتغير تفكير الطفل في طرق كثيرة مختلفة كلما تقدم في العمر الزمني، واقترح تسلسل المراحل المعرفية، وتسمح كل مرحلة للطفل حل مشكلات مستخدمة عمليات عقلية متنوعة. ولم يتصور "بياجيه" المراحل على أنها منصفة أو غير مترابطة كلية، كما أنها ليست متداخلة بعضها مع البعض الآخر، كما أنه لم يحدد أعمارًا زمنية دقيقة تحدث فيها كل مرحلة من مراحل التفكير، وبدلا من ذلك وصف سلاسل من المراحل تختلف إلى حد ما في توقيتها، إلا أنها أحيانًا تتداخل واحدة في الأخرى معتمدة على نمط المشكلة التي يحاول حلها الطفل, وهذه المراحل كما يشير "بياجيه" تحدث في نظام ثابت لدى كل الأطفال، فالمراحل الأكثر تركيبًا تكون تابعة لأخرى أقل تركيبًا. ولم يقتصر "بياجيه" في تفسيره للمراحل بأنها تعزى إلى عملية النضج أو عملية التعلم، ولكنها نتيجة خليط من الاثنين معًا، وكتاباته النظرية أشارت إلى ما يعتقده بوضوح بأن التفاعل مع البيئة شيئًا ضروريًا لحدوث التغير المعرفي, ونظرية "بياجيه" تشير إلى أن الأطفال الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ينشئون في عزلة من الاستثارة الخارجية, قد يكون لديهم معدلات نمو معرفية منخفضة بصورة ذات دلالة, وفيما يلي نود أن نورد وجهة نظر موجزة للمراحل المعرفية الرئيسية عند "جان بياجيه" وسنتعرض لها بشيء من التفصيل فيما بعد. فتبعًا لهذه النظرية نجد الطفل أثناء العامين الأوليين يتمركز حول نمو المهارات الحسية الحركية، ولقد سمى هذه المرحلة بالحسية الحركية Sensorimotor ونرى الأطفال في تلك المرحلة يتعلمون استخدام الأحاسيس التي تأتيهم من العالم الخارجي وأن يتعاملوا باليدين ويتحكموا في عضلات أجسامهم، ويستخدم الأطفال الصغار في تلك المرحلة الاستجابات التي لا تتطلب استخدام الرموز أو اللغة. و"بياجيه" مثله مثل "جيزل" يرى أن هناك كثيرًا من التغيرات الرئيسية التي تحدث أثناء المرحلة الحسية الحركية، حيث وصفها وقسمها لعدد من المراحل الفرعية الأصغر وتتضمن المرحلة الانعكاسية المبكرة، حيث نرى أن الاستجابات الفطرية أو الولادية تكون كافية بالمراد، وتلي ذلك مرحلة ردود الفعل الدائرية حيث نجد فيها الطفل يكرر الأفعال مرة ومرات بصورة متعمدة مقصودة، يحدث ذلك مبدئيًا من أجل ذاته، وفي مرحلة متقدمة لكي يرى نتائج هذا التكرار، وأخيرًا يكررها للحصول على أهداف معينة, وفي هذه المرحلة نرى الأطفال يرمون الدمى خارج سريرهم وبصورة متكررة لكي يجذبوا انتباه الأفراد القائمين برعايتهم ولا يستطيع الأطفال تعلم التفكير في تأثير الاستجابات قبل أدائها إلا بعد أن يصلوا في نموهم إلى الشهر الثامن عشر تقريبًا, والمرحلة الأخيرة في الفترة الحركية هي التركيبات العقلية mental Combination, فالأطفال كما يشير "بياجيه" يدخلون المرحلة العقلية قبل الإجرائية Preoperational في نهاية السنة الثانية, وفي بداية هذه المرحلة نجد الأطفال ينمون استخدام اللغة بالإضافة إلى نمو استخدام الإشارات والرموز لديهم، فاللغة تفتح أبوابًا كثيرة أمام الطفل، حيث نجده قادرًا على حل كثير من المشكلات الأكثر تركيبًا وتعقيدًا، كما أنهم يستخدمون مبدأ ثبات الأشياء وبقائها Conservation وذلك بدون الحاجة إلى وجود الموضوع أو الشيء نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وفي المرحلة الحدسية Intuitive التي أشار إليها بياجيه يتمكن الأطفال خلالها من حل مشاكل متنوعة مركبة، ويتضمن ما يسميه بالتصور المبني على التفكير, فأطفال الرابعة كأطفال الثانية من العمر يمكن أن يلعبوا مع الدمى وأن يتعاملوا معها كموضوعات حية، وبعد سن الرابعة يمكن أن يستمروا في ذلك مع إضافة معلومات وبيانات بالإضافة إلى استخدامهم للرموز, ويتمكن أطفال الرابعة من حل المشكلات، إلا أنه يتضح أن لديهم قدر كبير من الصعاب في حلها منطقيًا ويشير "بياجيه" أن حلول الأطفال للمشكلات في المرحلة الحدسية يميل إلى أن تكون معتمدة على بعد استثاري واحد، بمعنى جانب واحد من المشكلة يستخدم للمساعدة في الوصول إلى الحل، فمثلا قد يقرر الطفل أن الأنبوب أو الوعاء الأطول يحتوي على كمية سائل أكبر من أنبوب أو وعاء آخر أقصر منه ولكنه أكثر اتساعًا ويحمل سائلا بكمية أكبر من الوعاء الطويل الرفيع، ويقول "بياجيه" في هذه الحالة: إن البعد الاستثاري الذي وضعه الطفل في اعتباره هو طول الوعاء. وبحلول المرحلة الإجرائية Operational تنتهي المرحلة الحدسية كما يشير "بياجيه" في حوالي سن السابعة من العمر, ويستطرد بأن هذه المرحلة تعتبر بمثابة بداية التفكير الحقيقي، ففي البداية كانت تتطلب عملية التفكير أمثلة عيانية، إلا أن تلك المرحلة من التفكير يستخدم الطفل فيها العمليات الصورية Formal ويستطيع الأطفال في تلك المرحلة التفكير وحل المشكلات بأنماط كثيرة متنوعة ومركبة. كيف تحدث جميع هذه التغيرات التي أشار إليها "بياجيه"؟ يشير "بياجيه" أن النمو المعرفي في كثير من جوانبه متشابه مع النمو العضوي، بمعنى أنه يتضمن بصورة أساسية نشاطًا موجهًا نحو التوازن equilibrium "بياجيه 1967", والذي يعني تبعًا "لبياجيه" مجموعة من الأفكار المتوازنة تنتظم داخل نظام عقلي مترابط منطقيًا والذي يمكنه أن يستخدم في حل مشكلات جديدة، وأطلق بياجيه على هذا النظام البناء المعرفي Cognitiv Structure. ووفقًا لنظرية "بياجيه" يمر الأطفال من مرحلة معرفية إلى أخرى تالية لها في كل نمط لحل المشكلة، وفي نفس الوقت نراهم يمرون من فترات عدم توازن حيث لا يستطيعون ضبط والتحكم في البيئة بواسطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 استخدام قدراتهم، إلى فترات توازن حيث يتمكنون أو يكون لديهم المقدرة العالية لاستخدام البيئة، كما أنهم يكونون على استعداد للتعلم الأكثر، فمثلا طفل الستة شهور الذي يجلس داخل عربيته قد يكون من المتيسر له أن يشد نفسه إلى أعلى واقفًا، إلا أنه لا يفعل لأنه لا يكون على استعداد للانتفاع من هذا المظهر في بيئته، وبعد مرحلة معينة وبعد أن يكون قد نمى ويمكنه استخدام ذراعيه وأرجله بصورة أفضل فإنه قد يستخدم قضبان العربة أو أعمدتها لكي يشد نفسه إلى أعلى، ومن هنا نجد أن فرصة هذا الطفل للتعلم وحل المشكلة قد اتسعت إلى حد كبير، وسمى "بياجيه" العملية التي تزداد بها قدرة الطفل لإحداث الاستجابة بالتوازن، ويشير إلى التفاعل بين عمليتين منفصلتين، وكل منهما يتبع الآخر، وهما عملية التمثيل أو الامتصاص assimilation والمواءمة accomodation فالتمثيل يحدث عندما يستخدم الأطفال مثيرات جديدة في بيئاتهم لأداء نشاطات يعرفون أداءها بالفعل, ومثال لعملية التمثيل في الفترة الحركية قد تكون الخروج من السرير الصغير والعثور على دمية أو أي شيء كالبرتقالة مثلا، وبالتالي استخدم هذه البرتقالة لأداء سلسلة من الأفعال كدحرجتها فوق السرير أو على الأرض مثلا، وذلك لأنه قدر رآها تفعل ذلك أمامه. وتحدث المواءمة أو التمثيل عندما يضيف الطفل نشاطًا جديدًا إلى ذخيرته أو يعدل السلوك القديم، فالطفل قد يظل في نقالته "سريره" لفترة طويلة من الوقت قبل أن يتحقق وبصورة مفاجئة بأنه يجب عليه استخدام قضبان سريرة لأداء عمل أو نشاط جديد، وتعتبر أول رفعة لوضع الوقوف بواسطة الطفل في نقالته ما هي إلا مثال جديد للمواءمة والتمثيل والمواءمة عمليتان يتبع كل منهما الآخر, فالتمثيل بمثابة ازدياد عدد المثيرات التي تؤدي الاستجابة لها، والمواءمة هي ازدياد عدد الاستجابات التي تم أداؤها للمثيرات المتمثلة بالفعل, بمعنى أنه كلما تمثل الأطفال نجد ازدياد قدرتهم على المواءمة، ومنطقيًا فبدون التزود بالمثير المناسب من البيئة، فإن كل من العمليتين قد تتوقف, ولقد كان "بياجيه" يشك في القدرة لتعليم الأطفال المفاهيم المركبة والمتقدمة في المراحل المعرفية المبكرة, وشعر أن هذه المحاولات لا تمد الطفل ولا توفر له المثيرات المناسبة والمتماثلة للبناءات المعرفية للأطفال، وبالتالي يميل الطفل إلى الإخفاق، وتبعًا "لبياجيه" فإن تنزويد الطفل بالمثير المناسب، فإن عمليتي التمثيل والمواءمة يتبع كل منهما الآخر في ازدياد فالبناءات المعرفية الأكثر تركيبًا نجدها تتكون بالتالي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى ... نظرية كولبرج في نمو التفكير الخلقي: لم يقتصر اهتمام "بياجيه" على تفسير النمو المعرفي فقط، ولكنه كان مهتمًا كذلك بنمو التفكير الخلقي، وأشار إلى أن التفكير الخلقي يشبه في نموه وتدرجه الأشكال الأخرى من النمو المعرفي حيث يحدث في مراحل الواحدة منها تلو الأخرى, ويعتبر "لورنس كهلبرج" في نظريته لنمو التفكير الخلقي امتدادًا لآراء "جان بياجيه" في ذلك، حيث أشار إلى مراحل ينمو خلالها التفكير الخلقي عند الأطفال، وكان منهج "كوهلبرج" في ذلك أن قابل أولاد ما بين سن العاشرة إلى سن السادسة عشر، وسألهم بأن يستجيبوا لمشكلات تتضمن مأزق خلقية افتراضية مشتملة على صراعات معينة, وحاول في هذه المشكلات أن تكون معقدة ومركبة حيث لا يوجد لها إجابات صحيحة ففي كل مشكلة يمكن أن يعطى الأطفال إجاباتهم معتمدين على أي تسلسل من الاتساق المصطنع، أو التوقعات الاجتماعية، أو الإخلاص والالتزام بالقانون إلى اعتبارات أعلى، مثل حقوق وسعادة الآخرين. ولقد وجد "كولبرج" مثل "بياجيه" علاقة إيجابية بين العمر الزمني والمرحلة الأخلاقية التي يكون عليها الطفل Kohlberg؛ "1969". وأشار أن المراحل الأخلاقية مثل المراحل المعرفية تبدو كأنها نتاج لتفاعل الفرد مع بيئته، كما أشار إلى أن ازدياد النمو في التفكير الخلقي لا يحدث من خلال التعليم المباشر، بمعنى أنه لا يمكن أن يتعلم من خلال نماذج الدروس التعليمية التقليدية، ولكنها تنمو من خلال عمليات مركبة معقدة تتضمن عوامل أخرى مثل "التفاعل مع الآخرين" ويضيف أن معظم الأفراد في مجتمعنا لا يصلون المرحلة الأعلى من النمو الأخلاقي. وهي الأخلاقية المعتمدة على المبادئ الخلقية العالمية، حيث ما يقرب من 5، 6% منا قد يبلغون هذا المستوى الأعلى من الأخلاقية. مراحل "كولبرج" في الحكم الخلقي: يعتقد "كوهلبرج" أن الكائن الآدمي يكتسب إحساس العدل خلال مراحل متتابعة من النمو، ففي عام 1957 عندما كان يجري بعض دراساته في جامعة شيكاغوا، بدأ في اختبار الحكم الخلقي لجماعة مكونة من 72 طفلا يتراوح أعمارهم ما بين 10، 16 سنة عن طريق توجيه بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الأسئلة إليهم متضمنة مسائل ومعضلات أخلاقية مثل. - يمكن للمرء أن يسرق الدواء لإنقاد امرأة تموت. - مخترع الدواء الذي يبيعه بعشرة أمثال تكلفته الأساسية. - الزوج الذي يشتري بعض الأشياء الضرورية لزوجته، إلا أنه لم يستطع دفع ثمنها، ما الذي يجب أن يفعله الزوج؟ ومن إجابات الجماعة استطاع "كولبرج" أن يميز بين ستة أنماط رئيسية للأحكام الخلقية، والتي وجدها متساوية مع المراحل النمائية، ويشير إلى أن الاختبارات اللاحقة لنفس المجموعة بعد ثلاثة سنوات قد أظهرت نموًا متقدمًا خلال نفس المراحل وبنفس النظام، ومراحل "كوهلبرج" في نمو الأحكام الخلقية يمكن إيجازها فيما يلي: 1- الوعي بالثواب والعقاب، وكذلك بالقوى الجسمية والمادية. 2- التوجيه نحو اللذة، بوجهة نظر وسيلية للعلاقات الإنسانية، وبداية الأفكار العامة عن التبادلية، ولكن تأكيد تبادلية المنفعة والمصلحة، مثل قول طفل "إنك خدشت لي ظهري وسأفعل ذلك لك". 3- التوجه نحو أخلاقيات الولد الطيب، حيث يبحث في هذه الفترة عن الحصول على التوقعات الاجتماعية، والفوز بالاستحسان في جماعته الحالية، وتعرف الأخلاقية بواسطة الفرد نفسه بأنها رابط من العلاقات. 4- التوجه نحو السلطة والقانون والواجب، وذلك لكي يساعد على الاحتفاظ والاستمرار بالنظام الثابت سواء كان اجتماعيًا أو دينيًا، والذي يعتبر قيمة أولية. 5- توجيه العقد الاجتماعي مع التأكيد على المساواة والالتزام المشترك المتبادل داخل نظام ديمقراطي ثابت، بمعنى انتشار الأخلاق داخل المؤسسات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 6- مبادئ الضمير الخلقية، والتي تتصف بالإدراك المنطقي الشامل والقيمة العليا التي توضح في حياة الإنسان والمساواة والشرف والكرامة. وجدير بالذكر أن "كولبرج" لم يعرف هذه المراحل أو يحددها بآراء أو أحكام خاصة، ولكنه يصفها بطرق التفكير في الأمور الأخلاقية وأسس وقواعد الاختيار، فالمرحلة الأولى والثانية والتي تنطبق على الأطفال الصغار، فقد وصفها، "كولبرج" بمرحلة ما قبل الخلقية Premoral حيث وجد أن المناقشات التي أجريت مع الأطفال كانت متمركزة وبصورة واسعة حول الميول الذاتية والاعتبارات المادية، كما أن المجموعة الثالثة والرابعة وهي الجماعة الموجهة كانت تتصف بالتمسك بالعرف وبقواعد السلوك المرعية والتي يندرج فيها معظم الأفراد الراشدين، والمرحلة الخامسة تميز ما بين 20-50% من الراشدين، إلا أن المرحلة السادسة لا يصل إليها إلا ما بين 5-10% فقط من الأفراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 نظرية "فرويد" في النمو : يعتبر "فرويد" من المساهمين الرئيسيين في النمو، باعتبار تدرج الوليد الإنساني في مراحل معينة، فمن ضمن أعمال "فرويد الكلاسيكية" ثلاث مقالات في النظرية الجنسية والتي كتبها عام 1905 بنيت أساسًا على ملاحظاته القليلة فقط، إلا أن الخصائص التي لاحظها عززت بواسطة آلاف من الملاحظات الإضافية والتي سمحت له أن يعدل ويهذب ويوضح مفاهيمه، ونظرية "فرويد" سميت بنظرية التحليل النفسي، وذلك لاعتمادها على منحى المرحلة المعتمدة، بالإضافة إلى تأكيدها الدور الحيوي الذي تلعبه الخبرة في نمو شخصية الوليد الإنساني، وتشير هذه النظرية بأنه ما لم تقابل الحاجات الأساسية للطعام والحب والدفء والأمان في المراحل المبكرة من حياة الإنساني، فإن نمو الشخصية بالتالي سيتوقف arrested وسمى "فرويد" ذلك التثبيت Fixation ويشير إلى التثبيت في مراحل النمو المبكر يسبب بواسطة إحباط الحاجات الأساسية، وبالتالي يؤثر في الشخصية في كل مراحل النمو التالية، وبهذا المعنى فإن كل مرحلة تؤلف فترة حرجة من حياة الطفل، وبدون التثبيت يعتقد "فرويد" أن الأطفال قد يمرون بمراحل نمو ذات نظام محدد متتالٍ، حيث أن التثبيت يعوق بناء شخصية الطفل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ويشير "فرويد" إلى خمسة مراحل رئيسية في النمو، وكل منها يتصف بمشكلات تكيفية جديدة يجابهها الفرد، وأول هذه المراحل تحدث أثناء فترة الرضاعة، وتتصف بالسلوك السلبي والاعتمادية من جانب الطفل، والرضاعة تعتبر المصدر المنظم للإشباع في هذا العمر، حيث نجد حياة الطفل تتمركز حول الأم، حلمة الثدي وإبهام اليد وأطلق "فرويد" على هذه المرحلة بالفمية Oral Stage. والمرحلة الثانية من النمو تبعًا "لفرويد" ترتبط بالميل في التحكم وضبط الأمعاء والمثانة، وسمى هذه المرحلة بالشرجية Anal Stage ويتعلم الأطفال في هذه المرحلة اختيار التحكم والسيطرة على بيئتهم، حيث يقدرون على إعطاء الغائط أو عدم إعطائه, وأثناء هذه المرحلة يكتسبون اللغة ومهارات الاتصال, كما أن التثبيت عند هذه المرحلة من النمو تنتج خصائص مختلفة من التثبت الفمي حيث يشير "فرويد" أن الطفل حينئذ يكون متسلطًا ومنظمًا وصلبًا قاسيًا بصورة أكثر مما ينبغي، أو أنه قد يصبح على نقيض ذلك متسمًا بالفوضى بصورة مفرطة، وعدم النظام وغير قادر على تحمل المسئولية. ويدخل الطفل المرحلة القضيبية من وجهة نظر التحليل النفسي عندما يصبح على دراية بالاختلافات الجنسية والاستمتاع المرتبط بها، ويشير "فرويد" أن ذلك يحدث في الطفولة المبكرة، ونجد في هذا الوقت ينمي الطفلَ تعاطف متزايد للأب من الجنس العاكس والشخصية تبعًا لذلك تبدأ في التشكل حيث يبدأ الطفل في استكشاف العالم المحيط به وأن يذوب نظام القيم. والمرحلة القضيبية تتبع ما يسميه "فرويد" بمرحلة الكمون في الطفولة الوسطى، حيث يبدأ الطفل في تحويل انتباهات الحب الأولى إلى أفراد خارج المنزل, فالميل إلى الأقران يتزايد، ويصف بعض المؤلفين هذه المرحلة بأنها مرحلة السكون الذي يسبق العاصفة Westlak "1973". والمرحلة الخامسة هي المرحلة التناسلية، وهي فترة العنف والعواطف بحلول المراهقة نرى زيادة سريعة وارتفاعا مفاجئا في الحوافز الجنسية الغريزية، والحاجة إلى إنهاء الارتباطات الأبوية، وينشأ موقف من الصراعات يوجد في كثير من المجتمعات خاصة الأوربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية : يعتبر "أريكسون" من أوائل محللي الطفل في منطقة بوسطون Boston, وقد أشار بمراحل نفسية اجتماعية للنمو تتشابه أو توازي مراحل فرويد، وأن هذه المراحل تصف توجيه الطفل إلى ذاته وكذلك إلى عالمه الخارجي، ويختلف "أريكسون" عن "فرويد" في إحساسه أن الشخصية لا تكون محددة في الطفولة المبكرة، ولكن يستمر نموها طوال حياة الكائن الآدمي, وبهذا المعنى أحس الكثيرون أن "أريكسون" قد عدل عن تأكيد "فرويد" على مرحلة الطفولة كبداية ونهاية لنمو الشخصية Elkind؛ "1970". ويعتقد "أريكسون" مثله مثل "فرويد" بوجود فترات حرجة للنمو، ويشير إلى أن هذه الفترات تتسم بالاضطراب أو بنقاط تول حاسمة، وكذلك بإمكانية فترات العودة، ويعزي ذلك إلى التغيرات الجذرية التي تحدث في مجرى نمو الطفل، كما أن المشاكل النمائية التي يجابهها الطفل في مرحلة معينة من نموه إن لم تحل ستظهر مرة أخرى في أي مرحلة تالية، ومع ذلك فقد كان مختلفًا عن "فرويد" في تفاؤله بأن الإخفاق في مرحلة ما يمكن أن يصحح بالنجاح في المراحل التالية، بالإضافة فإن حل مشكلات في عمر زمني معين لا يستلزم بالضرورة حلا لمشكلات أخرى سابقة. ويشير "أريكسون" بثماني مراحل للنمو النفسي الاجتماعي كل منها تتزايد في النمو والتركيب عن المرحلة السابقة عليها، وتتصف المرحلة الأولى بتعلم الطفل أن يثق أو لا يثق في البيئة وذلك أثناء السنتين الأوليين من حياة الطفل، وتبعًا "لأريكسون" فإنه في حالة إشباع حاجات الطفل عن طريق أمهات محبة دافئة سوف يعلمن أطفالهن الثقة، بعكس ذلك نجد الأمهات الباردات غير المعولة والأمهات البديلة ستخلق شخصيات عديمة الثقة لدى أطفالهن. والمرحلة الثانية في فترة الطفولة من سن 2-3 سنوات تتصف بتعلم الاستقلال الذاتي Autonomy أو الشك عندما ينشئون معتمدين كلية على الأم أو على ما هو مكان الأم؟ فإن الطفل قد يتعلم التحكم في البيئة بصورة ناجحة أثناء هذه الفترة إذا أعطيت له التدعيمات المناسبة من الآباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أو المربين، ومن جانب آخر فإن الطفل الذي يتلقى إفراطا في الحماية والعناية به، قد يتعلم الخوف من البيئة، كما أن ضعف الرعاية والحماية للطفل ينتج خبرات غير سارة، وقد ينتج مخاوف متشابهة مع الحالة الأولى، كما أن الشعور بالذنب ينمو أثناء السنة الرابعة من حياة الطفل، ويرجع ذلك إلى استجابات الأفراد من حوله إذاء تدريب الطفل المستمر مع البيئة من حوله، وتتساوى هذه المرحلة من النمو مع ما يسميه "فرويد" بالمرحلة التناسلية. ويستطرد "أريكسون" بأن سنوات المدرسة المبكرة من سن 7-11 هي السنوات التي ينمي الطفل فيها أحاسيس الكفاية أو الدونية، ويتعلم الطفل أثناء هذه السنوات الارتباط بأقرانه، وأن يتعامل بالقواعد والعرف وأن يؤدي المهام الدراسية, ومكافأة التعلم والمساعدة عليه يؤدي إلى الإحساس بالكفاية وعلى نقيض ذلك عدم القدرة في التعامل مع البيئة والإخفاق يؤدي إلى أحاسيس الدونية. ولقد كان "أريكسون" معروفًا باهتمامه بفترة النمو في المراهقة، إذ يشير أنها ما بين 12- 18 سنة عادة ما يكون المراهقون في شغل شاغل للبحث عن هويتهم وذاتيتهم، فإما أن يتمكنوا من تحقيقها أو يحدث لهم ما يسميه ارتباك أو خلط لأدوارهم rolr-Confusion, ويرجع ذلك إلى ما يحدث في تفاعلاتهم مع العالم وسنلقي بعض الضوء على كثير من مشكلات المراهقة في فصل قادم من هذا المؤلف. والمرحلة السادسة والسابعة والثامنة للنمو عند "أريكسون" تلقي الضوء على ميول واهتمامات الراشدين، ففي أثناء الرشد المبكر نجد صفات من Generativity في مقابل الاستغراق أو الانشغال بالذات Selfabsorption وأخيرًا نرى التكامل في مقابل اليأس أو القنوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 التعلم: انتهينا في الجزء السابق من وصف المتغيرات التي تحدث عند الأطفال كلما تقدم بهم العمر الزمني، كما ألقينا الضوء على بعض من النظريات المرتبطة بتلك التغيرات والمصاحبة للعمر الزمني للوليد الإنساني، وعادة ما يسمى هذا المنحى في النمو بمنحى المرحلة المعتمدة Stage- dependent؛ لأنها تصف التغيرات السلوكية كسلسلة من المراحل التي تتزايد في التركيب والتعقيد مع النمو في العمر الزمني. وسنناقش سويًا تفسير آخر للتغير في السلوك الإنساني وهو منحى التعلم البيئي للنمو، فالتعلم يعتبر بمثابة تغير دائم نسبيًا في السلوك الإنساني الناتج من تفاعلات الطفل مع البيئة المحيطة به, ونجد علماء النفس وبعض النظر عن نظرياتهم في تفسير السلوك يتفقون على شيء واحد، وهو مدى حاجة الأطفال إلى التفاعل المستمر مع بيئاتهم حتى ينموا بصورة سوية، فالرضيع مثلا لا يمكنه أن ينمي بمفرده القدرة على الإمساك بالببرونة "البزازة" وذلك بسبب عدم نضج القدرة الحركية لديه، وإذا لاحظنا أن الطفل يتعلم تدريجيًا هذه المهارة من خلال سلسلة من التفاعلات مع أمه وزجاجة اللبن, فالتعلم يبدأ منذ هذا السن حيث تمسك الأم الزجاجة لوليدها وتميلها على نحو مناسب، وبالتالي يتلقى الوليد اللبن. ويتبع هذا السلوك بسلسلة من الخطوات التوسطية والتي فيها تتخلى الأم تدريجيًا عن الإمساك بزجاجة اللبن كلما استطاع الطفل السيطرة والتحكم في الإمساك بالزجاجة، وفي النهاية فإنها قد تدعه يفعل ذلك بمفرده. فالطفل قد تعلم الإمساك بالزجاجة بدون مساعدة، وتدرجيًا يقلع عن مساعدة الطفل عندما تكون استجابة الطفل لهذا العمل أكثر ملاءمة وتناسبًا، فالأم هنا ساعدت على تغيير سلوك وليدها أي على إحداث التعلم لديه. يتفق علماء التعلم البيئي مع علماء نظريات المراحل المعتمدة في أن التغيرات السلوكية ترتبط في طرق معينة بالعمر الزمني، إلا أنهم لا يتفقون معهم على أن ذلك يعتبر سببًا لهذه العلاقة، ولقد أشار أحد رواد هذا الاتجاه "بروبت جاجنه" Gagne"؛ "1968" إلى أن مراحل "جان بياجيه" في النمو المعرفي تعتمد على ثمة عاملين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 1- تعتمد على ما يعرفه الطفل بالفعل. 2- وتعتمد كذلك على الدرجة المتبقية التي يجب أن يتعلمها الطفل لكي يصل إلى الهدف. وتبعًا لجاجنه فإن الطفل يتقدم من مرحلة إلى أخرى في نموه ويرجع ذلك إلى تعلمه في تسلسل منتظم لإمكاناته والتي يبنى بعضها على بعض في طريقة تقدمية، وكل مستوى مرتفع من التعلم يتطلب مستوى تعلمي سابق أقل، وكلما تدرج الأطفال في نموهم كلما أصبح أداؤهم أميل إلى الإتقان عن المستويات السابقة لعمرهم الزمني، وعلى ذلك فالأطفال الأكبر عادة ما نجدهم يتمكنون وبنجاح من حل المشكلات المتطلبة لمعدل منخفض من التعلم, ويشير "جاجنه" أن بناءات "بياجيه" المعرفية تبعًا لذلك ليست دليلا على الاختلافات النوعية أو الكيفية ولكنها بالأحرى قدرات مكتسبة خلال الخبرة مع البيئة، وبهذا المعنى فإن مراحل النمو المعرفي لا ترتبط كثيرًا بالعمر الزمني، كما أن التعلم يأخذ وقتًا لحدوثه. الاستعداد والتعلم: نمو الاستعداد وصف بواسطة علماء التعلم البيئي بطريقة متشابهة إذ يشيرون أن الاستعداد عبارة عن تراكم المهارات المتعلمة فيما سبق ففي الأعمار الزمنية المبكرة نجد الأطفال قد لا يكونون قادرون على أداء واجبات معينة، ولا يرجع ذلك لعدم نضوجهم بالفعل، ولكن يرجع إلى أنهم لم يكتسبوا حتى تلك اللحظة المهارات اللازمة والمتطلبة لذلك، وإذا تمكنا من توفير برامج لتعلم هذه المهارات المتطلبة لهم، فإنهم يستطيعون أداء واجبات أكثر تركيبًا وأكثر تعقيدًا في أعمار زمنية مبكرة، وتبعًا لوجهة النظر هذه فإن النمو يكون عبارة عن التغير السلوكي المتطلب برمجة معينة. ولقد اقترح كثير من علماء نظرية التعلم البيئي أنه يمكن أن نعلم الأطفال الصغار حل كثير من المشكلات والمسائل المجردة ما دامت قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 تعلمت المهارات الضرورية السابقة لها، ويستطرد "جيروم برونر" J. Bruner؛ "1960" أن أي موضوع يمكن أن نعلمه الأطفال في أي عمر زمني بصورة فعالة في بعض الطرق العقلية الصحيحة، وذلك بتوفير المناهج المصممة, وتوفير أدوات هذه المناهج بالإضافة إلى الطريقة المستخدمة في التدريس, فأدوات المنهج تبعًا لبرونر يجب أن تتضمن مشكلات حيث يجري تقديمها بصورة منطقية من الأشياء البسيطة إلى المركبة إلى الأكثر تركيبًا، ويتطلب ذلك توفير المدرسين ذوي الكفاءة العالية إذ يجب عليهم مساعدة الأطفال في حل المسائل المركبة المعقدة, ولقد اعتقد "برونر" أن هذه الطريقة والتي أطلق عليها بالمنهج اللولبي Spiral curriclum يمكن أن تزيد بصورة ملحوظة معدل النمو العقلي عند الأطفال. وعرفنا منذ وقت طويل أن الأطفال يمكنهم تعلم المهام المركبة بصورة عالية في أعمار زمنية مبكرة وذلك أكثر مما كنا نتوقع عمومًا, وأشارت "ماريا منتسوري" M. Montessori منذ حوالي نصف قرن مضى أنها استطاعت تعليم أطفال صغار جدًا حل مشكلات معقدة بصورة عالية، حيث تمكنت من تعليم أطفال إيطاليين أصغر من أربعة سنوات أن يقرءوا ليكتبوا في مدة شهر ونصف تقريبًا من الإعداد الأولي لهم. وجدير بالذكر فإن طريقة "منتسوري" غير عادية في فعاليتها وتأثيرها على عملية تعلم الأطفال الصغار، ونجد الآن في كثير من البلاد أنهم طوروا البرامج التعليمية والتي فيها يتعلم الأطفال كثيرًا من الواجبات والأعمال المركبة والمعقدة بصورة عالية، وذلك في أعمار زمنية مبكرة، كما يشير "برونفبرنر" Bronfenbrenner؛ "1970" أن أطفال ما قبل المدرسة بالاتحاد السوفيتي يمكن أن يتعلموا أداء كثير من المهام والواجبات المعرفية في أعمار زمنية مبكرة إذا ما قورنوا بأقرانهم بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمومًا فإن الطرق المؤثرة ذات الفعالية يمكن كذلك في بلاد صغيرة وأقل غنى من الدولتين العظمتين, وهذا ما يشير إليه "جانيت جيبسون" J. Gibson؛ "1978" حيث وجدت في إحدى رحلاتها بجزيرة قبرص واندهشت بما لاحظته في زيارتها لإحدى فصول ما قبل المدرسة "الحضانة" بنيقوسيا في أن الأطفال في مثل هذا السن الصغير كانوا يتعلمون مسائل جبرية متقدمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وأثبتت الدراسات كذلك أن الأطفال يستطيعون تعلم المتطلبات الحركية في أعمار زمنية مبكرة، فالباحثون في معهد دراسات الأطفال بموسكو أشاروا أن النمو الحركي يمكن التعجيل به من خلال عمليات التدريب وتدليل عضلات الأطفال الصغار. كما درست تأثير خبرة التعلم على سلوك الطفل مثلا دراسة "براكيل" Beackbill؛ "1958" أشارت إلى تأثير الإشراط الآدمي على استجابة الابتسام للأطفال، وأجرى كل من "روس وآخرون" Ross& Others؛ "1959" دراسات متشابهة على النحو اللغوي أشارت إلى نتائج متطابقة مع الدراسة السابقة، ويشير بعض علماء نظرية البيئة مثل "جاجنه" Gegne وبرونر Bruner أن العمر الزمني يؤدي إلى وجود الاختلافات في كيفية تعلم الأفراد، فالمراهقون لا يتعلمون بنفس الطريقة التي يتعلم بها الأطفال ويرجع ذلك إلى الاختلافات في خبرة كل من الفئتين، ويشير "سكينر" Skinner كذلك أن كثيرًا من مبادئ التعلم تكون عامة وتنطبق بصورة متساوية على الأفراد في جميع الأعمار الزمنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال : اهتم كثير من علماء نظرية البيئة بالتعرف على المبادئ العامة وراء تعلم جميع الأفراد, وسنتأمل سويًا في ثنايا الصفحات التالية تفسيران مختلفان في كيفية تعلم الأطفال التفسير الأول الذي يناصره السلوكيون حيث يقصر تلك الدراسة إلى ما يمكن أن يلاحظ في سلوك الأطفال، أي على سلوك الطفل نفسه, والثانية هي نظرية الدافعية والتي تفسر السلوك التعلمي على وصف ما يجري بداخل الطفل من حاجات ودوافع ويعتبر "واطسون" Watson؛ "1930" ويتفق كثير من السيكولوجيين اليوم مع وجهة نظر "واطسون" في أن السلوك الإنساني يعتبر بمثابة شيء حقيقي وموضوعي، وعلى ذلك نجدهم يدرسون فقط الأنماط السلوكية القابلة للملاحظة أو القياس 1- الإشراط الكلاسيكي: أشار "واطسون" نتيجة تجاربه المعملية أن التعلم يحدث عندما تكون موضوعات البيئة مرتبطة الواحدة منها بالأخرى، وفي دراسة "لواطسون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ورينور" Watson& Raynor؛ "1930" أشارا إلى أن طفل الحادية عشر شهرًا من العمر يمكن أن يتعلم إبداء استجابات الخوف من فأر أبيض ولقد أشار إلى الحالة "ألبرت" Albert حيث كان يستجيب بالابتسام والتهويل عند تقديم الفأر الأبيض له، وفي نفس الوقت كان يبدي استجابة خوف "صياح وبكاء" عندما كان يعرض إلى ضجيج، وبعد قرن قدم "واطسون ورينور" الفأر مرات كثيرة مع الضجيج المرتفع، فقد بدأ الطفل في إبداء الخوف عند تقديم الفأر بمفرده، وبعد ذلك عمم استجابة الخوف على جميع الحيوانات المتشابهة مع الفأر أو ذات الفراء. وتعلم الطفل هذا وسمي بالإشراط الكلاسيكي Classical Conditioning والتقليدي، وعادة ما يحدث هذا الإشراط في الحياة اليومية للأطفال، فمثلا صوت جرس المدرسة عادة لا يثير أي استجابة خاصة لدى الطفل الصغير والذي لم يدخل المدرسة بعد، ففي معظم الأحيان يكون ذلك الصوت مثيرًا محايدًا حيث يصبح مرتبطًا مع بداية اليوم الدراسي وعادة ما يستجيب التلاميذ له بأخذ أماكنهم داخل الفصول وجذب انتباههم إلى المدرس، أي إن هذا المثير أنتج استجابة اجتماعية مرغوب فيها. إلا إننا نجد في بعض الأحيان أن هذا الإشراط الكلاسيكي لا يثير لدى الأطفال استجابة اجتماعية مرغوب فيها وذلك عندما يكون المدرسون معاقبين مستبدين وبالتالي نجد الأطفال عادة ما يربطون الخوف من العقاب بكونهم داخل الفصول المدرسية ومن ثم ينمي هؤلاء الأطفال استجابات خوف شرطية كلاسيكية، فالأطفال الصغار الذين خبروا الألم والمرض أثناء إقامتهم بالمستشفى، غالبًا ما يكونون ارتباط الألم بالأطباء والممرضات، وهم الأشخاص الذين كانوا متواجدون أثناء شعورهم بالألم والمرض, وبالتالي قد نجدهم ينمون استجابات خوف معممة ترتبط بأي زيارة إلى المستشفى وربما لزيارة عيادة طبيب, ولسوء الحظ فإن أغلب هذه الحالات تبقى معهم هذه المخاوف لسنوات عديدة من طفولتهم. 2- الإشراط الأدوى: الإشراط الكلاسيكي عبارة عن تعلم يكون نتيجة المثيرات التي تسبق الاستجابة المتعلمة، ففي الحالة التي رأيناها سابقًا يرى أن تقديم الفأر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الأبيض والصوت أو الضجيج الصاخب قد سبقتا استجابة الخوف للطفل, وفي نمط آخر لدراسات التعلم بواسطة السلوكيين، فقد تبعت الاستجابة المتعلمة بأنواع من مثيرات متنوعة أخرى، ويسمى ذلك بالإشراط الآدوي، فالإشراط الآدوي يمكن أن يحدث في نفس الوقت، كما في حالة الإشراط الكلاسيكي. ويركز، "سكينر" أن السلوك يتأثر بما يتبعه، حيث أشار إلى أن الأنماط السلوكية المتبوعة بأنواع معينة من المثيرات تكون أكثر ميلا في أن تحدث مرة أخرى في المستقبل Skinner؛ "1953، 1968"، فمثلا إذا قرأت هذا الفصل بعناية هذه الليلة، وتلقيت درجة ممتاز في الامتحان في اليوم التالي، فإنك ستكون أميل لاستخدام نفس الطريقة التي استخدمتها من حيث العناية في الامتحانات المستقبلية، وذلك أكثر مما إذا كنت قد حصلت على تقدير منخفض، فالسلوك الدراسي الدقيق المتهم يسمى حينئذ بالاستجابة الآدوية Operant resonse أي إنك تعمل وتجتهد في داخل بيئتك لكي تحصل على النتيجة المرغوب فيها بالنسبة إليك, والتعلم الآدوي أحيانًا يعزى كما لو أنه أشراط وسيلي Lnstrumenral Cond وذلك لأن الاستجابة التي فعلت تكون وسيلية لتحقيق نتائج معينة. والتدعيم وفقًا لعلماء نظرية التعلم الآدوي، يعتبر بمثابة أي مثير له تأثير في ازدياد الاستجابة الفورية السابقة، والتغذية الرجعية Feed Back للامتحان، إن كانت أخبار حسنة تكون تدعيمًا، كما أن قيمة أي مثير معين كمدعم يعتمد على الشخص الذي يجري عليه التدعيم، فمعظم الطلاب الجامعيون الذين يريدون تحقيق تقديرات عالية عادة ما يستخدمون كمدعمين، كما نجد في جماعة المراهقة نرى أن استحسان الأقران الاجتماعي للقائد, يميل إلى أن يكون مدعمًا قويًا جدًا أكثر من أي تغذية رجعية يستطيع المدرس تقديمها، وبين أطفال ما قبل المدرسة وجد أن استحسان الأقران والأصدقاء يعتبر بمثابة مدعم قوي أكثر من استجابة المدرس لهم، وكما يشير Calrk؛ "1974" ورفاقه، أن ما نعتبره في أحيان كثيرة مثيرًا غير سار، قد يثبت فيما بعد على أنه مدعم قوي. المدعمات الأولية والثانوية: تسمى بعض المدعمات أحيانًا بالمدعمات الأولية، وهي التي تعتبر شيئًا ضروريًا للبقاء أو الحياة وأمثلة ذلك الطعام بالنسبة للجائع، والمأوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بالنسبة للتائه في البرية، وثمة مثيرات أخرى لا تكون ضرورية للبقاء الحيوي أو المادي مثل النجاح والاستحسان الاجتماعي، إلا أنها تكون ذات فعالية وتأثير كبير على سلوك الإنسان، وتسمى بالمدعمات الثانوية، وتكتسب تأثيرها وفعاليتها من خلال الفرص المتكررة لها، فالطفل المولود لا يغير سلوكه بسبب التقدير، كما أن الأطفال في بداية مهدهم لا يتأثرون بالاستحسان الأبوي، إلا أن ذلك يحدث فقط فيما بعد عندما يصبح الاستحسان الاجتماعي مرتبطًا بإشباع الحاجات الأولية، والنجاح يصبح مرتبطًا بالاستحسان, فالمال يعتبر بمثابة مدعم ثانوي قوي لكثير من الأفراد, وذلك لارتباطه الوثيق بالمدعمات الأولية التي يمكن شرائها به. والتدعيم قد يحدث بعد إجراء الاستجابة بصورة مباشرة أو قد يحدث أحيانا فيما بعد، ولقد أشار السيكولوجيون أنه كلما تأخر التدعيم كلما كان تأثيره على الاستجابة أقل, فالطالب الجيد في علم نفس النمو سيكون لديه دافع أكبر وأقوى إن عرف نتيجة امتحانه مباشرة، وذلك أكثر من الطالب الآخر الذي ينتظر أسبوعين مثلا لمعرفة نتيجة آدائه. والقدرة على التعلم بواسطة التدعيم المتأخر تنمو تدريجيًا فقط. جداول التعزيز والانطفاء: في أي موقف تعلمي، من الممكن أن يحدث التدعيم بعد إجراء كل استجابة فردية مرغوب فيها، كما يمكن أن يقدم بعد حدوث مجموعة من الاستجابات المرغوب فيها، ويطلق على النمط أو النموذج الذي يقدم المدعمات عن طريقها بجداول أو قوائم التدعيم. وأول من أشار إليها "سكينر" حيث وجد تفاوتًا كبيرًا في الاستجابة تبعًا للطريقة التي تتم بها المكافأة، وليست المكافأة والعقاب عند "سكينر" مجرد عاملين مستقلين يؤثران على عملة التعلم، ولكنهما عاملان حاسمان في السلوك، ولقد أثبت "سكينر" بتجاربه أن توقيت واحتمال المكافأة يؤثران في كيفية ومتى وأين وما إذا كان الفعل سيقع، وكذلك ما إذا كان من الممكن تعلمه أم لا، فالتعزيز يشكل السلوك، وفي تجربته على الحمام وجد "سكينر" أن الطائر لو كوفئ على فعله كل خمس دقائق، فإنه لن ينشط بل وسينام لمدة أربعة دقائق, ثم ينشط فجأة بشكل غير عادي مستجيبًا كلما اقتربت لحظة المكافأة, وعلى عكس ذلك فإن الطيور التي كان يكافؤها بعد كل خمسين أو ستين استجابة كانت تتجاوب بالسرعة التي تستطيعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وتشير الدراسات النفسية أن الجداول المستمدة من التدعيم تؤدي بصورة أسرع إلى نماذج نظامية من الاستجابة، كما أنه من المفيد جدًا في المراحل المبكرة من التعليم توفير التدعيم في كل مرحلة يعمل فيها المتعلم استجابة مرغوب فيها، فإن ذلك سوف ينتج معدل راسخ وثابت من الاستجابة, ومع ذلك فبمجرد توقف التدعيم نجد اختفاء الاستجابة وانطفائها, فإذا تعود أحمد على تلقي المديح في كل مرة يفعل فيها شيئًا معينًا, وفجأة نرى الأم توقف من مديحها له، فإن أحمد يحدث لديه انطفاء للاستجابة التي كان يؤديها، وتشير الدراسات كذلك إلى أن جداول التوقيت الثابتة تؤدي إلى ازدياد الاستجابة في نهاية كل مرة, فالمدرس الذي يجري امتحان كل يوم سبت، نجد تلاميذه يستعدون له ويميلون إلى المذاكرة المنهمكة كل يوم جمعة من الأسبوع. تشكيل السلوك: في البداية عادة ما نجد الأطفال الصغار لا يعرفون كيفية عمل الاستجابة المرغوب فيها، فمثلا عندما نعلم الطفل كيف يكتب اسمه، فإننا يجب أولا أن نعلمه كيف يمسك القلم، وبعد ذلك نعلمه كيف يعمل الحركات المتطلبة لكل حرف، وفي النهاية نعلمه كيف يكتب الحروف في تتابع مناسب والتدعيم، الذي يتبع كل خطوة للطريقة يؤكد حدوث التعلم, وهذه العملية التدعيمية المتتابعة حتى الاستجابة النهائية المرغوب فيها تسمى بعملية تشكيل السلوك Shapin behavior كما إن إجراء استجابات مركبة معقدة تتطلب تشكيلا متتابعًا للاستجابة النهائية. المدعمات الإيجابية والسلبية: جميع أنواع التدعيمات التي تحدثنا عنها تؤدي إلى ازدياد الاستجابات السابقة بصورة مباشرة فهذه التدعيمات تكون سارة ومشبعة وبالتالي يريد المتعلم أن تحدث، وتسمى هذه التدعيمات بالمدعمات الإيجابية، وجدير بالذكر أن هناك كثير من المثيرات تؤثر على التعلم بصورة مختلفة، فالمدعمات السلبية هي المثيرات التي يحاول المتعلم إيقافها وإنهاءها بثمة مثيرات تقوي وتدعم الاستجابات الهروبية، بمعنى أنه كلما تعلم الهروب من المدعم السلبي، فإنه سيكون أميل لإجراء ذلك في المستقبل Hilgard& Bower؛ "1975", ويشير الباحثون أن الاستجابات الهروبية الاجتماعية المرغوب فيها قد تكون متيسرة للمتعلم، إذا كان التدعيم السلبي يتمركز في تعليم ما نرغب فيه Solomon؛ "1964" فعندما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 لا نريد تعلم "أ" أن يأتي إلى المنزل متأخرًا في المساء، فإن كان الشيء الوحيد الذي نعلمه هو توبيخه بعد عودته متأخرًا، ولكن الأجدر أن نفسر لـ"أ" قبل مغادرته المنزل بعد الظهر ماهية السلوك المرغوب اجتماعيًا الذي يمكن أن يؤتيه حتى يتحاشى المدعم السلبي. ولكن ما الذي يحدث عندما يصفع أو يضرب "أ" بعد حضوره متأخرًا في المساء والاحتمال الأكبر هنا أن الأم أو الأب يفعلا ذلك لأنهما يفترضا أن ذلك سوف يقلل احتمالية عودته متأخرًا فيما بعد, ويشير Estes "1944" إلى أن العقاب وحده وبدون أي تعلم آخر لا يوقف كليا السلوك غير المرغوب فيه، كما نجد "هليجارد وبارو" يشيران إلى أن الاستجابة لا يمكن أن تظهر من ذخيرة الكائن السلوكية بفعل العقاب بمفرده, حيث إننا نجد أنه عندما يزال العقاب فإن الفرد يعود تدريجيًا إلى معدل استجابته قبل العقاب، وبدون تعلم "أ" الاستجابة الاجتماعية المقبول فمن الممكن توقع وصوله دائمًا إلى المنزل متأخرًا, بغض النظر عن التوبيخ واللوم القاسي الذي يعطى إياه. وجدير بالذكر فإن سوء الفهم الذي اكتنف تأثير العقاب قد شجع بعض المدرسين في المطالبة بالاستمرار في العقاب الجسدي عندما يكون سلوك التلاميذ غير طيع، فإن كان كل ما ينفعه هو الضرب أو التوبيخ الشديد وليس غير ذلك، فتبعا للسلوكيين فلزاما علينا أن نضرب ونوبخ إلى الأبد! ولكن قبل أن نأخذ هذا المسلك يجب علينا أن نتذكر تأثيرًا معروفًا آخر للمثيرات غير السارة المستمرة في داخل بيئاتنا, فعندما تكون البيئة مرتبطة بالمثيرات غير السارة، فإننا في نفس الوقت ننمي لدى أطفالنا استجابات خوف ارتباطية، وتعميم الخوف أو القلق يرجع غالبًا إلى العقاب المستمر أو التدعيم السلبي, وتبعا لذلك فإن والدة "أ" تحاول طرق أخرى غير التوبيخ الشديد أو الضرب فقط لكي تعلم "أ" أن يحضر إلى المنزل في الموعد المحدد. إدارة أو تشكيل السلوك: عندما ندعم بصورة مقصودة السلوك المرغوب فيه ونتجاهل أو نعاقب السلوك غير المرغوب فيه، فإننا نستخدم في هذه الحالة ما يسمى بإدارة السلوك، وتحدث هذه العملية يوميًا داخل المنزل والفصول الدراسية، فعادة ما يدعم الآباء الأنماط السلوكية المرغوب فيها اجتماعيًا لدى ولديهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 عن طريق الاستحسان الاجتماعي والحب، كما نرى المدرسين كذلك يستخدمون المديح والدرجات الجيدة داخل فصولهم لنفس هذه الغاية. ولكي نطبق مبادئ إدارة السلوك في طريقة منتظمة، فمن الضروري أولا أن ندرس بعناية ذخيرة الطفل من الاستجابات، وعلى ذلك فإننا لا يمكن أن ندعم السلوك الذي يظهر، فعندما لا تظهر الاستجابة المرغوب فيها بصورة أولية، بحيث ندرك أنه يجب علينا أن نشكل تلك الاستجابة فعن طريق التدعيم البطيء الدقيق والتقريبات المتتابعة للسلوك المرغوب فيه، إلى إن يظهر هذا السلوك في نهاية الأمر, وعندما تظهر الاستجابة المرغوبة فيها بصورة منقطعة، حينئذ يجب علينا أن نكون دائمًا منتبهين حتى نتبعها بالمدعمات لكي نتأكد من عدم انطفائها. وجدير بالذكر، فإن أي شخص يستخدم وسائل إدارة السلوك مع الأطفال يجب أن يكون خبيرًا, مهتمًا في اختيار المدعمات, فلا يوجد مثير متفرد واحد سوف يدعم جميع الأطفال بصورة متساوية، فالمديح يعتبر مدعمًا مؤثرًا لبعض الأطفال، كما أن النجوم داخل الكراسات المدرسية أو التي ترتبط في أعلى صدر الطفل قد تكون أكثر تأثيرًا بالنسبة لأطفال آخرين، كما نجد بالنسبة للمراهقين أو استحسان جماعة المراهق يعتبر مدعمًا أكثر تأثيرًا وفعالية من أي مدعم آخر. وإحدى طرق اختيار المدعمات في الموقف التعليمي تكون في أن تسمح للأطفال أن يعملوا الاختيار بأنفسهم، وتسمى إحدى الطرق لإجراء ذلك بمبدأ بريماك Premack؛ "1959", حيث يتضمن ملاحظة سلوك الطفل بعناية أثناء اللعب الحر، وأن يسجلوا الأنماط السلوكية التي غالبًا ما تحدث بصورة متكررة، ويستخدمون نفس السلوك في مرحلة لاحقة أثناء عملية التعلم لإحداث التدعيم المرغوب فيه، بمعنى أنهم سوف يسمحون للأطفال أن يمارسوا السلوك كمدعم، فمثلا الأطفال الذين يهتمون بقضاء معظم أوقات فراغهم في قراءة الكتب الفكاهية المسلية، يسمح لهم بقراءة هذه الكتب كمدعم للسلوك المرغوب فيه، والأطفال الذين يقضون أوقات فراغهم في لعب المباريات من الممكن أن يستخدم اللعب كمدعم لما نرغب في تنمية من أنماط سلوكه. ولقد أثار بعض النقاد الاهتمام حول الأخلاقيات المتضمنة في برامج إدارة السلوك، حيث يتساءلون هل من حق أي فرد أن يمارس الضبط والتحكم في سلوك الآخرين؟ وهذه الاهتمامات الأخلاقية كما نوقشت فيما سبق تستأهل اعتبارًا جادًا من الباحثين، فحقوق الأطفال، وكذلك الراشدين يجب أن توضع في الاعتبار دائمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 نظرية الدوافع : كثير من علماء التعلم شعروا أن المنحى السلوكي لم يقدم تفسيرًا كاملا لما يحدث عندما يتعلم الطفل، وحاول أصحاب نظرية الدوافع أن يصفوا ما يحدث داخل الأطفال لكي يفسروا حركاتهم وأنماط سلوكهم. ويشير أصحاب هذه النظرية أن جميع الأنماط السلوكية ذات معنى وهدف وبدون وصف هذا الهدف حينئذ نتجاهل جوانب هامة من عملية التعلم. وبطبيعة الحال فإن علماء نظرية الدوافع لا يمكنهم ملاحظة الغرض من السلوك بصورة مباشرة، إلا إنهم يستدلون على وجوده من المعلومات والبيانات التي يستطيعون ملاحظتها, ولكي نفسر هذا الاتجاه لسلوك الطفل الإنساني فإنه من المهم أن نتفهم سويًا ثلاثة مفاهيم أساسية لهذه النظرية ألا وهي الحاجات والحوافز والدوافع, وسنلقي الضوء على تلك المفاهيم في ثنايا الصفحات التالية. فالحاجة Need اصطلاح أدخله "ليفين" في علم النفس في الثلاثينات، وبمعنى شعور المرء بأنه ينقصه شيء أو يلزمه شيء، أي إنها حالة داخل الفرد والتي قد تخفض الكتيف المشبع للبيئة، وبعض الأمثلة لذلك حاجة الطعام والحب، كما أن الحاجات الضرورية للبقاء الجسمي تسمى بالحاجات الأولية، فالطعام يعتبر حاجة أولية Primary Need، إلا أن الحب ليس كذلك، حيث يعتبر حاجة ثانوية Secondary Need، ولكن إشباع هذه الحاجات الثانوية ضروري للنمو السوي للكائن الآدمي، فعلى الرغم من أنها ليست ضرورية للبقاء المادي للإنسان إلا أنها تأتي عن طريق التعلم لتكون ذات أهمية وفعالية في التكيف الأفضل للإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وتبعًا لنظرية الدافعية، فإن حاجات الطفل تحدث الحافز Drive وهو حالة داخلية تجبر الطفل على النشاط والحركة، فعندما يكون الرضيع في حاجة إلى الطعام يصبح أكثر نشاطًا يتلوى ويصيح، ويسمي أصحاب نظرية الدوافع أن ما يفعله الرضيع يكون بينة أو دليل لحافز الجوع لديه وعندما يكون لدى التلاميذ حاجة ثانوية للتحصيل والإنجاز نجدهم يصبحون في حالة نشطة للدراسة والتحصيل، ومن المهم أن نشير إلى أن الاتجاه الذي يتخذه نشاط الحافز بصورة أولية "قبل التعلم" يكون غير مميز، فعلى الرغم من أنه قد يتصف بمعدل نشاط عال، إلا أن الفرد منذ البداية لا يكون لديه هدف معين في تفكيره، ومثال على ذلك ما نراه لدى المولود حديثًا, فبعد ساعات قليلة من المولد نجد أن لديه حاجة قوية إلى الطعام، وفي هذا السن، لا نستطيع الافتراض بصورة مؤكدة بأن الرضع يعرفون صدور أمهاتهم المخفض لحاجاتهم، حيث لا يكون لديهم حتى الآن الفرصة لاستقبال الطعام من خلال أفواههم، إلا أن حافز الجوع يجبرهم إلى نشاط عام حيث نجدهم يصيحون ويتلوون من الجوع، وكلما ازدادت الحاجة تبعًا لنظرية الدافعية فإنها تفعل أو توجد الحافز المحصل أو الناشئ Resultant. فكلما كانت الفترة أطول التي يقضيها الرضيع بدون إطعام فمن الممكن أن نتوقع أنه سوف يصيح لفترة أطول, وبعد أن يطعم فقط، وتخفض حاجته يمكن أن نتوقع بأن نشاطه سوف يتوقف. وبطبيعة الحال نجد الرضيع كلما تقدم به العمر يخبر تخفيض الحافز من خلال صدر الأم، وبعد ذلك عندما يصيح، فإن ذلك سيكون لغرض الحصول على صدر الأم، ويسمى هذا السلوك بالسلوك الدافعي الموجه، وتحدث الدافعية فقط عندما يتعلم الطفل من خلال اقتران هدف الموضوع مع تخفيض الحافز لمباشرة نشاطات في طرق معنية للحصول على هدف معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 هرمية "ماسلو" للحاجات : لقد وجد في أعمال "ماسلو" "1943-1954"، إحدى المحاولات الأصلية للتعامل مع نظم الحاجات المركبة، إذ يشير أن الحاجات يمكن أن توصف بدقة وبوضوح بواسطة الهرمية المرتبة من الحاجات البسيطة إلى الأكثر تركيبًا، وبالتالي تصبح الحاجة مهيمنة ومسيطرة عندما يشبع فقط الحاجات الأدنى من هذه الهرمية. وتبعًا "لماسلو" نجد الحاجات الفسيولوجية أساس نظرية الدافعية حيث نراها مهيمنة مسيطرة في حالة عدم اشباعها، فالأطفال الذين يكونون تحت وطأة هذه الحاجة لا يهتمون مثلا بحاجات الاجتماع أو حاجات الاستحسان الاجتماعي, حيث نجد المدعمات الاجتماعية العادية ذات تأثير ضعيف على سلوكهم، وحاجات الأمن، أي الحاجة، إلى بيئة آمنة مستقرة تلي ذلك، وقد نجد هذه الحاجة تهيمن على وجود بعض الأطفال سيئوا الحظ والتي تكون حياتهم العائلية مضطربة بسبب الانفصال الأبوي مثلا, ويلي ذلك الحاجة إلى الحب والانتماء, فالشباب الذين يشعرون بعدم التقبل والذين لا يشعرون بالألفة والوئام مع زملائهم في المدرسة، عادة ما يصبحون ذوي مشكلات سلوكية أكثر، كما أن حاجات التقدير عادة ما يشبع من خلال الإنجاز، ويستطيع الآباء والمدرسون أن يدعموا هذه الحاجات عن طريق مكافئة تلك الحاجات وتوفير فرص النجاح أمام التلاميذ، ومع ذلك، وحتى في حالة إشباع هذه الحاجات يشير "ماسلو" إلى أن الطفل سوف يشعر بعدم الرضا والقلق إلا إذا عمل ما يرغب فيه وما يستطيع القيام به، أي ما يسميه "ماسلو" بحاجات تحقيق الذات وتحدث عندما يتمكن الأطفال من إشباع الحاجات إلى الفهم والمعرفة. يوضح الشكل رقم "1" هرمية "ماسلو" للحاجات الدافعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الدافعية الداخلية والخارجية: يميز علماء النفس بين ما يسمى بالدافعية الداخلية والدافعية الخارجية Extrinsic Motivation وتحدث الدافعية الخارجية عندما تكون النشاطات موجهة نحو موضوعات خارجية لخبرة التعلم كالمكافآت المالية التي تعطي للسلوك الطيب، والدافعية الداخلية Lntrinsic Motivation تعزى إلى الدافعية والتي تستخدم الخبرة نفسها كهدف فقد يدفع الأطفال داخليًا إلى العلم والقراءة. وذلك لأن القراءة تعتبر بمثابة شيء ممتع مشوق والدافعية الداخلية بهذا المعنى تعزى إلى ما يسميه السلوكيون بالنشاطات المدعمة ذاتيًا. ويشير "هارلو وال" Harolw & al؛ "1950" أن الكائنات الإنسانية غالبًا ما تكون مدفوعة بحب الاستطلاع والحاجة إلى الاستثارة، بمعنى أن الشيء الجديد غير المألوف لخبرة التعلم يمكن أن يستخدم كهدف أو غرض, ويبدو أن الأطفال يستمتعون بالاستكشاف بدون الحاجة إلى مكافأة لافتة للنظر، ومما هو جدير بالذكر فإن هذه الحقيقة تدعم مفهوم أن الدافعية الداخلية يمكن أن تكون العامل الأساسي للتعلم. ونجد أن كثيرًا من طرق التدريس الحديثة تستغل الدافعية الداخلية، فمثلا الطريقة المعروفة بسوزوكي Suzuki في تعليم الأطفال ما بين 1.5: 2 سنة عزف الكمان وذلك عن طريق إجراء لعب الكمان بالنسبة لهم كمكافأة بغض النظر عن أي مكافأة خارجية Pronko؛ "1969"، كما أن بعض المناهج المبتكرة التي أشار إليها Moore؛ "1968" تستغل الدافعية الداخلية لدى الأطفال بواسطة طريقة البيئة المستجيبة، حيث ندد أن الدافعية تأتي من خلال معرفة الأطفال أنهم يتعلمون، كما أن التعليم المفتوح والذي يساعد فيه الأطفال على بناء منهجهم الخاص بهم يعتمد كذلك وبصورة كبيرة على الدافعية الداخلية. والتفسيرات التي أعطيت للحاجات والحوافز والدوافع تساعد على توضيح الأسباب التي يعزى إليها أن كثير من الأطفال يبدون كما لو أنهم غير مدفوعين إلى التعلم، فدافعية نمو الإنجاز والتحصيل في كثير من جوانبها تتفق مع دافعية الرضيع للحصول على صدر أمه، بمعنى أنها تنمو فقط عندما يكون الطفل قد تعلم توجيه النشاط نحو هدف أو غرض معين، وقد يكون هذا الهدف خارجيًا "كالتقدير المرتفع أو الدرجة العالية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وقد يكون داخليًا "كالمتعة في حل المسائل والمشكلات الجديدة". والدافعية يمكن أن تحدث فقط بعد حدوث خفض الحافز، فالأطفال الذين قد فشلوا في الماضي في كل شيء حاولوه, لن يكون لهم أبدًا فرصة إخبار تخفيض الحافز في مواقف التعلم ومثل هؤلاء الأطفال يمكن توقع عدم قدرتهم على التحصيل والإنجاز إلى أن تحدث تغييرات أساسية في الموقف التعلمي, وبالتالي فبدلا من قولنا أن "أ" لا يتعلم لأنه لا يكون مدفوعًا إلى التعلم, نجد المدرس الناجح يقول: إن "أ" لا يكون لديه الدافعية بسبب كونه لا يتعلم. وعادة ما نفترض أن الأطفال سوف يدفعون برغبة تحاشي الإخفاق أو العقاب، وهذا المنحى يمكن أن يكون صادقًا أحيانا خاصة مع الأطفال الذين قد تعلموا بالفعل كيفية تجنب الإخفاق، إلا أنه بالنسبة للطفل الذي يخفق دائمًا، فإن علماء الدافعية يشبهون في تفسيرهم علماء التعلم بأنهم يتنبئون نقصًا مستمرًا في الدافعية لدى هذا الطفل. ولقد اقترح "جاجنه" Gagne؛ "1970" طرقًا أكثر إيجابية بواسطتها يمكن أن يكون الأطفال في حالة دافعية للتعلم؛ فمثلا الدافعية من خلال الرغبة في الحصول على الاستحسان الاجتماعي من الأقران, ولبناء مراكز تقدير الذات والتحكم أو البراعة في المهارة، وللتعامل بصورة استقلالية وكذلك للإنجاز والتحصيل. ويشير اقتراح سيكولوجي آخر في أن نجعل التعلم ذا معنى وهدف حيث اتضح أن الغرضية Meaningfulness ذات أهمية قصوى في التعلم Underwood؛ "1964" فعندما يفهم الأطفال الفوائد التي يمكن أن تسفر عنها مجهوداتهم حينئذ تكون دافعيتهم متزايدة، كما أنهم عندما يكونوا قادرون على الوصول إلى أهدافهم نجد تزايد دافعيتهم كذلك. وعلى ذلك فعن طريق ترتيب وتنظيم التعلم في خطوات قصيرة، نجد أن الخطوة التالية يمكن أن تفهم بسهولة ويصل إليها الطفل ويعتبر بمثابة طريقة أكثر فعالية وتأثيرًا في التدريس، إذا ما قورنت بطريقة المثيرات المبغضة أو التي يكرهها الطفل. الدوافع والتغير النمائي: يشير علماء سيكولوجية النمو أن الأنماط من الداوفع تهيمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 في أعمار زمنية مختلفة، فتبعًا لكاجان Kagan؛ "1971" أن الدوافع التي تشغل البال هي عادة تلك المرتبطة بالأهداف التي لا يكون الواحد فيها مؤكدًا إنجازه أو الحصول عليه وهذا الشك أو عدم التأكد يتغير كلما نضج الطفل, ويستطرد كاجان أن الطفل في بداية شهور حياته الأولى لا يوجه بأي شيء أو لأي أهداف ما عدا تلك المرتبطة بإشباع حاجاته الفسيولوجية، وبنهاية السنة الأولى وعندما تشبع هذه الحاجات نجد الدوافع المرتبطة بالأهداف غير الفسيولوجية تبدأ في الظهور، فالرضيع ذو التسعة شهور الذي يعبر عن القلق والاندهاش لاختفاء دميته عن ناظريه، يومئ لنا بأنه يريد تلك الدمية، وبصورة مماثلة فإن طفل الثمانية عشر شهرًا عندما يبكي عندما تغادر أمه الحجرة يظهر لنا الحاجة إلى وجود أمه، وعندما يصل الطفل إلى الثالثة فإنه لا يقتنع فقط في مجرد التماس وجود الأم، ولكنه يلتمس كذلك الاستحسان الأموي، فطفل الثالثة يريد أن يعانق، وفي فترة لاحقة في الرابعة من لا يريد كثيرًا أن يعانق، ولكن في جعل أمه متعلقة به أو معاقبة له. كما أن سنوات المدرسة المبكرة تتصف بنمو حاجات الكفاية وذلك كما يشير "كاجان" فأثناء هذه الفترة نجد الرغبة في الكفاية والجدارة بالإضافة إلى التقبل من الأقران تكون تلك الحاجات قوية لدى طفل الحضانة, كما يظهر أطفال السنة الأولى حاجات قوية للبرهنة أو إظهار أنهم ذوو قيمة، فالمديح يكون ذو فعالية وتأثير كما هو في العناق، ونجدههم عادة ما يؤدون الواجبات المدرسية لتلقي المديح فقط من المدرس. وأطفال السنة الأولى الذين يكون لديهم مشكلات في القراءة فعلا لا يشعرون بعدم الجدارة أو التفاهة فقط، ولكنهم كذلك يكونون على دراية شديدة بأن أقرانهم يمكن أن يرو إخفاقهم. ويدخل الفرد طور المراهقة، وينبثق لديه اهتمامات وميول جديدة، ومن أولها الدوافع الجنسية القوية، والجاذبية الجنسية التي تشعره بالتقبلية، والمرغوبية، وعمومًا فإن المراهق الذي يشعر بعدم الأمان في الأمور المتعلقة بالجنس غالبًا ما نجد لديه صعوبة كبيرة في التكيف مع أقرانه، وأيضا إلى بيئته المدرسية, والأنماط السلوكية الجنسية تتعلم تدريجيًا خلال فترة الطفولة فنجد الفتاة مثلا تلتمس بصورة شديدة اكتساب المديح والثناء ونراها تقضي ساعات في ضم شعرها وتسريحه وتجريب عدة تسريحات عليه، كما أن المراهق الذي يعتقد أن أبوه سوف يفتخر به لمهاراته الرياضية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 قد يعمل ويتدرب لساعات كثيرة في النادي ليكتسب مديح وثناء والديه, وبطبيعة الحال نجد أن في المقبولات الثقافة يؤثر في نماذج السلوك الجنسي، إلا أن الحاجة إلى التقبل ذات فعالية وبغض النظر عما إذا كان السلوك المختار صحيحًا من الناحية الثقافية أم لا. النموذج والدافعية: يدفع الأطفال منذ أعمارهم المبكرة بالحاجة إلى الحصول على تواجد أمهاتهم, ومع تقدم العمر نجدهم يتلمسون مجرد وجود الأم، بالإضافة إلى استحسان وتقبل الأم، وتشير باندورا Bandura؛ "1969" أنه ليس بمستغرب أن يتعلم الأطفال أنماط سلوكية جديدة من خلال تقليد أمهاتهم أو القائمين برعايتهم وتنشئتهم, فالأطفال ابتداء يتعلمون الاستماع وبعد ذلك تقليد ومحاكاة أصوات الوالدين أو القائمين مقامهم. ويشير Hureh& Sherman؛ "1973" أنه عندما يدعم التقليد، بالاستحسان يؤدي إلى تكوين اللغة، ويختار الأطفال النماذج التي تكون مشابهة لهم وتبعًا لآراء "كاجان" Kagan "1971" يشير أنه كلما كانت السمات والملامح متشابهة، كلما كان اعتقاد الطفل أرسخ بأن النموذج يشبهه، ولأجل ذلك نجد الأطفال يميلون إلى تقليد سلوك الأب من نفس الجنس، فالطفل الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات، عندما يقلد سلوك الأب بأن يجلس في حجرة مكتبه ويكتب في أوراقه نجده يبدي سلوك نموذج الجنس Sex Typed Behavior كما أن الطفلة التي تحاكي سلوك أمها بالجلوس في المطبخ ومحاولة مسك الأواني، تظهر صورة جديدة لسلوك نمط الجنس. وتكتسب نماذج شخصية كثيرة من خلال تقليد الأطفال ومحاكاتهم النشاطات الأبوية، وعادة لا يكون الآباء على دراية بالأنماط السلوكية التي تحاكي فقد كان أحيانًا غير مرغوب فيها، ومثال ذلك نرى أن الأم العدوانية عادة ما تنشئ الابنة بأنماط سلوكية عدوانية، وتتضمن عملية المحاكاة كذلك نسخ الفعل وليس الشخص، فمحاكاة الأب من نفس الجنس ما هي إلا مجرد الخطوة الأولى في عملية التعلم، وكلما تقدم الطفل في عمره الزمني يتبع التقليد بما تسميه نظريات التحليل النفسي بعملية التقمص Ldentification، وهو عملية لا يتبنى الأطفال أنماطا سلوكية فقط، ولكن كذلك معايير النموذج والتي تتحكم في سلوكهم وبمرور الوقت نجد الأطفال يتمكنون من التحدث عن أهداف رمزية، وأحد هذه الأهداف الرمزية التي يحصل عليها أثناء عملية التقمص هي المتعة واللذة البديلية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 فالأطفال الذين يتقمصون مع نموذج يعتقدون أن بعض خصائص هذا النموذج تخصهم وتصفهم, وبالتالي يظهرون احتواء بديليا مع النموذج. فالطفل ذو الأعوام الثلاثة الذي يقلد أباه عن طريق نسخ حركات والده في أي عمل، وطفل السادسة عندما يحاول أن ينظف سيارة والديه بنفسه عندما يسمع مثلا أن جدته سوف تأتي لزيارة الأسرة يفعل ذلك لأنه يعتقد أن والده قد يرغب أن تكون السيارة نظيفة في تلك المناسبة، وطفل السادسة هذا يستمتع بثناء جدته على تنظيف السيارة، كما أن المراهق الذي يحاول أن يرضي والده من خلال العمل الرياضي يتذكر المشاعر والأحاسيس المبكرة الأولى عند والده. ويتقمص الأطفال النماذج المشابهة لهم، بالإضافة إلى النماذج التي تعطي الحب والانتباه وتشير نتائج دراسات Yussen & Ulevy "1975" أن الأطفال يولون الانتباه الأكبر إلى النماذج الدافئة المحبة، وذلك أكثر من تلك النماذج التي لا تمدهم بالدفء والحب، وبالتالي فإن الأطفال يميلون لمحاكاة الأمهات الدافئة الحانية، ويتجاهلون الأمهات الباردة غير المستجيبة. ويتقمص الأطفال كذلك النماذج ذات القوة والسلطة, ويسمى ذلك بالتقمص مع المعتدي فالآباء مثلا قد يستخدمون كمصادر للتدعيم للأطفال الصغار، كما أنهم يتخذون كمصادر للعقاب والضبط والتحكم, فكل اللاءات تعلمت من خلال ما نسميه بالتعلم الكاف Prhibtion Learnig وهذا المصطلح عادة ما يصف تعلم اللاءات، حيث أنها غالبًا ما تتعلم من خلال التقمص مع نموذج في المدرسة ذو سلطة وقوة والذي يقول: "لا" ومثال سمعته من أحد تلاميذي في المدرسة إذ يقول "أ" إلى صديقه الحميم "ب" وذلك بعد أن أعلن المدرس عقاب "ب" لعدم أدائه الواجب المدرسي، يقول له: إنها غلطتك، فالمدرس قال بأننا جميعًا يجب أن نفعل الواجبات المدرسية، ونجد أن "أ" قد تلقى متعة بديلية بالتقمص مع السلطة أو القوة "المدرس" المعاقب، فبالتقمص مع المدرس نجده يتلقى أحاسيس ومشاعر بديلية من القوة والسلطة, كما أن مقاومة الإغراء والامتثال والطاعة نجدها قد تعلمت بنفس الطرق سابقة الذكر فالطفل الصغير الذي يغري بأخذ الحلوى من الدولاب مثلا عندما لا تكون أمه ملتفتة إليه ينتهي به الأمر بقوله: لا.. لا ويسحب يديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أنماط تعلم الأطفال : في مناقشة نظريات التعلم السابقة لم نميز بين أنماط كثيرة من التعلم الممكن, ولقد ميز جاجنه Gegne؛ "1972" بين خمسة ميادين منفصلة أو أنماط للتلعم وهي التعلم الإدراكي، تعلم المعلومات اللفظية وتعلم المهارات العقلية، وتعلم الاستراتيجيات أو الخطط والتدابير المعرفية، وتعلم الاتجاهات، وكل منها تتصف بطرق تعلم ناجحة ومختلفة كل منها عن الأخرى, وسوف نتأمل هذه الأنماط بشيء من التفصيل, كما أننا سوف نتطرق إليها في كثير من الفصول التالية. 1- تعلم الإدراك الحركي: يتضمن الإدراك تمييز معنى المثيرات داخل البيئة، ويشتمل التعلم الحركي استخدام الجسم في ثمة طرق ويستخدم أمثل الطرق في الأشياء المدركة، ونمو الأطفال في كل من مهاراتهم الإدراكية والحركية يعتبر بمثابة شيء هام بالنسبة لهم, وهذه حقيقة سواء كانت طوال السنوات المبكرة حيث تكون المهارات الأساسية كالزحف والمشي قد تعلمت وكذلك في المراحل اللاحقة أثناء سنوات الدراسة كما نجد أثناء فترة الطفولة الوسطى مهارات كثيرة دقيقة تنمي كالمهارات المتطلبة للقراءة والكتابة والنشاطات الحركية الإدراكية تتدخل في جميع مجالات الحياة، وبالنسبة للراشدين نجدهم مثل الأطفال حيث نجد أن المهارات المتقدمة تكون ضرورية للأداء الاجتماعي المقبول. ويشير "ميرل Merrill؛ "1971" أن المهارة الحركية ما هي إلا سلسلة من الحركات الدقيقة المتكاملة والتي تؤدي لغرض معين، كما أن التعلم الحركي يشبه الأنماط الأخرى من التعلم، ويتأثر بصورة كبيرة بواسطة التدعيم ومعرفة النتائج أشير إليها بأنها تعتبر مدعمًا قويًا بالنسبة للطفل في نمو قدرته الحركية، كما أن توضيح الأهداف يحسن الأداء. ويشير Locke& Bryan؛ "1966" أن صعوبة الأهداف والغايات يعتبر شيئًا مهمًا في تعلم المهارات الحركية، فالهدف الذي يكون سهلا للغاية الوصول إليه سوف ينتج الملل, وعلى نقيض ذلك نجد أن الهدف عندما يكون صعب للغاية ولا يمكن إنجازه سوف ينتج الإحباط عند الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ويتضمن الإدراك استخلاص المعنى من العالم المحيط بنا وعالم الطفل مليء بالمثيرات، لكي يتمكن من استخلاص معلومات ذات معنى بالنسبة له منها، فالطفل قد يتعلم أولا أن يختار وأن يميز، والتعلم الإدراكي مهم في كثير من نماذج أو أنماط الواجبات والتي تندرج من المستوى الحسي البسيط إلى الأفعال المركبة المعقدة، وتعلم التمييز بين الأشكال المميزة لكل من الأحرف الأبجدية والتعرف عليها يعتبر بمثابة الخطوة الأولى في تعلم القراءة. وتشير "جيبسون" "1978" في تجربتها على تعلم أطفال في الرابعة من العمر القراءة أن خطتها أظهرت ملامح معينة من الأخطاء التي وقع فيها الأطفال وكانت هذه الأخطاء نتيجة الخلط أو الالتباس الإدراكي، وتستطرد جيبسون أن المعنى كذلك يكون ذو أهمية كبيرة لتعلم القراءة حيث أشارت نتائجها أن تعلم الكلمات ذات المعنى كان أسهل وأسرع للأطفال عن تعلم الكلمات عديمة المعنى. 2- تعلم المعلومات اللفظية: يشير جاجنه Gagne أن المعلومات اللفظية تعني تعلم الحقائق والمبادئ والتعميمات المتضمنة فيما نسميه بمجموعات المعرفة Bodies of Knowledge ويشير كثير من علماء النفس النمو أن عندما نجعل المواد اللفظية ذات معنى ومغزى بالنسبة للطفل حينئذ تكون أسهل للمتعلم، ومثال على ذلك إذا سألنا طفلا لكي يحفظ صفحة واحدة من الشعر الجاهلي القديم، نراه يجد صعوبة بالغة إذا ما قورن ذلك بسؤالنا إياه أن يحفظ صفحة من الشعر الحديث. ويشير Travers أن السبب في ذلك يرجع إلى أنه عندما تكون المادة المتعلمة ذات معنى ومغزى تكون أسهل في تعلمها من المادة التي ليست كذلك. بالإضافة إلى أن الزمان والمكان اللذين يتم فيهما تعلم المعلومات اللفظية يشكل كذلك عاملا هامًا في عملية التعلم, وعموما فإن التعب يحل بالمتعلم إذا أرهق في تعلم شيء من الأشياء وعلى نقيض ذلك إن كان التعلم على فترات نظامية Gibson؛ "1968"، وليس بمستغرب أن الدراسة المتعجلة لأداء الامتحانات نادرًا ما تنتج النتائج المرغوب فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 3- تعلم المهارات العقلية: وهو عبارة عن ضرب من المثيرات ذو ملامح مميزة والتي فيها يميز الفرد بين مفهوم وآخر، ومفهوم التعلم القدرة على تصنيف المثيرات تبعًا لهذه الصفات المميزة العامة، كما أن التعلم التمييزي يتطلب القدرة على التمييز بين المثيرات تبعًا لاختلافاتها, وجدير بالذكر أن تعلم المهارات العقلية عملية مستمرة، فكل طفل وبسبب خبرته المفتردة يصنف تلك الخبرات بطريقة متفردة فمثلا قد نجد أن مفهوم "أحمد" عن البوليس قد يتضمن صفات الدفء والحنان والمساعدة، في حين نجد مفهوم "هشام" عن رجل البوليس قد يتضمن الإيذاء والقبض والعقاب. كما أن القدرة على استخدام اللغة أمر مهم لنمو المهارات العقلية، فتبعا لنظريات المرحلة المعتمدة أو التابعة كما أشرنا سابقًا, ترى أن التفكير التصوري يزداد في التركيب مع ازدياد العمر الزمني للأطفال, وتبعًا لنظريات العلم البيئي فإن ذلك يتم من خلال الخبرات ذات المغزى والدلالة طوال حياة الفرد والتي يوصف فيها المفهوم الواحد في كثير من الأشكال أو الصور المختلفة, فالممارسات أو التدريب في حد ذاته فقط وبدون المعنى لا يحسن من تعلم المهارات العقلية، وفي ذلك يشير Elkind & Other؛ "1970" أن التعلم يزداد عن طريق التطبيقات التربوية التعليمية للمواقف الجديدة، وذلك أكثر مما يحدث نتيجة الممارسات أو التدريبات المتكررة. وإحدى طرق تعلم الأطفال مفاهيم عامة مثل "الحرية" في المقررات الاجتماعية، يكون ابتداء بأن نضع في اعتبار الأطفال الحرية السياسية والشخصية والاجتماعية، كما هي حادثة فعلا في المجتمع، ويلي ذلك الفهم الشامل لمفهوم الحرية، حيث يجب أن يمارس الأطفال ويتدربون على ما تعلموه في مواقف جديدة وعلى سبيل المثال تكوين هيئة تحكيم طلابية ضابطة في داخل المدرسة والتي تسمح لهم باختبار هذه الحريات الفردية المختلفة. 4- تعلم إجراء التخطيطات المعرفية: يشير "جاجنه" Gagne أن الاستراتيجيات أو التخطيطات المعرفية تتضمن تنظيم المهارات الذاتية التي تضبط سلوك الطفل في عملية التعلم والتذكير والتفكير، ويطلق بعض علماء النفس عليها النماذج التعليمية أو المعرفية، وتظهر الاستراتيجيات المعرفية الفروق الفردية بين الأفراد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الطرق التي يتعاملون بها ويحلون بها المشاكل، كما أن بعض الباحثين يشير إلى أنها مرتبطة بالاختلاف في الشخصية وكذلك في الدافعية. ويشير Nations؛ "1967" أن الاستراتيجيات المعرفية تتأثر بمكونات ثلاثة هي التوجيه الحسي، وشكل الاستجابة، ونماذج التفكير، ويشير التوجيه الحسي إلى الطريقة أو الأسلوب الحسي الذي يستخدم بسهولة أكبر في التعلم, فالأطفال يختلفون في رؤياهم وسمعهم، وخبراتهم اللمسية ويميلون إلى استخدام الأساليب الأكثر ألفة لهم، وشكل الاستجابة وأسلوبها يعزى إلى هذا النمط الاستجابي الذي يستخدم بسهولة أكبر, ويشير Nation أن شكل وأسلوب الاستجابة يمكن قياسه بواسطة قدرات الأطفال على العمل بفاعلية أكثر داخل جماعات أو فرادى, النماذج التفكيرية تعزى إلى الطريقة التي يميل الأطفال إلى التعلم بها، هل تكون بواسطة الحصول على تفاصيل كثيرة في وقت واحد؟ أو تنظيمها داخل نماذج؟ أو قد تكون على نقيض ذلك بواسطة الانتقالات الحدسية المفاجئة؟ ويؤكد "ريسمان" Riessman؛ "1966" أهمية الاستراتيجيات المعرفية أو نماذج التعلم في تخطيط الخبرات التربوية، إذ يشير إلى أن بعض الأطفال قد يتعلمون بصورة واضحة وأكثر سهولة أثناء القراءة، وآخرون من خلال الاستماع وفريق ثالث من خلال آدائه للأشياء بصورة فعلية، ويستطرد "ريسمان" أنه بمجرد نمو هذه النماذج التربوية التعليمية فمن الصعوبة الشديدة تغييرها، ويقترح كذلك بأنه بدلا من محاولة تغيير الطفل لكي يتناسب مع نظام التعلم، فالوسيلة الأكثر فعالية وأجدى تطبيقًا هي محاولة تغيير نظام التعلم لكي يتناسب مع الطفل. فالطفل الذي يصل إلى حل المسائل والمشكلات بصورة أكثر فعالية عن طريق مناقشاتها مع جماعة صغيرة من التلاميذ يجب أن يبقى في جماعة كلما أمكن ذلك، وبصورة مشابهة الطفل الذي يعمل بصورة أفضل في حالة تفرده مع الورق والقلم يجب أن يشجع على هذه الاستقلالية. والجدير بالذكر هنا أن المدرس الأكثر فاعلية وتأثيرًا هو المدرس الأكثر مرونة. 5- تعلم الاتجاهات: على الرغم من أن الاتجاهات متعلمة، إلا أنها لا تتأثر بصورة كبيرة بالتدريب أو بالمعنى، حيث إنها تتأثر بصورة عالية بواسطة أشكال نموذجية والتي يتلقى الأطفال منها ما يسميه "باندورا" "1967" بالتدعيم البديلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 Vicarious, وعلى ذلك فإن الأطفال الذين يرون آباءهم يعاملون جيرانهم السود أو الملونين بازدراء، يميلون إلى تكوين اتجاهات متماثلة، والمدعمات الاجتماعية كالابتسام والاستحسان الأبوي والمديح والتشجيع جميعها تعمل كمدعمات لتعلم الاتجاهات, وعلى ذلك فالأطفال الذين يشجعون عن طريق آبائهم لتكوين الاتجاهات الإيجابية نحو المدرسة يميلون إلى الاستمتاع بالمدرسة إذا ما قورنوا بالأطفال الذين نجد آباءهم يشعرون أن التعليم مضيعة للوقت, وجدير بالذكر فإن اكتساب القيم الأبوية يحدث بصورة كاملة في الجو الذي يشيعه الحب والحنان، فالأطفال الذين ينمون في بيوت محبة دافئة يكونون أكثر ميلا إلى تبني قيم آبائهم. كما أن نمو الاتجاهات بطبيعة الحال، يتأثر بمتغيرات كثيرة كالعمر الزمني، والجنس، والعرق، وجميع هذه العوامل لها علاقة مؤثرة في تكوين الاتجاهات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ثالثا: الوراثة أهمية الوراثة للطفل: أشار علماء الوراثة إلى أن الوراثة تؤثر في نمو الطفل في عديد من الطرق, فالوراثة تتحكم في لون العينين والشعر والجلد وفي الطول والعرض فكثير من الخصائص الفسيولوجية سواء السلبية أو الإيجابية لنمو الطفل تنتقل من جيل إلى الجيل الذي يليه، وسوف نلقي الضوء في ثنايا الصفحات التالية على ميكانزمات الوراثة وأهميتها بالنسبة للمجتمع. وقدرات الطفل كذلك تشبه الخصائص الجسمية تتأثر بالوراثة إلا أن الارتباط ليس دائمًا بصورة مباشرة حيث نجد أن القدرات الوراثية تتأثر وتشكل في عديد من الطرق عن طريق العالم الخارجي، وبالتالي فإن كل طفل نجده يظهر قدرات، وأنماط سلوكية متفردة وللأسف فإن الميكانزمات التي بواسطتها يحدث هذا التباين والاختلاف غير مفهومة حتى الآن بصورة قاطعة، كما أن نقص المعلومات في هذا الجانب الوراثي يقود أحيانًا إلى كثير من الاضطرابات والخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 جدل حول الوراثة والبيئة: إن ما يسمى بجدل الوراثة -البيئة- كان موضوعًا للمناقشة والمجالات الساخنة المثيرة بواسطة علماء الوراثة من جهة وعلماء النفس من جهة أخرى, وجدير بالذكر فإن ثمة خصائص كلون العينين ولون الشعر والجلد بين الآباء والأبناء قد فسرت بدقة تامة وفهمت فهما جيدًا بواسطة ميكانزمات التركيب الوراثي, إلا أن وراثة القدرات العقلية والشخصية ومدى التأثرية أو القابلية للأمراض تكون عادة أكثر تركيبًا وتعقيدًا. وثمة سؤال قد يطرح نفسه في بداية المناقشة هذه مؤداه ما هو أكثر أهمية للطفل الوراثة أم البيئة؟ فمنذ سنوات قليلة انشغل علماء الاجتماع وعلماء النفس في جدل من مثل هذا النوع، والإشارة إلى الاختلاف في معدل نسب الذكاء بين الأفراد البيض والسود في الولايات المتحدة ما هو إلا دليل على ذلك، إذ نجد جينسين Jensen, A؛ "1972" يشير أن الوراثة تفوق في الأهمية كثيرا من العوامل الأخرى في تفسير الاختلافات في القدرات العقلية، ويشير "جينسين" ومعه كثيرون أن الاختلافات في القدرات الفطرية هي سبب إخفاق البرامج التعليمية التعويضية التي تجري لاستثارة معدل ذكاء الأطفال ومعدلات إنجازاتهم, ونجد علماء نظرية التعلم البيئي قد استجابوا سريعًا لموقف "جينسين" بكثير من أوجه النقد، إذ يشيرون أن "جينسين" ومؤيدوه فشلوا في أن يضعوا في اعتبارهم العوامل البيئية مثل الفروق التعليمية المعروفة التي تؤثر في معدلات الذكاء، كما أن التحيز الثقافي للاختبارات المستخدمة في ذلك بالإضافة أن كثيرًا من علماء التعلم البيئي انتقدوا كذلك بشدة الأسس الإحصائية في مناقشات جينسين كما وجه إليه انتقاد عام مؤداه اتهامه باستخدام نظريته لتعويق التحسينات الاجتماعية في البلاد وذلك أكثر من إضافته أي أسس أو مبادئ جديدة تثري معلوماتنا في هذا المجال. وعندما نولي هذا الجدل النظر، وأهمية ذلك على المجتمع, فمما هو جدير بالذكر أن علماء الاجتماع منذ عشرين عامًا قد نقحوا ما كتب في هذا الموضوع وأعادوا النظر فيه, وأشاروا أن تساؤلا مثل: ما هي طبيعة العوامل التي تؤثر على الفرد منذ لحظة الحمل Nature nurture؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 لا توجد إجابة عليه، وعمومًا فقد وفر لنا أنصار كل من الوراثة والبيئة وأمدونا بالوسائل التقليدية، وتعبر عن ذلك أن أنستازي بقولها، إن الكائن المتفاعل ما هو إلا نتيجة موروثاته وبيئته الماضية، والبيئة الحالية تمدنا بالمثير الفوري لأنماط السلوك الحالي، كما كانت مهتمة بالتركيب التفاعلي بين الوارثة والبيئة, وتشير إلى أن هذا التفاعل يعتبر بمثابة العامل الأكثر أهمية للطفل النامي، وتميز أنستازي بين التأثيرات الوراثية والتي تكون مسئولة بصورة مباشرة عن سمات معينة والتأثيرات الأخرى والتي تكون مسئولة بصورة غير مباشرة، فلون العينين يعزى إلى نمط البنية الوراثي Genotype المباشر والذي يكون من المتعذر إلغاؤه, والتأثيرات الوراثية غير المباشرة تشبه الأخرى في أنها تحدد منذ فترة الحمل، إلا أن الاتجاه الآن يشير إلى أنها تتأثر بالتفاعل البيئي، فالسمة الوراثية ذات الطراز الظاهري Phenotype تعتبر شيئا مرئيا نتيجة التفاعل بين البنية الوراثية والبيئة، وكثير من الصفات المرئية للأطفال تعتبر تركيبات وراثية وكما أن السمات الوراثية كالموهبة الفنية والقدرة الاجتماعية والقدرة على أداء اختبارات الذكاء تكون نتيجة تفاعل عدد كبير من العوامل, فالأشخاص ذوو القابلية الوراثية لأمراض جسمية معينة، يجب أن يواجهوا بمكروبات أمراض معينة حتى يكون تأثيرهم مرئي وظاهر، وبكلمات أخرى فإن الفرد ذو البنية الوراثية قد يصبح مريضًا نتيجة الطراز الظاهري، أو أنه قد يكون محظوظا ويعيش بدون أن يجابه هذا الميكروب أبدًا، وفي هذه الحالة فإن نمط البنية الوراثي للشخص وكذلك التعبير الظاهري لوراثته قد لا تعكس تركيب هذا الشخص الوراثي. ويشير Eisenberg؛ "1968" وبعض من علماء النفس الآخرين أن الفصام قد يكون سمة وراثية ذات طراز ظاهري Phenotype وقد يكون القابلية لهذا المرض العقلي وراثيًا، إلا أنه يجب أن تتوفر ظروف بيئية معنية لكي تظهر هذه القابلية نفسها, ونجد "ناش" Nash "1970" يصنف كثيرا من خصائص الشخصية وأنها قد ترجع جزئيًا إلى النواحي الوراثية بقوله: "نحن نستطيع أن نعدل الشخصية عن طريق التناول البيئي إلا أننا نفعل ذلك داخل القيود التي تحكم التطور والنشوء الإنساني، والعناصر الوراثية الحاضرة". كما أن التأثيرات البيئية قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، فمثال التأثير المباشر مع نمو الطفل يتمثل في النقص الشديد للبروتين في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 مراحل معينة من النمو والذي ينتج عنه تأثيرات كتلف المخ Brain damage كما أن غياب الأم عن وليدها لأي سبب من الأسباب قد يكون له تأثير دائم في نمو شخصية هذا الوليد، وعمومًا فإننا لا نستطيع أن نغض النظر سواء عن تأثير الوراثة أو عن تأثير البيئة، فالطفل الذي يولد معوقًا من الناحية الوراثية، يولد مثلا بلا عينان، أو بلا أذنان فإن الخبرات الحياتية لهذا الطفل المعوق سوف تختلف بصورة كبيرة عن تلك التي نجدها عند الطفل العادي، ودائمًا فإنه من غير الممكن أن نحدد بدقة التغيرات أو التأثيرات التي قد تسببت بواسطة الوراثة وتلك التي تأثرت والخبرة, ولنضع في الاعتبار مثالا أكثر دقة، فالطفل الذي يولد ولون جلده يختلف عن معظم الأطفال الآخرين، فإننا نجده سوف يتأثر كذلك بالبيئة بصورة دقيقة، وجملة القول: فليست الوراثة أو البيئة وحدها تتحكم في نمو الطفل وذلك كما يدعي أنصار كل من المدرستين، حيث أن لكل منهما دور رئيسي في النمو والتفاعل المركب كذلك يعتبر عاملا حاسمًا في نمو الوليد البشري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو مدخل ... الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو ايحاول دارسو السلوك الإنساني بصفة عامة، وأخصائيو علم النفس النمو بصفة خاصة اختيار الطرق المناسبة، والوسائل الأكثر فعالية لثبر غور تساؤلات موضوع دراستهم, وقد تكون المهمة الأكثر صعوبة في البحث العلمي متمركزة حول صياغة هذه التساؤلات في منحى أو اتجاه معين يمكن أن يجاب عليه بواسطة تجميع وتوحيد ثمة بيانات أو معلومات في حقل معين وبمجرد أن يصاغ التساؤل صياغة واضحة فإننا بالتالي نجد أن الطريقة الخاصة للإجابة عليه تعتمد على ثمة اعتبارات علمية متنوعة, فإن كان التساؤل مثلا: هل يختلف طفل الخامسة في سلوكه العدواني عن طفل في مثل عمره الزمني؟ فإننا قد نجد أن البيانات والمعلومات المختلفة مبتدأة بالملاحظة إلى التجربة. وعلى الرغم من حقيقة أن تساؤلا واحدا يمكن أن يجاب عليه بواسطة عديد من الطرق, إلا أننا نجد أن بعض الطرق تكون أكثر ملاءمة من طرق أخرى للإجابة على ثمة أنماط معينة من التساؤلات وعلى ذلك فإن المناقشة التالية سوف تنتظم تحت ثلاثة أنواع رئيسية لثمة تساؤلات عادة ما نجدها مثار تساؤل في الدراسات النفسية النمائية على الرغم من أننا يجب أن نضع في اعتبارنا أن أي طريق ما أو توحيد من الطرق يمكن أن يستخدم للإجابة عن هذه التساؤلات, ويمكن إيجاز هذه الأنواع الثلاثة من التساؤلات فيما يلي, التساؤلات الترابطية، والتساؤلات السببية والتساؤلات التمايزية, وسنلقي الضوء على كل منهما فيما يلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 أولا: الطرق الترابطية Correlative methods تستخدم هذه الطرق عند تساؤلنا سؤال مثل ماذا يرتبط بماذا What goes with what فمثلا إن أردنا أن نتعرف على كيفية الزيادة في المفردات اللغوية لطفل فيما بين الثانية والخامسة من العمر، فإننا قد نتساءل سؤالا ترابطيًا، بمعنى أننا نريد أن نعرف عدد المفردات اللغوية التي ترتبط بعمر زمني ومعين، وللإجابة على هذا السؤال فإننا قد نستخدم أحد من الطرق الترابطية، وأهم الوسائل التي تستخدم عادة في هذه الطرق ما يلي. 1- طريقة الملاحظة Observation Technique: تعتبر إحدى الطرق للإجابة عن التساؤلات الترابطية والملاحظة تعتبر المادة الخام للمعرفة العلمية، فالحقائق والقوانين العلمية عادة ما تبدأ بالملاحظة، وكان علم الفلك أول العلوم في استخدام هذه الوسيلة، فالكهنة المصريون والبابليون أول من أشاروا إلى التنبؤية في العالم الطبيعي، حيث قادتهم الملاحظة الدقيقة إلى معرفة حركة الكواكب والنجوم الثابتة، ولقد مكنت هذه المعرفة الكهنة الفلكيين من إجراء تنبؤات ميدانية مثل الموعد الذي يحل فيه فيضان النيل، وبسبب اعتقادهم في الفلك نجدهم أشاروا إلى تنبؤات قليلة الصدق. ومنذ هذه التحقيقات الأولية، فلقد تقدمت المعرفة والعلوم إلى أن وصلت إلى حالتها الراهنة, وهذا التقدم لعبت فيه الملاحظة دورًا رئيسيًا، فالمعرفة في حقيقة الأمر قد اعتمدت على الملاحظة, وتختلف الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية في وجوه متعددة, فالملاحظة العلمية تصنيفية، وتوجه إلى ظاهرة معينة، وهذه الظاهرة قد تكون حركة النباتات, أو قد تكون العلاقات الاجتماعية لطفل العامين وفي كلتا الحالتين نجد الملاحظة تقتصر على موضوع واحد, أو على الأغلب على أنواع قليلة من الأحداث أو الموضوعات، حيث لا تمتد إلى جميع الظواهر، فالملاحظة العلمية تتمركز على جميع جوانب نوع معين من الأحداث، في حين نجد الملاحظة اليومية تجري على جزء فقط من أحداث كثيرة. ولنأخذ مبدأ التحيز في الملاحظة السببية عن العلاقة بين الخصائص الجسمية والسلوك الإنساني، فقد نسمع أن الأشخاص ذوي الشعر الأحمر يتصفون بالانفعالات الحادة، والأشخاص ذوي الآذان الكبيرة يتسمون بالطيبة والسماحة؛ فإن كانت هذه الملاحظات صادقة، فإننا بالتالي يمكن التنبؤ بسهولة بالسلوك الإنساني، إلا أن هذا الميدان ينطوي على مغالطة ومخاطرة, وهذه المعتقدات تنتج من الميل الإنساني في عدم ملاحظة الخصائص أو الظواهر السلبية، فالأفراد يفضلون أن يلاحظوا تلك الأشياء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 التي تتناسق مع معتقداتهم، فإذا حدثت حادثة متناقضة مع معتقدات يميلون إلى تناسيها أو تحريف هذا الحدث وذلك أكثر مما يغيرون من معتقداتهم, وهذا الميل نلاحظه في كثير من الدراسات التي أشار إليها رابابورت Rapaport؛ "1942", وفستنجر Festinger "1957" في نظرية التباعد المعرفي والطريقة العلمية على نقيض ذلك تهدف إلى التأكد من الملاحظة المناسبة والاستنتاج حتى من النتائج السلبية, والملاحظة على هذا النمط تكون جوهرية وذات مغزى كبير للعلم. وشكل آخر من أشكال الملاحظة المضبوطة وتسمى بعينة الموقف Situation samplig حيث نجد الباحث يختار مواقف مميزة. ويسجل ردود فعل الأطفال في هذه المواقف، وعادة ما تستخدم عينة الموقف في دراسة العلاقات الشخصية المتداخلة، وتفضيل اللعب, وهكذا, فمثلا قد يبني الباحث جانبا من المختبر ويضع فيه ألعابا معينة، كالدمية، مطرقة مسامير، خشب، ويسجل الملاحظ مدى تكرار ذهاب الطفل إلى مكان الدامي أو مكان الورشة التي فيها المطرقة والمسامير بالإضافة إلى كمية الوقت الذي يقضيه الطفل أو الطفلة في جانب دون الجانب الآخر, وعينة الموقف هذه تمدنان بمقياس عن كيفية استخدام الأطفال لثمة ألعاب أو تسهيلات معينة كالدمية وورش النجارة وما إلى ذلك. وشكل من أشكال الملاحظة المنتظمة هي عينة الزمن Time Sampling والعينة الزمنية هذه تتضمن تسجيلا لعدد المرات التي يحدث فيها شكلا معينًا من السلوك خلال فترة زمنية محددة، ولتوضيح ذلك ففي دراسة أجريت بواسطة كل من Hall وآخرين "1977"، حيث كان الباحثون مهتمين بقياس هل الأطفال السود أقل يقظة وانتباها للأعمال المدرسية من الأطفال البيض, ولقد لوحظ كل طفل في عينة هذه الدراسة لمدة خمسة عشر دقيقة كما استخدم ملاحظون متعددون، وكل واحد منهم سجل للطفل أربعة أنماط سلوكية "كالانتباه إلى المدرس، اليقظة داخل الفصل, والمشاركة في النشاط، والنشاط المصاحب للقراءة, وما إلى ذلك", وتشير نتائج هذه الدراسة إلى عدم وجود اختلافات بين الأطفال البيض والأطفال السود في مدى ارتباط سلوكهم الانتباهي بالعمل المدرسي. وثمة طريقة أخرى لمعالجة التساؤلات الترابطية قدمها "بياجيه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 السيكولوجي السويسري، وسميت طريقته بالمقابلة شبه الإكلينيكية Semi clical interview, فلقد كان "بياجه" كما سنرى في ثنايا الفصول التالية مهتمًا بالإجابة عن التساؤل الترابطي في كيفية تغيير تفكير الأطفال في ثمة موضوعات متنوعة تبعًا لأعمارهم الزمنية، وأراد أن يبني طريقة متسقة دقيقة حتى يمكنه مقارنة الاستجابات لأطفال مختلفين، ومن جهة أخرى يجب أن تكون هذه الطريقة مرنة بدرجة كافية حتى تجعل من الممكن أن يتابع المقابل تفكير الطفل حتى النهاية. والمقابلة شبه الإكلينيكية كانت نتيجة ذلك حيث جمعت بين اتساق الاختبار العقلي ومرونة المقابلة السيكاترية, وبسبب أهمية هذه الطريقة، فإن الطلاب يمكن أن يستخدمونها مع الأقارب والجيران وأخواتهم الكبار، فسوف نلقي الضوء عليها فيما بعد. وعمومًا يشير "بياجيه" أنه من المفيد أن نبدأ بالملاحظات التلقائية عن الأطفال والتي يمكن أن تؤدي بنا إلى تساؤلات معيارية، وكذلك يمكن أن تستخدم لبداية المقابلة وأي التساؤلات التي يمكن أن يبرهن على نفعها أو فائدتها في الكشف عن المظاهر المستترة لتفكير الطفل يمكن أن نحددها بواسطة العمل الضابط Pilot Work مع بعض الأطفال وهذه العملية يسميها "بياجيه" بسبر أعماق الطفل Sondage. ب- الملاحظة الطبيعية: يشبه العلماء الروائيون في أنهم يحصلون بياناتهم الخام عن طريق ملاحظة الكائن الحي في المواقف الطبيعية، في المكان الطبيعي الذي يوجد فيه وليس في أي بيئة مضبوطة موضوعية قد توفر لنا بيانات ومعلومات أكثر من الملاحظة المضبوطة, وهناك عديدًا من الاتجاهات يمكن اتخاذها في الملاحظة الطبيعية للسلوك الإنساني نوجزها فيما يلي. 1- سيرة حياة الطفل Baby Biography: وسيلة من وسائل الملاحظة الطبيعية، فالتقارير المبكرة اليومية التي تصف سلوك الطفل ذات فائدة سواء من الناحية التاريخية أو المنهجية, وكاتب السيرة عادة ما يكون والد الطفل يكون له اهتمام بجوانب نمو الطفل، أو أحد الأقارب المهتمين بذلك، ويلاحظ سلوك طفل واحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ويسجل ملاحظاته في نموذج يومي, وقد يكون القائم بالتسجيل شخص متخصص في ميدان آخر غير ميدان سلوك الطفل، فتشارلز دارون Darwin على سبيل المثال كان بيولوجيا ومع ذلك سجل سيرة حياة ولده وبالتالي يكفي الشخص ذو الميل العلمي المحب للاستطلاع والتوافق إلى المعرفة والفهم والذي يرغب في الملاحظة وتسجيل الظاهرة موضوع الدراسة, إلا أننا نجد كثيرًا من الانتقادات توجه إلى هذه الوسيلة في مدى صدق البيانات المتضمنة في سيرة الحياة, وما يلي مقتطف من سيرة حياة "دارون" عل طفله توضح نقاط. من الصعب أن نقرر في أي عمر زمني بالتحديد يشعر المولود بالغضب، ففي اليوم الثامن بعد الولادة لوحظ تجهم وعبوس وتجعد في الجلد حول العينان قبل نوبة الصياح، إلا أن ذلك قد يرجع إلى الألم أو الانزعاج ولا يرجع إلى الغضب، وعندما وصل إلى أسبوعه العاشر، فعندما أعطى بعضا من اللبن البارد ظل عبوسًا مبديًا ذلك على جبهته طوال فترة الرضاعة، وعلى ذلك فقد كان يشبه شخصا ناضجا يقوم بعمل مجبر عليه لا يريد القيام به، وعندما وصل إلى الشهر الرابع تقريبًا فإن أمارات الغضب تبدو ظاهرة عليه سواء كان ذلك في تدفق الدم في كل وجهه ورأسه، وعندما يصل إلى الشهر السابع فإنه يعبر عن ذلك بالصراخ والصياح عندما لا يستطيع أن يقيض على كوب من اللبن أو الليمون وينسكب هذا المشروب عليه، وعندما يصل إلى الشهر الحادي عشر فإنه سوف يضرب الدمية بعنف التي تعطي له ولا يرغب فيها أو يحبها, ويشير "دارون" أن ضرب الطفل للدمية يعتبر علامة غريزية عن الغضب, ولا يدرك بطبيعة الحال أنه يمكن أن يؤذي دميته، وعندما يصل إلى سن السنتين وثلاثة شهور يصبح ماهرًا في إلقاء الكتب والعصي وما يشبه ذلك إلى أي شخص يزعجه أو يضايقه. ولكن للأسف فلقد كانت قدرة دارون على فصل الحقائق الملاحظة عن تفسيراتها لم تكن دائمًا صائبة ناجحة, ونقطة ضعف أخرى شائعة في تلك الملاحظات "أو هذه الوسيلة" هو الميل إلى الإسقاط على الطفل انفعالات ودوافع واتجاهات الراشدين, بالإضافة إلى أنه توجد نقاط ضعف أخرى لمنحى سيرة الحياة يمكن إيجازها فيما يلي. 1- ارتباط الملاحظات واتساقها يعتمد جزئيًا على مدى كفاية القائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 بالملاحظ وخلفيته العلمية ومدى تدريبه في تطبيق هذه الوسيلة وبالتالي فكثير من الملاحظات عادة ما تتصف بالذاتية بدرجة عالية، كما أن تحيزات القائم بالملاحظة قد تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأنماط السلوكية التي يسجلها وكذلك على تفسيرات لهذه الأنماط السلوكية. 2- كما أن ملاحظة طفل معين لا يمكن أن تعتبر نموذجا حقيقيا لكل الأطفال في مثل سنه وجنسه، وهذا النقص يحدد نطاق انطباق تلك المعلومات على أطفال آخرين. 3- كما أن الأشخاص الذين يقومون بتلك الملاحظات وتسجيلها يجب أن يتسمون بالمثابرة والصبر وبذل الجهد في عملية الملاحظة وتسجيل ما يلاحظونه بصورة موضوعية ومن النادر وجود الأب الذي يمكنه أداء ذلك. 2- طريقة دراسة الحالة Case study method: والاتجاه الحديث الذي أظهر تشابها كبيرًا مع طريقة سيرة حياة الطفل هي طريقة دراسة الحالة, وعادة ما تبدأ هذه الوسيلة بتجميع البيانات المتنوعة عن طفل معين، لمساعدة الأخصائي في تفهم سلوك الطفل، وعمومًا فإن الانحرافات السلوكية، والإخفاق المدرسي, والمشكلات السلوكية، حالات شائعة يمكن دراستها من خلال طريقة دراسة الحالة، كما أن التسجيلات المدرسية، والمعلومات التي تستقى من الآباء والأقارب والراشدين الآخرين، والطفل نفسه بالإضافة إلى نتائج الاختبارات والفحوص النفسية تعتبر من بين مصادر المعلومات والبيانات التي يجب أن توضع في الاعتبار في طريقة دراسة الحالة. ونموذج طريقة دراسة الحالة التالية يشير إلى التقييم الإكلينيكي لمشكلات سلوكية لطفل معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 جاءت لسيدة "أ" تسأل تقييما نفسيًا لحالة ولدها "س", بسبب قلقها وانزعاجها للسلوك الذي يصدره ولا تستطيع التعامل معه في بعض الأحيان, بالإضافة إلى خوفها الشديد خاصة من أفعال الثائرة بصورة شديدة، وفقدها ضبطه, وكذلك فقدان انضباطه الذاتي وعدم تقبله أي قيود مفروضة عليه. أ- مقابلة الآباء: أشار والدا الطفل، بأنه ذكي، وزنه أكثر من الوزن العادي، له مزاج حاد, مصدر ضيق وازعاج كبير, ويعتقدون أنه حساس تجاه سمنته، حيث يمنعه زيادة وزنه من الاشتراك في المباريات الرياضية مع زملائه، وأشاروا كذلك إلى فظاظته وعنفه، وعدم رغبته في التعاون، وعدم قدرته تقبل نقد الآخرين ويشعرون بنفوره لأية قيود، فهو دائمًا ثائر متمرد مخل بالنظام ويرفض أن يظهر بمظهر جيد في ملبسه ويحب أداء الأشياء الميكانيكية كما أنه يظهر قدرًا كبيرًا من العدوان تجاه أخته البالغة ثمانية أعوام، وعادة ما يتسم بالتهور عند غضبه ويهدد دائمًا بترك المنزل. وأشار والدا الطفل بأنه عاش طفولة سعيدة مستقرة, إلا أنهما لم يتذكرا التاريخ النمائي له، ويعتقدا أنه كان سابقًا لأقرانه في مثل سنه في أوجه نموه المختلفة, وكان نباتيًا منذ صغره, فكانت أمه تكتفي بإعطائه البقول واللبن طوال سنواته الثلاثة الأولى, ولم تستطع الأم أن تتذكر في أي وقت توقف عن عملية الرضاعة ولا كيفية حدوث الفطام, وتشير الأم أن ولدها تمكن من المشي عند بلوغه التسعة أشهر وتكلم عند بلوغه العام، ولكنها لم تستطع تذكر أول كلمات تلفظ بها وليدها، كما كان سهلا في تدريب التواليت حيث تمكن منه في منتصف السنة الثانية. وسقط من سريره قبل أن يكتمل العامين، وكذلك سقط من فوق دراجته عندما كان سنه سنتين وأصيب في ذقنه، وفي الرابعة أو الخامسة سقط من سيارة وأصيبت أذنه وألمته, وحدثت بها إفرازات والتهاب عولج بأشعة "x" ولم تقرر الأم حدوث أية صعاب سمعية لدى وليدها. ولم تبدي الحالة اعوجاجات نفسية، كمص الأصابع، أو أظهر دلائل لنشاط الاستمنائي ولا ظهرت عنده كوابيس، أو المشي أثناء النوم أو التبول اللاإرادي، وحصل على المعلومات الجنسية من الأولاد الآخرين على الرغم من تمكنه من الكلام في الأمور الجنسية مع والده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ولقد التحق بالمدرسة الابتدائية ولم تظهر لديه أية مشكلات دراسية إلى عهد قريب، وحدث وأن نقل إلى مدرسة أخرى بسبب شغبه في المدرسة الأولى، إلا أنه لم يمل إلى مدرسته الجديدة، وتاريخه المدرسي يشير إلى أنه دائم الفوضى داخل الفصل الدراسي، وجميعها أنماط سلوكية لجذب انتباه الآخرين له. ووصف الأبوين الطفل بأنه مولع بالعراك مع الأطفال الأصغر منه، كما أن معاملته يشوبها العنف والشدة مع الأطفال الآخرين، ويبدو في بعض الأحيان بأنه يثير كراهية رفاقة بصورة متعمدة. ويشير والد الطفل بأنه كان دائمًا متسامحًا جدًا مع ولده بالإضافة إلى إحساسه دائما بصعوبة وضع حدود على سلوك ابنه أو محاولته تأديبه وتهذيبه، وكانت الأم من جانب آخر تشعر بأن ولدها يجب أن يتسق مع معايير معينة، وكانت دائمة المراقبة له لتتأكد من أنه يفعل أم لا. ب- التقويم النفسي: طبقت على الحالة ثلاثة اختبارات: أ- مقياس وكسلر لذكاء الأطفال. ب- اختبار بقع الحبر لرورشاح. ج- اختبار تداعي المعاني TAT. ح- السلوك ومظاهره الخارجية: كان "س" في العاشرة والنصف من عمره، وكان مولعًا وبصورة كبيرة بالعدوان نحو الفاحص في المقابلة الأولى، ولقد أبدى الخوف من المجيء أول مرة للعيادة ففي الزيادة الأولى جرى خارج الحجرة والمبنى وأراد أن يعبر الشارع, وفي المرة الثانية رفض أن يدخل العيادة، وفي الجلسة الثالثة والأخيرة فقد عبر عن غضبه تجاه الأخصائي، وأشار إلى مشاعره نحوه في أنه يحب هذا العمل ويروم له، وأردف قوله بأنك لا تستطيع أن تساعدني على أية حال, ولقد أنكر أي خوف في المجيء للعيادة على الرغم من أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 كان قلقًا عما سيفكر فيه زملائه عندما يعرفون أنه قد حضر إلى المعالج ابتداء فلقد أنكر وجود أية مشكلات لديه، ولكن عندما امتدت الجلسة بدأ يفسح المجال لاعترافاته بأنه غير راض عن أسرته وأشار إلى أن أمه دائمة الإزعاج له خاصة في الطعام وفي قص شعره، وأشار إلى حبه لأبيه ووصف أخته وصفًا حسنًا. بصورة عامة فإن سلوك "س" كان يتسم بثنائية المشاعر ambivalent فقد كان متذبذبًا أو مترددًا بين الفوز بالحظوة والرضا وبين المرح والعدوانية. د- الانطباعات والنتائج: كانت نتائج "س" في مقياس وكسلر لذكاء الأطفال كما يلي: الاختبار الأدائي العملي IQ؛ = 122 "نسبة ذكاء عالية". الاختبار اللفظي للذكاء IQ؛ = 114 "نسبة ذكاء متوسطة". الاختبار الكلي IQ؛ = 120 "نسبة ذكاء عالية". وعلى الرغم من القدرات العقلية لـ"س" كانت مرتفعة, إلا أنه لم يستخدمها بنفس معدلها، ويرجع ذلك لاتجاهه السلبي في أداء الأعمال وميله إلى استخدام الحد الأدنى من قدراته. كما كان لديه ميلا يعكس نقص قدرته الممكنة لتحقيق الأهداف مما كان يعوق في التخطيط لبناء المستقبل. وكان "س" يمكنه إدراك الأشياء كمعظم الناس، كما كان على وعي بالمعايير السلوكية، إلا أنه كان متمسكًا باستقلاليته والإصرار العنيد في بعض الأشياء حتى يعمل وفقًا لتفكيره، وكانت أنماطه السلوكية تضبط عن طريق حاجاته للإشباعات الفورية, وكان لدى "س" قدر كبير من القلق في تعالمه مع الآخرين، ولا يستطيع إشباع حاجاته بالتعامل مع بيئته بطريقة مقبولة اجتماعيًا، وبالتالي كان يتحاشي المواقف التي تتطلب منه الامتثال والاتساق الاجتماعي كما كان لديه صعاب في تكوين علاقات عاطفية قوية، كما كان يبدو متذبذبًا بين الاستجابات الانفعالية الظاهرية والانفجارات السريعة غير المضبوطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ولقد أشارت نتائج الاختبارات عن وجود مشاعر وأحاسيس عدوانية غير متحكم فيها بصورة قوية، ويبدو أن عدوانيته كانت بسبب إحساسه بالقلق والإحباط في إشباع دوافعه، وكان سريع الامتعاض من القيود بصورة عامة، ويشعر بأن هذه المبادئ والقواعد الاجتماعية ظالمة بالنسبة لمعظم الأفراد. ويبدو أن اتجاهات "س" سالفة الذكر كانت مرتبطة باتجاهاته نحو أشكال الأبوة، فقد كانت استجاباته لبعض مواقف اختبار TAT التي تعبر عن أشكال الأمومة، بأنها تتدخل في كثير من مواقف الطفل وتحول دون رغباته، كما كان يخبئ مشاعر عدوانية قوية نحو أشكال الأبوة وهذا ما عبرت عنه استجاباته في مواقف الاختبارات السابق وعمومًا فإن "س" كان مضطربًا فيما يتعلق بأشكال الأبوة ويراها على أنها بمثابة أشياء مدمرة غير بناءة. كما أن تطابق "س" وتماثله كان في البداية إيجابيًا فقد ناضل بجهد لكي يحافظ على المظهر الكاذب للذكورة، وتأكيد ميله الذكري، وكان قلقًا للغاية في اعتقاد زملائه بعكس ذلك أو إشارتهم إليه بأنه شخص مخنث. هـ- موجز الانطباعات: كانت حالة "س" تتسم بالاضطراب الانفعالي، كان لديه مستوى مرتفع من الذكاء، إلا أن دافعية الإنجاز لديه كانت مشتتة، وكانت أنماطه السلوكية يتحكم فيها وبصورة عالية حاجات الإشباع الفوري وخوفه وارتقاب الشر من تشكيل روابط وثيقة مع الآخرين، وعلى ذلك فإن قدراته العقلية وإنجازه كان في حده الأدنى، وهناك الدلائل التي كانت تشير بالتوجيه الذاتي نحو العدوانية المنبعثة من مشاعر الإحباط لديه، كما كانت الإثنية أو ثنائية المشاعر نحو صور الأبوة واضحة صريحة لديه. وبالتالي كان ذلك يظهر تعويقًا في تكامله مع المعايير التقليدية والمألوفة كموجهات لأنماط سلوكية. و الانطباع التشخيصي: كانت حالة "س" تشير إلى التعويق السلوكي الأولي، والنمط العدواني السلبي، ولا يشير الدليل التسجيلي إلى حدوث تلف في المخ نتيجة لسقوطه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أكثر من مرة في أثناء طفولته الأولى، إلا أن انفجارات الغضب غير المتحكم فيها، كما أن الاختبارات العصبية والتسجيل الكهربائي للمخ قد أشارت إلى وجود ثمة معوقات لديه. وتشير الدلائل أن فروع علم نفس الطفل قد استخدمت دراسة الحالة أكثر من أي فروع أخرى، كما استخدمها أخصائيو علم نفس الطفل الإكلينيكي إلى حد كبير، وعلى الرغم من أن دراسة الحالة تساعد على تفهم وإدراك طفل منفرد، إلا أن هذه الطريقة عانت من نفس المعوقات وأوجه القصور كما رأينا في طريقة دراسة سيرة حياة الطفل المبكرة، فمثلًا فإن صدق وثقات المعلومات التي يحصل عليها قد تكون موضع تساؤل، فهل علاقة الشخص الذي يقدم المعلومات عن الطفل تؤثر في تقديره؟ وهل التورط الانفعالي يضع تذكر الأحداث الماضية موضع شك؟ بالإضافة إلى مدى ثبات الاختبارات المطبقة على الحالة فهل درجات الذكاء تشير إلى قدرات الطفل العقلية، فمثلًا اخفاق الطفل داخل المدرسة فهل هذه الاختبارات IQ تكشف حقيقة عن إمكاناته، أو أنه يبذل القليل في أدائه هذه الاختبارات، كما أن عملية تقييم المعلمات والبيانات عن الحالة. وهل القائم بهذه العملية يمتلك من الخبرة التي تؤهله لذلك. وأخيرًا يجب الحذر عند وضع التفسيرات فهل يكون نبذ الطفل عن طريق أبويه هو سبب انحراف سلوكه؟ أو أن التنافس بين الأخوة هو سبب الإنجاز المدرسي المنخفض، وعمومًا فإن التعميمات غالبًا ما تؤدي إلى نتائج غير ثابتة وناقصة سطحية، وبالتالي يجب أن ينظر الشخص القائم بدراسة الحالة إلى نتائجه على أنها نتائج غير نهائية وقابلة للتغير، كمنا أن تعميم البيانات والمعلومات في دراسة الحالة يكون منطويًا على ثمة مخاطر، حيث أم وراثة طفل معين أو بيئة متشابكة تختلف عن وراثة طفل آخر وبيئته وعلى ذلك فإن الأساليب التي تؤدي إلى ظهور نمط معين من السلوك في حالة معينة قد لا نتتج نفس الشيء في حالات أخرى. ج- الملاحظة المضبوطة: على الرغم من أن الملاحظة تعتبر وسيلة جوهرية في معظم الدراسات العلمية، إلا أننا قد وجدنا أن الملاحظة الحرة "غير المضبوطة" تتضمن كثيرًا من أوجه العيوب والنقص, وللتغلب على هذه العيوب، طورت وسائل عديدة للملاحظة المضبوطة, حتى تتيح إجراء مقارنات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ذات دلالة في دراسة السلوك الإنساني, وسنتأمل بعضا من هذه الوسائل في ثنايا الصفحات التالية. عينة الموقف، يعرف "أرنجتون" Arington؛ "1943" عينة الموقف بأنها طريقة لملاحظة سلوك الكائن الآدمي تحت الظروف العادية للحياة اليومية، وتجري خلالها ملاحظات في فترات زمنية صغيرة موزعة, لكي تمدنا بعينة ممثلة من السلوك القائمين بملاحظته، وأول من استخدم هذه الطريقة Willard Olson؛ "1929" ليسجل مدى تكرار حدوث العادات العصبية لدى أطفال المدرسة، ويشير "أولسون" أن هذه الطريقة أوضحت عدد الفترات الزمنية التي كان يظهر خلالها نمطًا سلوكيًا معينًا. وخلال سنوات خضعت هذه الوسيلة لكثير من التعديلات بهدف الرغبة في الدقة الكاملة في اختيار العينة، وفي تسجيل الأنماط السلوكية، فقد اختصرت الفترات الزمنية وأصبحت تتكون من فترات ما بين 30 ثانية إلى دقيقة واحدة، ويلاحظ أثناءها طفلا معينا وأدخلت على هذه الطريقة تعديلات أخرى كثيرة لزيادة دقتها في تسجيل السلوك وتصنيفه, ولقد تركزت معظم دراسات عينة الموقف time samblintg على السلوك الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية للأطفال الصغار، ومن بين الأنماط السلوكية النوعية التي درست كانت مدى تكرار اللغة، ولا سلوك المسيطر، والتفاعلات الجسمية والمشاجرات، والصراع والمقاومة، ونماذج الصداقة والسلوك التعاوني والتنافسي والعدوان. وجدير بالذكر فإن هذه الوسيلة تتسم بموضوعية وثبات النمط السلوكي المسجل، حيث غالبًا ما يستعان بأجهزة تسجيل في ذلك، كما أن الانتباه عادة ما يكون متمركزًا حول نوع محدد من السلوك وبالتالي نجد اتفاق عدد من الملاحظين ممكن الحدوث، بالإضافة إلى أن الدرجات عادة ما تكون عن طريق تكرار النمط السلوكي, وبالتالي يمكن معالجة نتائج هذه الطريقة إحصائيًا، فمثلا مدى تكرار الشجار يمكن أن يربط بالعمر الزمني والجنس ومعدل الذكاء ومعدل التكيف وكثير من العوامل الأخرى المشابهة. إلا أننا لا يمكن أن نستخدم هذه الوسيلة إلا عندما يكون النمط السلوكي في صورة علنية مكشوفة، كما يجب أن نغمض النظر عن الأنماط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 السلوكية غير المتكررة، وهذه الطريقة تكون مفيدة لدراسة كثير من تفاعلات الطفل المختلفة، ومن ضمن عيوب هذه الوسيلة كذلك أن المعلومات التي يحصل عليها لا يمكن أن تمدنا بالسبب والنتيجة Cause and effect فإذا وجد طفل معين يتشاجر بمعدلات تكرارية أكثر من الأطفال الآخرين فمن الواجب البحث عن طريقة أخرى لدراسة هذا الطفل غير طريقة "عينة الموقف". 2- طريقة المقابلة Lnterview technique: بمجرد أن يكون الباحث مجموعة من التساؤلات عن موضوع معين فإن المقابلة يمكن أن يبدأ بها كوسيلة لإجراء دراسته, وعمومًا يجب أن يكون الطفل في مكان هادئ لا توجد به أشياء تلهيه, بالإضافة إلى الوقت الذي يطلب منه الحضور لإجراء المقابلة يجب أن يوضع في اعتبار الباحث في سياقها، فقد تخونه الذاكرة، أو قد يعول على تذكر ملاحظات سطحية، ويجب أن يكون المقابل علاقة ألفة بينه وبين الطفل "ويحدث ذلك بسهولة عندما يسأل القائم بالمقابلة الطفل بعضا من التساؤلات عن نفسه". وبعدئذ يمكن أن تبدأ المقابلة, ومن الضروري عادة أن يسأل المقابل بعضا من التساؤلات الزائدة لكي يوضع الطفل استجابته، وهذه تتطلب مهارة كبيرة لهذا الجزء من الأسئلة الحرة في طريقة المقابلة حيث يجب على الممتحن أن يوجه فكر الطفل بدون أن يقترح الإجابة عليه، كما أن اختبارات الروشاخ تعتبر وسيلة جيدة في وضع وترتيب الأسئلة الحرة التي يجب أن يوجهها القائم بالمقابلة للطفل. وعلى الرغم من أن المقابلة عادة ما تستخدم كوسيلة إكلينيكية لتفهم حالة الفرد، إلا أنها تستعمل الآن وبصورة متزايدة كأداة للبحث للوصول إلى معلومات وبيانات للإجابة عن ثمة تساؤل معين يكون قيد الدراسة والبحث, وتنتظم المقابلة لعديد من التساؤلات مصممة لاستثارة واستنباط أنواع معينة من المعلومات، وغالبًا ما تختبر هذه التساؤلات سلفًا للتأكد عما إذا كانت حقيقة يمكن الحصول بواسطتها على المعلومات المطلوبة, وعادة ما تسجل المقابلات حتى لا يعتمد المقابل اعتمادًا كليًا على تذكرة لما حدث في سياقها، فقد تخونه الذاكرة، أو قد يعول على تذكر ملاحظات سطحية هزيلة, وعادة ما تقيم المعلومات التي يحصل عليها من المقابلة بطرق متنوعة وعلى مقاييس للتقدير rating scales وعادة ما يحدث التقدير, هذا بواسطة شخصان وبصورة مستقلة لضبط درجة اتقاقهما على شيء معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وجدير بالذكر فطريقة المقابلة يجابهها بعض الصعاب، فمثلا حاجة الأم إلى أن تصور نفسها بطريقة معينة يؤثر ذلك في تقريرها وبياناتها, كما أن نجاح طريقة المقابلة يعتمد في المقام الأول على رغبتها في سرد البيانات والمعلومات المتنوعة، بالإضافة إلى مدى تذكرها للأحداث الماضية، وتشير نتائج دراسة كل من هاجرد Haggard وآخرين "1960" حيث قاموا بمقارنة المعلومات التي أدلت بها الأمهات خلال ثلاثة مقابلات, وكانت هذه المقابلات تبدأ منذ شهر قبل الولادة، وكررت مرتان عندمات وصل الطفل ما بين 7-9 سنوات, وتشير النتائج أن درجة استدعاء الأمهات لأحداث ماضية كان مرتبطًا بنوع المعلومات أو البيانات المطلوبة, فطول الطفل وقت الولادة قد تذكر بصورة جيدة قلق الأمهات استدعى بصورة أقل ضبطًا وصدقًا, واتضح كذلك أن المعلومات المتجمعة من المقابلة قد تعكس شخصية الأم أكثر من أن تعكس الحقائق الفعلية للحالة. وعمومًا، فإن علاقة المقابل بالحالة وجهًا لوجه تمكن المقابل الماهر أن يقدر الاستجابات الجدية الصادقة للمستجيب, وهذه الميزة لا نجدها في أي طريقة أخرى. تفسير النتائج "الصدق": في طريقة المقابلة من الأهمية أن نتعرف إلى أي مدى تعكس استجابات الطفل أفكاره الحقيقية، ولقد أشار "بياجيه" إلى خمسة أنواع من الاستجابات عادة ما تكون في حاجة إلى أن تميز، فعندما يكون الطفل غير مهتم بالأسئلة أو متعبًا، نجده يقول ببساطة أي شيء للاستجابة إلى المختبر يأتي على مخيلته لأجل أن يرضي الممتحن فقط، ويسمي "بياجيه" هذه بالإجابات العشوائية answers at random, وعندما يستجيب الطفل بدون تفكير واقعي عن التساؤل الموجه إليه تسمى حينئذ بالإجابة الخيالية أو الرومانسية Lomancing ومن جانب آخر فعندما يولي الطفل الانتباه إلى الأسئلة ولكن إجابته تكون نتيجة رغبته أن يرضي الممتحن، أو يوحي إليه بمعرفته الإجابة نجد "بياجيه" يسمي هذه العملية بالاقتناع الموحي Suggested Conviction وهذه الأنواع الثلاثة السابقة ذات قيمة ضئيلة للباحث, وعندما يفكر الطفل في السؤال المطروح عليه ويجيب عليه نتيجة تفكيره العميق، يسميها "بياجيه" بالاقتناع المتحرر Liberated Conviction والحالة الخامسة عندما يجيب الطفل بسرعة وبدون تفكير بسبب معرفته لمشاعره وميوله يسمى "بياجيه" هذه الإجابة بالاقتناع التلقائي spontaneous conviction. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وحيث أننا غالبًا ما نجد الباحث يركز اهتمامه على الإجابات الاقتناعية المتحررة والاقتناعية التلقائية، فيجب عليه أولا فصلها عن الإجابات العشوائية أو الرومانسية أو الموجهة، ويمكن إجراء ذلك على مرحلتين أثناء البحث، إحداهما أثناء المقابلة، والأخرى بعد المقابلة، فإذا كان ذلك أثناء المقابلة يمكن أن يتحقق الباحث بطرق مختلفة منها. أ- يمكن أن يقدم الباحث إيحاءات معاكسة، لكي يرى كيف تكون إجابات الطفل ثابتة، وكيفية ارتباطها بصورة أساسية بفكر الطفل، وعمومًا فإن الإجابات وفقًا للاقتناع المتحرر والاقتناع التلقائي يمكنها بسهولة الصمود أمام الإيحاءات المعاكسة، في حين نجد الإجابات الأخرى لا تستطيع ذلك. ب- يمكن أن يسأل الباحث الطفل عن المؤشرات أو الدلائل المرتبطة بإجابته، فإذا كانت الفكرة نابعة حقيقة من اقتناع الطفل نجد تناسبها مع نموذج من الأفكار، والذي يطلق عليه، "بياجيه" اسم المخطط scheme وعندما تتناسب أو تتساوى إجابة الطفل مع المخطط العام لتفكيره فلمن المحتمل أن تكون إجابة اقتناعية متحررة أو اقتناعية تلقائية. والنقطة الثانية التي يمكن الباحث بها أن يحدد عما إذا كانت الإجابات تكون حقيقة اقتناعية وأصلية غير زائفة, تكون بعد المقابلة، عندما يكون قد حدث تجميع بيانات ومعلومات عن الطفل، ويحدث ذلك بما يلي. أ- إن كان الأطفال في نفس العمر الزمني يعطون إجابات متشابهة فإن إجاباتهم بالتالي تعكس شكلا من التفكير المميز لهذا العمر الزمني, وجدير بالذكر فلن يوجد الاتساق إذا كانت الإجابات وفقًا للنموذج العشوائي الإيحائي أو الخيالي الرومانسي. ب- إذا أظهرت الإجابات تغيرًا تدريجيا مع تقدم العمر الزمني وفي اتجاه أقرب إلى مفهوم الراشدين حينئذ نجد الإجابات تعكس ميلا نمائيًا حقيقيًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ج- كما أن التسلسل النمائي الحقيقي يجب أن يظهر استمرارية بمعنى أن يكون بين المفاهيم المجردة للأطفال الكبار، أثار للأفكار العيانية التي كانت لديهم في عمر مبكر، كالمشايعة والموالاة أو الالتحام, ومن بين تلك التعبيرات العيانية للأطفال الأصغر تمثل خطوة تسمح بامتلاك الأفكار المجردة التي سوف يمتلكونها فيما بعد. وبالتالي فعن طريق هذه الاتجاهات يمكن للباحث التأكد من صدق البيانات والمعلومات التي يحصل عليها نتيجة لما يسميه "بياجيه" بالمقابلة شبه الإكلينكية. تفسير النتائج, الثبات: على الرغم من أن "بياجيه" كان مهتمًا دائمًا بصدق ملاحظاته، إلا أنه في الحقيقة تجاهل تساؤل عملية الثبات، بمعنى مدى تكرارها، وقد يكون السبب الذي أدى به إلى ذلك خلفية "بياجيه" في العلوم البيولوجية دعته إلى افتراض أن الخاصية الأساسية عند فرد ما يمكن أن توجد خلال النوع بأكمله, إلا أننا نجد هذا الافتراض وإن كان صادقًا في الكائنات الأدنى إلا أنه لا يكون صحيحًا بالنسبة للكائنات الآدمية -ومع ذلك فإننا يمكن أن نجري مقاييس الثبات على طرق "بياجيه" عن طريق إعادة اختبار الطفل في عملية المقابلة وذلك في أوقات مختلفة. والطريقة الثانية التي يمكن أن نحصل على الثبات من خلالها تكون عن طريق تصنيف الإجابات في مراحل متوالية للنمو، بمعنى أن نقول إن من الضروري تقرير عما إذا كانت الإجابات مميزة بصورة كافية لأداء الفرد حتى يمكن تصنيفها. وعمومًا، فإن هذه الخطوات سابقة الذكر، بالإضافة إلى معيار "بياجيه" في تحديد وشروط المقابلة الإكلينكية، عادة ما يكون مقبولا حتى بالنسبة للأخصائي التجريبي المحض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ثانيًا: الطرق السببية Causative methods عندما يكون الباحث مهتمًا بالعلاقات السببية بين الظواهر النفسية أو الظواهر التي تسبب أخرى حينئذ يجب عليه اتخاذ ميثودولوجية مختلفة عما سبق الإشارة إليه, وعمومًا فإن هذه التساؤلات يجاب عليها بصورة أفضل في ثنايا الطريقة التجريبة، وسوف نتأمل سويًا هذه الطريقة في ميدان علم النفس بصفة عامة وميدان علم النفس النمو بصفة خاصة. فالتجريب Experimentaion في علم النفس يعتبر من أهم الطرق التي تتضمن تحقيق مقومات المنهج لعلمي، ويشير الاتجاه التجريبي في علم النفس أو معظم مشاكل علم النفس إن لم تكن كل مشاكله يمكن دراستها تجريبًا في معامله وفي مواقعه التجريبية، ومن أهم الخصائص التي يتميز بها التجريب في علم النفس النمو ما يلي. - يسعى الباحث إلى تهيئة وترتيب ظروف وعوامل الظاهرة موضوع الدراسة بدلا من الانتظار والبحث والتنقيب "كما هو الحال في الملاحظة الموضوعية حتى تقع تلك الظاهرة ويقوم بدراستها وبحثها". - يكون في مقدور الباحث تغيير الشروط والظروف التي تحدث فيها بدلا من تقبله لها كما وقعت أو حدثت. - يمكن تغيير إحدى أو بعض العوامل التي تخضع لها تلك الظاهرة وتثبيت الظروف والعوامل الأخرى مما يسمح بمعرفة أثر ذلك كله على الظاهرة المراد بحثها، وبذلك يمكن تحديد علاقات تلك العامل والظروف بالنسبة لها. - يمكن تكرار الظاهرة طبقًا لرغبة الباحث وحسب ما يتراءى له مما يسمح بدقة الملاحظة والقياس. - استخدام أجهزة خاصة بالقياس تتميز بالدقة، مما يسمح بالتحديد الكمي للظاهرة وإمكان معالجتها طبقًا للطرق الإحصائية الملائمة. أ- التجريب المعملي، ويقوم على أساس استخدام الآلات والأجهزة المختلفة، وغالبًا ما يجري في ظروف صناعية، وتنتشر الآن معامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 علم النفس في كليات التربية وعلم النفس بالعالم حيث تتوفر الكثير من الأجهزة الدقيقة التي يتمكن بها الباحث من جمع المعلومات والضبط والقياس الدقيق, ولا يتوقف أهمية التجربة العلمية على مدى ما يستعمل فيها من أجهزة وأدوات، إذ إن هناك الكثير من التجارب ما لا يحتاج إلى أجهزة البتة، كما أن هناك متطلبات وشروط معينة لاستخدام الأجهزة وفقًا لنوع التجربة نفسها والهدف من البحث وموضوعه، ولا يقلل من أهمية وقيمة التجربة عدم اعتمادها على مثل هذه الأجهزة. ب- التجريب الطبيعي: ويرجع الفضل في استخدام هذا النوع من التجريب إلى لازورسكي، ومن مميزات "التجربة الطبيعية، أنها تجري تحت نطاق الظروف الطبيعية للظاهرة دون أي تغيير يذكر، فالظاهرة النفسية كما تحدث في واقع حياتنا قد يصعب إخضاعها للدراسة المعملية المصطعنة، لأن الواقع بما فيه من عوامل ومتغيرات متعددة يحدد شكل ومضمون الاستجابات والأنماط السلوكية المختلفة، وعزل الظاهرة عن واقعها أو إطارها يعني إغفال محددات معينة مسئولة عن حدوثها. المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة Experimental& Control Groups: وتقوم الطريقة التجريبية على تثبيت جميع المتغيرات فيما عدا متغير واحد "المتغير المستقل" وهو موضوع البحث، ويحاول الباحث أن يغير فيه ويوجهه بطريقة منظمة حتى يمكن أن يتبين ما إذا كان التغيير الذي تم إدخاله في هذا المتغير يؤدي إلى تغييرات أخرى في السلوك الناتج "المتغيرات السابقة" وكيفية حدوث هذه التغيرات. ومثال على ذلك، يمكن التحقق تجريبيًا من صحة الفرض القائل بأن مواقف التنافس تؤدي إلى زيادة تحصيل الأطفال في مادة دراسية معينة، وذلك بتكوين مجموعتين من الأطفال, إحداهما تسمى بالمجموعة التجريبية والثانية تسمى بالمجموعة الضابطة. وبعد أن يقوم الباحث بتثبيت كافة المتغيرات التي قد تؤثر في تحصيل التلاميذ من المجموعتين كالسن ونسبة الذكاء والصف الدراسي والقدرة الحسابية وغير ذلك يعرض المجموعتين لمعالجات مختلفة، ولكن يدخل في المجموعة التجريبية متغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 التنافس المراد دراسته "كأن يقال للأطفال أن التلميذ الذي سيحرز أعلى درجة سيمنح جائزة"، في حين لا يدخل هذا المتغير في المجموعة الضابطة حيث لا يوجد موقف تنافسي كالذي سبق ثم نختبر مستوى تحصيل التلاميذ في المجموعتين فإذا تبين أن جماعة التنافس "المجموعة التجريبية" تفوقت في مستويات تحصيلها على المجموعة الضابطة، فإن ذلك يدل على أثر التنافس في رفع مستوى تحصيل التلاميذ "أي التحقق من صحة الفرض الذي ذهبنا إليه". وكثيرًا ما استخدمت هذه الطريقة في دراسات علم النفس النمو، ففي إحدى دراسات Sarver, G. & Others؛ "1976" أراد الباحثون معرفة تأثير السرعة التي يقرأ به الأطفال قوائم الأرقام، بالإضافة إلى قدرتهم على استدعائها وتذكرها، حيث قدمت قوائم للأرقام على خمسة سرعات مختلفة، وتضمنت الضوابط في التجربة السابقة تقديم القوائم بصوت مسجل، وتم اختيار الأرقام من القائمة بصورة عشوائية، كما استخدم حالات من الذكور فقط، وكانوا في نفس المدرسة، وجميعهم كانت معدلات ذكائهم متوسطة، وبواسطة ضبط هذه العوامل في المجموعتين تمكن الباحثون من معرفة معدلات استدعاء الأطفال للأرقام ومدى اختلافهم في ذلك. ونمط آخر من التجريب الذي عادة ما نجده في دراسات علم النفس النمو، ما يسمى بتجربة التدريب Training experiment حيث نجد نفس المجموعات أو مجموعات أخرى من الأطفال تعطي أشكالا مختلفة من التدريب على واجب معين، لكي يمكن أن نحدد أي نموذج من التدريب كان أكثر فعالية أو تأثيرًا في هذه المهمة، وكثير من هذه التجارب أجريت في ميدان علم النفس النمو وكان هدفها الكشف عن مدى ارتباط مفاهيم معينة بمستويات عمرية معينة، "فبياجيه" مثلا أشار إلى أن معظم الأطفال يحصلون مفهومًا حقيقيًا للعدد "وهو تفهم أن عدد العناصر في موقف ما يبقى نفسه بغض النظر عن كيفية ترتيبه أو تنظيمه, ويبلغون ذلك فيما بين الخامسة والسادسة من عمرهم الزمني، كما أن دراسات التدريب أجريت لتحديد ما إذا كان من الممكن اكتساب المفهوم الحقيقي للعدد لأطفال أصغر سنًا خلال فترة قصيرة من الوقت كنتيجة للتدريب والنماذج الرئيسية لذلك هو أن نختبر الأطفال ما قبل التدريب وبعده والاختلاف بين الدرجات في الاختبار الأول والاختبار الثاني يوضح تأثير وسائل تدريب متعددة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 تأثير المجرب: إن العلاقة بين المجرب والحالات جانب من جوانب الطريقة التجريبية، ولقد لاقت هذه المسألة انتباهًا كبيرًا في العصر الحديث, وعلى الرغم من أن كثيرًا من المجهودات عادة ما تبذل في أي تجربة لتجعل أدوات الطريقة التجريبية ووسائلها أكثر موضوعية، إلا أنه يوجد دليل في أن المجرب يؤثر في نتائج البحث من خلال توقعاته لسلوك الكائن الآدمي Rosenthal؛ "1966" وسواء كان ذلك من خلال سلوك المجرب نحو الكائن الآدمي أو من خلال أخطاء في عملية الملاحظة. ففي إجراء التجربة، أحيانا يبدأ الباحث بافتراضات معينة وتوقعات أو تحيزات فيما يتعلق بالنتائج، وهذه بالتالي تنقل للحالة من خلال تلميحات رؤيا أو سمعية متنوعة، مثل الإشارات والإيماءات، وكذلك نبرات صوت القائم بالتجربة، وعمومًا فإن الدراسات تشير بوجود بعض من العوامل التي تؤثر في هذه الطريقة وبالتالي في نتائجها وهذه تتضمن الجنس والعرق، والحاجة إلى الاستحسان الاجتماعي، ومركز المختبر، والمعرفة الشخصية المسبقة بين المختبر والحالة، وسوف نتأمل مثالين لتوضيح ذلك. تشير نتائج دراسة Cown, p, وآخرين "1967" ما يقرب من 250 طفلا ما بين السابعة والتاسعة والحادية عشر، عرض عليهم عشرة صور ملونة ويطلب من كل طفل أن يحكي قصة عن كل صورة تعرض عليه، وبصورة عامة فقد أوضحت نتائج هذه الدراسات أنه كلما ازداد عمر الحالة كلما كانت الصور المستخدمة أكثر استثارة في الاستجابة. وأحد القائمين بالتجربة استثار استجابات أطول من أطفال الخامسة والسابعة، في حين أن أطفال السابعة والتاسعة كان أداؤهم أفضل من مختبر آخر، كما وجدت اختلافات، متشابهة فيما يتعلق بجنس الطفل حيث تمكن أحد الباحثين من استثارة استجابات كبيرة من الذكور، في حين تمكن آخر من إجراء ذلك مع الإناث. وفي دراسة أخرى أجراها كل من Allen وآخرين "1966"، حيث اختبرت مدى تأثير جنس المختبر، ومقارنة نتائج المديح والنقد, ولقد اتفقت نتائج هذه الدراسة مع نتائج الدراسة السابقة، حيث أشارت أن الشخص المألوف بالنسبة للمختبر يكون أقل كمدعم اجتماعي إذا ما قورن بتأثير الشخص الغريب، وكانت حالات هذه الدراسة من الأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 البيض حيث تلقت المديح والثناء من مجرب زنجي، وأظهروا ازدياد في مدى استجاباتهم الصحيحة، في حين أشارت النتائج أن هؤلاء الأطفال الذين تلقوا الثناء والمديح من راشد أبيض قد أظهروا نقصًا في معدل استجاباتهم. وجدير بالذكر أن هناك نقطتان فيما يتعلق بالتفاعل بين المجرب والحالة تتطلب بعضا من الشرح والتوضيح. أ- يجب أن تفسر نتائج الدراسة وتحلل ببعض من الحذر وذلك بسبب أنها قد تتأثر بتحيزات المجرب، وكذلك بواسطة خصائص المجرب وخصائص الحالة نفسها. ب- وثمة حقيقة مؤداها أن المجرب قد يؤثر في الحالة بطرق ماهرة ماكرة حاذقة حتى في الموقف المقنن المضبوط والمنظم لكي يظهر بعض من التأثيرات المتبادلة في عملية التفاعل بين الأدباء والأبناء والمدرسين والأطفال, ففي كليهما نجد أهداف الراشد وأغراضه تؤثر على سلوك الطفل واتجاهاته, وعمومًا فلا يوجد تفاعل إنساني يترك المشتركين فيه في حالة عدم تأثير بعضهم بالبعض الآخر لأن جوهر عملية التفاعل هي في مدى تأثير كل طرف على الآخر. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الطريقة التجريبية تمثل أفضل الطرق لأنها تعيننا على إظهار العلاقات بين المتغيرات في وضوح وجلاء وبالتالي يؤدي ذلك إلى التحكم في الظاهرة إلا أن هناك بعض المشكلات التي يعتذر تناولها بهذه الطريقة, وبالتالي يجب الاستعانة بطرق أخرى في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ثالثًا: الطرق التمايزية Differential methods عندما يكون التساؤل موضع اهتمام الباحث يتمركز حول اهتمامه في العمل مع الطفل كشخص منفرد، وليس العمل مع مجموعة من الأطفال فإنه عادة ما يستخدم الطرق التمايزية، حيث تتضمن استخدام الاختبارات النفسية والعقلية، ووسائل تقرير الذات, والطرق الإسقاطية وملاحظات اللعب، وخلال استخدام الباحث لهذه الوسائل فإن الشخص دائمًا ما يقارن بمجموعة معيارية سواء كان ذلك ضمنيًا أو بصورة جلية واضحة, حتى يمكن تحديد المدى الذي يكون فيه الفرد متشابهًا أو مختلفًا عن المعيار المستخدم, وتتمركز إحدى المشكلات الهامة في استخدام الطرق التمايزية في التأكد بمدى تناسب المجموعة المعيارية التي نقارنها أو نقارن بها طفلا معينًا. ولا يمكن أن نقول بأن جميع المعايير يجب أن تكون موضوعية، في هذه الطريقة فحتى في حالة المعايير الذاتية يمكن أن تكون ذات فائدة، فالأخصائيون الإكلينيكيون الذين لديهم خبرة كاملة طويلة في الاختبار، قد يبنون معايير شخصية يمكن أن تكون مفيدة في عمل التشخيصات والمعالجات فأحد الباحثين قد أشار مرة بأن الأطفال المتأخرين عادة ما نجدهم يضحكون أو يبتسمون على المواقف الأولى لاختبار الذكاء, والتفسير المحتمل لذلك في أن الطفل المتخلف يخاف أن يظهر قلقه من الاختبار، وكذلك يخاف في أن يكشف تخلفه، فالمواقف الأولى والتي عادة ما تكون سهلة تكون لحظات ارتياح حيث تجعل الطفل الصغير يبتسم أو يضحك لكي يتحرر من قلقه وتوتره، ويمكن أن نضيف المعايير الشخصية الإكلينيكية إلى المعايير الموضوعية التي نحصل عليها ببعض من الحذر. 1- اختبارات الذكاء: عادة ما تستخدم اختبارات الذكاء جماعات كبيرة لتقنين المواقف وعملية التقنين تعني ببساطة أن صعوبة الموقف تتحدد عن طريق نجاح أو إخفاق جماعات كبيرة من الأطفال الذين استجابوا لهذا الموقف. والجماعات المعيارية للاختبارات واسعة الانتشار كاختبار بنية ووكسلر لذكاء الأطفال، عادة ما يحصل عليها بواسطة أخذ عينات من الأطفال من المناطق الريفية والحضرية والبدوية وكذلك من طبقات اجتماعية واقتصادية, وحتى بعد إجراء ذلك يجب عند إعطاء هذه الاختبارات المقننة على البيئة المحلية، إلى طفل معين يجب أن نفسرها بحذر شديد, وللمزيد في ذلك يمكن الرجوع إلى اختبار بنيه الذي قنن على البيئة المصرية، وكذلك اختبار وكسلر للأطفال الراشدين، لتعرف مدى أهمية هذه المشكلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 2- وسائل تقرير الذت Self-report techniques: وتتضمن هذه الطريقة مجموعة كبيرة من الأدوات، يطلب من الأطفال أن يجيبوا عن أسئلة تتصل بذواتهم أو البيئة المحيطة بهم، ففي دراسة تقدير الذات يطلب من الأطفال الاستجابة إلى قوائم صفات للذات هل تنطبق عليهم أو لا تنطبق، والطفل الذي تشير إجاباته عن صفات إيجابية أكثر من الصفات السلبية يقال: إن لديه تصورا إيجابيا لذاته والعكس صحيح أي إن الطفل الذي يشير إلى صفات سلبية أكثر من وصفه لذاته يقال: إن لديه تصورا سلبيا لذاته. ولقد استخدمت قوائم تقرير الذات لتحديد الاتجاهات نحو المدرسة، وقلب الامتحانات، والميول المهنية, وهذه الوسيلة عادة ما تثير تساؤل المرغوبية الاجتماعية Social desirability بمعنى إلى أي مدى تكون استجابة الطفل متلائمة مع ما يعرفه من خصائص متقبلة اجتماعيًا، وإلى أي مدى تكون استجابته انعكاس أمين لاتجاهاته ومشاعره؟ وإحدى الطرق التي يمكن التغلب بها على هذا العيب، هي أن تتضمن هذه القوائم مقاييس للكذب، وتعتبر هذه المواقف متطرفة للغاية مثل، أنا دائما شخص طيب، أو "أنا دائمًا شخص شرير"، والطفل الذي يوافق عليها يشير إما إلى التزييف، أو التظاهر بالطيبة، وإما إلى التظاهر بالسوء والشر، وعن طريق هذه المواقف في قوائم الصفات تساعد الأخصائي أن يهمل درجات عالية معينة، والذين استجابوا بصورة أساسية تبعًا لما يسمى بالمرغوبية أو اللامرغوبية الاجتماعية. وجدير بالذكر أن هذه الوسيلة تمدنا بمعلومات وبيانات قيمة ومفيدة في تفهم الحالة، إلا أن تحديد مدى صدق وأمانة استجابة الحالة ما يزال موضع تساؤل، ويعتبر بمثابة مشكلة في وسائل تقرير الذات بصورة عامة. 3- الطرق الإسقاطية Projective Methods: تختلف هذه الطرق عن طرق تقرير الذات في أننا نجد الحالة في تقرير الذات عادة ما يكون لديها بعض الأفكار التي تكشف عن ذاته إلا أننا في الطرق الإسقاطية لا نجد على هذا المنوال، وتتضمن هذه الوسائل اختبار الروشاخ المعروف باختبار بقع الحبر، واختبار تداعي المعاني TAT وكليهما للكشف عن الجوانب الخافية للشخصية فالحالة التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 تستجيب لاختبار بقع الحبر مثلا لا يكون لديها فكرة عن كيفية تقدير الاستجابات أو كيفية تفسيرها, وقيمة النتائج تعتمد إلى حد كبير على مهارة وخبرة الشخص الذي يقوم بتطبيقها وتفسيرها. وتوجد وسائل إسقاطية متنوعة، ويمكنها التغلب على مشكلة التفسير والتأويل، فمنذ سنوات مضت اكتشف علماء الفلك ما يسمى بالمعادلة الشخصية peesnal equation ومؤداها أن الملاحظين يختلفون في مدى ردود الفعل وبالتالي يسجلون أوقات مختلفة لأحداث النجوم، وهذا يعني ظهور الاختلافات الفردية التي يؤديها الأشخاص حتى في الأعمال البسيطة، مثل الضغط على زرار معين عندما تكون النجوم في حالة تداخل, ووسائل متشابة تسخدم الآن لتقييم الأنماط المعرفية، ففي اختبار الأشكال المطمورة للأطفال مثلا، يطلب منهم العثور على أشكال صغيرة وبسيطة مطمورة في شكل أكثر تركيبًا، والأطفال الذين يتمكنون من إجراء ذلك بسرعة يطلق عليهم صفة الاستقلال الميداني، حيث يستطيعون التعامل مع المثيرات المحيرة أو التي تصرف الانتباه، والأطفال الذين يوجد لديهم صعوبات في هذه المهمة يطلق عليهم صفة الاعتماد الميداني، وعادة ما يكونون سريعي التأثر، وذوي حساسية عالية لتأثير المثيرات البيئية. وعمومًا فعلى الرغم من وجود ثمة طرق تتجنب بعض مشكلات ووسائل تقرير الذات، إلا أنها تحوي مشكلات جديدة للتفسير، فمثلا كيف يحدد الموقف المعروض تكوين هذه النماذج؟ 4- ملاحظات اللعب Play Observations: تمثل أحد الطرق التمايزية والتي عادة ما تستخدم مع الأطفال، وفي بعض جوانب هذه الطريقة تكون مشابهة للاختبارات الإسقاطية، وذلك بسبب أن اللعب قد يمكن الأطفال لأن يكشفوا جوانب معينة عن أنفسهم والتي تكون لاشعورية بصورة كلية، وفي معظم ملاحظات اللعب عادة ما يكون الأطفال في حجرة مع عدد من الدمى والألعاب والمكعبات والقوالب، وما إلى ذلك، حيث يسمح لهم باللعب بها، وفي موقف اللعب البنائي يطلب من الأطفال اللعب مع دمى معينة، وفي مواقف اللعب غير البنائي يلعب الطفل مع أي دمية يختارها. ويمكن استخدام ملاحظات اللعب في الأغراض التشخيصية. فمثلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 عندما نريد تقييم مشكلة انفعالية لطفل ما، فقد يجلس هذا الطفل في موقف لعب بنائي حيث يوجد فيه منزل صغير، وأشخاص من الدمي وأثاث, فإذا وضع أباه وأمه وأخته الصغرى في حجرة ووضع نفسه في حجرة أخرى فقد يعني ذلك أنه يحس النبذ من أبويه، أو الانعزال عن باقي أفراد الأسرة, وفي معظم ملاحظات اللعب التي استخدمت لأغراض تشخيصية طلب من الأطفال أن يقصوا قصة عن نشاطاتهم في اللعب أو أدوارهم فيما يقصونه, أو الاستجابة إلى تفسير الممتحن لتنظيمهم أدوات اللعب. وعلى الرغم من أن ملاحظات اللعب تعتبر طريقة تمايزية، إلا أننا نجد "أريكسون" Erikson؛ "1951" قد استخدمها للإجابة عن تساؤلات ارتباطية، حيث طلب من الأطفال بناء أبراج بواسطة قوالب معينة، وبعد ذلك لاحظ بناءاتهم ولقد وجد اختلافات جنسية جديرة بالملاحظة، إذ لاحظ أن الأولاد كانوا يميلون لبناء أبنية طويلة، في حين وجد البنات كن يملن إلى بناء مساحات مغلقة وضيقة ومن الصعب الدخول فيها, ويشير "أريكسون" أن الرمزية الجنسية قد تكون أقل أهمية في تفسير ذلك، إذ إن الأولاد والبنات قد اختلفوا بصورة كلية في التوجيهات المكانية ويرجع إلى الاختلافات الجسمية في أعضائهم الجنسية. وجدير بالذكر، فإن ملاحظات اللعب الحر للأطفال في الملاعب والفصول الدراسية، وأي مكان آخر يعتبر مصدرًا غنيًا للمعلومات والبيانات, وملاحظات اللعب عمومًا مثل أغلب الملاحظات الأخرى مفيدة للغاية في بداية البحث ولا فحص، إلا أننا يجب أن نحصل على معلومات أكثر نوعية عن الأفراد والجماعات بواسطة أدوات أخرى، وعلى ذلك فإن بيانات ملاحظات اللعب يمكن توحيدها مع بيانات وسائل تقييمية أخرى, وللأغراض الارتباطية فإن ملاحظات اللعب يمكن أن تكون مصدرًا خصبًا للافتراضات التي يمكن أن تقاس بدقة عن طريق الوسائل التجريبية. وكما أشرنا في مناقشة ملاحظات اللعب، فإن الارتباطات بين التساؤلات والطرق ليست ملزمة، وعمومًا فإن الطرق التمايزية غالبًا ما تستخدم للإجابة عن التساؤلات الارتباطية كما رأينا في مثال "أريكسون" السابق، ومن جانب آخر فإن الطريقة التجريبية هي الطريقة الوحيدة، الملائمة للإجابة عن التساؤلات السببية، وبإيجاز فإن بعض التساؤلات تتطلب أكثر من طريقة معينة للبحث والاستقصاء في حين أن أخرى لا تتطلب ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 رابعًا: الطرق التتبعية Genetic Methods تتلخص هذه الطرق بملاحظة النمو الإنساني في أبعاده المختلفة الجسمية والانفعالية والاجتماعية والعقلية على فترات متتابعة من العمر تبدأ مع أول الحياة ثم تسير في مراحها المتعاقبة وذلك بتسجيل كل ما يتصل بذلك البعد عن مظاهر وسلوك وانفعال. ففي دراسة النمو الحركي مثلا، يسير الباحث متتبعًا مظاهره من المهد وتدرجه المتصاعد في الطفولة والشباب، ثم تسير في فترة الاستواء في الرجولة أو الأمومة, ومنه إلى نمو حركي هادئ خمد حتى ينتهي بالسكون الذي يعني "الموت" وكذلك الحال في شتى أنواع النمو عقلية أو اجتماعية أو انفعالية, حيث يبدأ الباحث دراسته من نقطة الصفر ومنها إلى درجة الإحساس ثم الإدراك الحسي، فالإدراك، فالتذكر، فالتفكير، ثم إلى درجات النضج العقلي، ثم يسير مستويًا إلى أن يبدأ في الانحدار العقلي ليفقد الذاكرة الحادة، ثم الضعف في الضبط العقلي إلى ضعف في المدركات الحاسية في أواخر الشيخوخة. فالطريقة التتبعية تدرس الإنسان في مظهر من مظاهر نموه سواء كان ذلك جسميًا أم عقليًا أم لغويا أم انفعاليا أم اجتماعيًا، وعلم نفس النمو لا يدرس إنسانًا واحدًا فقط ولكنه يدرس أكبر عدد ممكن من الأفراد وفي بيئات مختلفة في جماعات متباينة حتى يتوصل إلى النمو السوي لدى الإنسان وذلك ما يمهد السبيل للتنبؤ عن الأفراد, وما يتوقع منهم في شتى سني الحياة من مراحل النمو السليم، فهذه الطريقة تقدم لنا صورة متكاملة عن النمو النفسي للإنسان في مراحل العمر وفي أبعاد التكوين النفسي. فإذا أدركنا أن ذلك الإنسان يمر الآن في مرحلة الطفولة أدركنا بالتالي تكوينه العقلي أو اللغوي أو الانفعالي، وإذا عرفنا أن فردًا آخر يمر بمرحلة الشباب أو الكهولة أدركنا ما يتفاعل فيه من عوامل انفعالية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وعقلية واجتماعية وذلك مما يساعد المربين والأخصائيين الاجتماعيين والآباء ويقدم لهم أكبر عون فيما يقدمون من مناهج أو تخطيط. وعلم نفس النمو مدين في تقدمه الحديث إلى هذه الطريقة في البحث والاستقصاء وفي تجديد مواطن البحث والتجريب ونتائجه التطبيقية في شتى الميادين. اتجاه الطرق التتبعية: تسير الدراسات التتبعية في ثلاث اتجاهات رئيسية الاتجاه الطولي، والاتجاه المستعرض، والاتجاه الاسترجاعي، فالتتبع الطولي يبدأ من الحاضر إلى المستقبل، والمستعرض يسير في نفس الزمن الواحد بين الأفراد، والاسترجاعي يعود إلى الوراء من الحاضر إلى الماضي، وسوف نلقي الضوء على هذه الاتجاهات في ثنايا الصفحات التالية. أ- المنحى الطولي في مقابل المستعرض Longitudinal versus cross- sectional approaches: إذا عرفنا بدقة نمو طفل معين فيما مضى، فإننا يمكننا التنبؤ بنموه المستقبلي وشخصيته المستقبلية، وتكيفه وقيمه وأهدافه عندما يصل إلى مراهقته ورشده. ولأجل هذا الاهتمام فقد كرست كثير من الدراسات لوصف الطفولة في أعمار زمنية مختلفة، وتوفرت بيانات في بحوث علم النفس النمو في جوانب النمو الحركي, والنمو اللغوي، والنمو العقلي، والنمو الاجتماعي، والنمو الانفعالي والنمو الجسمي، وجمعت هذه البيانات من خلال منحيين هما، المنحى الطولي، والمنحى العرضي، وسوف نتأملها بإيجاز في الصفحات التالية. الطريقة الطولية: يشير Nunn, N أن هذا المنحى مناسبًا لدراسة النمو، ويرجع ذلك بسبب أن نفس الأطفال يدرسون طوال فترة زمنية، حيث يدرس موضوعًا منفردًا وبصورة على فترات دورية نظامية، وبالتالي فإن هذه الطريقة تمدنا بصورة للنمو المستمر, كما تمدنا الدراسات الطولية بمعلومات عن نماذج وعمليات التغير، على المدى الطويل، وبالتالي فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 منحنيات نمو الفرد يمكن أن توضع في ثمة جوانب كاللغة والنمو الجسمي وهكذا, وعن طريق هذه المعلومات للتغيرات التي تحدث في فرد معين يمكن أن تربط بوجود أو غياب عوامل أخرى، فمثلا التغيرات في معدل الذكاء عند فرد ما يمكن أن تربط بأحوال بيئية مختلفة، ولكن لا يعني هذا بالضرورة وجود علاقة سبب ونتيجة. كما أن طريقة سير حياة الأطفال التي نوقشت فيما سبق استخدمت المنحى الطولي لتسجيل ووصف السلوك لطفل معين طوال فترة زمنية محددة، وكانت أول دراسة في هذا المجال دراسة "بفون" Buffon، والتي أشار فيها إلى معدلات الطول لدى الأطفال حتى سبعة عشر عامًا من 1759-1776، وتتمركز مميزات هذه الطريقة في أنها تتيح للباحث جمع بيانات لأجيال مختلفة ومعرفة مدى الاتساق بينها سواء في أوجه نمو الأطفال أو في تدريبات الأطفال النمائية، ولقد أجريت عديد من الدراسات وطبقت هذه الطريقة في البحث والاستقصاء منها على سبيل المثال في عام 1959، دراسة Stone& Onque ودراسة Kagan؛ "1964" وغيرهما. وقبل أن نضع في الاعتبار بعض معوقات هذه الطريقة، هيا بنا نتأمل سويًا بعضا من هذه الدراسات, فمن أول الدراسات الطولية التي أجريت في ميدان علم النفس النمو كانت بواسطة Shirley؛ "1931-1933"، حيث تتبع 25 طفلا منذ ميلادهم حتى نهاية السنتين الأوليين في النمو الحركي والعقلي والشخصية، حيث كانت الأطفال داخل إحدى المستشفيات تفحص يوميًا، وخلال الأسبوع الثاني كانوا يفحصون كل يومين، وباقي السنة الأولى كانت الرضع يفحصون كل أسبوع في منازلهم, خلال السنة الثانية كان يجري فحص الأطفال كل خمسة عشر يومًا. وكانت تسجل في أثناء هذا الوقت استجابات الأطفال لبعض من الاختبارات البسيطة عن طريق وصف وتنوع الاستجابات وأضيفت كذلك تسجيلات الأم إلى بيانات الدراسة الكلية، وفيما يتعلق بالنمو الحركي فلقد ركز شيرلي على تتابع النمو، وانتهى إلى النتائج الآتية. 1- يوجد اتساق في تتبع النمو الحركي، مع ظهور بعض جوانب المعكوسية في المظهر لبعض المواقف، رفع الصدر إلى أعلى، والجلوس بمفرده، والوقوف بمساعدة الآخرين والزحف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 2- النمو الحركي يسير في نفس المنحى للقانون التشريحي لاتجاه النمو والذي يشير إلى أنه يبدأ من الرأس إلى القدم أو يتبع النو الذيلي Caphalo caudal وعمومًا فإن نتائج هذه الدراسة المكثفة على خمسة وعشرين طفلا كانت ذات فائدة كبيرة في ترسيخ جوانب معينة للبحوث النمائية، ومن جهة آخرى أمدت معلومات قيمة للطرق العلمية المتأنية الدقيقة الأخرى. ودراسة أخرى قام بها "أندرسون" Anderson؛ "1950" عن التنبؤ للتكيف بين أطفال الصف الرابع، وكانت عينة هذه الدراسة 320 طفلا وأجريت عملية قياس الاتجاهات للأطفال نحو الأسرة وإحساسهم بالمسئولية واتجاهات العمل معتمدة على خبرتهم المنزلية وميولهم ونشاطات لعبهم، وكانت توجد اختبارات تقيس مخاوف الطفل وقلقه, وأمكن الحصول على ذكاء الأطفال ومهنة الأب والأم، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وذلك في السجلات المدرسية. ولقد تم الاستعانة بالمدرسين في معرفة درجة مسئولية كل طفل، وسماته الشخصية، وتكيفه المدرسي، وذلك بإجابتهم على استبيان خاص بهذه الجوانب, كما سجلت أحاسيس ومشاعر كل طفل عن نفسه وعن الآخرين من حوله، ووجهة نظره في علاقته بالآخرية، وهل يشعر بالإشباع والسعادة في حياته؟ وهل يعتقد أنه ينمو ويتقدم بصورة جيدة بالإضافة إلى انطباعات الآخرين عن الحالة، وكيف يراه الآخرون الذين يعرفونه، وإشارات نتائج دراسة أندرسون بجدوى التنبؤ التكيفي والمرتبط بثمة عوامل كالجنس ومعدل الذكاء سواء بالنسبة للبنين أو البنات. وكذلك تشير نتائج دراسة Berkeley؛ "1928" والتي أشار إليها Bayley؛ "1965" لدراسة 61 طفلا أثناء الشهرين الأولين من حياتهم، وأجريت عليهم اختبارت للذكاء وفحوصات طبية في فترة دورية، ومقاييس أنثروبومترية، وكذلك قيمت مهاراتهم اليدوية والحركية والأداء الحركي العياني وجمعت البيانات من نتائج الاختبارات وتسجيلات عرضية، بالإضافة إلى أنه حدث تقييم لسلوك الأم نحو وليدها. وأشارت النتائج فيما يتعلق بالفروق الجنسية, وحيث اتضح أن معاملات الارتباط الإيجابية بينها وبين المقاييس الاجتماعية والاقتصادية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 "كدخل الأسرة، مهنة الأب, تعلم الآباء" كما وجدت الارتباطات الإيجابية بين معدل طول الآباء والأبناء، وظهرت ارتباطات كذلك بين أنماط سلوك الأم ومعدل ذكاء الأطفال في فترة المراهقة حيث اتضح أن الأطفال الذين كانت لهم أمهات يتسمن بالحب والدفء والديمقراطية وذلك في مرحلة الطفولة كانت معدلات ذكائهم أعلى من معدلات ذكاء الأطفال ذوي الأمهات النابذات العدوانيات, ولاحظ ذلك في البنات أكثر مما وجد عند الأولاد الذكور، واستنتج Bayely أن معدل ذكاء البنات يميل إلى أن يكون مرتبطًا بصورة قوية بالسلوك الأموي المبكر. وجدير بالذكر فإن هناك بعض الخصائص للمنحى الطولي تجعلها مكلفة سواء في الجهد أو الوقت بالإضافة إلى صعوبة إجرائها، وأول هذه الأشياء هو تحول أفراد البحث أو انتقالهم أو عدم إمكان اتبعهم، كما يفقد وقتًا طويلا في حالة تغيير القائمين بالبحث أو الإداريين القائمين عليه. أولا: بالإضافة إلى مشكلة الحالات التي تتسرب أو تتساقط أثناء الدراسة، وبالتالي تفقد معلومات ذات قيمة وساعات ضخمة من العمل والجهد التي بذلت مع هذه الحالات. ثانيًا: عندما تستقر بناء خطة الدراسة، وتختار الأدوات ويستقر على الحالات فمن الصعب إن لم يكن من المخاطرة تبديل هذه العناصر السابقة بدون خطر محيق لنتائج الدراسة ككل. الطريقة التتبعية المستعرضة Cross-sectional method: نظرًا للصعاب المشار إليها التي تكتنف الطريقة الطولية لجأ الباحثون في سيكولوجية النمو في بحوثهم ودراساتهم إلى الطريقة التتبعية المستعرضة. ويدرس الباحث في هذه الطريقة بعدًا واحدًا من أبعاد النمو جسميًا أو عقليًا أو انفعاليا لدى أفراد كثيرين ذوي عمر زمني واحد كدراسات Templin؛ "1953, 1977" للنمو اللغوي على ستين طفلا تتراوح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أعمارهم ما بين "3-3.5"، "4-4.5"، "5"، "6"، "7"، "8" بقياس عدد المفردات اللغوية، وبناء الجمل والقدرة على التمييز اللغوي والقدرة على نطق الكلمات. وعمومًا، فإن هذا المنحى أسهل بكثير من المنحنى الطولي في تمكنه من متابعة عينة البحث من جانب، وتوفير الوقت والجهد الذي يبذل من جانب آخر, كما يمكن أن تعدل خطة الدراسة بدون فقدان ضروري للوقت أو الجهد، إلا أن هناك بعض أنواع المعلومات والبيانات لا تستطيع هذه الطريقة توفيرها، فمشكلة السببية Causation لا نجد لها إجابة مقعنة في هذه الطريقة بمعنى لماذا يظهر سلوكًا معينًا في مستوى عمري معين؟ ولماذا توجد اختلافات النمائية على الشخصية مثل. "كيف يؤثر تأخر النمو اللغوي على تكيف الطفل المدرسي؟ وكيف يمكن الإسراع في النمو الحركي عن طريق الاتجاهات الوالدية؟ وأخيرًا فإن هذا المنحى لا يوضع شكل السلوك ونمطه لطفل معين في فترة زمنية طويلة وذلك بسب أن هذه الطريقة تتركز في دراسة أطفال مختلفين في معدلات عمرية مختلفة في وقت واحد. ويشير "بيل" Bell؛ "1954" أن في اتحاد كل من الطريقة الطولية والطريقة المستعرضة يمكن أن تتحاشي كثيرًا من المشكلات التي تجابه كلا من الطريقتين، ففي تكاملهما حيث يقوم الباحث بدراسة أفراد من الناس في مختلف أبعاد التكوين في سنوات متتابعة من النمو. كما أن كل طريقة تزود الأخرى في تحديد مواطن البحث والتحليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 خامسا: الدراسات المعيارية : هذا نمط من الدراسات جمع بين كل من الطريقة الطولية، والطريقة المستعرضة، وعلى ذلك فإن المعايير ما هي إلا مراحل مرتبطة بأعمار زمنية معينة، والتي فيها تظهر مهارات مختلفة وخصائص عامة، وهذه المعايير يجب ألا تؤخذ كمعايير مجردة لا ترتبط بأخرى، حيث تجد في فترة معينة معيار الوزن بمعايير الأعمال الزمنية، فمثلا يبدأ الوزن في التوقف النسبي بينما نرى معيار الطول بالإضافة إلى البنية الجسمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وجدير بالذكر، فإننا نجد في بعض الأحيان مغالاة في التوكيد على معايير معينة، "حيث يساء فهمها وبالتالي تكون مصدرًا لكثير من القلق والاهتمام غير الضروري خاصة من جانب الأمهات, ولقد نشر "أرنولد جيزل" وهو من المهتمين الأوائل بنمو الطفل معايير لكثير من جوانب النمو، والجدول رقم "1" يتضمن قوائم معينة تصف السلوك المميز لطفل العام و18 شهرًا و21 شهرًا، وقدمت هذه المواقف بصورة تصويرية في الشكل رقم "1". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الباب الثاني: الطفولة الفصل الرابع: النمو قبل الولادة مدخل ... الباب الثاني: الطفولة الفصل الرابع: النمو قبل الولادة منذ لحظة الحمل، وعندما يلقح الحيوان المنوي الذكري البويضة، تحدث أطوار نمائية متدرجة، حيث ينتج نتيجة اتحاد الحيوان المنوي بالبويضة طبقات زرقاء blue prints خاصة بالنمو الإنساني، تتضح وتتجدد على مدى فترة زمنية معينة، وكيفية عمل هذه الطبقات الزرقاء واستخدامها في تشكيل الكائن يعتبر بمثابة أمر يتعلق بالتركيب الوراثي للإنسان. الموروثات والأمشاج Gametes & Genes: عادة ما يطلب على الحي المنوي والبويضة الأنثوية الأمشاج، ولكي تكون هذه الأخيرة كائنا جديدًا يجب أن تمتلك خصائص معينة، ويمكن إيجازها فيما يلي. 1- يجب أن تحمل مادة مغذية كافية لكي تولد خلايا وبالتالي تستطيع التحرك بصورة ملائمة لكي تتحد بأخرى. 2- يجب أن تكون قادرة على التحول من دور القصور الذاتي أو عدم الفعالية المألوف داخل الكائن الراشد إلى دور أكثر نشاطًا وفعالية في توليد الخلايا. 3- يجب أن تكون ذات بنية منظمة مرتبة حيث إنها لا تبدأ في عملية التوليد إلى أن تلتقي بمشيج متمم, بمعنى أن يلتقي الحي المنوي بالبويضة. 4- وهذه الأمشاج عادة ما تحمل خصائص من كل من الأب والأم والتي تكون الطبقة الزرقاء لنمو الكائن الجديد, ولكن كيف يحدث ذلك؟ هذا ما سنوضحه في ثنايا الصفحات التالية. حركة الأمشاج: المطلب الأول هو في توفير التغذية الكافية لهذه الأمشاج حتى تكون قادرة على توليد كائن جديد, وبالتالي يكون لها القدرة على التحرك بصورة كافية للالتقاء والالتحام, ويحدث ذلك عن طريق تقسيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 العمل والنشاط لها داخل رحم الأم، فالمشيج الأنثوي أو البويضة كبيرة نسبيًا وثابتة، في حين نجد المشيخ الذكرى أصغر نسبيًا ومتحرك بسرعة ولكي نعطي فكرة تقريبية عن أحجامها النسبية، فإن البويضة تكون عبارة عن 0.014 ملليمتر من قطرة دائرة "أي في حجم حرفين أو ثلاثة من هذه الصفحة تقريبًا"، وتحت الظروف الجيدة يمكن بالجهد أن ترى بواسطة العين الإنسانية، والحي المنوي الذكري نجده على نقيض ذلك يبلغ 0.006 من الملليمتر، ولا يمكن أن يرى بواسطة العين المجردة، كما أن البويضة تكون في صورتها على هيئة بيضة، والحي المنوي يشبه في مظهره الشرغوف tadpole وتتكون معظم المادة الوراثية في مقدمته. والمطلب الثاني للأمشاج، هو أن تتحول من دور سلبي إلى دور إيجابي بمجرد اتحادها, ومن المعروف أن البويضة تستثار عن طريق المادة في الأكروزوم acrosome وهي تشبه القبة على رأس الحي المنوي، وهذه المواد التي بداخل الأكروزوم تجعل من الممكن للحي المنوي اختراق البويضة والحي المنوي كذلك قد يتضمن بعض أنواع النظم الموجهة والتي يكون بمقدورها أن تعوم أو تسبح تجاه الحركة البطيئة للسوائل الأنثوية لكي تعثر على البويضة وتوجهها في الاتجاه الضروري للإخصاب. كما أن الحيوانات المنوية تفرز بكميات أكبر من البويضة, فمثلا نجد أن أغلب النساء تنتج ما يقرب من 300 إلى 400 بويضة طوال فترة إخصابها, وعلى نقيض ذلك نجد أن الذكر العادي يفرز ما بين 200 إلى 300 مليون حيوان منوي في المرة الواحدة، ويجب ملاحظة أن هذا العدد الضخم غير العادي للحيوانات المنوية عادة ما يكون ضروريًا لعملية الإخصاب, حيث نجد أن الذكور ذوي العدد الأقل قد يكونوا غير مخصبين, ومن ملايين هذه الحيوانات المنوية التي تقذف، ما يقرب من 100 فقط تصل إلى قنوات البويضات من خلال الحركة الانقباضية للمهبل الرحمي وكذلك من خلال جدار قناة البويضات أثناء حركتها العائمة, حيث تستقر البويضة, وعلى الرغم من أن حي منوي واحد هو الذي يقوم بدور إخصاب البويضة، إلا أننا نجد أن وجود الحيوانات المنوية الأخرى معًا، ومع السائل المهبلي يسهل إتمام عملية الحمل. وعندما تتحرر البويضة من الجريب fallicle وتتحرك نحو قنوات البويضات، حيث يمكن أن يحدث الإخصاب نجد أنها ما تزال محاطة بخلايا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 جريبية, وتشير الدلائل أن الحي المنوي يطلق ويفرز إنزيما حيث تذيب المادة الغروية المسامية التي تربط الجريبات أو التجويفات الصغيرة بعضها مع البعض، كما أن وجود حيوانات منوية كثيرة في منطقة مجاورة للبويضة قد يكون ضروريًا لكي تسمح بمرور واحد منها والذي سوف يخصب البويضة بالفعل, وبمجرد أن يصل الحي المنوي إلى الأغشية المحيطة بالبويضة, فإن الأغشية تنتفخ وتجذب الحيوان المنوي الفائز، وبعد أن يكون الحي المنوي داخل البويضة، نجدها مقاومة لاختراق أي حي منوي آخر. وبمجرد أن يصبح الحي المنوي داخل مركز البويضة نجده ينحل لكي تتشكل خلية واحدة مع نواة واحدة، وحينئذ تسمى باللاقحة Zygote وتعتبر بمثابة كائن جديد. الموروثات Genes: كل مشيج1 يتكون من عدد كبير لخصائص التركيب الوراثي والتي تحمل كائنات كيماوية دقيقة تمسى بالموروثات أو الجينات, وتنظم هذه الموروثات في أجسام أكبر من المواد والتي تسمى بالكروموزومات أو الصبغيات Chromosomes وكل نوع يمتلك عددًا معينًا من الصبغيات والتي تساعد في تحديد هويتها المتفردة, ومنذ عشرات السنين كان يعتقد خطأ أن الكائن الآدمي يمتلك 48 صبغيًا، إذا اكتشف أن الخلية الإنسانية تتكون من 46 صبغيًا، وهذه الصبغيات تنتظم في أزواج، حيث نجد أن كل زوج متماثلا إذ أنها متشابهة في أحجامها وشكلها ومظهرها العام. والشكل "1" يوضح عملية انقسام الخلية الفتيلي أو غير المباشر Mitosis.   1 المشيج عبارة عن خلية جرثومية ناضجة إذا اتحدت بخلية جرثومية أخرى كونت كائنا جديدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الشكل رقم "1" يوضح عملية انقسام الخلية الفتيلي أو غير المباشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الشكل رقم "2" يوضح عملية الانقسام للخلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وبمجرد أن تتكون اللاقحة Zygote تبدأ الخلية في الانقسام مخولة لكل الخصائص المورثة الموجودة والتي تتضمن في اللاقحة أن تنتقل إلى كل الخلايا المتولدة كما أن انقسام الخلية والذي يسمى بالانقسام الفتيلي أو غير المباشر Meiosis بمعنى حدوث انقسام طولي لكل من الستة وأربعين صبغيًا وبمجرد أن ينقسم كل صبغي، فإنه يبني وينظم نفسه من جديد وبالتالي يصبح كل نصف متماثل مع الأصل ويتضمن موروثاته المتممة له بصورة كاملة. وعندما يتكون الكائن بصورة كاملة، ونرى حدوث نموذج آخر من انقسام الخلية مولدًا أو منتجًا جديدة، وتسمى هذه العملية بالانقسام المنصف Neitosis وهذا يعني أنه في حالة الإخصاب نجد مشيجان "البويضة والحي المنوي"، يتحدد كل منهما بالآخر لتكوين خلية جديدة بجانب الـ46 كروموزوم, وجدير بالذكر فإننا نرى في حالة الانقسام المنصف تنقسم الخلايا الكاملة لكي تنتج المشيجات مع نصف الصبغيات فقط من خلايا الأبوين. والشكل رقم 1 يوضح عملية الانقسام المنصف للخلية، ومن الجدير بالذكر أن عملية الانقسام المنصف هذه مع عملية الإخصاب تسبب وجود الاختلافات الفردية بين الكائنات, كما نرى في الصبغيات المتماثلة عادة ما يكون المورث الذي ينتج سمة معينة متقابلا بصورة مباشرة مع آخر، وعادة ما يعملان معًا لكي ينتجا سمة معينة, وفي أثناء الانقسام المنصف، نرى انقسام الصبغيات تميل إلى طرد كل منها الآخر "كما نرى ذلك في الأعمدة المغناطيسية" لا يكون كاملا، حيث تتصل أو تتشابك الأزواج المقسمة من الصبغيات المتماثلة في بنية تسمى بالسنترومير Centromere. وعمومًا، فعند هذه المرحلة من الانقسام المنصف توجد 22 حزمة مجدولة لأربعة صبغيات، في حين الانقسام الفتيلي أو غير المباشر mitosis عند تلك المرحلة 46 حزمة لجديلتين صبغيتين.   1 النمط الوراثي أو الطراز الأصلي Cenotype. الطراز البنياني الكامن وراء الخصائص البدنية للجسم أو ما وراء الطراز البدني، وهو طراز لكي تحدده، ومن ثم سلوك وشخصية الفرد ونستطيع أن نتنبأ بتصرفاته لا يكفي فيه أن نعرف مقاسات بنائه الجسمي بل ينبغي أن يكون لدينا تاريخ كامل للفرد وسجل لأجداده ولنسبه وصور لطرازه البدني على فترات منتظمة خلال حياته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ومع الاستمرار في عملية الانقسام المنصف، فإن الأزواج المتماثلة من الصبغيات كميًا تأخذ في الانقسام الفتيلي أو غير المباشر، وتأخذ صورة جدائل أربع، وتندمج في اثنين متجهة نحو الأقطاب المقابلة من الخلية، وتبدو الصبغيات كما لو أنها عشوائية، حيث تتجمع بعض الصبغيات الأنثوية وبعض الصبغيات الذكرية عند كل قطب للخلية أو البويضة، وأثناء عملية الانقسام المتبقي، فإن الصبغيات تنفصل في مجدولات متفردة وكلما انقسمت الخلية، نجد كل خلية جديدة تتكون من 22 صبغي فقط وحينئذ يتكون كل مشيج بصورة عشوائية من كروموزمات "صبغيات" من كل من الأم والأب، وترجع الاختلافات إلى هذا التصنيف العشوائي لصبغيات الأب. فعندما تتحد مشيجات ذكرية وأنثوية أثناء فترة الإخصاب فإن اللاقحة أو الكائن الجديد يكون معرضًا لتأثيرات وراثية من كل الأب والأم، فالتوائم غير المتماثلة عادة ما يكون لديها تركيبات مختلفة من الصبغيات الوالدية، ويرجع ذلك إلى الانفصال العشوائي للأزواج الصبغية للأب أثناء عملية الانقسام المنصف وتكوين المشيجات وحقيقة أن للكائن الآدمي 46 صبغي يؤكد أو يشير إلى وجود ثمة اتساق معين بين الأنواع، إلا أن العدد غير المحدد من تركيب الصبغيات يومئ إلى التفسيرية والمتقلبية. حركة المورث: كما أشرنا سابقًا أن كل صبغي يتكون من عدد كبير من المورثات وكل منها له موضع محدد على جدلية الصبغي، "أو أن كل مجموعة مؤتلفة أو اتحاد مستقبل" يكون مسئولا عن سمة معينة وبسبب عمل الصبغيات معًا كأزواج، فإن كل واحد منهما يمكن أن يزود بإرشادات في كيفية تحقيق سمة ما، والمورثات أو تركيب المورث الذي يعمل في مكان معين لكي تنتج سمة نوعية خاصة تسمى بالأليلي Alleles واثنين من هذه الأليليات تكون ضرورية لمعظم السمات، كما أن الصبغيات المتماثلة تكون في حالة منتظمة وبالتالي فإن اثنين من الأليليات لسمة معينة عادة ما تعملان في صورة تساوي وانسجام، فإن كان للكائن أليلي لعيون سمراء أو بنية اللون في كل من الصبغيات الأبوية والأموية، فإن الكائن سيكون متماثلا للعيون السوداء أو البنية اللون، ومن جانب آخر إن كان للشخص أليلين مختلفين لنفس السمة "مثلا واحد للعيون الزرقاء والآخر للعيون السوداء", حينئذ فإن الشخص قد يكون غير متماثل أو متغاير العناصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 Heterozygous مع تلك السمة، وعمومًا فإنه يجب أن نشير إلى أن كثيرًا من السمات المركبة قد تنتج عن طريق اتحاد الأليليات وليس عن طريق زوج أليلي منفرد، وهذا يجعل إمكانية التنوع أو الاختلاف أكبر. وبالنسبة للشخص الذي يرث من أبويه مجموعة متفردة من 46 صبغي تحدث أثناء فترة الإخصاب عادة ما تسمى بالبنية الوراثية للشخص Genotype وهذه تتكون من المجموع الكلي لإمكاناته التركيبية الوراثية, كما أن كيفية ظهور تلك الإمكانية تعتمد مع ذلك على ما إذا كانت متجانسة كان الكائن نتيجة لاقحة متجانسة1 Heterozygous، أو من لاقحة غير متجانسة أو متغايرة العناصر2 Heterozygous لسمة معينة، فمثلا أن كان الشخص غير متجانس أو متغاير العناصر بالنسبة للون العينين، قد يكون لديه أليلي واحد للعيون الزرقاء والآخر للعيون السوداء، إلا أنه يمتلك عيون سوداء, كما أن المفهوم الواقعي للطراز "أو البنية الوراثية" للسمات الجسمية أو السلوكية تسمى بطراز الشخص الظاهري3 Phenotype. ونجد أن بعض الأليليات تكون سائدة والبعض الآخر يكون مسودًا، وعندما يحدث ذلك لزوج أليلي حيث يكون أحدهما سائدًا والآخر مسودًا، نرى أن الأليلي السائد فقط يدخل في بنية الشخص الظاهرية, فلكي يكون لدى الشخص عيونًا زرقاء، فإنه يجب أن يكون نتيجة لاقحة متجانسة للعيون الزرقاء فإذا كان من الوالدين له عيون سوداء ويكون كل من الوالدين غير متجانسين فيما يتعلق بلون العين، نجد أن   1 لاقحة متجانسة، الخلية أو الزيجوت الذي يتكون باتحاد زوج متماثل من الأمشاج أو الجامتيات. 2 الكائن الناتج من لاقحة متجانسة أو الكائن Heterozygous الذي يتكون من اتحاد زوج متماثل من الأمشاج. 3 الكائن الناتج من لاقحة غير متجانسة "مخالفة" Heterozygous أو الخلية تنتج من اندماج مشيجين غير متشابهين. الطراز الظاهري phenotype اصطلاح ليفين استعارة من علم الوارثة، فالفرد يأخذ شكله وسماته البدنية عن أبويه عن طريق الجينات أو المورثات، وحيث أن بعض الجينات يغلب البعض الآخر، فإن الغالبية تظهر في شكل وسمات الفرد بينما تتراجع الأخرى وتكمن في بناء الفرد دون أن تظهر على شكله وسماته ولكنها تنتقل منه إلى أولاده، والطراز الظاهري هو المظهر الذي يبدو عليه الشخص أي أنه مظهره التي شكلته الجينات "المورثات" المسيطرة الغالبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 بعض من أولادهما قد يكون له عيون زرقاء، وفي مثل هذه الحالة تكون احتمالية حدوث ذلك في أطفالهما بنسة 1-4. وجدير بالذكر، فيجب أن نشير أن مناقشتنا سابقة الذكر عن وراثة لون العين قد بسطت بصورة كبيرة وذلك بهدف تقديم مفاهيم رئيسية وفي الحقيقة فإن لون العين قد يتحدد عن طريق أكثر من زوج واحد من الأليليات تعمل في أماكن أو مواضع مختلفة متعددة، كما أنه ليس جميع الأليليات تكون في حالة سائدة أو مسودة لكل منها بالآخر، فأحيانا نجد حدوث اندماج وتآلف لسمة معينة بينهما، حيث إن وجود العيون الرمادية أو الخضراء، ودرجات الأزرق المختلفة كلها تشير إلى الاندماج والمزج لأزواج أليلية غير متجانسة. ونجد أن هناك استثناء واحد من قاعدة تماثل وتناظر الصبغيات وتحدث مع زوج الصبغيات التي ترتبط بعملية التمييز والتباين الجنسي، حيث نجد الإناث لديهن زوج من الصبغيات والمعروف بصبغيات x ذات الحجم المتوسط ويكون لدى الذكور صبغي x واحد، وآخر أصغر منه وهو y فعندما يفرز الذكور الحي المنوي أو الأمشجة، فإن الانقسام المنصف الذي يحدث في الأمشجة يكون مع صبغيات x أو صبغيات y, ومن جانب آخر نجد الإناث تنتج أمشجة مع صبغيات x فقط, وبالتالي فإن أمشجة الذكر هي التي تحدد جنس الوليد المقبل، ومثال ذلك عمى الألوان حيث غالبًا ما يحدث بين الذكور أكثر مما لدى الإناث, فسمة عمى الألوان سمة مسودة والتي لا يوجد فيها أليلي متم في كروموزوم "صبغي" y، ولهذا السبب فإذا تلقى الطفل أليلى عمى الألوان، فإنه سيكون كذلك، أما بالنسبة للطفلة التي يكون لديها عمى الألوان، نرى أنه يجب أن يكون لدى كل من الوالدين أو واحد منهما على الأقل أليلي واحد للسمة المتلقية, والاحتمال يكون ضعيفًا أن يكون لدى الأب أليلي أكثر مما يكون لدي الأم، ولذلك نجد نسبة حدوث عمى الألوان عند الذكور أكبر من حدوثه لدى الإناث وذلك بسبب أن صبغيات x ليسا متماثلين، وعلى ذلك فإن عملية السيادة والمسود قد تعمل في طرق غير عادية إلى حد ما. ومنذ عام 1960 حدث تقدم كبير في الدراسات التي تناولت النشاط الكيميائي الذي يشكل أساس الانتقال الوراثي، فيمكن أن ينظر إلى الكروموزومات "الصبغيات" على أنها بمثابة حاملان للخصائص أو الصفات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 أو على أنها مجموعة القوانين والصياغات والتي تعمل لكي تخبر الخلايا بكيفية أدئها, ومن الناحية الواقعية فإن الجينات "المورثات" لا تنتظم أو تصوغ الخلايا، ولكنها تنتظم في وحدات جزئية بروتينية أصغر وأكثر لبناء زملات من الخلايا وهذه الجزئيات هي بدورها مركبة بصورة عالية ومنتجة لسلاسل من الحوامض الأمينية، وحيث يوجد ما يقرب عن عشرين حامض أميني مختلف، وبسبب كونها تستطيع أن تنتظم في طرق كثيرة فإنها بالتالي تكون باعثًا على وجود ما يقرب من 1000 جزيء بروتيني مختلف. والجينات "المورثات" نفسها بمثابة جزئيات مركبة من حامض DNA- Deoxyribonucleic Acid والتي تنتظم معًا في ترتيب أو تنظيم حلزوني مزدوج، ويعتقد الآن أن الجوانب الوراثية تتشكل بواسطة خصائص وصفات الـ DNA وهذه المورثات أو DNA تتجدل في جدايل وتؤثر في البروتينات الجزئية وتؤثر في كيفية بناء أنواع مختلفة من الخلايا، فمثلا نجد بعضا من هذه المورثات تعمل على توليف البروتين اللوني المتصل بالخلايا الدموية الحمراء Hemoglobin ففي هذه الحالة نرى الجينات "المورثات" تمد الكائن بصياغة أو تنظيم، أو طبقة زرقاء Blue Print تساعد الخلايا على إنتاج الحامض الأميني الذي يرتبط بالهيموجلوبين، والخلية المسودة توفر المواد أو التركيبات لترجمة الخصائص والصياغات المعطاة من المورثات لكي تنتج المادة أو التركيب المرغوب أو المرفوض وفي الحقيقة فإن العمليات الوراثية جد مركب معقدة، وما يزال هناك الكثير يجب تعلمه في مجال ميكانزمات الانتقال الوراثي. وبعد أن ألقينا الضوء على بعض جوانب النظام الفسيولوجي الوراثي الرئيسي، فهيا بنا الآن نتحول من الفسيولوجيا الوراثية إلى علم الأجنة، متأملين الطريقة التي يتكون بها الكائن الإنساني من اللاقحة إلى كائن إنساني ذو فعالية وقدرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 تطور الجنين : إن تطور الكائن الآدمي من خلية متفردة في حقيقة الأمر عملية إعجازية وهبها الله عز وجل للإنسان فاللاحقة تصبح كائنًا غير عادي ومركب من ملايين الخلايا، تتضمن على 100 نوع مختلف ونظام عضوي يكون على علاقة متبادلة بأعضاء مثل المخ والقلب والرئتين والمعدة والكليتين ... إلخ وعلى الرغم من أن اللاقحة لا تمتلك أيا من مقومات الحياة أو الأنظمة التي نجدها عند الكائن الإنساني إلا أنها تكون باعثا ومسببة لهذا الكائن، كما أنا ندرك أن هذا يرجع لا بسبب أن اللاقحة ما هي إلا كائن في صورة مصغرة، ولكنها بالأحرى تتضمن خصائص وبرنامج عمل لتركيب الكائن. وعلى الرغم من أن تطور عملية مستمرة إلا أن هذه العملية يمكن أن تقسم لسلسلة متدرجة من المراحل، وذلك تبعًا للتغيرات الرئيسية التي تحدث في كل مرحلة، وعلى الرغم أنه من المناسب أن ننعت الكائن النامي أثناء مرحلة قبل الولادة على أنه بمثابة جنين, إلا أننا سنرى أنه توجد اصطلاحات أو تعبيرات نوعية مختلفة للجنين أثناء المراحل المتعاقبة للنمو قبل الولادة، وكما سنرى كذلك، أنه من المفيد أن نتفهم هذه المراحل المتعاقبة حتى ندرك أن هناك أوقات معينة يكون فيها الجنين أكثر عرضة للتأثيرات البيئية بصورة عالية مثل مرض الأم أو تعاطي العقاقير أو المخدرات وذلك أكثر من أي وقت آخر. فترة البلاستوسيست Blastocyst Period: عادة ما تسمى الفترة من الإخصاب حتى اليوم الخامس عشر من النمو بفترة البلاستوسيست, فعندما تبدأ اللاقحة "وهي خلية تنتج من اندماج مشيجين" في إنتاج خلية وليدة، فإنها تكون عددًا كبيرًا حيث تتحرك إلى أسفل في قنوات فالوب، وبعد ذلك تلتصق بجدران الرحم، وبعد ذلك تبدأ في إنتاج بناءات حيث توفر التغذية لعملية النضج المتعاقب ويكون أول هذه البناءات هو المشيمة Chorion أو الجرثومية الغذائية Trophoblart، وتتكون من طبقات عديدة من الخلايا وتكون وظيفتها امتصاص الغذاء من بيئتها أو محيطها خاصة من أنسجة جدار الرحم، وبعد ذلك فإن هذه الجرثومة الغذائية تتطور إلى المشية Placenta أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 غشاء الجنين وهي عبارة عن اتحاد من أنسجة جنينية وأنسجة رحمية تعمل كقناة أو أنبوب رئيسية للأكسجين والغذاء والفضلات الزائدة بين الجنين والأم. وجدير بالذكر فإن كتل الخلايا أثناء هذه الفترة المبكرة تتغير في طرق ومناحي متعددة، فالخلايا التي تكون قرب التجويف الداخلي للباستوسيت تصبح متميزة عن تلك الموجودة على السطح الخارجي. ويبدو هذا اختلافًا رئيسيًا لأنماط الخلايا والتي ستصبح أكثر بروزًا وجلاء فيما بعد، والخلايا التي تحيط الأسطح الخارجية للبلاستوسيت تسمى بالطبقة الخارجية Ectoderm وفيما بعد نجد أن الطبقة الداخلية Endoderm للجنين ستكون معظم أعضاء جسم الكائن بالإضافة إلى المظاهر السطحية الداخلية للجسم، في حين نجد خلايا الطبقة الخارجية ستبني بنية الجلد الخارجية. وفي أثناء فترة البلاستوسيت فإن خلايا المضغة "الطبقة الخارجية" تنتشر وتتحرك منفردة لكي تكون تجويفًا داخليًا جديدًا يسمى بالتجويف النخطي Amnoion Cavity كما أن الغشاء المحيط بالتجويف المكون من خلايا المضغة "الطبقة الخارجية" يسمى بالسلي وهو عبارة عن غشاء داخلي يحيط بالجنين مباشرة Amnion، وكلما تقدم الجنين في تطوره نجد التجويف النخطي يملأ بسائل مكونًا حجابًا واقيًا للجنين النامي, وفي أثناء ذلك يبدأ نمو تجويف آخر مكونا من خلايا الطبقة الداخلية للجنين Nedoderm وتسمى ويطلق عليها مع الخلايا المحيطة والكيس أو الجيب المحي Yolk Sac ويوجد تشابها جزئيًا مع بيضة الدجاجة فالقوقعة قد تكون السلى "الغشاء الداخي الذي يحيط بالجنين مباشرة"، والبياض قد يشبه السائل السلي، كما أن المحي "الجزء الأصفر من البيضة" قد يتساوى أو يشبه الكيس أو الجيب المحي، إلا أن الصفار الكبير لبيضة الدجاجة هو نوع من التأسل وإحدى نتائجه Threawback، أو قد يرجع إلى مرحلة نشوئية تطورية، حيث إن أغلب غذاء النمور النضج تتكون من الصفار "المح", ولكن في الإنسان نرى أن نمو المشيمة Placenta بواسطة تغذية الجنين من الأم يزيل الحاجة إلى مح كبير، حيث إن كيس المحي Yolk Sac الإنساني له أغراض أخرى سنراها فيما بعد. وتتكون خلايا الطبقة الخارجية والطبقة الداخلية للجنين بين السلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وكيس المح، والتي تكون الجنين الحقيقي المميز، وكلما تضاعفت هذه الخلايا كلما يبدأ نموذج ثالث في الظهور وهو المعروف بخلايا الطبقة الوسطى للجنين Mesoderm، حيث تكون البنية التركيبية للجسم بما في ذلك العظم والعضلات والنظام الدوري، وجدير بالذكر أن هذه الطبقات الجنينية الثلاثة والتي تقع بين التجويف النخطي وكيس المح تسمى بطبقة الجرثومية الأولية Primary germ Layer وكلما تقدم النمو بالجنين فإنه يتغير في شكله ومظهره، ويرتبط بالجزء الأوسط أو برأس المشيمة، وينمو الحبل السري الذي يحمل دم الجنين من وإلى المشيمة، وأثناء فترة البلاستوسيت نجد التغذية والحماية تمد للجنين, وبالتالي يبدأ في أن يصبح مميزًا داخل طبقة الجرثومة الأولية، وأثناء هذه الفترة الأولى نجد أن أكثر من 90% من أنسجة الجنين تبنى وتركب من بناءات مؤقتة كالمشيمة والسلى وكيس المح، والتي تكون في جوهرها ضرورية لعملية النمو اللاحقة. فترة الجنين غير المكتمل أو الخلوى Embryonic Period: يطلق على الفترة ما بين الأسبوع الثالث إلى الأسبوع الثامن فترة الجنين غير المكتمل أو الخلوي، حيث نجد أثناءها بناء أعضاء جسمية مختلفة, وأول جهاز ينمو خلال هذه الفترة هو الجهاز الدوري والأحبال والخلايا في أجزاء الجنين المختلفة, فالسلى Amnion "الغشاء الداخلي الذي يحيط بالجنين مباشرة" والمشيمة "الغشاء المغلف للجنين" وكيس المح تنمو داخل فراغات تجويفية تمكنها من نقل وإرسال السوائل وهذه القنوات الأولية تتحد كل منها بالآخر لكي تكون نظامًا يتكامل مع بناءات من الأجواء المختلفة للجنين, وتصبح أوعية القلب أحد أكبر الأوعية، والتالية لها الأوعية الشعرية والأوردة والشرايين وتبدأ دقات قلب الجنين في الخفقان في اليوم الثاني والعشرين تقريبًا من حمله، وبعد يوم أو اثنين يبدأ ضخ الدم داخل المشيمة حيث توزع كل من الأكسجين والطعام للجنين. ويجب أن نشير هنا إلى أنه لا يوجد انتقال مباشر للدم بين الأم والجنين، فعندما تجتاح المشيمة الجدار الرحمي وتصبح غشاء للجنين دائمًا ما تغمر في الدم الرحمي، وكما أن الغذاء الذي يمر من دم الأم إلى الجنين يصفي ويرشح بواسطة كتل من خلايا المشيمة وبطريقة مماثلة فإن نتاج فضلات الجنين لا ينقل مباشرة إلى الأم ولكنه ينتشر أو يصب من خلال جدران المشيمة. وفي اليوم الخامس والثلاثين لنمو الجنين تصبح أعضاء الهضم مميزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 كما يمكن تمييز بناءات خلايا المريء والمعدة والأمعاء، كما أن الأعضاء الأخرى مثل البنكرياس والكبد تنمو كانتفاخات لجدران الخلية المعوية. وبحلول اليوم الخامس والثلاثين تتكون القصبة الهوائية للجنين والرئتين في صورة براعم مطوية صغيرة، ولا تكون ذات فعالية أو قادرة على العمل حتى لحظة الميلاد. وأثناء هذه الفترة نجد أن الملامح الجسمية للجنين تأخذ شكلا واحدًا وأن أكثر العمليات تركيبًا يتمركز في تكوين وجه الجنين، والذي يتكون عندما تمتد وتتسع أجزاء الجسم المختلفة وتنمو سويًا ويشبه ذلك عملية نحت تمثال نصفي من الصلصال وذلك بواسطة الدفع الداخلي من الجوانب إلى أسفل، ومن القمة إلى القاع لكي تكون الملامح الوجهية لهذا التمثال، كما أن الأجزاء الأخرى من الجسم تنمو بصورة سريعة كالبراعم والأطراف حيث تظهر خلال اليوم الثامن والعشرين، وعمومًا فإنه بحلول اليوم السابع والأربعين لحمل الجنين فإنه لا يمكننا فقط تمييز بدايات ونهايات الجنين "الأزرع والأرجل" ولكن بالإضافة يمكن تمييز الأيدي والقدم وأصابع الأقدام. وينمو الجهاز العصبي من البناء المبكر للطبقة الوسطى والطبقة الخارجية، وبحلول اليوم الثاني والعشرين تتكون القناة العصبية ونتيجة النمو المسامي "الخلوي" من القناة العصبية إلى جميع أجزاء الجسم تبدأ في بناء شبكة عصبية لنقل وتوصيل المعلومات جيئة وذهابًا من الجسم والجهاز العصبي المركزي، وينمو المخ من أحد طرفي القناة العصبية بواسطة الطبقات المتعاقبة للخلايا المطوية والمعاد طيها. وعند حدوث ذلك ترتبط الوصلات بأطراف وأعضاء الجسم المختلفة. ولذلك فإن كل جزء من الجسم يمثل في بعض أجزاء من المخ. وبنهاية الشهر الثالث يمكن تمييز أجزاء المخ المختلفة، حيث يمكن تمييز المخ والمخيخ والنقي "نخاع العظم" أو النسيج الداخلي من الأعضاء بوضوح. وجدير بالذكر فإن ما أشير إليه ما هو إلا وصفًا موجزًا غير كامل لقليل من البناءات التي تتكون خلال الفترة الجنينية, ويجب أن نؤكد مع ذلك أن هذه البناءات بأجمعها غاية في الدقة والصغر، حيث نجد أنه بنهاية تلك الفترة فإن الجنين بأكملة لا يلغ طوله أكثر من بوصة واحدة تقريبًا, وفي المرحلة التالية فإن الجنين يحصل على الحجم الذي سيكون عليه عند الميلاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 مرحلة الجنين المكتمل Fetal Period: يحدث أثناء هذه الفترة وهي من نهاية الشهر الثاني حتى الولادة كثيرا من التهذيبات والأشكال المحسنة في تركيبات الجنين الرئيسية فمثلا نجد أعضاء جسم الجنين المختلفة تحتاج إلى كثير من التفصيلات الإضافية مثل تكوين الأوعية الاتصالية حتى تكون قادرة على أداء وظيفتها الكاملة. كما أن المخ مثله مثل أي عضو آخر يزداد بصورة سريعة في حجمه أثناء هذه المرحلة إلا أن نوعيته الإنسانية المحددة الدقيقة لا تحدث الا متأخرًا. كما أن كثيرًا من أعضاء الجنين لا تكون في حالة من الكفاية الذاتية كالقلب والجهاز الهضمي والأجهزة المفرزة، وبالتالي نجدها تظل معتمدة على المشيمة، ولهذا السبب نجد الجنين ذا الجهاز العضوي الناقص أو المصاب بخلل ما, قد يحيى حتى الميلاد, إلا أنه لا يستطيع بعد ذلك. كما أن ميعاد الولادة ليس وقتًا عرضيًا, حيث أنه يحدث عادة بواسطة ميكانزمات داخلية تشير أن الجنين يكون كبيرًا بصورة كافية، وأن جهازه العضوي أمامه فرصة طيبة لأداء وظائفه بنفسه, وقبل أن نتحول لنتأمل الجوانب النفسية لنمو الجنين والولادة، هيا بنا نرى بعضا من الطرق التي يمكن أن تعوق النمو في مرحلة قبل الولادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 النمو غير العادي للجنين: كما أشرت فيما سبق أن نمو الجنين داخل رحم الأم يعتبر حقيقة شيئا معجزا للخالق عز وجل، حيث نرى كثيرًا من التفاعلات الدقيقة المحكمة لكثير من العمليات الكيميائية والفسيولوجية المختلفة، وإنه لمن المثير حقًا أن تسلسل المراحل عادة ما تسير في تدرجها العادي الطبيعي، ولكن نجد في بعض الأحيان أشكالا من النمو غير العادي للجنين ولا تكون من الخطورة حتى تعيق عملية الحمل أو الولادة كأن يولد الوليد بنقص ما أو بعاهة معينة، وعمومًا يوجد نمطان أكثر عمومية عادة ما تحدث للصبغيات أو للإنزيمات Enzymes. وثمة نوع غير عادي للصبغيات فبدلا من أن تكون الصبغيات ثنائية، قد نجدها في بعض الحالات ثلاثية، وثمة شذوذ وخروج عن القياس قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 اكتشف للصبغي 21 وهو واحد من أصغر الأزواج الصبغية، حيث لوحظ أن الأطفال المصابين بأعراض داون Down's Syndrome أو بالمنغولية Mongolism كان لديهم 47 صبغي بالإضافة إلى صبغي من نوع الـ21. ونحن نعرف الآن وجود أعراض أخرى ترتبط بامتلاك 47 صبغي وتسمى عادة بحالات التريسومي Trisomies كما أن أعراض داون كذلك تعرف كذلك بامتلاك 21 تريسومي, ويبدو أن الصبغي الزائد يتلف النظام الوراثي، ففي حالة عرض داون مثلا تتميز الحالات بملامح جسمية كالمنغولية، وذلك بانثناء العينين، والأصابع القصيرة الغليظة والشعر الأبيض والتخلف العقلي, وكما هو شائع أن المنغولية هي نقص يتميز بزوج تالف من الكروموزومات يتكون من ثلاثة كروموزومات, وبذلك يكون لدى الفرد 47 كروموزوما بدلا من 47 كما هو معتاد, ويعتقد البعض من جانب آخر أن سبب هذا الشذوذ قد يرجع إلى البيئة الأولى للجنين داخل الرحم, ولقد ثبت أن متوسط عمر الأم للأطفال المصابين بهذا المرض يكون كبيرًا عند ولادتهم، بمعنى أن المرأة فوق الأربعين ربيعًا تميل إلى أن تكون أكثر عرضة لإنجاب هؤلاء الأطفال من المرأة ذات العشرين ربعيًا, وبالتالي فإن النظر يتجه إلى البويضة -أكثر من الحي المنوي- على أنها مصدر هذا المرض. وأعراض "كلينفلتر" Kline Felter's Syndrome تنتج من نقص في انقسام زوج من الكروموزومات, فتظهر الخلية المخصبة محتوية على كروموزومي X المعتادين وكروموزوم زائد Y ويكون الطفل ذكرًا في هذه الحالة، كما يكون له مظهر الأعضاء الجنسية الذكرية ولكنه يتميز أيضًا بخصائص جنسية أنثوية كالانحناءات البدنية والنمو الغدي، ويكون الرجال المصابون بهذه الأعراض عقما وغالبًا ما يكونون ضعافًا عقليًا. وتحدث هذه الأعراض بنسبة أكبر فيما بين ولادات النساء الأكبر سنًا، وهذا التكرار الكبير في ولادات النساء كبيرات السن كحدوث أعراض داون وكلينفلتر يؤكد نظرية الخلية المتعبة المرهقة، أي إن قوة التنظيم الخلوي تضمحل تبعًا للعمر الزمني. ويتصف هؤلاء الأفراد المصابون بأعراض كلينفلتر بانكماش وصغر الخصيتين عن المألوف, وزيادة في طول الساقين دون أن تصحبه زيادة في طول الذراعين وندرة في شعر الوجه والبطن، وكبر في الثديين بالإضافة إلى الضعف العقلي، والعقم، والطول المفرط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ونوع آخر من الصبغيات الجنسية هو Xyy قد نوقش في كثير من الكتابات، فحيث إن الصبغي هو الذي يحدد الذكور كما سنشرح ذلك فيما بعد، فقد يتوقع أن الذكور ذوي صبغي Y زائدًا سيكون لديهم سمات ذكرية مبالغ فيها, إلا أن هذا لا يحدث في الواقع حيث أشار بعض الأفراد الرجال ذوي صبغات Xyy بأنهم أميل إلى ارتكاب الجرائم وأشاروا إلى أنه يوجد عدد كبير منهم نزلاء سجون إلا أننا يجب أن نحذر من التعميمات من الجانب الوراثي والصبغيات إلى السمات السلوكية فليس كل الذكور ذوي Xyy مجرمون، كما أن هؤلاء الذين يدخلون في متاعب ومشكلات مع القانون من المحتمل أنهم قد يفعلون ذلك نتيجة التفاعلات المركبة بين معطياتهم الوراثية وخبراتهم الحياتية. وعامل الـ Rh وهو مرض دموي يصيب الوليد فإنه يشير إلى أية حالة يكون فيها مدى حياة خلايا الجنين قصيرًا، وذلك نتيجة فعل جسيمات مضادة Anti-Bodies أنتجت لتواجه جسيمات مشتقة من الأم وانتقلت إلى الجنين عن طريق المشيمة. وقد أطلق على المرض هذا الاسم لأن التجارب الأولى في هذا المجال أجريت على قرود ريزوس Rhesus Monkey وتبعًا لنمط الدم يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 القرد إما +Rh أو Rh فإذا كانت الوراثة من الأب +Rh وكانت الأم -Rh، فإن دم الجنين يصبح +Rh لأنه صفة سائدة؛ لأن الأم تمل -Rh أي تخالف دم الجنين فإن جسمها يكون جسيمات مضادة يطلق عليها مضادات Rh تنتقل من خلال المشيمة إلى دم الطفل, وتتسبب هذه الجسيمات في هدم الخلايا الدموية للجنين, وبذلك قد يولد الطفل وهو يعاني من الأنيميا أو غيرها، وقد ينتج عن ذلك وفاة الطفل بنسبة حالة في كل 30 حالة، أو يتسبب ذلك في الضعف العقلي. وتعتبر هذه الحالة في منتهى الخطورة بعد الولادة الثانية، وقد وجد أن هناك حملا واحدا من بين كل 200 حمل ينتج عنه اضطراب نتيجة عدم الاتفاق بين دم الأم ودم الوليد، ولقد اكتشف تعارض فصائل دم الأم ووليدها في عام 1940، وأصبح الآن من الممكن تدارك الطفل وذلك بإجراء عملية نقل دم بالكامل عند ميلاده حتى يتخلص من الأجسام المضادة، ولقد استخدمت منذ عام 1960 وسيلة علاجية جديدة تستغني عن الحاجة لعملية نقل الدم المغاير بعد الولادة، وهذه المادة تحطم خلايا الدم Rh الإيجابية في الدورة الدموية للأم وبالتالي تمنع بناء أجسام مضادة والتي ستؤثر على الأطفال المولودين التاليين. وجدير بالذكر، فإن بعض حالات الوراثة اللاسوية قد لا تكون مرتبطة أو تعزى إلى جميع الصبغيات، ولكنها قد تعزى إلى الأليليات Alleles لسمة معينة، كما أنه أثناء مجرى النمو الإنساني والتحول، نجد أن أغلب الأليليات المرتبطة بسمات معوقة تطرد من الجسم ويتخلص منها، إلا أن بعض الأليليات المرتبطة بسمات معوقة ضارة تستمر بسبب التحول التلقائي أو التغاير الإحيائي "تغير في الوراثة مفاجئ يحدث مواليد مختلفة عن الأبوين" فخلل أو انحراف المورثات قد ينتج عن ثمة عوامل مثل تعاطي العقاقير، أو الإشعاع؛ ولأن بعض هذه السمات المسودة، تظهر فقط في حالات نادرة عندما يكون المورث المسود من كلا الوالدين، ففي حالة ضعف الإنزيم الوراثي ينتج طفلا غير عادي. كما أن هناك عيوب خطيرة لعملية الأيض يمكن أن تنتقل وراثيًا فلقد اكتشف كل من بيدل وتيتم Beadle & Titum؛ "1958" أن الجينات تقوم بتنظيم أحداث كيميائية محددة، ومثال ذلك أن الجينات تتحكم في التفاعلات الأيضية والتي من أخطرها، وإن كانت أقلها شيوعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الفينلكيتونوريا PKU" Phenylketonutia" وينتج من نقص في كيمياء الجسم ناتج عن جينات خاطئة لا تمكن الجسم من إنتاج إنزيم معين لهضم أو أكسدة مركب كيميائي يسمى Phenylalanine ويوجد تقريبًا في كل مادة بروتينية يتناولها الإنسان، ونتيجة لذلك لا يستطيع الفرد تحول هذا المركب إلى تروسين Tyrosineبالمعدل العادي ويتجمع الفينلانين في الأنسجة ويعطي البول والعرق رائحة خاصة، وتزداد كميته مع كل تناول للطعام لدرجة أنه بالإضافة إلى نواتجه الثانوية تعمل على تلف المخ الضعف العقلي. وقد وجد أن تحليل الدم قبل الحمل ينبه إلى ضرورة أخذ الحيطة والدراسة الدقيقة لحالة الوليد عند ولادته، ومن ثم يمكن مواجهة تلك الحالة والتحكم في ذلك النقص الوراثي. وعمومًا، فإن الاختبارات لـPku تجري على جميع الأطفال حديثي الولادة، وعند اكتشاف هذه الحالة فإن الطفل يمكن أن يوضع تحت نظام غذاء معين يكون منخفضًا في البروتين المتضمن الفيلانين ويثار بعض الجدل عن المدة التي يجب أن يبقى عليها الطفل على الغذاء قليل الفنيل الينين، إلا أننا يجب أن نشير أنه بدون هذا الغذاء في حياة الوليد المبكرة فإنه قد يظهر درجات متنوعة من التخلف العقلي. وحالات أخرى تكون نتيجة نقص نوعي إنزيمي، وهو المهق Albininsm وهو عبارة عن ابيضاض الجلد والشعر وعدم وجود الصبغ فيهما، وفي العينين، وعادة ما يكون الشخص الأمهق مصابًا بعمى الألوان، وهو شخص يفتقد إلى صبغ الفيتامين "وهي المادة الملونة في أنسجة أو خلايا الكائن" والشخص الأمهق يكون نتيجة تعطل أو انهيار بعض الأحماض الأمينية المختلفة داخل الجسم، حيث إنه لا يكون لديه الإنزيم لإنتاج هذا التصنيف الكيميائي, والمهق سمة مسودة ونادرًا ما تحدث, وهي حالة تعوق متوسط إلى حد ما وتكون الحالة معتدلة كلما تجنب هذا الشخص أشعة الشمس "وذلك لأن نقص القتامين Melanin وكذلك صبغ التنيك في الجلد" كما يتصف هذا الشخص بحساسيته العالية للضوء ويرجع ذلك إلى نقص الصبغ في العينين الذي عادة ما يساعد على امتصاص الضوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 ومنذ عام 1960 اكتشف تعويقًا إنزيميا آخر وهو الخلية الأنيمية المنجلية Sickle cell anemia ففي هذه الحالة نجد المورث المعوق مسئولا عن إنتاج خضاب الدم "الهيموجلوبين"، والبروتين الصبغي الذي يوجد في خلايا الدم الحمراء, وعمومًا فإن هذا التعويق نادرًا ما يحدث للأجنة ويتصف الأشخاص المصابون بذلك بفقر الدم المزمن ويعانون بين الفينة والفينة من آلام قاسية من تجلط الأوعية الدموية حيث تغلق عادة بواسطة الخلايا المنجلية العاجزة المعوقة. ولقد تطورت كشف اللاسويات الوراثية الجنينية قبل الميلاد بواسطة الأمنيوسنتس Amniocentesis, فحيث أن السائل الأمنيوتي يتضمن خلايا جنينية أو غير ناضجة، فإن ذلك يمكن أن يتم بتحريك بعض من هذا السائل الأمنيوتي وذلك بإيلاج إبرة رفيعة إما في المهبل أو خلال الجدار البطني، كما يمكن اكتشاف تلك اللاسويات الوراثية "الجنينية" والتي تبدو في خلايا متفردة عشوائية مثل عرض داون الذي سبق ذكره بواسطة هذه الطريقة، وعلى الرغم من أن اكتشاف الأمينوسنتس ما يزال جديدًا تمامًا إلا أنه يمكن أن يظهر معوقات جينية "وراثية" معينة في صورة مبكرة من ولادة الطفل. كما تنتج أعراض تيرنر من عدم نشاط أحد كروموزومي X وعادة ما يصيب الإناث، وتتصف أعراض هذا النقص برقبات قصيرة وأصابع قصيرة وتظهر الاضطرابات الرئيسية لهذا المرض عند البلوغ حيث لا تظهر الخصائص الجنسية الثانوية على المصابات وتحدث هذه الأعراض في حالة واحدة من بين كل 2000 ولادة, ويبدو أنها نتيجة عدم الانقسام الصحيح في الكروموزومات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 الحمل : يمكن أن ينظر إلى النمو قبل الولادي من وجهة النظر النفسية والاجتماعية للمرأة التي يحدث لها هذا الحدث. ولقد أشار بعض السيكولوجيين أن الحمل يعتبر بمثابة حياة أزمة رئيسية مشابهة لتلك الموجودة في فترة المراهقة وركزوا على الدلالة والمغزى النفسي لهذا الحدث للأم, وكذلك للأب. وعمومًا سنتأمل سويًا بعض الجوانب النفسية لهذا الحدث. منذ سنوات كان يوجد جدل واختلاف في الآراء عن العلاقة بين أفعال وانفعالات الأم وبين صحة جنينها, وكان يعتقد في وقت من الأوقات أنه حتى الضغط الانفعالي البسيط أو الإفراط في الطعام والشراب والنشاط الجنسي يمكن أن يؤثر على الجنين, وفي مقابل ذلك نجد الرأي الذي يشير إلى أن الجنين في حماية وبالتالي فإن إفراط الأم لا يؤثر في نموه، ويتخذ كل من الأطباء والسيكولوجيين وجهة النظر المعتدلة المتوسطة. وسوف نتطرق كذلك إلى حدث الولادة ذاته، حيث نرى حتى الآن خلافًا كبيرًا عن أحسن الطرق وأكثرها جدوى وأكثرها صحة لولادة الأطفال، وهل استخدام العقاقير في حجرة الولادة وأثنائها مفيد أم لا وعن وجود الأب في حجرة الولادة أم لا, كل هذه التساؤلات سنرى الإجابة عنها في ثناي الصفحات التالية. الحمل كأزمة: إن رد فعل كل من الزوجين للحمل يعتمد في جوهره على عديد من العوامل منها هل الطفل القادم مرغوب فيه أم لا؟ ومنها كذلك مستوى نضج الأبوين الانفعالي والاجتماعي, وهل تربطهما علاقة حسنة طيبة أم لا؟ وكذلك علاقتهما بأبويهم، وهل لديهما الإحساس بالهوية وبارتباطهما مع الطفل؟ وهكذا بالإضافة إلى ذلك فإن ردود الفعل للحمل تكون في جوهرها انفعالية وليست عقلانية فقد نرى بعض الأزواج الذين يحاولونه ويخططون له قد نجدهم يصابون بخيبة الأمل عندما يحدث بالفعل، وأزواج آخرون يكون الحمل بالنسبة إليهم مفاجأة غير مرغوب فيها وقد يهتزون بالفعل لهذا الحدث. وعمومًا فإن الأبوة تتضمن مرحلة جديدة من النمو، فعندما يصبح الزوج أبا وكذلك الزوجة أما، تقع عليهما مسئوليات جديدة وأعباء الأبوية التي لم يعهدوها سابقًا، ويجب أن يكيفوا أنفسهم لها كما أن الحمل بالنسبة للمرأة يعتبر علامة لنضجها الأنثوي وبالنسبة للذكور فإن الأبوة قد تكون انعكاسًا للرجولة والقوة, ومن جانب آخر يمكن أن ينظر إليها على أنها تعتبر علامة للخضوع الدائم فإنها نهاية الحرية والمغامرة، وبالنسبة لبعض الرجال نجد الجو المميز للحياة المنزلية والعائلية والتي يرمز إليها بوجود طفيف يمنحه الإشباع ويشعر بسعادة تجاهه. ولكن في بعض الأحيان نجد رجالا ينظرون إليه كعملية تهديد وتعويق لهم، ونجد عادة ما تنظر المرأة إلى الإخصاب والحمل كعلامة للأنوثة والإخصاب وجدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 بالذكر فعلى الرغم من وجود هذه الاتجاهات إلا أننا نجدها تتغير مع الحركة الدائمة المستمرة نحو المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وكذلك بواسطة تحطيم المقولبات الصارمة المرتبطة بدور الجنس. وبالنسبة للمرأة الحامل، خاصة أثناء حملها الأول، يمكن أن يلاحظ ثلاث تحولات اتجاهية متتالية من المشاعر والاتجاهات والمرتبطة بشهور الحمل، ففي بداية الحمل نجد المرأة تميل إلى التركيز على التغيرات التي طرأت على جسدها، فقد تتعجب أو تقلق على الصورة التي أصبح عليها جسدها، كما أن بعض التغيرات الجسمية كانتفاخ الثديين والغثيان والتعب كل صباح وبعض المأكولات غير العادية التي تحتاجها يوفر نوعًا من التمركز الذاتي لديها، كما أن أحاسيس الضعف والتعب والتهيجية والمزاج المتأرجح يميل إلى جعل المرأة تشعر أنها قد تغيرت في طرق لا يمكنها السيطرة عليها وازدياد التمركز الذاتي والتعب الجسمي الذي يحل بها قد يحعلها لا تحس بالسعادة مع زوجها حيث قد تشعر بأنه ليس لطيفًا أو مجاملا معها بصورة كافية. ومن الناحية النفسية، فإن تخيلات الطفولة عن الحمل نجدها الآن حقيقة واقعة، ويصاحب ذلك شعورها بقدرتها على الخلق وأنها امرأة مهمة كاملة، وجزء من جميع المخططات الأسرية الكلية، وكما سنرى فيما بعد في فترة المراهقة عندما تصحب الفتاة ناضجة من الناحية الجنسية ويجب عليها أن تنمي وتطور مفهومًا جديدًا لذاتها، نجد نفس الشيء عندما تصبح المرأة حاملا خاصة أول مرة إذ يجب عليها أن تبدل مفهومها لذاتها وكذلك علاقتها بعالمها المحيط بها. وفي المرحلة الثانية وبعد أن يتكون أعضاء الجنين، نجد المرأة تبدأ في أن تفكر بصورة أقل في نفسها، محولة ذلك بصورة أكبر إلى جنينها الذي يبدأ في التحرك داخل أحشائها، وفي بداية هذه المرحلة نجد تحركات الجنين عادة ما تكون خفيفة رقيقة، وفي أثناء هذه المرحلة فإن الحمل عادة ما يبدو ظاهرًا جليًا، ويستلزم منها التحول من ملابسها العادية إلى ملابس الأمومة، ونجد أن النساء اللاتي كن لديهن تصورًا عاليًا لمظهرهن وجاذبيتهن الجنسية قد ينظرن إلى عدم رشاقتهن وزيادة أوزانهن كشيء مروع مقلق، وتتخيل بعض النساء أن أزواجهن قد يتحولون عنهن إلى أخريات نتيجة لعدم جاذبيتهن، في حين نجد نساء أخريات يصبحن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 مصدرًا للتوهج والإشراق أثناء هذه الفترة ويحصلن على متعة وإشباع نتيجة هذه الخاصية الأنثوية الجديدة. كما أن إدراك المرأة بوجود حياة أخرى داخلها، يمكن أن يثير لديها أنواعا مختلفة من الصراع فمنذ أن تبدأ المرأة الحامل بالشعور بالجنين بداخلها، فقد تقرر كيف يجب أن تضحي من أجل وليدها, وجدير بالذكر فإن هذه الحاجة لا تعتبر بمثابة مشكلة بالنسبة للمرأة المعاصرة، حيث نجد معظم النساء العاملات غالبًا ما يعملن في وظائفهن حتى قرب ولادتهن، ويعدن بعد فترة تالية من الولادة إلى وظائفهن حتى قرب ولادتهن ويعدن بعد فترة تالية من الولادة إلى وظائفهن، حيث يمكنهن ترك وليدهن في أيدي أمينة تقوم بتقديم العناية والرعاية لأولادهن ويستلزم ذلك من الأم الكفاية حتى تستطيع أن تروض نفسها وتوفق بين مجريات وظيفتها ومطالب أمومتها وزوجها. وأثناء المرحلة الثالثة والأخيرة نجد اتجاهات أم المستقبل تتغير مرة أخرى، فعلى الرغم من أنها أصبحت أضخم من حيث شكلها ومظهرها، إلا أنها أقل اهتماما بمظهرها، ويعتريها شوق زائد في انتهاء عملية الولادة. وتشير "لويس" Lewis, A؛ "1950" إلى ذلك بقولها: "لقد كنت في الشهور الأولى من الحمل على إدراك ووعي كامل بذاتي، وأحسست بثلاثة مرحل تقريبًا لهذا الوعي بالذات الأولى عندما كنت أتساءل إن كان مظهري لافت للأنظار أم لا، ومن المستحسن أن لا يتحقق الناس بحملي وتركهم يعتقدون بأنني قد أصبحت أثمن قليلا، والمرحلة الثانية وهي أثناء الشهور الوسطى للحمل، حيث يكون جليًا واضحًا بأنك حامل، فإنك تسيرين في الشارع ولا تشعري بقلق ما، متحققة بأنه لا يوجد شيء خاف أو أسرار في حياتك، حيث إن فردا يمكنه ملاحظة ذلك بمجرد النظر إليك، كما أن هذا المظهر قد يزيد من الإحساس بالهوية الذاتية بأنك امرأة ناضجة تستطيعين الحمل والإنجاب, والمرحلة الثالثة تعتري المرأة عدم الاهتمام بمظهرها أو بنظرات من حولها، فالحادث قد أصبح من القرب حيث يجعلك تعيشين في المستقبل أكثر من الحاضر. وتوجد جوانب سلبية معينة تصاحب هذه المرحلة الأخيرة من الحمل، ويرجع ذلك إلى زيادة حجم المرأة وكذلك إلى اعتبارات نفسية معينة أخرى، فكثير من النساء اللاتي كن يتسمن بالنشاط والحركة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 المراحل السابقة، يجب عليهن في هذه المرحلة أن يقللن من نشاطاتهن الجسمية، حيث أصبح ضرب الجنين الآن كضربات ثقيلة والتي تكون في بعض الأحيان مؤلمة، إذا ما قورنت بزفرات فراشة في بداية الحمل، وقد توقظ هذه الضربات الأم من نومها، كما أن التعب والإرهاق الذي تحس به في الصباح والغثيان يمهد الطريق للإمساك والبواسير والحاجة الملحة للتبول، كما تظهر لدى بعض النساء دوالي الأوردة، وتكون المرأة في بعض الأحيان غاضبة متعبة من الجنين عندما تصبح رفسات الجنين شديدة. وبطبيعة الحال، فهناك يوم محدد يحدده الله عز وجل لميلاد طفل جديد، ومرة أخرى تجد الأم ينتابها أحساسيس متصارعة، فقد تكون قلقة لكونها قد أصبحت غير شيقة ولا تستطيع ارتداء ملابسها العادية، كما أن هناك تقييد لنشاطاتها, ومن جانب آخر فقد تخاف الأم مما سمعته وقرأته وشاهدته عن آلام وأخطار الولادة, وقد تحزن البعض عن تخليها عن هذا الاتحاد الفريد بينها وبين جنينها، إلا أن اجتياز هذه الأحاسيس والمشاعر بين أغلب النساء عادة ما يحدث بنهاية الحمل وأن تعود إلى ذاتها الطبيعية. وبصورة جلية فإن ردود فعل الآباء قد يبدو ألا يكون لها علاقة بمراحل الحمل حيث إن استجاباتهم تتعلق في كيفية نظرتهم إلى مولد الطفل وارتباطه بذواتهم وزواجهم وعملهم وهكذا, كما أن الآباء لهم تأثير على الجنين داخل رحم الأم، فعن طريق توفير الجو الآمن من الناحية النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى توفير الغذاء اللازم للأم الحامل وتجنيبها التوترات والقلق النفسي، يسهم الآباء بالتالي في النمو السوي للجنين داخل رحم الأم، ففي إحدى الدراسات التي قام بها McCorkel, R؛ "1964" الأخصائي الاجتماعي، حيث قابل 29 طالبًا متزوجين بجامعة شمال كارولينا، وكانت زوجاتهم تتوقع أول مولود لهم، وقد وجد "ماك كوركل" ثلاثة أنماط من الاتجاهات سائدة بين هؤلاء الأزواج فيما يتعلق بالزواج والأبوة, ففي إحدى الجماعات كانت ذات توجه رومانتيكي تجاه دورهم الوشيك كآباء ومجموعة أخرى كان لديها ما يسمى بالتوجه العائلي، وفي المجموعة الثالثة كان لديها ما يسمى بالتوجه المهني Carrer Orientation نحو الأبوة، وعلى الرغم أن هذه التوجهات الثلاث كانت متغيرة وبارزة، إلا أن الباحث أشار إلى وجود تداخل بين هذه الأنماط الثلاثة، كما أنها تتغير كلما نضج الأب اجتماعيًا وانفعاليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فالآباء ذوو التوجه الرومانتيكي كانوا إلى حد ما يهولون بفكرة كونهم سيصبحون آباء، وكثير من هؤلاء الشباب كانوا يستمتعون في كونهم أبناء، وكما كان يشعرون ببعض من القلق والارتباك نحو مسئوليتهم الأبوية الجديدة, ولقد حدث لكثير من هؤلاء الشباب التدعيم عن طريق آبائهم أو بواسطة زوجاتهم، كما أن اعتمادية زوجاتهم وشيكة الحدوث قد جعلهم على دراية بدورهم الجديد كمعيل للأسرة، وبالتالي فإن الحمل قد يثير أزمات نمائية نضجية عند الآباء، والتي يجب على الأباء أن يغيروا من دورهم السابق كمراهق مبتهج خال من الهموم إلى دور الراشد المسئول، وتشير نتائج تلك الدراسة السابقة أنه بالنسبة لبعض من هؤلاء الأزواج فإن هذه العملية قد ارتبطت ببعض من الصراعات سواء مع آبائهم أو مع زوجاتهم. وهؤلاء الأزواج ذوو التوجه الأسري قد تقبلوا بالفعل مسئولياتهم لإعالة زوجاتهم، وكان دور الأبوة بالنسبة لهؤلاء الأزواج من السهل واليسر أن يتخذ ويتبنى من كل منهم، حيث استلزم علاقة أكثر قربًا من زوجاتهم وقدر أكبر من التخطيط للطفل ولأجل مستقبل الطفل، وبعض الرجال قد بدءوا في ملاحظة أطفال آخرون متطلعين أن يكون أطفالهم متشابهين معهم. والمجموعة الثالثة ذات التوجه المهني، غالبًا ما كانوا ينظرون إلى مجيء الطفل كعبء عليهم وتهديد لهم، وكانت مسئوليات الأبوية بالنسبة لهؤلاء الرجال تعني التخلي عن حريتهم بالإضافة إلى التخلي عن كثير من الأشياء المادية, ولقد نظر الكثير من هذه المجموعة إلى الطفل على أنه عقبة في سبيل مراكزهم المهنية، خائفون أن الطفل قد يعيق دراساتهم وبحوثهم، وأكثر من أي شيء آخر لم يكونوا راغبون في تغيير نمط حياتهم، كما أنهم لا يرغبون في تحمل المسئولية بالنسبة للوقت والتكاليف والرجال ذوو التوجه المهني قد أنكروا وتجاهلوا وجهة النظر التي تنادي بأن الأوبة سوق تغير مفهوم ذواتهم بأي طريقة من الطرق. وبالتالي فإننا نستطيع أن ننظر إلى فترة الحمل، بأنها لا تعتبر فقط فترة نمو فرد جديد ولكنها كذلك فترة نمو ونضج للأم والأب معًا، ففترة الحمل تعتبر بمثابة أزمة للآباء ولها دلالتها مثل مرحلة المراهقة، إلا أن الاختلاف بينهما يتمركز في أن المراهقة تستلزم عملية الانفصال والاستقلال عن الأبوين، إلا أن الأبوة من جانب آخر تجمع شمل الأب وطفله، ويتولى أدوار الأبوة فإن الشباب يعدون كذلك أنفسهم لاحتمالية العناية بآبائهم عند وصولهم إلى فترة الكهولة وبمعنى واقعي فإن الأبوة توحد الأجيال معًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 تفاعلات الأم والجنين : عندما تكون اتجاهات أم المستقبل ذات طبيعة سلبية، فقد تكون مضطربة من الناحية الانفعالية، ولقد أجريت عديد من الدراسات لإلقاء الضوء على تأثير الحالة الانفعالية للأم على الجنين بالإضافة إلى تركيز دراسات أخرى على تأثير عدد من العوامل على الجنين بالإضافة إلى تركيز دراسات أخرى على تأثير عدد من العوامل كالتدخين واستخدام العقاقير والمرض على الجنين أثناء فترة الحمل, وسوف نوضح بعضا من هذه الدراسات في الصفحات التالية. تأثير انفعالات الأم على الجنين: هناك عديد من العادات الشعبية والأقوال المأثورة التي تشير إلى أن المرأة الحامل إذا أخيفت من شيء فإن طفلها سيكون جبانًا فيما بعد، أو أنها إذا قرأت ودرست كثيرًا أثناء حملها فإن طفلها سيكون ذكيًا، جميع هذه الأساطير الشعبية تفترض أن ما يحدث للمرأة أثناء حملها يمكن بالتالي أن يؤثر على جنينها, ولقد حدد العلم الحديث وبصورة أكثر دقة العوامل التي تؤثر على الجنين أثناء فترة الحمل، حيث أشارت نتائج دراسات كل من نيسوندر Niswander & Gordon؛ "1972"، ودرلين وانجرام Drillien & Lngram؛ "1966" إلى عديد من التأثيرات الجسمية مثل تشوه الأذن والأصابع، والفراغ الواسع بين الأصبع الأول والثاني وانحناء أو تقوس الأصابع الخمسة، أشارت هذه الدراسات السابقة إلى ارتباط هذه الأعراض بالضغوط الانفعالية للأم خاصة أثناء فترة الجنين غير المكتمل Embroyonic والتي تقع ما بين 6-12 أسبوع وهي الفترة التي يكون فيها جسم الجنين في مرحلة البناء والتكوين، وعلى الرغم أن هذه المعوقات تحدد عن طريق الجينات، إلا أنها ليست وراثية، بمعنى أنها تعزى إلى الصبغيات الأموية المصابة أو المعوقة, وليست إلى الخصائص المعوقة المتضمنة في الأليليات، إلا أنه لم يكتشف حتى الآن كيفية تأثير الضغوط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الانفعالية على الأم الحامل في أسابيعها الأولى للحمل في إنتاج هذه اللاسويات. كما أن الضغوط الانفعالية على الأم الحامل يرتبط بعمليات الإجهاض، حيث أشارت بعض الدراسات أن المرأة التي تكرر لديها الإجهاض تميل إلى أن يكون لديها صراعات نفسية أكثر، وأن ميلها ورغبتها في امتلاك طفل تكون ضعيفة وذلك إذا قورنت بالمرأة التي تحمل بصورة عادية ويتم ولادتها طبيعيًا، وجدير بالذكر فإنه يجب الإشارة إلى أنه بالنسبة لهؤلاء النساء نجد الإجهاض الأول الذي حدث لهن قد يقودهن إلى القلق على الحمل الثاني. كما أن ولادة الأطفال المبتسرين "وهم الأطفال المولودون بعد فترة حمل تقل عن 37 أسبوعًا" تكون كذلك مرتبطة بالحالة الانفعالية للأم. ففي إحدى الدراسات أشارت النتائج إلى أن أم الأطفال المبتسرين كانت أكثر اضطرابا من الناحية الانفعالية وأكثر اعتمادًا واتكالا على الآخرين، ولديها اتجاهات سلبية أكثر نحو الحمل، إذا قورنت بمجموعة النساء اللاتي لم يكن لهن ولادات مبتسرة. ويجب أن نشير أن هذه الدراسات, دراسات بعدية بمعنى أنها أجريت بعد الولادة، فيجب على الباحث إدراك أنه من الممكن تغير أحوال الأم واتجاهاتها بعد عملية الولادة، وبالتالي يجب أن يضعها الباحث نصب عينيه أثناء إجراء بحثه. كما أشارت بعض الدراسات إلى أن الأمهات الحوامل اللائي لديهن مشكلات نفسية واضطرابات حادة في الشخصية، مثل الفصام، يبدو أنهن أكثر عرضة وبصورة مرتفعة لحدوث مشكلات وتعقيدات ولادية "كالإجهاض، والولادة المبتسرة، والمضاعفات أو التعقيدات الولادية" وذلك إذا ما قورنوا بالنساء الأسوياء، وتشير دراسات أخرى إلى أن ذلك قد يرجع إلى طول الفترة التي تكون المرأة مصابة فيها انفعاليًا، أكثر من كون المرض شديدًا. عادات الأم: من أكثر العادات التي درست في الخمسة عشرة عامًا الماضية كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 عادات التدخين، ولقد قام يروشلمي Yerushalmy بعديد من هذه الدراسات، وأشارات النتائج إلى وجود العلاقة بين تدخين الأم أثناء فترة الحمل وبين قلة وزن المولود، كما أن المواليد ذوي الأوزان الأقل كانت مرتبطة بصورة عامة بتعويقات جسمية متنوعة، وكانوا أعلى في معدل الوفيات من الأطفال العاديين، ولكن وكما في حالة جميع الدراسات السابقة، فإن الارتباط السببي لم يكن قاطعًا في هذه الدراسات, ففي دراسة أخرى "ليروشلمي" وجد أنه حتى بالنسبة لهؤلاء النساء اللاتي توقفن عن التدخين أثناء حملهن، كان لديهن أطفالا ذوي أوزان منخفضة وعمومًا فإن هناك خصائص معينة للمرأة المدخنة هي التي تقود إلى هذه الأحوال. وهناك مؤشر جدلي آخر يتضمن الغذاء المناسب أثناء فترة الحمل، فهناك كثيرًا من الأساطير الشعبية في هذا الجانب تنتشر كما لو أنها حقائق، ومنها ما يعتقد أن تناول الأم أطعمة معينة "خاصة الأطعمة المخية" أثناء الحمل قد يجعل الطفل ذكيًا، والذي يجب أن نضعه في الاعتبار في أي مناقشة نقدية أن الجنين النامي يصل إلى كفايته الغذائية عندما تتوفر للأم الحامل التغذية الأساسية الضرورية، بمعنى أن التغذية الفقيرة أثناء فترة الحمل قد تسبب ضررًا للأم أكثر من الجنين، فإذا لم تتناول الأم الحامل الكالسيوم بصورة كافية مثلا، فإنه سوف يتحول من عظامها وأسنانها لكي يسد حاجات الجنين، وفي حالة النقص البروتيني الشديد أشارت بعض الدراسات أنه ينتج أطفالا أقل في معدلات ذكائهم, ومن جانب آخر فإن نقص البروتينات قد يرتبط ببعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى للأم الحامل والتي يمكن أن ينتج مواليد أقل ذكاء, كما أشارت إلى ذلك دراسة كل من "بيرش Birch؛ "1971", وسيرمشو Sermshaw؛ "1969". وعمومًا فإن المرأة الحامل يجب أن تتناول غذاء بكميات معتدلة ومتكاملة، بالإضافة إلى فيتامينات معينة خاصة الكالسيوم والحديد حتى تقابل متطلبات الجنين النامي، وهناك جدل حول الزيادة المرتقبة في وزن الأم الحامل، حيث نصح أنها يجب أن تزداد في وزنها ما يقرب من رطلين كل شهر وبالتالي تكون معدل الزيادة الكلية 18 رطلا إلا أن الأطباء اليوم لا تكون نصائحهم المتعلقة بزيادة وزن الأم الحامل صارمة قاسية نظرًا للاختلافات والفروق الفردية بين النساء، ومن الممكن أن تكون الزيادة المرتقبة للأم الحامل ما بين 18-24 رطلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وتشير بعض الدراسات أن استخدام المرأة الحامل للكحول يؤذي الجنين، خاصة إذا بلغت صورة الإدمان، حيث إن الإدمان يقلل من كمية الطعام التي تتغذى بها الأم وبالتالي يؤثر ذلك على صحتهن بالإضافة إلى تأثيره على الجنين. استخدام العقاقير: للأسف نجد أنه حتى الوقت الحاضر هناك بعض الأطباء يصفون علاجات بعقاقير معينة مهدئة للأعصاب للمرأة الحامل، وأحد هذه المهدئات الثاليدوميد Thalidomide الذي اكتشف عام 1958، ولقد تسبب هذا العقار في كارثة للأمهات الحوامل، فقد كان لهذا العقار تأثيرات مشئومة على آلاف من الأطفال، حيث كانت الأمهات الحوامل تتناول هذا العقار أثناء الفترة الأولى من الحمل، وكثير من هؤلاء الأطفال قد ولدوا بزعانف قصيرة بدلا من الأذرع والأرجل, وتشير "الكيند" ELkind "ووينر" Weinr؛ "1978" أن معظم هؤلاء الأطفال كانوا من أوربا وبالتالي لم توافق على استعماله مؤسسة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ مأساة الثالوميد نجد أن الأطباء يمتنعون عن وصف العقاقير للمرأة الحامل، وينصح ألا تستعمل أية عقاقير فيما إذا كانت الفوائد الممكنة لها ولجنينها أكثر من المخاطر المرتقبة. المرض أثناء الحمل: من ضمن الأمراض ذات التأثيرات الضارة ما هو معروف بالحصبة الألمانية German Measles فعند إصابة الراشد به عادة ما يكون هذا المرض معتدلا حيث ينتج عنه طفح جلدي خفيف وارتفاع في درجة الحرارة تستمر لأيام قليلة, إلا أنه بالنسبة للمرأة الحامل فإن العدوى بالحصبة الألمانية أثناء الفترة الأولى من الحمل تزيد بصورة كبيرة احتمالية تعويق الجنين واحتمالات الخطر والتعويق تختلف تبعًا لعوامل كثيرة منها نوع ميكروب الحصبة، وعمومًا فإن أصيبت المرأة الحامل بها أثناء الأسبوع الرابع من الحمل فاحتمالية إصابة الجنين بعاهة تصل إلى 50% وتزداد سمعية أو بصرية أو عقلية وفي بعض الأحيان بأكثر من عاهة. وعلى الرغم من أن معظم معلوماتنا عن التأثيرات الضارة للفيروسات Viruses على الجنين اشتقت من الدراسات على الحصبة، إلا أن هناك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 فيروسات أخرى تحدث أضرارًا, فالتهاب الغدة النكفية يزيد من مخاطر موت الجنين، أو يولد بعاهات عندما تصاب الأم الحامل بها، وكذلك التهاب الكبد الوبائي، وحتى بعض الفيروسات العامة للبرد والأنفلونزا قد تزيد كذلك من خطر ظهور بعض العاهات على الجنين وبصورة عامة فإن هذه الأخطار تميل إلى أن تكون أكبر في حالة إصابة الأم الحامل أثناء الأسابيع أو الشهور الأولى من الحمل، حيث يكون جسم وأعضاء الجنين ما تزال في مرحلة التكوين الأولى. المخاض والولادة: وفي نهاية المطاف فإنه ما بين الأسبوع الخامس والثلاثين والأسبوع الثالث والأربعين من آخر حيض حل بالأم الحامل يكون الطفل جاهزًا للولادة، وفترة الحمل عمومًا تصل إلى أربعين أسبوعًا تقريبًا، وسوف نلقي الضوء في الصفحات التالية على عملية الولادة، وبعض مخاطرها، والتكيفات التي يجريها الوليد للتكيف مع بيئته الجديدة، وبعض وجهات النظر فيما يتعلق بمعدات وتجهيزات حجرة الولادة. عملية الولادة: إن بداية المخاض الذي يؤدي إلى الولادة يكون نتيجة عوامل متنوعة، يتضمن إشارات هرمونية من الجنين، فالإشارات الضاغطة من المشيمة المنتفخة، وكذلك الاستثارة الآلية من الجنين كامل النمو, هذه العوامل تكون باعثًا على انقباضات رحمية متوسطة والتي غالبًا ما تكون لافتة للنظر للأم الحامل، وعادة ما تبدأ قبل الولادة بأسبوع أو أسبوعين. وكلما قرب موعد الولادة، نجد الانقباضات الرحمية أقوى وأكثر تكرارًا وأكثر جذبًا لنظر الأم الحامل، وما يسمى عادة بآلام الولادة ما هو إلا عبارة عن الانقباضات التي تحدث كل دقيقة تقريبًا, وتحدث الولادة عادة بعدما يقرب من 7-9 ساعات من بداية المخاض التي تشعر به الأم الحامل، ومما هو جدير بالذكر فإن النساء اللاتي يلدن لأول مرة عادة ما تكون الفترة الفاصلة بين المخاض والولادة أطول من النساء اللاتي ولدن قبل ذلك، حيث نجد تلك الفئة الثانية تخبر ساعات قليلة بين المخاض والولادة. وفي المراحل الأخيرة لمخاض الولادة، نجد أن الانقباضات تستمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 لمدة أطول "ما يقرب من دقيقة" بالإضافة إلى أنها تكون أكثر تكرارًا عن ذي قبل، ويكون نتيجة هذه الانقباضات المتتالية أن يدفع الجنين ليتخذ وضعًا جديدًا حيث تتجه رأسه نحو عنق الرحم، ونتيجة ذلك فإن عنق الرحم يبدأ في التمدد والاتساع ويستمر في أداء هذه الوظيفة إلى أن تصبح رأس الجنين تجاهه، وعلى الرغم من أن رأس الجنين تعتبر أكبر جزء من جسمه إلا أن قدرة المولى عز وجل جعل لها القدرة على التغير في الشكل والقابلية للتكيس لكي تمر من خلال الرحم، وعادة ما نجد الطفل المولود حديثا يكون مظهر رأسه غريبًا مضحكًا لمدة أيام قليلة بعد عملية الولادة. وأحيانا عند الولادة تحدث تمزقات في الكيس الأمينوتي وينتشر السائل الأمينوتي حيث يعمل كمنزلق لكي يساعد الجنين على المرور من خلال عنق الرحم إلى داخل قناة مهبل "الولادة" Vagina وعندما يكون الجنين جاهزًا للتحرك خارج المهبل نجد الطبيب المولد في بعض الأحيان يجري قطعًا صغيرًا في الرحم يسمى Episitomy لكي يمنع أية تمزقات للغشاء الخارجي، وهذا القطع يخيط مباشرة بعد الولادة، وبعد وقت قصير من الولادة فإن المشيمة تزاح من الجدار الرحمي وتفصل منه وتسمى بالخلاص. مخاطر الولادة: ليست كل حالات الولادة سهلة ميسرة، فأحيانا نجد أرداف الطفل بدلا من رأسه تضغط على عنق الطفل، وبالتالي ينحني الجنين مما يجعله أكبر ومن الصعب أن يولد وتسمى هذه الحالة بالولادة المؤخرية Breech Delivery فإذا لم يستطع الطبيب المولد إدراة رأس الجنين نحو عنق الرحم، فإن هذه الولادة تصبح أكثر صعوبة وخطورة من الولادة العادية، ويمكن كذلك أن تحدث مضاعفات أخرى إذا سدت المشيمة مؤخر الرحم، ولحسن الحظ فإن الخبرات الطبية الحديثة عادة ما تكون قادرة للتعامل مع هذه الأخطار المفاجئة والمخاطر القدرية للحمل والولادة. ومشكلة أخرى قد تجابه الطبيب المولد عندما تكون عظام حوض المرأة صغيرًا جدًا على الولادة، أو لثمة ظروف أخرى مثل وجود لولبات في الحبل السري، فلا مناص أمام الطبيب في تلك الحالات إلا إجراء ما يسمى بالعملية القصيرة Cesaream Section حيث يجري فتح في البطن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ويحرك الجنين مباشرة من الرحم، ومما هو جدير بالذكر فإن هذه العمليات قد تدعمت الآن وأصبحت عملية روتينية آمنة، كما أن توفر الاستفادة من المضادات الحيوية، وعمليات نقل الدم الآن, قد أزاحت كثيرًا من مخاطر هذه العملية. وثمة مشكلة أخرى من أخطار الولادة وهي الحرمان من الأكسجين فبسبب حاجة المخ الدائمة إليه، فإنه حتى الحرمان الخفيف قد يسبب موت الخلايا المخية, وعمومًا فإن هناك عديدًا من الأسباب يرجع إليها نقص إمداد المخ بالأكسجين منها، "أنه أثناء الولادة نجد أن الضغط الزائد على الحبل السري قد يقلص تدفق الدم وبالتالي ينقص مئونة الأكسجين، ونفس الشيء يمكن أن يحدث في حالة وجود انفصال مبتسر للمشيمة من الجدار الرحمي، بالإضافة إلى أن العقاقير التي تستخدم لتخفيف آلام الأم يمكن أن تخدر الجنين وتؤخر بالتالي عملية ولادته. وعمومًا فإن الأضرار الدائمة متدرجة من التلف المخي إلى الشلل المخي عادة ما ترتبط بالحرمان من الأكسجين عند الولادة، والدراسات الآن في طب الأطفال والطب النسوي ساعدت على علاج هذه المخاطر سابقة الذكر، وتشير الدراسات أن مخاطر ولادة الطفل قد نقصت بصورة كبيرة منذ عام 1920، حيث برهنت الممارسات الطبية الجيدة والأبحاث الميدانية في هذا المجال قد وفرت المعلومات والحقائق الأكثر عن الحمل، هذا بالإضافة إلى العناية الطبية والنفسية قبل الولادة، ساعد مما لا شك فيه على تقليل هذه الأضرار إلى الحد الأدنى. العناية بالمولود: هناك عدد من الخطوات يجب أن تتبع لضمان حياة المولود, ويمكن إيجازها فيما يلي: أولا: يجب أن ينظف فم الطفل وثقبي أنفه من المادة المخاطية الموجودة بهما بواسطة محقنة، وبعد ذلك يحمل الطفل إلى أسفل لكي يصرف أية سوائل متبقية في قصبته الهوائية، وعادة ما يبدأ الطفل في التنفس مباشرة وبصورة جزئية في الاستجابة لتدفق الهواء، ولكن في بعض الأحيان نجد الطبيب المولد يساعد هذا التنفس الأولي وذلك بأن يسقط المولود في ماء بارد أو يضربه على ردفيه، ومما هو جدير بالذكر أن الطفل المولود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 حديثا يمكن أن يؤدي وظائفه لعدة دقائق بعد الولادة بدون تنفس ولا يصاب بأذى أو ضرر، إلا أنه إذا طالت مدة طويلة في حرمانه من الأكسجين فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى أضرار خطيرة. ثانيًا: وبمجرد أن يتنفس الطفل، عادة ما يصدر صرخة عالية، ويجب أن يغسل الطفل حينئذ ويلف بدفئ، ولا يحتاج الطفل المولود حديثًا إلى كثير من الطعام للأيام الأولى القليلة من ولادته ولكن يمكن أن يعطى لبء الأم Colostrum ويعتبر بمثابة إفراز مائي رطب من صدر الأم الذي يسبق إفراز اللبن، وهذا المسمار "اللبني" يحتوي على كثير من الأجسام المضادة والتي تمد الطفل المولود حديثا بمناعة أولية ضد أي عدوى، كما أن امتصاص الطفل لصدر أمه يساعدها على إفراز هرمون الأكسوتسين Oxytocin الذي يجعل في تجلط الدم, وحينئذ يحدث نزف يعقب الولادة وبالتالي يساعد الرحم إلى أن يعود إلى حجمه الطبيعي. وهناك اختلاف في الرأي عادة ما يثار حول ما إذا كانت الأم يجب أن تستمر في إطعام وليدها من صدرها بعد الأيام الأولى القليلة التي تعقب الولادة، وعمومًا فكثير من الأطباء يشيرون بأنه يجب على الأم أن تفعل ذلك ولكن البعض الآخر ينادي أن اللبن البديل عادة ما يكون مشابها للبن الأم ومن وجهة نظر التغذية الأساسية للطفل، إلا أن وجهة نظرنا تخالف وجهة النظر الأخيرة حيث إن عملية الرضاعة كما أشرنا أنها تقي الطفل من كثير من الأمراض هذا من جانب، بالإضافة إلى تكوين الرابطة الانفعالية والعاطفية بين الأم ووليدها، زد على ذلك وكما سنشير فيما بعد أن اللبنات الأساسية من شخصية الطفل توضع أساسا وابتداء أثناء عملية الرضاعة، فالأم لا تمد وليدها فقط بتغذية مادية ولكنها بالإضافة تدعم جوانب شخصيته المستقبلية عن طريق عملية الرضاعة، فإننا لا ننصح أي أم باستبدال ذلك بواسطة مرضعة أو بالببرونة "رضاعة" إلا إن كانت هناك أسباب قهرية لذلك. ويستثار أحيانا كما سبق وأن أشرنا بعض من الأفكار الخاطئة عن الأم بعد الولادة، فقد كان يعتقد أحيانا بأن الأم بعد الولادة أن تبقى في سريرها لعدة أسابيع بعد الولادة، ونشأت هذه الفكرة من الحقيقة التي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 مؤداها أن الولادة ينتج عنها فقدان كمية كبيرة من دم الأم، وبالتالي فإن الإقامة الطويلة للأم لكي تستريح في السرير توفر لها الوقت الكافي لتعويض ما افتقدته من الدم أثناء الولادة, ولكن لحسن الحظ في العصر الحديث ونتيجة الإجراءات والتطورات الطبية الحديثة، فإن المرأة لا تفقد دمًا كثيرًا أثناء الولادة، وحتى وإن حدث هذا فيمكن تعويضها عما افتقدته بعمليات نقل الدم، وتشجيع الأم أن تنهض من سريرها خلال ساعات بعد الولادة وعادة ما تترك المستشفى خلال عدة أيام قلائل. كما يوجد جدل هو مدى استخدام العقاقير لتسهيل عملية الولادة والتقليل من آلامها، إلا أن الأطباء ينصحون بعدم استخدام هذه العقاقير خاصة بعد مأساة الثاليدوميد Thalidomide التي أشرنا إليها فيما سبق. ولقد أشار الطبيب الفرنسي "فردرش ليبويه" Frederick Lebyer إلى أن حجرة الولادة المضاءة بأضواء قوية، وباردة نسبيًا، والمفعمة بالضجيج يعتبر شيء مناقض للظلمة والرحم الدافئ والهادئ، فإن ذلك وفقًا لأقوال "فردرش" تنتج صدمة نحن في غنى عنها، وبالتالي فإنه يفضل أن يكون حجرة الولادة مظلمة قليلا دافئة, هادئة، أي أن توفر للمولود بيئة مشابهة بصورة عالية لبيئة رحم الأم، ونرى من جانب آخر أطباء ينادون بعكس وجهة النظر السابقة، وكل من وجهتي النظر من الممكن أن تكون صادقة بصورة نسبية حيث يمكن التوفيق بين كليهما. تحديد جنس الوليد: من المحتمل أن يكون أول سؤال يسأل سواء من الأم أو الأخرين عندما يعلن عن وصول الوليد هو، هل المولود ولد أم بنت؟. ومنذ قرون عديدة، ظهرت مشكلتان هامتان لعلاقتهما بتحديد جنس الوليد، الأولى كانت محاولة التنبؤ مبكرًا في الحمل بجنس الوليد والثانية محاولة التحكم في الجنس المرغوب فيه، والحقيقة أن تلك المحاولات العديدة للتنبؤ بجنس الوليد كانت في معظمها مثيرة للضحك, وهيا بنا الآن لنتأمل سويًا كيفية تحديد جنس الوليد. إن جميع خلايا الجسم الإنساني, فيما عدا الحي المنوي والبويضة تحتوي على 46 كروموزوما "صبغيًا" مرتبة في النواة في 23 زوجًا، وأحد متماثلين وكلاهما يطلب عليها الكروموزوم X أما عضوا هذا الزوج متماثلين، وكلاهما يطلق عليه الكروموزوم X أما عضوا هذا الزوج عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الرجل لا يكونا متماثلين إذ تحتوي الخلايا الذكرية على كروموزوم X وعلى نمط آخر مخالف تمامًا يعرف باسم كروموزوم Y. ولا يوجد هذا الاختلاف فقط في التركيب الكروموزومي لخلايا جسم الرجل والمرأة ولكن الحييات المنوية البويضات تختلف في عدد الكروموزومات التي تحتويها عن باقي جميع الخلايا في الجسم، إذا يحتوي الحي المنوي والبويضة على 23 كروموزوم فقط في كل منهما، أي عضو واحد من كل زوج, وهذا الاختزال في العدد ضرورة إذا كان للبويضة المخصبة أن تحتوي على 46 كروموزوما فقط, ويحدث هذا عن طريق نمط خاص من انقسام الخلية يعرف باسم الانقسام المنصف Meiosis. فحيث إن الخلية التي تنشأ منها البويضة تحتوي على كروموزوم X، فإن كل بويضة تحتوي على كروموزوم واحد X، ولكن الأصل الذي يأتي منها الحي المنوي تحتوي على كروموزوم X وعلى آخر y لذلك فعندما يحدث الانقسام المنصف يكون الحي المنوي المتكون محتويًا بناء على ذلك إما على كروموزوم X أو كروموزوم y ويبدو أن مجرد الصدفة هو الذي يحدد أي حي من الحييات المنوية هو الذي سيخترق البويضة ويخصبها، هل هو الحي المنوي الذي يحمل الكروموزوم X أم ذلك الذي يحمل الكروموزوم y؟ ولكن متى حدث الاختراق فلا توجد أي فرصة لاحتمال آخر فإذا كان الكروموزوم هو X تتكون الأنثى وإن كان y يتكون الذكر والشكل رقم 4 يشير إلى هذه العملية. والعلم لا يعرف حتى الآن ما هي الخصائص التي يسمح لحي منوي معين من بين الملايين بأنه ينجح في النهاية في اختراق البويضة1, ولكن العلم يعرف مع ذلك أنه متى حدث هذا الاختراق فإن نواة الحي المنوي والبويضة يتحدان ويصبحان نواة واحدة، ومن ثم تبدأ السلسلة الطويلة للأحداث المعقدة والتي إن سارت طبيعية ينتج في نهاية تسعة أشهر ميلادية أو عشرة أشهر قمرية ميلاد طفل جديد.   1 {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [سورة الشورى: 49] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ولقد وجد أيضًا أن الكروموزومات التي تحدد الجنس تحمل أيضًا جينات تتحكم في خصائص أخرى، وتوجد هذه الجينات على الكروموزومات X فقط، ولا توجد على الكروموزوم y وحيث أن الذكر يحتوي على كروموزوم واحد فإن الصفات التي تحملها هذه الجينات تظهر عليه سواء أكانت سائدة أو متنحية، في حين أن الإناث تحمل كروموزومين X، ولذلك تظل قاعدة الجينات السائدة والمتنحية سارية، ونتيجة لذلك فإن الصفات المتنحية المتصلة بالجنس تظهر دائمًا على الذكور في حين أنها تبقى غير ظاهرة في الإناث إذا زاوجت صفات سائدة، ومن الصفات المتصلة بالجنس "العمى اللوني والصلع", كما أن هناك مشاكل أخرى مرتبطة بكروموزومات الجنس تؤدي إلى بعض الإصابات أو الأمراض وظهور العديد من الأعراض التي ذكرناها فيما سبق مثل أعراض كلينفلتر وأعراض تبرنر وأعراض داون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الفصل الخامس: الوليد والفطيم أولا: النمو الجسمي والحركي الرضيع في السنة الأولى : على الرغم من أن كثيرا من الدراسات الحديثة أشارت إلى أن الوليد يمتلك كثيرًا من الكفايات والأهليات، ولكن يجب ألا ننسى أنه يظل بعيدًا من أن يكون كائنًا كامل الوظيفة والتكوين, فالمولود الحديث نجده يمتلك جميع أعضاء الجسم الضرورية، إلا أن القلب والرئتين والجهاز الهضمي ما تزال في حاجة إلى نمو لاحق قبل أن تستطيع أداء وظائفها تحت الظروف العادية, والمعدة تحتاج إلى سنوات قبل أن تصبح قادرة على التأمل مع الأطعمة العادية. وبصورة مماثلة، فعلى الرغم من أن البناء الجسمي للوليد عادة ما يكون كاملا منذ الميلاد، إلا أننا نجد عظامه لينة إذا ما قورنت بعظم الطفل الأكبر سنًا، نجدها تنمو وتتشكل في صورة مختلفة، وحيث أن عظام الجمجمة لا تكون مرتبطة ارتباطا كاملا بعضها مع البعض الآخر، كما توجد منطقة لينة على قمة رأس الوليد وتسمى باليافوخ Fontanelle وتلتحم العظام بعضها مع البعض لتشكل غطاء كاملا للجمجمة أكثر صلابة، ويتم ذلك فيما بين التسعة شهور الأولى والعام الأول من حياة الرضيع, كما أن الأسنان نجدها في حالة كامنة وفي حالات نجدة قد يولد طفل بأسنان لبنية إلا أن الغالبية العظمى من المواليد يكون لديهم براعم أسنان فقط والتي تنمو أثناء السنة الأولى ومنتصف الثانية. كما أن الجهاز العصبي للوليد يختلف عما لدى الأطفال الأكبر والراشدين، ففي حين أن مخ الوليد يتشابه في بنائه مع ما عند الراشد، وذو بناء كامل من الخلايا العصبية، إلا أن تلك الخلايا بدون غلاف نخاعي عازل، وهذه النخاعية تكون على هيئة ممرات تبنى بين العضلات والمخ والمتطلبة لجميع المهارات الحركية والنخاعية، وعمومًا فإن هذه النخاعية تتكون بصورة كلية في الأربعة شهور الأولى تقريبًا، ولكنها تستمر طوال فترة الطفولة المبكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ونمو الرضيع أثناء السنة الأولى يكون سريعًا، فعند الميلاد يكون وزن الطفل العادي ما بين 6 إلى 8 أرطال، وطوله ما بين 18 إلى 22 بوصة، وعند نهاية السنة الأولى عادة ما يصل الرضيع إلى ضعف وزنه ويكتسب ثلث طوله، ويبطئ النمو تدريجيًا بعد ذلك، وعند نهاية السنة الثانية يصل الطفل إلى ما يقرب من ربع وزنه عند المراهقة وما يقرب من ربع طوله كراشد. كما نجد عند الطفل منذ الميلاد نماذج انعكاسية عديدة كاملة البناء قابلة للرؤيا والتمييز والإدراك بسهولة، وتسمى إحدى هذه الانعكاسات بانعكاس مورو Moro reflex ويمكن ملاحظة ذلك عندما يروع الطفل بصوت يصاب بضربة فجائية على رأسه، فعندما يحس الطفل يفقد السند، نرى ارتفاع ساعديه، ويحاول التعلق بأي شيء والتي تبدو كمحاولة من الرضيع لاستعادة السند الذي فقده, ونموذج انعكاسي آخر يتمثل في المسك أو القبض الانعكاسي، يحدث عندما يقبض الوليد بكفيه على الأشياء، ويمكن أن يرفع عندما يتعلق بأصابع الراشد كما لو أنه في وضع الجلوس. والنمو العضلي أثناء الشهور الأولى للرضيع يكون سريعًا، ففي الشهر الثاني يظل الرضيع مستيقظًا لفترة أطول عما سبق بالإضافة إلى أنه يصبح أكثر حركة ونشاطًا من ذي قبل، ولا تكون يديه وأرجله وأصابعه كما كانت عليه في حالة تصلب عند الميلاد، وكثير من الأطفال في هذا السن يمكنهم رفع رءوسهم وصدورهم قليلا، وكثيرًا منهم يمكنه العثور على إبهامه ويبدأ في مصه كما أنه أثناء الشهر الثاني يمكن الرضيع أن يبدي أول ابتسامة اجتماعية حقيقية، وأثناء الشهر الثالث والرابع تصبح الأفعال الحركية الإرادية أكثر فعالية، وقد يرجع ذلك إلى نخاعية الخلايا المخية؟ وتبدأ الرأس في التضاؤل عن ذي قبل في اتجاه النضج والنمو، حيث يمكن أن يدور الرضيع رأسه ويصل إلى الأشياء في ما بين الشهر الثالث والرابع إلا أننا نجد عملية الزحف والمشي تتطلب نموا عضليا وعصبيا أكبر حيث نجدها تتأخر عن تلك الحركات السابقة، وفيما يتعلق بالنظام الهضمي فإن نضج التحكم العضلي العصبي للسان والحلق يمكن الطفل من أن يبدأ في تناول الأطعمة الطرية اللينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وفي الشهر الرابع تقريبًا نجد اهتمام الأطفال بأصابعهم وأطرافهم وعادة ما يلعبون فيها، ويستطيع الأطفال في هذا الوقت من الانقلاب على بطونهم أو ظهورهم, وعادة ما يستطيعون ذلك وبسهولة في الشهر الخامس, كما أنهم يتمكنون من الجلوس عندما يمسك بهم ويحتفظون برؤوسهم قائمة إلى أعلى لمدة كافية لكي ينظروا إلى ما يحدث من حولهم، وفي حوالي نهاية الشهر الخامس وبداية السادس يبدأ الأطفال في عمل حركات زاحفة ويتعلقون بالأشياء ويمسكون بها ويهزونها جميع هذه الحركات تعتبر عامة شائعة في هذا السن، كما يبدأ الأطفال في عملية المضغ عندما تبذغ أولى أسنانهم اللبنية في الشهر السادس تقريبًا. وفي النصف الثاني من السنة الأولى نجد الأطفال كثيرا من الحركات الاستقلالية ويكون أكثر استجابة لعالمهم المادي والاجتماعي عن ذي قبل، حيث نجد أن التحكم والضبط الحركي قد وصل إلى مرحلة حيث يمكنه الوصول والتمسك بالأشياء التي تقع تحت ناظريه وكذلك ضربها بعنف أو هزها أو عمل جلبة وإزعاج بها, وأثناء الشهر السابع يصبح ظهر الرضيع أكثر صلابة وعضلات بطنه تسمح له بالجلوس بدون مساعدة وفي حالات كثيرة يمكنه أن يزحف, وفي الشهر الثامن نرى الرضيع قد نمى لديه ضبط وتحكم دقيق بصورة كافية، وبالتالي نجده يستطيع أن يضع أصابعه ويمسك ويرفع الأشياء الصغيرة، وفي هذا الوقت يجب أن يكون الآباء حذرين من ترك الأشياء الصغيرة أمام ناظري الطفل والتي يمكن أن يتناولها ويسقطها في فمه. وأثناء الشهر التاسع يحاول الرضيع أن يزيد من تحركه وتنقله، ويقضي وقتا طويلا في تدريب مهاراته الحركية عندما يكون في سريره ولذلك نرى كثيرا من الأمهات تندهش حين تترك وليدها نائمًا وتعود فتجده جالس في مهده، كما أنه يستطيع أن يقف ممسكًا بجانب سريره ويبتسم ابتسامة رضاء وإشباع عندما يرى أمه, ولا يستطيع الأطفال في هذا السن المشي إلا أنهم يستطيعون التحرك بسرعة مدهشة بواسطة الزحف والتسلق، وعلى ذلك يجب أن يوضعوا تحت الملاحظة الدقيقة من هذا السن فصاعدًا. وأثناء الشهر العاشر يستطيع الأطفال الزحف والتسلق والجلوس بمفردهم وأن يشهدوا أنفسهم في حالة انتصاب كما أننا نلاحظ الاستقلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الحركي واضحًا في مجالات أخرى كذلك، ويستطيع معظم الأطفال في هذا السن أن يشربوا من الكوب كما يكون لديهم الأسنان الكافية التي تمكنهم من مضغ الأطعمة الصلبة نسبيًا، وجدير بالذكر نجد كثيرا من الأطفال في هذا السن يرغبون في إطعام أنفسهم وعلى الرغم من أنهم دائمًا ما يعبثون في طعامهم إلا أنهم يستمتعون بأنفسهم تمامًا، بالإضافة إلى حصولهم على طعام ضئيل قليل. وفي نهاية السنة الأولى يحدث لدى الأطفال تقدمًا جوهريًا نحو الاستقلال الحركي، حيث يمكنهم التحرك على نحو متزايد وبصورة أكثر على قدميه والتعلق بالأشياء والإمساك بها والانطلاق ويمكنهم مضغ الطعام وعض الأشياء وعمل أصوات متنوعة والتي تناهز اللغة في مجتمعهم, وعلى الرغم من أننا سوف نناقش القدرات الحسية والعقلية للأطفال في ثنايا هذا الفصل إلا إنني أود الإشارة هنا أن نمو الجوانب الأخرى يعتمد جزئيًا على الأقل على التقدم في النمو الحركي الذي يصيبه الطفل منذ صغره, وانظر الشكل رقم1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 السنة الثانية : بعد أن يتعلم الأطفال المشي "في نهاية السنة الأولى تقريبًا" فإنهم ينتقلون إلى مرحلة تسمى بالسير المتدرج Toddierhood حيث يتضمن ذخيرة جديدة كلية من النشاطات الحركية، ففي حدود سنوات قليلة يبدءون في القفز والجري والوثب فوق الأشياء المرتفعة ويلعبون بأشياء مثل الكرة والتزحلق إن تيسر لهم ذلك, وفي هذا الوقت نرى تمييزات الأيدي والأذن والعين ويبدأ الطفل في التعامل بها وتصبح أكثر استقرارًا. وعندما تكون محاولة الطفل الأولى في المشي نجد قدماه بعيدة كل منها عن الأخرى، وحركاته غير منتظمة وغير متناسقة، وبالتدريب يمكن أن يجعل قدميه قريبة بعضها مع البعض، وخطواته تصبح أكثر توازنًا وأكثر تناغمًا واتزانًا، كما يبدأ المشي بصورة مستقيمة، أي يحدث توال وانتظام لأقدامه وجدير بالذكر فإن طفل السنتين يكون ما يزال في حاجة إلى مراقبة أقدامه حتى يتحاشى أي عوائق أمامه، إلا أن هذه الحاجة تختفي بنهاية العام الثالث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وبمجرد أن يكتسب الطفل الثقة قبل المشي نجده يبدأ في عمل تنويعات بين الفينة والفينة كالمشي في الطرق الجاذبية، والمشي بالخلف، كما أن الطفل في هذا السن قد يمشي على أصابع قدميه، أو يدور حول نفسه مرة مرات إلى أن يشعر بالدوار, وفي منتصف السنة الثانية يكون لدى الطفل المشي السريع المتعجل والذي يبدو إلى حد ما شبيها بالجري؛ لإن أنه يختلف عن الجري لأنه حتى هذا السن لا يمتلك قوة الأرجل والتوازن لكي يتحاشى ما يوجد على الأرض بكل من قدميه في نفس الوقت. وعادة لا يصل الطفل إلى الجري السليم إلا في سنته الخامسة تقريبًا، كما يحال طفل العامين القفز إلا أن محاولته تفشل حيث لا يمكنه أن يجعل قدماه تترك الأرض في وقت واحد، وعادة ما يبدأ القفز عندما يطلع على أشياء قصيرة كالسلم مثلا، وفي محاولته الأولى نجده يطلع بقدم واحدة تاركًا قدمه الأخرى وبالتالي يتأرجح على حافة الدرج. وعندما يصل الطفل إلى نهاية العام الثاني يمكنه أن يقفز بكلا قدميه، ومهارات حركية أخرى تتطلب اتساق حركي رؤي أفضل مما لدى طفل العامين مثل الحجل والتسلق والإمساك بالكرة الملقاة إليه، ويمكنه أداء هذه الحركات في مراحل نموه التالية، فهم في هذا السن يحاولون الرمي والإمساك بالأشياء إلا أن أذرعتهم لا تكون حركتها مرنة متسقة تمكنهم من ذلك. فعملية الاتساق في الرمي والتي تتضمن إطلاق الشيء كجزء من الحركة الرمي لا يمكن أن يصل إليه الطفل ألا في سن أكبر من ذلك. وأثناء السنة الثانية يبدأ الطفل في أن يظهر تفضيل استخدام يده وعينه والتي تكون مظهرًا من النمو الحركي, حيث يميل إلى القبض على الأشياء بيد معينة، وتفضيل استخدام عين على أخرى في مجال الرؤيا الثنائية، ما الذي يحدث هذه التفصيلات عند الطفل والتي ستصبح مستقرة ثابتة في فترات نموه اللاحقة, تشير نتائج دراسة كراتي Cratty؛ "1970" أن كثيرا من النظريات العلمية وغير العلمية قد قدمت تفسيرات لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة، إلا أننا حتى الآن لم نصل إلى تفهم فسيولوجية استخدام يد معينة وتفضيلها على الأخرى أو علاقتها بالمشكلات الحركية الأخرى مثل أمراض الكلام كالتهتهة واللجلجلة وما إلى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ثانيا: النمو العقلى الجوانب الكمية للنمو العقلى ... ثانيا: النمو العقلي النمو العقلي للرضيع يشبه ما يوجد عند الأطفال الأكبر والراشدين ويمكن أن يلاحظا تبعًا لمنظورين. أ- أحدها الاختبار العقلي الكمي والذي يتساءل عن مقدار ما يمتلكه طفل معين من قدرة عقلية معينة إذا ما قورن بأطفال آخرين في مثل عمره الزمني؟ ب- والثاني الناحية الكيفية النمائية النفسية والتي تتساءل عن أنواع القدرات والمفاهيم التي يظهرها الرضيع بصورة واضحة، وكيف تتطور أثناء السنتين الأوليين أو بعد ذلك في حياة الطفل, وسوف نتأمل سويًا كل من الجانبين الكمي والكيفي للنمو العقلي. أ- الجوانب الكمية للنمو العقلي: عادة تتضمن اختبارات الذكاء عددًا من الاختبارات الفرعية، وكل منهما مصمم لقياس قدرة معينة، ونجد في كل اختبار فرعي عدد من المواقف تتدرج من حيث صعوبتها، كما أن صعوبة كل موقف يحدد بواسطة استجابة عينة كبيرة من الحالات "المجموعة المعيارية" للموقف. ولنفترض أن موقف اختبار ذكاء الطفل "الرضيع" هو "رفع الرأس"، حيث إن 90% من عينة كبيرة للرضع ذوي الثلاثة أشهر يستطيعون عمل ذلك فإن رفع الرأس بالتالي يكون موقفًا عاديًا لطفل الثلاثة أشهر. ولنفترض أن الانصراف عن الأشياء يمكن أن يؤتي 10% فقط من أطفال عينة الأطفال السابقة، فإن هذا الموقف يجب بالتالي أن يكون موقفًا صعبا لهذه الجماعة في هذا السن, وعمومًا فإن معظم اختبارات القدرات بصفة عامة واختبارات الذكاء بصفة خاصة تبنى على طريق اختيار الموقف والتي يمكن أن تؤدي بواسطة 75% من الجماعة المعيارية في كل مستوى متتالي، وبالتالي يوفر سلاسل من المواقف متدرجة الصعوبة. ومعظم اختبارات الذكاء يمكن أن تقدر لنا العمر العقلي Mental age وهو عبارة عن عمر الجماعة المعيارية والتي تكمل بنجاح نفس عدد المواقف كالحالة التي تجري عليها الاختبار والرضيع الذي يؤدي بصواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 مواقف كثيرة كما هو الحال لطفل الواحد للجماعة المعيارية فإن عمره العقلي بالتالي يكون سنة واحدة بغض النظر عن عمره الزمني Chronolgical age ولحساب الذكاء IQ تجرى المعادلة التالية: وهذا المعدل دليل لذكاء الفرد النسبي, ومن الواضح أن الطفل الذي يكون عمره العقلي أكبر من عمره الزمني أكثر ذكاء من المتوسط، بينما الطفل الذي يكون عمره العقلي أقل من عمره الزمني يكون عادة أقل ذكاء من المتوسط. وتوجه لاختبارات الذكاء كثير من الانتقادات بأنها لا تعتبر بمثابة مقاييس مناسبة لقياس ذكاء الأطفال، كما أنها لا تستطيع التنبؤ بكيفية أداء الطفل في اختبارات أخرى, وكذلك كيفية أدائه في عمر زمني لاحق "1972" Bayley؛ "1970" إلا أنه في حالة استخدام هذه الاختبارات مصحوبة ببيانات أخرى كالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة نجدها ذات قيمة تنبؤية كبيرة، بالإضافة إلى استخدامها بجانب الملاحظة الإكلينكية يمكن أن تشخص بدقة الضعف العقلي والتلف المخي Knobloch& Pasamanick؛ "1967". ويمكننا أن نوجز الأسباب التي تكمن وراء القدرة التنبؤية الضعيفة لاختبارات ذكاء الأطفال الصغار فيما يلي. أولا: اختبارات ذكاء الأطفال تختلف جوهريًا عن تلك المستخدمة لتقييم القدرة العقلية للمراهقين الراشدين، فالأولى تقيس بعض الأشياء مثل "الوصول إلى الأشياء، والإمساك بها، والقبض عليها ومتابعة الموضوعات عن طريق الرؤية، وذلك عندما يكون الطفل في أشهره الأولى، كما أن القدرة على التقليد وأن يضع مكعبات وأشكالا في فراغات معينة، وأن يتعرف على الصور في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 نهاية عامه الأول, كل هذه الأشياء قد تكون مفقودة وبدرجة كبيرة في اختبارات الذكاء، كما أن اللغة تلعب دورًا أساسيًا في اختبارات الأطفال الأكبر سنًا. حيث يجب عليهم اتباع تعليمات لفظية تعطى بواسطة المختبر. ومن ثم يجب عليهم الاستجابة اللفظية بأنفسهم. فالمهارة اللغوية ترتبط بصورة كبيرة بالقدرة العقلية، ودعوى أن اختبارات ذكاء الأطفال لا تستخدم اللغة، قد يكون أحد الأسباب في كونها ليست وسيلة تنبؤية جيدة لأداء الأطفال في الاختبارات اللاحقة والتي تطلب استخدام اللغة. ثانيًا: وثمة عامل آخر قد يسهم في القدرة التنبؤية الضعيفة لاختبارات الأطفال الصغار "الرضع" يتمركز حول الأطفال أنفسهم. فالاختبار يفترض سلفًا التعاون من جانب الحالة، إلا أن الأطفال عادة ما يحذرون من الغرباء وبالتالي نجد تعاونهم الكامل مع المختبر مشكوك فيه، بالإضافة إلى حالاتهم الانفعالية وتحول انتباههم يجعل من الصعب على المختبر أن يحدد عما إذا كان سبب إخفاقهم في الأداء قد يرجع إلى نقص في قدرتهم وقد يرجع إلى اضطراب خاطف سريع الانقضاء وعلى الرغم من وجود مشكلة مؤداها عما إذا كان أداء الأطفال الصغار على الاختبارات يعكس بدقة وبصورة مضبوطة الكفاية في أداء الاختبارات لأي عمر زمني، فإنه من الصعب بصفة خاصة أن نفسر استجابات الأطفال الصغار على الاختبار. ثالثًا: والعامل الثالث الذي يسهم في القدرة التنبؤية الضعيفة لاختبارات ذكاء الأطفال الصغار، يرتبط باختبارات الذكاء نفسها فالذكاء ليس كمية ثابتة أو قدرة ثابتة حيث يتأثر بصورة مستمرة بواسطة العوامل البيئية. وعلى الرغم من وجود حدود احتمالية وراء عما إذا كانت البيئة لا تستطيع أن تعدل الموهبة الطبيعية للشخص إلا أن هذه الحدود غير معروفة. ومن جانب آخر يشير Scarr Salapatek؛ "1971" أن الأطفال الذين ينمون في بيئات فقيرة مجدية عقيمة قد لا يتحقق وتظهر بصورة كاملة إمكاناتهم وقدراتهم إلى بيئة عقلية فقيرة مجدبة في مثيراتها العقلية, أو العكس، فإن أداء هذا الطفل على اختبارات الذكاء سوف يعكس هذا التغير سواء إلى الأحسن أو الأسوء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ب - الجوانب الكيفية للنمو العقلي: تتضمن هذه الجوانب نمو العمليات العقلية وتراكم المضامين أو المحتويات العقلية، فالعمليات العقلية تتضمن ثمة وظائف كالإدراك والتعلم وحل المشكلة والتفكير والنمو اللغوي والمضامين أو المحتويات العقلية ما هي إلا نتاج هذه العمليات وما يصفه المرء بمحتويات أو مضامين تفكير الطفل, وسوف نتأمل سويًا التغيرات التي تحدث في كل من العمليتين العقليتين أثناء السنتين الأوليين من نمو الطفل. الإدراك: يتصل الإدراك بالعمليات التي نقرأ بها والتي تنقل أو تصل بواسطة حواسنا فنمو القدرة الإدراكية تتضمن كل من الازدياد التدريجي لحساسية مستقبلات الطفل "العين، الأذن، وهكذا" للمعلومات التي تمده بها البيئة، وازدياد القدرة على التسجيل وتفسير هذه المعلومات, وعمومًا فالإدراك يكون ذو تأثير وفاعلية في السنتين الأوليين من حياة الوليد البشري. الرؤية: استطاع العلم الحديث التواصل إلى كثير من المعلومات عن نمو حاسة الرؤية أكثر من أي نظام حاسي آخر، فالعين الإنسانية لا تكون كاملة التكوين منذ الميلاد، حيث تحدث تغيرات خلوية "مسامية" Cellular في نقرة أو حفيرة العين Fovea "وهي جزء من شبكية العين والتي تتعامل مع الرؤيا المركزية" وحتى الشهر الرابع يمكن أن تؤثر على حدة رؤية الطفل. ويشير "مان" Mann؛ "1964" إلى أن الأطفال الرضع يميلون إلى أن يكون عندهم طول نظر وذلك بسب قصر المسافة بين عدسة العين والشبكية، وينقص ذلك كما تدرج الرضيع في النمو. ويتصف نظام الرؤية لدى الرضيع بعدم الكمال، "حيث نجد العصب البصري لا يكون نخاعيًا Myelinize وبالتالي يمكن أن يؤثر على قدرة الرؤية عند الأطفال الصغار، وعمومًا فإن حدة الرؤية والتي تتضمن القدرة على التمييز بين خطوط ذات أطوال مختلفة, تنمو بصورة سريعة أثناء السنة الأولى من حياة الوليد, وتشير نتائج دراسة فانتز Fantz ورفاقه "1974" أن الأطفال يمكنهم تمييز أطوال نصف بوصة "قلم أو خط طوله نصف بوصة" والبوصة 2.54 سم على مسافة 10 بوصات في شهرهم الأول، ويمكنهم تمييز 64/ 1 من البوصة عندما يصلون إلى ستة أشهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وجدير بالذكر نجد تطور مشابه في تتبع الرضيع في رؤية الأشياء وملاحقة الحركات التي تحدث أمامه, وعلى الرغم من أن الرضيع يمكنه أن ينظر تجاه موضوع متحرك بكلتا عينيه، إلا أنه لا يستطيع أن يجري حركات هادئة حتى الشهر الثالث أو الرابع من عمره. ويشير Bornstein؛ "1975" إلى أنه على الرغم من صعوبة التعرف عما إذا كان الرضيع يمكنه فعلا رؤية الألوان، كما أنه ليس من السهل تحديد أنواع المثيرات التي يستجيب إليها والتي تكون مفضلة عنده, إلا أنه وجد أنواع المثيرات التي يستجيب إليها والتي تكون مفضلة إلى الألوان ذات الأطوال الموجية ويولون الاهتمام بها مثل الألوان الأزرق والأحمر إذا ما قورن اهتمامهم بالألوان الأخرى. ويشير إلى أن التغيرات الكبيرة في الضوء المعاكس عندما يبدأ شكل ما وينتهي شكل آخر يبدو أنه ذا أهمية في الاستحواذ على انتباه الأطفال الصغار. ولقد تأملت دراسات عديدة مدى انتباه الأطفال إلى وجود التي يرونها، على أمل تحديد الوقت الذي يمكن للرضيع فيه الانتباه إليها. وأشارت هذه الدراسات Hoat Other؛ "1976" إلى أن الأطفال الرضع عندما يصلون إلى شهرهم الرابع يمكنهم التعرف على الوجوه من حولهم خاصة وجه الأم إلا أنه ما يزال غير واضح مع ذلك عما إذا كان الطفل يجب انتباهه بصورة أولية إلى ملامح معينة كالعيون أو الشعر أو إلى الشكل ككل. وتشير نتائج الدراسات إلى أن الأطفال الرضع كلما تدرجوا في مدارج نموهم كلمات كانت تفضيلاتهم للمثيرات الأكثر تركيبًا، وتشير نتائج دراسات Fantz وزملائه إلى أن الأطفال الصغار يفضلون المثيرات ذات الأشكال والنماذج عن تلك المثيرات التي بلا شكل أو نموذج معين, وتشير نتائج هذه الدراسات كذلك إلى أن الأطفال الرضع في شهرهم الثاني يفضلون أشكال الحيوانات, وعندما يصلون إلى أسبوعهم الثالث عشر يبدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 تفضيلهم للمنحنيات على الخطوط المستقيمة والنماذج متحدة المركز عن النماذج غير المتحدة المركز. وتشير نتائج دراسة Bower؛ "1974" أن الأطفال يحصلون على بعض جوانب الاتساق في الشكل والحجم خلال الشهور الأولى من الحياة، إلا أننا نجد C. Shank؛ "1941" أن تلك القدرة، قدرة الاتساق في الحجم والشكل "وهي عملية آلية تعديلية بواسطة المخ والتي تمكنا من رؤية الموضوعات البعيدة كما لو أنها في نفس الحجم عندما تكون قريبة منا وتحتفظ بنفس الشكل بغض النظر عن وجهتها, يشير شأنك أن هذه القدرة لا تحدث إلا في نهاية السنة الأولى من حياة الوليد البشري، وجدير بالذكر فإن أحد أسباب تلك النتائج المتعارضة ترجع ابتداء إلى كيفية قياس المسافة والحجم واختلافاتهم في تلك الدراسات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ثالثا: السمع ... الرضع يستجيبون للأصوت في طرق مختلفة، فإنها قد تنشط البعض وقد تهدئ الآخر، وقد تؤلم رضعًا آخرين، وعمومًا فإن المثيرات ذات الكثافة أو الشدة المعتدلة وتكون مستمرة يمكن أن يكون لها تأثيرًا مهدئًا على الرضيع, وينطبق ذلك على المثيرات السمعية والمثيرات المرئية، فعندما يكون الضوء معتدلا في حجرة الولادة يمكن أن يكون له دورًا مهدئًا ملطفًا، كما أن الأصوات المتناغمة الإيقاع يمكن أن تكون كذلك، ففي أحد دراسات براكبل وزملائه وجد أن تسجيل ضربات القلب عن طريق بندول إيقاعي، والغناء بصوت هادئ كانت ذات أثر في تهدئة الطفل المولود إذا ما قورنت بالهدوء. ويمكن للرضيع أن يميز إحدى وحدات الكلام الصغرى عندما يصل إلى الشهر الثالث Moffitt A؛ "1971" مثل با، جا، بابا، كما أنهم يتلفتون إلى إيقاع أصوات الكبار من حولهم, ففي إحدى الدراسات أشارت النتائج إلى الأطفال الرضع فيما بين اليوم الأول إلى اليوم الرابع عشر قد حركوا أجسامهم لإيقاع كلام الكبار من حولهم وفعلوا ذلك في حضور الأب، أو عندما كانت تجري تسجيلات صوتية هادئة Candon & Sander؛ "1974". ويلاحظ كذلك أن الأنغام ذات النغمة النقية وهي التي أعلى من 4000 CPS وأيضًا المتقطعة، والضجيج المفاجئ العالي يميل إلى استثارة ردود فعل مروعة عند الرضع "كما هو الحال عند الراشدين", وجدير بالذكر فإن الانزعاج أو القلق يتلاشى في حالة تقديم الصوت المرتفع بصورة تدريجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الحواس الأخرى : مجال معرفتنا وكمية معلوماتنا بالنسبة لحاسة التذوق والشم واللمس قليلة إذا ما قورنت بمعلوماتنا عن حاسة السمع والرؤية بالنسبة للرضيع. وتشير Cratty أنها تعتبر حواسًا أولية بصورة نسبية. بمعنى أنها تنمو بوضوح منذ الولادة وتظهر نضجًا أقل بعد ذلك. وتشير أن الحواس الأخرى تتفاعل مع العمليات الحسية الأولية وأيضًا مع الأفعال الحركية، فكل من حاستي الشم والتذوق مثلا يرتبط بصورة كبيرة مع أحاسيس الرؤية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وفيما يتعلق بحاسة التذوق فالرضيع يولد ببراعم للتذوق كاملة على اللسان، مرتبطة ارتباطًا كاملا مع المخ. ومنذ الميلاد نجد الرضيع لا يستطيع التمييز بين الحامض والمالح والسكر، إلا أنه بعدما يقرب من شهرين أو ثلاثة نرى تفضيلات الرضيع التذوقية تكون قد نضجت بصورة عالية, ويمكن أن يشير إلينا إن كان اللبن قد تغير في تركيبه، أو كمية الكربوهيدرات المحتوية فيه، بالإضافة إلى أن الرضع في هذه السن يظهرون أحيانا كراهيتهم لمذاقات معينة عن طريق إرجاع الأطعمة من أفواههم. والشم يتطور في صورة مبكرة ويشير Rovee إلى ذلك أن التمييز الشمعي للأطفال الرضع ينمو بسرعة بعد الميلاد، ففي إحدى دراساته وجد أن الرضع يستجيبون استجابة تمييزية لخمسة أنواع كحولية معينة وذلك كما قيس بواسطة نشاطهم الحركي العام، فالجزئيات الأكثر كربونية في الكحول كانت أكثر فعالية واستمرارًا في حركات الرضيع. ويستطرد أنه مع الازدياد في العمر تطرأ تغيرات بسيطة في الحاسة الحاسية نحو الروائح. ويشير كذلك أنه يبدو أن الشم ليس فقط أحد الحواس المبكرة التي تنمو، ولكنها بالإضافة واحدة من الحواس التي تضعف مع تقدم العمر الزمني للوليد الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 رابعًا: اللغة اللغة تشبه العلم والرياضيات، حيث أن كليهما نتاج جمعي وإنجاز أو مآثرة فردية. فاللغة كنتاج جمعي تتكون من آلاف الكلمات والمعاني والتي نمت وتطورت عبر الزمان بواسطة جماعة اجتماعية معينة, وجدير بالذكر أن الفرد بمفرده لا يستطيع ابتكار لغة كاملة، أو يمكنه تعلم كل الأشياء التي يجب أن يعرفها عن لغة معينة, ومع ذلك فإن أعضاء جماعة معينة يتعلمون لغة تلك الجماعة، وكيفية استخدامها كوسيلة مؤثرة للتكيف الاجتماعي وسنناقش في ثنايا الصفحات التالية كيفية اكتساب الفرد للغة أما اللغة كنتاج اجتماعي فلها مجال آخر. وعلماء علم نفس النمو قد استمروا في اهتماماتهم ودراساتهم في كيفية اكتساب الأطفال اللغة وتركزت هذه الدراسات على وصف كيفية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وسببية الاكتساب اللغوي. وجدير بالذكر فإن هذين الجانبين يرتبطان بصورة كبيرة وذلك يرجع إلى أن الطريقة التي يصف بها الباحث نمو اللغة تعتمد جزئيًا على كيفية تفسيره لها. والحقيقة يمكن اعتبار تاريخ دراسات النمو اللغوي كنتائج أو اتجاهات للمفاهيم التي تملي التفاعل بين عمليتي الوصف والتفسير. ففي المرحلة الأولى لدراسة النمو اللغوي قد افترض أن الأطفال يتعلمون بصورة أساسية عن طريق تقليد ومحاكاة كلام الكبار من حولهم ولذلك ركزت الدراسات الوصفية للغة لمارثي McCarthy؛ "1954" على العمر الزمني والتتابع الذي يتعلم به الأطفال أجزاء الكلام وبناء الجملة. فقد وجد على سبيل المثال أنهم يتعلمون الأسماء قبل تعلمهم الضمائر، ويتعلمون الأفعال والصفات قبل تعلمهم الأحوال والظروف، ويتعلمون حروف الجر وحروف العطف في النهاية، ولوحظ كذلك وبطريقة مماثلة أنهم يتمكنون من تكلم الجمل البسيطة قبل الجمل المركبة, وهكذا. والمرحلة الثانية في دراسة لغة الأطفال كانت في أواخر الخمسينيات وذلك بظهور نظرية كومسكي Chomsky في قواعد النحو والصرف المعمم, وأشار أن الجمل عادة ما تصنف بصورة مختلفة كما يلي. هل الطفل أكل التفاحة؟ "استفهامية". أكل الطفل التفاحة. "تقريرية". يا ولد! كل التفاحة. "أمرية" أكل الولد التفاحة بأكملها! "تعجبية" وهذه الجمل متشابهة وبصورة كبيرة مع الجمل والتي عادة ما تصنف بطريقة مماثلة مثل. الطفل عند الحيوان. "تقريرية". جرى الكلب إلى المنزل. "تقريرية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 البنت كانت مريضة. "تقريرية". المنزل كان باردًا. "تقريرية". ويشير كومسكي بأنه على الرغم من أن الجمل الأولى ذات بناءات خارجية أو مظهرية Surface Stuructures مختلفة لأنها تعكس أنماط جمل متباينة فإنها بالإضافة ذات بناء ذي عمق معين حيث نجدها تقدم اختلافات لنفس المعلومات الأساسية، إلا أن الجمل في البناءات الثانية لها بناء مظهري عام إلا أنها ذات عمق بنائي مختلف، والذي أضافه كومسكي يتمركز في ربطه قواعد النحو والصرف "والتي كانت تقليديًا صورة من نظام فارغ" بالمعنى وبدلالة اللفظ، حيث أشار إلى أن البناءات العميقة للغة تتضمن مجموعة من القواعد لتنظيم مقدار محدد من المعلومات في طرق مختلفة لتوصل معاني مختلفة, فبالإضافة إلى ربطه القواعد اللغوية بالمعنى نجده اقترح نظرية جديدة في الاكتساب اللغوي لم تكن ذات جدوى في تعلم الكلمات فقط، ولكنها بالإضافة كانت ذات أثر في تعلم قواعد البناءات اللغوية العميقة لوضع الكلمات سويًا وكذلك لتصنيف واستخراج المعاني. وعمومًا فإن إسهامات كل من كومسكي وهاريس Harris تعتبر مؤشرًا للمرحلة الثانية في دراسات نمو اللغة عند الطفل, وتلي ذلك مجهودات لوصف قواعد الصرف والنحو مؤداها أن الأطفال ينمون لغويا كلما تدرجوا في مدارج نضجهم، ويتضمن ذلك ما يسمى بالنحو المحوري Pivot Grammar حيث يستخدم فيها الطفل كلمة واحدة مع كلمات أخرى متنوعة مثال ماما فوق، ماما أكل ... وهكذا. فالطفل قد يستخدم كلمة واحدة مع عدد من الكلمات الأخرى لكي يدل أو يعبر عن معاني مختلفة وعلاقات نحوية، فالجملة "ماما فوق" تعكس علاقة فعل بفاعل، في حين أن "ماما نقود أو فلوس" تعكس علاقات اقتناء المقتني. ولقد حول الانتباه إلى أعمال "بياجيه" "1970" وإلى وجهة نظره التي مؤداها أن اللغة تتضمن مجموعة من القواعد أو المبادئ التوليدية Generative بالإضافة إلى أنها تشتق من أفعال الطفل الخاصة، وكذلك من تصوراته العقلية, وحاولت كثير من الدراسات في هذا الميدان فيما بعد أن تربط النمو اللغوي بالنمو المعرفي, كما يوجد تأكيد في الوقت الحاضر على المضمون اللغوي الكلي لملكة الكلام عند الطفل أو على تعبير الطفل ونطقه على صيغة أو محتوى تعبيره أو كلامه. وعموما، فقد جمعت بيانات كثيرة وضخمة في كيفية تعلم الأطفال الكلام، وسوف نرى سويا مراحل التعبير ونمو اللغة المعبرة Receptive بالإضافة إلى الدراسات المعاصرة التي ربطت النمو اللغوي للأطفال بنمو المفاهيم أو التصورات العقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 مراحل التعبير عند الطفل : منذ الميلاد حتى نهاية الشهر الأول ينشغل الرضيع بما يسمى بالصياح غير المميز Undifferentiated وبالتالي فإن المستمعين له لا يمكنهم التمييز بين صياح الجوع أو الألم أو الخوف أو عدم الارتياح. وتشير دراسة simmer؛ "1970" أن الرضع حديثي الولادة يبدو أنهم ذوو حساسية لصياحهم، ففي إحدى الدارسات سجل صياح لرضع جدد وأشارت النتائج أن الرضع الجدد يميلون إلى الصياح كلما استمعوا لأصواتهم. وخلال الشهر الثاني من حياة الرضيع ينمى ما يسمى بالصياح المميز، أي كون الصياح أكثر تمييزا إلى الراشدين، فالإيماءة أو الإشارة قد تشير إلى الجوع أو المضايقة والانزعاج، والصياح المميز يبدو أنه يدعم في كمه وكيفه بواسطة كلام الراشدين حول الرضيع وبواسطه أنه التدعيم الاجتماعي بصفة عامة، والفورية أو الحزم Promptness التي يستجيب بها الآباء إلى صياح الرضيع يكون لها أثر ذو دلالة حيث تؤدي إلى التقليل من الصياح وذلك خلال السنة الأولى, وتشير نتائج دراسات Bell أنها لا تقلل فقط من كمية الصياح وطوله، ولكنها كذلك تعزز المهارات الاتصالية عند الرضيع من 8 إلى 12 شهرا من عمره، وعلى ذلك فإن الاستجابة الفورية للرضيع يمكن أن يكون لها تأثيرات مفيدة طويلة المدى على شخصية هذا الرضيع فيما بعد. والمرحلة الثانية هي الثرثرة أو الخرير Babbing، والتي تنمو أثناء الشهر الثاني، ولكنها تمتد حتى الشهر الثامن أو التاسع من عمر الرضيع. ويبدأ في إصدار ما يسمى بالفونيمية Phonome، وهي وحدات الصوت الأساسية للغة، ويبدو أن الثرثرة مرتبطة بالنمو الفسيولوجي كما أنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 فونيمية عامة، وتجعل من الممكن تكوين اللغة، وعن طريق التفاعل مع الراشدين يتخلص الرضيع تدريجيًا من الأصوات غير المرتبطة بلغة المحيطين به، ويوسع أو يظهر تدريجيًا الأصوات التي تكون في لهجتهم، وعلى ذلك فإن مرحلة الثرثرة أو الخرير تمكن الرضيع أن يبدأ في اكتساب لغة مجتمعه الخاص. وأثناء المرحلة الأخيرة من الثرثرة أي في حوالي 6 أشهر إلى 8 أشهر، يبدأ الرضيع في عمل أصوابت متكررة مثل بابا، ماما، ويستطيع الرضيع في هذا الوقت من إجراء الحروف اللينة والساكنة، وأثناء هذه المرحلة "الثرثرة" نجد الرضيع لا يصدر الأصوات من أجل الاتصال بالآخرين، ولكن من أجل أن يلعب ويلهو بجهازه الصوتي، وأثناء هذه المرحلة يمكن أن يستهل خرير الرضيع وثرثرته عن طريق حركات فمه أو بواسطة كلام الآخرين المجاورين له، وعموما، فإن هذه المرحلة تعتبر بمثابة تهيئة لمرحلة صدور الأصوات اللغوية الاتصالية. ومنذ الشهر العاشر تقريبًا ينتقل الرضيع إلى المرحلة الأخيرة للفترة ما قبل اللغوية، وهي مرحلة التقليد الصوتي والقدرة على فهم أصوات كلام الراشدين من حوله، وعلى الرغم من أن الرضيع الصغير يمكنه تمييز صوته من أصوات الرضع الآخرين، وذلك كما ذكرنا سابقًا، إلا أن تمييز الأصوات الكلامية تأتي في مرحلة لاحقه وذلك أثناء مرحلة الثرثرة. كما أننا نجد الرضيع عندما يصل إلى شهره العاشر تقريبا يمكنه التمييز والاستجابة بصورة تبيانية لكلمات الراشدين من حوله، كما أن بعض الأطفال الرضع في هذه المرحلة يمكنهم تفهم بعض الكلمات مثل لا، وعلى الرغم من أن هذه الكلمة قد تكون مصحوبة بإشارات أو إيماءات معينة أو تنغيم صوتي معين، ولذلك نجد الرضيع قد يستجيب إلى الموقف ككل وليس إلى الكلمات نفسها، وبنهاية السنة الأولى من عمر الرضيع نجده يمكنه التمييز بين الكلمات وإعادة أو نسخ الكلمات الصوتية اللغوية للآباء والأمهات. الكلام المبكر: وفي نفس الوقت تقريبا نجد الطفل يتكلم بأول كلمات الدالة، مما هو جدير بالذكر، فإنه ليس من السهل دائما تحديد موعد صدور الكلمة الأولى من فم رضيعهم، حيث نجد الآباء دائما ما يكونون شغوفين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 لسماع الكلمات الأولى من فم رضيعهم، وبعد الكلمة الأولى فإن نمو المفردات اللغوية يميل إلى أن يكون سريعا للغاية، وعلى الرغم من أنه من الصعوبة قياس مفردات الطفل الصغير اللغوية، إلا أنه توجد بعض من الاختبارات تتضمن كلمات يعرفها الطفل، إلا أنها قد لا تكون مفيدة بصورة كبيرة، وعموما فإن الطفل عندما يصل عمره إلى عامين عادة ما تصل مفرداته اللغوية إلى 250 كلمة، كما أن طفل السادسة عادة ما يصل محصوله اللغوي إلى 2500 كلمة. كما أن النمو في حجم المفردات اللغوية عادة ما يقارن بكفاءة الطفل النحوية والاتصالية، وفي الحقيقة يوجد بعض الجدل حول كيفية وصف وتفسير ملكة الطفل اللغوية، وأحد هذه الاتجاهات ما دعى إليه كومسكي Chomsky حيث يشير، بما أن البناءات أو التراكيب اللغوية تكون في صورة أولية، فإن القدرة اللغوية تسبق الفهم المعرفي، ويرى جان بياجيه وآخرون يذهبون إلى منحى آخر إذ يشيرون أن البناءات أو التراكيب اللغوية مكتسبة وتشبه في ذلك الكلمات, وعمومًا، هل اللغة تسبق الفكر؟ أو أن الفكر يسبق اللغة؟ وينظر كثير من السيكولوجيين المعاصرين في الوقت الحاضر إلى النمو اللغوي على أنه محاولة تدريجية، أكثر من كونه شيئًا مركبًا يقدم مخططات معرفية للذات والعالم، ويعارضون وجهة نظر كومسكي في أن قواعد النحو والصرف والتراكيب اللغوية والإعراب فطرية أو مشكلة مسبقًا كما يدعي، ولكنها مبادئ تبنى بواسطة الطفل في مجهوده لكي يتقدم ويوصل خبرته إلى الآخرين, وتشير وجهة النظر في هذه أن الأطفال يتعلمون تراكيب الجملة ومبادئ الصرف والنحو بنفس الطريقة التي يتعلمون بها المفاهيم، فإنهم يخبرون استعمال الراشدين لمعاني الكلمات ويحاولون استعمالها في كلامهم. وكلمات الطفل الأولى تشبه عملة تلفظه الأول، عادة ما تكون غير مميزة، وعادة ما تكون الكلمات الأولى شاملة مختلطة بالمعاني، وكذلك باللغة المستخدمة بواسطة الأشخاص الأكبر من حوله, فطفل العالم الواحد الذي يقول: "ماما", قد يعني: "أريد أن آكل يا ماما", أو "احمليني يا ماما", أو "انظر إلى ماما" ... إلخ ومن الخطأ أن تقول أن الطفل يستخدم في ذلك ما يسمى بالجملة الكلمة حيث إنه لم يصل بعد إلى تفهم ماهية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الجملة، ولكن بالأحرى يمكن أن تقول أنه يستخدم ما يسمى بالكلمة الجملة، كما أن استخدامه المتنوع لنفس الكلمة عادة ما تكون محملة بتنغيمات أو طرق أداء مختلفة وتعبيرات وجيهة وهكذا، والتي قد تكون لا شعورية إلى حد كبير ويتعلم الولدان تفسير كلمات وليدهم الأولى بالتأمل إلى المضمون العام لسلوك رضيعهم، والتكلم عمومًا يعتبر صورة من مجهودات الطفل العامة للاتصال بالآخرين من حوله. وكلما تدرج الرضيع في عامه الثاني فإنه ينتقل إلى ما وراء الاستخدام غير المميز للكلمات المفردة لكي يوحدها في كلمتين أو أكثر، ونطق الجملة ذات الكلمتين تعكس مستوى جديدًا من التمييز اللغوي، حيث نرى فيها تطبيقًا لإدراك الطفل لنظام الجملة وإضافة الكلمات وطريقة الأداء والتنغيم نجدها تحمل المعاني كذلك إلا أن نطق الرضيع للجملة ذات الكلمتان تختلف بصورة جوهرية عن تكوينها عند الراشدين، والاستخدام اللغوي في تلك الفترة يسمى بالكلام التلغرافي أو شديد الإيجاز Telegraphic Speech بمعنى أن الطفل عادة ما يهمل أدوات التعريف أو التنكير، والأفعال المساعدة، وحروف العطف الأخرى, وفيما يلي بعض جمل طفل 21 شهرًا من عمره. - ماما كتاب. - أرى ماما. - كتاب ماما. وهذا الكلام شديد الإيجاز يمكن أن يفهم بواسطة الكبار من حول الطفل، بشرط أن يدركوا تلميحات ومشعرات الطفل الأخرى أثناء كلامه, وسنورد هنا تسجيلا فعليًا في كيفية استجابة أم لحديث وليدها شديد الإيجاز. الطفل الأم ماما سندوتش أريد سندوتش يا ماما جلس الأرض أنه جلس على الأرض ماما عصير ماما عملت عصير برتقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 والحقيقة فإننا نرى الطفل الصغير يحاول أن يستخدم اللغة لكي يتعامل مع الأفكار أو يوصلها، وهذه تعكس مظهرًا أو جانبًا آخر من اللغة المبكرة للطفل، وتسمى بالتكرارية Repetition, وهناك أنواع عديدة من الأحداث يمكن أن تسهم في النمو اللغوي المبكر نوجزها فيما يلي: - النضج ونمو جهاز الكلام والذي يمكن الأطفال من إنتاج الأصوات الأكثر ضبطا ودقة. - النمو المعرفي للطفل والذي عن طريقه يستطيع أن يكون جوانب تصوره لذاته وللعالم. - التعرف على أن كلمات الطفل يمكن أن ترمز إلى جوانب من خبراته ومفاهيمه. - التصور المطرد للغة نفسها ومجهود الطفل المستمر لربط المفاهيم اللغوية بتلك التي تشتق من العالم المحيط به وكذلك من نفسه ولقد سمى Elkind؛ "1976" هذا المجهود بالتعلم الفطري أو المتضمن Connative Learning، وعموما فإن الطفل يبدأ في تفهم اللغة في نفس الوقت الذي يكشف فيه ذاته والعالم المحيط به, ويحاول أن يربط اللغة والفكر معا، وفي نفس الوقت يطور ويوسع ويتقن استخدام كل منهما بصورة منفصلة. وقبل أن نختم هذا الجزء، يجب أن نشير إلى ما يسمى باللغة التقبلية أو الحسية Receptive Language، فهي تسبق الكلام كما أن الطفل يفهم اللغة قبل أن يتمكن من التكلم بها، وللأسف لأن هذا المجال يعتبر مجالا بكرًا ولم تجرِ فيه دراسات يعتد بها كما يشير Elkind إلى ذلك ويجب أن تتوفر لدينا معلومات أكثر لما يسمى باللغة الحسية أو التقبلية لتكمل التفهم للنمو السريع للمحصول اللغوي عن الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 خامسا: العمليات المعرفية على الرغم من أن اللغة في جوهرها عملية معرفية، ويمكن أن تدرج تحت هذا العنوان، إلا أنني أردت التعامل معها بالصورة التقليدية، ولذلك فضلت مناقشتها منفصلة، وعمومًا سوف نناقش في هذا المجال، الانتباه، والتعلم، و حل المشكلة ، والتفكير الاستدلالي Reasoning, وجميع هذه العمليات يمكن ملاحظتها لدى الأطفال الصغار يستخدمونها كبشائر أو مواد تشكل منها فيما بعد الأشكال المعرفية الأكثر تقدما. التوجيه والانتباه والتعود: تعتبر هذه الأنماط السلوكية في طرق معينة جوانب معرفية منظمة للإدراك وبصورة عامة فإن التوجيه Orientation يعني التحرك في اتجاه حدوث مثير فجائي، فالاستجابة المروعة لصوت فجائي غير متوقع يعتبر توجيهًا غير مميز، وعندما يكون المثير عاديًا نجد الطفل ما يلتفت أو يحول انتباهه إلى اتجاه هذا المثير كأن ينظر إلى مصدر الصوت أو يلتفت إلى المنظر الجديد, ويسمى هذا بالتوجيه الانعكاسي Orientiong Reflex أو الاستجابة الانعكاسية، فإذا أراد الطفل الصغير نفسه لكي ينظر إلى أمه نتيجة سمعه صوتها فإن ذلك يعتبر استجابة انعكاسية. والانتباه هو تركيز انتقائي لجانب معين من مجال المثير، فعالم الطفل ليس أقل من عالم الكبار مملوء بجميع أنواع الاستثارة، ففي دار الحضانة مثلا، عادة ما تكون جدرانها مملوءة بالصور وسريره مليء بدمى أو أشياء متحركة عليه، كما توجد الأصوات المعتادة لأهل المنزل، وسيلان المياه في الحمام، وفتح الأبواب وغلقها ورنين التليفون، بالإضافة إلى الأصوات الإنسانية التي يستمع إليها، فالعمليات الانتباهية تسمح للطفل بأن يركز انتباهه انتقائيا على جانب واحد دون آخر من مجال المثير، وبالتالي يستخلص المعلومات والبيانات من هذا الجانب. والتعويد Habituation يشكل تكملة للاستجابة أو التوجيه الانعكاسي، فعندما يكون المثير جديدا، عادة ما يستجيب الطفل إليه استجابة انعكاسية، ولكن إذا كان المثير متكررا فإن الاستجابة الانعكاسية سوف تضعف وتقل، فمثلا إذا وضع فرد ما شيئًا متحركًا على سرير الطفل، فإن الطفل حينئذ سيولي ذلك انتباهًا عاليًا، ولكن بعد عدة أيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 نجد الطفل ينظر إلى هذا الشيء بين الفينة والأخرى, أو نادرًا ما ينظر إليها، وتسمى هذه العملية بالتعويد، ونستطيع أن نلاحظ أطفال ما قبل المدرسة أو الحضانة فالدمية الجديدة عادة ما تشغل بالهم كثيرًا، بحيث يبدو أنهم ليس لديهم وقتًا ليأكلوا أو يفعلوا أي شيء آخر, ولكن بعد مرور عدة أيام، فإن الدمية تلك قد ترقد مهملة على الأرض وهذه نتيجة عملية التعويد. وعمومًا فالتوجيه والانتباه والتعود عمليات مهمة كمصاحبات لعملية النمو والتعلم، وفي ذلك يشير بوميرلو Pomerleau وآخرون "1973" أنه في مجال مثيرات الرؤيا المتكررة يصبح التعود أكثر سرعة كلما نمى الطفل، خاصة بعد ثلاثة أشهر الأولى من حياته، ويستطرد بوميرلو أن هذه العمليات الثلاثة ليست مجرد عمليات انعكاسية بسيطة ولكنها تعزى لمستوى نشاط استخدمت لكي تحدد تأثير سوء التغذية على الرضع، ويشير ميلر Miller؛ "1972" إلى ذلك بأن هذه العمليات الثلاثة قد استخدمت لكي تحدد تأثير سوء التغذية على الرضيع، فالرضع الذين كانوا تحت تأثير تغذية قصيرة كان من الصعب استثارة تلك العمليات لديهم، حيث إنها تتطلب مثيرات أكبر لكي تثير عمليات التوجيه والانتباه والتعود, وذلك إذا ما قورنوا بالرضع الذين كانت لديهم تغذية جيدة. التعلم: يمكن تعريف التعلم بمفهومه العام بأنه عبارة عن حدوث تعديلات أو تغيرات في الأنماط السلوكية أو الفكرية والتي يمكن ألا تعزى إلى الخبرة أو النمو والنضج ... ومن ناحية أخرى فإن التعلم ليس مستقلا بصورة كلية عن النضج والنمو حيث إنهما يجعلان من الممكن تعلم نماذج جديدة في مستويات عمرية متقدمة, والتعلم يميل إلى أن يحدث خلال فترات قصيرة من الوقت بصورة نسبية, في حين أن النمو والنضج تميل إلى أن تحدث خلال فترات طويلة إلى حد ما, وعمومًا فأنواع التعلم والتي يمكن أن يشرع فيها الطفل تعتمد على كل من النمو والنضج, إلا أنه في أي حالة أو نمط تعلم معين فالنتيجة غالبًا ما تكون مجتمعة كوظيفة للخبرة. وربما يكون الشكل البسيط من التعلم هو الإشراط الكلاسيكي Classical Conditioning ويشير ليبست Lipestt أن الأطفال الرضع يمكن أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 يتعلموا بالإشراط الكلاسيكي أثناء أشهر حياتهم الأولى، ففي إحدى دراساته على أطفال رضع لا يتجاوز أعمارهم أياما معدودات استطاعوا التعلم بالإشراط وذلك بإعطاء استجابة المص لنغمة موسيقية معينة "1964". ويعتقد بعض علماء النفس بوجود توال محتوم في النماذج الحسية التي تكون موضوعات للإشراط الكلاسيكي, ويشير كاساتكن Kasatkin؛ "1972" أحد الباحثين الروس أن الحاسة الأولى التي يمكن أن تكون موضوعًا للإشراط الكلاسيكي هي حاسة السمع والنظام الدهليزي الذي يرتبط بحركة جسم الرضيع، ويأتي بعد ذلك اللمس ثم الشم والتذوق والرؤيا على التوالي, وتشير بعض الدراسات الأمريكية التي قام بها كوخ Coch؛ "1968" أنه على الرغم من وجود توالي في الأنماط الحسية والتي يمكن أن يكون سلوك الطفل فيها إشراطيًا، إلا أن نظام الاستجابة قد يحدد بصورة كبيرة عن طريق الاستجابة غير الشرطية، كما هو عن طريق نموذج معين, وعمومًا فإننا يجب أن نشير في هذا المقام أن وجود نظام "سواء بمثيرات شرطية أو استجابات شرطية" يوضح العلاقة بين النمو والتعلم, فالنمو يحدد بناءات وأنواع التعلم, في حين أن التعلم يحدد المحتويات ومضامين الاستجابة المكتسبة. ويستطرد كوخ Coch؛ "1968" أن دراسات الإشراط عند الأطفال تشير أن هذا التعلم يصبح أسهل كلما تقدم الطفل في عمره الزمني، ففي إحدى دراساته حيث كان المثير الشرطي دمية تعمل ضجة وأصواتًا، وكان المثير غير الشرطي وجه الأم وصوتها, وتشير النتائج أن الرضع الأكبر "5 شهور" قد أظهروا استجابات صحيحة "التفات الرأس" في وقت أقصر مما فعله الرضع الذين كانوا أصغر سنًا "شهران" وهذا التحسن مع تقدم العمر الزمني قد يعزى إلى الخبرة المتراكمة, بالإضافة إلى النمو الأكثر ونضج الجهاز العصبي. وشكل رئيسي آخر من التعلم هو التعلم الإجرائي Oprant Learning فكثير من سلوك الرضع عادة ما يكون عفويًا تلقائيًا بسبب عدم قدرتنا على التعرف على أي من المثيرات الشرطية قد كانت سببًا له، فبعض سلوك الرضع يمكن أن يسمى بالسلوك الوسيلي Lnsrtulmental بمعنى أنه يخدم بعض الأغراض أو الأهداف. فالرضيع يصيح لكي يجذب انتباه أبويه، أو للنظر إلى الأحداث المشوقة في البيئة وهكذا, وبمجرد أن تحدث الاستجابة الوسيلية فإنها تتكرر فقط إذا حصلت على تدعيم، فإذا تعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الطفل أن أمه سوف تحضر عندما يصيح، نجده يصدر الصيحات عندما يريد جذب الانتباه إليه, وبصورة مماثلة فإن الرضيع سوف يستمر في النظر إلى الأشياء غير المألوفة ما دامت تمده أو توفر له استكشاف مثيرات جديدة, ومما هو جدير بالذكر فإن التعلم الإجرائي صورة من التعلم يستخدم بواسطة الأفراد في كل الأعمار الزمنية. ويشير "سامروف" Sameroff؛ "1971" أنه عندما نريد أن ننظم التعلم الإجرائي يمكن أن نستخدم وسيلة الإشراط الإجرائي Operant Conditioning أو بصورة أعم عملية تعديل السلوك فعن طريق اختيار المجرب السلوك الذي يؤديه الرضيع بعفوية أو تلقيائية، ويحاول أن يعدله أو يشكله وذلك بواسطة التدعيم الانتقائي، فمثلا يمكن أن يجعل الرضيع يغير سلوك المص لديه عن طرق تدعيم الاستجابة بإعطاء اللبن بين الفينة والفينة, أو بمحلول سكر العنب، كما أن نتائج دراسات أخرى تشير إلى أنه عندما يربت الكبار على طفل الرابعة أشهر، يكون أسرع في نطق الألفاظ، كما أن كثيرًا من الأطفال الصغار ذوي العام الواحد قد عدلوا من أنماط سلوكهم عند عرض ضوء مشوق مرئي لهم. ويشير "براكبلي" Brackbilly؛ "1958" أننا يمكن أن نستخدم الإشراط الإجرائي في تقليل مدى تكرار السلوك غير المرغوب فيه وذلك بعدم تقديم التدعيم الذي عادة ما يتبع الاستجابة, ففي إحدى دراساته عندما كانت ابتسامة الرضيع لا تدعم بواسطة الابتسامة العادية للكبار من حوله أو الانتهاج لهم، وجد أن الأطفال الرضع كانت معدلات ابتساماتهم أقل، وتسمى هذه الظاهرة بالانطفاء Extinction وعمومًا فإن دراسات عديدة أشارت إلى أن التعلم الإجزائي نمط شائع بين الرضع وبين الأطفال الصغار، وبالتالي يجب أن يستخدم على نحو ملائم ومناسب بواسطة الوالدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 حل المشكلة : صورة من التعلم والذي يكون على المرء فيه أن يتغلب على بعض العقبات أو العوائق لكي يصل إلى هدف مرغوب فيه، ويستخدم الأفراد عادة للوصول إلى هذه الغاية تخطيطات أو تدابير مختلفة، وتكون أحيانا بسيطة كالمحاولة والخطأ Trial & Error ويستخدم هذا النمط في حالة محاولتنا إصلاح آلة أو جهاز ما لا نفهم أجزاءه أو تركيباته، فالولع لإصلاح راديو معطل أو ساعة, ما هو في الحقيقة إلا أسلوب للمحاولة أو الخطأ، وتحل المشكلة أحيانا بواسطة الاستبصار Lnsight وقد يكون الحل تصنيفيًا أو ترتيبيًا حيث يتضمن تكوينات مفترضة وكذلك اختبار للافتراضات. وكما نتوقع، فإن حل المشكلة بين الأطفال الصغار عادة ما تكون في صورة أولية غير متطورة، ولكن من الممكن أن نلاحظ أشكالا مبكرة من التعلم بالمحاولة والخطأ، وكذلك بالاستبصار واختبار الفروض، ففي إحدى دراسات بابوسيك Papousek؛ "1967" صمم جهاز يوجب على الرضيع أن يتعلم تحريك رأسه إلى اليمين أو إلى اليسار لكي يحصل على اللبن، ويشير رنين الجر أن اللبن سوف يأتيه من على اليسار، ويومئ الطنين أن اللبن سيأتيه من اليمين, وعندما تعلم الرضيع أن يدير رأسه صحيحًا إلى الجرس عكس هذا الإشراط. ولقد أنتجت المعكوسية Reversal في التجربة السابقة مشكلة للرضيع يجب عليه حلها، ولاحظ المجرب أن الرضع قد حولوا رءوسهم في اتجاهات يمكن إيجازها فيما يلي: 1- يتوقع أن يأتي اللبن من الجانب الذي قدم منه في المحاولة السابقة. 2- كان يتوقع تقديم اللبن من الجانب الذي كان يقدم منه بصورة مألوفة في المحاولتين السابقتين الأخيرتين. 3- كان يتوقع تقديم اللبن بصورة متعاقبة "من اليسار ثم من اليمين والعكس بالعكس". 4- كان الحل في أن يدبر دائمًا إلى جانب معين وأن تصحح الاستجابة إذا لم يقدم اللبن بصورة فورية من هذا الجانب. ويشير بابوسيك أن جميع الأطفال الرضع لم يستخدموا خططًا أو تدابيرًا Strategies نظامية ترتيبية، حيث إن البعض قد استخدم العشوائية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وكذلك المحاولة والخطأ العشوائي، وبالتالي كان اختلاف الرضع في حل المشكلة واضحًا ظاهرًا في هذا العمر المبكر، ومنذ ثلاثة أشهر الأولى وصاعدًا أظهر بعض الرضع منحى ترتيبيًا منظمًا لحل المشكل في هذا الموقف التعليمي البسيط. ويستطرد بابوسيك أنه في مهام أكثر تركيبًا وتعقيدًا، لم يظهر أسلوب حل المشكلة بصورة نظامية ترتيبية إلا في عمر متأخر, وهذا يعكس مرة أخرى التفاعل بين النمو والتعلم, ففي إحدى الدراسات أعطي لأطفال يتراوح أعمارهم ما بين 12-24 شهرًا مهمة الحصول على دمية محببة إليهم ولم تكن في متناول أيديهم، ولكي يحصلوا عليها يجب عليهم تحريك رافعة معينة وعند دورانها حينئذ يحصلون على هذه الدمية, أشارت النتائج أن الأطفال الأكبر سنا أمكنهم الحصول على الدمية عن طريق تشغيل الرافعة بمعدل أكبر من الأطفال الأصغر سنًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 سادسًا: التفكير يعتبر التفكير في جانب من جوانبه تعلمًا حيث يسمح لنا من استخلاص المعلومات والبيانات الجديدة من أخرى متواجدة حاضرة وذلك بتطبيق واستخدام قواعد ومبادئ معينة, فمثلا إذا عرفنا أن كل الحلوى حلوة المذاق، وأن هذه الكرة المستديرة قطعة من الحلوى يمكن أن نستنتج حينئذ أنها حلوة المذاق دون أن نتذوقها، وهذا التفكير الذي ينتقل من العام إلى الخاص يسمى بالتفكير الاستدلالي Deductive Reasoning, وفي حالة تذوقنا عددًا من قطع الحلوى نستخدم ما يسمى بالتفكير الاستقرائي Lnductive حيث انتقلنا من الخاص إلى العام. والتفهم الذي لدينا اليوم عن نمو التفكير لدى الرضع والأطفال يرجع في جزء كبير منه إلى الأعمال البارزة الهامة للسيكولوجي السويسري الشهير جان بياجه Jean piaget فلقد أصبحت دراساته على أولاده الثلاثة في سنتيهم الأوليين، أصبحت من الدراسات الكلاسيكية فيما كتب في علم النفس الطفل وكانت كذلك من العوامل الرئيسية في إجراء العدد الهائل من الدراسات النفسية على الرضع منذ عام 1960، ووجهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 نظر بياجيه في الذكاء الإنساني، خاصة التفكير يشير إلى أنه يبدأ عند الرضع مبكرًا فيما يسمى بالمرحلة الحسية الحركية Sensorimotor، ويستطرد بياجيه بأنها تكون كافية وتساعد على ربط الرضيع في تعامله مع العالم المحيط به. ويسمى "بياجيه" العامين الأولين من حياة الرضيع بالفترة الحسية الحركية مشيرًا إلى وجود ثمة تغيرات في تلك الفترة تبدأ من الحركة وصاعدا أظهر بعض الرضع منحى ترتيبيًا منظمًا لحل المشكلة في هذا الموقف الانعكاسي إلى التفكير الواقعي, ويستطرد "بياجيه" أن الرضيع يستطيع التفكير إن تمكنا نحن من توفير الخبرات العقلية له، وهي الأفعال البسيطة التي تندرج على مقياس صغير بسيط قبل أن يؤديها بالفعل, ولقد استطاع "بياجيه" التعرف على مراحل معينة تميز نمو تفكير الأطفال الرضع. فأثناء المرحلة الأولى والتي تبدأ منذ الميلاد حتى نهاية الشهرين الأولين، نرى الرضيع خلالها يغير ويعدل أفعالا انعكاسية معينة، وكما أشرنا سابقًا أن الوليد يمتلك من النماذج الانعكاسية، والتي يمكن أن تظهر بواسطة بعض من المثيرات المناسبة، وهذا التعديل والتغيرات يتضمن فيما نراه في تكييف الرضيع لفمه لشكل وحجم حلمة ثدي الأم أو الرضاعة ويطلق "بياجيه" على هذه العمليت التكيفية ما يسمى بالمواءمة Accomodation. وبمرور الوقت والتدريب نرى الرضيع يتعلم التمييز بين أشياء مختلفة تكون قابلة للامتصاص أو الرضاعة، حيث نجده يمتص بقوة وبنشاط حلمة الثدي أو الرضاعة حيث تدر له اللبن، إلا أنه يرفض أصبع الراشد الذي لا يوفر له ذلك, وهذا الرفض أو القبول لمثيرات البيئة تبعًا لحاجات الرضيع الخاصة يسميه "بياجيه" بعملية التمثل assimilation, ويشير إلى أن كلا من عملية المواءمة والتمثل ما هي إلا صيغ يتفاعل بواسطتها الرضيع مع الواقع ويتكيف له بمستويات مختلفة من النمو. ويتعلم الرضيع أثناء الفترة الأولى من المرحلة الحسية الحركية في استعمال انعكاساته لأغراض جديدة، فالرضاعة مثلا يمكن أن تستخدم للتعرف على الموضوعات التي يمكن أن تمتص والأخرى التي لا يمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 امتصاصها بالإضافة إلى تصنيف تلك الموضوعات, كما أن الرضيع يميز كذلك بين الموضوعات التي يمكن أن تمتص في أوقات مختلفة، وبين امتصاص المواد الغذائية وغير الغذائية، فالرضيع المشبع الذي يرفض حلمة ثدي أمه، قد يتقبل مع ذلك امتصاص أصبعه أو السكاتة "وهي حلمة يلهو بها الطفل". ومنذ الشهر الثاني إلى الشهر الرابع يبدأ الرضيع في توحيد أفعاله الانعكاسية المتبدلة في طرق مختلفة متنوعة، ويطلق عليها "بياجيه" بالمخططات Schmes وتعزى الاتحادات الأولى إلى ما يسميه "بياجيه" بردود الفعل الدائرية Serculotor Reactons فعند حدوث تتابع لمخططات معينة بطريقة الصدفة، قد يضع الرضيع إبهامه داخل فمه ويرضعه، ويجد ذلك ممتعًا أو سارًا إليه، فإن سقط إبهامه خارج فمه، سوف يحاول أن يضعه في فمه مرة أخرى, وتناسق مخططات الرضاعة بمخطط حركة الإبهام بشكل نظام عال لمخطط امتصاص داخل الفم يؤدي إلى الامتصاص والرضاعة والذي يؤدي إلى وضع الإبهام داخل الفم حيث يؤدي إلى الامتصاص "الرضاعة", وهكذا. وعلى الرغم من أن رد الفعل الدائري يعتبر خطوة أعلى من الفعل المنعكس، إلا أن له دلالة معرفية قليلة، إذ تعتبر بطريقة ما اتساع اتفاقي بصورة عالية والذي يؤدي إلى حدوث المتعة أو الراحة, فالرضيع لا يكون مهتمًا بإبهامه سوى لأنه موضوع للامتصاص. ويشير "بياجيه" بأن الرضيع أجرى نوعًا من التمثل الوظيفي للموضوع إلى الذت, وأما التمثل المعرفي فهو التعرف على الموضوع بسبب صفاته المميزة والتي ستأتي فيما بعد. ومن الشهر الرابع حتى الشهر الثامن يدخل الرضيع في المرحلة الثالثة من الفترة الحسية الحركية ويبدي الرضيع ما يسميه "بياجيه" بردود الفعل الدائرية الثانوية Tertiary Circular Reactions وهذا يعني أن ردود الفعل الدائرية الأولية تتضمن فقط مخططات جسمية، قد اتسعت لتتضمن أحداثا وموضوعات خارجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ويشير "بياجيه" إلى ذلك بقوله، عندما كان ابنه يرفس برجليه وضرب الدمية بطريق الصدفة التي كانت معلقة على سريره، ويستطرد بأن ولده قد حصل على نفس القدر من المتعة بمشاهدة الدمية تتحرك وهذا معادل للمتعة التي يحصل عليها عند امتصاصه لإبهامه, وهكذا فإنه يرفس بقدميه مرة أخرى لكي تتحرك الدمية مرة أخرى. وهنا نجد أن فعل الرفس قد نشطت، والتي نشطت بدورها النظر إلى المخطط، وهذا بالتالي أدى إلى تعزيز الرفس وهكذا, وكان "بياجيه" مهتمًا في ملاحظاته للتأكد أن رفسات ولده ليست مجرد إثارة أو اهتياج عشوائي بسيط عندما ينظر إلى الدمية، ولكنها استجابة انتقائية موجهة, ويمكن للفرد أن يلاحظ أثناء هذه المرحلة بدايات الأفعال المقصودة المتعمدة. وإحضار الموضوعات أو جذبها داخل نطاق حركة الرضيع عن طرق ردود الفعل الدائرية الثانوية، تؤدي إلى مواءمة نفسه إلى تلك الموضوعات وصفاتها المميزة، بالإضافة إلى أنه يكون على دراية بالاختلاف بين الذت والموضوعات, وجدير بالذكر فإن ردود، الفعل الثانوية تلك ما تزال محدودة حيث إنها لا تعكس مفاهيم الواقع، وبالتالي فإذا اكتشف الرضيع استبصارًا مشوقًا يكون ذلك مصادفة وفوق ذلك فإنه لا يستطيع أن يبتكر أحداثًا مشوقة. وأثناء الشهور الأخيرة من السنة الأولى وهي المرحلة الرابعة عند "بياجيه" يبدأ الأطفال في تنسيق مخططاتهم المكتسبة السابقة لكي يحصلون على أهدافهم الخاصة، ويعني ذلك أن مقاصدهم في هذه المرحلة تبدأ في أن يكون لها السبق على أفعالهم، ولا تكون تابعة لها كما في الشهور السابقة، ففي هذا السن يبدأ الطفل في أن يزيل العوائق والصعاب حتى يحصل الموضوعات التي يرغب فيها، فمثلا نجد الرضيع يتحرك لكي يحصل على الساعة الموضوعة تحت الوسادة، فالرضيع في فعله هذا نجده يجري تنسيقا بين مجال ما شاهده وبين جذبه للوسادة وكذلك بين مخطط القبض والإمساك بما يريد أن يحصل عليه. وجدير بالذكر فإن تناسق المخططات تجعل من الممكن أداء أنماط ومستويات سلوكية جديدة، وقد تكون المحاكاة أهم هذه الأنماط، فأثناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الشهور الأخيرة من السنة الأولى يبدأ الطفل في محاكاة الأفعال التي يؤديها الكبار، والواقع أن الطفل عندما يحرك الوسادة التي وضعت بواسطة الكبار داخل الأسرة، يعتبر هذا السلوك نوعًا من المحاكاة العكسية ومن وجهة نظر بياجيه أن المحاكاة تومئ إلى مستوى جديدًا من النشاط العقلي، ويسبق وجود أي نوع من النشاطات الأخرى بما فيها اللغة. وفي بداية السنة الثانية، يظهر الطفل ما يسميه بياجيه بردود الفعل ذات الصورة الثالثة Tertiary Circular Reactions وهي تميز المرحلة الخامسة في الفترة الحسية الحركية, ويبدأ الأطفال في تلك المرحلة توجيه مقاصدهم وبحثهم عن الأشياء كما يبتكرون أشياء جديدة غير مألوفة, فقط مجرد التكرار بعد اكتشافها عن طريق الصدفة كما كانوا فيما سبق، فالطفل في ذلك الوقت يسير بصورة نشطة الموضوعات لكي يكتشف خصائصها وسماتها, وبهذه الطريقة يبدأ الطفل في أن يرى نفسه كوسيلة مسببة كما أنه يتمسك بمفاهيم معينة للسبب والنتيجة. ورد الفعل الدائري ذو الصورة الثالثة نشاهده عند ملاحظة الطفل بعض الأشياء خارج سريره، ويتضمن رد الفعل التمسك أو التعلق بالأشياء أو تحريره لمخططات الرؤية والمشي، وكذلك للمخطط السمعي لسماعه صوت الشيء يرتطم بالأرض, وبعد أن يكون هذا الشيء قد استرد "وغالبًا ما يكون بواسطة الآباء" نجد الطفل يكرر هذه العملية حيث يسقط أشياء أخرى "لكي يرى ما الذي سيحدث لها" أو أن يسقط نفس الشيء من ارتفاع مختلف وبقوة مختلفة حتى يرى كيفية تأثير هذا التنوع على الشيء. وعمومًا فإن ردود الفعل ذات الصورة الثالثة تمكن الأطفال من تعلم أن التغير في سلوكهم يمكن أن ينتج تغيرًا مساويًا مع التغير في الأحداث الخارجية، كما يبدءون تفهم أن بإمكانهم التعامل والتحكم في بعض عناصر بيئاتهم بواسطة أفعالهم الخاصة، ويتعلمون كذلك أن سلوكهم يمكن أن يضبط بواسطة الآخرين "وقد يرجع ذلك لكونهم يسيرون بخطى قصيرة قلقة ويقعون في ضرر أو أذى", كما يتعلمون بالإضافة أن بعض الأشياء غير المألوفة التي يؤدونها لا تسبب رضا الوالدين. وأثناء منتصف السنة الثانية يظهر الأطفال ما يسميه بياجيه ببدايات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 التفكير مميزة للمرحلة السادسة والأخيرة من الفترة الحسية الحركية, وفي هذا الوقت يؤدي الأطفال ما يسميه بياجيه بالاختيارات العقلية بمعنى أنهم يجربون أفعالا معينة، في رءوسهم قبل أن يجرونها في الواقع فإذا أراد الطفل في تلك المرحلة أن يحل مشكلة ما إلا أنه لا يستطيع ذلك عن طريق المحاولة والخطأ، فإنه قد يستعمل مخططًا آخر قد تعلمه في أنشطة مختلفة. والأطفال في ذلك يفعلون ما كان يفعله قرد كوهلر داخل القفص في ربطه اثنان من عصا الخيرزان واستعمالهما كعصى طويلة للوصول إلى ما بخارج القفص أو لإحضار الموز قريبًا منه. ويصف لنا بياجيه هذه المرحلة بمحاولات ابنته في تحريك سلسلة جميلة من صندوق مفتوح جزئيًا بحيث استطاعت أن ترى منه السلسلة إلا أنها لم تستطع أن تدخل يدها من خلال فتحة الصندوق الصغيرة لتحصل عليها, وفي محاولة حل هذه المشكلة فإنها قد استخدمت المخطط الذي كان ذو فعالية فيما مضى، وذلك بمحاولة وضع أصابعها داخل الصندوق لتحصل على ما تريد ولكن ذلك لم يجد, وعندما كانت تتأمل وتفكر في المشكلة, لاحظ أنها تفتح وتغلق فمها، وكل مرة كانت أوسع قليلا منها وأخذت السلسلة الموجودة بداخله، ويمكن أن نشير أن حركات الفهم والعينان كانت كنوع من الأفعال التمهيدية الاستكشافية التي يمكن أن تكون ذات جدوى في التأمل إلى الصندوق. ويشير بياجيه أن الاختبارات العقلية في تلك المرحلة لا تستفيد من اللغة ويرجع ذلك إلى أن لغة الطفل في هذا السن لا تكون متقدمة بصورة كافية حتى تمكنه من وصف المشكلة لفظيًا وعلى الرغم من أن الطفل يمكن أن يقلب الأشياء وأن يوصل رغباته إلا أن لغته تنغمر في مضمون من الإشارات والإيماءات والتنغيمات, وعمومًا فالاختيار العقلي يعتبر بدايات الفكر والتفكير التي تسبق أداء فعل معين. وشكل التفكير الذي يكون ميسرًا لطفل العامين عادة ما يكون محدودًا للغاية، حيث يتعامل وفقًا لمبدأ هنا والآن Here & Now بالإضافة إلى العلاقات بين الأشياء وحيث إن التفكير يكون محدودًا بأنواع الأفعال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الصغيرة التي يمكن أن يؤديها الطفل، فإنه يتعامل مع وظائف الأشياء وليس مع نوعياتها وصفاتها, وجدير بالذكر، فإن الطفل عندما يصل إلى سن السادسة أو السابعة يستطيع أن يتصور خصائص وصفات الأشياء بالإضافة إلى وظائفها وهذا ما سنشير إليه فيما بعد. ومع بداية المرحلة الحسية الحركية، نجد الطفل يستطيع تعديل وتبديل انعكاساته، إلا أن ذلك يتم عن طريق التمييز المتطور وتكمل المخططات Schemes، وبالتالي يمكن الطفل أن يستشكف بترو وتأن وسائل جديدة للحصول على أهدافه وغاياته المرغوب فيها, وجدير بالذكر فإن انبثاق القدرات المعرفية يسير جنبا إلى جنب مع بناء الطفل لمفاهيم أساسية عن العالم والموضوعات، وكذلك عن السببية والزمان والمكان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 المفاهيم الرئيسية لطفل العامين : أشارت ملاحظات بياجيه أن الرضيع الصغير لا يمكنه التميز بين العالم وبين ذاته, فمن وجهة نظر الرضيع لا يوجد اختلاف بين اختفاء وجهة الأم سواء كان بسبب تحريك رأسها أو خروجها من الحجرة, وأثناء الشهرين الأولين نجد الرضيع يوقف النظر إلى الأشياء عندما تتحرك خارج مجال رؤيته وينظر إلى أشياء أخرى بدلا منها، ولقد لاحظ Peter Wolff أن الرضيع عندما ينظر إلى وجه الراشد نجده يبكي عند اختفاء هذا الوجه، ولا ينظر إلى أن يعود هذا الوجه إلى الظهور مرة أخرى, والصياح في هذه الحالة يومئ إلى أن بعض الأشياء السارة قد ذهبت ولن تعود, وأثناء المرحلة الحسية الحركية الأولى، نرى الرضيع لديه مفهوم بدائي أولي عن السببية والفراغ والزمان, فالسببية عنده لا تكون أكثر من الدراية بالتغيرات المتعاقبة في حالة وجودها والمكان عادة ما يكون محدودًا بوعيه بجسمه وبيئته القريبة أو الحالية. وأثناء مرحلة ردود الفعل الأولية الدائرية, يبدي الطفل ما يسمى بالتوقعات السلبية، ففي نهاية الشهر الثاني نجده يحملق في المكان الذي اختفى فيه الموضوع "خاصة الأم" كما لو أنه في انتظار عودتها من جديد، الرضيع في هذه المرحلة لا يبحث عن الشيء بنشاط أو بفاعلية، فإذا كان يمتص سكاتته، وسقطت منه على الأرض، فإنه قد يستمر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الامتصاص كما لو أنه في انتظارها لكي تعود مرة أخرى، والحقيقة فإنه في هذا السن لا يبحث عنها، وهذا التوقع السلبي يوسع من إحساس الطفل بالسببية إلى حد ما، بمعنى أنه يبدأ في أن يفصل الموضوع عن حركته, وبطريقة مماثلة يبدأ الرضيع في تفهم المكان بصورة أفضل كلما أمكنه التمييز بين الأشياء وارتباطاتهم بالجسم، كما يشير الزمان إلى المدى الذي يتوقع فيه الرضيع حدوث الشيء مرة أخرى، ونستطيع أن نستدل على مفاهيم الطفل الرضيع للمكان والزمان من خلال حركاته فقط. وأثناء الأربعة أشهر التالية في مرحلة ردود الفعل الدائرية الثانوية نرى الرضيع يبدأ في استخدام مسار الأشياء والموضوعات، ينظر إليها ويبحث عنها في مكانها المتوقع, وعادة ما يحدث ذلك عندما يسقط الطفل بشيء. أو يرمي بشيء ما بنفسه، وفي ذلك الوقت ترى الأطفال ينظرون إلى الأشياء أو يبحثون عن الموضوعات المخبأة أو المختفية عن أنظارهم، فعندما تعطى "شخشيخة" الطفل جزئيًا بغطاء سريره، نجده يدفع الغطاء عنها ويسحبها، ولكن إذا غطت اللعبة بكاملها فإن الطفل في هذا السن لن يبحث عنها. ويستطيع الطفل في هذه المرحلة إجراء التمييز الدقيق بين الشيء وحركته، ويمكنه تفهم وجود الارتباط بين حركاته وبين ما يحدث للشيء أو الموضوع، كما أن العلاقات المكانية تصبح محددة بصورة أدق, فعندما يتمكن الطفل من التوصل إلى الشيء المختفي نسبيًا عنه نراه يبدأ في إدراك مفهوم "فوق" و"تحت" كما أن ملاحظته لسقوط الأشياء يسهم كذلك في مفهومه "فوق" و"أسفل" ويبدأ الطفل أيضًا في إدراك فترات الزمن وذلك عندما يرمي بشيء ما ويتوقع سماع صوت الشيء وأن يرى النتيجة بصورة فورية. وخلال 8-12 شهرًا نجد الطفل يبحث عن الأشياء التي تكون مختلفة بصورة كاملة عن ناظريه، فعندما خبأ بياجيه قطعة حلوى بين يديه، وجد أن طفله حاول أن يفتح قبضة يده لكي يحصل على الحلوى، ولكن عندما وضع بياجيه القبعة فوق الحلوى، لم يستطع الطفل العثور عليها حيث استمر في النظر إلى أيدي أبوه غير قادر على التعامل مع مبدأ الإزاحة أو الإحلال المزدوج Displacement وعلى الرغم من أن الطفل بدأ في تفهم أن الموضوعات أو الأشياء يمكن أن توجد على الرغم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 من عدم قدرته على رؤيتها، إلا أن خبرته كانت محددة بمكان واحد، حيث لم يتمكن من تفهم بإمكانية وجود الحلوى خارج مجال رؤيته في أي مكان آخر. ومفاهيم الطفل عن المكان والزمان والسببية جميعها تتحسن بصورة متممة بعضها البعض أثناء تلك الفترة حيث نجد أن حركة الطفل تؤدي به إلى البحث عن الأشياء والموضوعات المرغوب فيها، ويفهم العلاقات الوسيلية التي يستخدمها للحصول على غاياته وأهدافه، ويتميز مفهوم المكان بصورة أكبر كلما بدأ الطفل التعرف على أماكن وأزمنة مختلفة، ويتميز المكان بما يمكن أن يؤدي فيه أو ما يتضمن عليه، كما يعزر مفهوم الزمان بصورة أكبر كلما استطاع الطفل التمييز بين الفترات الفاصلة المتطلبة لأحداث أفعال معينة، وأثناء النصف الأخير من السنة الثانية نجد الطفل ينظر إلى الموضوعات والأشياء المخفاة أو المستبدلة فمثلا ينظر إلى الحلوى داخل الأيدي أو الحلوى التي وضعت تحت شيء من الأشياء. وحقيقة أن الطفل يمكنه البحث عن موضوع ازدواجي مستبدل يشير إلى نهاية الفترة الحسية الحركية من حياة الطفل، فالطفل الآن يفهم أن الموضوعات والأشياء لها استمرارية إلى ما وراء خبرته الحالية المباشرة, كما أنها لا ترتبط بأماكن معينة، كما أن مفاهيم الذات والعالم تصبح في هذا الوقت مستقلة ومنفصلة ويمكن الطفل في هذا السن التعرف على النتائج السببية كجزء مستقل عن ذاته، ويصبح المكان منفصلا عن الأفعال, ويرى الطفل الأشياء والموضوعات "بما في ذلك نفسه" كما لو أنها في أماكن مختلفة متنوعة وبالتالي منفصلة عنه, ومفهوم الزمان يظهر نفس الاستقلال، حيث يشعر الطفل أن التتابع الزمني يمكن أن يحدث مستقلا وبمعزل عن أفعاله الخاصة، وبالتالي نجد الطفل في هذا السن يبدأ لديه إحساس موضوعي وغير شخصي عن الزمان. وبإيجاز فإننا نجد الطفل في بداية هذه المرحلة ينظر إلى نفسه كمركز للعالم والأشياء المحيطة به، فكل شيء يقاس من وجهة نظره الخاصة وكذلك بواسطة أعماله وأفعاله, وفي نهاية هذه المرحلة أي في نهاية السنة الثانية يرى الطفل نفسه كجزء من العالم المحيط به المليء بموضوعات وأشياء مستقلة عن نفسه، والذي يتضمن الزمان والمكان والسببية، وجدير بالذكر فإن الطفل في نهاية هذه المرحلة يكون مستعدًا لتوسيع منظوريته "وجهة نظره" إزاء الكائنات البشرية الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 تعليم الآباء استشارة الرضيع ... تعليم الآباء استثارة الرضيع: يشير كل من الكيند D. Elkind ووينر L. Weiner؛ "1978", أنه منذ عام 1960 اشترك عدد من علماء النفس في برامج تعليم الآباء كيف يتعاملون ويستشيرون رضيعهم حيث اتضح أن معظم الآباء الشباب لم يكن لديهم الفرصة الكافية لملاحظة تدريبات الطفل, وكيفية تنشئته، ومما هو جدير بالذكر فإن الأبوة المؤثرة لها تأثير خطير خلال مرحلة الطفولة على النحو الصحي ونمو شخصية الطفل ككل, كما أن هذه الأبوة المؤثرة يمكن أن تتعلم وتكتسب. ويستطرد المؤلفان السابقان أن برامج تعليم الآباء واستثارة الرضيع يحاول أن يبني تفاعلات أحسن بين الآباء والأطفال أثناء نمو التكوين النفسي والجسمي، وجاءت فكرة هذه البرامج نتيجة رؤية Elkind زوجين صغيرين كان مسافران بصحبته ومعهم رضيعهم، فالأب كان يبدو متعلمًا خريج الجامعة، وانشغل الأب والأم في حديث بينهما، ولم ينظرا إلى الطفل ولم يتكلما معه أو يبتسما إليه, حينئذ بدأ الطفل في الصياح وحمله الأب ومشى به جيئة وذهابًا ممسكًا بخصر الطفل, ناظرا إلى ظهره والطفل منكفئا إلى أسفل, ويمكن لهؤلاء الآباء الاستفادة من الطرق التي توضح التأثير والارتباط بأطفالهم، ويجب التنويه بأن هدف مثل هذه البرامج هو تسهيل عملية النمو وليس الإسراع أو التعجيل بها، حتى يسمح للأطفال بأن ينموا بصورة كاملة، بقدر الإمكان بدون الكف غير الملائم من جهة الأدباء أو الإكراه والإجبار الأبوي لرغبات أطفالهم, كما أن اتجاهات الأبوين المتسامحة تساعد مما لا شك فيه على أن يحيى الأطفال حياة متكيفة سوية, وهذا ما سنراه وسنوضح ذلك عند مناقشة مشكلات الأطفال والمراهقين وعمومًا فإن انتماء الآباء لبرامج استثارة الأطفال قد يساعدهم على الإحساس بثقة أكبر نحو تنشئة أطفالهم. ويجب أن نشير في هذا المقام إلى كثير من الأشياء يمكن للآباء أدائها، حتى يساعدوا الرضيع على النمو السوي فالإمساك بالرضيع وضمه إلى صدر الأم وهزهزته, واللعب معه والتحدث مع الطفل كلها ذات أهمية أثناء فترة الرضاعة، كما أن توفير الأشياء المسلية الملونة حول سرير الرضيع، واللعب والدمى، مما لا شك فيه تكون نافعة للرضع للهو والتعلم بها ويجب أن نتدرج في تقديم الألعاب لأطفالنا كلما تدرجوا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 مدارج نموهم حتى نستثير قدراتهم كلما أمكن ذلك, وعندما يقترب الطفل من سن المدرسة توجد أشياء أخرى يمكن أن يفعلها الولدان لكي يغنوا خبرة الطفل ويكملوا تعلم المدرسة، فالرغبة للقراءة والكتابة لطفل ما قبل المدرسة يمكن أن تدعم بواسطة الوالدين عن طريق التقييم الإيجابي للكتب بصفة عامة, بالإضافة إلى ذهاب الطفل مع والديه في رحلات معينة يكون مفيدًا خاصة إذا استغل الآباء ذلك في توضيح الأشياء الجديدة التي يراها الطفل كالحيوان مثلا وأسمائها، وعند انتقال الأطفال إلى المدرسة يمكن للوالدين مساعدتهم عن طريق تهجئة الكلمات وتصحيح لغتهم وواجباتهم الحسابية, ويجب ألا يعمل الآباء الواجبات المدرسية لأطفالهم، ولكن يجب أن يساعدوهم في ذلك فقط حتى يؤدي الطفل أحسن ما يستطيع أن يقدر عليه. الشخصية هي مجموع أفكار الفرد ومشاعره وأحاسيسه وأفعاله، ويبدأ نمو الشخصية والنمو الاجتماعي منذ فترة الرضاعة، فعندما يبدأ الطفل في تكوين طرق للارتباط بالآخرين وأن يشكل نماذج مميزة من التفكير والمشاعر نحو الناس متضمنة ذواتهم, وتظهر هذه الجوانب من الشخصية أساسًا فيما يسمى بالسلوك المعبر أو التعبيري Expressive، ونمو هذه السلوك المعبر يعكس نضج الشخصية للكائن الآدمي. والسلوك التعبيري أو المعبر يتبعه مبادئ التكامل والتمييز التي أشرنا إليها حين مناقشتنا النمو في الأشهر المبكرة الأولى من حياة الرضيع، حيث نجد الرضيع يميز عددًا من الأنماط السلوكية المعبرة والتي يوجهها نحو العالم، ويشير إلى حاجاته وميوله، وبعد الستة أشهر الأولى للرضيع يمكنه التمييز بين تلك الأنماط السلوكية ويجمعها داخل نماذج ارتباطية نوعية بالأخرى، وكذلك الانفصال عن الأفراد المحيطين به، وبحلول العام الثاني نرى الأطفال يبدءون في توحيد هذه النماذج داخل اتجاهات نحو عالمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الأنماط السلوكية التوجيهية : يجرى الأطفال الرضع اتصالات اجتماعية من خلال عدة أنماط سلوكية إشارية توجيهية, وهذه الأنماط هي. - التحديق أو النظرات المحدقة. - الخرير. - التقليد أو المحاكاة. ومع تدرج الطفل في نموه، نجد كلا من هذه الأنماط السلوكية يتأثر بخبرات الطفل، وكل منها يصبح متجهًا نحو الأفراد وليس إلى موضوعات أو أشياء، وكذلك نحو أفراد معينين دون سواهم. الصياح Crying: يعتبر صياح الرضيع من الناحية الواقعية أول تأثير يعملونه في بيئاتهم, وخلال الأشهر الأولى من حياة الرضيع نرى الصياح يعتبر بمثابة الطريق الأساسي الذي يشير به إلى حاجاته، ويختلف الصياح عن باقي الأنماط السلوكية الاجتماعية الأخرى في وجهين أساسيين، فالتحديق والخرير والابتسام والتقليد أنماط سلوكية تبادلية مرغوب فيها حيث نجد التشجيع من الآباء، بالإضافة إلى استمتاعهم بها، والصياح على نقيض ذلك لا يكون مشتركًا بين الرضيع ومن حوله، ولا يرضى الآباء بالإضافة إلى أنهم لا يشجعون الرضيع عليه. والصياح أكثر من أي نشاط آخر في حياة الطفل المبكرة يجلب الآباء بجانب الرضيع، ويستحوذ على انتباههم، وهذا الانتباه يمكن أن يترجم في تغذية الرضيع، أو تغيير حفاضته، أو حمله والإمساك به، والرتب عليه وملاطفته، وكل هذه الأفعال يمكن أن توقف صياح الرضيع، ويشير Bell، أن التقاط الرضيع وحمله يوقف الصياح إذا قورن بأي نشاط آخر. والأطفال في حياتهم المبكرة يصيحون عندما يشعرون بالجوع أو الألم، ويشير Wolf؛ "1969" أن هذين النوعين من المضايقة يثيران أنواعًا مختلفة من الصياح، إذ إن الصياح المتدرج والمتواتر والإيقاعي "أي المتكرر على نحو نظامي" عادة ما يرتبط بالجوع، أما الصياح الفجائي غير المنتظم عادة ما يعني الألم, وعمومًا فصياح الرضيع الصغير كثيرًا ما نجده لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 يوصل إحساسه، وعلى الرغم من أن الأمهات قد يعتقدن أنهن بأمكانهن معرفة ما يزعج أو يقلق رضيعهن من أصواتهم، إلا أن هذه المعتقدات عادة ما تبنى على ما يعرفونه من حالات أطفالهن في وقت الصياح "كالفترة الطويلة التي قضيت بين آخر مرة أطعم فيها الرضيع" وذلك أكثر من طبيعة الصياح الذي يسمعونه، ومن جانب آخر نجد Formby؛ "1967" يشير أن الرضع لديهم صياح مميز، كما أن كثيرًا من الأمهات قادرات على التعرف لصياح أطفالهن في صورة مبكرة جدًا من ولادتهم، أي بعد 48 ساعة من الولادة. وأثناء السنة الأولى من حياة الرضيع يبدأ تدريجيًا في الصياح لفترة قصيرة من الوقت، ويستعمل الصياح بغرض الاتصال مع الآخرين خاصة الأم، ويشير بيل Bell واينسورث Ainswort؛ "1972" أن الرضع الذين يزيدون على ثلاثة أشهر يقضون وقتًا أطول في الصياح عندما يكونون بمفردهم إذا ما قورن ذلك بوجود أمهاتهم أمام ناظريهم، أو في حالة إمساكهم واحتضانهم، ويشيران كذلك إلى أن الرضع ما بين 9-12 شهرًا يصيحون لمدة أطول عندما يرون أمهاتهم ولا يستطيعون التعلق أو الإمساك بهن، إذا ما قورن مدة صياحهم عندما يكونون بمفردهم، وعلى ذلك فالصياح ابتداء عادة ما يجب أو يستثار بواسطة الإزعاج أو المضايقة وتكون له صيغة اجتماعية فقط بطريق الصدفة. ويصبح عند نهاية العالم الأول شكل من أشكال الاتصال، حيث يوجهه إلى أفراد معينين يكونون على مقربة من الرضيع ويميلون لإتيان استجابة اجتماعية نحو الرضيع. ويشير بيل وانيسورث "1972" كذلك أن صياح الطفل عندما يصل سنه إلى عام غالبًا ما يكون أقل بـ50% من صياح ذي الثلاثة أشهر أي إن الرضيع يقل وقت صياحه كلما تدرج به العمر الزمني، وكلما قل الصياح كلما أصبح لدى الآباء وأطفالهم فرصة أكبر ووقت أطول لتبادل الأنماط السلوكية المشتركة والسارة الممتعة لكلا الطرفين، كالنظرات المحدقة، والابتسام، والثرثرة، والتقليد والمحاكاة، وهذا ما سنوضحه في ثنايا الصفحات التالية. التحديق Gazing: تعتبر النظرات المحدقة أول نمط سلوكي يتجه الرضيع به إلى عالمه، ويبدأ في أخذ المعلومات والبيانات عنه، وتشير النظرة الكلاسيكية إلى أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الرضيع يدرك عالمه كهدير مشوش ذو طنين وأزيز، وتشير الدراسات منذ عام 1960 أن الأطفال يولدون ولديهم قدرة نامية عالية على الرؤية, كما ذكر وولف Wolf؛ "1967" أن الرضع يمكنهم تركيز أعينهم على موضوعات وأشياء بعد بضعة أيام من ولادتهم، ويستطيعون تتبع الأشياء بأعينهم، وأن يشيروا إلى الاختلاف بين الأشياء عن طريق أحجامها، وأشكالها في أسابيعهم الأولى، ويستطرد أن الرضع الصغار في أسبوعهم الأول يميلون إلى تفضيل النظر إلى الأشياء والأشكال ذت النموذج Patterned عن الأشكال المنبسطة اللمساء، وكذلك يفضلون المثيرات الغريبة غير المألوفة. وهذه التفصيلات الإدراكية تساعد الرضع على التوجه نحو الأشخاص في عالمهم، حيث أن المثيرات الأكثر تركيبًا وتغييرًا التي يرونها هي الوجوه المتحركة لآبائهم والأشخاص الآخرين الذين يعنون بهم, ويفضل الرضيع عندما يصل إلى أسبوعه الرابع النظر إلى الوجوه أكثر من الأشياء أو الموضوعات, وفي الشهر الرابع والخامس عندما يكونون قادرين على إجراء التمييزات الإدراكية الدقيقة ينظرون إلى وجه الأم مفضلونه عن سار الوجوه الأخرى Carpenter؛ "1974"، وولف Wolf "1963". وعندما يبدأ الرضيع التحديق بثبات على الوجه، خاصة على عيون الراشدين من حوله، حينئذ نجد نوعًا خاصًا جديدًا من العلاقة ينشأ بين الرضيع وأمه، فاتصال العين بالعين يعتبر بمثابة خبرة انفعالية عاطفية، وتقرر كثير من الأمهات أنه بنهاية الشهر الأول تقريبًا يشعرون بنظرات الرضيع الحقيقية إليهن، باعتبارهن أشخاصًا ولسن أشياء أو موضوعات، ومع بداية عملية التحديث لوجه الأم تصبح خبرة الأم محملة بكثير من المشاعر والأحاسيس القوية نحو رضيعها، وتعمل على ازدياد البهجة والسرور في نفسها وبالتالي العناية برضيعها. وبجانب ما للتحديق من إنشاء وتعزيز العلاقات الاجتماعية، فإنه يعطي الرضيع بالإضافة إلى ذلك أول فرصة في أن يمارس الضبط والتحكم في التعامل مع الآخرين، ونرى الرضيع عندما يصل إلى الشهر الرابع تقريبًا يصبح خبيرًا في التركيز وتحويل أو تجنب عملية التحديق, ويشير White وآخرون "1964" أن التحديث يثير استجابات الآخرين حول الرضيع، وبواسطة التعلم نجده يغلق عينيه وينظر بعيدًا، ليس فقط بهدف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 تنويع كمية ونوع المثيرات الإدراكية التي يستقبلها، ولكن لكي يحدد الاتصالات الاجتماعية التي يجدها ويشعر أنها تطفلية إقحامية، أو مستثارة بدرجة عالية. الابتسام Smiling: أ- الابتسام الانعكاسي Reflexive Similing. ب- الابتسام الاجتماعي غير الانتقائي Unselective Social Smiling. ج- الابتسام الاجتماعي والانتقائي Selective Social Smiling. نجد الرضيع منذ الميلاد يبتسم تلقائيًا في الاستجابة لحالاته الداخلية المتنوعة، ويمكن أن يظهر الابتسامة خلال الشهر الأول بواسطة صوت مرتفع، وخاصة صوت الأنثى. وهذه الانعكاسات الابتسامية تكون سريعة الزوال ولا تكون مشكلة ذات نموذج معين، ومع ذلك فإنها تصدر نتيجة الدفء العاطفي أو العناية الاجتماعية. وتتغير الابتسامة بصورة فجائية ما بين الأسبوع الرابع والسادس من عمر الرضيع، إذ نجدها تستمر لفترة أطول من الوقت، ويبتسم بصورة أكثر اتساعًا، كما تتشكل الابتسامة وتظهر على التغييرات الوجهية التي تضيء عيون الرضيع، ويشير كل من Spiz & Wolf؛ "1946" Ambrose؛ "1961" إن ابتسامة الرضيع تتغير من الابتسامة الانعكاسية في الاستجابة إلى الأصوات أو الحالات الداخلية, إذ تميل الابتسامة بالاستجابة إلى الحركة والنشاط والوجوه المصحوبة بالأصوات الإنسانية. وهذا التعبير الدافئ في الابتسام الاجتماعي يظهر في نفس الوقت الذي نجد الرضيع يفضل فيه النظر إلى الوجوه أكثر من الموضوعات أو الأشياء من حوله، وأن يشترك في حديث متبادل مع الأشخاص من حوله, وعلى الرغم من شعور الأم وإحساسها بأن رضيعها يدرك ابتسامتها الاجتماعية في الشهور المبكرة من ولادته, إلا أن هذه الابتسامة تكون في أول مراحلها غير انتقائية بمعنى أن الرضيع يبتسم بسهولة إلى وجوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الأغراب كما يكون الحال بالنسبة إلى وجوه أعضاء أسرته, وبعد خمسة أو ستة أشهر الأولى يستطيع الرضيع تعليم التفرقة والتمييز بين الوجوه، حينئذ تصبح الابتسامة اجتماعية انتقائية, وبالتالي نجد الرضيع في هذه المرحلة يبتسم وبصورة أكبر إلى الوجوه المألوفة لديه أكثر من الوجوه الغريبة عنه، وحقيقة وكما سنشير فيما بعد أن الرضيع عادة ما يكون على حذر من الغرباء. الخرير Babbling: تشير نتائج دراسات وولف Wolf؛ "1963" أن صراخ الرضيع وعويله وأنينه هي رد فعل للألم والسرور، وذلك أثناء الأسابيع الأولى من حياته, فالرضيع يبدأ فيما بين الأسبوع الرابع إلى الأسبوع السادس في الهديل Coos والقرقرة Gurgle في استجابته إلى أصوات الوجوه من حوله، ومناظر الوجوه المتحركة، وكما رأينا في الابتسام الاجتماعي، نرى أصوات الرضيع تبدأ في أن تشير إلى اهتمامات اجتماعية ويهدف إلى أن يحظى بالانتباه والتعاطف مع الآخرين، كما أن أصوات الإناث تميل إلى أن تظهر الأصوات من الرضيع، ويستطرد وولف أنه بنهاية الشهر الأول من حياة الرضيع يمكنه تعلم التعرف على بعض خصائص صوت الأم, كما أن الرضيع يمكنه الاستماع إلى الأصوات التي يؤديها وبالتالي فإن تلفظهم ونطقهم يصبح استمرارية أو ديمومة ذاتية Self Peputuating بمعنى أنها تؤدي إلى الثرثرة أو الخرير. وتتطور الثرثرة أو الخرير خلال مراحل عديدة، وتمهد السبيل إلى النمو اللغوي فيما بعد، فمنذ الشهر الثالث أو الرابع من عمر الرضيع نجد هديله وقرقرته تبدأ في أن تتضمن أصواتا مميزة أو بعضا من الحروف الساكنة، وبحلول الشهر السادس يبدأ الرضيع في تكرار الأصوات الاتفاقية العرضية. ويشير Vetter؛ "1969" أنه بحلول الشهر التاسع أو العاشر نجد الرضيع يكرر الأصوات التي يسمعها من الآخرين حوله, كما أن خرير الرضيع يثير نماذج عامة من التقليد والمحاكاة والتي تكون في جوهرها علامة على توسيع اهتمامات الرضيع الاجتماعية. التقليد Lmitation: يعتبر التقليد والمحاكاة من أهم الطرق التي من خلالها يتعلم الأطفال أن يصبحوا راشدين، وسوف نرى في عديد من المواقف كيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 يؤدي تقليد ومحاكاة الصغار للكبار، في جميع مراحل نمائهم إلى اكتساب المهارات الاجتماعية، وعلى الرغم من أن الطفل الرضيع لا يكون نشطًا في تعلم المهارات الاجتماعية، إلا أننا نجده في نهاية السنة الأولى وبداية الثانية تقريبًا يبدي العديد من الأنماط السلوكية التقليدية التي تعزز تفاعلاته الاجتماعية, وتبدأ هذه العملية بالخرير أو الثرثرة التقليدية وطالما تتضمن تقليد حركات الآخرين, وحينئذ يجد الآباء أنفسهم لا يتعاملون مع طفل يبتسم وينظر إليهم فقط ولكنه بالإضافة يحاكيهم ويقلدهم فيما يصدر عنهم من أصوات, وعلى الرغم من أن تلك الأصوات الصادرة من الرضيع عادة لا تكون مفهومة، إلا أننا عادة ما نجد الآباء يستجيبون بتغيرات يملؤها السرور والتعاطف مع الرضيع والتي تثري الخبرة الاجتماعية له. ويميل الرضيع إلى تقليد ما يراه وكذلك ما يسمعه، ويؤدي ذلك في نهاية السنة الأولى وبداية الثانية إلى ظهور نماذج جديدة هزيلة كثيرة في تفاعل الآباء مع الطفل وفي ذلك يشير Parton؛ "1976" عندما يرفع الآباء أيديهم قائلين: آه آه, نجد الأطفال الصغار يقلدون ذلك وينطقون نفس الحروف, ومن ثم تبدأ لعبة مضحكة ويستطرد بقوله، أن التقليد تعبير واضح للاهتمامات والميول الاجتماعية كما أنه وسيلة ذات فعالية للحصول على الاستجابة الاجتماعية. والسلوك المقلد لا يسير خلال شكل غير انتقائي كما نرى ذلك في ابتسامة الرضيع، ولكنه يكون موجهًا منذ البداية إلى الانتقاء لأفراد مألوفين حيث ينمي الطفل تجاههم بعضا من الارتباطات والعواطف المعينة، وبالتالي فإن التفاعلات المتبادلة المكافئة والتي تصاحب السلوك المحاكي عادة ما تغذي وتدعم هذه الارتباطات المعبرة داخل ارتباطات وعواطف معينة، فإنه من المفيد أن نتأمل بداياتها وبعد ذلك نفحص بإيجاز بعض العوامل التي تؤثر في الأنماط السلوكية الإشارية التوجيهية التي تسبق السلوك الارتباطي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية : الصياح والتحديق والابتسام والخرير والتقليد أحداث طبيعية في مجرى النمو الإنساني، بمعنى أنها تظهر تلقائيًا في سلوك الرضيع, وينظر بعض السيكولوجيين المتأثرين بأعمال جون بولمبي J. Bowlby؛ "1958" الطبيب النفسي الإنجليزي لهذا الظهور أو الانبثاق التلقائي لتلك الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية بأنها بمثابة ردود فعل غريزية تعزز بقاء الأنواع, ويشير بولمبي إلى أن الرضع يشبهون أي حيوان آخر يحتاجون إلى ذخيرة سلوكية فطرية لكي يحافظوا على أنفسهم ويتعلموا كيف يعولون ويقون أنفسهم، والسلوك الإشاري والتوجيهي نجده يحافظ على النوع الإنساني لأنه يجذب انتباه الوالدين أو الراشدين الآخرين الذين يطعمون الرضيع ويقدمون له الرعاية والعناية. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع البرهنة بأن الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية للرضع والأطفال الصغار تميل إلى استثارة استجابات مساندة ومدعمة من الآخرين إلا أن الرضع العاديين ينمو لديهم هذه الأنماط السلوكية المعبرة في الاستجابة إلى ما يستمعون إليه، وما يرونه وما يشعرون به، وبمجرد ظهور هذه الأنماط السلوكية عندهم، فإنها تتأثر بصورة كبيرة بواسطة الطريقة التي يستجيب بها الآخرون إليهم. ويشير Weisberg؛ "1963" أن الدراسات التجريبية مع الرضع فيما بين 2-7 شهور توضح أن التفوه ونطق الرضع للألفاظ والكلمات يمكن أن يزداد عن طريق الابتسامة التي تصدرها الأم لرضيعها، وكذلك تشجيعها ومناوشتها له، وأيضًا الأفراد الآخرون المحيطون بالرضيع، فالترتيب تحت ذقن الطفل أو بلمس بطنه وصدره أثناء قرقرته أو هديله كل ذلك يزيد الفرصة لتفوه الرضيع ونطقه لبعض الألفاظ والكلمات. ويستطرد Weisberg أنه عندما أوقفت هذه الحركات الموجهة للرضع بواسطة المجربين في هذه الدراسات، ظهر الرضع عديمو الاستجابة وفاقدو الحس والاتصال بالآخرين، ولوحظ أن هؤلاء الأطفال الصغار قد أوقفوا تدريجيًا عمل الأصوات، وغالبًا ما كانوا ينظرون في حالات الابتسام لهم والتكلم معهم وحملهم على الأيدي أو الأعناق, بالإضافة إلى أنهم كانوا يتوقفون عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 الابتسام عندما لا يستقبلون هذه الأنواع من الانتباه. وتؤدي نتائج دراسات Yarrow ورفاقه في المعهد القومي لصحة الطفل والنمو الإنساني ما أشار إليه Weisberg حيث اتضح من الملاحظات المنزلية لمجموعة من الأطفال يتراوح أعمارهم ما بين خمسة وستة شهور، وكذلك ملاحظة أمهاتهم، اتضح أن الاستجابة تؤثر في سلوك الأطفال بصورة أكبر عندما تحدث مصادفة أو بدون توقع بمعنى أن تأتي بصورة مباشرة بعد السلوك، وتشير نتائج دراسات Yarrow أن كلام الطفل ونطقه يعتمد جوهريًا على سلوك الأم، وكذلك على مدى توجيه الاستجابة إلى ألفاظ وليدها, كما وجد يارو Yarrow ورفاقه عديدًا من العلاقات بين كمية استثارة الأم التي تعطى للوليد وبين درجة استجابته الاجتماعية كالتوجه إلى الهدف مباشرة والقبض على الأشياء والإمساك بها بالإضافة إلى ردود الفعل الدائرية الثانوية, انظر الشكل رقم1, كما توجد أدلة أخرى تشير أن الأمهات اللاتي يكنَّ مستجيبات جسميًا وانفعاليًا لوليدهن، يشجعن ليس فقط المبادأة الاجتماعية ولكنهم ينشطن كذلك استكشاف الرضيع والطفل لبيئته. وتشير الدلائل أن الأطفال تحتاج إلى الاستثارة الاجتماعية حتى تنمو لديهم المسئولية الاجتماعية Social responsiveness. فعندما تكون هناك فرصًا ضئيلة أو نادرة لملاطفة الأطفال وتقبيلهم وعناقهم, أو الابتسام لهم والإمساك بهم، نجد أنماطهم السلوكية المعبرة لا تكون مميزة في علاقات انتقائية متبادلة متكافئة مع الأشخاص الآخرين. ولحسن الحظ فإن هذا لا يحدث كثيرًا عند كثير من الأطفال، ولكن عند حدوث ذلك كما في حالة أطفال المؤسسات الاجتماعية، أو في حالة الإهمال الأبوي غير العادي فإن ذلك يكون خطيرًا لنمو الطفل الاجتماعي, وثمة أنماط نمائية غير عادية والمعروفة بأعراض العزلة الاجتماعية والانطواء الاجتماعي, وسوف نناقش هذا تفصيلا عند مناقشة مشكلات الأطفال، ولقد أوضحت عديدًا من الدراسات أثر العزلة الاجتماعية على كل من الإنسان والحيوان كذلك ومن بين هذه الدراسات يمكن الإشارة إلى دراسات هارلو Harlow وزملائه بجامعة وسكنسون Wisconsin وأعمال هارلو مع القردة قد أوضحت عديدًا من الاستبصارات، في النمو المبكر للعلاقات الاجتماعية. فمثلا كان صغار القردة الذين تربوا في عزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 داخل أقفاص سلك عازلة تسمح لهم برؤية وسماع القردة الآخرين، إلا أنهم كانوا محرومين من أي اتصال جسمي، يشير ياور أن هذه القردة قد فشلت في أن تنمى لديهم الاستجابات الاجتماعية العادية, وبعد عام من هذه العزلة حاول يارو أن يجلس هذه القردة مع زملاء لها، إلا أنه لاحظ أن هذه القردة كانت تقضي معظم الوقت رابضة في جانب من القفص يهزون ويعانقون أنفسهم، كما أنهم لم يظهروا أي ميل في اللعب أو أي تفاعلات اجتماعية, وهذه التأثيرات القاسية للعزلة الاجتماعية قد استمرت كذلك عند القردة عندما كبروا ومنعتهم من القيام بأداء الأدوار الاجتماعية. وعمومًا, فإن الاستنتاجات على الكائنات الإنسانية يجب أن تجري بحذر من الدراسات الحيوانية، ومع ذلك فإن نتائج دراسات هارلو يبدو أنها تحمل دليلا وبينة واضحة على مدى تأثير الاستثارة في تعزيز السلوك السوي المعبر سواء عند الإنسان أم الحيوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الارتباطات مع الأشخاص الآخرين مدخل ... الارتباطات مع الأشخاص الآخرين: كلما أصبح الأطفال يتسمون بالانتقائية في أنماطهم السلوكية الإشارية والتوجيهية، يبدءون بالتالي في تنمية ارتباطات اجتماعية مع الأشخاص المألوفين في عالمهم, وتتضمن هذه الارتباطات الحب والاعتمادية، ويبدي الأطفال مودتهم إلى الآخرين بالتماس القرب منهم، وسعيهم إلى كسب استحسانهم وجذب انتباههم، وكذلك يقلقون وينزعجون عندما ينفصلون عنهم, ولقد أشار بعض السيكولوجيين إلى أن نظرات الرضيع المحدقة غير الانتقائية، والاتبسام، والثرثرة أو الخرير في فترة الرضاعة تعتبر أنماطا سلوكية ارتباطية، حيث إنها تجذب انتباه الآخرين للرضيع وتؤدي بهم إلى الاقتراب منه، إلا أنها لا تصبح أنماطا سلوكية معبرة إلا بعد أن تكون انتقائية حيث يصبح الأطفال مرتبطين بأفراد معينين وذوي حساسية لحضورهم أو غيابهم عنهم. ولقد درس السلوك الارتباطي في كثير من دول العالم للأطفال الرضع، وتشير نتائج هذه الدراسات أن الأطفال ينمون ارتباطات انتقائية فيما بين 6-8 شهور من عمرهم، ويركز الأطفال ارتباطاتهم على فرد معين الذي يستجيب إلى إشاراتهم الاجتماعية وعادة ما يكون الأم، وتشير بعض الدراسات أن بعض الأطفال قد كونوا ارتباطهم الأول مع الأب وعمومًا فإن هذه الارتباطات الأولى تتبع بصورة مباشرة بارتباطات أخرى، وعادة ما يكون الأطفال على علاقة ارتباطية بكل من الأب والأم خلال شهر من تكوين الارتباط الأول مع واحد منهما. وتتكون هذه الارتباطات في مرحلة متقدمة للأخرى والأخوات الكبار والأجداد والعمات والخالات وكذلك أصدقاء الأسرة قد تكون ارتباطات انتقائية أيضًا في حالة استثارتهم بانتظام للأطفال واستجابتهم إلى سلوكهم المعبر، وعمومًا تتكون ارتباطات عديدة بنهاية السنة الأولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 من حياة الرضيع، وعندما يصل الأطفال إلى 18 شهرًا، يصبح كثير منهم مرتبطين نفسيًا بأفراد عديدين مختلفين. وجدير بالذكر، فإن الشخص الذي يكون الطفل نحوه الارتباط الأولي، يميل إلى أن يكون له دور حاسم في نمو شخصية هذا الوليد فيما بعد، وقبل أن يصل عمر الرضع إلى الثمانية أشهر، وقبل أن يتمكنوا من إجراء الارتباطات الاجتماعية الانتقائية، فإنهم ينمون بصورة عادية ما داموا يتقلون العناية الجسمية والاجتماعية المناسبة والاستثارية من أي عدد من الأفراد الذين يعتنون ويهتمون بهم, وبمجرد أن يكون الأطفال الصغار الارتباطات القوية مع أمهاتهم فإن التواجد النفسي للأب أو الآخرين في الأسرة يعتمد إلى حد كبير على الاتصال القريب والمستمر مع هذا الشخص, ولكي نتفهم هذا النمو بصورة أكبر فنحن في حاجة إلى تأمل الأنماط السلوكية التي تعزز وتشجع نمو الارتباطات، وسوف نتأمل سويًا نموذجين سلوكيين غالبًا ما يكونا نتيجة للارتباطات الانتقائية وهما قلق الغرباء وعزل القلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط ... الأنماط السلوكية المدعمة للأتبارط: الارتباط يشبه السلوك المعبر، يعزز عندما يستثير الآباء أطفالهم، ويستجيبون إليهم دون إبطاء وبحب لإشاراتهم خاصة لبكائهم، وعلى نقيض ذلك, فإن الآباء الذين يقدمون استثارة واستجابة أقل دفئًا كلما كانت الارتباطات التي ينميها الأطفال ضعيفة, ولقد أشار كل من Ainsworth & Bell أن الأطفال الذين تحملهم أمهاتهم وتحتضنهم بعطف وحب، ويمسكونهم لمدة أطول وبلطف وحنان أثناء الشهور الثلاثة الأولى نجدهم يشعرون بالاستمتاع بحمل أمهاتهم لهم فيما بين 9-12 شهرًا ونراهم يحتضنون ويعانقون أمهاتهم، وعلى نقيض ذلك وجدوا أن الأطفال الذين كانوا يحملون بطريقة فظة ويمسك بهم لفترات قصيرة وجيزة وبإهمال، وكانت أمهاهتم كارهة الاتصال بهم فيما بين الشهر التاسع ونهاية العام الأول, ولوحظ أنهم دائمًا ما يكونون في حالات اهتياج وقلق وانفعال بصورة عالية. ولقد لاحظ Bechwith في دراسة مشابهة أن الأطفال فيما بين 7-10 شهور الذين كانت أمهاتهم يتجاهلون إشارتهم أوضحوا ميلا أقل في أن يحملوا أو يمسك بهم وعلى ذلك فإن كمية العناية ونوعيتها التي يتلقاها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 الأطفال الصغار تؤثر في ارتباطاتهم ومن المهم أن نؤكد هنا أن التفاعل الاجتماعي المحدود يعمل على تعزيز الارتباط، أكثر من الفترات الممتدة الطويلة والتي تجري على وتيرة واحدة في نظام الطعام والعناية الجسمية. جملة القول: فإن العناية المكثفة ليست ضرورية حتى يصبح الأطفال مرتبطين بالناس، فهذه الارتباطات لا تتكون نحو هؤلاء الذين يقضون أغلب الوقت مع الأطفال، ولكن مع هؤلاء الذين يكونون أكثر استثارة واستجابة للأطفال، فإن كان الوالدان يتسمان باللطف والانتباه الاجتماعي والاستجابية عندما يكونا مع أطفالهم فإنهم لن يكونوا في حاجة إلى القلق بشأن وليدهم، والحقيقة الجوهرية في هذا السبيل هي النوعية التي تعطي للطفل أكثر من كمية الاهتمام من الآباء للأبناء وعلى ذلك تكون المحدد الحاسم لسلوك الطفل الاجتماعي, ويشير Wallston؛ "1973" بأنه لا يوجد دليل في أن الأطفال سوف يعانون من أي ضرر نفسي في حالة عمل كل من الأب والأم خارج المنزل ما داموا قد تمكنوا من توفير البديل المناسب والمستقر للعناية بالطفل عندما يكونا خارج المنزل للعمل فالعناية بالأطفال يمكن أن يتقاسم فيها أعضاء متعددون من الأسرة بدون أن يتعارض مع تكوين الارتباطات عند الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 قلق الغرباء : بمجرد أن يكون الأطفال الارتباطات الانتقائية، غالبًا ما يظهر أمارات القلق في حالة تواجد الغرباء ونلاحظ الرضع فيما بين 5-8 شهور عادة ما يكونون على حذر عند قدوم الغرباء, وفي غضون وقت قصير نراهم يميلون إلى العبوس والتجهم والصياح أو البكاء، أو قد ينسحبون ويهربون عندما يجري أي شخص غير مألوف لديهم مقدمات سلوكية اجتماعية، وقلق الغرباء عادة ما يصل إلى ذروته بنهاية السنة الأولى وبعد ذلك يضعف تدريجيًا، حيث يبدأ الأطفال تعلم عدم الخوف من الآخرين لمجرد أنهم ليسوا مألوفين لديهم. وقلق الغرباء يمكن أن يأتي كشيء مفاجئ غير متوقع لوالدي الطفل، فالأم التي تستمتع بحمل ابنتها ذات الخمسة أشهر إلى الأصدقاء وتلاحظ ابتسامتها وقررتها لهم، قد تنزعج بعد شهور قليلة لاحقة عندما تبدأ طفلتها عويلها وتصر على أن تحمل على الأيدي عند رؤيتها لزائر ما, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وبطريقة مماثلة نجد الزائر العرضي الذي كان معتادًا الاستمتاع باللعب مع الطفل قد يحزن عندما يفاجئ بأن الطفل لا يريد أن يدنو إليه أو يقترب منه, وعمومًا فمن المفيد للآباء أن يكونوا على دراية أن قلق الغرباء ينمو في النصف الثاني من السنة الأولى ويمكنهم أن يخففوا من قلق طفلهم وانزعاجه, فمثلا إذا ظهر الغرباء على نحو مفاجئ في مجال رؤية الطفل, مصدرين أصواتا عالية تبدو للرضيع غير مألوفة أو ودودة ويحاولون الإمساك به فجأة, أو رفعه بأيديهم إلى أعلى حينئذ يبدو الشخص غير المألوف تدريجيًا مخاطبًا الطفل برفق وهدوء، يومئ وجهه بأمارات ودودة سارة، لا يأخذ الطفل بسرعة وفجأة فإن الطفل قد يبقى هادئًا حتى إذا حدث في فترة ذروة قلق الغرباء. بالإضافة إلى أن الأطفال يكونون أقل ميلا في إبداء قلق الغرباء في حالة وجودهم داخل بيئة وأفراد محيطين بهم مألوفين لديهم وكانت أمهاتهم قريبة منهم، ويشير برنسون Bronson؛ "1968" إلى ذلك بأنه في حالة إمساك الأم بالطفل، حاملة إياه عند مقدم هذا الشخص الغريب ويستطرد برونسون أن نتائج إحدى دراساته أظهرت قلقًا وانزعجًا أكبر لدى الأطفال عند قدوم الشخص الغريب عندما كانت أمهاتهم على بعد أربعة أقدام منهم، إذا ما قورنوا بحالتهم عندما كانت أمهاتهم ممسكة بهم. ويشير Rubenstein؛ "1967" أن الآباء يمكنهم تقليل انزعاج الطفل وقلقه وذلك عن طريق تنظيم اكتساب خبرات اجتماعية إيجابية خلال الستة أشهر الأولى من حياته، فالأطفال الذين يتلقون استثارة اجتماعية أكبر في حياتهم المبكرة بواسطة الربت عليهم والإمساك بهم وحملهم واللعب معهم، كلما كانوا أقل ميلا للقلق نحو الغرباء فيما بعد، وتؤيد ذلك نتائج دراسة Tizard & Tizred على 30 طفلا ذوي العامين تربوا من عمر الأربعة أشهر في بيت حضانة داخلي مع 30 طفلا من نفس عمرهم الزمني قد تربوا داخل منازلهم، وأشارت النتائج إلى أن أطفال الحضانة قد أصبحوا مرتبطين بصورة كبيرة بآبائهم بمجرد أنهم كانوا يزورونهم مرة كل من النماذج المفضلة للارتباط, أشارت النتائج أنه في عمر العامين قد وجدوا أنهم أكثر خوفًا من الغرباء إذا ما قورنوا بالأطفال الذين تربوا داخل منازلهم حيث ظهر لديهم قلق الغرباء الطفولي إلا أنه اختفى فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 قلق الانفصال : يبدأ نمو قلق الانفصال عند كثير من الأطفال عن أبويهم أو الأشخاص الآخرين الذين يكونون مرتبطين بهم، وعادة ما يصل قلق الانفصال إلى ذروته فيما بين 12-18 شهرًا من عمر الوليد الإنساني, وفي نفس الوقت نجد ضعف قلق الغرباء لديه. وحيث أن الأطفال أثناء قلق الانفصال يكون لديهم القدرة على الزحف وكذلك القدرة على المشي، فيمكنهم أن يظهروا ضيقهم ليس فقط بالصياح ولكن بالإضافة إلى محاولة البقاء قريبين من الشخص الذي يتحرك بعيدًا عنهم, وبسبب وجود علاقة وثيقة بين قلق الارتباط وقلق الانفصال، يمكن أن نحدد ما إذا كان الأطفال مرتبطين بشخص معين وذلك بملاحظة الذي يحدث عندما يغادر هذا الشخص المنزل ويعود إليه، فإذا بكى الأطفال وحاولوا أن يتبعوا ذلك الشخص الذي يغادر المنزل، أو يكونوا في هدوء واطمئنان عند عودته فإن ذلك يعزى إلى أنهم قد أصبحوا مرتبطين بهذا الشخص. ولقد درست ردود فعل الانفصال بواسطة اينسورث Ainsworth "1970" في مواقف اللعب صممت خصيصًا لذلك، حيث تكون الأم جالسة مع طفلها في حجرة الألعاب وتترك الحجرة لفترة وجيزة، وبعدها تعود, ولقد وضح أن طفل العام الواحد الذي تركته الأم لدقائق قليلة في هذا الموقف قد بكى وكان يذهب إلى الباب وينظر حول الحجرة كما لو أنه يتبع الأم أو يبحث عنها، ويفقد كل اهتماماته بحجرة الألعاب والدمى التي تحتويها, وعندما تعود الأم يتوقفون عن البكاء ويتسلقون أعلى ركبتها، ويمسكون بها بإحكام ويقاومون في أن يوضعوا على الأرض، هذا ولقد أشارت عديد من الدراسات إلى نفس نتائج اينسورث واستخدموا نفس هذا النمط في مواقف اللعب، أثر انفصال الأم عن الطفل فيما بين 10-18 شهر من عمره Coates, and Others؛ "1972". وأثبتت الدراسة على الحيوانات نفس الشيء فلقد أجرى Seay and Harlow؛ "1965" دراسة على صغار القردة وظهر لديهم الانزعاج والقلق عندما فصلوا عن أمهاتهم, ولقد أمكن التوصل إلى نتائج إضافية عن نتائج الدراسات على الأطفال حيث يمكن أن تمتد فترة الانفصال عند القردة أكثر مما تكون عليه عند الأطفال، وتمكن باحثون من تسجيل نتائج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مشوقة انبثقت من الدراسة على الحيوان حيث كان يوضع بعض القردة الصغار في قفص يستطيعون منه رؤية وسماع أمهاتهم في قفص آخر، إلا إنهم لا يتمكنوا من الحصول على أي اتصال جسمي معهم، ففي بداية الأمر كانوا يصرخون ويدورون حول أنفسهم ويقفزون أعلى وأسفل وينظرون إلى أمهاتهم أغلب الوقت، وبعد ثلاثة أسابيع من الفصل وجد أن هذا الاحتجاج يبدأ في الاختفاء ويصبح القردة الصغار في حالة تبلد, ويوقفون اللعب سويًا حتى يتوقفوا عن النظر إلى أمهاتهم, وفي حالة إعادتهم إلى أمهاتهم من جديد نجدهم يظلون فترة كبيرة ملتصقين بهم بشدة قبل ابتدائهم التصرف بصورة عادية مرة أخرى. ولقد لوحظ أنه عندما يفصل الوليد البشري عن أبويه لعدة أيام، فإنه يميل إلى إبداء نفس النوع من الاحتجاج واليأس والقنوط كما كان ذلك في القردة التجريبية، ففي أول الأمر كانوا يبحثون عن أمهاتهم باكين، وبعد ذلك يصبحون سريعي التهيج والغضب متبلدين وأخيرًا وجد نكوصهم في بعض مهاراتهم المتعلمة السابقة, ويشير بولمبي كذلك أن الآباء الذين يعودون من سفر طويل قد يجدون أطفالهم الصغار ما بين 8-24 شهرًا يتسمون بالخضوع والانسحاب كما لو أنهم في حالة من حالات الاكتئاب، أو قد يرتدون لأنماط سلوكية سابقة، حيث نجدهم يزحفون على الرغم من تعلمهم المشي أو قد يرتدون إلى عمليات التبرز على الرغم من تعلمهم التحكم فيها. وتشير النتائج إلى أن الأطفال يختلفون عن صغار القردة حيث وجد Bowlb أنهم لا يرحبون ولا يكونون سعداء بعودة آبائهم في حالة السفر لأيام أو أسابيع أو الغياب عنهم وذلك إذا ما قورن عودتهم بعد دقائق أو ساعات فقط من غيابهم عنهم حيث وجد أنهم يبدو كما لو أنهم منفصلون أو مستقلون عنهم، فقد يبكون أو ينسحبون بعيدًا عنهم عندما يقبل آباؤهم عليهم، وقد لا يتعرفون على آبائهم، وبإيجاز يعاملونهم كما لو أنهم غرباء عليهم، وبعد ساعات أو أيام قليلة، ويعتمد ذلك على طول فترة الانفصال، نرى تراجعا لهذا الانفصال وتظهر ثنائية المشاعر حيث يبدأ الأطفال في تقبل والديهم بدفء مرة أخرى ويلتصقون بهم, ومن وجهة نظر الوالدين يشيرون إلى أن أطفالهم كانوا يحاولون عقابهم لتركهم بمفردهم، ولحسن الحظ فإن ثنائية المشاعر Ambivalence تختفي بعد أسبوع أو أسبوعين من عودة الوالدين للطفل، ومرة أخرى يعود الأطفال إلى ذويهم مرة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 ويشير مور Moore؛ "1969" بأنه يمكن تجنب ردود فعل الانفصال على الأطفال، حيث وجد أن قلق الانفصال عند الأطفال إذا كان من الممكن توفير بيئة مألوفة لهم، وأفراد مألوفين لديهم، وبعض من ممتلكاتهم وأشيائهم الخاصة بهم وأن يعنى بهم آباء بديلة يتسمون باللطف والمجاملة والحنان، فمثلا إذا ذهبت الأم للولادة في المستشفى فمن المستحسن أن يكون بالمنزل شخص مألوف للطفل مثل العمة أو الجدة تستخدم كأم بديلة لطفل العام أو العامين وذلك أفضل من الشخص الغريب, ومن الأفضل كذلك أن تبقى الأم البديلة في منزله الخاص بدلا من نقله إلى منزلها، وإن كان على الطفل أن ينتقل إلى منزل آخر فمن الأفضل أن يصطحب معه دمياته المألوفة وأشياءه المعتادة من أثاثه كسريره ونقالته التي يلعب فيها وكرسيه الطويل الذي يجلس عليه، وإن كان للطفل أخ أو أخت كبرى فمن الأفضل أن يمكثا سويًا عندما تكون أمهاتهم غائبة عن المنزل، وهذا أفضل بالنسبة للطفل الصغير إذا ما قورنت حالته عندما يكون تحت رعاية أقارب له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 نظريات أصول الارتباطات المتبادلة : يتفق السيكولوجيون في أن الأطفال يبدءون في إظهار الارتباطات مع الأشخاص الآخرين، إلا أنهم لديهم نظريات مختلفة في كيفية نمو هذه الارتباطات, فنظريات التحليل النفسي التقليدية ونظريات التعلم الاجتماعي تشير إلى أن الاهتمامات الاجتماعية تنبعث من الحاجات البيولوجية، وبلغة التحليل النفسي يبدأ الأطفال بأن يشعروا بالحب والارتباط بأمهاتهم، بسبب ارتباطهم معها بخبرة سارة مشبعة في إطعامهم، وبلغة نظريات التعلم الاجتماعي أن خفض الحافز الأولي الذي تمنحه الأم كما في حالة إطعام رضيعها يؤدي به إلى أن ينمي حوافز ثانوية في أن يكون قريبًا منها ومعتمدًا عليها، وبمجرد بناء هذا الحب أو الاعتمادية تجاه الأم، نجد الاهتمام أو الميل الاجتماعي ينتج تعميمات نحو أشخاص آخرين كذلك. وبسبب تأثير هذه النظريات، نجد السيكولوجيين قد عملوا منذ سنوات عديدة تمييزًا بين الدوافع الأولية "البيولوجية" والدوافع الثانوية "الاجتماعية" في سلوك الإنسان, ومنذ عام 1960 أشار بعض علماء النفس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 أن الميل الاجتماعي يعتبر خاصية أولية، وأهم هذه النظريات قد صيغ على أيدي جون بولبي، حيث أشار أن الارتباطات الشخصية المتبادلة تنبعث من الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية في مرحلة الطفولة، والانتباه الشخصي الذي ستجلبه هذه الأنماط السلوكية من الآخرين، فالاستجابات الاجتماعية التي يصدرها الراشدون تجاه الرضيع هي التي تشكل الأنماط السلوكية المعبرة للطفل داخل نماذج من الارتباط الشخصي المتبادل. وانبثق دليل إضافي عن هذه الظاهرة من نتائج دراسات هارلو Harlow؛ "1966" خاصة من ملاحظاته على صغار القردة، حيث وجدهم يكونون ارتباطات قوية على الرغم من عدم تلقيهم الطعام, ففي هذه الدراسات الكلاسيكية كانت توضع صغار القردة مع نوعين من الأمهات، واحدة منها مصنوعة من السلك، والأخرى مغطاة بنسيج وبري ناعم، وكل منهما كان لديه زجاجة للإطعام موضوعة في منطقة الصدر يطعم من خلالها، وأشارت النتائج أن جميع القردة فضلت أن تكون على مقربة من الأم ذات النسيج الوبري وتلتصق بها حتى وإن كانوا قد تلقوا التغذية من الأم السلكية فقط, وبالإضافة فعندما وضع المجرب عنكبوتا مصنوعا من الصوف داخل القفص وجد أن القردة بدا عليهم الخوف واتجهوا بسرعة نحو الأم ذات النسيج الوبري, بغض النظر إن كانت مصدر الإطعام أم لا؟ ولقد تحول كثير من علماء التحليل النفسي والتعلم الاجتماعي لنظرية بولبي في النمو الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الانفصال والتفرد : عندما يصبح الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، نجد أشكال ارتباطاتهم المبكرة تصبح أقل أهمية، ويتخلص الأطفال من قلق الغرباء، وقلق الانفصال, ويشير كويتس Coates وزملاؤه أن الأطفال ما بين 10-18 شهرًا يمكن أن يلاحظ عليهم بعض التغيير البسيط في ردود فعلهم للانفصالات الوجيزة القصيرة، وفي سن الثانية يكونون أقل قلقًا وانزعاجًا عما كانوا عليه في سنتهم الأولى وذلك عندما تتركهم أمهاتهم لدقائق معدودة، وطفل الثالثة أقل إزعاجًا من طفل الثانية، وطفل الرابعة نادرًا ما يتأثر, فأثناء نمو قدرة الطفل على احتمال الغرباء والانفصال يبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 في محاولته وسعيه للانفصال والتفرد عن الوالدين وهذه الأحداث النمائية تمهد السبيل لكي يؤكد الأطفال ذواتهم كأشخاص مستقلين. بدايات التفرد: أثناء السنة الأولى عادة ما نجد الأطفال يمكثون لفترة طويلة في المكان الذي تضعه فيه أمهاتهم، وأي سلوك يصدره الطفل في هذا الوقت مثل التقلب في الفراش أو الالتفات حوله عندما تحاول الأم تغيير حفاضته، أو رميه بكوب أو عمل ضوضاء، كل ذلك يكون عرضيًا بصورة كبيرة وغير مرتبط بأحاسيسهم تجاه الأم، وأثناء السنة الثانية نجد حدثين يحدثان: أ- تزداد مهارة الأطفال في تناول الأشياء والإمساك بها، والتحرك في الاتجاه الذي يرغبونه. ب- يبدأ الأطفال في تفهم أن سلوكهم يؤثر في أبويهم، وعلى الرغم من أن الأبوين والأشخاص الآخرين الذين يهتمون بتربية الطفل ما يزال لهم سيطرة ضخمة من الناحية الجسمية، ويمكنهم التحكم في كثير من أوجه الثواب والعقاب المعطى للطفل، إلا أننا نجد الطفل يدرك بأنه يمكنه التأثير فيما يشعر ويحس به الآباء. فالمهارات الحركية الجديدة في هذا السن، وبداية وعيهم بتأثيرهم على الآخرين تقود الأطفال إلى عمل الدلائل الأولية للاستقلال، فاستفزاز الأم عن طريق إسقاط اللبن، ورفض الإمساك بالطعام عندما تطلب منه ذلك، يدفع الأم إلى الاضطراب والارتباط بالإضافة إلى أن الطفل بمجرد أن يتعلم الكلام يمكنه أن يعبر عن حاجاته ورغباته الخاصة, واللغة في بداية الأمر تكون وسيلة تبادل سارة بين الآباء والأطفال, إلا أنها تصبح كذلك وسيلة من وسائل الصراع والإحباط عندما يتعلم الأطفال قول "لا"، وحالما يتعلمون هذه الكلمة نجدهم غالبًا ما يستخدمونها بتأثيرات جيدة، فإنهم يقولون "لا" ليس بهدف عدم رغبتهم في عمل بعض الأشياء، ولكن لأنهم يريدون إثبات ذواتهم بطرقهم الخاصة. وعن طريق مقاومة أو معارضة الآباء يبدأ الأطفال في تدعيم هويتهم المستقلة، فالخلفة أو العصيان غالبًا ما تكون معكرة ومزعجة للآباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 إلا أنها عملية ضرورية وجزء حيوي متعذر اجتنابه في مجرى النمو الإنساني, وفي حالة عدم حدوث هذا السلوك المعاكس من جانب الطفل حتى نهاية السنة الثانية فإنه يوجد بدلا منه ما يسمى بالأم التكافلية Symictic Mother في علاقتها بطفلها، والأطفال التكافليون كامتداد لأمهاتهم، حيث لا يحدث لديهم تقدمًا نحو بناء أنفسهم كأشخاص متميزين مستقلين وعلى الرغم من أن التكافلية تعتبر بمثابة شيء عادي في الطفولة المبكرة إلا أن استمرارها في سن الثانية غالبًا ما يكون علامة مبكرة للنمو غير السوي. الاستجابات الأموية للتفرد: إن نتائج الملاحظات الإكلينيكية لمارجريت ماهلر M. Hahler وبندك T. Benedek؛ "1968", كشفت أن الآباء خاصة الأمهات عادة ما تستجيب بصورة مختلفة لتفرد أطفالهن، ومن الناحية العقلية يجب أن تكون الأمهات في سرور وإشباع عند تزايد استقلال أولادهن، وعلى الرغم من أنهن قد يشعرن ببعض التوق للارتباطات المبكرة مع أطفالهن، إلا أنهن يجب أن يرحبن بإنجازات أطفالهن الجديدة ويشبعون عندما يرون طفلهن معتمدًا على ذاته, وجدير بالذكر فإن الأمهات اللاتي يمكنهن التوافق مع هذه التغيرات الجديدة التي تحل بالطفل عادة ما يملن إلى توفير نوع ثابت من العناية والراعية كلما درج أولادهن نحو مدارج النضج والنمو. ومن جانب آخر قد نرى بعض الأمهات يستمتعن بالعناية بأطفالهن الذين يكونون معتمدين كلية عليهن، إلا أنهن يشعرن بالقلق عندما يبدأ الأطفال في النضج كأفراد مستقلين وعادة ما يشبع هؤلاء الأطفال أمهاتهم في أن يكونوا تحت ضبطهم وتحكمهم الكامل, ولكن عندما تعوق عملية التفرد هذه التكافلية فإن بعض النساء قد ينظرن إلى إشباع في اتجاه آخر، بمعنى أن يحملن مرة أخرى وأن يكون لهن أطفال صغار جدد للعناية بهم عندما يصل السابقون إلى سنوات ما قبل المدرسة، وعمومًا فإن اهتمام ورعاية الأم تميل إلى أن تضعف تدريجيًا وبصورة جوهرية عندما يبدأ الأولاد النامون في تأكيد ذواتهم واستقلالهم. وصنف آخر من الأمهات, نجدهم أكثر اهتمامًا وسرورًا كلما تدرج طفلهم في مدارج نموه، كما يسرون بتفرد أطفالهن وينشرحن كذلك بازدياد قدرة الأطفال على الاتصال مخلصة إياهن من العبء والإرهاق في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 التفسير والتأميل, وعندما يصل أطفالهن إلى سن ما قبل المدرسة يستمتعن بإجراء المناقشات معهم ويرضون بأن يكون لأولادهن رفاق وأصدقاء، وجدير بالذكر فإن هذا الصنف من النساء يملن إلى أن يكن أكثر تكريسًا وإشباعًا لأطفالهن بعد انعزالهم أو انفصالهم عنهن. الاتجاهات نحو العالم: بنهاية عام الوليد الإنساني الثاني، يبدأ الأطفال في تكوين اتجاهات عامة تجاه عالمهم، وأول هذه الاتجاهات التي تظهر ما يسميه أريكسون Erikson؛ "1959" بإحساس الثقة، وهو إحساس عام مؤداه أن حاجات الطفل سوف تقابل وتشبع وأن هذا العالم مكان أمن صدوق. وكمية الثقة أو عدم الثقة التي ينميها الأطفال خلال السنتين الأوليتين يعتمد نحو العالم بواسطة الطريقة التي يستجيبون بها إلى حاجاتهم, فالأم التي تستمتع بالعناية بأطفالها حيث تميل إلى إطعامهم بطريقة متمهلة متروية ومتحررة من التوتر العصبي، وتعانقهم وتحتضنهم وتلعب أو تلهو معهم, ومن جانب آخر نجد الأمهات اللاتي يمتعضن ويستأن من مطالب أطفالهن، قد يطعموهن بطريقة متعجلة آلية وغير مهتمين أو مبالين. هذه الأنماط الأموية المختلفة يمكن أن تؤثر في مدى توقع الطفل الاستقبال الدافئ الحاني من الآخرين وكذلك في مدى توقع الاستجابة الباردة المتذمرة أو الحاقدة، وبهذه الطريقة نجد الأطفال ينمون إما إحساس الثقة في عالمهم، ناظرين إليه كمصدر معول يعتمد عليه للارتياح والدعم, أو إحساس عدم الثقة أو عدم الأمان فيما يزوج به أو يدخر به عالمهم لهم, ولقد أكدت عديد من الدراسات النفسية أدوار الآباء في تدعيم إحساس الطفل بالثقة, وتشير هذه الدراسات أن الأمهات اللاتي يتسمن بالحساسية لحاجات أطفالهن، والأكثر رقة وحنانًا واللاتي يتسمن بسرعة الاستجابة والاستثارة في العناية بالأطفال، فإن أطفالهن يميلون بدرجة أعلى إلى تنمية اتجاهات الأمن أكثر من اتجاهات عدم الأمان نحو العالم Ainsworth & Others؛ "1973", كما أن الأطفال الذين اتسموا بالأمن في هذه الدراسات كانوا ذوي مطالب قليلة بصورة نسبية على أمهاتهم، ويشعرون بالأمن والارتياح عندما تتركهم لكي يكتشفوا بيئاتهم، ويحتملون انفصالات وجيزة دون أن يكونوا مصدرًا للإزعاج, ومن جانب آخر يتسم الأطفال غير الآمنين بميلهم للالتصاق بأمهاتهم، ويطلبون انتباه الآخرين لهم ويترددون في اكتشاف بيئاتهم، ويتميزون بالإزعاج بصورة واضحة عندما يفصلون لفترات وجيزة عن أمهاتهم واتصف الأطفال الآمنون كذلك بالثقة لتلقي الاهتمام والرعاية عندما يحتاجون إليها، ويدركون أنه يجب ألا يبحثوا عنها ولا يلتمسوها باستمرار أو أن يكونوا ملتصقين وقريبين من مصدرها، في حين أن الأطفال غير الآمنين لم يكن لديهم هذا الإحساس في تلك الثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها: تأثير الآباء على نمو شخصية أبنائهم يحدد جزئيًا بواسطة الاختلافات الولادية بين الأطفال والتي تؤثر في كيفية معاملة آبائهم لهم, فالأطفال يختلفون منذ الميلاد في عديد من جوانب سلوكهم، ويتضمن ذلك مستوى أو معدل النشاط وعادات تناول الطعام والنوم، ودرجة الحساسية للاستثارة، فبعض الأطفال نجدهم مثيرو للضجة الشديدة، سريعو الغضب والانفعال, سريعو الاهتياج ومن الصعب إرضاؤهم في حين نجد أطفالا آخرين يتسمون بالهدوء، لا يسألون أو يطلبون شيئا وقد يبدي البعض درجة كبيرة من التأثير والعاطفة، ونضجًا عقليًا وجسميًا سريعا، في حين قد نجد آخرين يسيرون ببطء في مجرى نضجهم ونموهم، متحكمين في انفعالاتهم إلى حد ما. إن تأثير هذه الاختلافات الولادية على الآباء معروفة جيدًا، فالأطفال الذين يمكن ترويضهم بسهولة، ويتسم نضجهم ونموهم بالسرعة ويبدو عليهم الابتهاج والمرح عندما يهتم بهم، هؤلاء الأطفال يميلون إلى جعل آبائهم يشعرون بالبهجة في العناية والاهتمام بهم والذي يظهر من خلال تعبيرات الحب والتعاطف تجاههم. ومن جانب آخر فالأطفال الذين يتسمون بقلة الحركة والنشاط، وسرعة الاهتياج والغضب، والصياح والبكاء باستمرار، أو الذين نادرًا ما يبتسمون أو يثرثرون أو يلتصقون بآبائهم يميلون أن يؤثروا تأثيرًا أقل على آبائهم، وعادة ما يكونون محبطين لآبائهم الذين يضعف عندهم الدفء والاهتمام بأطفالهم، وقد يصبح الآباء باردين نابذين في استجاباتهم وقد يتطور إحساسهم إلى الرفض، ولا يرجع ذلك بسبب أنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 يتسمون بهذه الخصائص, وبالتالي فإن الأطفال يمكنهم تشكيل سلوك الآباء بالدرجة التي يؤثرون بها على آبائهم. كيف يؤثر الأطفال الذين يتسمون بالنشاط والانفعالية في أمزجة الكبار من حولهم؟ وعمومًا هناك العديد من الدراسات التي أشارت إلى الاختلاف في درجة الحساسية بين الأطفال, والتي تؤثر بدورها في سلوك الآباء، فدراسة شافر Sahaffer وأميرسون Emerson؛ "1964" التي لاحظت الأطفال مع أمهاتهم، أجرت تصنيفًا لأطفال الدراسة, "المعانقون ويلتمسون الدفئ في مقابل الأطفال غير المعانقين، وأشارت النتائج أن النوع الأول كانوا ينشدون الاتصال الجسمي مع أمهاتهم ويستمتعون به، بينما النوع الآخر كانوا كارهين للعناق والإمساك بهم حتى عندما كانوا في حالات خوف معينة أو محتاجين إلى الراحة, وهذه الاختلافات بين المجموعتين من الأطفال في درجة الحساسية والأمزجة، وكانت في سلوك الأم الموجه إلى طفلها. ولقد وصف كل من توماس Thomas وآخرين "1977" نتيجة إجرائهم سلسلة واسعة من الدراسات على الأطفال، ثلاثة نماذج من حساسية الأطفال والتي تبدأ مبكرًا في حياة الرضيع ويمكن الإشارة إليها فيما يلي: أ- الطفل السهل المريح Easy Child. ب- الطفل صعب الإرضاء Difficult Child. ج- الطفل بطيء المودة للآخرين Slow to warm up child. وكانت الغالبية من أفراد العينة تقع في الصنف الأول حيث اتسمت بالسهولة، واللين, تأكل وتنام بصورة نظامية، يتكيفون بطيب نفس وسرور للتغيرات، ويقتربون للمواقف الجديدة بارتياح ويظهرون أمزجة إيجابية في نغمتها ومعتدلة الشدة, ولقد مال الآباء إلى الاستجابة إلى هؤلاء الأطفال بإيجابية وغالبًا ما كانوا فخورين معتزين بنمو أطفالهم الهادئ والمجموعة الصغيرة كانت تتسم بأنها صعبة الإرضاء أظهرت الخصائص المعارضة حيث كانوا يأكلون وينامون بصورة غير نظامية جعل من الصعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 إطعامهم أو تركهم ينامون، وتكيفوا إلى التغيرات بصورة بطيئة، وكانوا يميلون إلى القلق والإزعاج في المواقف الجديدة وبجانب الأشخاص الغرباء، وغالبًا ما كانوا يتسمون بالمزاج السيئ صائحين ولديهم نوبات غضب حتى عندما يجابهون إحباطات عادية، وبسبب سلوك هؤلاء الأطفال صعب الإرضاء كان شعور الآباء تجاههم سلبيًا، بالإضافة إلى شعورهم بالذنب والقلق من احتمال كونهم السبب في هذه المشكلات عند أطفالهم، والحقيقة أن الآباء ليسوا مسئولين بدرجة كبيرة عن تلك الحساسية والمزاج المتقلب للطفل صعب الإرضاء, والأطفال من هذا النوع يمكن أن يتكيفوا تمامًا عندما يكبرون قليلا إن كان آباؤهم لديهم من الصبر الكافي لمساعدتهم على تعلم كيفية التغلب على الإحباطات التي تواجههم وزيادة قدرتهم على ذلك. وتشير نتائج دراسة Thomas وآخرين "1977" أن الأطفال بطيئو المودة وجد من الصعب عليهم التكيف للأفراد والمواقف الجديدة، إلا أنهم يعبرون عن ذواتهم بصورة صاخبة صارخة تمامًا، فهم يقلقون ويهتاجون بصورة معتدلة بالأشياء الجديدة أو يبدون مقاومة سلبية غير فعالة كما في حالة تركهم الطعام يسقط من أفواههم، ولكنهم لا يلفظون الطعام بعنف كما في حالة الطفل صعب الإرضاء, ويمكن أن يتجاوز هؤلاء الأطفال تلك المشكلات الشخصية في حالة وجود الآباء ذوي الصبر، والذين لا يدفعونهم إلى الإسراع في أوجه نموهم أكثر مما لديهم وما بإمكانياتهم بالإضافة ألا يفقدوا الاهتمام والميل إلى رعايتهم والاهتمام بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 تطبيقات لتنشئة الرضيع : من استعراضنا لأنواع الدراسات التي عرضت فيما سبق، نستطيع أن نستنتج بأن علماء نفس النمو قد أدركوا أن كل مرحلة من الطفولة وبعض جوانبها تلازم وتصاحب مزاجًا خاصًا، ومعدلاتها النضجية، جميعها تتفاعل مع شخصيات الآباء لتحدد النموذج الأبوي في تنشئة الطفل، وعملية التفاعل هذه بين الآباء والأطفال تفسر حقيقة أن الأطفال الذين نشئوا في نفس الأسرة لا يكون لديهم بالضرورة نفس أنواع الخبرات مع آبائهم، كما أن الاختلافات الولادية بين الأخوة والأخوات تميل إلى أن تظهر استجابات مختلفة من الآباء والتي بدورها تؤثر تأثيرات مختلفة في نمو شخصيات أطفالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وفيما يتعلق بمسألة أوسع وهي تنشئة الأطفال, فإن دور المزاج في نمو الشخصية له تطبيقات ذات دلالة وهما. أولا: لا توجد طريقة متفردة أو طريقة مثلى في تنشئة الطفل، فسواء كان الطفل يستفيد من الإمساك به أو حمله في أغلب الأحيان أو في مناسبات، فإن ذلك يعتمد عما إذا كان الطفل يتسم بالألفة بطبيعته أو لا يتسم بها, وسواء كان الطفل يزدهر في نموه بسبب تعريضه لخبرات كثيرة جديدة، أو أنه قد يصيب نجاحًا أفضل عن طريق النظام المألوف العادي والبيئة المتغيرة ببطء يعتمد ذلك عما إذا كان هذا الطفل سهل الطباع أو غير ذلك. ومهما يكن فإننا يجب أن نضع في الاعتبار تدريبات الطفل "مثل الإطعام وتوفير الاستثارة والتدريب والتهذيب" ومهما كان هدف تنشئة الطفل "كمساعدته في أن يشعر بالأمان، وتمكينه أن يكون محبًا ومحبوبًا فإن ذلك يعزز من نضالهم للاستقلال, والطريقة الأكثر نفعًا وأحسن تأثيرًا في العناية بالأطفال سوف تختلف تبعًا لمزاج وحساسية الطفل الخاصة، وعلى ذلك فإن الملاءمة والتوافق الجيد بين مزاج الطفل وبين نموذج تنشئته وتربيته هو مفتاح النمو الإيجابي للشخصية, وأي توجيه أو إشارة بأنه توجد طريقة واحدة مثلى للعناية بجميع الأطفال يجب أن تؤخذ بتحفظ. ثانيًا: وعند دراستنا تأثيرات تدريبات تنشئة الطفل فإننا ابتداء يجب أن نسلم بالاختلافات المزاجية, وكذلك في درجة الحساسية، ولقد افترضت كثيرًا من الدراسات في هذا الميدان أن الأطفال يتشابهون بصورة أساسية وبالتالي فإن أنوع معينة من السلوك الأبوي قد تؤثر في كل الأطفال وبنفس الطريقة والنتيجة في كثير من الحالات كانت نتائج غير متسقة وخاطئة وجدير بالذكر فإن الخطأ في هذه الدراسات يمكن في أنها لم تضع في الحسبان تفاعل الآباء والأبناء ولم تول هذه المسألة الالتفات الكامل واللائق بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال: ناقشنا فيما سبق كيفية تأثير الآباء على سلوك أطفالهم عندما يكونون صغارًا, وهذه التأثيرات قصيرة المدى، حيث نجد الأطفال الذين تتسم أمهاتهم بالتعاطف والحب والود، والاستجابة لمتطلباتهم نجدهم يظهرون اتجاهات آمنة تجاه العالم المحيط بهم، كما أصبح الآن من المؤكد به أن الخبرات الأولى للحياة لها تأثير ذو دلالة في كيفية شعور وإحساس الأطفال، وكذلك لها تأثير أكيد في أفعالهم، وإن شئت فقل: لها تأثير فعال في جوانب شخصياتهم المختلفة, ومع ذلك فسواء كانت لهذه الخبرات المبكرة تأثيرات طويلة المدى بمعنى أنها تستمر ولها الاستمرارية في نمو الشخصية من الطفولة المبكرة إلى الوسطى وما بعد ذلك إلا أننا يجب أن نكون على حذر من التعميم على جميع الأطفال حيث أبانت التجارب أننا يجب أن نحذر من التنبؤ العام بالسلوك القادم عند الأطفال, ولذلك فإنه عند تأملنا لنتائج الدراسات النفسية عن التأثيرات طويلة المدى لتدريب الأطفال, لا نرى نتائج متسقة ومتناسقة في هذا المجال. فمثلا يشير Caldwell؛ "1964" أن نتائج كثيرًا من الدراسات كانت خاطئة بسبب اعتمادها على ذكريات الأمهات بما كان عليه أطفالهن، أو كيف كانوا يهتمون بهم، فإن نتائج هذه الدراسات الاسترجاعية لا تكون مؤكدة وموثوق بها بدرجة كبيرة حيث أن الذاكرة الإنسانية غير كاملة, فالأفراد غالبًا ما يتذكرون ما يحبون تذكره أو ما يريدونه، وليس بالضرورة ما حدث بالفعل. وجدير بالذكر فإنه يمكن الاعتماد فقط على نمط الدراسات التي قامت على أساس الملاحظة والتي فيها يرى الباحثون ويسجلون التفاعلات الوالدية مع الطفل عند حدوثها, تلك الدراسات يمكن أن تمدنا بمعلومات وبيانات صادقة ثابتة لتقييم التأثيرات طويلة المدى لهذه التفاعلات. وحيث إنه لا توجد إلا دراسات قليلة قامت على أسلوب الملاحظة طويلة المدى، فما زال هذا الميدان مبكرًا في سيكولوجية الطفولة ويحتاج إلى أعمال ودراسات كثيرة للتعرف على التأثيرات اللاحقة لخبرات الطفولة, كما أن دراسات ملاحظية قليلة والتي أجريت في الماضي أظهرت علاقة بسيطة بين سلوك الطفل وخصائص الشخصية في المراهقة والشباب, ويشير كلارك Clark؛ "1977" أن الاتجاهات التي تتكون في الطفولة بعيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 على أن تثبت فالخبرات اللاحقة تكون أنواعًا جديدة من الاتجاهات كما أنها تتعدل أو حتى تعكس الخبرات القديمة، ومع ذلك فإن دراسات أخرى أبانت الاستمرارية في نمو الشخصية منذ الطفولة المبكرة للأسباب الآتية: 1- على الرغم من أن الأطفال يمكن أن يتغيروا بصورة دراماتيكية مثيرة، إلا أن ذلك نادرًا ما يحدث, فإذا نموا تحت ظروف مستقرة مع تغييرات قليلة من سنة إلى أخرى في الأفراد والمواقف التي يتعرضون لها، فإنهم قد يظهروا بمرور الوقت نمطًا متسقًا من الشخصية بصورة عادية. 2- ويشير Kagan أن هذه الاستمرارية تتضح بشدة في الخصائص الشخصية المتطرفة أكثر من الخصائص الشخصية العادية ولذلك فإن الطفل غير الآمن بصورة متوسطة قد يصبح أكثر أمنًا إذا كانت لديه خبرات إيجابية لاحقة في الطفولة الوسطى، بينما الطفل القلق غير الآمن بصورة شديدة يميل إلى عدم تغير استجابته في الخبرات اللاحقة. 3- ويشير Halverson وآخرين "1976" أن هناك استمرارية لمزاج ودرجة حساسية الطفل، على الرغم من عدم وجود هذه الاستمرارية في أنماط واقعية، فالمزاج يعزى إلى الطريقة التي يتحرك بها الطفل ويتكلم ويفكر، في حين تعزى الدافعية في ماذا يفعل الطفل بالفعل؟ وماذا يقول؟ وماذا يفكر؟ وأحد الأمثلة لاتساق مزاج الطفل يمكن أن تلاحظ في معدل نشاطه حيث نرى الاستمرارية في ذلك، فالطفل السلبي يميل إلى أن يكون مراهقًا معتمدًا متكلا وكذلك راشدًا معتمدًا على الآخرين. 4- وعلى الرغم من أن اتجاهات الطفل في عمر زمني معين، ليست بالضرورة يجب أن تؤتى في عمر زمني لاحق، إلا أنها تميل إلى أن تحدث فيما بعد، فالطفل ذو العامين الذي يتسم بشعور ثابت من الثقة في عالمه المحيط به، قد يستمر في تفاؤله هذا وقد لا يستمر، ويعتمد ذلك على طبيعة الخبرات المستقبلية, ومع ذلك فلإن هذا الطفل سوف يستجيب بصورة مختلفة عن الآخر الذي يتسم بعدم الآمن وعدم الثقة للمطالب النمائية لسنوات ما قبل المدرسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 العناية وتدليل الأطفال: عادة ما يقال أن الطفل المدلل سيصبح فيما بعد طفلا تالفًا فاسدا، ووفقًا لهذه الأقوال المأثورة فإن السماح للأطفال بأن يسلكوا وفقًا لطرقهم الخاصة يشجعهم بأن يصبحوا أطفالا كثيري التساؤل وغير مطيعين. ولقد أشار جون واطسون J. Watson مؤسس علم النفس السلوكي إلى تبرير عقلي لهذا الاعتقاد، في أن الأطفال المشبعين في حاجاتهم له تأثير على السلوك المتسائل المكافئ والمدعم, وينصح واطسون الأمهات في أن يطعمن أطفالهن في جدول محدد وألا يستجبن إلى صراخ جوعهم حتى لا يؤدي ذلك إلى فسادهم فيما بعد، كما أشارت نتائج دراسات أخرى أن التقاط الرضيع وحمله عندما يصيح يميل إلى تشجيع سلوك صياحهم وبكائهم وبالتالي فإن ذلك السلوك من جانب الأم يسهم في إفساد الطفل فيما بعد. وعلى الرغم من عمومية وانتشار مثل هذه الأفكار والمعتقدات، إلا أن الدلائل المتاحة تشير إلى اتجاه آخر, فمثلا تشير نتائج دراسات يارو Yarrow؛ "1975" أن الآباء الذين يستجيبون لصراخ وبكاء أطفالهم, فإنهم بذلك يميلون إلى توفير ظروف الدفء والتعزيز التي ستوقف البكاء، وبالتالي يمكنون أطفالهم بالشعور بالأمن وجعلهم أقل ميلا للبكاء وفي طلب الانتباه غير العقلاني في المستقبل, ومن جانب آخر نجد الآباء الذين يتجاهلون أو يتوانون في الاستجابة لبكاء أطفالهم خاصة في الشهور الأوائل من حياتهم، يميلون إلى جعل أولادهم مصدرًا للإزعاج والجلبة ودائمي الصراخ والصياح, وبصورة مماثلة فإن الأطفال الذين نجد آباءهم يهتمون بهم بصورة كبيرة في ضبطهم وتدريباتهم, أكثر من نواحي إشباعهم. هؤلاء الأطفال يميلون إلى أن يكونوا غير مستجيبين لأوامر الآباء ومطالبهم في سنتهم الثانية، ويشير بيل Bell وآخر "1972" أن الأطفال الذين يكون صياحهم مسموعًا ويستجاب إليهم بدون إبطاء وبعناية وبحب, ويميل هؤلاء الأطفال إلى أن يكونوا غير متسائلين بصورة نسبية ويرضون بسهولة، ويسلكون سلوكًا سويًا إلى حد ما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5" النمو الجسمي: إن السنوات ما بين الثانية والخامسة -سنوات ما قبل المدرسة- أقل إثارة أو فجائية من فترة السنتين الأوليين من حياة الوليد البشري فيما يتعلق بالنمو الحركي, ولا يوجد في النمو الجسمي لأطفال ما قبل المدرسة شيء نستطيع مقارنته بالتغير أو الإثارة التي تحدث للرضع بصفة عامة، حيث نجدهم يجلسون ويقفون ويمشون لأول مرة, وليس معنى ذلك أن النمو الحركي أثناء سنوات ما قبل المدرسة يتوقف، ولكنه يتسم بالتدرج ويكون أكثر تنوعًا، وأكثر ارتباطا بنماذج معينة من الخبرة والتدريب إذا ما قورن بالنمو الذي يحدث للرضيع, وعلى نقيض النمو الحركي نجد النمو العقلي حيث تحدث تغييرات كبيرة أثناء فترة ما قبل المدرسة أكثر مما نجدها لدى الرضع, بالإضافة إلى وجود ثمة إشارات ذات أهمية من التعلم والإدراك والتفكير والتذكر واللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 النمو الجسمي والحركي : نمو طفل ما قبل المدرسة في الوزن والطول أقل سرعة عما يكون عليه عندما يكون رضيعًا، ولكن نلاحظ استمرار الزيادة في الوزن والطول بصورة أسرع عما سيكون عليه الطفل في الطفولة المتوسط, ففي سن الثالثة يصل طول الطفل إلى ثلث طول الراشد تقريبًا، وعند سن الخامسة يكون متوسط الطول 40-42 بوصة، وهذا يعني أن الرضيع الذي انتهى في السنتين الأوليين من 20-21 بوصة في طوله ينمو بمعدل 7-8 بوصات كل عام ونجده فيما بين 2-5 سنوات يكون معدل الزيادة في الطول ما بين 3-4 بوصات كل عام، كما أن الوزن يصبح أقل وقد يتوقف لفترة في حالة الطفل النامي الثقيل والذي يصبح أطول وأكثر نحافة بدون أي زيادة في الوزن أثناء فترة ما قبل المدرسة. وأحد الإنجازات الحركية الرئيسية لفترة سنوات ما قبل المدرسة تتمثل في تدريب التواليت Toilet Training, وعادة ما نجد تدريبات الإخراج تسبق تدريبات المثانة لأطفال هذه الفترة, وذلك لأنه من السهل للأطفال ضبط والتحكم في حركات الأمعاء أكثر من ضبطهم وتحكمهم في بولهم وعلى الرغم من أننا قد نجد الأطفال يكون هذا التتابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 معكوسًا لديهم، إلا أن الأغلبية تتحكم في الضبط الإخراجي قبل أن يتمكنوا من التبول خاصة التبول الليلي, وأغلب الأطفال يصلون تقريبًا إلى ضبط البول والإخراج في سن الثالثة, ولكن توجد فروق واسعة وتكون مرتبطة بنضج عضلات التحكم الشرجي والعضلة العاصرة لجنس الطفل، وكذلك لاتجاهات الوالدين فالأطفال عمومًا لا يمكنهم اجتياز تدريبات التواليت إلا بعد أن يكونوا من الناحية الجسمية قادرين على ضبط التحكم في التبول وكذلك التحكم في عضلات الأمعاء والبنات تصل إلى ضبط تدريب التواليت مبكرين عن الذكور، في حين نجد الذكور أميل إلى الاستمرار في التبول الليلي لمدة أطول من البنات, وعمومًا فإن كلا من الذكور والإناث في سنوات ما قبل المدرسة لا يكون لهم إلا أحوال قليلة لعملية التبول اللاإرادي. وكثير من الأولاد والبنات يدربون أنفسهم بالإشارة إلى والديهما متى يحتاجون الذهاب إلى دورة المياه، وبالنسبة لأطفال آخرين، نجد سن تدريب التواليت يعتمد على الوقت الذي يبدأ فيه الوالدين تدريب أطفالهم وكيفية, ممارستهم لذلك، ويتم ذلك بأخذ الطفل إلى التواليت في فترات منتظمة، أو في الوقت الذي يبدو أنه في حاجة إلى ذلك, ويشير Baler؛ "1975" أن الأطفال الذين يستمرون في بلّ اسرتهم أو اتساخ ملابسهم في فترة الطفولة الوسطى فإننا نجدهم يعانون من تأخر النمو في الجهاز العضلي أو من مشكلات انفعالية معينة أو من مزيج من الظاهرتين السابقتين, ويجب أن يناقش آباء هذه الحالات تلك المشكلة مع طبيبهم الخاص أو مع أخصائي في الصحة النفسية لتدارك هذا النمو غير السوي. ونمو طفل ما قبل المدرسة يكون واضحًا وظاهرًا في جوانب أخرى كذلك، فإن معظم أطفال العامين يمكنهم أن يطعموا أنفسهم إلى حد ما، وفي سن الثالثة تقريبًا يمكنهم استخدام المعالق والشوك ببعض الإتقان. ولكن استخدام السكين لقطع اللحوم أو قطع الزبدة تتطلب اتساق أكبر، ولا يتقنون ذلك إلا بعد سنوات قادمة, وفي سن الثالثة نجد كثيرًا من الأطفال يمكنهم خلع ملابسهم بأنفسهم إلى حد ما, وفي سن الرابعة يستطيع الكثير منهم أن يرتدي بصورة جزئية ملابسه، ويتضمن ذلك استخدام الزراير والسوستة كما أن القدرة على لبس الأحذية وربط رباط الأحذية عادة لا تتم إلا في سن الخامسة أو السادسة. "جيزل" Gesell؛ "1940". وعلى الرغم من أن الأطفال قد تعلموا في هذا السن الإمساك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 بالشوك والملاعق والسكاكين بطريقة مقبولة اجتماعيًا إلا أن هذه الأدوات يجب أن لا تعطى لهم إلا بعد تمكنهم من قدرة حركية مناسبة لكي يستخدموها ويكون ذلك في سن السادسة أو السابعة تقريبًا, ويجب أن يكون الآباء متسمون بالصبر مع أطفالهم عند استخدامهم المعالق والشوك والسكاكين استخدامات غير ماهرة أو غير ملائمة. ومن بين الإنجازات الحركية الكبيرة لفترة ما قبل المدرسة، التوازن والتسلق وقذف الكرة, وفيما يتعلق بالاتزان نجد معظم أطفال الثالثة يمكنهم المشي بطريقة مستقيمة مقبولة على الأرض، إلا أنهم لا يمكنهم السير في ممر دائري حتى سن الرابعة أو الخامسة, ولا يستطيعون كذلك الوقوف على قدم واحدة وأيديهم على صدورهم لمدة ثوان قليلة إلا بعد وصولهم إلى الخامسة من العمر تقريبًا, ويبدو أن البنات أحسن من الأولاد في هذه العملية حيث يمكنهم الوقوف لمدة أطول في الوضع سابق الذكر. كما أن لعب عارضة الاتزان يظهر تقدمًا تدريجيًا مع تقدم السن، فأطفال العاملين يمكنهم إجراء محاولة الوقوف على العارضة والأطفال الأكبر قليلا يحاولون المشي على المعارضة وأطفال الثالثة عمومًا يمكنهم أن يبدلون أقدامهم ويتحركون على ممر طوله 7.5 متر وعندما يصل الأطفال إلى 4.5 سنة يمكنهم السير باتزان على العارضة وبسرعة وبدون تردد. Keogh؛ "1965". أما التسلق، يحدث كذلك نموا مطردًا لدى الأطفال فيه متضمنا العوامل الانفعالية بالإضافة إلى العوامل الحركية, فأحد العناصر الأساسية في كل من الاتزان والتزحلق هو الخوف من السقوط, وعادة ما يلاحظ التزحلق لدى الأطفال الذين يحاولون التقدم ببطئ على أعلى سلالم أو درج سهل, وبمجرد أن يبدأ الأطفال المشي يمكنهم صعد الدرج إلى أعلى ولكن دون تناوب أو تعاقب القدم، وعندما يصل الطفل إلى 4.5 سنة عادة ما يمكنه أن يناوب بين الخطوات وعادة ما نجد الأطفال الصغار لا يحاولون النزول أسفل بمفردهم، كما أن قدرة الأطفال فيما بين 2-5 سنوات على الرمي تتقدم بطريقة مماثلة. ونشاطات اللعب في تلك الفترة تعكس كذلك نضج أطفال ما قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 المدرسة في قدراتهم الحركية، ففي الملعب يمكنهم الصعود والهبوط من على الكتل أو الألواح المتزحلقة، ويمكنهم الجلوس فوق المرجيحة ويدفعون بأنفسهم إلى أسفل, ويمكنهم استخدام بعض الأدوات خارج المنزل كركوب المزالج التي تشد إلى نعال أحذيتم والدحرجة بها، وركوب الدراجة يكون شائعًا بين أطفال ما قبل المدرسة إلا أن ركوب الدراجة ذات العجلتين يكون أصعب ولا يحدث ذلك إلا في سن الخامسة أو السادسة تقريبًا, ومرة أخرى نجد الأطفال قد يخافون من ركوب الدراجة ذات العجلتين بسبب احتمالات سقوطهم على الأرض, وهذا الخوف قد يكون عائقًا كبيرًا لبعض الأطفال كما هو الحال في عارضة الاتزان. أما اللعب الحركي البسيط، فإن أطفال ما قبل المدرسة يمكنهم أداؤه، كالإمساك بالفرشاة ورسم الخطوط، والدوائر، وقطع الأوراق وعمل بعض الأشكال أو الملصقات كما يمكنهم التلوين بواسطة الأقلام والطباشير الملون، وبمجرد تعلمهم كيفية مسك الأقلام والطباشير الملون فإنهم يبدءون في الرسم بصورة عفوية تلقائية، وتظهر هذه الرسوم تقدمًا تدريجيًا مرتبطًا بأعمارهم الزمنية, وعادة ما يبدأ أطفال هذه الفترة ما يسمى بالشخبطة المتعجلة، ويتقدمون من ذلك إلى المرحلة المسماة بمرحلة الشخبطة Scirbble Stage. وبعد انتهاء مرحلة الشخبطة أو الرسم بعجلة وبدون عناية، تأتي مرحلة أخرى وهي الشخبطة المضبوطة Controlled Scribble Stage والتي نجد الأطفال يعملون رسومًا "خربشة" في اتجاه مرغوب فيه مثل الدوائر أو الأشكال المائلة المنحرفة, وما بين 4-7 سنوات نجد الأطفال يحاولون تقديم بعض الأشياء التي يرونها فيما يسمى بالرسوم التخطيطية القبيلية Preschematic، وعادة ما يبدأ الأطفال برسم الرأس وبعد ذلك يحاولون وضع العينين والأنف والفم ولكن ليست بالضرورة في أمكانها الصحيحة, وفي المرحلة التالية وهي المرحلة التخطيطية Schematic Stage والتي قد تظهر في الخامسة نجد الأطفال يقدمون الملامح الإنسانية الكاملة, وعادة ما يكون هذا الرسم لأنفسهم أو لأبيهم أو لأمهم Lambert؛ "1970" ولكي نشجع نمو هذه المهارات الحركية فيجب على الآباء توفير الأقلام الملونة والأوراق حتى يجرب الأطفال فيها، بالإضافة إلى المكان المناسب والملابس الملائمة لذلك النشاط, كما يجب أن يتحاشى الآباء أن يفرضوا على الأطفال ما يرسمون، ويسألوا الأطفال ما قد يرسمونه أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 رسموه بالفعل. ويجب أن نشير أن كلا من نشاطات لعب طفل ما قبل المدرسة والمهارات الحركية كلاهما يكتسب خلال هذه الفترة وتستخدم بصورة متزايدة لأغراض وأهداف اجتماعية وواقعية, على نقيض الأطفال الصغار الذين يندمجون في مهارات لعب تكرارية ينمون خلالها اتساقًا حركيا بسيطًا، إلا أن أطفال ما قبل المدرسة يميلون إلى توجيه لعبهم الحركي لبعض الأهداف العامة البعيدة وعلى الرغم من أطفال ما قبل المدرسة أحيانًا يجرون ويغنون ويرقصون بحماسة وحيوية، إلا أن ذلك غالبًا ما يحدث كجزء من مباراة معينة، فنجدهم يبنون المربعات أو الكتل الخشبية لعمل مرآب "جراج" ويلبسون دماهم كجزء من أجزاء لعبة ما، وتشير إلى ذلك ماريا منتسوري M. Montessori يعتبر اللعب بمثابة الشغل الشاغل للطفل الصغير، ولكنه يمكن أن يكون في بعض الأحيان بسيطًا لعرض الفكاهة وكذلك للتعبير الشخصي وبالتالي لا يكون دائمًا موجهًا للتكيف الاجتماعي. وعلى الرغم من أن السيكولوجيين يتفقون حول التفاصيل الوصفية للنمو الحركي، كما يبدو في نشاطات متعددة كالتحرك، والتنقل واللعب إلا أنهم يختلفون في كيفية اكتساب هذه النماذج الحركية، فلقد أشار بعض الباحثين إلى أن الأطفال ينمون الحركات التي تتسم بالمهارة عن طريق اكتساب معلومات وبيانات تلك النشاطات, وهذا يعني أن الطفل يجب أن يجرب حركة عارضة الاتزان مثلا، ويصححها تبعًا للتغذية الراجعة التي يتلقاها من قدميه, وعلى ذلك وفقًا لوجهة النظر هذه فإن الأفعال الماهرة، تصبح أكثر اقتصادية وأقل تغيرًا كلما خطا الطفل في مدارج النمو, ويشير باحثون آخرون أن اكتساب نماذج الأفعال الماهرة يعزى في مثير منه إلى الواجب ذاته بالإضافة إلى المعلومات والبيانات التي يمتلكها الطفل, وتبعًا لوجهة النظر هذه نجد الطفل يبني رد فعل معياري لمثيرات معينة والتي ينوعها لتتفق مع المواقف الجديدة، فمثلا يحاول الطفل في عارضة الاتزان نفس خطوات المشي والتي عادة ما يستخدمها على الأرض ولكن مع ازدياد تحكمه وتوازنه لكي تتناسب مع موقف المثير الجديد ونظرية المعيار البنائي Construction Standard هذه تشير إلى أن الطفل يبني مخططات معيارية لأنماط متنوعة من المهارات الحركية، كما أن المهارات الحركية الجديدة تكتسب عن طريق تعديل المهارات الحركية القديمة Keogh؛ "1971". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ويشير الاتجاه الثالث أن اكتساب الأفعال والحركات الماهرة يشبه النمو المعرفي بصورة عامة، خاصة النمو اللغوي، ففي إحدى الدراسات Good Son & Greenfield؛ "1975" أشارا إلى ثلاثة اتجاهات تميز النمو اللغوي عند الأطفال بمعنى أنها تندرج بصورة هرمية لتصبح أكثر تركيبًا وتعقيدًا. فالكلمة الواحدة يمكن أن تستخدم في أكثر من وظيفة في الجملة الواحدة، كما أن نشاطات اللعب تسير كذلك وفقًا للتنظيم الهرمي. ويجب أن نشير إلى أن هذه الاتجاهات الثلاثة ليست متعارضة كل منها بالآخر. فقد تكون مكملة بعضها البعض في طرق معينة، بالإضافة إلى أن هذه النظريات الثلاثة لم تتضج صورة كافية، ولم تتوفر البيانات والمعلومات لصالح واحدة دون أخرى. وعلى ذلك فإن هذه النظريات تشترك جميعها بصورة عامة في مفهوم أن الفعل الماهر يعتبر انجاز مركب ينمو تدريجيًّا، وقد يتبع نفس الخطوط العامة للنمو مثله مثل اكتساب اللغة أو اكتساب التفكير المنطقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 النمو العقلي مدخل ... النمو العقلي: إن نمو القدرات العقلية في أثناء فترة ما قبل المدرسة شيء غير عادي وجدير بالملاحظة مثل النمو الجسمي ونمو القدرات الحركية في أثناء فترة الطفولة المبكرة. ففي هذا الوقت نجد الأطفال ينمّون نماذج من المهارات التي نسميها بالذكاء العام General Lntelligence ويمكن أن تقاس باختبارات مقننة تشبه تلك الاختبارات التي تستخدم مع الأطفال الكبار والمراهقين والراشدين بالإضافة إلى استقرار وثبات مهارات أخرى مثل الإدراك والذاكرة والتعلم وحل المشكلة واللغة في أثناء هذه الفترة. وبسبب هذه التغيرات في قدرة الطفل العقلية. نجد مفهومه للعالم يتسع بصورة جديرة بالملاحظة. ويصبح كذلك أكثر عمقًا إذا ما قورن بما كان عليه في السنتين الأوليتين، وسنتأمل سويًّا في الصفحات التالية بعض من التغيرات غير العادية للنمو العقلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 قياس الذكاء : صممت اختبارات الذكاء في الأصل لأطفال ما قبل المدرسة. وكذلك أطفال سن المدرسة وأشارت إلى نموذج من القدرات يظهرها الأطفال في تكيفهم للمواقف الجديدة.. وبعض الاختبارات الفرعية لمقياس استانفورد بينيه S.B inet تشير إلى قدرات الأطفال ما بين 2، 5 سنوات التي يتوقع أن يكونوا عليها، وتتضمن الاختبارات الفرعية لقياس بينية قياس مدى الاتساق الحركي "وضع مربع خشبي صغير ومثلث ودائرة في أماكانها الصحيحة على لوحة ذات أشكال معدة لذلك"، وموقف آخر يسأل فيه الطفل أن يبني برجًا من قطع خشبية صغيرة، وتتطلب الاختبارات اللفظية من الصغار التعرف على ثمة موضوعات "كالكلب والسرير والكرة وهكذا" وذلك باسمائها، واختبار آخر يتطب من الطفل التعرف على صور موضوعات وأشياء واختبار آخر يشير إلى مدى تذكر الطفل في أن يحضر شيء ما قد خبئ تحت أحد أشياء ثلاثة. وبناء هذا القياس والذي يميل في الأصل إلى التمييز بين الأطفال العاديين والأطفال المتأخرون عقليًّا، أشار بينيه أن الطفل يمكن أن يعتبر متوسطًا إذا تمكن من أداء الأشياء التي يمكن للأطفال في مثل عمره الزمني أدائها، وعلى ذلك فإن هذا القياس ركز في تصميمه على قياس نفسي وليس قياسا ماديًّا، ومواقف هذا المقياس تدرجت لمستويات عمرية معينة تبعًا لعدد أطفال العينة المعيارية التي أجابت إجابات صحيحة على كل موقف. فمثلًا اختبر أطفال ذوي العامين باختبار بينيه وتمكن 15% من حل ثلاثة أشكال في لوحة الأشكال المثقبة وقليل جدًّا من أطفال العام الواحد تمكنوا ذلك، ولكن كل أطفال ذوي الثلاثة سنوات تمكنوا من حل المشكلة وبالتالي فإن هذا الاختبار وضع لمستوى العامين. ومقياس استانفورد بينيه يتضمن ستة اختبارات لكل مستوى عمري، واجتياز أي اختبار من الستة يكتسب الفرد شهرًا في عمره العقلي، وعادة ما يبدأ المختبر بالمستوى الذي يعتقد أن الطفل سوف يجيب إجابات صحيحة عن كل مواقفه. ويسمى ذلك بالعمر القاعدي Basal Age فطفل الأعوام الأربعة مثلًا يجب أن يجيب على كل اختبارات مستوى الثلاث سنوات، فإذا أجاب الطفل إجابات صحيحة على كل مواقف مستوى الثلاث سنوات، فإنه يتلقى تصديقًا بالمرور في كل السنوات السابقة لهذه السن. ويستمر الاختبار إلى أن يفشل الطفل في الإجابة على جميع مواقف مستوى عمري معينة ويطلق عليه بأقصى ارتفاع للطفل Childs Ceiling ودرجة الطفل تكون محصلة الدرجة القاعدية + عدد الشهور التي حصل عليها فوق هذه الدرجة القاعدية، والدرجة المحصلة الإجمالية بالسنوات والشهور تمثل العمر العقلي للطفل Mental Age. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وعلى الرغم من أن بينيه اعتقد أن العمر العقلي يعتبر مفهومًا مفيدًا يوضح المستوى الأقصى للعمر العقلي للحالة، نجد باحثون آخرون أرادوا قياسًا يمكن أن يظهر براعة الطفل في علاقته بأطفال آخرين، ولذلك قدم وليم ستيرن W.Stern الأخصائي النفسي الألماني مفهوم نسبة الذكاء والذي عرضها كما يلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 مقياس ديفيد وكسلر : اتجاه مختلف إلى حد ما لقياس الذكاء أشار أليه ديفيد وكسلر. D. Wechsler حيث طرق مفهوم العمر العقلي واستعمل درجات قياسية Point Scale للذكاء.. فبدلًا من حساب أداء الحالة بالسنين والشهور كما هو الحال في مقياس استانفورد بينيه، فإن أداء الحالة في مقياس وكسلر تحسب بالدرحات وبالتالي تحول مباشرة إلى نسبة للذكاء.. ومقياس وكسلر للذكاء "الأطفال ما قبل المدرسة، ولأطفال المدرسة، المراهقون، والراشدون" جميعها تقدم لنا ثلاثة نسب للذكاء "الذكاء اللفظي، والذكاء العملي أو الأدائي، ونسبة الذكاء الكلية". وبعض الأمثلة من طبعة وكسلر الجديدة لاختبار ما قبل المدرسة قد تساعد على توضيح القدرات المتطلبة للمقاييس اللفظية والعملية.. فأحد هذه الاختبارات يتعامل مع المعلومات أو البيانات العامة، ويتضمن أسئلة مثل، كم أذن لديك؟ ما الذي يعيش في الماء؟ واختبار لفظي للمفردات حيث يسأل الأطفال التعرف على قائمة من الكلمات الأكثر صعوبة كالمجهر بالحذاء. والسكين ويأخذ في التدرج للكلمات الأكثر صعوبة كالمجهر والمراهنة. واختبارات الأداء يسأل الأطفال الإشارة إلى الشيء الناقص في الصورة المعروضة "كأسنان المشط مثلًا" واختبار آخر يطلب من الحالة أن تبني شكل من المكعبات تشبه الصورة التي أمامه. وعلى الرغم من أن كل من مقياس بينيه ووكسلر يستعملان مواقف مختلفة إلى حد ما، ويستخدمان أدوات اختبار مختلفة، بالإضافة إلى طرق تقدير معينة، إلا أن الارتباط بينهما وصل إلى ما يقرب من. 75% وهذا يدل أن كل من المقياسين يقيس قدرة عامة أو ذكاء عام، بالإضافة إلى قدرات معينة متطلبة لمواقف المقياس المختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 اختبار القدرة اللغوية المصور ... اختبارات القدرة اللغوية المصور Peabody Picture Vocabulary Test: وهذا الاختبار أعده دان "1965" Dunn " إلا أن استخدامه محدودًا لحدودية القدرات اللغوية التي يقيسها وهذا الاختبار لا يرتبط بصورة عالية مع مقاييس بينيه ووكسلر، كما اتضح من الارتباط بين المقياسين الأخيرين ولذلك فإذا احتاج إلى أي أخصائي تقدير شامل للقدرات العقلية لطفل ما، فعادة ما يفضل أحد الاختبارين السابقين. وسؤال يطرح نفسيه الآن، لماذا نجد نتائج اختبارات ذكاء الأطفال ما قبل المدرسة وأطفال من المدرسة أكثر صدقًا وثباتًا عن نتائج اختبارات ذكاء الأطفال الصغار واللرضع؟ وتكمن الإجابة على هذا السؤال في أن الأطفال الأكبر عادة ما يكون لديهم القدرة اللغوية التي تجعل من الممكن لهم الاستجابة للتوجيهات والإشارات اللفظية، ويمكنهم إعطاء الاستجابة اللفظية لمواقف الاختبار، وعادة ما نجد الأطفال الكبار أكثر مهارة من الناحية الاجتماعية عن الأطفال الصغار وبالإضافة إلى أن تطبيق الاختبارات على الأطفال الصغار يتطلب مهارة كبيرة من جانب الفاحص، حيث يجب أن يشعروا بالارتياح والاطمئنان مع هذ الفاحص حتى يكون أداؤهم معبرًا عن قدراتهم. ولقد أشار هيدرستات H. Sart إلى العلاقة الإيجابية بين الشعور بالطمأنينة والارتياح وبين أداء الأطفال في الاختبارات، ويستطرد إلى أن ضعف أداء الأطفال المعوقين على مواقف الاختبارات يرجع في المقام الأول إلى ضعف العوامل الدافعية عندهم أكثر من ضعف قدراتهم العقلية، وثمة عوامل أخرى قد تسهم في الأداء الضعيف على الاختبارات العقلية مثل الحذر والخوف من الغرباء ورغبة الطفل أن يتخذ مستويات ضعيفة للإنجاز والدافعية الضعيفة التي تؤدي إلى الأداء الضعيف للحالة. ولاختبار هذه الظروف السابقة قام زبجلر Zigler وبترفيلد Butterfield بمقارنة أداء مجموعتين ثقافيتين مختلفين على اختبارات الذكاء، ومجموعة أخرى من الأطفال ضابطة لم يتلحقوا بدور الحضانة وأعطى جميع الأطفال اختبارين للذكاء في بداية العام الدراسي لمدرسة الحصانة. واختبارين آخرين في نهاية العام الدراسي، وطبق أحد هذين الاختبارين بطريقة معيارية أي طبق وفقًا للقواعد الموضوعة مسبقًا له حيث يكون الممتحنون في أثناء التطبيق محايدون، إلا أنهم يتسمون بالود نحو الأطفال في أثناء أدائهم للاختبار، وطبق الاختبار الآخر تبعًا للوسائل الأقرب إلى الكمال والفعالية، حيث بنى الممتحنين تفاعل اجتماعي سار بينهم وبين الأطفال، تاركين الأطفال يخبرون النجاح في المواقف السهلة، ومقللين إلى أدنى درجة حذر الطفل من الممتحن محاولين أن يدفعوا الطفل إلى العمل والإنجاز. وأشارت نتائج التجربة أن أداء الأطفال المتخلفون كان بصورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 أفضل في أثناء التطبيق الأول في بداية العام الدراسي تحت ظروف التفاؤل ذات الفعالية إذا ما قورن مع أدائهم تحت الظروف المعيارية، حيث أشارت النتائج أن الوسائل والأدوات المعيارية تؤثر في الإمكانية العقلية للأطفال المتخلفين، فعندما يدفع الأطفال بصورة حقيقية يمكن أن يتحسن أداؤهم على اختبارات الذكاء. وأشارت النتائج كذلك أن الأطفال الذين التحقوا بدور الحضانة أوضحوا ارتفاعًا محلوظًا ذو دلالة في معدل ذكائهم منذ البداية حتى نهاية العام. في حين أن الأطفال الآخرين لم يتضح لديهم ذلك، إلا أن هذا التحسن ظهر فقط على الاختبارات التي طبقت تحت ظروف معيارية وليس الاختبارات التي أعطيت تحت الظروف قريبة من الكمال أو التفاؤل. وبنهاية السنة الدراسية لوحظ أن معدل ذكاء أطفال دور الحضانة كما قيس بواسطة الاختبارات المعيارية ازداد بصورة ذات دلالة. ولقد كان ذلك واقع المجموعة الضابطة بالإضافة إلى أن الأطفال المتخلفون عندما دخلوا دور الحضانة لم يكن لديهم دافعية في العمل بصورة عالية في المهام المعرفية، وربما كان ذلك في الاستعداد الانفعالي والانتباه. ولذلك لم يتضح الحد الأقصى لقدراتهم عندما اختبروا تحت الظروف المعيارية المقننة ولوحظ كذلك أن ضعف العوامل الدافعية قد قل بعد شهور من دخول دار الحضانة وبالتالي كان أداء هؤلاء الأطفال جيدًا في الاختبارات المعيارية "المقننة". ويستنتج زيجلر من نتائج دراسته السابقة أن الالتحاق بدور الحضانة يعدل من اتجاهات ومن دافعية الأطفال المتخلفين أكثر مما يؤثر في قدراتهم المعرفية، وتشير الدلائل أن هؤلاء الأطفال لوحظ تحسن في آدائهم على الاختبارات في نهاية العام الدراسي. ولقد ناقشنا هذه الدراسة بصورة مطولة؛ لأنها توضح خطورة تفسير بيانات اختبارات الذكاء بدون فهم كامل وشامل للظروف التي يجري الاختبار فيها. ويشير Elkind أن أحد الباحثين قد كلف بقياس ذكاء أحد الأطفال تبلغ من العمر 6 سنوات، كانت سلبية وغاضبة طوال تطبيق الاختبار عليها وكما كان ظاهرًا أنها لم تؤد الاختبار بكل إمكاناتها وشخصت هذه الحالة بأنها تخلف عقلي، ولكن كان يجب أن يعاد تطبيق الاختبار مرة أخرى إلا أن النتائج كانت مطلوبة بصورة سريعة وبعد ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 فقد اتضح أن والد هذه الفتاة قد أخبرها بأنه سيأخذها في نزهة منفصلة لها وبدلًا من ذلك أحضرها إلى الأخصائي لقياس ذكائها وليس بمستغرب ظهور غضبها وإحباطها، فقد كان مجال تطبيق هذا الاختبار متنفسًا عن غضبها وإحباطها، ونتائج الاختبار التي يحصل عليها تحت هذه الظروف يجب أن تفسر وتحلل بحذر واحتراس، وعلى ذلك فإن درجات اختبارات الذكاء ليست مقاييس طبيعية مادية، حيث يمكن أن تعكس اتجاهات دافعية بالإضافة إلى القدرة العقلية، وسوف نعود مرة أخرى إلى مشكلات اختبارات الذكاء فيما بعد. وقبل أن نختتم هذا الجزء في اختبارات الذكاء، يجب أن نشير أن بعض السيكولوجيين قد ارتابوا في جدوى وقيمة اختبارات الذكاء، ويستطردون بأنها لا تقيس التألق أو البراعة الفطرية Brightuess ويتضمن ذلك المهارات اللفظية والانتباهية واتجاهات الإنجاز، كما أن العناصر الثقافية تؤثر في أداء الأطفال، فطفل المدينة يختلف في أدائه عن طفل الريف ويجب أن نشير أن ذلك يرجع إلى مشكلة تقنين الاختبارات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 النمو الإدراكي : يتضمن الإدراك العمليات التي بواسطتها نقرأ البيانات والمعلومات التي تأتي إلينا عن طريق حواسنا.. ولقد أشارت الدراسات النفسية إلى الصورة العامة للنمو الإدراكي خلال سنوات ما قبل المدرسة، وأهم هذه الدراسات، دراسات جان بياجيه حيث يشير أن الإدراك ينمو في الصورة التالية: إدراك الطفل الصغير يميل إلى أن يكون مقيدًا بالسمات السائدة أو الخصائص الغالبة لشكل المثير. ومع ازدياد العمر للوليد البشري ونضج القدرات الإدراكية نرى إدراك الطفل يتحرر مع اعتماده المبكر على الخصائص المهيمنة والسائدة. وبالتالي نجده يمكنه التعامل مع الشكل وينظمه بصورة كلية عامة، وهذا التغير يمكن أن يلاحظ في الطريقة التي يؤدي بها الأطفال عدد من المهام الإدراكية المختلفة. وتؤكد دراسات "1961" Klkind ما ذهب إليه بياجيه حيث عرض على 195 طفلًا تتراوح أعمارهم ما بين 4، 9 سنوات، لوحة من الأشكال المرسومة، وسألهم أن يصفوا ما يشاهدونه، ووجد أن الأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الصغار ركزوا في وصفهم على أجزاء الصورة المعروضة عليهم وتجاهلوا الشكل العام، والبعض الآخر ركز على الشكل العام ولكنهم تجاهلوا الأجزاء وأشار الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8، 9 سنوات إلى كل من الشكل العام والأجزاء معًا. وهذه الدراسات تدعم وجهة النظر التي تشير إلى أن الأطفال مع ازدياد عمرهم الزمني كلما كانوا أسرع في عملية التنظيم الإدراكي، وكلما كانت مدركاتهم أكثر تكاملًا. وتؤيد دراسة هويت سيد "1976" Whiteside ما ذهب إليه الكيند Elkind أن النمو الإدراكي يظهر في الحقيقة التي مؤداها أن الطفل يفضل تنظيم وترتيب المثير الأكثر تركيبًا وتعقيدًا، قبل أن يصبح قادرًا بصورة جيدة على التعامل معه، وعمومًا فإن كل من التركيب وغير المألوفية اتفق على أنهما بمثابة مثيرين يوضحان السلوك الاستكشافي من جانب الأطفال. وتبعًا لذلك فإننا من الممكن أن نتوقع كلما نضج الطفل في عمره الزمني كلما أصبح قادرًا وبصورة متزايدة على التعامل مع المثيرات الأكثر تركيبًا وتعقيدًا، حيث يكون أكثر حبًّا للاستطلاع لها ويفضلها عن المثيرات الأقل تركيبًا وتعقيدًا. وجانب آخر من النمو الإدراكي الذي يشير أن الأطفال الأكبر تزداد كفايتهم وأهليتهم سمي بالتحول الانتقالي المشروط Fer Cross Modal Trans وهذا التحول يتمركز في المقارنة بين ما خبر بمشروطية أو صورة معينة وبين ما خبر في أخرى. فمثلًا قد يعرض على طل صورة أو شكل معين ويطلب منه العثور بواسطة اللمس، وعادة ما نجد الطفل يضع يده داخل صندوق معين وبالتالي لا يستطيع أن يرى شيئًا ويطلب منه احضار الشيء الذي عرض عليه، أو قد يطلب من الطفل الإمساك بشكل معين، وعليه أن يكتشفه عندما يراه. وعلى الرغم من أن هناك جدل يدور حول ما إذا كانت التمييزات اللمسية بسيطة كما هو الحال في التمييزات المرئية، إلا أن الإجابة عن هذا التساؤل تعتمد أساسًا على الأشكال التي تُستخدم. ففي إحدى الدراسات مثلًا وجد أن التغير في الخيط المنحنى قد أمكن تمييزه في عمر مبكرة بواسطة العين أكثر من تمييزه باليدين، وفي جميع التجارب لوحظ أن التحول الانتقالي المشروط قد تحسن بصورة ملحوظة مع تقدم الطفل في عمره الزمني، كما أن هذه التجارب قد أشارت إلى أن الإدراك لا ينمو في فراغ، ولكن بالأحرى مع عمليات عقلية ودافعية أخرى وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ويرتبط النمو الإدراكي كذلك بنمو القدرة اللغوية فبالنسبة لأطفال سن الرابعة، والذين يتلفظون بصورة نشطة أسماء الأشكال يساعدهم على استدعائهما بطريقة أفضل إذا ما قورنت في حالة سماعها من شخص آخر، ومع ذلك فإن سماع الأسماء من شخص آخر يسهل عملية الاستدعاء إلى حد كبير إذا ما قورنت بعدم سماع الأسماء على الإطلاق وعمومًا فإن الطفل الذي يبلغ الرابعة من عمره عندما يقول الكلمة، فإن ذلك يحرك انتباهه إلى مدى أكبر من مجرد سماع الكلمة تقال بواسطة أي شخص آخر. واللغة قد تكون مفيدة للأطفال الصغر في إجراء تمييزات إدراكية ويرجع ذلك لصعوبة تركيز انتباههم بصورة انتقائية، والأطفال الأكبر سنًّا أميل من الصغار لاستخدام الانتباه الانتقائي وتجاهل الخصائص الإدراكية الثانوية والتي لا تكون مرتبطة أو ذات صلة بالعمل المعطي. واللغة كما أشرنا يبدو أنها تفيد الأطفال الصغار في جذب الانتباه إلى المثيرات وثيقة لصلة أو المرتبطة بالموضوع وبالتالي يتحاشوا الاضطراب أو اللهو، ويجب أن نشير في هذا المقام أن نصح أو تذكير الآباء لأطفالهم بقولهم: "انظر أو انتبه ماذا تفعل"؟ تحتاج هذه العبارة إلى أن تكون أكثر تحديدًا حتى تكون ذات تأثير، فالأحسن للآباء أن يقولوا: "لاحظ أعلى الكوب عندما تسكب العصير فيه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 التذكر : كيف يتذكر الأطفال الصغار ما يرونه؟ وما يسمعونه؟ والإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، حيث تعتمد في جزء منها على نوعية المادة التي تستدعي "لفظية أو مصورة" وتعتمد كذلك على نوعية التذكير، هل هو تذكرا قصير المدى Short Term Memory "كاستدعاء رقم تليفون معين نظرات إليه وقتًا كافيًا"، أم تذكر بعيد المدى Ory Long Term Mem "كاستدعائك رقم تليفونك أو عنوان مسكنك". وعمومًا فإن تذكر الأطفال يعتمد كذلك على مستوى نموهم. ومعدل قدراتهم المعرفية وأنظمة ترتيب سلوكهم. ويشير براون Brown وآخر "1972" أنه إذا افترض أن طفلًا يتذكر موضوعًا معينًا فهل من الأفضل أن نقدم له الموضوع نفسه، أو اسم هذا الموضوع، أو الاسم والموضوع معًا؟ وبمعنى آخر. هل يحتفظ الأطفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 بالخبرات المرئية أم الخبرات اللفظية أم ببعض من الاتحاد بين كليهما؟ وعمومًا فإن قدرة أطفال ما قبل المدرسة تميل إلى أن تكون غير عادية، وتفوق بصورة كبيرة تذكرهم لأسماء الأشياء والموضوعات. ففي إحدى الدراسات التي تؤيد الحقيقة السابقة، أجرى برلموتر Perlmutte وما يرز 1974 Mayers دراسة حيث عرض فيها أشكال وصور لأطفال في سن الرابعة، وأشارت النتائج أن 93% من أطفال الرابعة تمكنوا من استدعاء 16 شكلًا قدمت إليهم عن طريق الرؤية. إلا أن الذين استطاعوا استدعاء هذه الأشكال لفظيًّا لا يتجاوزون 71% فقط. وهذا يعني أن تذكر الأطفال للصور والأشكال تكون أحسن من تذكرهم الأسماء. وقبل ذلك أشرنا إلى أن قدرة الأطفال التعرف على قوائم الصور والكلمات غير المترابطة، ولكن ماذا يكون الحال بالنسبة للمادة النثرية الأكثر تركيبًا وتعقيدًا؟ هل يستدعي الأطفال الصغار كمية من الأفكار أكثر من صفحة نثرية، تكون الأفكار مرتبطة فيها، بصورة أفضل من تذكرهم لأفكار صفحة نثرية أخرى تكون فيه الأفكار غير مترابطة بعضها بالبعض الآخر. وتشير نتائج الدراسات أن الأطفال الصغار فيما قبل سن المدرسة تمكنوا من استدعاء الموضوع المترابط بصورة أفضل مما فعلوه مع الموضوعات غير المترابطة. وفي هذا الميدان نجد أداء الأطفال الصغار يشبه أداء الأطفال الكبار والراشدين، والاختلاف الوحيد بينهما أن الأطفال الصغار لم يتمكنوا من استدعاء كمية كبيرة من المواد أو الموضوعات. ويعن علينا تساؤل الآن، "كيف يتذكر الأطفال الصغار الأشياء والموضوعات المختلفة؟ وكيف يتذكرون قائمة من الكلمات أو صفحة نثرية أو سلاسل من الصور؟ وعمومًا فإنهم لا يملكون استراتيجيات لتذكر المواد كما نجد عند البالغين فالأطفال الكبار والراشدين مثلًا غالبًا ما يربطون العناصر الفردية إلى فئة أو صنف أكثر عمومية "فالقط والكلب والبقرة جميعها حيوانات، وبالتالي يمكن استدعاؤهم بسهولة عن طريق التفكير في صنف أو فئة أكبر" إلا أن الأطفال ما قبل المدرسة لا يكون الحال لديهم كما سبق حيث لا يملكون ثمة مهارات فئوية أو تصنيفية عامة، وعلى ذلك فإنهم قد يضعون الكلب والقطة معًا وليس معهما البقرة. وذلك لأن كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 من الكلب والقطة يعض، ويظل هذا الحال عند الأطفال الصغار حتى سن السادسة أو السابعة تقريبًا، حيث يتمكن الأطفال في هذه السن من عمل أشياء أو مواد مجتمعة حتى يمكن تذكرها تبعًا لأصنافهم أو فئات موضوعاتها. ومع ذلك، فالأطفال يكون لديهم بعض الطرق والوسائل القليلة لتذكر المواد والموضوعات، إلا أنها تكون محدودة جدًّا وتتصف بالبدائية إذا ما قورنت بالاستراتيجيات الفئوية التي يستخدمونها فيما بعد، فمثلًا عندما يطلب من طفل الثالثة تذكر أين اختفت الدمية فإنه عادة ما ينظر إلى المكان الذي توضع فيه الدمية، ومثله في ذلك مثل طفل العامين، وبالنسبة للأطفال ما بين 3، 5 سنوات فعند سؤالهم تذكر أين وضعت الدمية؟ نجد ذلك يساعدهم إلى توجيه انتباههم لمثيرات ذات علاقة ومرتبطة بالدمية، على الرغم من عدم تمكنهم حتى الآن استخدام استرايجيات تصنيفية فئوية. ناقشنا فيما سبق التذكر قصير المدى، أي انقضاء دقائق قليلة بين تقدم المادة واستدعائها أو التعرف عليها، ولكن ماذا عن استدعاء الطفل الصغير لأحداث انقضى عليها فترة طويلة من الوقت؟ ويشير كل من بياجيه وانهلدر 1968 Piager& Lnhelder إلى بعض الحقائق المثيرة في هذا الموضوع، ولكنه عملية نشطة، كما أن الخبرة الأصلية يمكن أن تجتاز كثير من التحولات قبل أن تستدعى. بالتالي فإن ما يتذكره الطفل قد لا يشبه بدقة الخبرة الأصلية. ومفهوم الذاكرة كعملية نشطة، ليست مفهومًا جديًّا، إذ أشار إليه فردرش بارتليت F. Bartlett وفرويد، في أن المواد التي تخزن في الذاكرة تخضع لتحولات تلقائية، وفي ذلك يشير بارتيت أنه في حالة استدعاء الحالات لقصص معينة عادة ما يزيدون من توضيح بعض الأجزاء ويختصرون ويوجزون في أجزاء أخرى. وأشار فرويد أن كثيرًا من الذكريات التي استدعاها مرضاه كانت مجرد اختلافات وتلفيقات تبنى بصورة لا شعورية لإبهام وإخفاء الأحداث المؤلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وجدير بالذكر أن ما أضافه كل من بياجيه وانهلدر للوصف السابق لتحولات الذاكرة يعتبر بمثابة بعدًا نمائيًّا، ففي سلسلة من دراساتهما أشارا أن تذكر الأطفال يبرز تغيرًا لنمو قدراتهم العقلية في التعامل مع العلاقات الكمية، ففي إحدى الدراسات عرض على أطفال من الرابعة إلى السادسة من العمر مجموعة من العصي ذات أطوال مختلفة ورتبت من الأصغر إلى الأطول ... وسئل الأطفال أن ينسخوا أو يقلدوا عمل هذه السلسلة من العصي، وبعد ذلك كلفوا برسم هذا النموذج من الذاكرة بعد رؤيتها مباشرة، وكررت هذه التجربة بعد ستة أشهر بعد ذلك. وأشارت النتائج أن أطفال سن الرابعة كانت لديهم صعوبة في نسخ نموذج السلاسل وفي تذكرها، وعادة ما كانوا يرسمون أزواجًا من العصي واحدة فيها أكبر من الأخرى، وأطفال الخامسة والسادسة كانوا أكثر دقة مما كان عليه أطفال الرابعة، وعادة ما كانوا يجرون نسخًا صحيحًا للنموذج ونتيجة ذلك كانت لافتة للنظر في هذه التجربة وهي عندما سؤال أطفال الرابعة أن يرسموا نموذج السلاسل بعد ستة أشهر من إجراء التجربة الأولى، أظهروا تحسنًا ملحوظًا وذو دلالة على رسومهم الأولى، ويعلق بياجيه وانهلدر على ذلك بقولهما، أن تذكر هؤلاء الأطفال لنماذج السلاسل قد تحول في انسجام ومطابقة مع قدرتهم النامية لترتيب عصي مختلفة الأحجام في هيئة سلسلة وجدير بالذكر أن هذه النتائج دعمت بنتائج دراسات أخرى عديدة. جملة القول أن كل من بياجيه وانهلدر قد أمدونا بدليل جديد للنظر إلى التذكر على أنه بمثابة عملية فعالة نشطة وليس عملية سلبية، ومن جانب آخر وجدنا كل من ارتيت وفرويد يشيران أن نشاط الذاكرة يعتبر عملية محرفة مشوهة بصورة أساسية، إلا أن كل من بياجيه وانهلدر يشيران بأنه ليس بالضرورة أن يكون التذكر على هذا النمط، فبالنسبة للأطفال الناميين فإن تذكر الخبرات السابقة يتحسن بتقدم العمر وكلما أعاد الطفل بناء هذه الذكريات مع عمليات عقلية ومفاهيم أكثر نضجًا. وفيما يتعلق بتذكر الراشدين لخبرات الطفولة المبكرة، فإن معظم الراشدين لا يمكنهم تذكر هذه الفترة من حياتهم بصورةكاملة، فقد يكون لدينا بعض من الذكريات اللافتة للنظر عن هذه الفترة، وبعض من الحدس الغامض إلا أنها تكون شاحبة وغير واضحة بصورة كاملة. وقد يرجع سبب ذلك إلى النضج العقلي، فالذكريات تخزن في إطار زماني ومكاني معين، فعندما نسأل شخص ما أين كنت الليلة الماضية؟ فإننا نسأل عن الزمان والمكان. وعلى ذلك يمدنا بدليل للبحث عن ذاكرة معينة أو تذكر فرد معين، إلا أن الأطفال الصغار عادة ما نجد لديهم مفاهيم غامضة للزمان والمكان وبالتالي لا يمكنهم تخزين هذه الذكريات في إطار نظامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 التعلم التمييزي: أحد أساليب التكيف الأساسية للأطفال الصغار هي تعلم التعرف، والتمييز بين الموضوعات المتنوعة وخصائصها في حياتهم اليومية، فالأطفال في حاجة إلى تعلم التمييز بين البرتقالة والتفاحة، بين الدائرة والمربع، وهكذا، كما أن التمييز أحد الطرق الأساسية التي يتعلم من خلالها الأطفال المفاهيم وبعض جوانب التعلم التمييزي ذكرت فيما سبق عند مناقشة الإدراك، والآن سوف نركز على بعض جوانب التعلم التمييزي. وأحد النتائج الدالة التي تتصل بتعلم الأطفال الصغار هي التغير النوعي الذي يحدث بين الأعمار أربعة وستة سنوات "1975" Liben. وهذا التغير في التعلم التمييزي وضح بواسطة التبدل المعكوس حيث دربت حالات في البداية لعمل تمييزات لبعد واحد من الأبعاد "كالألوان مثلًا" وأن تتجاهل الاختلافات الأخرى. وبمجرد أن يتعلم الطفل التمييز "عن طريق مكافأة الاستجابات الصحيحة وعدم مكافأة الاستجابات الخاطئة"، وعرضت على الحالات أحد التمييزين بعد تدريبهم، وفي التبدل المعكوسي Shift Reversal عكست الاستجابات الصحيحة والخاطئة الأولية وعمومًا فإن مشكلة التبدل المعكوس جربت على الحيوانات بالإضافة إلى الأطفال والراشدين، واتضح أن الأطفال الصغار والحيوانات عندها صعوبة أكبر في التبدل المعكوس، كما أن الأطفال الأكبر والراشدون وجد لديهم تبدلات معكوسة أكثر. وهناك تساؤل في تعلم التمييز مؤداه: هل الطفل يتعلم أن يتسجيب لمثير معين، أو إلى العلاقة بين المثيرات؟ والإجابة عن ذلك تعتمد جزئيًّا على المسافة أو البعد بين المثيرات التي تستخدم في تدريب الطفل والمسافة التي تسخدم في اختباره واقعيًّا، فالأطفال الصغار يجرون اختبارات علاقاتية عندما لا يكون المثير الجديد أكبر بصورة ظاهرة عن المثير الأصلي، وتشير نتائج بعض الدراسات "1956" Albert& Others أن طفل الثلاث سنوات يمكن أن يجري خيارات علاقاتية إذا درب على الاستجابة لعلاقات المثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 السلوك الاحتفاظي Conservation Behavuor: يشير بياجيه إلى منحى مختلف للتعلم الإنساني، حاول فيه تتبع نمو تفكير الأطفال من الطفولة المبكرة حتى المراهقة، ويعتقد بياجيه أن الطفل يتعلم عن العالم المحيط به عن طريق ما يسمى بالإدراك التدريجي التابع للفكر Porgressively Subordinating Perception وهذا ما يميز التقدم العلمي بصورة عامة، فمثلًا لا تكون دائرية الأرض واضحة بذاتها، إلا أنه استدل عليها من ثمة مؤشرات ظل الأرض على القمر، واختفاء السفن في الأفق، وبالتالي ساعدت هذه المدركات على التغلب على الانطباعات الإدراكية في أن الأرض مسطحة وأن الشمس تدور حول الأرض. ولكي نحدد كيف يكون عالم الطفل محكومًا بالإدراك، وكيف يكون محكومًا بالعقل والفكر. صمم بياجيه بعض المهام العقلية حيث يواجه فيها الطفل بموقف تتضارب فيه الأحكام الإدراكية والمنطقية، فمثلًا قد يعرض عليه كأسين كبيرين واسعين من البرتقال مملوءين بارتفاع متساوٍ، وكأس ثالث طويل فارغ، ويسأل الطفل هل نفس كمية البرتقال في الكأسين الواسعين وبمجرد أن يقتنع الطفل أن كميات العصير هي نفسها يصب المختبر العصير من الكأس الواسعة إلى الكأس الثالث الطويل الضيق وتسأل الطفل عما إذا كانت نفس كمية العصير الموجودة في الكأس الواسع القصير متساوية مع الكمية الأخرى الموجودة في الكأس الطويل الضيق ... فإذا أشار الطفل أن الكأس الطويل به كمية أكبر من العصير يكون تفكيره مشوبًا بالخداع. ولكي يتغلب على هذا الخداع يجب عليه أن يتسخدم المنطق وأن يتحقق أن الكميتين هي نفسها حيث لم يضف أو يؤخذ أي كمية من الكأس. ففي حالة الطفل الذي يشير أن الكميتين مختلفتين يشير بياجيه إلى أنه يفتقد الحكم بثبات الأشياء وبقائها conservation من الناحية الكمية، والطفل الذي يحكم أن الكميتين متساويتان يشير إلى أن لديه مبدأ الثبات وبقاء الأشياء ذو فعالية أي أنه يشير إلى أن تفكيره قد تغلب على إداركه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ولقد صمم بياجيه ومعاونوه عديدًا من الاختبارات لقياس مبدأ ثبات وبقاء الأشياء "السلوك الاحتفاظي" وتضمن كثيرًا من المفاهيم كالأعداد والزمان والمكان والكمية والحركة والسرعة.. وما إلى ذلك وسوف نورد بعضًا منها فيما بعد. وعمومًا فإن معظم الأطفال تحت سن السادسة أو السابعة لا يشيرون إلى مبدأ الثبات وبقاء الأشياء أو السلوك الاحتفاظي، وتبعًا لبياجيه فإن أطفال ما قبل المدرسة تنقصهم القدرة على التفكير المنطقي، وبالتالي يقعون فريسة الصورة الخادعة التي يقدمها الإدراك. ومما هو جدير بالذكر أن دراسات بياجيه واختباراته أعيد تطبيقها في كثير من دول العالم وأشارت إلى نتائج يمكن مقارنتها بنتائج بياجيه بصورة مدهشة لافتة للنظر. ومن جانب آخر فقد أشار بعض الباحثين أن الأطفال الصغار لديهم قدرات أكبر مما أشار إليه بياجيه مثل Eluff "1962"، & Weiz Achenbach "1975"، Zeiler "1966" وثمة مشكلتان قد جذبتا انتباها خاصًا، وهما الاستدلالات الانتقالية ومفهوم عن العدد، وسوف نرى كذلك أن نجاح أو فشل الأطفال الصغار في تلك المهام يعتمد على متغيرات كثيرة مختلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 الاستدلالات الانتقالية : لنفترض أنك عرضت على طفل عصايتان بأطوال مختلفة "أ"، "ب"، وكانت "أ" أقل من "ب" وتسأله أن يحكم أيهما أطول من الأخرى، ولنفترض أنك عرضت عليه عصايتين أخريتين، واحدة منها من الزوجين السابقين واحدة جديدة مثل "ب" أقل من "ج"، وتسأله مرة أخرى ما هي العصى الأطول، وأخيرًا لنفترض سؤالك إياه دون السماح له بمقارنة العصى بصورة مباشرة ما إذا كانت أأطول من ج مع معرفة أن أأطول من ب" وب أطول من ج، فإذا استنتج الطفل أن أأطول من ج، حينئذ يقال أنه قد أجرى استدلالات انتقالية. ويشير بياجيه أن أطفال تحت سن الخامسة أو السادسة لا يمكنهم إجراء استدلالات انتقالية وأيد باحثون آخرون أمثال. "1962" Achenbach, J Peluff, N "1975" طبقوا ذلك على الأطفال الصغار في ثقافات مختلفة، وأشاروا إلى أن الأطفال الصغار يكون لديهم صعوبة كبيرة في إجراء الاستدلالات من المقدمات المنطقية، ومن جانب آخر في أثناء العشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 سنوات الأخيرة أشار باحثون آخرون مثل Bryant, P.& Trabars, T "1971" kendler. l,& Kendler "1967" أن الأطفال في أعوامهم الأولى يمكنهم إجراء هذه الاستدلالات الانتقالية وأن أطفال الثالثة والرابعة يمكنهم ذلك، وهم في حقيقة الأمر أعلى مما ادعى بياجيه وزملائه، وفي تجربة أخرى أجراها Brainerd "1963" أثبتت وجهة النظر الأخيرة، حيث دربت مجموعة من الأطفال سن ما قبل المدرسة على أزواج من العصي المختلفة، وتعلم الأطفال أن: "أ" أقل من "ب"، "ب" أقل من "ج"، "ج" أقل من "د"، "د" أقل من "هـ"، وذلك لاستخدام خمسة عصيان بأطوال مختلفة وألوان مختلفة، فقد كانت أ = 7 بوصات، وب كان طولها 6 بوصات، ج طولها 5 بوصات، د طولها4 بوصات، هـ طولها 3 بوصات. وكانت ألوان هذه العصي بالترتيب أزرق، أحمر، أخضر، أصفر، أبيض. وعلم الطفل والإشارة إلي أيهما أطول من الأخرى، وبالتالي فقد تعلم الأطفال التعرف على الأطوال المختلفة بواسطة اللون، وتم ذلك بسهولة وفي اختبار هؤلاء الأطفال طلب منهم أن يقارنوا بين ب، ج عندما كانتا في اللوحة الخشبية، وأشارت النتائج أن أكثر من 75% من أطفال سن الرابعة أمكنهم إجراء ذلك بصورة صحيحة، ودعمت هذه النتائج بواسطة الدراسة التي قام بها Brayant& Other "1971". فهل يمكن أن يدرب الأطفال الصغار على إجراء الاستدلالات الانتقالية؟ يجيب Brayant أنه من الممكن أن يتعلم الأطفال ذلك عن طريق التدريب تصورات عقلية للعصي في أثناء التدريب بصورة تدريجية، وعندئذ يراجعون هذه التصورات العقلية في رءوسهم عندما يطلب منهم مقارنة ب، ج مثلًا، وبالتالي فإنهم قد لا يفعلون تلك المقارنات الصحيحة عن طريق التفكير الاستدلالي الانتقالي ولكن عنة طريق التخيل العقلي Mental Lmagery.. جملة القول لا يزال الرأي غير واضح عما إذا كان أطفال ما قبل المدرسة يمكن أن يجروا عمل الاستدلالات الانتقالية ومع ذلك فإنه بدون التدريب تجد معظم هؤلاء الأطفال الصغار لا يستخدمون هذه الاستدلالات بصورة تلقائية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 ثبات العدد Number Conservation: في إحدى تجارب بياجيه لتحديد تصور الطفل للعدد، استخدم مسألة الثبات أو البقاء، حيث قدم للطفل صفًّا مكونًا من ستة سفن بلاستيك صغيرة، وطلب من الطفل أن يأخذ نفس العدد من مجموعة كبيرة من السفن وضعت بجانبه، وأن يعمل منها صفًّا مثل الذي يراه. ووجد بياجيه أن هناك استجابات متوالية نظامية مرتبطة بالعمر الزمني للطفل، فالأطفال في سن الرابعة "والذين لم يكن لديهم تصور مستقل عن الشيء المؤلف من ستة" قد قلدوا المسافات بين كل سفينة وأخرى، وتجاهلوا الطول والعدد، وعملوا صفًّا أطول من السفن، ويحتوي على مراكب أكثر مما طلب منهم، وأحيانًا قلدوا طول الصف متجاهلين المسافة بين كل مركبة وأخرى. أما الأطفال ما بين 5، 6 سنوات كانوا قادرون على نسخ النموذج صحيحًا وكذلك الالتزام بالمسافات بين كل سفينة وأخرى. ويشير بياجيه أن الطفل يصل إلى إحساس حقيقي للعدد عندما يستطيع أن يتغلب على الخداعات الإدراكية للأعداد وذلك بمساعدة التفكير، فتفكير الأطفال ينمو بسبب التذويت التقدمي للأفعال، وبمجرد أن تصبح الأفعال المذوتة نظم معينة "مثل العمليات الحسابية" نجد أن أحد خصائصها يتمثل في المعكوسية أو المقلوبية، فإن جمع 6+6= 12 يمكن أن تعكس بواسطة الطرح، 12-6= 6، كما أن الجمع والقسمة تكون مقلوبة أو معكوسة لنقطة البداية في خبرة ثبات أو بقاء الأشياء ... كما توجد طرق أخرى نجد فيها العمليات المعكوسة يمكن أن تقود الطفل إلى مبدأ الثبات أو بقاء الأشياء، فالوصول إلى العمليات العقلية يجعل معكوسية أو مقلوبية التفكير ممكنة وبالتالي يجعل مبدأ ثبات أو بقاء الأشياء ممكنًا. ويشير Wohwill& Other أننا بواسطة تنويع الوسائل والأدوات المستخدمة بواسطة بياجيه، أو عن طريق تدريب الأطفال، يمكن أن نصل إلى مبدأ ثبات أو بقاء الأعداد عند الأطفال تحت سن الخامسة.. وعمومًا فهناك رأي آخر يشير أن الأطفال الصغار لا يفهمون مصطلحات معينة تكون مرتبطة بالأعداد مثل "نفس" أكثر" أو "أقل" وذلك بنفس الطريقة التي يفهم بها أطفال الرابعة أو الخامسة نفس هذه المصطلحات وبصورة جلية توجد كثير من المشكلات المنجية في الإشارة إلى مبدأ ثبات وبقاء الأشياء لدى الأطفال الصغار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وتشير بعض المجادلات أن الأطفال الصغار عادة لا يكون لديهم مستويات للتصور. فطفل الثلاثة أو الأربعة سنوات يكون لديه مفهومًا للعدد، إلا أنه يختلف عن مفهوم الأطفال الكبار أو مفهوم الراشدين "ونفس الحقيقة بالنسبة لكثير من المفاهيم الأخرى" فطفل الثالثة أو الرابعة عادة ما يكون لديه مفهومًا شاملًا Global للعدد. بمعنى أنه يحكم على العدد عن طريق كلياته أو تجمعاته الإدراكية. وذلك أكثر من أعداده ... وهذا النوع من مفهوم العدد وجد كذلك عند الحيوانات والتي يمكن أن ترى عددًا من الأحكام على أساس الحجم الكتلي أو التجمعي وليس وفقًا لأعدادها. وفي المرحلة الثانية ما بين 4.5، 5.5 سنة عادة ما يظهر الأطفال مفهومًا حدسيًّا للعدد بمعنى أنهم يبدءون في إدراك أن بعض أنواع الوحدة يكون ضمنيًّا. وفي المرحلة الثالثة وعادة ما نلاحظها في الأطفال ما بين 5.5، 6.5 سنة نجد الأطفال في تلك المرحلة يظهرون إحساسًا حقيقيًّا للعدد، وعلى ذلك يمكنهم بناء خط تكون من ستة مكعبات بدون أخطاء ويمكنهم التعرف على أن هذا الاتساق يكمن قائمًا حتى عندما لا يتوفر الاتساق الإدراكي. ونجد عند الأطفال في هذه المرحلة ما يسمى بمفهوم وحدة العدد، حيث إن تقديرهم للعدد سيعتمد على إحصاء "أو عد" العناصر الفردية، وتشير نتائج دراسة "1967" Gelman أن الأطفال الصغار يمكنهم تعلم مفهوم العدد، سواء كان هذا المفهوم شاملًا أو حدسيًّا أو حقيقيًّا. ويشير بياجيه أن هناك نموذج مشابه يمكن أن يوجد في قدرة الأطفال الصغار في بناء المفاهيم التنظيمية، فعندما يعطون مجموعة من الأشكال الهندسية الملونة "كالدوائر أو المثلثات، والمربعات والمستطيلات"، ويتطلب منهم تجميع الأشكال المشابهة كل منها مع الآخر، نجدهم يبنون تجمعات تصورية بمعنى أنهم يبنون بعض الأشياء كالمنازل مثلًا من الأشكال أكثر من تجميعهم هذه الأشكال سويًّا تبعًا لخصائصها. وفي المرحلة الثالثة تشبه المرحلة الحدسية في النمو العددي، حيث يبدأ الأطفال فيها تجميع الأشكال سويًّا تبعًا للشكل إلا أنها غير متسقة بصورة كاملة فقد يجمعون خمسة مستطيلات ومثلث واحد، وفي أثناء المرحلة الأخيرة نرى الأطفال يمكنهم تصنيف وترتيب الأشياء إذ يجمعوا الأشكال تبعًا لشكلها وألوانها. وبإيجاز فإن أطفال الثالثة والرابعة ويكون لديهم مفاهيم الكمية والنوعية، إلا أنها تكون شاملة وعامة وغير مميزة، وبازياد العمر الزمني فعن طريق التداول النشط مع كثير من أنواع المواد المختلفة والاستثارة الاجتماعية، نجد الأطفال يبنون تدريجيًّا مفاهيم للكم والكيف تشبه مثيلاتها عند الأطفال الكبار والراشدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 النمو اللغوي: يعتبر النمو اللغوي في أثناء سنوات ما قبل المدرسة مثيرًا بصورة كبيرة، فمن الكلمة الجملة التي تكون في السنة الثانية، نجد الطفل يتقدم في نموه اللغوي حتى يظهر بناءات لغوية مركبة في عمر الرابعة أو الخامسة، ومعظم دراسات النمو اللغوي استخدمت الدراسات الطولية لبعض من الأطفال، وسوف نتأمل سويًّا جوانب معينة للنمو اللغوي في أثناء سنوات ما قبل المدرسة، وكذلك بعض النظريات التي حاولت تفسير هذا النمو اللغوي. اكتساب اللغة : أحد أبعاد النمو اللغوي التي تلقي اهتمامًا كبيرًا يتمثل في طول أو مدى التعبير اللفظي، فكلما تدرج الأطفال في نموهم كلما كانت جملهم أطول وبالتالي يكون ذلك مؤشرًا تقريبيًّا لكفاءتهم اللفظية، والجمل المكونة من كلمتين مثل "ماما أشرب"، "ماما أكل" "بابا جه" تعتبر تحسنًا ملحوظًا في فعالية اتصال الطفل عن كلماته المفردة، ويشير كل من براون Brown "1973" وبلوم Bloom "1970" أن الأطفال الذين يستخدمون الجملة الكلمتان يمكن أن يختاروا أي تركيب أو اتحاد من الفعل والفاعل أو الموضوع في كلماتهم الملفوظة، إلا أننا نرى اتحاد الفعل والفاعل تبدو أكثر شيوعًا وعمومية من أي تركيب آخر في لغة الطفل الصغير. وكلما تقدم الأطفال في نطق الجمل ذات الكمات الثلاثة أو الأربعة نجد حدوث تنوعًا أكبر في البناء اللغوي، ويبدأ الأطفال في تنمية اختلافات فردية في نموذج الاكتساب اللغوي، فمثلًا قد نجد بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الأطفال، يستخدمون ذواتهم فقط كمصدر أو مركز للأفعال، مثل "أنا رميت الكرة"، أو "أريد حلوى" وقد يدرك أطفال آخرون أن الآخرين يمكن كذلك أن يكونوا "مصدر الأفعال" مثل "كتاب بابا الجديد" أو "ماما بتغير فرش السرير". وحيث إن النمو اللغوي يتميز بالنطق والكلام الأطول والمفردات الأكثر والأوسع. والبناءات الأكثر تنوعًا، فإننا نجد بالتالي فروقًا واختلافات مميزة في كيفية اكتساب الأطفال للغة. ويتصف النمو اللغوي كذلك بالازدياد المستمر في المفردات ذات الصيغ المجهولة، والصيغ المعلومة. وعلى الرغم من صعوبة تقدير حجم المفردات اللغوية للأطفال، إلا أننا نجد أن أغلب أطفال الثالثة والرابعة تكون حصيلتهم اللغوية مكونة من عدة آلاف من الكلمات ذات الصيغة المجهولة والمعلومة، كما أن الجمل التي يستخدمها الأطفال في الواقع تميل إلى أن تكون صغيرة بصورة ملحوظة. كما أن اكتساب المفردات ليس متماثلًا في جميع الأحوال فيما يتعلق بجميع أنواع الكلمات، حيث نجد أن بعض الكلمات قد تكتسب بصورة أكثر تبكيرًا أو أكثر سهولة من كلمات أخرى. والكلمات التي تكون متناقضة المعنى عادة ما نجدها ذات اهتمام خاص بالنسبة للطفل، إلا أنها تكتسب بصعوبة من جانب الطفل، فمثلًا كلمات "أكثر، وأقل" أشارت بعض الدراسات إلى أن الأطفال الصغار يفهمون كلمة "أكثر" إلا أنهم غالبًا ما يشيرون إلى كلمة "أقل" بأنها تعني نفس الشيء، وأشارت دراسات عديدة، إلى أن كثيرًا من الأطفال يظهرون هذا الخلط في كلماتهم. ومفاهيم لزمان قد بحثت كذلك في كثير من الدراسات. وكما سبق أن أشرنا إلى أن الأطفال الصغار لا يكون لديهم نظام واضح لمفاهيم المكان والزمان، ونجد أن إدراكهم البدائي غير المتطور للتابع الزمني ينعكس كذلك في لغتهم، ويبدءون في تفهم كلمات "قبل وبعد" في أثناء سنوات ما قبل المدرسة، وعلى الرغم من أنهم يفهمون كلمة "قبل" بصورة مبكرة نسبيًّا عن "بعد" ويشير "1974" palermo أن الأطفال الصغار كذلك عادة ما يخلطون بين كلمتي "أكثر وأقل" حيث نجد بعض الأطفال لا يمكنهم التمييز بين هاتين الكلمتين ويشيرون إلى أنهما مترادفان، ومما يلفت النظر تبعًا لوجهة نظر Palermo أننا نجد الأطفال يفهمون كلمة الأمس بصورة أفضل مما يفعلون ذلك مع كلمة "باكر". ويشير Weiner؛ "1974" إلى أن أطفال الثالثة والرابعة لا يكون لديهم صعوبة كبيرة مع أدوات التعريف، أو أدوات التنكير بالإضافة إلى المفرد والجمع, فغالبًا ما نجدهم يقولون: "الضفدع, السلاحف" عندما تكون القصة تشير إلى كثير من الضفادع، ويشيرون إلى ضفدعة، عندما تكون القصة عن حيوان مفرد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 نظريات التحصيل اللغوي: هناك نظريات عديدة في تفسير النمو اللغوي عند الأطفال، وكل منها قد تسهم في تفهمنا للنمو اللغوي، إلا أننا لا نجد أحدا منها شاملة بصورة كافية لكي تغطي جميع جوانب النمو اللغوي, فلقد أشارت إحدى هذه النظريات أن النمو اللغوي يعكس نضج البناءات اللغوية ويشترك فيها جميع أفراد النوع الإنساني، حيث إنها فطرية Mcneil؛ "1970" وتبعًا لوجهة نظر ماكينل أن الأطفال يمكنهم التكلم، في حين نجد أن كل لغة معينة تعتمد على ثقافة معينة وكيفية التنشئة فيها، وعمومًا فإن وجهة النظر هذه تشير إلى أن الأطفال يولدون ببعض من القدرات اللغوية، ولقد عززت بعض من المعلومات والبيانات الثقافية هذا الاتجاه حيث أشارات إلى نماذج متشابهة في النمو اللغوي عند الأطفال الذين يتعلمون لغات متباينة كالإنجليزية والروسية Slobin؛ "1966". وفي الطرف الآخر نجد اتجاه يشير أن اللغة مكتسبة بصورة كلية عن طريق التعليم Braine؛ "1962"، Staat؛ "1971" وبالتالي فإن كثيرًا مما يتعلمه الأطفال في اللغة يأتي من النسخ أو التقليد مما يسمعون الآخرين سواء بتدعيم أو بدون تدعيم، وعلى ذلك فإن السلوك اللفظي لا يختلف عن الأنماط السلوكية الأخرى ويتعلم بنفس الطريقة, ويشير Other & Endsley أنه على الرغم من أن الباحثين الذين يؤيدون وجهة النظر هذه قد قللوا من اتجاههم إلى حد ما، إلا أنهم ما زالوا يصرون على أن التعلم مهم في النمو اللغوي والدلائل التي تدعم هذه النظرية، اشتقت من الدراسات التي وجدت فيها أن الأطفال تكرر أنماط أسئلتهم، أو تنطفئ بواسطة استعداد ورغبة الراشدين من حولهم للإجابة عن تساؤلاتهم واستفساراتهم. والنظرية الثالثة التي أصبحت سائدة في العشرة سنوات الأخيرة تؤكد على نشاط وفعالية الطفل في تعلم اللغة Brown؛ "1973", Donaldson؛ "1970". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وهؤلاء ينظرون إلى الطرق التي يتعلم فيها الأطفال فعليًا المفردات والقواعد اللغوية ويستطرد أصحاب هذا الاتجاه أن النمو اللغوي في نموه وطريقة بنائه متشابه مع النمو المعرفي، بمعنى أن الطفل يتعلم المفردات والقواعد اللغوية لكي يعبر عما تعلمه نتيجة الاستكشاف النشط الفعال للبيئة, ولنتأمل بعض الإنجازات المعرفية للطفل قبل أن ينمي اللغة، وكما أشرنا سابقًا أن الأطفال في هذا السن يدركون وجود الأشياء واختفائها ويدركون كذلك أنها يمكن أن تظهر وتختفي, وهذه الاكتشافات بين المظاهر الأولى لخبرة الطفل والتي يعبر عنها لفظيًا، فمثلا نجد الأطفال يتعلمون أسماء ووجود الأشياء، وكذلك صفة التغير مثل قوله: "كلها تختفي" ويسألون بإعادتها من جديد، وهذا يتساوق مع الإنجازات المعرفية المبكرة. وجدير بالذكر، فإن المعلومات والبيانات المتوفرة عن النمو اللغوي، تدعم جميع هذه النظريات الثلاثة، حيث إن كلا منها قد يتضمن عناصر من الحقيقة، فبعض اللغة قد تكون فطرية، وأخرى قد تكون في كثير أو قليل منها متعلمة بالإضافة إلى أن بعض الجوانب الأخرى قد تكون مبنية على النموذج المقدم عن طريق النمو المعرفي للطفل، وعمومًا فاللغة تعتبر بمثابة إنجاز متعدد الوجود، والتي لا يمكن أن نشرحها ونفسرها عن طريق نظرية واحدة، حتى على الأقل بالنسبة لمعرفتنا المحدودة في الوقت الحاضر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 مهارات الاتصال المرجعية : تعتبر اللغة الأداة الأولى الرئيسية لعملية الاتصال، وأحد الجوانب المهمة للنمو اللغوي يتركز في مدى قدرة الطفل على استخدامها لنقل الأفكار، ومن جانب آخر فلكي يتم الاتصال بصورة فعالية مؤثرة فيجب أن يضع الطفل في اعتباره وإلى حد ما وجهة نظر المستمع، بمعنى أن الطفل في استخدام الكلام لعملية الاتصال, يجب كذلك أن يكتسب مهارات تمكنه أن يأخذ في اعتباره وجهة نظر المستمع إليه، وهذه تسمى بمهارات الاتصال المرجعية Referential Communication Skills. ويعتبر جان بياجيه من أوائل الباحثين الذين جذبوا الانتباه إلى مهارات الاتصال المرجعية، ففي إحدى أعماله المبكرة لاحظ أن الأطفال الصغار عادة ما يتكلمون مع أنفسهم أكثر مما يفعلون ذلك مع بعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 البعض, وهذا الكلام غالبًا ما يكون مرتبطًا بالفعل ولا يكون بمثابة مجهود يبذل لغرض الاتصال فطفلان في الثالثة من العمر حين يلعبان سويًا قد يقولا: * أحمد، اشترت لي أمي هذا الحذاء الجديد. * محمد، هذه اللعبة الصامتة. وقد أطلق بياجيه على تلك اللغة بالكلام المتمركز حول الذات Egocentric Speech, وقد لاحظ أنه يشكل جزءا واقعيًا من اتصال الطفل الصغير مع رفاقه في مثل سنه، إلا أن هذا النمط لا يسود عندما يتكلم الطفل مع الراشدين. ويشير بياجيه أن الطفل الصغير المتمركز حول ذاته لا يمكنه أن يأخذ وجهة نظر الشخص الآخر عندما يختلف معه، وعلى الرغم من أن بياجيه قد توصل إلى ذلك من خلال ملاحظاته على الطبيعة، إلا أن باحثين آخرين أثبتوا وجهة نظر بياجيه عن طريق مهام الاتصال المرجعية التجريبية, ففي إحدى تجارب Sussevein & Other؛ "1975" على أطفال ما قبل المدرسة عرض عليهم بعض الأشكال الهندسية الفردية وسئلوا أن يعطوها أسماء, ولقد فعل الأطفال الصغار هذا بسهولة بإعطائها ثمة أسماء كالتفاحة وبرتقالة، وقطة، وكلب ... إلخ، وعندما استخدم المجرب واحدة من هذه الأسماء ليشير إلى الشكل، فإن الطفل كان قادرًا على اختياره من وسط مجموعة من الأشكال، وهذا يعني أن الأطفال الصغار يعطون أسماء خصوصية Idiosyncratic للأشكال الهندسية. وعلى الرغم من أن الأطفال ما بين 2-5 سنوات لديهم صعوبة اتصال مع الآخرين عندما يكون للآخرين وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظرهم، إلا أننا نرى أن لديهم مهارات اتصالية مرجعية أولية، فمثلا نجد أطفال الرابعة يبسطون ويسهلون من لغتهم عندما يتكلمون مع أطفال الثانية، إلا أنهم لا يفعلون ذلك عند التكلم مع أصدقائهم أو الراشدين من حولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 العالم التصوري للطفل الصغير: قد نعتقد أن عالم الطفل الصغير عبارة عن تصنيف أشياء وأجزاء غير مترابطة، والحقيقة، فإن عالم الطفل الصغير لا يبدو كذلك على الإطلاق حيث إن تفكير الطفل الصغير له نظامه وتنظيمه الخاص به، فعلى الرغم من اختلافه عما نجد لدى الراشدين، إلا أنه ليس مألوفًا بصورة كلية لنا وذلك بسب عدم قدرتنا على الارتداد إلى نماذج فكرية ذاتية، وهي تلك النماذج التي تميز تفكير الصغار. ولقد قدم بياجيه استعرضًا نظاميًا واسعًا لتفكير الأطفال الصغار، ونفس النتائج أشار إليها آخرون مؤيدون لوجهة نظر جان بياجيه, ويجب أن نشير في هذ المقام أن سلوك الصغار قد يساء فهمه عن طريق الكبار ويرجع ذلك إلى اختلاف نظرة الأطفال الصغار للعالم عما لدى الراشدين, فمثلا قد يصدم الطفل الصغير عندما لا يستطيع أن يتقاسم ويشارك دميته في انعكاساتها وردود فعلها، وذلك لاعتقاده أن دميته جزء من نفسه، وعمومًا فإن تفهم عالم الطفل التصوري يمكن أن يساعدنا على تقييم سلوكه بصورة أكثر موضوعية. وأحد الخصائص التي تميز تفكير الأطفال الصغار ما يسميه بياجيه بالعلية الظاهرية Phenomenalistic Causality, وفي هذا النموذج من التفكير نجد الطفل يفترض وجود علاقة سببية أو علية بين شيئين يحدثان في وقت واحد، فمثلا قد يخاف الطفل من صوت الغريب ويمسك ببطانية دافئة لكي يزيل عنه الخوف، وحيث إن البطانية ترتبط بشعور الارتياح فإنه يعتقد أنها سوف توفر له الحماية، وسوف يبحث عنها عند إحساسه بالخوف مرة أخرى، وتميل بعض الأدوات والملابس أن تكون ذات قيمة عند الطفل الصغير، ويرجع ذلك إلى علية أو سببية هذه الأشياء الظاهرية، وهذا النمط يعتبر بمثابة أحد نواتج التفكير الذي يميز الأطفال الصغار, وكذلك بعض الراشدين, وسمي بالتفكير الانتقالي أو التحولي Transductie Reasning ويمكن تحليله كما يلي: - أ، ب يحدثان سويًا. - أموجود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 - إذن ب يجب أن يكون موجودًا. وكثير من عناد الطفل الصغير يمكن أن يعزى إلى هذا النمط من التفكير الانتقالي أو التحولي، فالطفل الذي يرفض أن يجرب طعامًا جديدًا بسبب عدم استحسان آخر نوع من الطعام قدم إليه، فإنه في ذلك يتبع نمط التفكير الانتقالي، فالطعام الجديد والخبرة غير السارة قد حدثا معًا في الماضي، وبما أن هذا طعام جديد فإنه بالتالي سوف ينتج خبرة غير سارة. وعند الراشدين نجد أن هذا النمط من التفكير غالبًا ما يؤدي إلى المعتقدات الخرافية "كالخوف اللاعقلاني" فالطالب الذي حدث وأخذ حمامًا باردًا قبل الامتحان الذي أداه بصورة جيدة، قد يشعر أنه يجب أن يستحم قبل كل امتحان، والتاجر الذي يزور مكان معين أو صديق معين قبل صفقة تجارية ناجحة قد يشعر أن هذا الشخص أو المكان "مصدر للخير" ويجب أن يفعل ذلك قبل كل عمل تجاري. وخاصية أخرى يتسم بها تفكير طفل هذه المرحلة وهي صفة الإحيائية أو الأرواحية Animism وهي نسبة الحياة للأشياء غير الحية, أو الاعتقاد بأن لكل ما في الطبيعة روحًا أو نفسًا ويتأتى هذا لميل الطفل إلى نسخ وتجسيم العالم المادي على خبرته، ولذلك فإننا نجده يشير إلى أن دميته تشعر بالألم أو البرد كما يشعر هو بذلك، أي أن أشياء تحن وتخبر نفس المشاعر والأحاسيس التي يخبرها والمظهر الرئيسي لهذا التفكير هو الاعتقاد بمادية الإحساس، فقد نسمع من طفلين يتحدثان قول أحدهما للآخر. - لماذا أنت ممسك بخدك؟ - لأنني عندي ألم في أسناني. - هل تؤلمك كثيرًا؟ - نعم إنها تؤلمني ... ألا تشعر بها؟ وليس بمستغرب في ضوء مناقشتنا السابقة, عن مفاهيم الطفل عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 والأكثر والأقل، وقبل وبعد، نجد الأطفال يعتقدون أن الحياة والموت مترادفان، فبالنسبة لطفل الثالثة والرابعة لا يعني الموت لديه انتهاء الحياة، ويرجع ذلك إلى أن الحياة عنده بمثابة خاصية دائمة للأشياء مثل صلابتها أو ألوانها، والموت لديه يشبه الاختفاء المادي يكون مؤقتا فقط، وهذه محادثة بين أحد الأخصائيين وطفل في الثالثة والنصف من عمره. أ: لماذا تدفن الأموت تحت الأرض؟ ب: أين تعتقد بأنهم يجب أن يدفنوا؟ أ: من الممكن وضعهم في النفاية. ب: لماذا يمكن وضعهم في النفاية؟ أ: من الأسهل عليهم أن يخرجوا منها. وبحلول فترة الطفولة الوسطى يبدأ الأطفال إدراك أن الموت هو نهاية الحياة بالمعنى المادي أو الفسيولوجي, وعادة ما يكون مفهوم الموت بمثابة خبرة مخيفة مرعبة بالنسبة للطفل. والخاصية الأخيرة لتفكير الأطفال الصغار ما بين 2-5 سنوات هي القصدية أو الغرضية purposivism، حيث يعتقدون أن كل الأشياء في العالم عملت بواسطة الإنسان، ولأجل الإنسان، وبالتالي فكل شيء له قصد أو غرض, وكلمة "لماذا" الشهيرة عند أطفال هذه المرحلة يجب أن نتفهمها من وجهة النظر هذه, فعندما يسأل الطفل: لماذا تشرق الشمس؟ لماذا يكون لون الشجر أخضر؟ فإنه يريد أن يعرف أسباب ذلك، وعلى ذلك فالإجابات المناسبة: "لكي تبقينا في حالة دفئ". أو: "لكي يخفي يرقان الفراشة ولا تستطيع أن تأكلها الطيور، وهناك إجابات أخرى كذلك لا تكون مضللة أو خاطئة بصورة كاملة إلا أنها تكون ذات معنى بالنسبة للطفل وعلى ذلك فالحقائق المطولة عن الحرارة والضوء التي تفسر أشعة الشمس قد لا تساعد الطفل على تفهم السؤال الحقيقي الذي يسأله. وهدف هذا الوصف الموجز السابق، نقصد منها لإشارة إلى أن الأطفال الصغار لا يكون لديهم تصورًا كاملا للعالم، إلا أنه يتسم بالغنى على الرغم من أنه يختلف عن ذلك للراشد، وعلى ذلك فإن عقل الطفل الصغير لا يكون لوحًا فارغًا يجب أن يملأ بواسطة الخبرة، والطفل بالتالي يبني عالمه التصوري الخاص به، وجزء من نموه يتمثل في تعلم العالم التصوري للراشدين بالإضافة إلى التخلي أو الكف التدريجي عن تصوره الطفلي للعالم المحيط به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة : إن فترة ما قبل المدرسة ما بين 2-5 سنوات واحدة من فترات النمو العقلي السريع، فبنهاية هذه الفترة نجد تحكم الطفل للغة، بالإضافة إلى اكتسابه خصائص أولية للعالم "الشكل والحجم واللون ... إلخ" وكذلك من وجود اتفاق عام بين الباحثين في الطفولة والتربويين فيما يتعلق بالإنجازات العقلية للأطفال الصغار, إلا أن هذا الاتفاق يقل فيما يتعلق بنوع البرانامج التعليمي الذي يتناسب مع هذا العمر الزمني Hess, R. & Bear, R؛ "1968". ونجد الآراء في هذا المجال غالبا ما تكون متناقضة، فمثلا Englemann؛ "1970", Fowler؛ "1962", يشيران إلى أن سنوات ما قبل المدرسة تعتبر بمثابة سنوات حاسمة للتغيرات التربوية، حيث نجد هؤلاء الأطفال الصغار يتعلمون بسهولة، ويدفعون بصورة عالية إلى التعلم، ويزيدون كذلك بأننا إن لم ننتهز هذه الفرصة فإننا على ذلك نفتقد فلرصة ذهبية لرفع معدل ذكاء الأطفال ومعدلات الإنجاز والتحصيل الأكاديمي كذلك، وعلى نقيض وجهة النظر السابقة نجد Boore, R.S. & Moore,D.N؛ "1975" يرون أن سنوات ما قبل المدرسة تتصف بالضعف بصورة غير عادية وبالتالي لا نستطيع أن ننمي أثناءها مفاهيم الذات والشخصية، ويشيران إلى أهمية التفاعل بين الطفل وأمه "أو الشخص القائم برعايته" ويستطردان إلى أن التغيرات التربوية أو العلمية "خاصة خلال السنة الثالثة" قد يؤدي الطفل ويكون ضارًا له إذا كان متضاربًا مع العلاقة الشخصية المتبادلة. وبين هذين الاتجاهين توجد سلسلة من الآراء الوسيطية لكل من فروبل Frobel, وبستالوتزي Pestalozi, ومنتسوري Montessori تعكس اتجاهات حديثة، حيث يشيرون أن الأطفال في حضورهم إلى دور الحضانة لعدة أيام يشاركون في برنامج متوازن من نشاطات اللعب والنشاطات التربوية، فإن هذه المؤسسات التربوية بذلك تسهم في نمو عقلية الطفل بالإضافة إلى نمو شخصيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 فما نوع هذا النمط من البرامج الذي يكون أكثر مناسبة لهؤلاء الأطفال الصغار؟ والإجابة على هذا السؤال حقيقة صعبة ليس فقط لأن النتائج في هذا المجال لم يقطع ويبت فيها، ولكن بالإضافة إلى أن الأطفال يختلفون كثيرًا في خلفيتهم وشخصيتهم، فالبرامج التي تكون مناسبة لطفل معين قد لا تكون كذلك بالنسبة لآخر، وبإيجاز فإن برامج الأطفال الصغار لا يمكن أن توصف بأنها جيدة أو رديئة في حد ذاتها ولكن بالأحرى يمكن وصفها بأنها مناسبة أو غير مناسبة لأطفال معينين، فالطفل الذكي مثلا قد يستفيد من البرنامج الذي تتوفر فيه كثير من الفرص التعليمية، والطفل الخجول على نقيض ذلك قد يستفيد بصورة أكبر من برنامج يؤكد على عملية التفاعل الاجتماعي وعلى نمو الشخصية. موجز القول فإن سنوات ما قبل المدرسة تعتبر سنوات مهمة لكل من النمو العقلي ونمو الشخصية، والبرامج التربوية يمكن أن تسهل هذا النمو إلا أنها لن تعجل في سرعته وأي من البرامج يمكن الحكم بأفضليته بالنسبة لطفل معين، يجب أن يحدد فقط في ضوء حاجات الطفل الخاصة وقدراته المتاحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الشخصية والنمو الاجتماعي: ما بين سن الثانية والخامسة نجد الأنماط السلوكية التعبيرية Experssive والتي اكتسبت في مرحلة الرضاعة تبدأ في التبلور داخل نماذج فردية بالإضافة إلى أن الأطفال تنمو لديهم كثير من الاتجاهات المتميزة والتفضيلات وطرق الأداء والعمل, وأول هذه الأشياء نجد أطفال هذه المرحلة يصبحون على دراية متزايدة بأنفسهم كأفراد، وبالتالي يبدءون في تكوين اتجاهات إيجابية أو سلبية نحو ذواتهم ثانيًا، اتساع دائرة الاتصال والتفاعل مع الأفراد، وكذلك يخبر الطفل الكثير من التفاعلات الجديدة، وثالثًا فإن فترة الطفولة المبكرة فترة حاسمة للانضباط المتنوع وظهور نشاطات لدور النمذجة والتي عن طريقها ينقل الآباء عناصر ثقافتهم إلى أطفالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 الوعي بالذات واتجاهات الذات: أحد النتائج الهامة لنمو الأطفال الجسمي والمعرفي، نجدهم يصبحون على دراية متزايدة بأنفسهم ويكونون اتجاهات جديدة لذواتهم وعلى وجه الخصوص نراهم يظهرون دراية بأجسامهم وبذوغ أحاسيس التمكن والسيطرة. الوعي بالجسم: أثناء العامين الأولين نجد الرضع يمكنهم إدراك أنهم أشخاص متميزون ذوو أجسام منتمية إليهم، ويتعلمون بأن لهم أطرافًا وأعضاء خاصة بهم ويرجع ذلك لتحكمهم في حركات هذه الأطراف والأعضاء كرفع الأذرع، أو غلق العينين بالإضافة إلى تأثرهم بما يحدث لهذه الأعضاء والأطراف كالإحساس بالألم عند لمس شيء ساخن، وأطفال ما قبل المدرسة قد حصلوا هذا التعرف الرئيسي بأن لهم أجسام، ويصبحون حينئذ على دراية بالتغيرات التي تحدث فيها، كما أنها تختلف عن أجسام الآخرين. وأطفال ما بين 2-5 سنوات عادة ما يعبرون بالفخر والاهتمام بأحجامهم "انظر كيف أصبحت كبيرًا، انظر كيف أصبحت طويلا، انظر كيف أصبحت عضلاتي قوية، هل سأكون كبيرًا مثل بابا" كما نجدهم شغوفين بمعرفة مقاسات أطوالهم وأوزانهم سواء داخل المنزل أو عيادة طبيب أو في دور الحضانة، كما ينزعجون في حالة الإصابة بالخدوش أو الرضوض أو الكدمات أو العض وبالأحوال الوقتية الأخرى التي تؤثر في أجسامهم فمثلا قد نسمع بعضهم يقول: "انظر كيف أصبحت أصابعي مجعدة بعد الحمام". ويبدأ أطفال ما قبل المدرسة في التعرف على الاختلافات الجنسية الجسمية، وينمو بالتالي الإحساس بهويتهم كذكور أو كإناث, ويشير Rutter أن معظم أطفال 2.5 سنة لا يكونون إيجابيين في التعرف على جنسهم ولكن في الثالثة تقريبًا نجد أن ما يقرب من ثلثي الأطفال يدرك ما إذا كان ولدًا أم بنتًا، كما أن الألعاب التي تتضمن فهما أو استكشافًا جنسيًا تكون شائعة عامة في سن الرابعة وعادة ما نجدهم ما بين الرابعة والخامسة يوجهون لآبائهم تساؤلات تتصل بالأمور الجنسية، فقد يسأل الذكور سبب عدم تمكنهم أن يكون لديهم أولادًا، وقد تسأل الإناث لماذا لا يكون لهن عضو جنسي ذكري عندما ينمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ويشير كون وكانر Conn, j. & Kanner؛ "1974" أن الأطفال الصغار يميلون إلى التكلم عن الإصابة بالأذى أو الضرر لأجسامهم أو افتقار أعضاء من أجسامهم, ومن جانب آخر قد نجد أطفال آخرين الذين يتسمون بالخوف والحذر قد يصبحون في قلق وانزعاج بافتقاد أسنانهم أو أظافرهم, وغالبًا ما يبالغون في النتائج المحتملة للإصابة بالاضطراب والتهيج، وتشير الدراسة السابقة أن الإناث يكن أقل ميلا من الذكور في اهتماماتهن بالإصابة أو فقدان بعض أجزاء معينة من أجسادهن، يعتقدون أن البنت كانت لها أعضاء تناسلية شبيهة بما عندهم إلا أنها انتزعت، وبالتالي قد يعانون من مصير مشابه، ويسمي المحللون النفسيون هذا الخوف بقلق الخصاء Castation Anxiety الذي يعتري الأولاد الذكور. وردود الفعل السلوكية التي يؤتيها الآباء نحو تزايد الوعي الجسمي لأطفالهن يميل أن يؤثر في اتجاهات الأطفال نحو ذواتهم فالآباء الذين يعبرون بالفرحة بنمو أطفالهم يساعدونهم على الشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس كما أن اتجاهات الذات الإيجابية لدى الأطفال الصغار تعزز عندما يمكن للآباء الاستجابة لتساؤلات أطفالهم المرتبطة بالجنس دون ارتباك أو اضطراب بالإضافة إلى تقديم المعلومات التي تناسب مستوى فهم وإدراك الطفل، ومن جنب آخر فإن الآباء الذين يتجاهلون ميول أطفالهم واهتماماتهم العادية في النمو الجسمي، يمكن أن يجعلونهم حمقى تافهين وغير ذات أهمية كما أن الآباء الذين لا يشجعون الاستكشاف الجنسي للأطفال، ويعتبرون هذا شيئًا غير مرغوب فيه ويعاقبون أطفالهم عليه يمكن أن يعززوا اتجاهات السلبية عندهم والقلق والاضطراب فيما يتعلق بالجنس. إحساس السيطرة أو التمكن: إن مشاعر الأطفال وأحاسيسهم بالسيطرة والتمكن تبدأ في التكوين منذ الطفولة المبكرة حيث يشعرون بإشباع ومتعة بكونهم قادرين على التحكم وضبط بيئتهم المحيطة بهم, فلقد لوحظ الأطفال يهدلون ويغمغمون ويبتسمون وحتى يضحكون عندما يسيطرون على ثمن أعمال تعليمية معينة كتشغيل لعبة ما "سيارة مثلا" وبالتالي فبسبب سيطرتهم وتمكنهم من مهارات جديدة يمدهم بالمتعة والسعادة، وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 يشجعهم إلى عمل محاولات أخرى للسيطرة والتحكم في عناصر البيئة من حولهم، وبهذا المعنى يتصف بالنشاط الذاتي المستمر. ومما هو جدير بالذكر، توجد ثمة طرق يستطيع الآباء تعزيز محاولات أطفالهم المبكرة في السيطرة أو التمكن، وتشير نتائج دراسة ابليتون وآخريثن Appleton & Others أن الأطفال بصفة عامة، وكذلك الأطفال الصغار جدًا يميلون إلى أداء محاولات أكثر للسيطرة والتحكم في حالة تلقيهم تشجيع الآباء ومساعدتهم والثناء عليهم لكونهم يعملون بصورة استقلالية، ومثال ذلك عندما يحاولون إطعام أنفسهم. وأطفال ما قبل المدرسة عادة لا يكون لديهم إحساس ثابت بالإنجاز، إلا أننا نجد أنه عندما يسمح لهم نموهم المعرفي التعرف على الاختلاف بين معدلات أو مستويات المهارة الماضية والحاضرة، وبالتالي القدرة على تطبيق معايير التفوق لسلوكهم الخاص، أي يمكنهم التحقق بأن أداءهم الحاضر أحسن من أدائهم السابق، فإن ذلك ينتج لديهم بعض من الخبرات كالإنجاز Achievement, وتلك الخبرات الأخيرة تبدأ بدورها في توليد أحاسيس التمكن والسيطرة، وبالتالي تؤثر بصورة كبيرة على إحساس الطفل بكفايته الشخصية. وهذا الجانب من نمو الشخصية يزداد بصورة سريعة فيما بين 2-5 سنوات، حيث أن ازدياد معارف الأطفال ومهاراتهم الحركية أثناء هذه السنوات تمكنهم من أداء أفعال أكثر لأنفسهم مما كانوا يستطيعونه من قبل، وهذا يوسع فرصتهم في أن يختبروا إحساس التمكن أو السيطرة، وبالإضافة إلى ذلك نجد مهاراتهم اللغوية تمكنهم من اكتساب مفهوم أفضل لمدى تأثير قدراتهم على البيئة إذا ما قورن بتأثيراتهم السابقة، وللآباء كذلك دورًا مهما في مساعدة أطفال ما قبل المدرسة لكي ينمو أحاسيس ومشاعر قوية بالتمكن والسيطرة، ولقد وضح هذا التأثير في دراسات دافعية الإنجاز، والكفاية الأولية، وتقدير الذات، وهذا ما سنتعرض له في ثنايا الصفحات التالية. دافعية الإنجاز Achievement Motivation: نشير إلى مدى ميل الشخص للنضال أو الكفاح لبلوغ النجاح، والقدرة على أن يخبر اللذة أو المتعة Pleasure لكونه ناجحًا, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وتشير نتائج دراسات كل من ديفيد ماكيلاند McClelland وجون اتكنسون J. Atkinson في أصول دافعية الإنجاز إلى ما يلي: أولا: تعزز دافعية الإنجاز ويعجل بها أثناء سنوات ما قبل المدرسة بواسطة تشجيع الآباء لإنجازات أطفالهم والمصاحبة بمطالب معتدلة للاستقلالية والدفئ وتتمثل في العلاقة الأبوية المدعمة والمشجعة للطفل وبمعنى آخر إن أطفال ما قبل المدرسة الأكثر نقاشا ومساعدة للآخرين في أن يعملوا بقدر ما يستطيعون يكونون أكثر ميلا في أن يصبحوا أفرادا واثقون بأنفسهم يستجيبون بتوق إلى تحديات الخبرات الجديدة. ثانيًا: نمو دافعية الإنجاز يرتبط بصورة مباشرة بكمية التدريب النوعي في النشاطات الإنجازية والتي يوفرها الآباء لأطفالهم أثناء سنوات ما قبل المدرسة. الكفاية الأدوية Instrumental Competence: عرفت ديانا بامرند D. Baumrind الكفاية الأدوية في سلسلة من دراساتها بأنها سلوك يتسم بالمسئولية والاستقلال من الناحية الاجتماعية حيث أشارت نتائج إحدى هذه الدراسات لأطفال ما قبل المدرسة وآبائهم أن الأطفال الذين كانوا أكثر تعويلا واتكالا على أنفسهم، ولديهم قدرة التحكم على أنفسهم، ولديهم ميول استكشافية، ويشعرون بالرضا والإشباع كان لديهم آباء يتصفون بالمسئولية الاجتماعية، والثقة في النفس ومؤكدون لذواتهم، كما أنهم كانوا يضعون حدودًا معينة على سلوك أطفالهم، ولكنهم في نفس الوقت كانوا يتصفون بالدفئ والتقبل، حيث كانوا راغبون في تفسير مبادئهم السلوكية، وكانوا في نفس الوقت يشجعون أطفالهم على مناقشة هذه المبادئ والاقتناع بها. وتشير النتائج كذلك أن الأطفال الذين اتصفوا بعدم الرضا، والانسحاب وعدم الثقة، كان لديهم آباء منفصلين عنهم يتسمون بالديكتاتورية، حيث كانوا متحكمين وصارمين بصورة كبيرة لأولادهم ويحيطون أبناءهم بالحماية والوقاية، تاركين مجالات وفرص قليلة للمناقشة والاختلاف في الرأي، وينكرون أو لا يحبذون الفرص لأطفالهم لأخذ المخاطر في محاولة أشياء جديدة وفي عمل القرارات، والمجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الثالثة من الأطفال والتي كانت لها آباء تتصف بالتساهل واللامبالاة كانت أقل ثقة بذاتها وأقل استكشافًا وضبطًا لذواتهم، وبمناقشة أحد أطفال هذه المجموعة وجد أن الآباء كانوا يفشلون في وضع أي معايير محددة لأطفالهم والتي عن طريقها يمكن أن يحكم الأطفال بواسطتها على مدى تناسب أنماط سلوكهم، كما أنهم فشلوا في تشجيع الأطفال على تقبل أي تحديات تواجههم، والجدول "1" يوضح نتائج هذه الدراسة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ونتائج هذه الدراسة السابقة، ونتائج دراسات متشابهة أخرى كذلك، تشير إلى التناسق والتساوق مع ما تعلم بالفعل عن أصول دافعية الإنجاز، بمعنى أن الآباء الذين يحفزون أطفالهم ويستحثونهم على الإنجاز بقدر ما يستطيعون وفي نفس الوقت يجمعون مجهوداتهم بواسطة المديح والتشجيع، نجدهم ينتجون لدى أولادهم مستويات من الكفاية الآدوية. تقدير الذات Self Esteem: تتمثل في القيمة التي يضعها الأفراد لذواتهم، ومدى توقعهم النجاح فيما يفعلونه, ومن أكثر الدراسات شمولا وتكاملا في العوامل التي تؤدي إلى تقدير الذات دراسة كوبر سميث Cooper Smith؛ "1967", والتي كانت نتائجها متسقة مع نتائج الدراسات في دافعية الإنجاز والكفاية كانت نتائجها متسقة مع نتائج الدراسات في دافعية الإنجاز والكفاية الأدوية، حيث أشارت النتائج أن الأطفال الذين كانوا يتصفون بتقدير الذات كان لديهم آباء يتسمون بالدفء والتقبل، والذين يضعون حدودًا واضحة محددة لسلوك أطفالهم، إلا أنهم في نفس الوقت يسمحون لهم بحرية العمل والاختيار داخل هذه الحدود, ويشير كوبر سميث متفقًا في ذلك مع باومرند بأن آباء الأطفال ذوي التقدير العالي لذواتهم يميلون إلى أن يكونوا متزنين نشطين واثقين بذواتهم مشبعين وراضين بصورة نسبية. ومما يجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أن هناك فروقًا جنسية بين الأولاد والبنات في الإحساس بالبراعة والتفوق، فقد وجد في بعض الدراسات الواسعة التي كانت تهدف إلى التعرف على الفروق الجنسية في الإنجاز، حيث كان الأولاد يدفعون إلى الإنجاز بصورة أولية عن طريق النضالات المتفوقة المتمكنة, في حين كانت البنات يدفعن للإنجاز نتيجة الحاجة إلى الاستحسان الاجتماعي Hoffmann؛ "1972"، وهذه الفروق الواضحة الظاهرة أدت إلى بعض المقولبات عن دور الجنس، حيث تؤكد نتائج دراسة هوفمان، تلك المقولبات التي تشير أن الأطفال الذكور قد يكونون أكثر عدوانية واستقلالا وتنافسًا، في حين نرى البنات أكثر سلبية، وأكثر اعتمادية، وأكثر تعاونًا، وعلى ذلك فعادة ما نجد الأفراد في الحماية والعناية بالبنات وعدم تشجيعهن على القيام بالمهام أو الأعمال الصعبة، وبالتالي نجدهم غالبًا ما يتصفن بأنهن أقل ثقة في ذواتهن وأقل إنتاجية، وأقل نجاحًا في النشاطات من الأولاد المتساوين معهم في قدراتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 وعلى نقيض نتائج الدراسة السابقة، نجد أن كل من ماكوبي وجاكلين Macoby & Jacklin يشيرون أن الأولاد والبنات لا يختلفون في نضالاتهم نحو الإنجاز، كما أن الأولاد في مجتمعنا لا يتلقون تشجيعًا أكبر من البنات نحو التحكم والسيطرة، ولسوء الحظ فإن الدراسات التي اعتمد عليها كل من ماكوبي وجاكلين ليست دراسات ناضجة جيدة حيث اعتمدت على مقاييس غير محكمة بسيطة لاكتشاف الفروق الجنسية، وبالتالي فإننا في حاجة إلى دراسات إضافية أكثر دقة تؤكد النتائج في اتجاه ما دون آخر. كما أن معادلات أريك أريكسون قد تكون مفيدة في هذا المجال إذ يشير أن ما يخبره الأطفال في علاقاتهم مع آبائهم في ما إذا كانوا سينمون أحاسيس الثقة أو عدم الثقة في عالمهم المحيط بهم وكذلك في مستقبلهم. وفيما يتصل بالطفولة المبكرة فقد أشار أريكسون أن مظاهر التفاعل الأبوي الطفلي يحدد ما إذا كان الطفل سينمي إحساس الاستقلالية أو الشك والخجل وبالتالي فإن ذلك سيؤدي إلى سمات شخصية مستمرة، فإن تمكن الآباء من التعرف على ميول وقدرات أطفالهم، وأن يشجعوهم بفخر وإعجاب خاصة في سن ما قبل المدرسة ويدعموا إنجازاتهم، نجد الأطفال ينمون إحساس الاستقلالية أو الإحساس بتمكنهم والتحكم في ذواتهم وبيئتهم، أما إذا منع الآباء أطفالهم من أداء أعمال معقولة معينة، أو وضعوا متطلبات أو معايير أعلى من قدرات أطفالهم, أو يشكون في قدراتهم، فإنهم يؤثرون بذلك على مصائرهم وأنماط شخصياتهم النامية في المراحل التالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة مدخل ... العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة: في معظم المجتمعات حتى الآن، من المعتاد أن تكون هناك تمييزات شديدة بين أدوار الأم والأب في تنشئة الطفل، فالأم عادة ما تبقى في المنزل للعناية بالأطفال في حين يعمل الأب خارج المنزل ليعول أسرته, ولا يتوقع أن تكون الأم عاملة إلا في حالة الضغط الاقتصادي أو عدم قدرة الأب على كفالة أسرته, فالأب لا يفترض فيه أن يستطيع تغيير حفاضات الطفل, أو يطعمه ليلا، أو الاهتمام بنظام حاجات الرضيع والطفل الصغير إلا إذا كانت زوجته مريضة أو بعيدة عن المنزل، ومما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 يجدر الإشارة إليه نجد الآن اختفاء التحديدات الصارمة لدور الجنس لتزايد عدد النساء اللاتي يعملن خارج المنزل لإثبات ذواتهن والانتفاع بقدراتهن بالإضافة إلى كسبهن المادي، وبالتالي فقد نظر إلى العناية بالطفل على أنها مسئولية مشتركة يتقاسم فيها كل من الأب والأم. ودور الأم يأتي في المقام الأول، حيث نجد ارتباطات الأطفال الأولى تتكون مع أمهاتهم وتبقي بصورة عامة الشخص الأكثر أهمية في حياتهم طوال سنوات ما قبل المدرسة، وكثيرًا ما نجد الأمهات يرجئن البحث عن عمل، أو يعملن جزءًا من الوقت فقط حتى يصل أطفالهن إلى سن المدرسة، وقد يوقفن العمل كلية في حالة المولود الجديد، وعلى ذلك فإن الأطفال الصغار عادة ما يقضون الوقت الأطول مع أمهاتهم أكثر من أي شخص آخر، كما أن سلوك الأم يكون مؤثرًا فعالا على شخصيتهم ونموهم الاجتماعي، ومع ذلك فإننا نجد أثناء سنوات ما قبل المدرسة أن الأم تبدأ بصورة متزايدة في تقاسم التأثير على الطفل مع الأب وإخوته وأقرانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 دور الأب : تشير نتائج دراسات كل من برلنجهام Burlingham؛ "1973"، وشافر وأميرسون Schaffer & Emerson؛ "1964" أن الأب قد يأخذ كثيرًا من مسئوليات العناية بالطفل، خاصة في إطعامهم، وغالبًا ما يكون للأطفال الصغار ارتباطات مبكرة مع آبائهم بالإضافة إلى أمهاتهم، وفي أثناء سنوات ما قبل المدرسة نجد أغلب الرجال مشاركين نشطين في حياة أطفالهم، فالطفل الرضيع عادة ما يؤخذ على غرة عندما يريد الأب ترك المنزل والذهاب إلى العمل، وبالتالي يصيح ويبكي، وقد يكون نائمًا أثناء عودة الأب من عمله مساء، إلا أن أطفال ما قبل المدرسة عادة ما يكونون مستيقظين في أوقات عودة آبائهم من أعمالهم كما أن لديهم فرص أكبر للتفاعل مع آبائهم بسبب نضجهم، مثل الجلوس مع الأسرة في أوقات تناول الطعام، واللعب سويًا، والاشترك في محادثات مختلفة، كما نجد أطفال ما قبل المدرسة أكثر ميلا إلى الرحلات والمناسبات الأخرى التي يوفرها الآباء لأطفالهم كالركوب على الظهر والأكتاف والرحلات إلى حديقة الحيوان أو السيرك، أو تصليح اللعب أو الدمى التالفة وما إلى ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 وتشير نتائج دراسة لين وكروس Lynn & Cross؛ "1974" إلى اهتمام أطفال ما قبل المدرسة بآبائهم، وعلى الرغم من أنها دراسة بسيطة إلا أنها ذات مغزى كبير حيث سألوا عددًا كبيرًا من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 2-4 سنوات عما يودون مشاركته في عديد من الألعاب الأم أو الأب، وأشارت النتائج أن أطفال سن 2، 3، 4 أعطوا تفضيلا واضحًا لمشاركة اللعب مع آبائهم ولدى الإناث لوحظ أن الآباء كان تفضيلهم أكبر لدى بنات من الثانية، إلا أن بنات 3 سنوات أشارت إلى تفضيل أقل في اللعب مع آبائهم وفي سن 4 سنوات فإنهن فضلن بصورة واضحة اللعب مع أمهاتهن، وميل الفتيات في هذه الدراسة يعكس ميلهن إلى التطابق والتماثل مع الأب من نفس الجنس كلما تدرجوا نحو الطفولة الوسطى، وسوف نتأمل هذا الموضوع في نهاية هذا الفصل. وأطفال ما قبل المدرسة عندما يزيدون من تفاعلاتهم مع آبائهم وأمهاتهم، ويشير ذلك إلى شعورهم بامتلاك شخصين للعناية والاهتمام بهم وليس شخصًا واحدًا، ففي حين وجدنا الرضيع يبحث عن جذب انتباه الأم فقط، إلا أنه الآن يلتمس الانتباه من كل من الأب والأم معًا كما نجدهم يوجهوا بعض أنواع الاهتمامات بصورة رئيسية إلى كل منهما، فمثلا قد نجد الولد يسأل والده عن الحلوى، وذلك لعلمه أن الأب عادة ما يعطيه بعضا منها، ولكن لا يسأل أمه لأنها ترفض إعطاءه إياها لخوفها على أسنانه، وبصورة مماثلة نجد البنت التي كسرت مصادفة طبقا أو شيئا ما، قد تعترف بذلك لأبيها لأنها تتوقع ألا يوبخها على ذلك، انظر الشكل رقم "1" يوضح العلاقة التفضيلية لأطفال سن ما قبل المدرسة للأمهات والآباء. كما أن قدرة أطفال ما قبل المدرسة على إدراك الاختلافات في اتجاهات آبائهم ونمط شخصيتهم قد يقودهم أحيانًا لمحاولة اللعب مع واحد من الأبوين في مقابل الآخر، وعادة ما يكون الأطفال في هذا السن ماهرين في التقليل من شأن أحكام أحد الأبوين في ضوء ما قاله الآخر فكثيرًا ما نسمع الطفل يقول: "سمحت لي ماما بعمله" كما أنه قد يرفض مطالب أحد الأطفال يقول: "لن أفعل ما تطلبين مني لآن بابا قال لي يمكنني أن أفعل ما أريد"، وكذلك نجد ذلك في تعبير المحاباة والتحيز في مجهود صريح للتعامل مع سلوك أحد الوالدين في مقابل الآخر، مثلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 يقول لأحد أبويه: "أنت دائمًا تفعل لي ذلك، أنا أريد أن تفعل ماما هذا، أو لماذا لا تذهبي يا ماما إلى العمل وبابا يمكن أن يمكث معنا للعناية والاهتمام بنا". ومما يجدر ذكره في هذا المقام، أنه من المفضل والأحسن بالنسبة للأطفال، ألا يكون أبويهما متناقضان كل منهما في مواجهة الآخر، وعلى الرغم من عدم وجود طريقة مثلى لتربية كل الأطفال، إلا أنه يجب على الأبوين الاتفاق والاستقرار على الطرق والتي يعتزمان استخدامها مع الطفل، فالأبوان من هذا النمط يساعدان الطفل على أن ينمو لديه معايير داخلية للسلوك، وتنمية الضبط والنظام عنده كما سنرى فيما بعد، بالإضافة إلى أن ثبات واستقرار الأبوين يحول دون اتخاذ طفلهما طرقه الخاصة به. ولقد أشارت نتائج الدراسة الموسعة الشاملة التي أجراها هنري بيلر H.Biler أن الآباء يلعبون دورًا هامًا في نمو الطفل أثناء سنوات ما قبل المدرسة بصورة خاصة، وبمقارنة الأطفال الذين نشئوا بواسطة أمهاتهم فقط وأطفال آخرين نشئوا وسط آبائهم وأمهاتهم اتضح أن المجموعة الثانية كانت أكثر نضجًا كما أن معاملاتهم مع الراشدين من حولهم كانت أفضل، كما أنهم كانوا يتعاملون بصورة أكثر إيجابية وأكثر فعالية في المواقف الإنجازية. ومن جانب آخر اتضح أن الأطفال الذين كان آباؤهم غائبين عنهم أو مهملين لهم، اتصفوا بعدم الثقة والارتياب واضطراب في دور جنسهم، فمثلا وجد أن بعض أطفال ما قبل المدرسة الذين كانوا بدون أب ظهر أنهم يؤدون الأعمال بطريقة أنثوية "في كونهم معتمدين غير ميالين إلى التوكيد والجزم والتردد" ووجد أنهم أصبحوا مفرطون في الذكورة Hypermesculine عندما وصلوا إلى سن الطفولة الأصغر منهم، ويتجنبوا النشاطات الخاصة بالإناث، أو مرتبطة بالتخنث Sissy, وذلك لكي يغطوا ويخفوا الإحساس الضمني للذكورة غير المناسبة. Santrock, j؛ "1974". والأب اللطيف المجامل Attenive يسهم في تنمية الإحساس المريح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 عند الابنة بدورها الجنسي، وذلك عن طريق سروره ورضائه بأن له ابنة ومعاملتها كما تحب أن تعامل، وبالتالي يساعدها في نمو مفهوم الذات الأنثوي إيجابيا، وتشير دراسة Hetherington؛ "1972" أن بنات ما قبل المدرسة اللاتي حرمن من علاقة وثيقة مع آبائهم غالبًا ما يفشلون في تنمية إحساس واضح بالأنوثة، وعلى الرغم من أن هذا الإحساس لا يلاحظ أثناء فترة الطفولة، إلا أن هؤلاء البنات غالبًا ما يصبحن مراهقات ذوي مشكلات مرتبطة بالأولاد، ويرجع ذلك إلى إحساسهن بعدم التأكيد وعدم الأمن بدورهن الأنثوي. ولسنا في حاجة إلى القول: إن مدى كفاية العناية الأبوية لا يمكن قياسها ببساطة عن طريق كمية الوقت الذي يقضيه الأب في المنزل. فالآباء غير المهتمين من المستبعد أن يوفروا العناية المناسبة للأطفال حتى ولو كانوا داخل المنزل بصفة مستمرة، ومن جانب آخر نرى الآباء الذين يمنعهم عملهم من قضاء وقت طويل مع أولادهم، قد يكونون آباء ممتازين عن طريق تقاسمهم ومشاركتهم لعلاقة قريبة إيجابية مع أطفالهم عندما يكونون معهم وبالقرب منهم, وكما أشرنا سابقًا أن أهمية العلاقة في نوعيتها وليس في كميتها هي التي تؤثر في نمو الشخصية الإيجابية والنمو الاجتماعي السوي، ولسوء الحظ فإن كثيرًا من الدراسات التي بحثت غياب الأب لم تأخذ هذه الحقيقة في حسبانها، وعلى الرغم من نتائج العديد من الدراسات قد دعمت ما أشرنا إليه عن النتائج المحتملة في الأبوية غير المناسبة، إلا أننا نجد أن هناك كثيرًا من البيانات غير المتناسقة ظهرت في عديد من الدراسات والتي افترض خطأ فيها أن كمية العناية الأبوية الجيدة التي يتلقاها الأطفال مرتبطة بصورة مباشرة بكمية الوقت الذي يقضيه الآباء داخل المنزل. وبالإضافة إلى ذلك فإن الدرجة التي يعانيها الأطفال من التأثيرات غير السوية نتيجة غياب آبائهم تختلف وفقًا للظروف والأحوال المحيطة، فمثلا غياب الأب يؤثر في نمو الطفل الكبير "في الطفولة المتوسطة أو المراهقة" بصورة أقل من تأثيره في نمو الطفل أثناء سنوت ما قبل المدرسة، وثانيًا تشير الدلائل أن أطفال سن ما قبل المدرسة يمكنهم التكيف بسهولة لغياب آبائهم لأسباب لا يمكن تفاديها كالموت، أو الإقامة المستمرة داخل المستشفى, أو الطلاق ثالثًا، وإذا كان للآباء علاقة زوجية حسنة مع الأم، فإنها عادة ما تذكر الأب بكلام جيد عندما لا يكون موجودًا بالمنزل أمام وليدها، وإذا كانت علاقة الأم بطفلها علاقة دافئة، مدعمة فإنها بالتالي تشجع وتدعم سلوك دور الجنس المناسب لطفلها، وعلى ذلك تخفف نسبيًا من النتائج السلبية على غياب الأب، رابعًا، نجد أن أطفال ما قبل المدرسة يمكنهم تجنب مشاكل عدم وجود الأب، إذا توفر ذكور أخرون يقومون بدور الأب معهم كزوج الأم مثلا، أو العم، والخال أو الإخوة الكبار في الأسرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 العلاقات مع الإخوة والأخوات: عادة ما تبدأ أثناء سنوات ما قبل المدرسة علاقات هامة مع الإخوة والأخوات، فأغلب المواليد الأوائل يدركون قدوم مواليد جدد لهم، وهؤلاء الجدد عادة ما يكونون مشغولين في أنواع جديدة من التفاعلات مع أخواتهم الأكبر, وتتضمن هذه العلاقات بين الإخوة والأخوات وبصورة عادية أحاسيس الغيرة والتنافس والتي صورت في كثير من الأعمال الأدبية, على الرغم من أن العلاقات بين الإخوة نادرًا ما تؤدي إلى نتائج متطرفة في العالم الواقعي، إلا أنها عادة ما تتحدى شعور وإحساس طفل ما قبل المدرسة في وجوده وهويته وبالتالي تتطلب التناول اليقظ الذكي بواسطة الأبوين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 مقدم طفل جديد : غالبًا ما يكون مقدم أخ أو أخت جديد حدثًا معوقًا في حياة طفل ما قبل المدرسة، وخاصة بالنسبة للمواليد الأوائل الذين تمتعوا بالاهتمام والانتباه المقصور عليهم من أبويهم، وتشير نتائج دراسة ليج وآخرين Legg, G؛ "1975" أن مقدم طفل جديد عادة ما ينظر إليه على أنه شيء متطفل، يدخل عنوة في حياة الصغير ومثير للمتاعب ومسبب للمشاكل للآخرين, وأطفال ما قبل المدرسة يشيرون عادة إلى عدم سعادتهم بالأخت أو الأخ الجديد بصورة غير مباشرة، وذلك بإصدار الإشارات البريئة الساذجة والتي تومئ إلى الرغبة في القضاء أو التخلص من القادم الجديد من العائلة, فكثيرًا ما نسمع "متى سنذهب لإعطاء هذا الطفل إلى المستشفى؟ ". كما نجدهم في بعض الأحيان تحدث لديهم أنماط سلوكية نكوصية، مثل سؤالهم عن الرضاعة أو البزازة مرة أخرى بعد أن يكونون قد أقلعوا عنها، أو الرجوع مرة أخرى إلى عدم التحكم في التواليت، بعد حصولهم واجتيازهم التواليت، وهذه الأنماط السلوكية النكوصية عادة ما تعكس من الطفل رغبة شديدة مؤقتة إلى أن ينظر إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 كطفل صغير مرة أخرى، وأن يتلقى الاهتمام والعناية الكاملة التي حصل عليها الإخوة أو الأخوات الجدد. ويستطرد Legg في ذلك بقوله: إن دراسات الأسرة أشارت إلى كثير من الطرق التي يستطيع الأبوان من خلالها مساعدة أطفال ما قبل المدرسة أن يجتنبوا التفاعلات السلبية نحو المولود الجديد, فقد يشرك الآباء الطفل في عمل الاستعدادات والتجهيزات الخاصة بوصول المولود الجديد، ويسمح لهم بالمساعدة في العناية بهم مثل إمساك الرضاعة أثناء إطعام الرضيع, كما يحتاج كثير من أطفال ما قبل المدرسة إلى التأكيد لهم من جديد أن دماهم أو ممتلكاتهم العزيزة عليهم لن تؤخذ منه أو تعطى للمولود الجديد, وكثير من الأفعال المتشابهة مع ما سبق الإشارة إليه تدعم شعور طفل ما قبل المدرسة في كونه مهما وله وضع ملائم ومركز مناسب في الأسرة، والذي يجعل من السهل عليهم التكيف في مقاسمة الانتباه والعناية مع القادم الجديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر: علاقة طفل ما قبل المدرسة بإخوته وأخواته الأكبر عادة ما تتناوب بين الصدقة والتنافس، فالأطفال الأصغر يتعلمون كيف يحترمون الأطفال الأكبر حتى يستمتعون بوجودهم معهم وأن يلجئوا إليهم للحماية والمساعدة، ومن جانب آخر نجدهم يستاءون من الامتيازات التي تعطى للكبار فكثيرًا ما نسمع منهم: لماذا يجب أن أذهب لأنام في حين أن أحمد لا يفعل ذلك؟ كما أنهم يتنافسون معهم لجذب الانتباه والاستحسان مثل قول طفل ما: شوف أنا أقدر أعمل أيه، وعلى ذلك فإن أطفال ما قبل المدرسة يكونون سعداء عندما يوافق إخوتهم الأكبر اللعب معهم، أو يعلموهم بعض الأشياء، ولكننا نجدهم يميلون إلى اصطياد الفرص لإخبار آبائهم بأخطاء أخواتهم الأكبر، وعمومًا فإننا نجد أطفال ما قبل المدرسة مولعون بالثرثرة والوشاية والتي غالبًا ما تزعج الآباء ويمكن أن تفسر ذلك بأنه محاولة من جانب الصغير في زيادة مشاركتهم وتقاسمهم لعطف آبائهم وذلك بالتنويه إلى عدم جدارة وعدم أهلية إخوتهم الأكبر منهم. ويستطيع الآباء مساعدة الأبناء في أن ينمون سويًا وذلك عن طريق وضع مستويات سلوكية مناسبة لكل عمر زمني، وبالتالي يمكن أن يعرف طفل ما قبل المدرسة ما يسمح له أداؤه أو المتوقع أن يؤديه في هذا السن وكذلك ما سيؤديه في المستقبل, وإذا حاول الآباء منع التنافس بمعاملة الأطفال جميعا بصورة متشابهة، فإنهم عادة ما يجعلون الأمور تسير إلى منع عنهم إمتيازات منحت إلى إخوتهم الأصغر نجدهم يميلون إلى الشعور بالطفولة Babied وأن يفقدوا الثقة في قدراتهم، كما أن الأطفال الصغار الذين يوضع لهم نفس مستويات الكبار عادة ما يشعروا بالإحباط بسبب عدم قدراتهم مقابلة توقعات آبائهم غير الواقعية منهم، أو أنهم قد ينمون إحساس مبالغ فيه فيما يقدرون أو يستطيعون القيام به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 التفاعلات مع الصحبة والنظراء : أثناء سنوات ما قبل المدرسة عادة ما يقيم الأطفال أول اتصالاتهم الهامة مع نظائرهم، فهو الآن خفيف الحركة، شغوف في استكشاف العالم خارج منزله وأقل حاجة للإشراف المستمر المتواصل، والأطفال في هذا السن الذين يلعبون في جماعات ويميلون بصورة كبيرة إلى تجاهل الآخر. باستثناء التبديلات التي تحدث بين الفينة والفينة لدماهم "ألعابهم" كما نجدهم غالبًا ما يوجهون انتباههم الأكبر إلى الراشدين المتواجدين أكثر مما يعطون لألعابهم، وبحلول العام الثاني نجد الأطفال يقضون وقتًا أطول مع رفاق اللعب وأدوات اللعب أكثر من الراشدين كما يبدءون اللعب سويًا أكثر من اللعب منفردين، ويتضمن ذلك الجدل والمناقشة في امتلاك الدمية بدلا من مجرد الصياح بسبب عدم امتلاكهم في سنته الأولى. ولقد استخدم إكرمان Eckerman؛ "1975" وزملاؤه موقف لعب تجريبي لكي يصفوا نمو اللعب الاجتماعي لأطفال تتراوح أعمارهم بين 10-12 شهرا و16-18 شهرا و22-24 شهرا، وجلس كل طفل بصحبة أمه، ولاحظ المختبرون الأطفال وأمهاتهم لمدة عشرين دقيقة مسجلين كمية الوقت الذي يقضيه كل طفل في اللعب بمفرده، وكم من الوقت يقضيه كل طفل في اللعب مع أمه، وكذلك الوقت الذي يقضيه كل طفل في اللعب مع أم الطفل الآخر, وكما أشارت النتائج الموضحة في الشكل رقم "2" أن اللعب الاجتماعي يبدأ في الظهور بحلول السنة الثانية من عمر الطفل، وكذلك نمو الميل لدى الأطفال في اللعب مع بعضهم البعض، أكثر من الوقت الذي يقضى في اللعب مع أمهاتهم انظر الشكل رقم 1، 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وتشير دراسات أخرى قام بها Harteys؛ "1970", Bronson؛ "1975" إلى أنه بمجرد أن يبدأ الأطفال اللعب الاجتماعي نجدهم يقضون وقتًا متزايدًا بعضهم مع البعض الآخر، وكذلك يبدءون اللعب في جماعات من ثلاثة أطفال أو أكثر، وكذلك في أزواج، وعند حلول العام الخامس يتزايد الوقت الذي يقضى في اللعب مع زملائهم، وذلك أكثر من رغبتهم جذب انتباه الآخرين الراشدين ومدحهم لهم، ففي حين نجدهم في مرحلة نمائية سابقة كانوا معتمدين كلية على مكافآت آبائهم، نجدهم الآن يبدءون في مكافأة بعضهم البعض بعلامات التقبل والاستحسان والتعاطف. وبواسطة هذا التفاعل المتسع مع زملائهم في مثل عمرهم، يتيح لهم أن يكونوا على دراية متزايدة باختلاف الواحد منهم عن الآخر، حيث يرون أن هناك أطفال أكبر منهم، والآخر أصغر منهم، البعض أشجع منهم والبعض أجبن منهم، والبعض له لون أسمر وآخر أبيض، وهكذا، كما أن أطفال ما قبل المدرسة يكتشفون تدريجيًا أن الأطفال ينتمون إلى أسر ذات مراكز مختلفة والتي قد تختلف مع أسرهم، فالبعض له إخوة وأخوات والبعض ليس له، والبعض له آباء شباب والآخر لديه آباء كبار في السن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 والبعض ليس له أبوان, وهذا النمو في الاشتراك أو التقاسم الاجتماعي مع الأقران يعتبر خبرة واسعة بصورة كبيرة, ولذلك نجد أطفال ما قبل المدرسة كثيرًا ما يمطرون آباءهم بتساؤلات فيما يبدو لا نهاية لها، عن كيفية اختلاف الحياة وسبب الاختلاف في العلائلات والأسر الأخرى وتساؤلات أخرى عن السببية مثل لماذا ليس لي أخ أو أخت؟ ولماذا لا أملك دمية كبيرة مثل زميلي؟ لماذا هذا الطفل ليس له أب؟ هل بابا سيذهب كذلك؟ كثير من التساؤلات عادة ما نسمعها من أولادنا في هذه المرحلة النمائية، يجب أن نعمل على الإجابة عليهم بقدر نموهم العقلي. كما أن أطفال ما قبل المدرسة يبدءون التعرف على الاختلافات بين أنفسهم في مواهبهم الطبيعية وسماتهم الشخصية، حيث يتعلمون أن بعض الأطفال أكثر تفوقًا من الآخرين في مهاراتهم اللغوية ومهاراتهم الحركية، فالبعض منهم أسرع من الآخر في الفهم وتذكر الأفكار الجديد، وقد يكون البعض أكثر عدوانية، وأكثر أنانية وأكثر جبنًا أو حذرًا من الآخرين وهكذا، ويدركون أن البعض يصلح للقيادة والبعض الآخر لا يصلح إلا للتبعية، والبعض يتسم بالخجل والآخر بالثقة بالنفس، وكل من هذه النماذج السلوكية تعكس اتجاهات أساسية يكونها الأطفال الصغار نحو أنفسهم ونحو عالمهم. وتشيير دراسة Hartup؛ "1970", ودراسة Moore؛ "1967" إلى أن الخصائص المرتبطة بالشعبية Popularity بين أطفال مدارس الحضانة تتلخص فيما يلي، أن أطفال الحضانة الذين كانوا أكثر حبًا من الآخرين يتسمون بالتعاون والألفة، والذين يقدمون الانتباه والاستحسان للأطفال الصغار وبين بعضهم البعض حيث يتوقون إلى ذلك، والذين كانوا يتوافقون بصورة جيدة للموقف الجمعي, وتشير خصائص الذين مالوا إلى أن يكونوا غير محبوبين, كانوا منسحبين اجتماعيًا أو عدوانيين كما كانوا يتصفون بالخصام والعناد، ويسخرون من مجهودات الآخرين, ومما يجدر الإشارة إليه فإن دراسات أخرى أجريت على أطفال أكبر سنًا -12 سنة- وكذلك على مراهقين، وأشارت النتائج إلى خصائص متشابهة مع ما ذكر آنفًا حيث اتضح أن الخصائص التي تؤدي إلى حب الآخرين هي الاجتماعية: التعاون والتوافق، والاتساق مع معايير الجماعة. Hartup؛ "1970". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 واللعب بصورة خاصة هام للنمو الاجتماعي ونمو الشخصية في سنوات ما قبل المدرسة، فمن خلال استخدام الدمى والألعاب المختلفة نرى الصغار يتعلمون أن كل فرد منهم شخص مستقل، وكذلك يدركون كيفية التعامل مع العلاقات الشخصية المتبادلة، فالأطفال الذين لا يكون لديهم فرص للعب مع رفاق سنهم يفتقدون خبرة تعلم اجتماعية حيوية، وبالتالي قد يكونون أقل ثقة في أنفسهم، وغير متأكدين من قدراتهم لعمل علاقات وارتباطات بأفراد آخرين خارج المجال الأسري، وتشير نتائج دراسات كل من Halverson وآخر "1976" إلى وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين درجة المشاركة الاجتماعية للبنين والبنات في سن الثانية والنصف والمدى الذي نجده في تفاعلاتهم الاجتماعية مع أصدقائهم في سن السابعة والنصف. بالإضافة إلى كل ما ذكر، فإن المشاركة الاجتماعية لأطفال سنوات ما قبل المدرسة يمكن أن تفيدهم, فهذه العلاقات لكونها خارج المنزل ولفترات وجيزة في الالتقاء مع الرفاق واللعب مع الأصدقاء الجدد تعتبر إعدادًا جيدًا لسنوات المدرسة التي ستأتي فيما بعد فالأطفال الذين نادرًا ما يكونون بعيدين عن أبويهم، قد يكون الانتقال إلى مدرسة الحضانة أو المدرسة الابتدائية مصدرًا رئيسيًا للقلق لهم ولآبائهم, وسوف نرى ذلك في مناقشتنا لمرحلة الطفولة الوسطى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 التطبيع الاجتماعي مدخل ... التطبيع الاجتماعي: التطبيع الاجتماعي عملية يكتسب الأطفال من خلالها الحكم الخلقي والضبط الذاتي اللازم لهم حتى يصبحوا أعضاء راشدين مسئولين في مجتمعهم، فالطفل لا يولد ولديه مفهوم عن الخطأ أو الصواب أو أي من الأنماط السلوكية مباحة وأيها محظور, والنضج المعرفي الذي يحدث أثناء سنوات ما قبل المدرسة وفي الطفولة الوسطى يزيد تدريجيًا من قدرة الطفل لعمل أحكام اجتماعية وبالتالي ضبط أنماطه السلوكية في ضوء هذه الأحكام، ومع ذلك فإن محتوى عملية التطبيع الاجتماعي بمعنى المفاهيم الشخصية النوعية التي يكونها الأطفال عن السلوك المناسب والسلوك غير المناسب لا تحدد فقط بواسطة النضج ولكن عن طريق ما يخبره الطفل كذلك، وأول هذه الأنواع وأهمها ما يسمى بالحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الاجتماعي Social Judgment وضبط الذات تتكون عن طريق كيفية تدريب الأبوين لأطفالهم وكذلك بواسطة الأمثلة التي يضعونها لسلوكهم الخاص، والثقافية, وبهذه الطريقة فإن الأبوين ينقلون لأطفالهم الاتجاهات الاجتماعية والثقافية والتقاليد والقيم التي يؤيدونها وهذه تتضمن معايير الأخلاق المشتركة في مجتمعهم بالإضافة إلى القيم الثقافية الفرعية Subcultural المرتبطة بجنس الوالدين والدين والأصول العرقية والطبقة الاجتماعية والميول السياسية. ويستجيب الأطفال لتأثير الأبوين بتذويب المعايير وتكوين موقفين متممين بعضهما البعض؛ أولا: نجدهم يدمجون التحريمات والمحظورات الموضوعة بواسطة الوالدين كقولهم: "من المفروض ألا تأخذ الأشياء التي تخص الأفراد الآخرين"، وبالتالي يبدءون في تكوين الضمير ويعتبر بمثابة صوت داخلي يستمر في النداء "لا" حتى في غياب الأبوين, ثانيًا: وكلما بدءوا في دمج الأهداف الإيجابية والقيم التي يصادق عليها الأبوان نجدهم يبدءون في دمج الأهداف الإيجابية والقيم التي يصادق عليها الأبوان نجدهم يبدءون في تكوين الأنا المثالية Ego Ideal وتعتبر بمثابة إحساس داخلي لما يطمح إليه وكذلك ما ينبغي عليهم عمله. وبانبثاق الضمير نجد الأطفال يشعرون بالذنب لكونهم قد سلكوا في طرق يجب ألا يسلكوها، كما أن نمو الأنا المثالية يسبب لهم أحاسيس ومشاعر الخجل عندما يخفقون في عمل ما يعتقدون أنهم يقدرون عليه. Piero, G. & Singer, M؛ "1952". وتشير عملية التطبيع الاجتماعي بصورة أكثر فعالية عندما يتصف الآباء بما يلي: 1- بتدريب أطفالهم بطرق تساعدهم على تكوين ضمير ملائم، ولكنه ليس صارمًا أكثر مما ينبغي. 2- بعملهم كنماذج للحكم الاجتماعي والضبط الذاتي والتي يمكن لأطفالهم التقمص معها, فالتدريب والتقمص يمكن بالتالي أن يعتبرا العاملين الأساسيين في عملية التطبيع الاجتماعي, وسوف نوردهما في الصفحات التالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أ- التدريب أو فرض النظام Discipline تشير كثير من الدراسات أن الدراسات سواء كانت في صورة مكافآت أو عقاب يساعد الأطفال على تعديل سلوكهم ويتعلمون كذلك الضبط الذاتي ففي إحدى دراسات للطرق الشائعة لدراسة التدريب، أعطي الأطفال فرصة الإمساك بدمية جذابة أو غير جذابة، وعندما يصلون إلى الدمية غير الجذابة كانوا يتلقون مديحًا وثناء وقطعة من الحلوى، وعندما يصلون إلى الدمية الجذابة لا يتلقون جزاء وثوابًا، وبعد فترة ترك الأطفال بمفردهم مع الدمى، ولاحظ Aronfreed؛ "1968" أن الأطفال الذين أجريت عليهم هذه التجربة مالوا إلى تجاهل وتحريم الدمية الجذابة على أنفسهم، وعادة ما كانوا يصلون إلى الدمية غير الجذابة. ولقد وجد Parke؛ "1969" نتائج متشابهة حيث كان الأطفال يعاقبون عن طريق التأنيب القاسي عندما يصلون للدمية الجذابة كقول: "لا، إن هذه الدمية ليست لك"، وتشير النتائج أن الأطفال الذين تركوا بمفردهم مع الدمى الجذابة مالوا إلى مقاومة الإمساك بها أن كانوا قد تلقوا التوبيخ فيما سبق، وتشير الدلائل كذلك أن تأثير الثواب والعقاب في هذه الدراسات يكون أكثر فعالية إذا حدث بمجرد أن يصل الطفل إلى الدمية وليس بعد أن يلعب بها، وهذا يعني أن النظام والتدريب سيكون أكثر فعالية أثناء الأطوار المبكرة الأولى لتشكيل السلوك، إذا ما قورن ذلك بعد أن يكون السلوك قد بدأ منذ فترة. وعمومًا، فمن الصعب إجراء تعميمات عن تأثير التدريب والنظام على سلوك الأطفال، بالإضافة إلى زمن هذا التدريب، أو التدريب سواء أخذ صورة المكافأة أو العقاب, فإننا نجد كثيرا من العوامل تؤثر في مدى فعالية هذا التدريب ويتضمن ذلك من الذي يقوم بهذا التدريب؟ وكيفية تناسب هذا التدريب مع موقف معين، بالإضافة إلى درجة حساسية الطفل للمديح أو التوبيخ، ولذلك فإننا نجد معظم وجهات النظر التي أجريت على النظام والتدريب تشير إلى عديد من التحذيرات في تفسير نتائجها، وعمومًا فلقد اتفقت نتائج الدراسات أن الأطفال عادة ما يستفيدون من النظام "التدريب" الذي يتصف بالصفات الآتية. أ- يجب أن يدار بصورة متساوقة ثابتة. ب- التدريب المرشد أكثر فعالية من التدريب المعاقب. جـ- التدريب الموجه إلى أنماط سلوك الأطفال أكثر فعالية من التدريب الموجه لهم كأشخاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 تساوق التدريب أو النظام: اتضح من الدراسات التجريبية في التعلم أن السلوك المكافئ جزئيًا "في بعض الأحيان وليس في كل الأوقات" Partial Reinforcement يكون أكثر ثباتًا ويقاوم التغير، عن السلوك الذي يلقي مكافئة باستمرار, وبطريقة مماثلة فقد وجد أن العقاب المتسق والثابت لسلوك معين كالعدوان مثلا سوف يقلل من حدوثه بصورة كبيرة، أكثر من حدوث ذلك نتيجة عقاب هذا السلوك في بعض الأوقات وتجاهل ذلك في أوقات أخرى, وعمومًا فإن السماح الجزئي لسلوك ما "من وقت إلى آخر" يكون بمثابة مدعمًا ضمنيًا جزئيًا لهذا السلوك. ويشير كل من دير Deur وبارك Parke إلى تأثير التدعيم الجزئي، ففي إحدى الدراسات اختبرت ثلاثة مجموعات من الأطفال في عقاب دمية كبيرة تحت ثلاثة ظروف تدريبية معينة، حيث تلقت إحدى المجموعات مكافأة مستمرة لمعاقبة الدمية، وتلقت المجموعة الثانية المكافأة نصف الوقت ولم تكافأ في النصف الآخر، وتلقت المجموعة الثالثة مكافأة نصف الوقت ولكنها تلقت عقابا في النصف الآخر بواسطة صوت عال مرتفع والذي قيل لهم: إن هذا الضجيج يشير إلى أنكم تلعبون بصورة سيئة، وفي اختبارات فرعية لاحقة لوحظ مدى استمرار تلك الجماعات في معاقبة الدمية في حالات عدم تلقي المكافأة أو العقاب. والنتائج الموضحة في الشكل "3" تشير إلى أنه سواء عوقب السلوك العدواني للأطفال بصورة ثابتة أو حدث تجاهل لهذا السلوك، فإن الأطفال الذين تلقوا 50% مكافأة، و50% عقابًا لمعاقبتهم الدمية، استمروا في معاقبتها لمدة أطول من المجموعتين الأخريين، كما أظهر الأطفال الذين تلقوا مزيجًا من العقاب والمكافأة، أظهروا عقابًا موجهًا إلى الدمية فيما بعد بصورة أطول من المجموعة التي كانت تتلقى العقاب المستمر، حيث كان معدل سلوكهم العدواني 21.1 من الوقت, وكان الأطفال الذين يتلقون المكافأة 100% من الوقت ويتجاهل عقابهم اللاحق أظهروا سلوكًا عدوانيًا بمعدل 26.5 من الوقت. انظر الشكل "2". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وتشير هذه النتائج أن الآباء يمكنهم مساعدة أطفالهم تعلم الأحكام الصائبة الجيدة، والضبط الذاتي وذلك عن طريق الاستقرار على معايير السلوك المطبقة والتدعيم المنتظم لهذه المعايير، ومن جانب آخر إذا لم يتفق الوالدين على ما يجب لأطفالهم أن يسلكوا، أو يعاقبون بعض الأفعال المعينة في بعض الأوقات وليس باستمرار نجد الأطفال يصدرون ثمة أنماط سلوكية غير سوية كالعدوان والتهور والاندفاعية والأفعال غير المسئولة نحو الآخرين. والطرق التي يؤدي إليها التدريب غير المتناسق إلى تطبيع اجتماعي غير سوي يفترض أن الأطفال الذين يواجهون بتدريب غير متناسق يميلون إلى استنتاج أن آباءهم يعتبرون بمثابة أشخاص غير موثوق بهم ولا يعول عليهم، حيث إنهم لا يعنون ما يقولون، وهؤلاء الأطفال عادة ما يكون لديهم صعاب ومشكلات نمائية معينة Rotter بفقدان القدرة الداخلية على الضبط، وبالتالي نجدهم يسلكون وفقًا لكيفية رؤيتهم الأحداث الخارجية وفهمهم لها, وعادة ما يخلق هؤلاء الأطفال في تكوين الضمير المناسب حيث يرون قدرتهم قضاء وقدرًا، أو أنها قد ترجع إلى من يسوسهم، ويرجع عدم اقترافهم أعمالا غير خلقية إلى الخوف من الإمساك والقبض عليهم وإنزال العقاب بهم، وعلى نقيض هؤلاء كان الأشخاص ذوي التذويب الداخلي للأخلاق يعتقدون بأنهم يملكون الضبط والتحكم على مصائرهم أو قدرهم، وقراراتهم السلوكية تنبع من شعورهم وإحساسهم الخاص بالخطأ والصواب وذلك أكثر من الخوف من النتائج والعواقب الخارجية. وتشير نتائج دراسات Hoffman؛ "1974" أن الأطفال الذين نموا شعورًا أو إحساسًا داخليًا بالخلق، يكونون أميل للشعور بالذنب عندما يكون سلوكهم ضارًا أو مؤذيًا للآخرين، وذلك أكثر من هؤلاء الأطفال الذين كانت أفعالهم محكومة بصورة أولية عن طريق وسائل الضبط الخارجي، كما أنهم كانوا أمثل إلى تقبل اللوم في حالة وقوعهم في الأخطاء، ويعترفون بالإثم والجرم الذي ارتكبوه دون أن يكتشفوا. وعادة ما يقاومون تشجيع الآخرين لهم في اقتراف الأفعال غير الخلقية أو التافهة, وبالتالي فإن الأطفال الذين طبق عليهم التدريب الأبوي أو النظام الأبوي المتناسق والمتسق لكي ينموا ضبطًا داخليًا كانت الفرصة أمامهم أفضل للنمو إلى راشدين يقدرون على تحمل المسئولية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 التدريب المرشد Instructive Training: يكون التدريب مرشدًا عندما يدار بطريقة هادئة معقولة، وعندما يبنى على أساس ذنب معين، ويكون مناسبًا مع الفعل المقترف، وعلى نقيض ذلك فالتوبيخ العنيف والغضب والصفع الذي لا يكون مرتبطا بالعمل والتي تكون قاسية جدًا بالنسبة للذنب المقترف، لا تساعد على النمو السوي للأطفال، وعمومًا عندما يكون الأباء معاقبون بصورة مفرطة قاسية غير مميزة، نجد الأطفال عادة ما يستجيبون بإحدى الطريقتين التاليتين معتمدة ذلك على أنماط شخصيتهم. أ- فأطفال ما قبل المدرسة الذين يتسمون بالسلبية والجبن يكون من السهل انقيادهم إلى الآخرين، وغالبًا ما يروعون بالعقاب ويصبحون مذعنون بصورة مفرطة وفي خوف من إثبات أو تأكيد ذواتهم. ب- كما أن الأطفال الذين يكونون نشطين من الناحية الجسمية وذوي فعالية، واثقون بذواتهم يميلون إلى الاستجابة إلى الإرهاب الأبوي بأن يصبحوا متسمين بالعداء ومتقلبي المزاج. كما يشير Hoffman؛ "1970", Feshbach؛ "1972" أن الأطفال يميلون إلى أن يضعوا أنفسهم في نماذج وفقًا للطريقة التي يعاملهم بها الآباء. والنموذج الأبوي يكون أحد جوانب التقمص، وذو أهمية ويفسر الحقيقة أن الآباء الذين يكون تدريبهم مبنيًا على أساس منحى "افعل ما أقوله" قد يندهشون للنتائج التي يحصلون عليها في شخصيات أبنائهم، فالأطفال يفعلون ما يفعله الآباء وما يقولونه وعمومًا فإن الآباء الذين يعولون على التدريب العقابي عادة ما يخبرون نتائج مضادة لتلك التي ينشدونها في أولادهم. والاختلاف بين التدريب الإرشادي والتدريب العقابي يوضحه مارتن هوفمان عن طريق وصفه نوعين من التدريب العقابي وهما تأكيد القوة Poewer Assertion الذي يتضمن عقابا جسميًا فعليا أو تهديديًا، أو الحرمان من أشياء أو امتيازات مادية, وثانيهما سحب الحب الذي يعبر فيها الآباء عن غضبهم وعدم استحسانهم عن طريق تجاهل أطفالهم، ورفض التكلم معهم أو الاستماع إليهم أو التهديد بتركهم. والتدريب المرشد من جانب آخر يتضمن وسائل حث عن طريقها يشرح الآباء ويفسرون لأبنائهم سبب رغبتهم في تغيير سلوكهم, وأحد أشكال وسيلة الحث هي الموجهة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 الآخر حيث يجذب الآباء انتباه الطفل إلى الطرق التي يكون سلوكه مؤذيًا إلى الآخرين مثل قولهم "أنا حزين لمضايقتك أخيك، وعندما تفسد شيئًا فإن صاحبه يجب أن يصلحه وهذا يكلفه أو هو عمل شاق بالنسبة له ... ". وتشير الدرسات في تأكيد القوة، وسحب الحب، ووسائل الحث أن الطريقة المختارة التي تتخذ لها تأثيرا ذات دلالة في ما إذا كان الطفل سينمي تنظيمًا سلوكيًا تذويتيًا "خلق قوي" أو وضعًا خرجيا للضبط الذاتي "خلق ضعيف" فاستخدام تأكيد القوة يرتبط بالنمو الخلقي الضعيف للأطفال في حين نجد وسائل الحث Induction خاصة عندما تكون موجهة ذاتيًا ترتبط بالنمو الخلقي المتقدم، ومما يجدر الإشارة إليه أننا بإعطاء الأطفال التفسيرات والتأويلات للأفعال السلوكية يساعدهم على تكوين موقف داخلي من القواعد والتوقعات والتي تساعدهم بالتالي على التحكم في أنماط سلوكهم، وأخيرًا فإن سحب الحب لا يدل على أنه يحمل أية علاقة متسقة بالنمو الخلقي, وكما سنرى فيما بعد أن تعبيرات التعاطف الإيجابية تساعد بصورة منتظمة على التعجيل بتكوين النماذج السلوكية التذويتية "الداخلية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 السلوك التدريبي الموجه : إن التدريب يمكن أن يوجه سواء إلى سلوك الطفل مثل قولنا: "إن هذا الشيء سيئ فلا تفعله". أو يمكن أن يوجه إلى الطفل كشخص: "لماذا أنت شخص سيئ؟ ". وبصورة عامة فإن التدريب أو التهديد الموجه نحو سلوكهم يساعد الأطفال على المحافظة على احترام ذواتهم، في حين نجد التهذيب الذي يهدف شخصياتهم يميل إلى جعلهم يحسون بأنهم غير محبوبين أو يشعرون بعدم الحب وعدم الكفاءة ويشير Haim Gimolt؛ "1965" أن الآباء يجب أن يميزوا في معاملتهم بين أطفالهم كأشخاص "الذين يحبونهم دائمًا" وبين أفعال أطفالهم, والتي قد تكون محببة أو غير محببة لهم، وبالتالي فإن الأطفال يتقبلون التدريب بصورة أفضل ويتعلمون بصورة أكثر فعالية, إذا ما قورنت بنتائج النقد للأطفال باعتبارهم أشخالص غير محبوبين. وليس بغريب أن نجد إدارة التدريب بواسطة اتجاهات دافئة محبة يساعد الأطفال على تذويت معايير السلوك، فتقبل الآباء لصغيرهم يجعلهم معولا ومصدرًا للمكافأة، وعلى ذلك نجد الآباء النابذين أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الرافضين وبالتالي يؤثر الآباء على الأحكام الاجتماعية والضبط الذاتي لأطفال هذه المرحلة النمائية، ويشير MacDonald؛ "1971" أن إدارة التدريب بطريقة دافئة حانية معززة عادة ما تشجع عوامل الضبط السلوكي الداخلي عند الأطفال في حين نجد التدريب غير المدعم بالدفء والتعاطف عادة ما يشجع الأخلاقيات غير المذوتة, أو تكون مجرد مظاهر خارجية Externalized. ويشير هوفمان Hoffman؛ "1970" إلى العلاقة بين وسائل التدريب والنمو الخلقي عند الأطفال وذلك بمقارنته أجواء ثلاثة من التدريب وأثر ذلك على الأنماط السلوكية التي يؤتيها الأطفال، والجدول رقم "2" يوضح نتائج التجربة السابقة: إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الرافضين وبالتالي يؤثر الآباء على الأحكام الاجتماعية والضبط الذاتي لأطفال هذه المرحلة النمائية، ويشير MacDonald؛ "1971" أن إدارة التدريب بطريقة دافئة حانية معززة عادة ما تشجع عوامل الضبط السلوكي الداخلي عند الأطفال في حين نجد التدريب غير المدعم بالدفء والتعاطف عادة ما يشجع الأخلاقيات غير المذوتة, أو تكون مجرد مظاهر خارجية Externalized. ويشير هوفمان Hoffman؛ "1970" إلى العلاقة بين وسائل التدريب والنمو الخلقي عند الأطفال وذلك بمقارنته أجواء ثلاثة من التدريب وأثر ذلك على الأنماط السلوكية التي يؤتيها الأطفال، والجدول رقم "2" يوضح نتائج التجربة السابقة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 التقمص Identification: هي العملية التي يستجيب بها الأفراد لأحاسيس واتجاهات وأفعال الآخرين عن طريق تبنيها كما لو أنها خاصة بهم، والتقمص الذي أشارت إليه مدرسة التحليل النفسي يعتبر عملية لا شعورية، بمعنى أن الأفراد الذين يتقمصون سلوك بعض الأفراد لا يكونون بالضرورة على دراية بتبنيهم لخصائص هذا الشخص، وعلى ذلك فالتقمص يختلف عن عملية التقليد أو المحاكاة الشعورية لشخص من الأشخاص، وعلى الرغم من أن كلا العمليتين تسهمان في النمو الشخصي للكائن الآدمي. وكما أشرنا سابقًا أن الأطفال يبدءون في مرحلة مبكرة من حياتهم في تقليد كلام وحركات وإيماءات آبائهم، فعلى المائدة مثلا قد نجد أطفالا ينتزعون لب الخبز عندما يرون أمهاتهم تفعلن ذلك، وقد يقولون: إنهم لا يحبون مأكولا معينًا لسماعهم أبيهم يقول ذلك، وثمة أنماط سلوكية تعزز عن طريق التشجيع الرقيق أو غير الرقيق من الآباء، والذين عادة ما نجدهم يفرحون لتقليد وليدهم أفعالهم السلوكية. وأثناء سنوات ما قبل المدرسة، نجد هذه الأفعال التقليدية تنمو تدريجبًا نتيجة عملية التقمص، وبنمو الطفل نجده يفعل ما يفعله الأب ليس فقط لمجرد التقليد ولكن بسبب حبه لأبيه، وبالتالي يبدأ في إتيان الأنماط السلوكية التي يحبها الآباء، أو نجدهم يفكرون على نمط ما يفكر فيه آباؤهم حتى ولو لم يكونوا في حالة حضور مادي، فالطفل مثلا قد يجلس على الكرسي المخصص لأبيه ويقول: "أنا بابا الآن" أو قد يوبخ أخاه الأصغر أو أخته الصغرى لتصرفها بطريقة يعتقد أن الأم أو الأب لن توافق عليها، وأطفال هذه المرحلة عادة ما يبدءون في قول الأشياء التي تشير إلى التقمص والتوحد مع أبويهم فقد نسمع منهم مثلا: "أنا أريد أن أكون مثل بابا عندما أكبر, أو متى يمكنني حلق ذقني مثل أبي، أو أسوق السيارة ... إلخ". ولم يتمكن كثير من دراسي سيكلولوجية النمو عمل تمييز بين عمليتي التقمص والتقليد، فمثلا نرى علماء بارزين في التعلم الاجتماعي مثل باندورا Bandura ووالترز Walters؛ "1964" يشيران أن مبادئ التعلم هي التي تحدد ميول الفرد لكي يمذج أفعال واتجاهات الآخرين، وبالتالي فإن مفهوم التقليد يفسر بصورة كاملة هذا الجانب من نمو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الشخصية، ومع ذلك فإننا نشعر بأن هناك بعض الأسباب الوجيهة للاستخدام الشائع لمفهوم التقليد Imitation لكي يعني تقليد أو محاكاة أفعال معينة للآخرين والتي تبدأ منذ مرحلة الطفولة المبكرة، والتقمص يعني القيام بدور أو اتخاذ الدور العام لشخص آخر، ويمكن أن نعلل هذا التمييز للأسباب الآتية. أولا: التقليد لا يتطلب قدرات معرفية معينة، والتي تكون ضرورية لحدوث التقمص، فالأفراد يمكنهم تقليد أفعال معينة للآخرين عن طريق الروتين أو الاستظهار بدون فهم، إلا أنهم لا يمكنهم أخذ أدوار أفراد آخرين إلا إذا أمكنهم التوحد معهم Empathize، بمعنى أن يضعوا أنفسهم في قوالب هؤلاء الأفراد الآخرين, ويشير Selman "1971" أن الأطفال عادة ما يبدءون في تنمية القدرة على أخذ هذا الدور في الثالثة أو الرابعة من عمرهم تقريبًا، وتمدنا بيانات الدراسة السابقة بأساس للتمييز بين السلوك التقليدي المبكر وبين عملية التقمص والتي لا تكون متيسرة إلا بعد ظهور القدرة على أداء دور معين. ثانيًا: يختلف التقمص عن التقليد فيما يتعلق بالمدى أو بحلقة الأفراد الذين يستخدمون كنماذج لكل منهما، فالتقمص عادة ما يحدث وبصورة أولية في سياق علاقة مغلقة نامية بين شخصين، في حين نجد التقليد يمكن أن يحدث نتيجة ملاحظات وجيزة غير مهمة بصورة نسبية، أو حتى نتيجة ملاحظات غير شخصية للآخرين, وعلى ذلك فإن أطفال ما قبل المدرسة غالبًا ما نجدهم يتقمصون شخصيات آبائهم وفي نفس الوقت نراهم يقلدون كثيرًا من الأفراد الآخرين متضمن ذلك أقرانهم وزملاءهم ومدرسيهم وشخصيات أفلام الكرتون والشخصيات السينمائية والتليفزيونية وما إلى ذلك. ولقد اهتمت كثير من دراسات تقمص الأطفال مع آبائهم، بالعوامل التي تسهم في تعزيز نموذج الدور Role Modeling, فيشير Hetherington وآخر "1967" أن العلاقة الدافئة والحب يساعدان على الإسراع بأخذ دور النموذج، ولذلك نجد الأطفال عادة ما يتقمصون بصورة شديدة مع الآباء الذين يشعرون بالحب والتقبل منهم، وتسمى هذه النماذج بالنماذج الأبوية التعزيزية الخاصة Nurturant Models، على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 نقيض الآباء الذين يشعر الأطفال بعد الحب أو عدم التقبل لهم وتسمى هذه بالنماذج الرافضة النابذة Rejecting Models, وبالنسبة للسلطة الأبوية أشارت نتائج الدراسة السابقة أن الآباء الذين يظهرون كفاية واقتدار في حل المشكلات السلوكية، في حياتهم اليومية يجعلون عملية التقمص القوي عند الأبناء, في حين نجد الآباء غير القادرين على التعامل مع مشكلات الحياة اليومية، أو الذين لا يبذلون التحكم والضبط على بيئاتهم يعوقون من عملية التقمص هذه. وتشير نتائج دراسات كل من Bandura؛ "1969", Sears & Others؛ "1965" إلى ثلاثة عوامل أخرى بالإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه تؤثر على تقمص الأطفال الصغار لآبائهم. 1- عادة ما يحدث التقمص بسهولة وعن طيب نفس في حالة وجود تشابهات مدركة بين الأطفال وآبائهم، بمعنى أن الشخص يمكنه القيام بدور شخص آخر بسهولة أكثر، يدركون أحيانًا التشابهات بينهم وبين آبائهم كقولهم مثلا "أنا آكل بيدي اليمنى مثل ما يفعل بابا أو ماما" أو أنا استعمل يدي اليسرى مثل ماما, وقد يدركون هذا التشابه بينهم وبين آبائهم عن طريق ما يستمعون إليه: "فمثلا عندما تقول الجدة أو الجد الطفلة ما قبل المدرسة بأنك تشبهين أمك فيما كانت تفعله عندما كانت في مثل سنك", وفي أحايين أخرى نجد الأطفال الصغار يقلدون بعض أفعال الآباء لا شعوريًا لكي يلقوا الحب والاهتمام منهم وبالتالي يعزرون تقمصاتهم. 2- ومن الأسهل بالنسبة للأطفال التذوت مع نماذج الآباء وعندما يمكنهم إدراك ما تكون عليه هذه النماذج، فلكي تحاول أن تكون محبوبًا من شخص آخر، فإنك في حاجة إلى معرفة كيف يفكر هذا الشخص وكيف يشعر أو يحس، وهذا يعني أن الأطفال لا يمكنهم بسهولة التذوت Idntigy مع آبائهم الغائبين بسبب الطلاق أو الموت أو الانفصال, أو دائموا التغيب عن المنزل، كما أن الأطفال يكون لديهم صعوبة في التذوت مع آبائهم عندما لا تتوفر الفرص الكثيرة للتعلم فيما يفكر أو يعتقد فيه الآباء, بمعنى أن الآباء الذين يحتفظون بأفكارهم وآرائهم وميولهم وخبراتهم، وحتى طبيعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 عملهم لأنفسهم فقط لا يهيئون فرص تذويت سلوكهم عند أطفالهم. 2- والتذوت أو التقمص يشبه التقليد عندما يكون مدعمًا باستحسان الآباء في تشبه أطفالهم بهم، فعندما يقول الطفل الذي يجلس على كرسي والده "أنا بابا" فعندما يسمع الطفل من أمه قولها "أنني متأكدة بأنك ستكون مثل بابا عندما تكبر" نجد أن عملية أخذ دور الأب تدعم وتشجع عند الطفل, ومن جانب آخر فإن الآباء الذين لا يشجعون مثل هذه الأفعال تقول الأم في المثال السابق، "إنك تعرف أنه غير مباح لك أن تجلس على هذا الكرسي بحذاء وسخ غير نظيف"، أو قولها: "إنك دائم الشغب وتسبب لي المتاعب، أو أنني لا أعتقد أنك ستكبر أبدًا" كل هذه الأقوال والاستجابات تميل إلى أن تضعف عملية التقمص. ولقد أشرنا إلى بعض تأثيرات تدريبات تنشئة الطفل على عملية التقمص Idenification، حيث إن التقمص الشديد يعزز ويشجع عملية التطبيع الاجتماعي الفعال، فكلما تقمص الأطفال أو تذوتوا مع آبائهم كلما كانوا أكثر تذويتا لأنماط الوكالة الضمنية لعملية التطبيع الاجتماعي, في حين يمثل التدريب الوكالة الصريحة له، فعن طريق التدريب نجد الآباء يعبرون بطريقة لا لبس فيها عن معايير نوعية للسلوك سلوكهم, وكلما كان هذا النمو معززًا كلما كان أكثر تقبلا حتى يتبنى بواسطة الأطفال وبالتالي يتبنون جوانب متعددة من ضمير آبائهم وذواتهم المثالية. وعمومًا، فهناك ثلاثة مظاهر لنمو الشخصية أثناء سنوات ما قبل المدرسة تتمثل في العدوانية والتغيرية والتقمص أو التذويت الجنسي، وبالتالي يؤثران على نوعية الشخصية التي سيكون عليها الطفل في مقتبل عمره وسنتكلم عن هذه المظاهر الثلاثة بشيء من التفصيل. أ- العدوانية Aggression: يسلك جميع الأشخاص بعدوانية في بعض الأوقات، كما أن السلوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 العدواني قد يكون مظهر متعذر اجتنابه في الظروف والنوع الإنساني. ولقد حاولت عديد من النظريات تفسير مصادر السلوك العدواني هل هو سمة وراثية؟ أو أنه ينمو نتيجة الاستجابة للخبرات المحيطة في مرحلة الطفولة؟ أو أنه متعلم عن طريق التدعيم الأبوي أو بواسطة المكافآت الاجتماعية الأخرى "V. Fesbach" ومع ذلك فعلى الرغم من الدراسات المكثفة الواسعة, إلا أن معلوماتنا مازالت عن السلوك العدواني كيفيته وعلته قليلة جدًا، وما نعرفه أن السلوك العدواني يختلف مع اختلاف العمر الزمني لدى الأطفال، كما أننا يمكن استثارة هذا السلوك العدواني بواسطة ملاحظة الأطفال النماذج العدوانية بمعنى أن يكون عن طريق التقليد والتذويت "التقمص". وقبل أن نصف الاختلافات في الأعمار الزمنية التي يعزى إليها السلوك العدواني عند الأطفال، فإننا يجب أن نميز بين نوعين من السلوك العدواني. العدوان العدائي Hostile Aggression: وهو الذي يهدف الأشخاص الآخرين وعادة ما يكون مصاحبًا بأحاسيس ومشاعر الغضب نحوهم. العدوان الآدوي Instrumental Aggression: وهو الذي يهدف إلى إحراز أو استرداد بعض الموضوعات أو الأشياء المعينة كالأرض أو امتيازات أخرى، إلا أنه غالبًا ما يكون غير شخصي على الرغم من أن هؤلاء الآخرين قد يعانون ويقاسون نتيجة لهذا السلوك العدواني. ولقد اتفقت نتائج دراسة Hartup؛ "1974" مع ما جاءت به دراسة Dawes منذ ما يقرب من خمسين عامًا، حيث لخصت الدراسة الأولى التفاعلات بين جماعات متعددة من أطفال ما قبل المدرسة ما بين 4، 6 سنوات، وكذلك أطفال المدارس الابتدائية ما بين 6، 7 سنوات وكانت مدة هذه الدراسة عشرة أسابيع. وأشارت كل من هاتين الدراستين السابقتين إلى النقاط الآتية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 1- ردود الفعل العدوانية بين أطفال ما قبل المدرسة عادة ما تكون أدوية "كالتشاجر لامتلاك دمية ما"، إلا أننا نلاحظ ما بين 2-5 سنوات تميل هذه العدوانية إلى الانخفاض تدريجيًا". 2- ومع انخفاض العدوان الآدوي نرى ازدياد في العدوان العدائي "كالخناق والضرب ... إلخ". 3- ويستمر كل من هذين المنحيين في مرحلة الطفولة الوسطى، وفي المدرسة، إلا أن الأطفال أميل إلى أن يظهروا العدوان العدائي عندما يسلكون بعدوانية. وهذه التغيرات في السلوك العدواني يمكن أن تعزى إلى عملية التطبيع الاجتماعي، وبالتالي فإن طفل الخامسة يمكن أن نتوقع منه سلوكًا عدوانيًا أقل عما يؤتيه طفل الثانية، إلا أنهم غالبًا ما يوجهون عدوانيتهم نحو الآخرين. وتشير نتائج دراسات باندورا Bandura؛ "1961" أن التعلم الشهودي Observational Learing يلعب دورًا حاسمًا في السلوك العدواني عند الأطفال مع شخصيات آبائهم الذين يسلكون بعدوانية، بالإضافة إلى تقليدهم للأفعال العدوانية التي يرونها في الآخرين وتشير نتائج الدراسة السابقة أن هذه العوامل تساعد على نسخ الأطفال للأنماط السلوكية العدوانية، ففي إحدى الدراسات شاهدت مجموعة من الأطفال ما بين 3، 5 سنوات من بنين وبنات راشدًا يسلك سلوكًا عدوانيًا تجاه دمية وذلك بضربها وركلها إلى أسفل، في حين شاهدت مجموعة أخرى من أطفال مدرسة الحضانة في نفس العمر الزمني للمجموعة السابقة راشدًا يسلك سلوكًا تجاهليًا نحو الدمية. وعندما ترك الأطفال بمفردهم مع الدمى لوحظ أن الأطفال الذين شاهدوا النموذج العدواني، تعاملوا مع الدمى بعدوانية أكبر من المجموعة الثانية التي كانت لا تلاحظ هذا السلوك العدواني من الراشد، ولقد دعمت نتائج ذلك نتائج دراسة أخرى لباندورا وآخرين "1963" عن طريق عرض صور وأفلام لأطفال يسلكون بعدوانية نحو بعضهم البعض، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 فالأطفال الذين يشاهدون الأفلام العدوانية كانوا يميلون إلى التصرف بعدوانية أكبر في مواقف اللعب التالية من الأطفال الذين لم يشاهدوا أفلام العنف. وعمومًا، فلقد أشارت كثير من الدراسات أن مشاهدة أفلام العنف والعدوانية يزيد من كمية العدوانية لدى الأطفال يظهرونها أثناء لعبهم، وهذه النتائج لها تطبيقات ظاهرة في إمكانية تأثير العنف بالأفلام التليفزيونية على السلوك العدواني لدى الأطفال, وسنلقي الضوء على ذلك في نهاية هذا الفصل. ب- الغيرية Altuism: تعزى الغيرية إلى ذلك السلوك الحنون المراعي لحقوق ومشاعر الآخرين، ذلك السلوك الكريم السخي المساعد للآخرين, وتشبه الغيرية العدوانية فهي سمة تظهر بعض من الاتساق خلال الزمن، بالإضافة إلى أنها تظهر بعض العمومية في مظهرها, وغالبًا ما تستمر هذه السمة، أي أن تعميم السلوك الغيري يبدأ في الظهور أثناء ما قبل المدرسة، فمثلا تشير نتائج دراسة Baumrind؛ "1971" إلى العلاقة الوثيقة بين تعاطف وتشجيع أطفال ما قبل المدرسة وزملائهم في الدراسة فيما بعد، كما أشار كل من Yarrow وواكسلر Waxler إلى نتائج متشابهة مع الدراسة السابقة حيث وجد هؤلاء الأطفال يتسمون بمساعدة بعضهم البعض، ولوحظت نماذج متسقة من المشاركة والمساعدة بين الأطفال ما بين 3، 7 سنوات في أثناء اللعب. ويشير Hoffman؛ "1975" أن إحساس الغيرية يبدأ لدى الأطفال عندما يصبحون قادرين على تقييم أحاسيس الآخرين ويمكنهم التعرف على حاجة الآخرين للمساعدة، ويشير Krebs؛ "1970" أن الغيرية في جوهرها متعلمة كمعيار للسلوك الخلقي، أي أن الأطفال يتعلمون أن تقديم يد المساعدة والعون للآخرين من الأفعال التي يجب أن يفعلونها. ومن الصعب أن نحدد كيف تتغير الغيرية مع تقدم العمر الزمني للأطفال، ففي العامين الأولين عندما يبدأ الأطفال في أظهار السلوك العدواني نحو بعضهم البعض، فإنهم يبدءون كذلك في تقاسم الدمى والحلوى ويشيرون في أنماط سلوكهم إلى التعاطف والمشاركة الاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فقد نجد طفل العشرين شهرًا يقدم لعبته إلى طفل آخر يصبح بسبب ترك والديه له, وتشير دراسات أخرى أن المشاركة والكرم يزداد مع الأطفال بزيادة عمرهم الزمني, ففي إحدى دراسات Severy & Others؛ "1971" عن سماحة النفس والكرم لدى الأطفال سمح لمجموعة من الأطفال بلعب مباراة، والفائز فيهم يأخذ بعض العملات الورقية الرمزية، وكلما كسبوا كمية أكبر من هذه العملات الرمزية كلما أمكنهم تبديلها بعملات حقيقية، وقبل أن تجري عملية التبديل هذه في نهاية المباراة، أعطي للأطفال فرصة في أن يهبوا بعض من عملاتهم الورقية للأطفال الآخرين المحتاجين، وتشير النتائج أن أطفال المدرسة عادة ما كانوا يعطون عملات أكثر لزملائهم إذا قورنوا بأطفال سن ما قبل المدرسة، وكان أطفال الإحدى عشر عامًا أكثر جودا وكرمًا من أطفال السابعة، كما لوحظ على أطفال ما بين 3، 5 سنوات أثناء نشاطات اللعب الطبيعية كانوا يتسمون بالمساعدة والتعاطف نحو كل منهم الآخر كما لوحظ ذلك في الأطفال ما بين 8، 10 سنوات، وأحد التفسيرات التي يعزى إليها تلك الفروق في التنافس والغيرية في الأعمار ما بين 7، 12 سنة يتمركز في أن أطفال سن العاشرة قد يكونون أكثر حساسية لحاجة الآخرين للمساعدة إذا ما قورنوا بأطفال الخمسة أعوام، وقد يرجع ذلك إلى ميلوهم الإنجازية والاستقلالية وهذا التفاعل الحياتي بين الرغبة في التفوق على الآخرين قد يجعل إحساس الغيرية يتقدم مع تقدم العمر الزمني، وهذا يتناقض مع نتائج الدراسات المختبرية عن الغيرية، وبالتالي فيجب علينا أن نكون حذرين من تعميم الموقف الاختياري الصناعي على المواقف السلوكية في الحياة الواقعية. وعلى الرغم من عدم التأكد الحالي في كيفية بداية أحاسيس الغيرية وكيف أنها تتغير مع العمر الزمني، إلا أننا نعرف أن هذه الأحاسيس يمكن أن تدعم بواسطة ملاحظة النماذج التي تتصف بالسلوك الغيري، ويشير إلى ذلك نتائج دراسات Yarrow وآخرين "1973" إلى أنه في المواقف المعملية والمختبرية والتي يرى فيها الأطفال نماذج لأفعال العطاء والكرم ومساعدة الآخرين، وجد أن الأطفال قد أظهروا كذلك أنماطًا سلوكية مع النموذج خاصة إن كان محبوبًا لديهم، وهذا التأثير وجد سواء كان النموذج طفلا أو راشدًا، وسواء كان هذا النموذج في فيلم سينمائي أو كان في الحياة الواقعية، كما أن الملاحظات الطبيعية قد أشارت كذلك أن أطفال مدرسة الحضانة عادة ما يقلدون الأنماط السلوكية الغيرية التي تصدر عن أقرانهم بالإضافة إلى ما يفعله الآباء من أنماط سلوكية غيرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وجدير بالذكر، فإننا نرى أن سلوك النموذج المتصف بالغيرية، ذو تأثير أكبر على الأطفال من الوعظ والإرشاد، فعندما يقول الكبار للأطفال: "إنه من الحسن أن تكون كريمًا معطاء" ولا يظهرون الكرم في العطاء بأنفسهم، فإن الأطفال لا يميلون أن يكونوا كرماء، وعلى نقيض ذلك عندما يلاحظون أفعال هؤلاء الكبار تتصف بالكرم والسخاء، وهذه تتفق مع عملية التقمص التي أشرنا إليها فيما سبق في أن الأطفال يفعلون ما يفعله الآباء وليس بالضرورة ما يقولونه. تقمص الجنس: هذه العملية التي يكون الأفراد بواسطتها مفهومًا لذواتهم كذكور أو كإناث، ولقد أشرنا فيما سبق أن أطفال بنين وبنات مرحلة ما قبل المدرسة يمكنهم التعرف على الاختلافات التشريحية والبيولوجية بينهم، وعملية تقمص الجنس يوسع هذه الدراية عن الجنس، ويعزى هذا إلى الحقيقة التي مؤداها أن الأطفال يميلون إلى تقمص أو التوحد مع الأب من نفس الجنس وكذلك بالدور المرتبط بجنسهم. ولقد أشارت نظريات كثيرة إلى أهمية هذا التقمص الأولى للأبن مع أبيه والبنت مع أمها، كما أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى التعلم الملاحظي أو الشهودي كتفسير بسيط لهذه العملية إذ تشير إلى ما يلي. أ- إن الاختلافات الجنسية تجعل الأطفال أكثر تشبهًا بالأب من نفس الجنس وبالتالي يمكنهم التذوت معهم بسهولة أكبر. ب- كما أن معظم الآباء يشجعون ويكافئون ما يعتبرونه سلوكًا مناسبًا لدور جنس الطفل، بينما لا يشجعون النقيض. كما أن أنواع التمييزات التي يجريها الأطفال بين الأنوثة والذكورة تختلف تبعًا للمستوى الثقافي والاجتماعي من أسرة إلى أخرى، ووجهة النظر التقليدية والمقولبات عن السلوك المناسب من الناحية الجنسية قد برهن على استمراريته بصورة ملحوظة, وفي ذلك يشير Dubin؛ "1965" أن أطفال ما قبل المدرسة لا يزالون يميلون إلى الاعتماد على أن الآباء يعملون بينما الأمهات تعتني بهم وتهتم بشئون الأطفال والمنزل وحتى الأطفال الذين كانت أمهاتهم تعمل خارج المنزل أشاروا كذلك إلى نفس وجهة النظر السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وتؤيد نتائج دراسة Bardwick؛ "1971"، والذي كتب كتابات موسعة في سيكولوجية المرأة، ما أشرنا إليه سابقًا، في أنه على الرغم من التطور الشامل في الميادين التي دخلتها المرأة للعمل والمهن والأعمال التي اقتحمتها والمتدرجة من المجال الهندسي إلى قيادة السيارات، إلا أننا نجد الأطفال ما يزال لديهم أفكارًا تقليدية عن أدوار الجنس. وعمومًا فإنه على الرغم من الدلالات العديدة في تغيير أدوار الجنس، إلا أن تدريبات عملية التطبيع الاجتماعي في كثير من المجتمعات ما تزال تعزز نماذج سلوكية مميزة عند الأطفال وبنات مرحلة ما قبل المدرسة، فالذكور يتوقع أن يكونوا نشطون فعاليون بصورة نسبية، وأكثر عدوانية وأكثر تسلطًا في حين ينظر إلى الإناث أكثر سلبية وأكثر اعتمادًا، وأكثر ميلا في التماس المساعدة في علاقاتهن مع الآخرين. جملة القول فإن الأطفال يصبحون على دراية وإدراك بالخصائص الشخصية لآبائهم وأخوتهم الأكبر، كما أن تقمصاتهم وتوحداتهم توجههم نحو ازدياد الأدوار النوعية والاتجاهات المرتبطة بنوع جنسهم وسوف نعود مرة أخرى إلى هذه العملية "تقمص دور الجنس" في مناقشتنا لمرحلة الطفولة الوسطى. تأثير البرامج التليفزيونية على السلوك العدواني والسلوك الغيري لأطفال ما قبل المدرسة: غير خاف علينا جميعا كيف ينتشر التليفزيون في بيوتاتنا، فالأطفال يبدءون عادة ما مشاهدة البرامج التليفزيونية عندما يصلون إلى سن العاملين تقريبًا وبالتدريج تزداد وقت مشاهدتهم للبرامج التليفزيونية. وتشير نتائج دراسة Murray؛ "1973" أن هؤلاء الأطفال الصغار عادة ما يقضون ما بين 2، 4 ساعات يوميًا، ويستمر ذلك حتى بداية فترة المراهقة، إلا أنها تنقص نسبيًا أثناء تلك الفترة، وعندما يصل المراهق أو المراهقة إلى سن 16 سنة نجد معظم المراهقين عادة ما يقضون وقتًا أطول في مشاهدة البرامج التليفزيونية. وعمومًا فإن أطفال ما قبل المدرسة وبصفة خاصة سريعو التأثير بالبرامج التليفزيونية، فلقد بلغوا من النمو درجة يمكنهم أن يضعوا أنفسهم في نماذج معينة على شاكلة الآخرين، إلا أنهم ما زالوا صغارًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 لعمل الأحكام الجيدة لمن يقلدونهم ويحاكون سلوكهم، وتشير الدراسات في هذا المجال أن الأطفال الصغار يميلون إلى اعتبار الشخصيات التليفزيونية على أنها شخصيات حقيقية, أو يشبهون الشخصيات الواقعية، وتشير نتائج دراسات Murray؛ "1972" أن الأطفال في الطفولة الوسطى وحتى في مرحلة المراهقة يمكنهم إدراك التعارض والتناقض بين الحياة الواقعية والحياة، كما تصور على الشاشات التليفزيونية، وعلى ذلك فإن النماذج الجيدة أو غير الجيدة على شاشة التليفزيون عادة ما يقلدها الأطفال الصغار، والموضع الذي أثار اهتمام دارسي علم النفس بصفة عامة وعلم نفس النمو والاجتماع بصفة خاصة موضوع تأثير العنف للبرامج التليفزيونية على عدوانية الأطفال. وإحدى وجهات النظر في ذلك كانت تتمركز حول الافتراض التنفيسي Catharsis حيث تشير نتائج دراسات Freshbach وآخر "1971" أن مشاهد العدوان يمكن أن تستخدم كمتنفسًا للحوافز العدوانية عند الأطفال وبالتالي يقلل من كمية العدوان الذي يظهر في حياتهم الواقعية اليومية, وتشير نتائج دراستهما المشهورة على مجموعة مكونة من أطفال ذكور تتراوح أعمارهم ما بين 8، 18 سنة شاهدت برامج تليفزيون عنيفة، ومجموعة أخرى لم تشاهد أي برامج عدوانية، واستمرت التجربة لمدة ستة أسابيع وأشارت النتائج أن الأطفال الذين لم يشاهدوا برامج غير عدوانية، لوحظ أنهم قد أصبحوا أكثر عدوانية سواء من الناحية اللفظية أو الجسمية بينما كانت المجموعة الأخرى التي شاهدت برامج تليفزيونية وكانت تتسم بالعنف أو العدوان لم تظهر أي تغيرات على أنماط سلوكهم. وعلى الرغم من أن كثير من الدراسات والأبحاث نوعت إلى عدم ضرر مشاهدة الأطفال للعدوان التليفزيوني، بل زادت على ذلك لفائدة هذه البرامج التليفزيونية، إلا أن دراسة فسباخ وسبينجر كانت تتصف ببعض العيوب، وأولها، فمن الممكن أن الجماعة التي كانت محددة بمشاهدة برامج تليفزيونية غير عدوانية قد تكون غير راضية لعدم السماح لهم بمشاهدة بعضد برامجهم المفضلة، ثانيًا: كما أن استجابة الأطفال ما بين 8، 18 سنة قد لا تعكس بصورة كاملة تأثير البرامج التليفزيونية على الأطفال الأصغر سنًا. وعلى نقيض نتائج الدرسات السابقة، أجرى كل من Leifer & robersts؛ "1972" دراسة على أطفال ما قبل المدرسة في إمكانية زيادة السلوك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 العدواني نتيجة الأفلام التليفزيونية التي تتصف بالعنف والعدوان, حيث قورنت مجموعة من أطفال ما قبل المدرسة شاهدت فيلما لطفل في الثانية عشر من عمره يظهر سلوكًا عدوانيًا نحو دامية ما، أو يوجه سلوكًا عدوانيًا تجاه شخص آخر، وشاهدوا كذلك طفلا كان يلعب بصورة بناءة غير هدامة مع الدمى, ولقد لوحظ فيما بعد أثناء لعب هؤلاء الأطفال الذين شاهدوا الفيلم العدواني كانوا أكثر ميلا إلى التصرف بعدوانية كضرب الدمية وكانوا أكثر ميلا للقول بأنهم يجب أن يستخدموا العدوان لحل أي صراع مع زملائهم. وفي دراسة أخرى أجراها Steuer & Others؛ "1971" حيث لاحظوا أزواجًا من أطفال ما قبل المدرسة يلعبون سويًا لفترات متعددة قبل وبعد أن يعرض على أحد هذين الطفلين أفلام كرتون تليفزيونية متسمة بالعنف، والطفل الآخر في كل زوجين شاهد أفلام كرتون غير عنيفة، وقورنت أفعال كل زوج من هذه المجموعة بعد مشاهدة الأفلام، ولوحظ أن الأطفال الذين شاهدوا أفلام العنف كانوا أميل إلى الضرب والرفس والخنق، وكثيرًا ما يدفعون زملاءهم في اللعب في حين وجد هؤلاء الأطفال الذين شاهدوا أفلام غير عنيفة أقل عدوانية من زملائهم الآخرين. وأيدت نتائج دراسة Friedrich & OTHER؛ "1973" ما جاءت به الدراسة السابقة، حيث لوحظ مجموعة من أطفال مدرسة الحضانة لفترة أكثر من 9 أسابيع حيث كان يعرض على بعض منهم وبصورة منتظمة أفلاما تليفزيونية تتصف بالعدوان والعنف، وتشير النتائج أن الأطفال الذين شاهدوا تلك الأفلام قد أصبحوا أقل امتثالا وطاعة بصورة جلية، كما أنهم كانوا أقل رغبة وميلا في ممارسة الضبط على ذواتهم كما كانوا أقل احتمالا للإحباطات غير الهامة أو الخفيفة. وعمومًا فإن هذه الدراسات السابقة، وأخرى كذلك قد ألقت الشك حول صدق الرأي الذي سينادي بأن هذه الأفلام التليفزيونية العنيفة تكون وسيلة تنفيسية تفريغية لأطفال ما قبل المدرسة، ويشير Libert وآخرون "1972" إلى تلخيص لمجموعة دراسات في هذا الموضوع بقوله: "إنه يوجد اتفاق ملحوظ، وتقارب في الدلائل التي اعتقد أنها ترتبط بمشاهدة العنف والسلوك العدواني بين الأطفال، فكل من الدراسات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 المختبرية والميدانية والتجارب الطبيعية قد أظهرت أن عرض أفلام العنف والعدوان غالبا ما يجعل المشاهد أكثر عدوانية بصورة ملحوظة، كما أشير إلى أن تأثيرات هذه العروض تعتمد كذلك على ميل الطفل بمعنى أن الأطفال الذين كانوا يتأثرون بمشاهدة أفلام العدوان والعنف التليفزيونية كانوا يتصفون بتلك السمات قبل مشاهدتهم، حيث أظهر الأطفال الذين يتسمون بالعدوانية قبل المشاهدة، أظهروا عدوانية أكبر بعد مشاهدتهم تلك الأفلام إذا ما قورنوا بزملائهم الذين كانوا أقل عدوانية. ولكن هل هذه النتائج تفسر لنا تأثير العنف بأفلام التليفزيونية تفسيرًا كليًا؟ فلقد أجريت دراسة طولية لمئات عديدة من الأطفال، وأشارت النتائج أن تلاميذ الصف الثالث الابتدائي الذين فضلوا مشاهدة البرامج التليفزيونية العنيفة كانوا أكثر عدونية وعنفًا داخل المدرسة، حسب ما قيموا عن طريق أقرانهم، إذا ما قورنوا بالتلاميذ الذين كان تفضيلهم أقل لهذه البرامج، وبعد عشرة سنوات من إجراء التجربة الأولى لوحظ أن تفضيلات التلاميذ بالصف الثالث كانت تنبئ بالسلوك العدواني لديهم، ويستطرد Erin أن ارتباطًا مرتفعًا وجد بين مشاهدة العنف في البرامج التليفزيونية في سن التاسعة والسلوك العدواني في سن التاسعة عشر بمعدل 0.031. ويشير Stein وآخر "1972" أن تأثير العنف لبرامج التليفزيون يبدو أنه يعزى إلى السلوك التقليدي للأطفال الذي يتتبع هذه البرامج عادة، فهذه البرامج يمكن أن تدعم أحاسيس العدوان وكذلك أحاسيس الغيرة، والواقع فإن الدراسات العديدة في هذا المجال تشير إلى أن الأطفال يقلدون النماذج الإنسانية التي يرونها في البرامج التليفزيونية بالإضافة إلى النماذج العدوانية وتشير نتائج الدراسة السابقة أن أطفال الحضانة الذين شاهدوا بعض البرامج الإنسانية وجد أنهم أطاعوا القواعد عن طيب نفس كما أصبحوا على درجة كبيرة من التسامح بعضهم مع البعض، ويعملون بمثابرة ومواظبة في أعمار زمنية مختلفة، ويظهرون ميلا أكبر للمساعدة والاشتراك مع الآخرين وكذلك في أنماط السلوك الودي. وفي إحدى الدراسات قيم Sprafkin وآخرون "1975" سلوك مساعدة الآخرين لأطفال الصف الأول الابتدائي في موقف تجريبي وذلك بعد أن شاهدوا إحدى البرامج التليفزيونية التي انتهت بمثال مشوق مثير لطفل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 صغير يقدم المساعدة لكلب في حادثة عرضية، وتشير النتائج أن هذا البرنامج كان له تأثير قوي في تعزيز السلوك الغيري لدى الأطفال الصغار. وعمومًا فإن تطبيقات هذه النتائج على السلوك العدواني والغيري تبدو واضحة، فالتليفزيون يمكن أن يمارس تأثيرًا قويًا على الأطفال من خلال تأثير النماذج المعروضة خاصة أثناء سنوات ما قبل المدرسة، وعلى ذلك فإن القائمين على البرامج التليفزيونية ينبغي عليهم أن تختبر بعناية وتتروى في اختيار أنواع البرامج التي تعد الأطفال، كما أن الآباء من جانب آخر يجب عليهم أن يمارسوا مسئوليتهم في الإشراف على البرامج التي يمكن أن يشاهدها أطفالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 التقمص ... الآخر حيث يجذب الآباء انتباه الطفل إلى الطرق التي يكون سلوكه مؤذيًا إلى الآخرين مثل قولهم "أنا حزين لمضايقتك أخيك، وعندما تفسد شيئًا فإن صاحبه يجب أن يصلحه وهذا يكلفه أو هو عمل شاق بالنسبة له ... ". وتشير الدرسات في تأكيد القوة، وسحب الحب، ووسائل الحث أن الطريقة المختارة التي تتخذ لها تأثيرا ذات دلالة في ما إذا كان الطفل سينمي تنظيمًا سلوكيًا تذويتيًا "خلق قوي" أو وضعًا خرجيا للضبط الذاتي "خلق ضعيف" فاستخدام تأكيد القوة يرتبط بالنمو الخلقي الضعيف للأطفال في حين نجد وسائل الحث Induction خاصة عندما تكون موجهة ذاتيًا ترتبط بالنمو الخلقي المتقدم، ومما يجدر الإشارة إليه أننا بإعطاء الأطفال التفسيرات والتأويلات للأفعال السلوكية يساعدهم على تكوين موقف داخلي من القواعد والتوقعات والتي تساعدهم بالتالي على التحكم في أنماط سلوكهم، وأخيرًا فإن سحب الحب لا يدل على أنه يحمل أية علاقة متسقة بالنمو الخلقي, وكما سنرى فيما بعد أن تعبيرات التعاطف الإيجابية تساعد بصورة منتظمة على التعجيل بتكوين النماذج السلوكية التذويتية "الداخلية". السلوك التدريبي الموجه: إن التدريب يمكن أن يوجه سواء إلى سلوك الطفل مثل قولنا: "إن هذا الشيء سيئ فلا تفعله". أو يمكن أن يوجه إلى الطفل كشخص: "لماذا أنت شخص سيئ؟ ". وبصورة عامة فإن التدريب أو التهديد الموجه نحو سلوكهم يساعد الأطفال على المحافظة على احترام ذواتهم، في حين نجد التهذيب الذي يهدف شخصياتهم يميل إلى جعلهم يحسون بأنهم غير محبوبين أو يشعرون بعدم الحب وعدم الكفاءة ويشير Haim Gimolt؛ "1965" أن الآباء يجب أن يميزوا في معاملتهم بين أطفالهم كأشخاص "الذين يحبونهم دائمًا" وبين أفعال أطفالهم, والتي قد تكون محببة أو غير محببة لهم، وبالتالي فإن الأطفال يتقبلون التدريب بصورة أفضل ويتعلمون بصورة أكثر فعالية, إذا ما قورنت بنتائج النقد للأطفال باعتبارهم أشخالص غير محبوبين. وليس بغريب أن نجد إدارة التدريب بواسطة اتجاهات دافئة محبة يساعد الأطفال على تذويت معايير السلوك، فتقبل الآباء لصغيرهم يجعلهم معولا ومصدرًا للمكافأة، وعلى ذلك نجد الآباء النابذين أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الفصل السابع: الطفولة الوسطي النمو الجسمى والعقلى النمو الجسمي ... الفصل الثامن: الطفولة الوسطي "من 6: 12 سنة" النمو الجسمي والعقلي: مرحلة الطفولة الوسطى هي الفترة ما بين سن الخامسة أو السادسة والحادية أو الثانية عشر، وهذا الفترة من النمو المتمهل غير المتعجل تقع بين فترتين أكثر سرعة في النمو وهي مرحلة ما قبل المدرسة ومرحلة المراهقة. النمو الجسمي: عادة ما نجد أطفال سن السادسة يفقدون بعض خصائصهم السابقة كالقوام الثقيل ولين العريكة الذي يجعل أطفال ما قبل المدرسة يبدون بمظهر أكبر من عمرهم الحقيقي، ففي مرحلة الطفولة الوسطى نجد الأذرع والساقين ينموان بصورة أسرع من الجذع، ولذلك نرى كثيرا من الأطفال في أوائل هذه الفترة يكون لهم مظهرًا طويلا أو نحيلا, كما أن البنات تميل إلى النضج بصورة مبكرة عن الذكور، ويكون الذكور أطول وأثقل وزنًا حتى سن العاشرة. ومعدل النمو في هذه المرحلة ما يقرب من 2، 3 بوصة في الطول، وفي الوزن ما يقرب من 3، 6 رطل، كما توجد اختلافات وفروق فردية بين الأطفال وكذلك بين الثقافات المختلفة، وبصورة عامة فإن حجم الطفل في هذه المرحلة يكون مستقرًا إلى حد ما ويمكن أن يتنبأ به، فالطفل الذي يكون صغيرًا أو كبيرًا إذا ما قورن بزملائه في مثل عمره الزمني، من المحتمل أن يكون على نفس صورته في سن الرشد. والتغيرات في نسب الجسم في هذه الفترة تكون مرتبطة بتغيرات في شكل الوجهة، فكلما فقد الأطفال ثمنتهم الطفولية فإن وجوههم تميل إلى أن أكثر نحافة ويفقد الأطفال في هذا السن أسنانهم اللبنية، وعادة ما تخلع أول سنة لبنية عندما يصل السادسة من عمره, ويتغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 شكل وجه الطفل وصورته بسبب ظهور الأسنان المستمرة والضروس العديدة، والتحول من الأسناس اللبنية إلى الأسنان الدائمة، عادة ما يكتمل في حدود سن الحادية عشر أو الثانية عشر. ويشير Jenkins & Shacter؛ "1966" أننا عادة لا نعطي الانتباه الكافي إلى عيون الطفل فحتى سن السادسة لا تكون العينان قد وصلت بعد إلى حجمها النهائي، فكثير من الأطفال ما بين 6، 8 سنوات يكون لديهم طول نظر في مجال الرؤية بصورة خفيفة، وهذا الوضع عادة ما يصلح من نفسه تلقائيًا ما بين سن الثانية والعاشرة، عندما تصل حجم أعينهم إلى حجم أعين الراشدين، وإحدى التطبيقات العملية لهذه الظاهرة أنه يجب أن تكون مواد القراءة لهذا السن مطبوعة بأحرف كبيرة. المهارات الحركية: في سنوات ما قبل المدرسة يتعلم الأطفال التناسق والاتساق الأولي لعضلاتهم الصغيرة والكبيرة, وأثناء الطفولة الوسطى نجد هذا التناسق يكون أدق بصورة أكبر ويستخدم في كثير من النشاطات المبتدئة من القراءة والكتابة إلى لعب المباريات الرياضية. القفز: يمثل دليلا لنمو الاتساق الحركي، وأحد المقاييس التي تستخدم في قياس هذه المهارة هي القفز العمودي أو الرأسي، حيث يجب أن يقف الطفل مسطح القدمين مع رفع يديه على رأسه ويقفز إلى أعلى, وتشير التجارب في هذا الميدان أو الأولاد في سن السابعة يتفوقوا على البنات في ارتفاع قفزاتهم الرأسية أو العمودية، كما يتفوق الأولاد على البنات كذلك في القفز من على العارضة الثابتة، وعمومًا فإن الأطفال الذكور يميلون إلى التفوق على البنات في المهارات الحركية بعد سن السابعة. وفي صورة أخرى من النمو الحركي وهو الحجل على قدم واحدة في خطوط أفقية وهي مشابهة للعبة الحجلة التي قوامها أن يقفز الطفل على قدم واحدة فوق مربعات مرسومة على الأرض، لا تحدث هذه المهارات الحركية في القفز والحجل إلا بعد وصول الطفل إلى السادسة من عمره حيث يمكنه القفز والوثب بدقة حتى يتمكن من الانتقال من مربع إلى آخر, وتشير نتائج دراسة Cratty & keogh؛ "1966" أن البنات يتفوقن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 على الأولاد في هذا الاختبار، كما أن الأولاد يظهرون تحسنًا ملحوظًا في هذه المهارة من السادسة حتى التاسعة بعد أن يصلوا إلى الاستقرار. وتشير Cratty إلى تلخيص الدراسات في عملية الوثب أو الحجل لهذه المرحلة بقولها. "إن بيانات ومعلومات الأبحاث عن الخصائص الحركية البسيطة والمركبة، تختلف إلى المدى الذي يتطلب من الطفل أداء حركات مستقيمة دقيقة، أو حركات متجهة إلى أعلى، أو حركات عرضية طولية، فالأولاد ما بين 6، 12 سنة يتفوقون على البنات في ذلك، ومن جانب آخر فإن البنات تبدو أحسن من الأولاد في الحجل والرقص والتي تتطلب منهن الدقة والاتساق في أداء الحركات، وبصور جزئية فإن هذه الاختلافات في الحركات البسيطة قد تعكس تفوقًا في قوة الأرجل بالنسبة للأولاد، في حين نجد البنات يتفوقن في الحركات الأكثر تركيبًا وتعقيدًا، وذلك يعزى إلى أن اتساق مجال الرؤيا لديهن والذي يكون ضروريًا لإنجاز هذه الحركات والنشاطات تكون أكثر نضجًا إذا ما قورنت بمجال الرؤية عند الأولاد، بالإضافة إلى أن البنات عادة ما ينخرطن في هذا النمط من النشاطات مع بعضهن البعض وهو الحجل فوق المربعات بقدم واحدة. مهارة لعب الكرة: يلعب أطفال المدرسة الابتدائية الكرة في طرق مختلفة متعددة كما أن الاشتراك في هذه النشاطات يسهم في عملية تطبيع الطفل, بالإضافة إلى مفهومه لذاته, ففي سن المدرسة نجد أغلب الأطفال يمكنهم رمي كرة صغيرة بقوة وبفاعلية وكذلك رميها بدقة وإحكام عن ذي قبل, وبتقدم العمر الزمني يتمكن الأطفال من رمي الكرة لمسافات أطول, ويتفوق الأولاد على البنات في طول رميات الكرة في جميع أعمارهم الزمنية من سن 6، 12 ففي سن العاشرة عادة ما تكون رميات الكرة ضعف ما كانت عليه في سن السادسة، وفي الثانية عشرة يمكنهم رمي الكرة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في سن الخامسة كما أن دقة وضبط رمي الكرة تتحسن بمرور العمر, وتشير نتائج دراسة Cratty وآخرين "1966" أن الأطفال الذكور عادة ما يكونون أكثر دقة وإحكامًا بصورة نسبية من البنات في مثل عمرهم الزمني. وكمبدأ عام، فإن الإمساك بالكرة عادة ما يكون أصعب من رميها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 فمهارة الطفل في إمساك الكرة تعتمد بصورة جزئية على حجم الكرة والسرعة التي تلقى بها، ففي إحدى الدراسات أجريت على يدي Cerpenter؛ "1940" تشير إلى قدرة الأطفال على تقدير الإمساك بالكرة التي رميت إليهم، ولقد اتضح تغيرات تدريجية في هذه المهارة، ولوحظ أن الأطفال ما بين 6، 8 سنوات لم يتصفوا بالدقة في تقدير مسار الكرة، وتوصلوا إلى ذلك عندما وصلوا إلى العاشرة من عمرهم، ولم توجد فروق بين البنين والبنات. وتشير نتائج الدراسات أن البنين يتفوقون على البنات في رفس الكرة وضربها في أهداف أفقية، كما لوحظ أن البنات يتفوقن على الأولاد في لعب الحجلة Hopscotch "وهي لعبة قوامها أن تقفز البنت على قدم واحدة فوق مربعات مرسومة"، وقد يعزى تفوق البنين في ضرب الكرة ورفسها إلى أنهم عادة ما يتدربون على ذلك، ويلعبون الألعاب المتطلبة لهذه المهارات مع بعضهم البعض. زمن الرجع Reaction Time: تتطلب المهارات الحركية تتابع في الأفعال وبالتالي يكون لها أبعادًا زمنية ويمسى ذلك بزمن الرجع RT, وعادة ما يحدث ذلك مع عناصر ومركبات عديدة وأحد هذه العناصر هو وقت الحركة Movement Time وهو الوقت الذي ينقضي بين بداية ونهاية الفعل، وعنصر آخر يسمى وقت التقرير Devision Time وهو الوقت الذي ينقضي بين مثير الفعل والحركة الأولى، ولقد أشارت عديد من الدراسات في هذا المجال أنه بتقدم الأعمار الزمنية للأطفال نجد بالتالي اختلافًا في تقرير وأوقات حركاتهم. ففي إحدى الدراسات أعطى لأطفال ما بين 4، 16 سنة مهمتين لقياس زمن الرجع R. T ففي إحدى هذه المهام قدمت عشرة أنغام مرتفعة، وعشرة أنغام منخفضة، وذلك على فترات متدرجة من 10، 25 ثانية، وسألت الحالات أن تضغط على زرار بأقصى سرعة ممكنة عند تغيير النغم R.T وفي المهمة الثانية سؤلت الحالات أن تضغط على الزرار بأقصى سرعة ممكنة عند سماعهم النغمة العالية فقط "تقرير R.T" وأعطى كل طفل درجتين واحدة لسرعة الاستجابة والأخرى لتنوع الاستجابة من محاولة إلى أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ولقد وجد أن هناك نقصانًا تدريجيًا في زمن رد الفعل مع التقدم في العمر الزمني، فبالنسبة للأطفال الصغار كانت حركة R.T؛ 75 ثانية، وبالنسبة للأطفال الأكبر كانت 25 ثانية، ولقد حدث النقصان الأكبر في حركة زمن رد الفعل فيما بين 4، 9 سنوات، كما كانت النتائج متشابهة في مهمة تقرير الـR.T حيث أشارت أن الزمن المستغرق كان 1.3 بالنسبة للأطفال الصغار وكانت 25 ثانية بالنسبة للأطفال الكبار. تصور الجسد Body lmage: يكتسب الأطفال تدريجيًا تصورًا "مفهومًا" أكثر واقعية لبيئتهم كما ينمون مفهومًا أكثر تناسبًا لأنفسهم, وأحد جوانب مفهوم الذات هو تصور الجسد وتصور الجسد يتضمن الوعي بالجسد وأعضائه, كما يتضمن تقييم تناسب المظهر الجسمي والمهارات الحركية بمقارنتها، بما لدى أحد أقرانه, وعلى الرغم من أن تصور الجسد يبدأ في التكوين منذ الطفولة المبكرة وكذلك منذ الميلاد، إلا أنه يكون بصورة أكثر شعورية أثناء مرحلة الطفولة الوسطى عندما يستطيع الطفل مقارنة نفسه بأقرانه وليس بأبويه فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 يوجد سكنر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 ويشير الجدول رقم "2" إلى نمو تصور الجسد عند الأطفال وثمة وسائل عادة ما تستخدم لمعرفة ذلك مثل رسم شكل أو صورة إنسانية، مثل إعطاء الأطفال شكلا غير كامل ويطلب منهم رسم الأجزاء الناقصة في هذا الشكل, وجدير بالذكر فإن قدرة الأطفال على إجراء ذلك تتحسن كلما تدرجوا في أعمالهم الزمنية، وطريقة أخرى مؤداها أن تسأل الأطفال الصغار التعرف على جوانبهم وجوانب الآخرين اليمنى واليسرى، وعمومًا فكلما نمى الطفل كلما ازداد إدراكه لجسده. مفهوم Self Concept: منذ وقت طويل أشار جورج ميد Mead؛ "1934" أن مفهوم الفرد لذاته يشتق من التقييم المنعكس للآخرين، إلا أن الطفل لا يستطيع أن يدرك هذه التقييمات المنعكسة إلا عندما تنمو قدراته المعرفية بصورة كافية، وطفل المدرسة الابتدائية يصبح سريع التأثير بتقييم زملائه له ويميل إلى تقييم ذاته تبعًا لذلك. ولقد استخدمت قوائم للصفات، أو الجمل لقياس مفهوم الذات حيث تتضمن صفات إيجابية وسلبية وعلى الطفل أن يقرأ هذه القائمة أو تقرأ عليه بصوت مرتفع، وبعد كل صفة، على الطفل أن يقرر عما إذا كانت صادقة أو غير صادقة بالنسبة له، وبصورة عامة فإن نتائج هذه الدراسات توضح أن مفهوم الطفل لذاته يعتمد إلى حد كبير على تقييم الآخرين له، ويشير Black؛ "1974" أن الأطفال الذين كان أداؤهم ضعيفًا في المدرسة والذين كانت نظرات آبائهم إليهم تتصف بالدونية وكذلك نظرات أصدقائهم كان لديهم اعتبار أقل لذواتهم من الأطفال ذوي الأداء الأكاديمي العادي. والحقيقة، فإن الطفل قد يكون لديه مفاهيم عديدة لذاته، ويعتمد ذلك على ميوله ومواهبه، فتصور الجسد يصاحبه مفهوم للذات كتلميذ، وكرياضي وكشخص لديه مهارة خاصة ... إلخ، فقد يكون للطفل مفهومًا إيجابيًا لذاته كموسيقى، إلا أن لديه مفهومًا سلبيًا لذاته كلاعب شطرنج، وبالتالي فإن الطفل الذي لا يكون ناجحًا في جانب ما قد يكون قادرًا على أن يدعم مفهوم ذاته في جانب آخر، ومع ذلك فإن الطفل الذي يشعر بعدم الكفاءة أو الأهلية في كل الجوانب، قد يصبح مضطربا من الناحية الانفعالية وسنلقي الضوء على بعض من هذه المشكلات فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 النمو العقلي: ينمو لدى الأطفال ما بين سن السادسة والسابعة قدرات عقلية معينة يسميها بياجيه بالعمليات العيانية Concrete Operations، ويعزى إلى هذه العمليات قدرة تلاميذ المدارس الابتدائية على تكوين مفاهيم الأصناف أو الطبقات والعلاقات والأعداد، وبتلك الوسيلة يتسع عالمهم التصوري بصورة كبيرة, كما أن الأطفال الذين يمكنهم أداء العمليات العيانية يمكنهم تعلم واتباع المبادئ التي تكون عن طريق الآخرين، وبالتالي فإن مرحلة الطفولة الوسطى تعتبر بمثابة فترة رئيسية لتعلم الأطفال مهارات ومعلومات معينة يكونون في حاجة إليها لكي يتفاعلوا في مجتمعهم بصورة مؤثرة فعالة. وسوف نتأمل سويًا كيفية بناء العمليات العيانية لدى الأطفال، حيث إن النمو العقلي غالبًا ما يقاس بصورة كمية، فإن الأطفال لا يمكنهم أداء الاختبارات الجمعية للاستعداد والإنجاز إلا إذا تمكنوا ابتداء من أداء العمليات العيانية، وعلى ذلك فإننا سوف نتأمل التغيرات التي تحدث في إدراك الأطفال وفي لغتهم وذاكرتهم ومفاهيم ثبات الأشياء، وبقائها بالإضافة إلى النمو الخلقي، كما سننهي هذا الفصل بتقديم صورة وصفية موجزة للعالم التصوري للطفولة الوسطى. الاختبارات التحصيلية: بمجرد أن يتعلم الأطفال القراءة والكتابة، يمكنهم أداء الاختبارات الجمعية، وثمة اختبارات قد استعملت بصورة واسعة لقياس التحصيل والإنجاز والاستعداد، وعمومًا فإن اختبارات التحصيل عادة ما تقيس التعلم السابق في جانب معين من التعلم، واختبارات الاستعداد على نقيض ذلك يفترض أنها قادرة على التنبؤ بالتعلم المستقبلي، واختبارات الذكاء ضرب من اختبارات الاستعداد Green, NL؛ "1974". وللتمييز بين الاختبارات التحصيلية، واختبارات الاستعداد يمكن أن توضح عن طريق مواقف الاختبارات نفسها، فمواقف اختبار الاستعداد تختار بناء على افتراض أن كل الأطفال في بيئة معينة عادة ما يكون لديهم الفرص المتساوية لكي يتعلموا أشياء معينة, فمثلا ثمة سؤال قد يعرض صورة ناقصة لوجه إنسان "كالعين، أو الحاجب" ويسأل الطفل ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الشيء الناقص في هذه الصورة ويفترض أن معظم الأطفال قد لاحظوا عددًا من الوجوه الإنسانية وبالتالي فإن نجاحهم في هذا الموقف قد يرجع إلى قدرة عامة وليس نتيجة تعليم معين، وعمومًا فإن معظم مواقف اختبارات الاستعداد تتطلب خبرة نوعية بالإضافة إلى الخبرة العامة, ومن جانب آخر نجد الاختبارات التحصيلية عادة ما تعمم لاختبار ما تعلمه الطفل نتيجة تدريس أو تعليم سابق، فاختبارات القراءة والحاسب والعلوم تمثل عينة صغيرة من المعلومات التي حصلها التلميذ وتعلمها في المدرسة من قبل مثل 2 × 3 = ... أو ما هي عاصمة مصر؟ وبالنسبة للأطفال الأكبر، وتصبح عملية التمييز بين مواقف الاختبار التحصيلي واختبار الاستعداد عملية صعبة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم قدرتنا التمييز بين ما اكتسبه الطفل داخل مدرسته وما الذي اكتسبه خارجها. ولقد استعملت كل من اختبارات التحصيل والاستعداد بصورة واسعة في المدارس الابتدائية لقياس مدى تقدم التلميذ، ومعظم اختبارات التحصيل عادة ما تكون ذات معيار مرجعي Norm Rerenced بمعنى مقارنة درجة طفل معين مع جماعة معينة, وقد يكون الفصل الدراسي هو الجماعة المرجعية للتلميذ، فإذا وجد فصل دراسي معظم أطفاله من الأذكياء فقد يحصل طفل متوسط على درجة ضعيفة من التي يأخذها في حالة انتمائه إلى فصل دراسي آخر يكون معدل ذكاء تلاميذه متوسطًا أو تحت المتوسط, وبعض الاختبارات التحصيلية قد تكون ذات معيار عام أي ليس قاصرًا على فصل معين ولا مدرسة بل قد يكون على بلدة معينة وبالتالي فإن أداء الطفل أو أداء المدرسة يمكن أن يقيم في علاقته بالبلدة أو المدينة. وعلى الرغم من أن الاختبارات التحصيلية تكون نافعة في قياس مدى تقدم التلميذ إلا أنه عادة ما يوجه إليها بعض من الانتقادات فبياجيه يشير لنا أن الاختبارات يمكن أن يكون لها تأثيرًا سلبيًا على التعلم وذلك لأنها عادة ما تميل إلى إملاء أو إجبار محتويات المقررات التعليمية والوسائل المستخدمة في الفصل الدراسي، ويشير سكينر Skinner "1968" كذلك لكي تكون الاختبارت موضوعية فإن الاستجابات يجب أن تمس الجوانب الأكثر سطحية والظاهرية لمعلومات الطفل، وغالبا فإن الاستجابات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 التي تقبل بسرعة وبسهولة كدلالات للمعرفة، هي في الحقيقة التي تميل إلى تكوين جزء من الذخيرة الناجحة للطفل, ويشير كذلك Lenie إلى وجهة نظر شاملة للاختبارات التحصيلية مشيرًا إلى أنه عندما يحدد التربويون هدف التعليم بأنه اكتساب اتجاهات إيجابية لتعلم وتطوير الخبرة في التفسير والتأويل، فإننا نجد أن الاختبارات لا تقيس هذه الجوانب لدى الأطفال. وإحدى الطرق التي عولجت بواسطتها عيوب الاختبارات التحصيلية تمثلت في تقديم اختبارات معيارية المرجع حيث يقصد بها الكشف عما يستطيع التلميذ أداؤه أو ما يعرفه, ولقد بدأ في استخدام هذا النوع من الاختبارات المعيارية المرجع في المدارس الابتدائية الإنجليزية والأمريكية، ويجب أن يحتفظ في هذه الوسيلة بالتسجيلات لعمل كل تلميذ، كما أن ملاحظات المدرس وعينات العمل يجب كذلك أن تستخدم لقياس مدى تقدم التلميذ، وعلى الرغم من أن هذا النوع من التقييم حديثًا إذا قورن بالوسائل الأخرى، إلا أنها وسيلة جد صحيحة لقياس مدى تقدم الطلاب، حيث إن التزود بالوثائق التي تشير لأداء الطفل وأعماله خلال فترة زمنية معينة يبدو أنه دليل أحسن للكشف عن الإنجازات الأكاديمية، وذلك أفضل من أداء اختبار يقيس فقط الجانب السطحي الظاهري للتعليم الأكاديمي. النمو الإدراكي: يرتبط النمو الإدراكي بالنمو الحسي الحركي بصورة كبيرة، ويبدو أنه يسير في مجرى مشابه له حيث نرى أن التغيرات الرئيسية في النمو الإدراكي تحدث فيما بين 4، 9 سنوات تقريبًا, مع تغييرات ضئيلة تحدث فيما بعد, وإحدى جوانب النمو الإدراكي والتي تتحسن بمرور عمر الطفل الزمني هي قدرة البحث عن المثير الذي ينتظم مواقف معينة. وهذا البحث والاستكشاف يصبح أكثر سرعة وأكثر تناسبًا مع ازدياد العمر الزمني للطفل, وتشير نتائج دراسة Vupillot؛ "1968" أن هناك اختلافات كيفية ذات دلالة في الطريقة التي ينشأ بها الإدراك لدى الأطفال الصغار والأطفال الكبار، وهذه الاختلافات العمرية تتضح بصورة خاصة عندما تقارن الحالات المثيرات الإدراكية أو عندما يتعاملون مع مثيرات حركية غامضة نسبيًا. ففي إحدى الدراسات سؤلت مجموعة من الأطفال في أعمار زمنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 مختلفة بأن يقارنوا رسومات لواجهات منازل كانت متشابهة في معظم تفاصيلها ما عدا جزء أو جزئين منها تختلف كالنوافذ مثلا، أو الأبواب وهكذا، وأشارت النتائج أن الأطفال الصغار كانوا أقل نجاحًا من الأطفال الأكبر في إجراء المقارنات, وكان نتيجة تسجيل حركات العين للمجموعة أن اتضح أن الأطفال الأصغر كانوا يقارنون صفة أو جزء واحد فقط وإذا كنت هذه الصفة متشابهة في كل من الشكلين نجد الأطفال يقولون أن الشكلين متشابهان دون شرح وتفسير الخصائص الأخرى. وتشير نتائج دراسة Elkind & Other إلى وجود اختلافات ففي المهام الاستكشافية الحرة نتيجة الاختلافات في الأعمار الزمنية، فعندما عرض على الأطفال لوحة مرسوم عليها أشكال مألوفة وكانت ذات نظام وترتيب معين، وفي نفس الوقت عرضت عليهم لوحة أشكال بدون نظام أو ذات ترتيب مشوش، وجد أن قدرتهم على تسمية الأشكال اختلفت تبعًا لأعمارهم الزمنية، كما أن الأطفال الأصغر سنًا "4، 5 سنوات" لم يتمكنوا من تسمية بعض الأشكال في اللوحة غير المرئية، وعلى نقيض ذلك وجد الأطفال الأكبر ما بين "6، 8 سنوات" قد قرءوا الأشكال من اليمين إلى الشمال ومن القمة إلى القاع ولم يخطئوا في تسميتها، انظر شكل رقم "1"، كما لوحظ عدم وقوع الأطفال الصغار في أخطاء في اللوحة المرئية والمنظمة لقرب الأشكال بعضها من البعض الآخر وتكوينها هيئة مثلث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 يوجد اسكانر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 التنظيم المنطقي: كلما تقدم الأطفال في أطوار نموهم كلما يكونون أقدر على تنظيم البيانات الإدراكية في طرق منطقية، فالأطفال الأكبر يتعاملون مع بيانات أكبر ومعلومات أكثر تركيبًا عما يستطيعونه الأطفال الأصغر, وأشارت دراسات جيبسون ورفاقها إلى انبثاق هذه العملية المعرفية في الإدراك، ففي إحدى تجاربها كانت تعلم الأطفال الصغار الضعط على أزرار معينة وقت التفوه بكلمات معينة، وأشارت إلى أن التعرف على مبدأ الإيقاع والتناغم يسهل من عملية التعلم، كما أن الأطفال الأكبر سنًا "11، 12 سنة"، قد استخدموا مبدأ الإيقاع لتسهيل عملية تعلمهم أكثر من الأطفال الأصغر سنًا، وعمومًا فبازدياد عمر الطفل الزمني نجد قدرته على استخدام العمليات المعرفية لتنظيم عملية الإدراك، تتزايد كذلك، كما أشار بياجيه إلى المعرفة التنظيمية في النمو الإدراكي. وتشير نتائج دراسة Elkind؛ "1970" أن الطبيعة المنطقية للبناء الإدراكي تزداد تبعًا لقدرة الطفل على رؤية وإدراك جميع عناصر وأجزاء التركيبات المختلفة، فمهارة الضرب المنطقي مثل. "فئة أمريكية × فئة برتستانت= فئة أمريكية بروتستاتينية، كما أن الأطفال الذين تمكنوا من إدراك جميع عناصر التركيبات، كانوا أفضل بصورة ذات دلالة من الأطفال الآخرين في أداء عمليات الضرب أو المضاعفات المنطقية. أبطال المركزية Decentering: يمكن أن يوصف النمو الإدراكي تبعا لازدياد حرية الطفل في الاحتياج إلى صورة أو هيئة المثير، ويسمى بياجيه هذه العملية بعملية "أبطال المركزية" فالأطفال يميلون إلى التركيز على الخصائص أو الصفات السائدة للأشكال أو الصور المرئية، ولقد وصفت هذه الجوانب السائدة بواسطة علماء الجشطلت بقوانين الغلق Closure، أو الشكل الجيد، والاستمرار, فإذا وضع نقاط بعضها بجانب البعض فإنها تشكل صورة أو كل معين، فالشكل غير الكامل على سبيل المثال لدائرة ناقصة، تؤدي بالفرد إلى أن يملأ عقليًا ذلك الجزء المفقود من الدائرة ويدركها كما لو أنها دائرة كاملة "قانون الغلق" وقوانين الجشطلت ذات تأثير كبير على المستويات العمرية، والأطفال يمكنهم مقارنة وموازنة قوانين المبادئ الإدراكية بصورة متزايدة وأن يبنون تنظيمات بديلية كلما تدرجوا في مدارج نموهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 فعندما يعرض على أطفال صغار صورة طفل يلعب في الحديقة مثلا، فيمكنهم تجريد الطفل من الصورة إلا أنهم لا يمكنهم تجريد نشاط الطفل وإدراك ذلك النشاط الذي يقوم به، والأطفال الأكبر سنًا يمكنهم إدراك الطفل بأوجه النشاط المعروضة عليهم، وبواسطة مصطلحات الجشطلت يمكنهم عمل لا مركزية الإدراك أي الانتقال من الشكل العام "الخاصية أو الصفة" إلى الأرضية "النشاط أو الموقف" وعمومًا فكلما نمى الأطفال نجد زيادة في مدركاتهم وتصبح أكثر كفاية وسرعة، بالإضافة إلى قدرتهم التدريجية على التغلب على الجوانب أو المظاهر المسيطرة والمهيمنة للصورة المرئية ويمكنهم أن يختاروا وينظموا المعلومات والبيانات تبعًا لمعانيها وأهدافها وأغراضها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 النمو اللغوي : أشرنا فيما سبق أن النمو اللغوي لأطفال ما قبل المدرسة يتصف بسرعة غير عادية، والواقع فعادة ما نجد طفل الخامسة متمكن من البناءات الرئيسية للتركيب اللغوي إلى حد ما، وكذلك يمتلك مفردات لغوية ضخمة وكما ذكرنا أن نمو الطفل اللغوي يكتمل بصورة كبيرة بمرور الوقت ودخوله في طفولته الوسطى، ومن جانب آخر فإننا نرى نموًا لغويًا جديرًا بالاهتمام في كل من المفردات اللغوية، والفهم، واستخدام الجمل والتركيب اللغوي فيما بين 5، 10 سنوات، وسنتأمل هذا النمو في ثنايا الصفحات التالية. نمو استخدام اللغة: كلما تدرج الطفل في بلوغ العمليات العيانية، كلما كان ذلك مرتبطًا بالفهم الجيد لتعبيرات كثيرة، وكذلك تعلم واستخدام تعبيرات جديدة وبنمو الطفل عقليًا نجد فهمه كلمات "أكثر" و"أقل" و"نفس" تتغير بصورة ملحوظة، فالأطفال الصغار يفهمون تعبيرات مثل "أكثر, أقل، أو نفس الشيء" تبعًا للاختلاف بين الأشياء التي يرونها في حين نجد الأطفال الأكبر يمكنهم التحقق بأنها تتعلق باختلافات غير إدراكية كذلك. فطفل الرابعة قد يقول أن عشرة قطع نقدية أكثر من أربعة قطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 نقدية، بسبب تمكنه من رؤية الاختلاف عيانيًا، بينما طفل السادسة يعطي نفس الاستجابة بسبب تقديره العقلاني للعملة، فكل من طفل الرابعة والسادسة أجرى تمييزًا ناجحًا واستخدامًا للتعبيرات الصحيحة، إلا أن فهمهما لهذه التعبيرات تختلف فقدرة الطفل على استخدام اللغة بصورة صحيحة عادة ما تشير إلى عمق الفهم والإدراك لديه. ولقد أجريت سلسلة من الدراسات وأشارت إلى أن التحولات في فهم اللغة عادة ما تكون مرتبطة بالتحولات في القدرة المعرفية، ففي إحدى الدراسات لأحد تلاميذ جان بياجيه سأل الأطفال وصف مواقف كمية بسيطة، حيث عرض عليهم قلمان الأول قصير وسميك والآخر طويل رفيع وسألهم كيف يختلفان بعضهما عن البعض، ولاختبار تفهمهم سؤال الأطفال كذلك أن يشيرا إلى القلم القصير السميك وتشير النتائج إلى وجود اختلافات ذات دلالة بين الأطفال فبعض الأطفال أشاروا إلى أن هذا القلم رفيع وهذا سميك، ومع ذلك فكل الأطفال الذين اختبروا قد استخدموا كلمات مقارنة مثل هذا القلم أطول ولكنه أربع، وهذا قصير ولكنه سميك. نمو معرفة تركيب اللغة وبنائها: العلاقة بين النمو المعرفي والفهم يمكن توضيحه بواسطة تركيب الجملة وبنائها، فصيغ المبني للمجهول عادة لا تستخدم في اللغة المتكلمة العادية وذلك بسبب أنها أكثر تركيبًا وتعقيدًا من صيغ المبني للمعلوم، ويجب أن تترجم أو تول في صيغة معيارية حتى يسهل تفهمها خاصة بالنسبة للأطفال فمثلا جملة الرجل عض بواسطة الكلب، قد تفسير بأن الكلب عض الرجل، فعلاقات اسم الموضوع في الجمل المبنية للمجهول تكون صعبة خاصة في صورة الجمل المعكوسة بمعنى أنها لا يمكن قلبها فالجملة "الرجل عض بواسطة الكلب" لا يمكن في الواقع أن تقلب أو تعكس بينما نجد الجمل المبنية للمعلوم يمكن أن تعكس أو تقلب، وعمومًا فالمعكوسية تمثل صعوبة في الجمل المبنية للمجهول إذا ما قورنت بالجمل المبنية للمعلوم. Palermo D؛ "1972". وفي إحدى دراسات Slobin؛ "1966" لتوضيح مدى صعوبة القلب والمعكوسية في اللغة على الأطفال، فقد عرض على مجموعات من الأطفال تتراوح أعمارهم من 6، 8، 10، 12 سنة، ومجموعة أخرى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 طلاب الجامعة جميعهم قرءوا جمل معكوسة، وأخرى غير معكوسة مبنية للمعلوم وأخرى مبنية للمجهول، وأثناء قراءة كل جملة يعرض على الطالب صورة توصف العبارة، وسؤلت الحالات أن تستجيب بأقصى سرعة ممكنة بعد رؤية كل صورة وذلك بضغط زرار معين "صح" أو "خطأ" عما إذا كانت العبارة تصف الصورة بصورة صحيحة أم لا، ولقد وجد أن زمن الرجع RT للصور المعروضة لجميع الجمل قد نقص مع التقدم في العمر الزمني فالمجموعة من 10، 12 سنة كانت أداءاتهم على نفس المستوى تقريبًا، إلا أنها كانت أسرع من الأطفال الصغار بصورة ملحوظة، واتضح من النتائج كذلك أن طلاب الجامعة استجابوا بصورة أسرع في زمن الرجع من جميع المجموعات, وجدير بالذكر فلقد كانت الجمل المعكوسة أكثر صعوبة بالنسبة لجميع المجموعات "حيث كان زمن الرجع أطول" كما أن الجمل المبنية للمجهول المعكوسة كانت أكثر صعوبة من جميع الجمل, ولقد توصل Tuiner؛ "1967" إلى نتائج متشابة مع النتائج السابقة على الرغم من استخدام أدوات ووسائل مختلفة. ولقد أشارت Chimsky إلى التغيرات النمائية في فهم الأطفال التراكيب اللغوية بالإضافة إلى فهم الضمائر اللغوية, وعمومًا فقد وجدت أن اللاقياسية في التراكيب اللغوية تمثل صعوبة لجميع الأعمار الصغيرة، كما أن الأطفال تميل إلى التحسن بتدرجهم في نموهم وعمرهم الزمني من سن الخامسة حتى العاشرة، كما أشارت إلى فروق فردية واسعة، حيث تفهم بعض أطفال الخامسة اللاقياسية في التراكيب اللغوية، في حين وجدت آخرين لم يتمكنوا منها حتى سن العاشرة, كما أن التغيرات الضمائرية لم يتمكن منها جميع الأطفال تقريبًا تحت سن الخامسة، أما ما فوق الخامسة فقد فهموها وعلى ذلك فإن النمو اللغوي تبعًا لدراسات كومسكي أثناء سنوات المدرسة الابتدائية يسير في اتجاهين: أ- اتجاه فهم الألفاظ ودلالة الكلمات. ب- والآخر في قواعد استعمال تركيب الجمل والعبارات المتحكمة في استحدام الكلمات, وعادة ما نجد أطفال ما قبل المدرسة تكتسب القواعد الرئيسية للتركيب اللغوي Syntax كما أن أطفال المدرسة الابتدائية تتحكم تدريجيًا في الاستثناءات اللغوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 مهارات الاتصال المرجعية: رأينا في الفصل السابق كيف يستطيع الأطفال الصغار أن يكيفوا لغتهم وفقًا للمستوى النمائي للمستمع، وعمومًا فمهارات الاتصال المرجعية تستمر في التحسن كلما تدرج الطفل في النمو من الناحية الاجتماعية، وكذلك من الناحية اللغوية، وتشير نتائج دراسات Krauss؛ "1968" وFalvell؛ "1968" إلى أن النجاح النسبي للأطفال الصغار في الاتصال يعتمد إلى حد ما على طبيعة المهمة أو العمل، فعادة ما يكون أداؤهم مرضيًا كمتكلمين إذا اشتركوا في بعض المعلومات العمومية مع المستمع، ويستطيعون كذلك عمل أداء طيب إذا تلقوا تغذية رجعية نجاحاتهم عن المستمع, ومن الواضح أن المتكلمين الصغار يكونون في حاجة إلى مفاتيح قرينية لفهم المستمع إليهم حتى يمكنهم إجراء الاتصال الناجح, إذا ما قورنوا بالأطفال الكبار أو الراشدين. ولقد حاولت نظريات عديدة تفسير مهارة الاتصال المرجعي عند الأفراد وإحدى هذه النظريات ما أشاء إليه Resenberg؛ "1966" بنظرية التعلم, وتشير إلى أن مهارة المتكلم تعتمد على ذخيرته اللفظية وعلى عدد الارتباطات اللفظية في ترتيبه وتنظيمه اللغوي، فكلما كانت ذخيرة الفرد أكبر كلما كانت الفرصة أحسن في عمل الاتصال اللفظي مع المستمع، وأحد الأمثلة على ذلك ما يسمى بالتمثيليات التحذيرية Charades وهي لعبة قوامها مشهد تمثيلي يصور مقاطع كلمة معينة يطلب من المشترك في اللعبة أن يلاحظها أو ينتبه إليها, ويمكن التنبؤ بأن الشخص الذي لديه خبرة لغوية أكبر, قد يكون أكثر نجاحًا في أداء هذه اللعبة من فرد آخر ليس كذلك. وتشير نتائج دراسات Flavell؛ "1968" أن الاتصال المرجعي يتطلب أن يكون لدى الطفل قدرة معرفية حتى يمكنه تفهم وجهة نظر الشخص الآخر، وهذه المهارة عادة ما تكون مرتبطة بالعمليات العيانية، وهاتين النظريتين ليستا متعارضتان ففي الحقيقة فإن الاتصال المرجعي لا يعتمد فقط على الذخيرة اللفظية للمتكلم، ولكن بالإضافة إلى مدى قدرته على تفهم الموضوع من وجهة نظر الشخص الآخر. التذكر: يمكن تمييز ثلاثة عمليات على الأقل للتذكر خلال مرحلة الطفولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الوسطى، أولها عملية التحويل إلى رموز Enciding والثانية التعلم الأولي Inital، والثالثة التخزين Storage بالإضافة إلى عملية الاسترجاع Retrieval, كما توجد تغييرات نمائية ذات دلالة في هذه العمليات للتذكر أثناء سنوات المدرسة الابتدائية وسوف نتكلم عن كل منها بشيء من التفصيل. عملية التحويل إلى رموز وفهم المعلومات: أحد العناصر الأساسية في عملية التحويل إلى رموز يتمثل في دافعية الحالة إلى تعلم المادة المعطاة، وبصورة عامة فإن المادة التي يجري تعلمها بصورة مقصودة عادة ما تكون أحسن تذكرًا من المادة التي تتعلم عن طريق الصدفة، فإذا ركزت على تعلم بعض أسماء لأشخاص آخرين في مكان ما, وذلك عن طريق تكرارها لنفسك واستخدامها في حديثك, نجدك أكثر تذكرا لها إذا قورنت بحالتك سماع هذه الأسماء ولم تبذل أية مجهود لتذكرها، كما نجد الأطفال عادة ما يكونون أكثر فعالية من الأطفال الأصغر في استخدام استراتيجيات أو عمليات التحويل إلى رموز بصورة مقصودة متعمدة. ففي إحدى دراسات Appel. L وآخرين "1972" طبقت على جماعات من أطفال في سن 4، 7، 11 سنة في مهمة تحويل مقصودة وغير مقصودة، وكل طفل اختبر تحت ظرفين، الأول منهما عرض على كل طفل ما بين 9، 15 صورة لموضوعات متفردة، وطلب منهم أن ينظروا إلى الصورة بعناية لأن ذلك سيفيدهم في المهمة الاختبارية اللاحقة, وفي الظرف "الحالة" الأخرى فقد اتبعت مع الأطفال نفس الوسيلة ما عدا أنه طلب من الأطفال تذكر موضوعات الصور المعروضة عليهم، وبعد ذلك طلب من الأطفال أن يتذكروا أكبر قدر من الموضوعات التي كانت في الصور المعروضة عليهم بقدر إمكانهم, وأشارت النتائج بوجود تقدم نمائي واضح في كلا الحالتين سواء كانت حالة النظر أو حالة التذكر، كلما كان هناك ازدياد تدريجي مع العمر الزمني في عدد الموضوعات التي استدعيت واتضح أن أطفال الرابعة كانت نتائجهم متشابهة سواء في الصور التي نظروا إليها أو الصور التي طلب منهم تذكر محتوياتها, إلا أن أطفال السابعة والحادية عشر كان أدائهم أحسن تحت ظرف التذكر عما كان عليه في ظرف التأمل أو النظر فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وكررت التجربة على أطفال في سن السادسة ووجد أنهم أكثر استدعاء تحت ظرف "التذكر" عن ظرف النظر أو التأمل، ومن الممكن أن تكون استراتيجيات التحويل إلى رموز يحدث لها تغييرات ما بين سن الخامسة والسادسة عندما يكتسب الأطفال القدرة على العمليات العيانية. وعمومًا، فهل تتغير عملية التحويل إلى رموز مع السن؟ وهل الأطفال الأكبر يستخدمون طرقًا أو استراتيجيات مختلفة في عملية التحويل إلى رموز عن تلك التي يستخدمها الأطفال الأصغر؟ وجدير بالذكر بأن الأجابة على ذلك ستعتمد على المادة التي تتعلم، فاستدعاء الأرقام قد تتطلب استراتيجية مختلفة عن استدعاء الأسماء، وكثير من الدراسات مثل دراسة Neimark & Others؛ "1971", ودراسة Worden؛ "1975" تشير إلى أنه كلما تدرج الأطفال في أعمارهم الزمنية لا يكون لديهم فقط استراتيجيات تذكرية أكثر ولكن يمكنهم أن يختاروا الاستراتيجيات الأكثر تناسبًا مع المادة المتعلمة. ففي إحدى الدراسات كانت المادة المتعلمة مضمونة وأماكن عدد من الصور وسؤال الأطفال في أعمار زمنية مختلفة تذكر الصور التي عرضت عليهم وأماكنها الصحيحة, ولقد أشار Falvel & Others أن الأطفال قد استخدموا سلسلة من ثلاثة استراتيجيات في هذا الاختبار، الأولى كانت تنصب حول نعت أو تقليب الموضوعات "الصور" وفي فترة لاحقه بدأ الأطفال توقع المكان قبل أن تظهر فيه الصورة، والمرحلة الثالثة كان تذكر الأطفال عبارة عن اتحاد بين النعت والتوقع، وبصورة عامة فإن الأطفال ما بين السادسة والتاسعة عادة ما يستخدمون الاستراتيجيات الثلاثة في عملية التذكر, وعلى ذلك فإن أطفال المدرسة الابتدائية تزداد قدرتهم على تذكر المادة ويمكنهم كذلك الاستفادة بصورة فعالة من استراتيجيات عملية التحويل إلى رموز. التخزين وتنظيم الذاكرة: إن الكف عن كيفية تخزين الحالات المعلومات للاسترجاع عادة ما تكون بصورة غير مباشرة، حيث إنها غالبًا ما تركز على تنظيم المادة التي يمكن تذكرها وعلاقتها بقدرة الحالة على تذكرها، ولقد أشير أن قدرة الطفل على التذكر تتنوع مع قدرته على إعادة الإنتاج وكذلك في عملية التنظيم فمثلا، لنفترض أن يطلب من حالات استدعاء عدد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الموضوعات والتي يمكن أن تتجمع بعضها مع البعض تحت أصناف أكثر عمومية، فهؤلاء الأطفال الذين يستخدمون هذه الاستراتيجيات التنظيمية العالمية، أي تحدث لديهم ما يسمى بتجميع أو عنقدة الاستجابات، قد يتوقع أن يتذكروا موضوعات أكثر من هؤلاء الأطفال الذين لا يمكنهم أداء ذلك. ويشير Neimark & Others؛ "1971" أن التعنقد أو التجميع Clustering بمعنى ضع المعلومات داخل نظام ذا نسق عال، يتطلب قدرة معرفية بالإضافة إلى استراتيجيات تذكرية معينة، وبصورة عامة فإن الأطفال يتحسنون في قدرتهم لأداء ذلك كلما تدرجوا في مدارج نموهم وبالتالي فمن الممكن توقع تحسن نظامي في ذاكرة الأطفال لتصنيف وترتيب المواد مع ازدياد أعمارهم الزمنية، وهذا ما وجد في كثير من دراسات أخرى مثل Conarh؛ "1971", McCarver؛ "1971". وأبانت نتائج دراسة Neimark & Others على تذكر أطفال في الصفوف الأولى والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة، وكذلك على حالات من طلاب الجامعة, وكانت التجربة السابقة مكونة من عدد من المثيرات وأدوات النقل والأثاث والملابس، وعرضت الصور بأجمعها على الحالات مرة واحدة، وطلب من الحالة أن تدرس هذه الصورة لمدة ثلاث دقائق وبعد ذلك يحاولون استدعاء أكبر قدر من هذا الصور، كما أخبرت الحالات بأنها يمكن أن تعيد تنظيم الصور إذا أرادوا ذلك. وحسبت درجات كل حالة ليس فقط على عدد الصور التي تمكنت من استدعائها ولكن لإعادة تصنيفهم وتنظيمهم للصور، ولقد لوحظ ازدياد منتظم في كلا العمليتان مع تقدم الحالة في العمر الزمني، وكما وجدت زيادة متناسقة في عدد الصور التي أمكن استدعاءها، وكان معدل الصور التي استدعيت لأطفال الصف الأول 11 صورة, وأطفال الصف الثاني 16 صورة, وأطفال الصف الخامس والسادس 19 صورة تقريبًا، ومعدل استدعاء طلاب الجامعة 22 صورة، كما أن درجات الأصناف المتجمعة "المتعنقدة" قد أشارت إلى أنه مع تقدم الأعمار الزمنية وجد تزايد قدرة الأطفال على تخزين المعلومات وفقًا لمستويات تنظيمية عالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الاسترجاع: يشير بياجيه وانهلدر أن ما يخزن في الذاكرة يمكن أن ينقل أثناء عملية الاسترجاع، كما أن المادة المخزونة تعتبر بمثابة تركيب أو بناء عقلي. وبالتالي فإن استدعاءات الطفل تعد بمثابة طريقة لظهور هذا التركيب أو البناء بواسطة العمليات العقلية المتاحة له في فترة نمو معينة، وبكلمات أخرى أن المادة يمكن أن تنظم "بعد" وليس "قبل" عملية تخزين المعلومات, وتشير دراسات Paris & Carter؛ "1972", Prewatt؛ "1976"، ودراسة Jenkins؛"1974" تشير إلى أن ما تعرفه لحالة يؤثر كذلك في الذاكرة. ويشير Tulving؛ "1974" إلى منحى آخر لعملية الاسترجاع يرتبط "بالبيئة المعرفية، التي توجد أثناء عملية التعلم، ويعتقد أن البيئة المعرفية توفر مجموعة من المشعرات تعين على عملية الاسترجاع، فمثلا إحدى الحيل في محاولة تذكر اسم الشخص، يمكن أن يحدث عند استرجاعك للحروف الأبجدية للأسماء، أي أن الأسماء التي تبدأ مع كل حرف أبجدي تعيد المشعرات التي يمكن أن تسهل عملية الاسترجاع، وبصورة مشابهة نجد ذلك في كثير من الجرائم البوليسية، فمحاولة إعادة بناء الجريمة تساعد على سبر غور تذكر الشهود. وتشير نتائج دراسة Halperin؛ "1974" عن تذكر أطفال الصف الأول والثالث والسادس لمثير يتكون من 24 صورة لموضوعات شائعة عامة مقسمة إلى ثمانية فئات كل فئة بها ثلاثة موضوعات مثل الفاكهة كصنف تتكون من العنب والكمثرى والموز، وأثناء الرحلة الأولية لهذه الدراسة عرض على الحالات صورًا لكل الموضوعات والأماكن التي يمكن أن توجد بها "فالقرد والجمل والفيل توجد مثلا بحديقة الحيوانات، أي أن المختبر كان يشير للأطفال إلى العلاقة بين الموضوع والصنف، وأثناء المرحلة الثانية من الدراسة كانت تتمركز حول عملية الاستدعاء حيث قدمت ثلاثة ظروف مختلفة، أولها ظرف الاستدعاء الحر Free Recall حيث طلب من الأطفال تذكر أكبر قدر من الموضوعات يمكنهم تذكرها، والظرف الثاني كان نتيجة إعطاء مشعرات تذكرية للأطفال حيث أعطيت الحالات الفئات حتى تسهل عملية الاستدعاء لديهم، والظرف الثالث كانت تحت وسيلة المشعرات المباشرة حيث أعطى للأطفال ثمانية فئات وطلب منهم وضع الأشياء التي تتفق مع كل فئة من الفئات الثمانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وكما توقع الباحث كانت الاختلافات مرتبطة بالعمر الزمني، فتحت ظرف الاستدعاء الحر والاستدعاء المشعر وجد أن الأطفال الأكبر سنًا قد تذكروا موضوعات أكثر مما تذكره الأطفال الأصغر سنًا، فأطفال الصف الأول والثالث كانوا على نفس المعدل في عملية الاستدعاء الحر، ولكن أطفال الصف السادس كانت نجاحاتهم في الاستدعاء أكثر من الاستدعاء الحر، كما أبانت النتائج أنه تحت ظرف الاستدعاء المشعر الموجه، كان أداء جميع الأعمار الزمنية في مستوى مرتفع حيث تذكروا أكثر من 75% من الموضوعات التي عرضت عليهم. وعمومًا فهذه النتائج وكذلك نتائج دراسات أخرى مشابهة أشارت إلى الصعوبة التي تواجه الأطفال الصغار في عملية الاسترجاع، ويعزى ذلك إلى المشكلات المرتبطة بإعادة تركيب أو بناء "البيئة المعرفية"، وجدير بالذكر، فإننا نلاحظ أثناء مرحلة الطفولة الوسطى تحسنًا تدريجيًا في عملية التسجيل وعملية التخزين وعملية الاسترجاع للمادة التي تستدعى، ويعزى هذا إلى النضج المتواصل في استخدام الاستراتيجيات التنظيمية وكذلك في نمو القدرة المعرفية. مبدأ بقاء أو ثبات الأشياء Conservation: من أبرز جوانب النمو العقلي الهامة خلال السنوات المبكرة للطفولة الوسطى، وتتمركز حول قدرة الطفل على الحكم بأن موضوعات العالم المحيطة به تبقى ثابتة على الرغم من التغير في مظهرها الخارجي مثل "كمية السائل أو وزن الشيء" بغض النظر عن التغيرات الحادثة في لونها أو موقعها الخارجي أو اتجاهها ... إلخ ويشير بياجيه أن هذا الجانب من النمو العقلي لا يتحقق إلا بعد إحراز العمليات العيانية، وقد يصل بعض الأطفال إلى مبدأ ثبات أو بقاء الأشياء قبل ذلك، إلا أنه يكون محدودًا وينقصه الاستقرار والتعميم الذي يلاحظ عند الطفل حتى يصل إلى العمليات العيانية المتطلبة لهذا المبدأ. أنماط بقاء أو ثبات الأشياء: يشير بياجيه إلى أن أطفال المدرسة الابتدائية يكتشفون هذا المبدأ في كثير من المجالات المختلفة، فعلى سبيل المثال يرون أن الكمية والطول والعدد والمقدار والوزن والكتلة، تبقى هي نفسها على الرغم من التغيرات التي تطرأ على مظهرها، يكتشفون أن الزمن يمر بصورة منتظمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 متماثلة بغض النظر عما يقيسه, فمعظم الأطفال في سن السابعة ينمو لديهم بقاء الأشياء أو ثباتها من ناحية الطول وعادة ما تقاس عن طريق عرضنا على الطفل قلمين أو عصاتين بنفس الطول، ويسأل الطفل عما إذا كان متساويًا في الطول أو أن واحدًا أطول من الآخر "وعلى المختبر أن يستعمل اللغة المألوفة للطفل". ولقد كانت نتائج هذه التجربة قابلة للتنبؤ بصورة كبيرة، فعلى الرغم من أن الأعمار قد تختلف تبعًا لذكاء الطفل وخلفيته، إلا أن معظم أطفال الرابعة أشاروا إلى أن أحد القلمين أطول من الآخر لارتفاعه عنه، وعادة ما نجد طفل الخامسة يكتشف القلم الأطول وذلك بالنظر إلى ارتفاع الاثنين، ولكن عندما يسحب القلم إلى الوراء ويسأل الطفل فقد يشير إلى عدم تساويهما مرة أخرى، وعمومًا فإن الطفل في حدود السادسة أو السابعة من عمره غالبًا ما يشير إلى تساوي طول القلمين بقوله إن مجرد تحريكك لهما فإنك لا تضيف أو تنقص أي واحد منهما، وفي هذا السن يدرك الأطفال أن الأطوال لا تتغير لمجرد تغيير وضع الشيء. ويشير بياجيه إلى نتائج مشوقة لهذا المبدأ فيما يتعلق بالوزن والكتلة والكمية، وعلى الرغم من أن أداة القياس قد تكون نفسها لهذه المفاهيم إلا أنه وجد تتابع زمني لهذه المفاهيم، فأطفال ما بين السادسة والسابعة تقريبًا يمكنهم إدراك ثبات الكمية، ويصلون إلى ثبات الوزن فيما بين الثامنة والتاسعةظ, ويبلغون ثبات الكتلة في حوالي 11، 12 سنة، وفهم الكتلة مع ذلك لا يتحقق بصورة منتظمة لدى كل الأطفال كما نجد ذلك في حالة الوزن أو الكمية. ويعزز بياجيه ذلك إلى ما يسمى بالتمييز الهرمي Hoeizontal Decalage ويعني به القدرات المتطلبة لفهم كل مفهوم، وحيث إن هذه المفاهيم تتنوع في صعوبتها، ففي حالة الكتلة يجب على الأطفال أن يتغلبوا على وجهات نظر ذاتية بصورة كبيرة "مثل وزن الشيء بواسطة إحساسه بثقل الأشياء" وذلك أكثر مما يفعلونه مع مفاهيم أخرى مثل الكمية. ومبدأ ثبات الكتلة عادة ما يقاس بتقديم كرتان من الصلصال إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 الطفل وبسؤال إن كانتا متساويتين في الكمية، وفي هذه الحالة يسمح للطفل أن يضيف أو ينقص من صلصال أي منهما لكي يجعلهما متشابهين، وبعدئذ يسأل الطفل إن كانت الكرتين ما زالتا في نفس الكتلة أو الحجم، والطفل الذي يستجيب أن الكرة التي بخارج المنطاد "الأنبوبة" لها نفس الكتلة أو الكمية للكرة التي بداخل المنطاد، حينئذ ندرك أن الطفل تمكن من التوصل إلى إدراك مبدأ ثبات الأشياء، وكما ذكرنا بأنه يوجد تدرج في تفهم الأطفال لثبات الكمية أولا، وبعد ذلك الوزن وبعدها الحجم أو الكتلة Volume وما هو مشوق بصورة خاصة فإن تفسير الأطفال المقدم لعملية ثبات الكمية "بأنه لم يضاف أي شيء أو لم يأخذ أي شيء" يتشابه بصورة كبيرة مع تفسيرهم للوزن والكتلة، وبالتالي فإن الأطفال يخفقون في التعرف وذلك بسبب انشغالهم في مشكلة مفاهيمية تصورية، وليست في أدوات التجربة. وفيما يتعلق بثبات مفهوم المجال أو النطاق Area فكان بياجيه ومساعدوه يختبرونه بتقديم لوحة خشبية مرسوم عليه مزرعة بها مباني ومنتشر بها حيوانات، ويسأل الأطفال عن كمية الطعام التي تأكلها الحيوانات داخل المزرعة هل هي أقل أو أكثر عندما تكون متقاربة بعضها من بعض، أو متفرقة بعضها عن بعض، فمعظم أطفال السابعة والثامنة كانت تشير أن كمية الطعام التي تؤكل عندما تكون الحيوانات منتشرة في الحقل أكثر من الكمية التي تؤكل في حالة وجود الحيوانات قريبة بعضها من البعض الآخر، وأشار باحثون آخرون إلى نفس الظاهرة عند الأطفال فعادة ما يدرك الأطفال الصغار الحجرة المزدحمة أصغر من حجرة أخرى فارغة وتكون في نفس حجم الحجرة الأولى. والزمان باعتباره مفهومًا مطردًا منتظمًا بغض النظر عن كيفية قياسه وبالتالي يعتبر مفهوما مجردا، إلا أننا نجد الأطفال في هذه المرحلة يقيسونه بواسطة طرق أكثر عيانية، فمثلا عندما يقول أحد الصبية لوالده: إنك لا تحتاج إلى أية أعياد ميلاد أكثر، حيث إنك قد كبرت، وواضح أن الأطفال الصغار ينظرون إلى تقدم السن كمرادف لكبر الجسم والحجم، وعلى ذلك فإنك لمجرد أن وصلت إلى طولك الكامل فإنك لست في حاجة إلى أعياد ميلاد أكثر من ذلك "هذا من وجهة نظر طفل هذه المرحلة, وفي تجارب بياجيه فإن الأطفال كانوا يعتقدون أن الأشجار القصيرة الثمينة أصغر من الأشجار الرفيعة بسبب أن الشجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الطويلة كانت أطول من الأخرى فالأطفال عادة لا يفهمون أن الزمان "الوقت" يكون مستقلا عن الحجم المادي والحركة إلا ما بعد مرحلة الطفولة الوسطى. وعمومًا فأثناء سنوات المدرسة الابتدائية، يمكن للأطفال أن يحددوا مقدار الأشياء وقياسها بصورة متدرجة كما يبدءون في تفهم أن المقدار أو الحجم والزمن والكتلة والفراغ والمكان والزمن والعدد والطول كل هذه المفاهيم لا تعدل أو تتغير عن طريق التغيرات المتنوعة في مظهرها وشكلها. التدريب على إدراك مبدأ ثبات الأشياء: إن مفهوم بياجيه عن ثبات الأشياء وبقائها، أدى إلى عدد من الدراسات التي حاولت تحديد عما إذا كان الأطفال الذين لا يفهمون مبدأ ثبات الأشياء أو بقائها يمكن أن يدربوا على عمل ذلك، ولقد أراد الباحثون الإجابة عن ثمة تساؤلات مثل. أ- هل يمكن أن نعلم الأطفال إدراك مبدأ ثبات الأشياء في عمر زمني أكثر تبكيرًا عما يستطيعون في سهم العادي؟ ب- ما هي العمليات التي تمكن الأطفال من تعلم ثبات الأشياء وبقائها؟ ففي منتصف الستينيات أجريت عدد من الدراسات التدريبية على يدي Wehlwill؛ "1962", Beilin؛ "1965" وأشارت أن الأطفال ما بين الرابعة والخامسة الذين لم يتمكنوا من إدراك مفهوم ثبات الأشياء، قبل التدريب عليه، كانوا قادرين على إجراء ذلك بعد تدريبهم عليه. والقيمة الحقيقية لهذه الدراسات التدريبية، تتمركز في أنها كشفت عن بعض العمليات التي يتعلم عن طريقها مبدأ ثبات الأشياء وبقائها، ولقد ركزت دراسات عديدة على عملية واحدة أو أخرى حيث اعتقد أنها عملية جوهرية في إدراك مبدأ ثبات الأشياء، وفي بعض الحالات، كان يعتقد أن تلك العمليات المكتشفة أساسية في تعلم مبدأ ثبات الأشياء، وفي حالات أخرى لم يعتقد ذلك، وأحد هذه العمليات التي اعتقد بياجيه أنها ضرورية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 لتفهم الطفل لمبدأ ثبات الأشياء هي القدرة على التناول العكسي للموضوعات Reversibility أي القدرة على العودة إلى نقطة البداية في سياق أو تتابع عقلي. وتتضمن هذه القدرة إمكانية الطفل في البدء في التفكير حول المشكلة والتوقف وقطع التسلسل عند أي نقطة والعودة إلى البداية دائما، وعلى هذا فإن الطفل يستطيع أن يجرب الفروض عقليًا ليرى هل سينجح؟ فإذا اكتشف في نهاية سلسة الاستدلال أن إجابته خاطئة فإنه يستطيع أن يبدأ من جديد، وتشير القدرة على التناول العكسي للأشياء إلى معرفة أن إجراءات معينة يمكن حذفها خلال إجراء مكملة, يتضح هذا تماما في القواعد الحسابية والظواهر الفيزيقية، فيستطيع الفرد أن يرجع العدد 6 ليحصل على 36، أو يحسب الجذر التربيعي للعدد 36 ليحصل على 6، وفي الفيزياء يستطيع الفرد أن يستخدم المنشور لتحليل الضوء للأجزاء التي تكونه أو يجمع بينها لتصبح ضوءًا أبيض ثانية، ويستطيع الفرد أن يغلي الماء لينتج بخارًا، أو يكثف البخار ليحصل على نفس الكمية من الماء وهاتان عمليتان عكسيتان لا يفقد فيهما شيء. ويعتبر بياجيه أن الاكتساب التدريجي لهذه الثوابت الهامة أو للإجراءات العكسية أمر حيوي للنمو العقلي للطفل. وثمة عملية أخرى شعر بياجيه أنها ضرورية للتدريب على إدراك مبدأ ثبات الأشياء، وهي عملية التعويض Compensation بمعنى أن فقدان كمية معينة في بعد معين "ويعزى إلى عملية التحويل Transformation يصل في نفس الوقت إلى آخر، فكرة الصلصال والتي تمتد في الأنبوب تزداد من حيث الطول ولكنها تنقص من حيث قطرها، وبالتالي فالاختلافات تعوض الواحدة الأخرى وعلى ذلك فإن الكمية لا تتغير حقيقة, ولقد أجريت عدد من الدراسات Curis & Others؛ "1972"، Sheppard؛ "1974", على تدريب الأطفال الصغار الاهتمام بالجوانب التعويضية للتحويل، وتشير هذه الدراسات أن عملية التدريب التعويضي يساعد الأطفال على فهم مبدأ ثبات الأشياء، إلا أن فعاليتها يعتمد على طبيعة موضوع الثبات، فمثلا قد تكون ذات فعالية بالنسبة للكميات المستمرة "كالماء أو السوائل أو الصلصال" وذلك أكثر مما تكون في الكميات غير المستمرة "كالخرز أو الحبات الصغيرة أو السفن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 ويشير بياجيه كذلك أن النمو العقلي يتطلب كذلك تفاعل اجتماعي، فكلما تفاعل الأطفال بعضهم مع البعض الآخر، فمن ثم تحدث عملية تصحيح الذات Self Correcive، فالطفل الذي يكسر قواعد اللعب سوف يخبر أو يعلم سريعًا عن طريق زملائه فمنذ عام 1960 أجريت عديدًا من الدراسات والتي تتمركز حول تفاعل طفلين أو ثلاثة أطفال لتعلم مبدأ ثبات الأشياء وبقائها، وفيها كان الباحث يسأل الأطفال الوصول إلى قرار مشترك عما إذا كانت الكمية ثابتة عند نقلها من مكان إلى آخر، وبواسطة ضم الأطفال الذين تمكنوا من فهم مبدأ الثبات مع الأطفال الذين لم يتمكنوا من فهم مبدأ الثبات، أي أن التفاعل هذا يمكن أن يكون مفيدًا في تعلم إدراك ثبات الأشياء وبقائها. ويشير بياجيه أن العملية الرئيسية المتطلبة لتفهم مبدأ ثبات الأشياء هي التوازن Equilibration، وهذه العملية شائعة وتشير أن النمو يحدث نتيجة التناقض في الأحكام، وفي الحقيقة فإن مبدأ التناول العكسي للموضوعات، ومبدأ التعويض، والتفاعل الاجتماعي جميعها تساهم إلى حدوث بعض أشكال التناقض التي تكون مفيدة نافعة في النمو العقلي للأطفال ففي سلسلة من الدراسات الموسعة على أيدي تلاميذ بياجيه، أشارت إلى أن مجابهة الأطفال بالتناقضات يمكن أن يعزز قدراتهم على إدراك ثبات الأشياء وبقائها، ويأكدون تأثير التدريب إلا أنه يعتمد دائمًا على مدى نمو الطفل فالأطفال الأكبر والأكثر نضجًا عادة ما يستفيدون من التدريب على إدراك مبدأ الثبات أكثر مما يستفيده الأطفال الأصغر والأقل نضجًا. وأحد العمليات التي لم يعتقد بياجيه بأنها ضرورية لتعلم الأطفال مبدأ الثبات وبقاء الأشياء هي "اللغة"، إلا أننا نجد نتائج دراسات كل من Zimmrman & Rosenthel؛ "1974" تشير إلى أهمية اللغة في تعلم هذا المبدأ العقلي، وفي ذلك نرى بياجيه وضح وبصورة مشددة مؤكدة أن اللغة لا تحدد ثبات الأشياء، ولكن مبدأ الثبات أو النمو المعرفي هما اللذان يحددان ويؤثران في النمو اللغوي وعلى الأقل عند مستوى العمليات الحسية الإجرائية للنمو، إلا أننا نجد دراسات أخرى أشارت على عكس ما أشار إليه بياجيه حيث حاولت أن تتأكد عما إذا كان الأطفال يمكنهم تعلم مبدأ الثبات وبقاء الأشياء مستخدمين في ذلك قواعد لفظية لتأثيرات عملية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 التحول، ولقد اتضح أن بعض أنواع التدريب خاصة إذا اقترنت بتغذية رجعية لأداء الطفل يمكن أن تعلم مبدأ ثبات وبقاء الأشياء. واتجاه آخر أشار إليه كل من Boersma & Wilton؛ "1974" لم يوافق عليه بياجيه مؤداه أن التدريب الإدراكي التمييزي يمكن أن يؤثر في تعلم الأطفال ثبات الأشياء وبقائها حيث نتائج الدراسة السابقة تشير إلى أن سبب إخفاق الأطفال الصغار في تفهم مبدأ الثبات، قد يعزى إلى ثمة حقيقة مؤداها أنهم لا يولون الانتباه إلى المشعرات المناسبة، ويستطرد هؤلاء الباحثون أنه إذا أمكن تعليم الأطفال جذب الانتباه إلى المشعرات أو التلميحات الإدراكية الصحيحة، فإنهم بالتالي يمكنهم تعلم مبدأ ثبات الأشياء، وجدير بالذكر أن نتائج دراسات أخرى مثل Shepperd؛ "1974", Miller؛ "1972" دعمت وجهة النظر السابقة التي أشارت إليها دراسة Boersma؛ "1974" في مدى إمكانية تعلم الأطفال الصغار في الرابعة والخامسة من عمرهم مبدأ ثبات الأشياء وبقائها. وعمومًا، فإنه توجد طرق كثيرة يمكن تعلم الأطفال من خلالها إدراك مبدأ ثبات وبقاء الأشياء، ولقد تناقض بعض من هذه الاتجاهات مع تفسير بياجيه، إلا أن الحال ليس بالضرورة على نقيض آراء بياجيه، فاللغة أو التدريب الإدراكي قد تتضمن تناقض وفي هذا يوجد التوازن، ومن جانب آخر فإن المعكوسية والتعويض والتدريب المتعارض جميعها تتطلب اللغة والإدراك، وهذه الاعتبارات شجعت بياجيه أن يوسع مفهومه عن أصول مبدأ ثبات الأشياء حتى تتضمن عمليات ساكنة كالمقارنة الإدراكية. وجدير بالذكر فإن المناقشة السابقة لمبدأ ثبات الأشياء تمدنا بمثال دقيق للعمل العلمي، فالظاهرة قد اكتشفت وقدمت نظرية أولية لتفسيرها، وأعقب ذلك أعمال أخرى أكثر دقة واتساعًا لتأكد بعض جوانب هذه النظرية، ومن جانب آخر نجد عدم الاتفاق في بعض من الدراسات الأخرى على بعض من جوانب هذه النظرية، وهذا بدوره يؤدي إلى إجراء تعديلات للنظرية وبالتالي يؤدي إلى البحث عن اتجاهات ومناحي جديدة من البحث والاستقصاء وربما يوضح لنا هذا المثال كيفية تعقيد وتركيب السلوك الإنساني، وإلى أي مدى يمكن التوصل إلى الفهم الكامل للسلوك الإنساني بواسطة التعلم حتى من ثمة مبادئ أو مفاهيم بسيطة للسلوك كثبات الأشياء أو بقائها, وعمومًا فإن القدرة على تفهم مبدأ الثبات هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 تعكس قبل شيء النمو المعرفي والفروق الفردية في القدرات ومعدل النمو، فخبرة تدريبية لا يمكن أن تعدل بصورة كلية مجرى نمو الطفل، فالآباء والمدرسون الذين يعتقدون بأن بإمكانهم الإسراع بنمو الأطفال عن طريق تدريبهم في بعض من المهارات الخاصة كتعلم مبدأ ثبات الأشياء وبقائها، فمن المحتمل أنهم يضيعون وقتهم وجهدهم في ذلك. التفكير المنطقي الاستدلالي: تعتبر القدرة على استخدام المنطق وعلى الاستدلال خاصية أساسية تميز الطفولة الوسطى وقبيل المراهقة، ولتوضيح ذلك نجد أن بعض العناصر المنطقية الأساسية تتطلب تسلسلا فإذا كان "أ" أكبر من "ب"، "ب" أكبر من "ج"، إذن "أ" أكبر من "ج". وإذا حدث "أ" أو "ب" فإن "ج" سوف يحدث وبالتالي فإن حدوث "أ" يحدث إذن "ج". قد يعرف الطفل في السابعة من عمره أن عشرة قروش أكبر من خمسة قروش، وإن خمسة قروش أكبر من قرش واحد، ومع ذلك فمن المحتمل أنه لم يتعلم بعد القاعدة الأكثر عمومية وهي أنه إذا كان "أ" أكبر من "ب"، "ب" أكبر من "ج"، فإن "أ" أكبر من "ج"، وعلى ذلك فإنه لن يستطيع تعميم هذه القاعدة المتصلة بقيم النقود لتنطبق على الأشياء التي لا يألفها "حزم القش مثلا"، ولا شك أن القدرة على تطبيق القواعد المنطقية على المواقف المتنوعة هي جوهر النمو العقلي والقدرة العقلية، والطفل بالطبع لا يدرك عن وعي هذه القواعد لأنه لم يتعلم ولم يتدرب على هذه القضايا المنطقية ولكن سلوكه في حل المشكلة يوحي بأنه يستخدم قواعد منطقية. ونوضح ذلك بأمثلة عملية في تجارب "بياجيه" وزملائه على الأطفال في هذا الصدد، وهي تجارب تهدف إلى التوصل إلى قاعدة عن الأجسام الطافية. في هذه التجارب يزود الطفل بمجموعة متنوعة من الأشياء ويطلب منه أن يحدد ما إذا كانت سوف تطفو على الماء أم لا, وبعد أن يصنف الأشياء إلى فئتين أحدهما تطفو والأخرى تغوص، يطلب منه أن يشرح طريقة استدلاله وتفكيره ويوضحها، وفي النهاية يقوم بالتجريب مستخدمًا الأشياء وأواني الماء وينبغي أن يتوصل إلى قاعدة أو قانون بعد انتهائه من التجربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 الطفل في الخامسة من العمر كثيرًا ما يكون متناقضًا في إجاباته فيعتبر الدبوس "طافيًا" حينا ويعتبره "غائصا" حينا آخر، وليس لدى طفل الخامسة أي قاعدة عن هذه المشكلة، وتقوم تنبؤاته على خبراته بأشياء معينة، بل إنه عندئذ يمكن أن يقنع الطفل بتغيير رأيه. ومن سن السابعة إلى الثامنة يحاول الطفل أن يتوصل إلى قاعدة على أساس الوزن عادة عما يغوص وما يطفو, يقول طفل السابعة, "تبقي الكرة الخشبية على السطح، إنها من الخشب فهي خفيفة, أما المفتاح فهو يغوص، أنه من الحديد وهو ثقيل". ومع ذلك فما زال يقبل المتناقضات، فلو سئل أيهما أثقل المفتاح أم الكرة الخشبية فإنه يقول الكرة أثقل, ومع ذلك فإذا سئل لماذا يغوص المفتاح فإنه ما يزال يصر "لأنه ثقيل". ويقترب الطفل في سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة من فهم أن كثافة الشيء "أي وزنه في كل وحدة حجم" عامل حيوي في تحديد ما إذا كان الشيء سيطفو في الماء أو يغوص، ويستطيع طفل الثاني عشر عامًا أن يصنف معظم الأشياء تصنيفًا صحيحًا. يستطيع الطفل إذن في مرحلة المراهقة المبكرة فحسب أن يفكر تفكيرًا استدلاليًا عن الصفة المجردة للكثافة التي لا تلاحظ بوضوح كالوزن أو السعة أو الحجم, وهذه القدرة على التفكير على أساس المفاهيم المجردة تميز بين تفكير الطفل وتفكير المراهق. 4- انتقال التفكير من المستوى الحسي، العياني إلى المستوى الشكلي التجريدي: خلال سنوات الطفولة الوسطى والمتأخرة ينتقل الطفل من مرحلة العمليات العيانية "الأعمار من 7-11 سنة" إلى مرحلة العمليات الشكلية "الأعمار من 11 إلى 12 سنة وما بعدها". تتميز مرحلة العمليات العيانية الحسية بنوعين أساسيين من القواعد المنطقية، العمليت الفئوية Categorising "أي عمليات الوضع في فئة وعمليات السلسلة Seriation "أي عمليات التنظيم في تسلسل وتتابع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 أ- العمليات الفئوية: وتتضمن عمليات الوضع في فئة القدرة على التفكير في الأجزاء والكل تفكيرًا مستقلًا، فمثلا إذا أعطى طفل في الخامسة صندوقًا به خرز خشبي، 18 خرزة ذات لون بني وخرزتان ذات لون أبيض، وسئل "هل الخرز البني اللون أكثر أم الخرز الخشبي؟ فإنه يميل إلى الإجابة بأن "الخرز البني أكثر", فهو لا يستطيع أن يعالج في وقت واحد مفهومين منفصلين "الخرز البني" "الجزء" و"الخرز الخشبي" "الكل"، لأنه عندما يفكر في الجزء يتحطم إلى حد ما الكل، وتتحدد استجابته، بواسطة الجزء, غير أن الطفل في الثامنة أو التاسعة من العمر قادر على أن يبقي الجزء والكل منفصلين في تفكيره وإدراكه, فهو قادر على فهم أن الشيء يمكن أن يصنف بطريقتين في وقت واحد "خرزة بنية اللون، وخشبية في نفس الوقت". ب- عمليات السلسلة: تستلزم عمليات الترتيب المتسلسل تنظيم الأشياء في أي تتابع أو تسلسل حيث يكون الشيء أكبر أو أصغر من الآخر، ويمكن أن تتضمن فكرتي "أكبر منه" كثيرًا من الأبعاد، الارتفاع، الوزن، الطول، العرض، الإحمرار، ومقدار النقود ... إلخ, وخلال مرحلة العمليات الحسية، العيانية يفكر الطفل مستخدمًا الترتيب المتسلسل أو الوضع في فئة مع الأشياء العيانية والحقيقية, ويجد صعوبة في استخدام العمليات عقليًا دون وجود أشياء محسوسة أمامه يمكن ملاحظتها، وتتميز مرحلة العمليات الصورية في المراهقة بالقدرة على الاستدلال باستخدام الأفكار والقضايا والاحتمالات الممكنة والربط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 النمو الخلقي : يشير "بياجيه" في إحدى كتبه عن الحكم الخلقي عند الأطفال بأنه يعتبر بمثابة عمر مرتبط بتغير فهم الأطفال للمعضلات أو الخيارات الخلقية، واختيار أحد بديلين كليهما في غير صالحه, في إحدى تجاربه قدم للأطفال قصتين، كل منهما تصف اقتراف طفل بعض الأعمال، ومن المحتمل استحقاقه العقاب عليها, ففي إحدى القصص يقترف الطفل ذنبا من غير عمد، والقصة الأخرى توضح أداء طفل آخر لبعض من الأعمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الخاطئة بتعمد، وبعد سماع كل من القصتين يطلب من الأطفال تقرير أي من الطفلين كان أكثر ذئبًا، وفيما يلي قصتان قدمها بياجيه في إحدى دراساته. أ- "طفل صغير يدعى جون جالس في حجرته، دعي لتناول الغذاء وذهب إلى حجرة الطعام، وفتح باب الحجرة بينما كان وراءه صينية موضوع فوقها عشرة أكواب، ولم يعرف جون أن هذه الأكواب وراء باب حجرة الطعام وعندما دخل وقعت الصينية بما عليها من أكواب وكسرت جميعها". ب- "طفل صغير يدعى هنري عندما كانت أمه خارج المنزل في أحد الأيام حاول أن يحصل على بعض من الحلوى الموضوعة بالدولاب، وتسلق على الكرسي ومد ذراعه لكي يأخذ الحلوى، إلا أنها كانت مرتفعة عن متناول ذراعيه، ولم يستطع الوصول إليها والحصول عليها، وأثناء محاولاته في الحصول على الحلوى ضرب كوب موضوع بالدولاب وسقط على الأرض وانكسر هذا الكوب". وبعد قراءة هاتين القصتين على الأطفال سأل بياجيه الأطفال أن يعيدوها حتى يتأكد من فهمهم لها، وبعد ذلك سألهم بياجيه هل كل من الطفلين متساويين في سلوكهما السيئ "حتى يلاما"؟ وأي من الطفلين يكون سلوكه أكثر سوءًا "أي يجب أن يلام"؟ وعمومًا فإن الأطفال الصغار ما بين عمر السادسة والسابعة أشاروا أن الطفل الذي تسبب في الإتلاف الأكبر هو الطفل الأكبر سوءًا "ويستاهل اللوم"، وبالتالي يجب أن يعاقب بصورة أكبر، إلا أن الأطفال ما بين الثامنة والتاسعة من العمر حكموا على سوء السلوك بواسطة تعمد الطفل له أو عدم تعمده له، حيث قالوا إن الطفل الذي كان يعمل بعض الأشياء، والذي كان يفترض ألا يقوم بها هو الطفل الذي يجب أن يعاقب بصورة أكبر, ولقد استنتج بياجيه أن الأطفال الصغار لديهم مفهومًا أكثر موضوعية للسلوك الخلقي، بمعنى أنهم يحكمون على الجرم تبعًا لكمية التلف أو الضرر الحادث, وعلى نقيض ذلك وجد الأطفال الأكبر سنًا كان لديهم شعورًا أكثر ذاتية للسلوك الخلقي، حيث كان حكمهم على الإثم أو الجرم وفقًا لقصد فاعل هذا السلوك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 واكتشف بياجه كذلك مفهوم العدالة الوشيكة Imminent Justice فالأطفال الصغار يميلون إلى الاعتقاد أن الشخص الذي يحصل على العقاب عند تورطه في عمل ممنوع "ولنقل الطفل الذي تحرق يديه عندما يلعب بالكبريت لكونه نشاطًا ممنوعا" وهو في الواقع يعاقب نتيجة لإثمه أو جرمه كما أن الأطفال الأكبر سنًا أشاروا إلى أن الشخص يمكن أن يتورط في ثمة نشط ممنوع ولكنه يفلت من العقاب, وتشير كثير من الدراسات الأخرى إلى نتائج متشابهة مع ما جاء به بياجيه في هذا الصدد, ففي إحدى الدراسات لكولبرج Kohlberg؛ "1971" أشار أن النمو الخلقي يحدث تبعًا لثلاثة مستويات متضمنة ستة مراحل للتوجه الخلقي. المستوى قبل الأخلاقي Prelnoral Level: وعادة ما نجد سلوك الطفل يحدد بواسطة عوامل خارجية. المرحلة الأولى: التوجه الإذعاني والعقابي، ونجد فيه إذعان الطفل إلى السلطة والمركز الأقوى. المرحلة الثانية، التوجه البسيط، المادي ذو المتعة، حيث نجد أن أفعال الطفل تحدد بأنها صحيحة عندما ترضي الذات وترضي الآخرين أحيانًا. مستوى الأخلاق التقليدية Conventional Morality Level: وتعرف الأخلاق في هذا المستوى بأنها أداء الأفعال الحسنة والجيدة، والمحافظة على النظام الاجتماعي التقليدي. المرحلة الثالثة: تشير الأخلاق في هذه المرحلة إلى التوصل والمحافظة على علاقات حسنة مع الآخرين، والتوجه نحو الاستحسان المختار، وكذلك نحو إسعاد ومساعدة الآخرين. المرحلة الرابعة: وتكون موجهة نحو السلطة والواجب والقانون والحصول على المركز "سواء كان اجتماعيًا أو دينيًا" الذي يفترض أنه قيمة أولية. مستوى أخلاقية مبادئ تقبل الذات، وتعرف الأخلاق بأنها التطابق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 والتكيف للمعايير العامة، والحقوق والواجبات. المرحلة الخامسة: أخلاقية العقد أو الاتفاق، مراعاة حقوق الآخرين، تقبل القانون بصورة ديمقراطية. المرحلة السادسة: أخلاقية المبادئ الفردية للضمير والموجهة نحو المبادئ والمعايير الموجودة، ويكون الضمير بمثابة وكالة موجهة. وفي اختبار هذا المراحل، استعمل كولبرج قصصًا مشابهة للقصص التي استخدمها بياجيه، ولكن بسبب أن مراحل كولبرج أكثر تمييزًا، فقد كانت هناك صعوبات في تقدير استجابات الأطفال، وبالتالي كيف يمكن إرجاعها إلى مراحل معينة، وللتغلب على هذه الصعوبة فلقد أعد Turiel؛ "1966" أحد تلاميذ كولبرج مقياسًا موضوعيًا للنمو الخلقي يمكن أن يحسب بسهولة أكبر وكذلك كان صادقًا, ولقد أشارت بعض الأعمال الأولية لهذا المقياس بأنه يمكنه التغلب على بعض المشكلات التي وجدت بقوائم درجات كولبرج الأصلية، كما أنه يوفر قياسًا أكثر موضوعية للنمو الخلقي. وعمومًا فإن أحد أبعاد الحكم الخلقي التي لم تكتشف سواء كان بواسطة بياجيه أو كولبرج هو حالة الأذى أو الضرر الشخصي، ففي قصص كل من بياجيه وكولبرج طلب من الأطفال أن يحكموا على مدى استحقاق اللوم الموجه للأطفال الذين اقترفوا قدرًا صغيرًا أو كبيرًا من الضرر سواء بقصد أو بدون قصد، ولكننا نجد في القانون وكذلك في الفلسفة الخلقية أن الحيف أو الظلم الشخصي يعتبر بمثابة بعدًا هامًا للحكم الخلقي, ولقد اكتشفت دراسة حديثة أجراها Rest؛ "1972" أشارت إلى هذا الجانب من الحكم الخلقي لدى الأطفال، حيث طبقت الدراسة على أطفال سن الحضانة والسنة الثانية والسنة الرابعة، وكانت التجربة عبارة عن ستة أزواج قصصية تتساوق مع جميع التركيبات الممكنة كالجرم المتعمد وغير المتعمد، ونمط الضرر أو الأذى الشخصي أو في الممتلكات، وحاول المقارنة بين الأذى الشخصي والضرر يقع على الممتلكات "مثل الأنف المدمية في مقابل تفريغ إطار عجلة السيارة". وتشير نتائج الدراسة السابقة أن الضرر الذي يقع على الشخص سواء بقصد أو بغير قصد كان أكثر خطورة من الضرر أو تلف الممتلكات الخاصة بالشخص حيث أشار أطفال سن العاشرة أن الأشخاص أكثر قيمة من الأشياء وعلى ذلك ففي جميع الأعمار اتضح أن الضرر الذي يقع على الشخص كان ظاهرًا بصورة كبيرة في أحكام الأطفال، ويعين هذا أن الأذى الشخصي يعتبر بمثابة بعدًا هامًا للحكم الخلقي لدى الأطفال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 العالم التصوري للطفولة الوسطى: عندما يصل الأطفال للعمليات الحسية، فيمكنهم من الناحية العقلية تعلم ثقافة الطفولة، وهذه الثقافة تتضمن لغة واسعة شاملة، ومعتقدات تقليدية ومعارف مكتسبة تلائم ميول الأطفال، ويحدث التناغم والتساوق بينها جميعًا لتفادي أذى الأحداث غير المرغوب فيها "فعادة ما نجد مجموعة الأناشيد والألغاز والسخريات شائعة بين الأطفال". وتلك اللغة ومجموعة المعارف المكتسبة أو التقليدية يبدو شيوعها في أغلب الثقافات، وعلى الرغم من اختلافها من ثقافة إلى أخرى، إلا أنها دائمًا ما تتعامل وتعبر عن تخيلات الأطفال العامة ومخاوفهم وغضبهم وعدم شعورهم بالسعادة، وهكذا، كما أن هذه المعارف والمعتقدات عادة ما تكتسب عن طريق إرجاعها إلى مرحلة مناسبة. كما أن هذه المعارف والمعتقدات عادة ما تكتسب عن طريق الخبرة وتنتقل من جيل إلى آخر، فقد يتغنى الأطفال بقواف أو إيقاع معين ويسألون الألغاز التي يمكن أن ترجع إلى سنوت عديدة مضت، وعلى الرغم من أن ثقافة الطفولة قد تخدم أهدافًا كثيرة، إلا أننا نجد أن الهدف الرئيسي هو تمكين الطفل التمثل Assimlate داخل جماعة رفاقه، فعن طريق تعلم الإيقاع والأنغام المناسبة والألغاز، نجد طفل المدرسة الابتدائية قد أصبح عضوًا أساسيًا في جماعة الرفاق. وثقافة الطفولة عادة ما تكون ثقافة احتفاظية Conservative بمعنى أنها تسرمد النموذج المقدم لها بواسطة الجماعة الأكبر وبدون تغيير جذري "على نقيض جماعة المراهقين الذين عادة ما يرغبون إدخال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 تغييرات جذرية لعالم الراشدين من حولهم، وسنرى هذا فيما بعد". ولا يعني ذلك أن أطفال هذه المرحلة "الطفولة الوسطى" يتسمون بتبلد الحس أو أنهم لا يتسمون بسعة الخيال، ولكنهم على العكس من ذلك حيث نجد تصورات الأطفال في سن المدرسة وتخيلاتهم لا تكون عادة مهتمة بالتغير الحادث في المجتمع، فهو ما يزال وراء إمكانية قدراتهم العقلية، وما يهتمون به يتمركز حول المغامرة والألغاز التي قد توجد في كتب الأطفال والتليفزيون والسينما، وكذلك في ألعابهم الخاصة، فأطفال هذه المرحلة يميلون إلى استكشاف المنازل المهجورة والأماكن العالية والأدوار تحت المنزل والأماكن الأخرى المتشابهة، حيث لا يوجد الراشدون في هذه الأماكن وكذلك يخبئ الأطفال ممتلكاتهم الخاصة بهم بهذه الأماكن, وجدير بالذكر فإن الحاسة والميل إلى الاستكشاف وحل الألغاز تكون جلية ظاهرة في عقول أطفال سن المدرسة. وجانب أخير لعالم الطفل التصوري في هذه المرحلة وهو التفاؤل الدائم، بسبب عدم درايتهم بكثير من القيود التي توضح على محاولاتهم وبالتالي نجد الأطفال يعتقدون بإمكانهم أن يصبحوا ما يرغبون أن يكونوا عليه، على الرغم من عدم تأكدهم مما هم راغبون فيه حقيقة، ولا يكون الأطفال في هذه المرحلة النمائية متقدمون بصورة كبيرة لآلائهم أو مدرسيهم، أو مجتمعهم، ويكونون سعداء بصورة عامة مع عالمهم، ويرجع ذلك لأنهم يحيون هنا والآن Here & Now، كما أن الضغوط الاجتماعية عليهم ما تزال خفيفة، بالإضافة إلى قدرتهم في هذا السن التصور الكامل وتفهم كثير من المشكلات والمخاطر من حولهم والتي عادة ما نجدها مثار قلق وتوتر للمراهقين والراشدين من حولهم. فأطفال هذه المرحلة لا يزالوا يعتقدون أن المستقبل سيكون كما يرغبونه أو يأملون أن يكون عليه، وفي تلك المسألة يكمن جوهر عملية التفاؤل الداخلي التي يتسم بها أطفال مرحلة الطفولة الوسطى. تعلم القراءة: إحدى المهارات الأكثر أهمية لمرحلة الطفولة الوسطى والتي يجب تعلمها أثناء سنوات المدرسة الابتدائية المبكرة تتمثل في كيفية القراءة, فالقراءة ليست فقط ذات أهمية بالنسبة لكل مقرر دراسي كالحساب والعلوم، واللغة والدراسات الاجتماعية، ولكن أهميتها تنسحب إلى جميع جوانب الحياة، وعلى الرغم من أهمية تعلم القراءة، إلا أننا لا نجد نظرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 مقبولة وشاملة لتعلم القراءة Miller؛ "1974"، وعمومًا فإن تعلم القراءة يمكن أن يتم بطرق كثيرة مختلفة متدرجة من منحى العامية "غير الفصحى" إلى اللغة ذات الشكل البنائي العالي. ويتساءل الآباء كثيرًا في أي عمر يجب أن يبدأ التعليم الرسمي؟ فالتعليم الرسمي الذي يتضمن دروس قراءة وتعلم أصوات الكلام والهجاء والتعليم غير الرسمي الذي يتضمن بعض النشاطات لإثراء اللغة كالاستماع إلى القصص، وتسجيل القصص وكتابة الحروف وهكذا. وبصورة عامة فإن التعليم الرسمي يعني تعلم مجموعة من القواعد في حين التعليم غير الرسمي يتمركز في أن يصبح الكلمات والأحرف مألوفة لدى الطفل. وحتى الآن نجد عدم اتفاق في هذه القضية, فبعض الباحثين يشيرون أن التعليم الرسمي يمكن أن يبدأ سن أطفال مدارس الحضانة Berciter & Engleman؛ "1966"، ومن جانب آخر نجد Elkind & Briggs؛ "1973" يشيران أن التعليم الرسمي يجب أن يبدأ إلا بعد وصول الأطفال إلى العمليات العيانية "الحسية" Concrete، وعادة ما يكون ذلك في سن السادسة، وهذا التناقض في وجهات النظر هذه عادة ما تنبثق من مفاهيم مختلفة لعملية القراءة, فالفريق الأول الذي يؤيد التبكير في تعلم القراءة، يشيرون إلى أنها تعتبر بمثابة عملية تمييز، وتكون متاحة لقدرة الأطفال الصغار، والفريق الآخر المؤيد لتأجيل تعلم القراءة حتى سن السادسة يعتقدون أن القراءة البسيطة تتطلب عمليات عقلية مركبة وعادة ما تكون فوق قدرة معظم الأطفال الذين ما يزالوا في المرحلة قبل العيانية Preconcrete. وعمومًا فإن البيانات والمعلومات للقطع في وجهات النظر هذه لم يبت إلى الآن، فلقد وجد Durin أن الأطفال ذوي القدرة المتوسطة الذين تعلموا القراءة، مبكرًا، قد احتفظوا بتفوقهم على الأطفال المتشابهين معهم في قدراتهم في السنوات اللاحقة للمدرسة، ومن جانب آخر نجد نتائج دراسة Briggs, C. & Elkind؛ "1973" تشير أن الأطفال الذين تمكنوا من القراءة في صورة مبكرة، ذوي القدرة المتوسطة، وصلوا إلى مرحلة العمليات العيانية مثل الأطفال المتشابهين معهم في قدراتهم والذين لم يتمكنوا من القراءة، كما أن البيانات معهم في قدراتهم والذين لم يتمكنوا من القراءة، كما أن البيانات ونتائج الدراسات في ثقافات مختلفة قد دعمت وجهة النظر الأخيرة، ففي الاتحاد السوفييتي والدول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الأسكندنافية، حيث يبدأ التعليم الرسمي بعد سن السادسة، وجد أن عددًا صغيرًا من أطفال هذه الثقافات يوجهون صعوبات في القراءة، وفي فرنسا مع ذلك حيث يبدأ التعليم الرسمي في سن الخامسة فإن ما يقرب من 25% من الأطفال يعيدون السنة الأولى لعدم تمكنهم تعلم القراءة. وتشير نتائج دراسة Washburne؛ "1973" إلى فوائد التأخر في التعليم الرسمي للقراءة، حيث اشتملت الدراسة على مجموعتين من أطفال بداية الصف الأول، والمجموعة الثانية تلقت تعليمًا غير رسمي لتعلم القراءة في الصف الأول، وفي نهاية العام الدراسي أشارت النتائج أن الأطفال الذين حصلوا على تعليم رسمي كانوا أفضل من القراءة من الأطفال الآخرين الذين لم يحصلوا على ذلك، وفي الصف الثالث مع ذلك فإن هؤلاء الذين تلقوا تعليمًا غير رسمي أثناء الصف الأول قد لحقوا بزملائهم الذين كان لديهم تعليمًا رسميًا, وأجريت دراسة تتبعية لهؤلاء الأطفال في المدرسة المتوسطة، وانتقى الباحثون ملاحظين لا يعرفون الأطفال، ولا يعلمون شيئا عن الدراسة المبكرة التي أخذها بعض الأطفال، وطلب من هؤلاء الملاحظين أن يقيموا الأطفال على أبعاد مختلفة، وأشارت النتائج أن الأطفال الذين لم يبدءوا التعليم الرسمي للقراءة حتى الصف الثاني الابتدائي كانوا أكثر تمييزًا بصورة واضحة من الأطفال الذين بدءوا تعلم القراءة في الصف الأول، حيث وصفت المجموعة الأولى بأنها محبة للاستطلاع متحمسة للتعلم وفي حالة ابتهاج دائم في حين لم توصف المجموعة الأخرى بهذه الخصائص. وبإيجاز، فإنه لا يوجد دليل نهائي ثابت حتى الآن، يقطع بأن تعليم القراءة في سن مبكرة يكون ذا فائدة، وعلى نقيض ذلك فلقد أشارت بعض الدلائل بنقيض ذلك، ولكن يجب أن نشير في هذا المقام أن الأطفال الذين يميلون للقراءة قبل أن يصلوا إلى السادسة أو السابعة، يجب على الآباء وكذلك على المدرسين أن يساعدهم في ذلك ويشجعونهم عليها، وعمومًا فإن التعليم الرسمي للقارة يكون أكثر فائدة لأغلب الأطفال عندما يصلون في نموهم العقلي إلى مرحلة العمليات "الحسية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الشخصية والنمو الاجتماعي مدخل ... الشخصية والنمو الاجتماعي: خلال سنوات الطفولة الوسطى عادة ما يكون سير النمو بطيئًا وهادئًا إذا ما قورن بالمرحلة السابقة عليه أو المرحلة اللاحقة له، فالانفعالات تكون قليلة بصورة نسبية والأشياء الممتعة والسارة تكون كثيرة كما لا تكون هناك حاجة كبيرة للإشراف الأبوي القريب الكامل فعادة ما ينشغل أطفال المدرسة في لعبهم واستكشاف عالمهم من حولهم، والتعلم من الأشياء، ومن الناس ويلتمسون المنزل للراحة فقط والتزود بالغذاء، وعادة لا يكونون مثقلون بمسئوليات رئيسية فهم أحرار في عيشهم، يعيشون للمتعة في اللحظة الحالية، وعلى الرغم من حدوث بعض الإحباطات وخيبة الأمل في أشياء معينة من وقت إلى آخر، إلا أننا عادة ما نجد أطفال سن المدرسة الابتدائية يتسمون بالرضى عن أدوارهم، ويشعرون أن الفترة التي يمرون بها فترة إشباع ومتعة، وعادة ما يشار إلى سنوات المدرسة المبكرة بأنها سنوات ذهبية لمرحلة الطفولة، كما أننا نجد أن الراشدين غالبًا ما يتذكرون هذه الفترة من حياتهم بولع وإعزاز وبذكريات مفعمة بالحيوية والنشاط عن الأصدقاء الذين عرفوهم وكذلك الأفعال التي فعلوها. وفيما يتعلق بالشخصية والنمو الاجتماعي، فثمة تغيران رئيسيان يحدثان في هذا الوقت، ويكون لهما تأثير هام في نوعية الشخصية التي سيكونها الأطفال فيما بعد ويمكن إيجازهما فيما يلي: أولا: فبدخول الأطفال المدرسة، والتي عادة ما يقضون فيها ما يقرب من نصف عدة ساعات يقظتهم وعادة ما يبقون في مدارسهم إلى أن يصبحوا قادرين على اعتراك الحياة وكسب العيش، وعادة ما نجد الأطفال يؤون إلى المنزل بعد يومهم المدرسي كوسيط حميم ومصدر للأمن والأمان كما كان في مرحلة نموهم السابقة. ثانيًا: وبمجرد أن يبدأ الأطفال دخول المدرسة، عادة ما يصبحوا أقل اعتمادية على أسرهم، كما أن تركيز علاقاتهم الشخصية المتبادلة تتغير تدريجيًا من آبائم إلى أقرانهم وإلى المجتمع الأكبر، وعادة ما نجد أطفال هذه المرحلة يقضون وقتًا أطول مع أقرانهم أكبر من الوقت الذي يقضونه مع أسرهم، وبالتالي نجد اتجاهات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الرفاق ذات تأثير متزايد في كيفية شعورهم نحو ذواتهم، ومن جهة أخرى نجد وكالات وأشخاص آخرين يمارسون التأثير في عملية التطبيع الاجتماعي التي يلقاها الأطفال في سن المدرسة، وعلى سبيل المثال المدرسون ورجال الدين ورجال البوليس والراشدون الآخرون الذي يمكن أن يراهم الطفل في وسائل الأعلام كالسينما والتليفزيون جميع هؤلاء يبدءون في تقاسم نموذج الدور بالنسبة لطفل المدرسة الابتدائية وكذلك في عملية التطبيع الاجتماعي والتي كانت فيما مضى قاصرة على الآباء. وفي ثنايا هذا الفصل سنركز على تأثير الفصل الدراسي وجماعة الرفاق، وخبرات المجتمع على نمو الشخصية أثناء مرحلة الطفولة الوسطى، وسنتطرق إلى هوية دور الجنس والعلاقة وأثرها في شخصية طفل المدرسة الابتدائية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 أولا: دخول المدرسة يقابل الأطفال عند دخول المدرسة مجموعة من التحديات والفرص الجديدة ومن أولها، يجب أن يتخلوا عن كثير من أنماط اعتمادهم السابق إلى أبويهم وعلى بيئتهم المنزلية، فالآن يجب عليهم قضاء ساعات عديدة في بيئة جديدة مع راشدين غير مألوفين لهم وبجانب أطفال غير مقربين إليهم، وعمومًا فإن المدرسة بما تحويه من نظام وأشخاص تؤثر تأثيرًا فعالا في اتجاه الأطفال نحو المدرسة، وعما إذا كانوا سينمون أحاسيس الكفاية أو أحاسيس الدونة. الاتجاهات نحو المدرسة: معظم الأطفال عادة ما يتطلعون بشغف لالتحاقهم بالمدرسة وذلك لأنها تمدهم بالشعور بالأهمية والنضج كما توفر لهم الفرص لتعلم وعمل كثير من الأشياء, والآن فسوف يصبحون "كبارًا" إذ يمكنهم السير إلى مدرستهم أو ركوب أتوبيس المدرسة، كما أنهم سيشاركون في النشاطات المثيرة التي سمعوا عنها من إخوانهم الأكبر أو جيرانهم أو آبائهم عندما يتحدثون عن المدرسة, وعلى الرغم من تذمرهم أو شكواهم النموذجية عن المدرسة كقولهم أحيانًا: "هل يجب أن أذهب إلى المدرسة اليوم؟ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 بالإضافة إلى ابتهاجهم وسرورهم بمقدم إجازة نصف العام أو إجازة الصيف، إلا أننا نجد معظم تلاميذ المدرسة الابتدائية يتطلعون بشغف لبداية كل عام دراسي جديد فخورين بذواتهم في الانتقال من صف إلى صف آخر أعلى، وإحساسهم بالإشباع والرضى في التغلب على المقررات العلمية الجادة والأكثر صعوبة. وتوجد بعض الاستثناءات لوجهة النظر الإيجابية هذه عن المدرسة، فأحيانا نجد الأطفال المعتمدين على أمهاتهم بصورة مفرطة ينتابهم الخوف من الذهاب إلى المدرسة، ويرجع ذلك إلى الفزع والقلق نتيجة فصلهم عن أبويهم، وثمة مخاوف مفرطة تكون نموذجًا خاصًا للنمو غير العادي في الطفولة الوسطى، وفهي مخاوف المدرسة"، وفي بعض الأحيان نجد أطفالا ينظرون إلى المدرسة باعتبارها بيئة عدوانية وليس فيها إلا القليل التي تستطيع تقديمه إليهم، وسوف نلقي بعض الضوء على ذلك في مشكلات الطفولة. وعمومًا فإن أغلب الأطفال عادة ما يكونون متحمسون للمدرسة وذلك لأنها تلعب دورًا أساسيًا في نموهم العقلي والاجتماعي، فهناك داخل المدرسة يتعلمون المهارات الأساسية للقراءة والكتابة وعلم الحساب كما يمكنهم التعرف على ثقافتهم وبيئتهم، وينمون علاقات اجتماعية مع عدد، كبير من الراشدين ورفاق سنهم، بالإضافة إلى أنهم يستثارون لتدريب روح المبادأة والمبادرة لديهم والتحكيم في الأشياء المحيطة بهم, فالمدرسة إذن هي المجال الذي يتوفر فيه أنماط التعلم المختلفة، والإحساس بشعور الإنجاز، ومقابلة الأشخاص الجدد، بالإضافة إلى توفير المكان لكي يمرحون ويلعبون، وعمومًا فإن استمرار حماس الأطفال الصغار للمدرسة يتأثر بدون شك بنوعية المدرسة التي ينتمون إليها، وكذلك باتجاهات آبائهم نحو التعليم. تأثير المدرسة: من بين الكثير من جوانب المدرسة التي تؤثر في اتجاهات الأطفال "حكم المدرسة وسياساتهم التربوية" فحجم المدرسة ذو أهمية في تحديد الفرص المتاحة للأطفال للاشتراك في مجالات علمية واجتماعية ورياضية ما إلى ذلك، وعموما فكلما مكث الأطفال مدة أطول في الفصل الدراسي كلما كانت الفرص ضئيلة لديهم في طرح التساؤلات والاشتراك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 في مشروعات ومعاونة المدرسين، أو تلقي الانتباه الفردي من مدرسيهم كلما قلت الفرص أمامهم في الاندماج في ثمة نشاطات رياضية وجماعات الرفاق وفي ألعاب المدرسة بصفة عامة. وتشير نتائج بعض الدراسات في حجم المدرسة أن تلاميذ المدارس الصغيرة عادة ما يكونون متشابهين بصورة أكثر عن تلاميذ المدارس الكبيرة لكونهم يشجعون على الاشتراك والاندماج بالأنشطة المدرسية، ويتفاعلون في المراكز القيادية، وتشير نتائج دراسة Cump & Barker؛ "1972" أن تلاميذ المدرسة الصغيرة وجد لديهم أحاسيس أكثر إيجابية في نمو مشاعر الأهلية والجدارة لكونهم يقدرون بواسطة الآخرين ولكونهم يشتركون إيجابيًا في المجهودات الهامة للجماعة، وعمومًا فكلما قلت الفرص أمام التلاميذ للاشتراك في النشاطات المدرسية كلما كانت المدرسة ذات أهمية أقل بالنسبة للتلاميذ كمركز للتعلم الجديد والخبرات الاجتماعية، وبالتالي يذبل حماسهم الأولي نحو المدرسة. تكمن فائدتها في علاقاتها بما يمكن أن تقدمه المدرسة، فالمدرسة الصغيرة التي لا يوجد فيها مجالات فنية كالموسيقى وبرامج التربية البدنية أو المكتبة اللائقة فإنها مما لا شك قد لا تدعم حماس التلاميذ بغض النظر عن حجم المدرسة أو حجم التلاميذ المنتمين إليها, وشيء أكثر أهمية في التأثير على الأطفال هي السياسات التربوية المتبعة داخل المدرسة والفصل الدارسي فالمنهج المخطط وطرق التدريب التي تجعل التعلم في صورة حيوية مثيرة مما لا شك فيه تثير حب استطلاع التلاميذ وميولهم نحوها، ومن جانب آخر فعندما تكون طرق التدريس مملة فاترة وروتينية "أي اتباع طريقة محددة وتجري على وتيرة واحدة في العمل وغير مرتبطة بالأحداث التي تحدث في العالم المحيط بالتلميذ" غالبًا ما تخمد حماس الطفل نحو مدرسته. ويشير شارلس سيلبرمان C. Silberman؛ "1970" إلى التأثيرات السلبية للمدرسة في كتابه Crisis ln Classroom أن كثيرًا من المدارس الابتدائية عادة ما تكون موجهة نحو التربية لجعل الطفل طيعًا سهل الانقياد ونجد هذه المدارس عادة ما تؤكد الأوامر والنظام والاتساق في الفصل الدراسي أكثر مما تعزز التعبير عن الذات, والثقة بالذات، وحب الاستطلاع والإحساس بالقيمة لدى التلاميذ ونتيجة لذلك فقد اكتشف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 سيلبرمان عددًا كبير من الأطفال يتصفون بالقلق وعدم الارتياح من المدرسة وبالتالي أخفقوا في تنمية إمكاناتهم العقلية والشخصية الكاملة، وتشير دراسات كل من Zimeet؛ "1972"، Blom؛ "1970" إلى أن ضعف السياسات التربوية يتمركز في استخدامها مناهج غير واقعية وغير مثيرة، حيث تقدم للأطفال عالمًا غير واقعي الذي نجد فيه كل شخص يحيى حياة سعيدة، ولا توجد فيه أي صعاب، ولا يوجد أي شخص فقير محروم ولا توجد به ثمة أشياء كالعنف أو الجوع أوالبطالة ... إلخ, ولحسن الحظ فلقد تدارك المسئولون بوضع المناهج هذا العيب وأصبحوا يضعون المناهج المرتبطة بالحياة والتي تتعامل مع المؤشرات الاجتماعية التي يشعر الأطفال بوجودها سواء من خبراتهم الخاصة أو من وسائل الإعلام المنتشرة من حولهم. وجدير بالذكر، فإن تأثير حجم المدرسة عادة ما يكون أكثر تركيبًا وتعقيدًا من ذلك، فالأطفال يختلفون في كيفية استجاباتهم لحجم مدرستهم، فالأولاد الذين يتسمون بالود والذكاء عادة ما نراهم يجدون لأنفسهم مكانًا بغض النظر عن حجم مدرستهم، ومن جانب آخر نجد الأطفال الذين يتسمون بالخجل والانطواء مع قدر متواضع للذكاء يميلون إلى الأحجام عن الاشتراك في النشاطات المدرسية المكافئة سواء كان داخل المدرسة صغيرة أو كبيرة الحجم. وفي إحدى الدراسات التي قام بها كل من Asher & Markell؛ "1974" حيث طلبت من طلاب الصف الخامس أولاد وبنات قراءة صفحتين من كتاب غير مشوق، وصفحتين أخرتين أكثر تشويقًا لهم، وأشارت النتائج أن الطلاب سواء البنين أو البنات قد حصلوا على درجات مرتفعة في القراءة المشوقة لهم، وأظهرت البنات تفوقًا في القراءة التي كن يملن إليها كما أن القراءات التي جذبت انتباه الذكور كانت متمركزة على رواد الفضاء، وعمومًا فإن مهارات القراءة للتلاميذ الضعفاء يمكن أن تتحسن بواسطة تحديد مواد للقراءة وموضوعات أكثر تشويقًا واهتمامًا لهم وعمومًا فإن الأهداف داخل المدارس عادة ما تكون مشتقة من أهداف التربية بصفة عامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 يوجد اسكانر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وعمومًا فإن اتجاه التربية الحديثة يتمركز فيما يسمى بالطالب الموجه Student-Orienred، والتأكيد هنا يكون في مساعدة الأطفال على تنمية أنفسهم اجتماعيًا ونفسيًا وعقليًا، ولذلك فإن التربية الحديثة تشتغل الاستكشاف والتجريب ومناقشة الموضوعات لاستثارة خيال الأطفال وحب استطلاعهم، كما أن المدرسين في هذه التربية الحديثة يدرسون مع تلاميذهم أكثر من استخفافهم بهم، وبالتالي فإن الطفل سيدفع إلى التعلم إذا نجح المدرس في جعل التعلم خبرة مثيرة نافعة بالنسبة للطفل، وبإيجاز فإن الاتجاهات التي يكونها الأطفال تجاه مدرستهم، والمدى الذي يحققون فيه إمكاناتهم الأكاديمية لا يعتمد فقط على خصائص المدرسة والمنهج الذي ينتمون إليه ولكن بالإضافة يعتمد كذلك إلى أي حد ستكون هذه الخصائص مناسبة مع حاجاتهم وميولهم الفردية. تأثير الآباء: يتقمص الأطفال بسهولة أحاسيس ومشاعر آبائهم عن المدرسة والتعليم، فالآباء الذين يقيمون العملية التعليمية ويحترمون مجهودات مدرسي أطفالهم، يشجعون تكون اتجاهات إيجابية لدى أولادهم، في حين نجد الآباء الذين يصغون أو يقللون من أهمية التعليم ويتفاخرون كذلك أنهم تمكنوا من بناء كثير من الإنجازات والأعمال بدون تحصيل قدر كبير من التعليم غالبًا ما نجدهم يشجعون الاتجاهات السلبية عند أطفالهم. وبصورة مماثلة نجد الآباء الذين يتكلمون بمدى أهمية التعليم ولكنهم لا يظهرون أي ميل نحو القراءة والتعلم أو المناقشات العقلية قد لا يشجعون على تنمية اهتمام أولادهم إلى المدرسة، وكما نعلم فإن الأطفال يميلون إلى عمل ما يعمله الآباء بالفعل أكثر مما يقولونه. وبواسطة استخدام الدراسات الطولية في نمو الأطفال والتي أجراها معهد Fels بفرجينيا، نجد هذه الدراسات تشير إلى العلاقة الإيجابية بين كيفية إحساس الآباء بتعليم المدرسة وكيفية استجاباتهم للخبرات التعليمية لأطفالهم بالمدرسة الابتدائية، فكلما ازداد تقييم الآباء لإنجازات أطفالهم العقلية، كلما كانوا أكثر مشاركة في النشاطات العقلية معهم, وتشير الدلائل أن الآباء عادة ما يضعون مستويات عالية لإنجاز الأولاد عن البنات أي أن الآباء يميلون إلى تقبل الأداء الأقل من البنات أكثر مما يتقبلونه من الذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 تشير نتائج دراسات Crandell وآخرين "64، 1972" إلى هذه الاختلافات الجنسية لمقوليات دور الجنس، مثال أن الأولاد الذكور يجب أن يكونوا أكثر اطلاعًا وتكريسًا للكتب العلمية من البنات، كما تشير مقوليات دور الجنس التقليدية كذلك، إن الأداء المدرسي الجيد يكون أكثر أهمية بالنسبة للذكور عنه ما للإناث في المدى الطويل، حيث إن الذكور هم الذين يؤهلون للارتزاق وكسب العيش ونتيجة لذلك، نجد الآباء يهتمون بالأداء المدرسي المرتفع بالنسبة للذكور. والطبقة الاجتماعية للأسرة تميل كذلك إلى أن تكون عاملا يؤثر في اتجاهات الأطفال نحو المدرسة، فآباء الطبقة العالية والمتوسطة الذين نالوا قسطًا من التعليم ينظرون إلى المدرسة كوسيلة للإعداد النفسي والاجتماعي والمهني، وعلى ذلك فإننا نجدهم غالبًا ما تكون اتجاهاتهم إيجابية عن المدرسة ويتابعون بشوق ما يفعله أولادهم في المدرسة، حيث يتناقشون مع ما أخذه أولادهم في المدرسة ويقيمون إيجابيًا ما درس ويكافئون أولادهم على إنجازاتهم العلمية, وقد ينظر بعض الآباء خاصة من الطبقة الكادحة إلى التعليم على أنه ليس شيئًا ضروريًا ويعتبرون انتماء أطفالهم إلى المدرسة كمطلب قانوني، وعادة ما يكونوا أقل ميلا في مناقشة أولادهم في النشاطات المدرسية، وكذلك أقل تقييما لإنجازات أولادهم العلمية. وعلى ذلك فإن أطفال الطبقات المنخفضة قد يكون لديهم ميلًا إيجابيًا أقل نحو المدرسة، ويكونون أقل تأثيرًا بالمدرسة من أطفال الطبقة المتوسطة أو العالية، ولذلك فإننا نجد أن المدرسة قد ينظر إليها كبيئة عدوانية خاصة في الطبقات المنخفضة أو الأحياء المتخلفة ويرجع ذلك في المقام الأول إلى اتجاهات الآباء في ذلك, فالأطفال الذين يمكن وصفهم بالحرمان أو التخلف الثقافي Culturally Disadventaged عادة ما يتوقع المدرس الشيء القليل منهم ويؤدي ذلك إلى إعطائهم اهتمامًا وتدعيمًا أقل من الأطفال الآخرين. كما أن آباء الطبقة الواحدة قد يختلفون في اتجاهاتهم نحو المدرسة، وبالتالي ينقلون اتجاهات مختلفة كلية إلى أطفالهم، فلقد وجد Greenberg؛ "1972" اختلافات كثيرة بين آباء الطبقة الواحدة، فقد لاحظ أداء جيدًا لتلاميذ الصف الخامس الابتدائي من الزنوج، ومجموعة أخرى متشابهة من الأطفال الزنوج كانت ذات أداء ضعيف، وتشير نتائج الدراسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 أن الآباء الزنوج للمجموعة الأولى كانوا أكثر ميلا لتعليم أبنائهم، وأكثر اطلاعًا بنظام المدرسة، ويعتبرون أن المدرسة الثانوية تمهيدًا وإعدادا للدراسات الجامعية، بالإضافة إلى أنهم كانوا أكثر ميلا للقراءة ولديهم أماكن مناسبة للاستذكار داخل منازلهم إذا ما قورنوا بآباء الأطفال ذوي الإنجاز الضعيف. كما أن تأثير الإخوة الكبار والكبار المحيطين بالطفل قد يساعدون الأطفال على تكوين مشاعر إيجابية نحو المدرسة بغض النظر عن اتجاهات آبائهم, وعلى ذلك فالتنبؤ بأن أطفال المدرسة من الطبقة الأدنى سوف يكون آدائهم أضعف من الأطفال الآخرين مما لا شك فيه يكون تنبؤا ذاتيا ويعمل على تقليل الفرص المعطاة لهؤلاء الأطفال. إحساس الكفاية أو الدونية: أثناء سنوات ما قبل المدرسة نجد الأطفال يسعون إلى السيطرة على مهاراتهم الحركية والاجتماعية التي يحتاجونها في التعامل مع البيئة المحيطة بهم، فكلما أصبح الأطفال أكثر استقلالية وأكثر نضجًا معرفيًا، وتطبيعًا اجتماعيًا أثناء سنوات المدرسة الابتدائية فإننا نجد سعيهم هذا ونضالهم عادة ما يستبدل بتوجيه أكثر تركيبًا متضمنا إنجاز أهداف مستقبلية معينة، والميل للمناقشة وتكوين أحاسيس الكفاية بمهاراتهم المكتسبة وقدرتهم على التعامل مع المواقف الجديدة. ويشير أريكسون Erikson؛ "1963" أن سنوات المدرسة الابتدائية هي الفترة التي يكون أثنائها الأطفال إحساس الكفاية أو إحساس الدونية Inferioeity & lndustry فكلما دعمت دافعية الإنجاز عند الأطفال، ودعم إحساسهم بالكافية عن طريق أنواع من النجاحات، فإنهم سينمون إحساس الكفاية والإنتاجية، وهو الشعور الذي يمكنهم في مجابهة التحديات التي تواجههم، ومن جانب آخر فالأطفال إن خبروا الإخفاق أكثر مما يخبروا النجاحات، نجدهم يميلون إلى تكوين الإحساس بالدونية، وهو بمثابة إحساسهم بعدم القدرة على مجابهة التحديات التي تواجههم في عالمهم المحيط بهم. ويستطرد أريكسون بقوله أن الآباء يلعبون دورًا هامًا في تحديد ما يستشعر به أولادهم سواء كان ذلك بالكفاية أو الدونية، فتأييد الآباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 لأطفالهم بالحب والإعجاب، وإتاحة الفرص أمام الأطفال في اللعب وعمل بعض الأعمال مع تعبير الآباء بالإعجاب بما يمكن أطفالهم فعله، يميل هؤلاء الآباء إلى تدعيم أحاسيس الكفاية والإنتاجية لدى أطفالهم، ومن جانب آخر نجد الآباء الذين يصغرون ويقللون من مجهودات أطفالهم في عمل ثمة أشياء كتصليح عجلة مثلا أو بناء نموذج طائرة معينة، ويميلون إلى تدعيم إحساس الدونية لدى أطفالهم، كما أن الآباء الذين لا يشجعون الأبناء الصغار على عمل بعض الأعمال المنزلية يوبخونهم قد يدعمون إحساس الدونية لديهم. ويشير أريكسون أن بعد دخول المدرسة نجد أحاسيس الأطفال بالكفاية أو الدونية سوف تتأثر بمقارنة قدراتهم بعضهم مع البعض الآخر، وكذلك سوف تتأثر بواسطة استجابات مدرسيهم، فالخبرات المدرسية الإيجابية يمكن أن تفوق في الأهمية خبرات المنزل السلبية، والعكس يمكن أن يحدث كذلك، كما أن الفشل المدرسي يمكن أن يبطل مجهودات الوالدين في تدعيم أحاسيس الكفاية والجدارة لدى أطفالهم. تأثير قدرات الطفل: ينظم الأطفال في بعض الأحيان تبعًا لمواهبهم في جوانب مختلفة في الفصول الدراسية، فالأطفال الأذكياء داخل الفصل الدراسي عادة ما يحصلون على درجات أعلى من أقرانهم، كما يمكن أن نتوقع أي التلاميذ سوف يحصل على المركز الأول وأيهم سيكون في المراكز الأخيرة، أو عندما نوجه أسئلة في دروس الموسيقى أو الرياضيات أو اللغة، يمكن التنبؤ من سيكون أسرع في حل هذه التساؤلات, وعادة ما نجد تلاميذ المدرسة الابتدائية يقارنون ما لديهم من ميول وقدرات بما عند زملائهم داخل الفصل الدراسية، وعمومًا فإننا نجد أثناء سنوات ما قبل المدرسة عادة ما تنشأ اتجاهات الذات الإيجابية من إحساس الإنجاز الذي يشعر به الطفل, ففي تمكنه لمهارات جديدة بغض النظر عما يستطيعه الأطفال الآخرين، إلا أننا نجد أثناء سنوات الطفولة الوسطى عملية المقارنة الاجتماعية، تصبح العامل الأساسي في تحديد القيمة التي يضعها الأطفال لذواتهم، ويشير كل من Coopers Mith؛ "1967"، Veroff "1969" أن أحاسيس الجدارة والكفاية في هذا السن تعتمد بصورة أقل على ما يستطيعه الأطفال حقيقة، حيث أن إدراكهم لأنفسهم بأنهم قادرون أو أقل قدرة عن أقرانهم يعتبر العامل الرئيسي في تكوين هذه الأحاسيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وبسبب الحساسية العالية لأطفال المدرسة الابتدائية في المقارنة الاجتماعية، فإننا نجد أحاسيسهم العلمية أو الأكاديمية، ستعتمد على المستوى العقلي العام لرفاق فصولهم الدراسية، فالأطفال ذوي الذكاء العادي الذين يتواجدون مع أطفال آخرون أقل ذكاء قد يخبرون إشباعًا أكاديميًا، في حين نجد الأطفال المتوسطين الذين يتصادف التحاقهم بمدرسة أو فصل للمتفوقين عقليًا قد يخبرون عائقًا كبيرًا وإخفاقًا لمجهوداتهم العملية, كما أن اتجاهات الأطفال عن ذواتهم تتأثر كذلك بواسطة تقييم نشاطاتهم عن طريق زملائهم، فمثلا إن كان طفل ما ينتمي لجماعة أقران تقييم الألعاب الرياضية ويستطيع اللعب معهم ومجارتهم في قدراتهم فإن هذا قد يسهم في مفهومه الإيجابي عن ذاته. كما أن الأطفال الذين لديهم بعض المواهب عادة ما يجدون التقدير سواء من آبائهم أو مدرسيهم أو أقرانهم، كما أن الخبرات المدرسية تدعم هذه الأحاسيس لديهم، ومن جانب آخر فإن الأطفال غير الرياضيين، وغير الأذكياء قد يجدون من الصعب استخلاص الإشباع من مجهوداتهم وبالتالي نجدهم ينمون إحساسا متزايدا بالدونية نتيجة لخبراتهم المدرسية. تأثير المدرس: عادة ما يكون المدرسون في وضع متفرد لكي يزيدوا دافعية الإنجاز لدى تلاميذهم إلى حدها الأقصى، بالإضافة إلى أحاسيس الكفاية والجدراة ويكون ذلك عن طريق تشجيع التلاميذ ومكافأة مجهوداتهم واستثارة ميولهم في التعلم، وأن يقللوا وبقدر الإمكان من أوجه القصور والإخفاق، فالمدرس الذي يكون لديه الميل لمهنته، ولديه الحساسية في إدراك قدرات التلاميذ وميولهم عادة ما يقوي ويدعم إحساس الطفل بقدراته وكفاءته. ونقيض ذلك يساعدهم على تدعيم إحساس الدونية وعدم الكفاءة، كما أن المدرسين يعملون كنماذج تنسخ بواسطة تلاميذهم أثناء تعاملهم بعضهم مع البعض، فالأطفال الذين يلاحظون المدرس يثني ويشجع طفلا معينًا يميلون إلى معاملة هذا الطفل بنفس الطريقة، ويستطرد Proshansky؛ "1969" بقوله: إن الأطفال الذين يكونون موضع سخرية المدرس، يميل التلاميذ إلى أن يعاملونهم بنفس هذه المعاملة. وتشير نتائج دراسات أخرى مثل دراسة Crandell؛ "1962"، وأندرسون Anderson & Others؛ "1966" إلى نفس النتائج، فمثلا تشير الدراسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الثانية أن سلوك المدرس يمكن أن يؤثر بصورة ذات دلالة على اتجاهات التلاميذ بالإضافة إلى أداء أطفال المدرسة الابتدائية، فالمدرسون الذين يقدرون تلاميذهم ويعطونهم درجات عالية لأعمالهم المدرسية عادة ما يتوقع من هؤلاء الأطفال أن يتقدموا من الناحية العقلية، كما أنهم سيبذلون الجهد في إنجازاتهم العلمية، وعلى نقيض ذلك نجد المدرس الذي لا يقدر التلاميذ وعادة ما يعطيهم درجات ضعيفة يؤدي إلى تنمية محاولات إنجازية وأضعف. ويجب أن نضع في اعتبارنا، أن ذلك يعتبر بمثابة تعميمات، إلا أننا نجد أن بعض التلاميذ وبسبب نماذج شخصياتهم قد يتأثرون ويحفزون إلى الأداء المدرسي الأحسن بواسطة انتقاد الأخطاء التي وقعوا فيها، وذلك أكثر من المديح أو الثناء على إنجازاتهم، إلا أن غالبية التلاميذ الصغار والكبار كذلك يتوقع أن يظهورا اتجاهات أكثر إيجابية نحو ذواتهم وأن يحرزوا تقدمًا أكبر في المدرسة عندما يكون لمدرسيهم اتجاهات مختلفة نحو تلاميذهم داخل الفصل الدراسي، ولقد تمكن سيلبرمان Silberman؛ "1969" من التعرف على أربعة اتجاهات متميزة لدى المدرسين وذلك بواسطة سؤال المدرسين بعض الأمثلة القصيرة عن تلاميذهم، وهذه الاتجاهات الأربعة يمكن إيجازها فيما يلي. أ- الارتباط أو المودة Attached: ويتمثل في مدى رغبة التلاميذ في الاحتفاظ بمدرسهم لسنة أخرى لأنه عادة ما يكون مصدرًا للإشباع والابتهاج لهم. ب- اللامبالاة Indiference: لا يهتم هذا النمط من المدرسين بالتلاميذ، سواء حدث لديهم تقدم أو لم يحدث، وعادة ما يكون غير مهتمًا بعمله المدرسي. جـ- التعلق أو الاهتمام Concern: عادة ما نجده يركز على أطفال معينيين ويتجاهل الآخرين في معاملته لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 د- النبذ Rejection: عادة ما نجد هذا النمط من المدرسين ذو أحاسيس سلبية نحو مهنة التعليم، وعادة ما يتجاهل مشاعر تلاميذه. ولقد وجد سيلبرمان أن هذه الاتجاهات ترتبط بنماذج معينة في تفاعل المدرس بتلميذه، والجدول رقم "1" يلخص تلك النتائج. إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وعلى الرغم من أن كثيرا من اتجاهات المدرس تكون نتيجة الكيفية التي يؤدي بها التلاميذ الأعمال المدرسية، إلا أن اتجاهات المدرس تؤثر في شعور الأطفال واتجاهاتهم عن المدرسة، فسلوك المدرس قد يحفز التلاميذ على الأداء الجيد أو قد يحفزهم إلى عكس ذلك، وتشير الدلائل أن بعض الأفعال المعينة من جانب المدرسين قد تؤثر في التلاميذ وتوحي لهم بالأداء الضعيف أو بالأداء الجيد، فعدم إعطاء المدرس الوقت الكافي للتلميذ للإجابة وعدم الانتباه إلى بعض التلاميذ، وتحديدهم بأماكن في أول الفصل أو الصفوف الأولى والصفوف الأخيرة من الفصل الدراسي، كل هذه الأعمال توحي للتلميذ بمستواه عند المدرس. وعمومًا فلقد أشارت نتائج دراسة Rosenthal & Jacobson إلى تأثير توقعات المدرس في أداء التلاميذ، حيث أخبر بعض المدرسين أن لديهم تلاميذ أذكياء داخل فصولهم وتم اختيارهم عشوائيًا من فصول هؤلاء المدرسين، وفي نهاية العام الدراسي وجد أن هؤلاء التلاميذ قيموا بواسطة المدرسين بأنهم لافتون للنظر من الناحية العقلية عن باقي التلاميذ الذين لم يكن لدى المدرسين أي توقعات بالنسبة لهم. وجدير بالذكر، فإننا مازلنا في حاجة إلى دراسات أخرى توضح كيفية تأثير توقعات المدرس في رفع أو خفض إنجازات تلاميذه، ومع ذلك فإن ذلك يعتبر دليلا على تدعيم تنبؤات الكفاية الذاتية في السلوك الإنساني، بمعنى حدوث الأشياء بسبب توقع حدوثها، ومن الممكن جعل هذه الأماكنية بمثابة اهتمام تقليدي في المنهج وطرق التدريس العلمية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق أثناء سنوات المدرسة الابتدائية، نجد تفاعلات الأطفال مع أقرانهم تكون ذات أهمية متزايدة في حياتهم، وكنتيجة لهذه التفاعلات نجدهم يكونون مدركات جديدة، لذواتهم، ويصبحون مهتمين بمدى شعبيتهم بين جماعة أقرانهم، كما ينمون الاتساق مع الآخرين أو يطورون طرقًا جديدة للتعامل مع الناس، كما يخبرون شعور الانتماء الاجتماعي أو الانعزال الاجتماعي أو الشعور بالغربة، ومما هو جدير بالذكر فإن هذه الأحداث في العلاقات الشخصية المتبادلة تترك آثارا متعذرة الإلغاء على خصائص شخصية الأطفال، وتستمر معهم في مراهقتهم، كما أنها قد تنتقل معهم في سنوات رشدهم. إدراك الذات والشعبية: يصبح تلاميذ المدرسة الابتدائية على دراية شديدة بخصائص كل منهم العقلية والجسمية والشخصية, كما تتعرف جماعة الرفاق سريعًا على أعضائها تبعًا لبعض السمات البارزة الواضحة, وتظهر عادة تقييمات صريحة لأطفال المدرسة الابتدائية ينعتها كل منهم على الآخرين، فالألقاب أو الصيغ المحببة للأسماء، والاسم الذي يستدعي بعض السخرية مثل "الأحمر، الثمين، أربعة عيون، النمشي, الذكي، طفل مدلل للمدرس" وهكذا. وبسبب أن الأطفال عادة ما يقضون في مدرستهم وقتًا طويلا بعضهم مع البعض الآخر، فإنهم غالبًا ما يرون ذواتهم من خلال أعين زملائهم وتشير نتائج دراسة Bradley & Others "1975" إلى العلاقة الوثيقة بين مفهوم التلاميذ لأنفهسم ومفهوم زملاء الفصل الدراسي عنهم. وبالإضافة إلى استخدام تلميذ المدرسة الابتدائية لجماعة الرفاق كمرآة يرى فيها نفسه، فإننا عادة ما نجد جماعة الرفاق تربط قيما معينة إلى سمات أعضائها، وبالتالي تحدد مراكز كل منهم، وعلى الرغم من أن هذه السمات تختلف تبعًا للعمر الزمني، والجنس والطبقة الاجتماعية لجماعة الرفاق، إلا أننا نجد أن بعض السمات تؤدي إما إلى التقبل والشعبية أو إلى الرفض والنبذ, وتشير دراسة Tuddenham؛ "1951" إلى أهم السمات لتلميذ المدرسة الابتدائية التي تؤدي إلى تقبله أو رفضه داخل جماعة الرفاق، ويمكن إيجازها فيما يلي. أولًا: الأطفال الذين يكون لهم شعبية بين رفاقهم، يميلون إلى أن يتسموا بالود والاجتماعية والانبساطية، والمشاركة في كثير من نشاطات الجماعة, ويستجيبون لمعايير الجماعة السادئة، كما أنهم يعاملون الأفراد ويستجيبون لمعايير الجماعة وذوي حساسية لحاجاتهم كما أن الأطفال الذين يتمسون بالشعبية عادة ما يكونون أكثر تكيفًا من الناحية النفسية، كما يأتون من بيوت لا يسودها التوتر، وعادة ما يكون آبائهم على علاقة طيبة سارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 معهم، وعلى نقيض ذلك نجد الأطفال غير الشعبيين يميلون إلى الخجل والانسحاب، ويبتعدون عن نشاطات الجماعة وتتسم معاملتهم لرفاقهم باللامبالاة، والحساسية العالية، ويتصف سلوكهم بالعدوانية، وعادة ما يكونون منبوذين، ولديهم مشكلات سلوكية كما يكونوا غير مشبعين أو متوافقين سواء في المنزل أو المدرسة. ثانيًا: وتشير نتائج الدراسة السابقة أن الأطفال الذين يتسمون بالشعبية عادة ما يكونوا أذكياء ومبتكرين، كما أن مستوى تحصيلهم الدراسي أعلى من المتوسط، ويبدون مواهب متعددة "خاصة القدرة على أداء الألعاب الرياضية"، كما أن الأطفال الذين لا يتسمون بالشعبية عادة ما يكونون أقل ذكاء، أقل من ناحية التحصيل المدرسي، وأقل موهبة من الآخرين. ثالثًا: وتشير نتائج دراسة Staftieri؛ "1967" أن البنية الجسمية للأطفال يمكن أن تؤثر على شعبيتهم، حيث أشار تلاميذ الصف الأول الابتدائي إلى تفضيلهم الأطفال الذين يكونون ذوي بنية عضلية قوية أكثر من تفصيل الأطفال النحاف الضعاف. وعمومًا فإننا يجب أن نكون على انتباه في التعرف على وجود التفاعل الجوهري بين ما يحبه الأطفال وبين شعبيتهم, فإن خصائص شخصية الأطفال لا تؤثر فقط على شعبيتهم، ولكن مركزهم الاجتماعي بين الرفاق يؤثر كذلك في مدى حب الآخرين لهم، وكيف يراعون حقوق ومشاعر الآخرين وكيفية تفاعلاتهم ونشاطاتهم في المواقف الاجتماعية، وبمعنى آخر فإن المركز الاجتماعي المرتفع يمكن أن يكون سبب شعبيتهم، بالإضافة إلى كونه نتيجة للسلوك الاجتماعي التكيفي، ومن السهل على الأطفال أن يتصفون بالاجتماعية والاسترخاء عندما يشعرون بالتقبل ويحسون بحب جماعة الرفاق لهم، وعلى نقيض ذلك عندما يشعرون بالنبذ وعدم التقبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 التفرد والتماثل وطرق أخرى للتعامل مع الأشخاص: إن الطرق التي يتعلمها الأطفال للتعامل مع الآخرين وفي التماس تقبل الرفاق لهم غالبًا ما يبقى جزءًا مكملا لشخصياتهم، فأطفال المدرسة الابتدائية الذين يتسمون بالثقة والاستقلالية وتقدير الذات عادة ما نجدهم يتحركون بصورة سهلة في علاقاتهم الشخصية المتوصلة مع الآخرين حيث يشعرون بالراحة في المواقف الاجتماعية وتتصف علاقاتهم الشخصية المتداخلة بالمرونة مع أنماط مختلفة من الأفراد وفي نفس الوقت نجدهم يحتفظون بتفردهم الذي يميزهم عن الآخرين مع تكييف اتجاهاتهم وأفعالهم لكي تتوافق مع الميول والاتجاهات السائدة لجماعة الرفاق. وتشير دراسة Castanzo وآخر "1966" لعملية التماثل والتفرد لأطفال المدرسة الابتدائية، إلى أن أطفال الصف الأول إلى الصف السادس الابتدائي عادة ما يكونون متأثرين بصورة كبيرة بآراء رفاقهم، كما أن تأثير جماعة الرفاق ترتفع في سنوات المدرسة المتوسط "الإعدادية" والثانوية، وبعد ذلك تنخفض أثناء المرحلة الجامعية؟ والشكل رقم "2" يوضح نتائج هذه الدراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 يوجد سكنر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وعلى الرغم من أن كثيرا من دراسات سيكولوجية النمو تشير إلى أن فترة المراهقة تعتبر ذروة العمر الزمني الذي يحدث فيه التماثل والاتساق مع جماعة الرفاق، إلا أن دراسة كوستانزو Costanzo؛ "1966"، ودراسات أخرى أجراها McConnell؛ "1963", Alen & Others؛ "1972" أشارت إلى أن التماثل والاتساق مع جماعة الرفاق يصل إلى حده الأقصى أو إلى ذروته بنهاية سنوات المدرسة الابتدائية ويبدأ في النقصان بعد هذا السن وثمة أشياء قد تشير إلى تماثل جماعة الرفاق بعضهم مع البعض الآخر كتاشبه ملابسهم وأذواقهم وميولهم للموسيقى أو الرياضة قد تعطي الانطباع بأن جماعة المراهقين يكونون ملتزمون بصورة صارمة لمعايير الجماعة، إلا أننا نجد فيما يتعلق بأفكارهم ومشارعهم وأفعالهم حقيقة ما تكون أكثر تفردية من الأطفال الصغار، كما أن تأثرهم بالأحداث والأشخاص خارج جماعة رفاقهم عادة ما يكون بصورة أكبر مما نجده لدى أطفال فترة الطفولة الوسطى. وعمومًا فإن تأثير جماعة الرفاق على أطفال المدرسة الابتدائية عادة ما نجده يعتمد على عديد من العوامل يمكن إيجازها فيما يلي: أولا: كلما ازداد الوقت الذي يقضيه الأطفال بعضهم مع البعض في اللعب وتنظيم ونشاطات المدرسة الفصل الدراسي كلما ازداد تأثيرهم بعضهم على البعض الآخر. ثانيًا: كلما كان الارتباط بين الأطفال وآبائهم ضعيفًا، كلما كانوا أكثر ميلا في نسخ الأنماط السلوكية التي يرونها داخل جماعاتهم. ثالثًا: كلما تبوأ الطفل مركزًا مرموقًا داخل جماعة الرفاق وشعر بتقدير الآخرين لذاته كلما كان تأثيره على الجماعة وسلوكها أكثر من الأطفال ذوي المراكز العادية أو الأدنى، كما أن الأطفال ذوي المراكز، المنخفضة يكونون أكثر تأثيرًا بجماعة الرفاق عن الأطفال الذين يتسمون بالشعبية بين أقرانهم. رابعًا: كلما كان الموقف الذي يحتوي الجماعة غامضًا ملتبسا عليهم كلما كان الأطفال أكثر تأثرًا في أنماط استجاباتهم بالاتفاق الجماعي في آرائهم لجماعة الرفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وجدير بالذكر فإننا نجد معظم أطفال المدرسة الابتدائية عادة ما يمكنهم التوحد بمرونة وبطرق فردية للارتباط بالآخرين لكي يحدثوا الاتساق والتماثل لجماع الرفاق، ومع ذلك فبالنسبة للتلاميذ الذين لم يهيئوا بصورة مناسبة للتعامل بفعالية مع جماعة الأقران عادة ما نجد هذه الفترة بداية لظهور نماذج من العلاقات الشخصية المتبادلة غير المرنة، ويحاول الأطفال تعويض مشاركتهم المنبوذة من جماعة الأقران عن طريق أداء أدوار اجتماعية غير متكيفة، كالعنف والصرامة وتصل إلى السلوك المحطم للذات، وكثيرا ما نرى لديهم نماذج شخصية غير تكيفية مثل النموذج المتنمر "الشخص المستأسد على من هم أضعف منه"، والنموذج المهرج Buffin, والمتملق بتذلل Bootlicker، وكذلك الراشد الزائف Pseudo Adult. فالشخصية المتنمرة "المستأسدة على من هم أضعف" عادة ما يبحثون عن الأطفال الأصغر الذين يمكن السيطرة عليهم، يرهبونها بالعبوس والصياح، وعن طريق ذلك ينفسون عن مشاعرهم الخاصة بعدم الملاءمة أو عدم الكفاية الذين يحسونها عندما يتواجدون مع أطفال في مثل أعمارهم الزمنية أو في مثل أحجامهم، والشخصيات المضحكة المهرجة عادة ما يتسمون بالفظاظة ويلعبون بسذاجة, حتى يكسبوا انتباه رفاقهم، ويعتقدون أنهم بدون عمل ذلك، فإن الرفاق يتجاهلونهم كليًا، والشخصيات المتملقة بتذلل عادة ما تستخدم الإطراء والمداهنة والاستسلام والرشاوي المفرطة في محاولة منهم لشراء "الصداقة" من رفاقهم ويعتقدون أنهم لا يستطيعون الحصول عليها بدون ذلك، وكل من الشخصيات المهرجة المضحكة، والمتملقة بتذلل عادة ما يرغبون في تحمل الإهانة والمعاملة السيئة كثمن للهروب من تجاهل الرفاق لهم ويتحملون المعاملة المهينة بطيب نفس كعلامة مميزة في كونهم ملاحظين داخل جماعة رفاقهم، ومن جانب آخر نجد شخصيات الراشد الزائف أو الكاذب عادة ما تقوم وتزدري جميع الوسائل السابقة، وهؤلاء الأطفال عادة ما يجرون صداقات مع آبائهم ومدرسيهم أكثر من صداقاتهم مع جماعة الرفاق, فنجدهم قد يحترمون الكبار، مظهرًا للاستقرار الانفعالي، إلا أن ذلك يتضمن مظهرا كاذبا لقناع يحجب عن العيان عدم نضج هؤلاء الأطفال الانفعالي وعدم قدرتهم أساسًا في الأخذ والعطاء مع رفاق سنهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ومما يجدو الأشارة إليه فإن هذه النماذج الأربع لعدم تكييف الأطفال يمكن أن نجدها كذلك عند الراشدين الذين يستأسدون أو يتصفون بالفظاظة أو بالتهريج أو التملق للحصول على كسب ما أو أن يبقوا بعيدًا بمعزل عن الآخرين وذلك لإحساسهم بعدم القدرة على التقبل والاحترام داخل صداقات متبادلة غير زائفة. أحاسيس الانتماء والاغتراب: الخبرات الشخصية لمرحلة الطفولة تعتبر بمثابة عاملا هامًا في تحديد ما إذا كان الطفل سينمي إحساس الانتماء أو إحساس الغربة فصداقات سنوات المدرسة الابتدائية تمكن الأطفال من الشعور بالانتماء إلى مجتمع يمتد إلى ما وراء عائلاتهم أو أسرهم وعادة ما يدعم هذا الإحساس كلما بدأ الأطفال في الاشتراك داخل نشاطات متنوعة في الجيرة والمجتمع سواء كان ذلك في النوادي أو الجمعيات المختلفة وهذه النشاطات داخل تلك الجماعات تساعد الأطفال على إدراك أنهم جزء من مجتمع أوسع. ومن جانب آخر فإن الأطفال الذين لا يحدث لهم تقبل داخل جماعة رفاقهم وتكون لديهم فرصًا محدودة للاشتراك في جماعات الجيرة أو المجتمع غالبًا ما يشعرون بالغربة عن المجتمع, وتشير دراسات كل من Keniston؛ "1965". M. Mead؛ "1970" إلى أن الاغتراب مشكله أساسية من مشكلات المراهقة وليست من مشكلات الطفولة إلا أن الاغتراب عادة ما يبدأ أثناء سنوات الانتقال لمرحلة الطفولة الوسطى وإحساس الطفل بأن المجتمع المحيط لا يوفر له فرص الاشتراك في نشاطات اجتماعية منظمة خلاقة, وعمومًا فأننا نجد اغتراب المراهق غالبًا ما يعزى إلى عدم قدرته على معارضة أو إقرار قيم المجتمع من حوله في حين نجد الاغتراب الرئيسي للأطفال الصغار عادة ما يكون نتيجة عدم توفير الفرص غير المناسبة لتعلم قيم الكبار من حوله أو حتى وجود مجتمع أكبر والذي يجب أن يكونوا جزءا منه وعمومًا سوف نلقي الضوء على مشكلة الاغتراب بشيء من التفصيل في نهاية هذا المؤلف. التغيرات في بناء جماعة الأقران: إن علاقة جماعة الأقران أثناء مرحلة الطفولة الوسطى عادة ما تصبح متماسكة منظمة متمسكة بأداء السلوك والشكليات فالأطفال ما بين 6-8 سنوات يرتبطون بعضهم البعض في جماعات لعب غير ثابتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 العضوية وبدون قواعد أو مبادئ فالجماعة عادة ما تتكون عن طريق الصدفة متضمنة الأطفال على جانبي الشارع مثلا أو على الناصية في وقت معين, ولا توجد علاقة بين أفراد هذه الجماعة، وعادة ما يقصد بهذه الجماعة اللعب والتسلية في اللحظة الحاضرة, إلا أننا نجد أن ما بين سن 10-11 سنة ينمو التماثل والانسجام بين أطفال سن المدرسة وينتج عنه تنظيمًا أكثر تماسكًا داخل جماعة الرفاق، كما أن نضجهم المعرفي يؤدي إلى التركيز وبصورة أكبر على نشاطات الجماعة المتركزة الهادفة، فهذه الجماعة عادة ما تتجمع حول اهتمامات نوعية مشتركة وأحداث مخططة، فهم مثلا يتجمعون للذهاب إلى النادي أو إلى السينما، أو لإقامة شعائر ترفيهية أو دينية، أو ممارسة هوايات معينة كاللعب أو الذهاب إلى نزهات أو سفريات، أو إلى مصانع الحلوى، وينمون عضوية ثابتة مع كل عضو يتوقع أن يشترك في نشاطات الجماعة، وعادة لا يرحب بالفرد الذي لا يكونون عضوًا داخل الجماعة. ويسهم الكبار في المجتمع في ازدياد النشاطات البناءة والتظيمات التي يكونها أطفال المدرسة الابتدائية عن طريق تدعيم تلك النشاطات في الأندية والمعسكرات المختلفة, وغالبًا ما يكون لهذه الجماعات عديدًا من الفوائد في تعليم الأطفال مهارات معينة ومساعدتهم تعلم العمل مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة، ويعرضونها على نماذج من الراشدين غير المدرسين والآباء, ومع ذلك فيجب أن يتجنب الراشدون الموجهون لتلك النشاطات السيطرة والهيمنة, أو أن يقوموا بتنظيم الأطفال بصورة صارمة شديدة, فعندما يتحكم الراشدون من حولهم في النشاطات التي تروق لهم، نجد الأطفال عادة ما يفتقدون الفرصة في أن يعملوا كأطفال وبالتالي لا يحسون بذواتهم ولا يمكن أن يتعلموا من عمل الأخطاء. الصداقات الحميمة: تغير آخر ذو دلالة ومعنى يحدث في بناء العلاقات الشخصية المتبادلة أثناء مرحلة الطفولة الوسطى، فالأطفال ينتقلون من الصداقات العامة بينهم إل نمط الصداقة الحميمة بين اثنين من نفس الجنس، ولقد أشار هاري ستاك سوليفان Sulivan إلى دور الصداقات الحميمة في نمو الشخصية حيث اهتم بالعلاقات الشخصية المتداخلة بين الأشخاص وأهميتها في التكيف النفسي والاجتماعي. وعادة ما يكون أصدقاء فترة ما قبل المراهقة من نفس الجنس ومن الصعب التفريق بينهم، فهم يذهبون إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 المدرسة سويًا ويلعبون ويأكلون سويًا وينامون في بيوت كل منهم ويتقاسمون هوايات مشتركة, وكذلك مخاوف مشتركة وعادة ما تكون هذه العلاقات لها الاستمرارية في فترة النمو اللاحقة. والأطفال الذين يحرمون من هذه الصداقات القريبة الحميمة قد يدخلون فترة مراهقتهم بسمات شخصية غير سوية، وبدون أن يخبر الطفل هذا النمط من الصداقات القريبة الحميمة مع زملاء من نفس الجنس قد يكون لديه صعاب فيما بعد لإقامة الصداقات الحميمة مع بعض الأفراد من الجنس المغاير أثناء فترة المراهقة وسنرى تفصيل ذلك في باب المراهقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ثالثًا: هوية دور الجنس عادة ما يرتدي أطفال ما قبل المدرسة "البنين والبنات" ملابس مختلفة، وقد يظهرون بعض الاختلافات في النشاطات المفضلة، ويعملون قليلا من التمييزات بين أنفسهم، ويلعبون سويًا بصورة مشجعة، ومع ذلك فإنه بنهاية السنة السادسة وبداية السنة السابعة تقريبًا نجدهم يميلون إلى تكوين جماعات لعب منفصلة ويعملون تمييزات بين أنماط سلوك كل منهم، وكيف يجب أن يسلك كل منهم, وهذه التغيرات تعكس ثمة حقيقة أنه خلال سنوات المدرسة الابتدائية يبدأ الأطفال تكوين هوية نفسية كأعضاء في جنس معين. وجدير بالذكر فإن أصول هوية دور الجنس تتسم بالتركيب والتعقيد ولم تفهم بصورة كاملة، ومع ذلك فيمكن التعرف على ثلاثة عوامل تلعب دورًا رئيسيًا في هذه العملية النمائية. 1- يشير كل من Maccoby & Jacklin؛ "1974" نتيجة لاستعراضها لعديد من الأبحاث عن الفروق الجنسية، إلى أنه توجد بعض من الاختلافات الولادية بين الذكور والإناث والتي توجد في كل المجتمعات وتكون ظاهرة جلية في مرحلة مبكرة من حياتهما، وكما أشرنا فيما سبق أن الذكور يميلون في أن يكونوا أكثر عدوانية من الإناث. ويميلون كذلك إلى التفرق في القدرات المكانية والعددية في حين أن الإناث عادة ما يتفرقن في القدرة اللفظية، بالإضافة إلى بعض الفروق البيولوجية في القدرات العقلية ونمط الشخصية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 تميل إلى أن تسهم في تنمية شعورًا مختلفًا لهوية دور الجنس بين الذكور والإناث. والعوامل البيولوجية تمدنا بتوضيح محدد لهذه العملية، فالاختلافات البنيوية التي تؤثر على نمو الشخصية، توجد أصلا بين الأفراد أكثر من وجودها بين الأجناس "إناث أو ذكور" وذلك كما يشير كل Burs & plomin؛ "1975"، فمعدل السلوك العدواني قد يوجد بصورة أكبر بين الذكور أكثر عدوانية من كثير من الذكور، وعلى ذلك فإننا لا يمكن أن نعول فقط على العوامل البيولوجية لكي نعلل هويات دور الجنس، ولكن بالإضافة يجب أن نتأمل ونفسر أنواع الخبرات الخاصة التي تتكون عند الأطفال أثناء نموهم. 2- كما أن الاختلافات في كيفية تنشئة البنين والبنات التي يتبعها الوالدان قد تنتج اختلافات سيكولوجية معينة بينهم، فالآباء عادة ما يميلون إلى التعامل واللعب مع ذكورهم بصورة أكثر خشونة عما يفعلونه مع الإناث في مرحلة ما قبل المدرسة، كما يشير هوفمان إلى ذلك Hoffman؛ "1967"، ويارو Yarrow؛ "1972"، بالإضافة إلى أن الآباء عادة ما يعاقبون الذكور جسميًا أكثر من الإناث, وهذا قد ينتج أن يكون الأولاد أكثر خشونة من الناحية الجسمية أثناء ألعابهم ونماذج لعبهم عن الإناث, وتتفق نتائج دراسة Allaman وآخرين "1972"، مع ما سبق الإشارة إليه، كما تشير أن معاملة الآباء لأولادهم الذكور والإناث عادة ما تكون بطرق متاشبهة في كثير من الأمور، حيث نجد الآباء عادة ما يظهرون نفس درجة التعاطف نحو أولادهم سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، كما أن الآباء قد يسمحون ويشجعون كل من الجنسين أن يكونوا في حالة استقلالية, وعمومًا فإن بعض الآباء يعاملون أولادهم سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا تبعًا لميولهم وقدراتهم وليس تبعا لمقولبات جنسية معينة. وجدير بالذكر فإننا مازلنا نلاحظ تناقضا كبيرًا بين مفاهيم الآباء الذين يتسمون بالفكر المفتوح وسعة الأفق، وبين الآباء ذوي الفكر والاتجاهات الصارمة لمفاهيم دور الجنس لأطفال ما قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 المدرسة، ففي إحدى الدراسات التي أجريت بواسطة Looft؛ "1971" على أطفال ما بين السادسة والثامنة من الذكور والإناث، وجه إلى الأطفال سؤالا "ماذا تريد تكون عندما تكبر؟ " وأشار الأولاد الذكور أنهم يحبون أن يكونوا لاعبي كرة، رجال بوليس، طبيب أسنان قسيس، عالم، طيار، رائد فضاء، على الترتيب، وأشارت البنات بأنهن يفضلن أن يكن "مدرسات" ممرضات، ربة بيت، أم مشرفة على منزل، بائعة في متجر، على الترتيب, وكانت من نتائج هذه الدراسة ودراسات أخرى أجريت في نفس المجال أن الأطفال في مثل هذا السن عادة ما يكون لديهم مفاهيم مقولبة لأدوار الجنس والتي تحدد مدى اتساع المهن التي ينظر إليها ومدى تناسبها سواء كانت للبنين أو للبنات. 3- كما أن بعض جوانب هوية دور الجنس تميل إلى أن تكون مكتسبة بواسطة التقليد والتقمص التي ناقشناه في الفصل السابق، فكلما ناضل الطفل أن يكون شبيهًا بأبوه من نفس جنسه فإنه بالتالي ينمي شعورًا أوضح عن كيفية تفكير كل من الإناث، والذكور، وكيف يشعرون؟ وكيف يعملون؟ وتشير نتائج Masters, J وآخر "1976" إلى حيث طلب من أطفال بنين وبنات في سن الرابعة والسابعة والثامنة ترتيب دمى وبعض الألعاب وتصنيفها تبعًا لدور جنس كل مجموعة "بنين أو بنات" وأشارت النتائج أن الأطفال الأكبر سنًا كانوا تقولبًا في وجهات نظرهم، وكانت آراؤهم متفقة بصورة كاملة، في حين وجد الأطفال الصغار لم يكونوا بعد وجهات نظر محددة عن سلوك دور الجنس المناسب. وتشير نتائج هذه الدراسات أن هناك عوامل معينة داخل الأسرة تدعم عملية التقمص وتسهم إلى تكيف نفسي واجتماعي أفضل، وخاصة فإن الأطفال يكون في مقدرتهم تنمية هوية دور الجنس ويكونوا أكثر تكيفًا داخل الأسرة إن كانت الأدوار ثابتة مستقرة في الأسرة بالإضافة إلى وجود تمييز واضح في الأدوار لأفراد الأسرة. وجدير بالذكر فإن كلا من عمليتي التقمص والتقليد قد لا يمكنهما تفسير بعض جوانب هوية دور الجنس لدى أطفال سن المدرسة الابتدائية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 وعمومًا فإننا عادة ما نجد الأطفال يحددون فصلا صارمًا لجماعات لعبهم الخاصة، كما نجدهم في بعض الأحيان يتمسكون بمفاهيم صارمة للأدوار المناسبة، للأولاد والبنات، وقد تكون متناقضة مع النماذج داخل أسرهم فقد أشارت نتائج دراسة كل من ماكجوبي، وجاكلين أن طفلة صغيرة كانت تعتقد بصورة ثابتة، أن البنات يمكن أن يصبحن ممرضات، ولكن الأولاد فقط يمكن أن يصبحوا أطباء، على الرغم من أن أم هذه الطفلة كانت تعمل طبيبة في إحدى المستشفيات. وعمومًا فإن الأطفال عادة لا ينمون هوية دور الجنس في الاستجابة إلى العمليات البيولوجية والتنشئة الاجتماعية، وعمليات التقمص فقط، ولكن كذلك بواسطة مفاهيمهم المشوهة أو المبالغ فيها فيما يمكن للإناث والذكور عمله، بالإضافة إلى ما يجب أن يكونوا عليه، وكما أشار كوهلبرج وآخرون، أن الحكم غير الناضج يظهر في التمسك ببعض المفاهيم ويتساوق مع مهاراتهم المعرفية غير الناضجة. وسعي الأولاد والبنات أثناء مرحلة الطفولة الوسطى للتقرب لجماعة جنسهما، والاشتراك في مقولبات دور الجنس، تعتبر بمثابة عاملا هامًا ووظيفة مؤثرة في نمو الشخصية سواء لبنين أو للبنات، وعلى ذلك فإن الأولاد أو البنات الذين لا يشاركون ويتقاسمون بصورة فعالة نشطة في اهتمامات جماعاتهم من نفس الجنس، أو الذين يقضون وقتًا طويلا مع الجنس الآخر يفتقدون كثيرًا من الفرص لتذويب ذواتهم كأولاد أو كبنات، كما أنهم بالإضافة يميلون إلى المعاناة من بعض سمات الشخصية غير العادية، كالأطفال الذين ليس لديهم أصدقاء مقربون إليهم، وذلك لأن نمو هوية دور الجنس المناسبة تساعد على إعداد الأطفال للعلاقات الجنسية المغايرة أثناء فترة المراهقة. وأطفال المدرسة الابتدائية الذين يقضون معظم أوقاتهم في اللعب مع جماعات من جنس مغاير، قد يجدون من الصعب عليهم أن يغيروا علاقات رفاق اللعب، التي كونوها مع الجنس المغاير داخل العلاقات المستمرة مع الجنس الآخر، كما يمكن أن يكون من الصعب عليهم أن يكونوا صداقات حميمة مع الأفراد الصغار من نفس جنسهم، ففي فترة المراهقة عندما يبدأ زملاؤهم في الذهاب أزواجًا مع أعضاء من الجنس الآخر، فثمة أولاد وبنات يكون لديهم صعاب في إيجاد المكان المناسب لأنفسهم داخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 هذه الجماعات، وقد يستمر بعض من تكوين العلاقات الأفلاطونية مع الصغار من الجنس المغاير، وقد نجد بعضهم لا يكون لديه الشجاعة في تكوين صداقات مع الجنس الآخر، وبالتالي يصبح منعزلا اجتماعيًا. الكمون النفسي الجنسي: يسمي فرويد "1953" فترة الطفولة الوسطى وكذلك سارنوف Sarnoff بفترة الكمون النفسجنسي وعلى الرغم من أن هذه الفترة لا تتضمن فجوة بين الوقت الذي يبدأ فيه الأطفال تشكيل هوية دور جنسهم والوقت الذي يبدءون في إظهار الميل الصريح للجنس الآخر، إلا أن الكثير يحدث في الحياة الجنسية، وفي اتجاهات أطفال سن المدرسة أكثر من التقاء الأعين، ويمكن إيجاز هذه التغيرات النمائية فيما يلي: 1- الملاحظ الجيد يمكنه ملاحظة أن أطفال هذه المرحلة عادة ما يرتدون بتأنق، وعلى الرغم من سخرية الذكور للبنات إلا أنهم يحصلون على متعة وإشباع كبير في عرض أنفسهم بتباهي أمام البنات، كما يسعون للفت أنظارهن بأنماطهم السلوكية، وقد يضايقونهن لجذب انتباههن, والبنات من جانب آخر على الرغم من تظاهرهن بتجاهل الأولاد إلا أنهن يولن الانتباه إلى أنماط سلوكهم الغريبة المهرجة, وعادة ما يستجبن لمضايقتهم بالدموع والشكوى أو الصراخ, أو إلى التأثر منهم، والذي يؤدي بدوره إلى تشجيع مضايقة الأولاد لهن, كما أن البنات يأخذن نصيبهن كذلك من التفاخر, فهن يدركن أن الأولاد يعرفون أن آدائهن أفضل من الذكور خاصة في اختبارات الإنجاز الأكاديمي المدرسي، وهذا التحدي والتفاخر يمكن تلاميذ وتلميذات المدرسة الابتدائية من تأكيد ميولهم في الوقت الذي يكونون مشغولين فيه في بناء هويات دور جنسهم. 2- كما أن أطفال المدرسة الابتدائية عادة ما يفكرون ويندهشون بالأمور الجنسية، فعندما يصل الأولاد إلى سن العاشرة والحادية عشرة، نجد لدهيم حب استطلاع شديد عن النواحي التشريحية الجنسية والفسيولوجية والحمل، والأمراض التناسلية, وبسبب مناقشة هذه الأمور بين أنفسهم فقط ولا يجرءون على أسئلة آبائهم أسئلة صريحة معقدة، فإن الكبار من حولهم بالتالي غالبًا لا يلاحظون الازدياد المفاجئ لميلهم في الأمور الجنسية, ومع ذلك فإن أي فرد يمكن أن يلاحظ كيف أن تلاميذ المدرسة الابتدائية يتجمعون بميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 واهتمام حول تمثال عار في متحف ما، متأملينه ومتلفظين بعضا من الكلمات غير المهذبة واللاذعة وقد يومئ ذلك إلى عدم إشباع حب استطلاعهم الجنسي. وأثناء السنوات الأخيرة من مرحلة المدرسة الابتدائية نجد البنات ينمو لديهن ميل إلى الرومانسية، ويقبلون على قصص الحب في المجلات والكتب والسينما والتليفزيون، كما ينمو لديهن حب رومانسي إلى النجوم، سواء كانوا في السينما أو لاعبي الكرة، وعادة ما يتكلمن عن هذا المحبوب سويًا لساعات ذاكرين جوانبه الإيجابية ونشاطاته ويحتشدون في بعض الأماكن لرؤيته, وعمومًا فإن الكمون النفسجنسي أثناء فترة الطفولة الوسطى عادة ما ينصب على الإرضاء أو السرور على نقيض النشاطات الجنسية الغيرية، كما أن هذا الميل الجنسي الغيري يستمر في النمو بصورة مضطردة أثناء تدرج السنوات الأخيرة من فترة الطفولة الوسطى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 رابعًا: العلاقات الأسرية إن الأهمية المتزايدة للمدرسة، ولجماعات الرفاق أثناء فترة الطفولة الوسطى، لا تقلل من أهمية العلاقات الأسرية، فالبيت مازال المكان الذي يطعم فيه الأطفال ويلبسون ويعنى بهم، بالإضافة إلى أن كثيرا من النشاطات الفردية ونشاطات جماعة أقران أطفال سن المدرسة الابتدائية تحدث كذلك داخل البيت, فقد يلعبون الكرة، ويقيمون نماذج للطائرات، ويقرءون ويشاهدون التيلفزيون، ويلعبون بدماهم أو يلعبون الشطرنج أو ما يستهويهم من ألعاب وهوايات. والأطفال الذين لا يمكنهم التمتع والإشباع أثناء تواجدهم في منازلهم وحول أسرهم، قد يشعرون باضطرابات معينة خاصة في نموهم الاجتماعي, فالأطفال الذين يشعرون بعدم حب آبائهم أو بنبذهم لهم عادة ما ينمو لديهم أحاسيس الغربة أو الاغتراب، وقد ينمون شعورًا شديدًا بعدم وجود جذور لهم Rootlessness وبالتالي يبحثون إلى أي مكان يلجئون إليه لكي يستريحوا ويكون ملاذًا وملجأ لهم، وفي حالات أخرى قد يمنع الطفل من دعوة أصدقائه بالمنزل وبالتالي قد يشعر الطفل بأنه شخص من الدرجة الثانية بين أصدقائه وذلك لأنهم دائمًا ما يلعبون في بيوت أخرى غير بيوتهم مع زملائهم إلا أنهم يشعرون بعدم قدرتهم على دعوة زملائهم بمنزلهم. وفي إحدى دراسات Level, I وآخر "1974" عن التكيف بين أطفال المدرسة الابتدائية, أشار إلى أن الأطفال الذين تعرضوا إلى بعض من الاضطرابات الشديدة، في منازلهم كانوا أكثر ميلا من أقرانهم للاضطربات السلوكية، وعادة ما يطلبون مساعدة الأخصائي النفسي. ولحسن الحظ فإن معظم الأسر تتسم بالاستقرار إلى حد كبير، وبالتالي يكون الآباء والأبناء قريبين نفسيًا، ومدعمين بصورة متبادلة كل منهما للآخر, ومع ذلك فإن كل من الآباء وأطفال فترة الطفولة الوسطى يجب أن يعيدا النظر في أساليب تكيف كل منهما للآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 خامسا: الآباء لطفل المدرسة ... خامسا: تكيف الآباء لطفل المدرسة بمجرد أن يبدأ الطفل المدرسة، يجب على الآباء أن يتفهموا التحول الشديد في استقلاليته، والأمهات بصورة خاصة إلى إدراك وتفهم أن التحرر من الركائز المئزرة ويعتبر بمثابة مطلبًا ضروريًا لنمو شخصية واستقرار نمط تفكير أطفالهن. وهؤلاء الآباء الذين يجدون من الصعب عليهم أن يتقبلوا مفهوم وصول أطفالهم لسن المدرسة وبالتالي انفصالهم عنهم، قد يحاولون أحيانًا تأخير سن التحاقهم بالمدرسة قائلين "إنها صغيرة جدًا ولم تنضج، من الأحسن أن يبقى الطفل سنة أخرى بالمنزل"، وقد لا يشجعون ذهاب الأطفال للمدرسة وانتماءهم إليها أنك تبدو شاحب الوجه هذا اليوم أرى أن يبقى في المنزل اليوم لتأخذ قسطًا من الراحة، فمثل هذه الأفعال الأبوية خاصة من جانب الأم غالبًا ما تسهم إلى تكوين المخاوف المدرسية, وهي نوع من النمو غير السوي وسوف نناقشه فيما بعد. وإذا تقبل الآباء استقلال أطفالهم المتزايد وغيابهم عن المنزل، فإنهم قد يجدون سنوات الطفولة الوسطى، سنوات متعة وإشباع ليس بالنسبة لهم فقط ولكن بالنسبة لأطفالهم أيضًا Kestenberg, J؛ "1970". ومطالب أطفال سن المدرسة قليلة نسبيًا، فهم لا يحتاجون إلى الإشراق الكامل القريب منهم كما هو الحال عند أطفال سن ما قبل المدرسة، كما أنهم من جانب آخر لا يكونون مصدر قلق ومجادلة للمزايا التي يتمتع بها الراشدون وذلك كما يفعل المراهقون، بالإضافة إلى أن أنماط إزعاجهم ومطالبهم ليست من النوع المقلق للآخرين من حولهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 والعامل الآخر الذي يتطلب تكيفا من الآباء، هو أن يقروا مقدار الحرية والاستقلالية التي يجب أن تعطى لأطفال سن المدرسة، وبالتالي يجب توفيرها لهم، فالأطفال في هذا السن يحتاجون إلى استقلال كاف لنعمل على تشجيع تفردهم ومبادأتهم من جانب آخر, ولكنهم في نفس الوقت في حاجة إلى إشراف كامل لحمايتهم من الأخطار الجسمية ومن التأثيرات النفسية غير المرغوب فيها, وتشير الدراسات أن أطفال سن المدرسة الذين يحيون داخل منازل حياة كابتة قاسية بصورة مفرطة من آبائهم قد يصبحون متسمون بالانسحابية والامتثال الأكثر من اللازم فاقدون الحماس والابتكار، غير تلقائيين لا يشعرون بالسعادة غير منفتحين للأفكار الجديدة, أو قد يصبحون عدوانيين ثائرين رافضين لمبادئ وقيم آبائهم, كما أن الأطفال الذين يكونون في بيئة متساهلة بإفراط ويتسم الآباء بالتساهل كلية غالبًا ما يفشلون في تنمية ضوابط داخلية مناسبة ويميلون إلى الاندفاعية والتهور، وعادة ما يكونون غير مراعين لحقوق ومشاعر الآخرين بالإضافة إلى أنهم قد يتسمون باللااجتماعية Antisocial، أو معادون لمصلحة المجتمع Feshbach؛ "1970". وعمومًا فإن ثمة أوامر "افعل" أو "لا تفعل" البسيطة التي كان الآباء يدربون بها طفل ما قبل المدرسة، ويجب أن تستبدل بصيغ أكثر تركيبًا أثناء مرحلة الطفولة الوسطى فالآباء يجب عليهم أن يقرروا مثلا إن كان في مقدور طفلهم ركوب دراجته في الشارع، أو يذهب للاستحمام في البحر أو النادي أو الذهاب بمفرده إلى السينما ... إلخ. أي يجب على الآباء أن يقيموا الحريات، وبقدر ما يستطيع الآباء إجراء هذه التحديات كمبدأ عام، فإن أطفال سن المدرسة عادة ما يستفيدون بصورة أكبر من إعطائهم حرية كبيرة كمكافأة لهم للتكيف الجيد الذي عرضوه ولتحمل المسئولية التي أبدوها في المواقف السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم عادة ما نجد أطفال سن ما قبل المدرسة ينظرون إلى آبائهم على أنهم نماذج للفضيلة والقوة المطلقة والمعرفة الزائدة، وأفضل من أي آباء آخرين, إلا أننا نجد أطفال سن المدرسة الابتدائية يتحققون من أن آباءهم ليسوا إلا كائنات بشرية، حيث لا يمكنهم الإجابة عن كل تساؤلاتهم بالإضافة إلى أنهم لا يستطيعون تزويدهم بالأمور والأشياء الدنيوية التي غالبًا ما تتوق إليها قلوبهم فالآباء لا يتحكمون بصورة كاملة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 مصائرهم، ويتركونهم بمفردهم للعالم المحيط بهم، كما أن لآبائهم التزامات معينة, ومسئولون أمام القانون ورجال البوليس، كما أنهم قد يكونون معتمدين على بعض من أصدقائهم أو على آبائهم، كما أن طفل المدرسة الابتدائية يدرك أن الآباء قد يعوزهم في بعض الأحيان التفكير السليم، ويفقدون ضبط النفس ورباطة الجأش، كما أنهم في أحايين أخرى قد يكتئبون أو تدمع أعينهم في الاستجابة إلى بعض من الإحباطات الخفيفة وخيبة الأمل، كما قد يفشلون في تقييم ثمة أشياء مهمة في الحياة. وكلما تمكن أطفال سن المدرسة من إدراك هذه الحقائق الحياتية، كلما ساعدهم ذلك على التحرر من وهم الآباء، أي أن تصورهم يصبح فاقد البريق ولا يتصفون بالود وقد يدركون أنهم بمثابة عائق أمامهم، وفي هذا السن عادة ما يعقد الطفل المقارنة بين أبويه وآباء الأطفال الآخرين مثل قوله: إن والد "س" أكثر تسامحًا من والدي وأكثر نجاحًا وبريقًا, أو إن والد "أ" يسمح له بالذهاب إلى السينما أو النادي، فلماذا لا يسمح والدي بذلك؟ وجدير بالذكر فإن تحرر أطفال الطفولة الوسطى من وهم الآباء نادرًا ما يتجاوز المستوى اللفظي, فأطفال المدرسة الابتدائية بصورة عامة يحبون آباءهم ويحترمونهم على الرغم من انتقادهم لهم ودائمي الشكوى من الآباء, ونادرًا ما يسمحون لأي فرد أن يفعل ذلك، فأطفال سن المدرسة كثيرًا ما ينبرون للدفاع عن آبائهم إذا سمعوا أي فرد يقول أي شيء مهين عن آبائهم أو يهاجمهم, وعمومًا فإن ولاءهم وإخلاصهم ونعتهم بصفات حسنة تشير إلى وجود اختلاف بين ما قد يقوله هؤلاء الأطفال الصغار وعما يشعرون به حقيقة نحو آبائهم. وعمومًا فأن تحرر أطفال مرحلة الطفولة الوسطى من وهم الآباء وإلى حد ما مع الراشدين من حوله بصورة عامة عادة ما يظهر بصورة جلية في مرحلة المراهقين وتسمى بفجوة الجيل Generation Gap إلا أن حب معظم الأطفال الضمني لآبائهم واحترامهم إياهم يستمر كذلك في فترة المراهقة, إلا أن فجوة الجيل أكثر وضوحًا في الفترة الأخيرة وذلك كما سيتضح لنا فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 سابعًا: النمو وتكامل الشخصية رأينا أن النمو عملية تغير وتوجيه للتغير، وبهذا الفهم لطبيعة النمو المعرفية الانفعالية والاجتماعية, وفي كافة مراحل تطور نمو الطفل لرعاية البيئة، خاصة الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية المختلفة، وبقدر ما تتم هذه الرعاية وفقًا لفهم واع للطفل النامي وفلسفة واضحة لتوجيه النمو، يتم الهدف الأعظم الذي ينشده أي جماعة إنسانية وهو تكوين الشخصية الناضجة، وبذلك تتبلور أهداف المجتمع في توجيه مسار النمو نحو تنشئة الشخصية السليمة. ويعني مصطلح الشخصية، بنية وظيفة مركبة من المكونات الجسمية التشريحية، والعقلية المعرفية، والانفعالية، الوجدانية والاجتماعية في نظام متكامل يحدد أسلوب الفرد في الحياة وفي مواجهة المواقف المختلفة. ويمثل نمو الذات Self وحدة تطور نمو شخصية الطفل. ويذخر علم النفس بالعديد من الدراسات عن أهمية إدراك الذات في الحياة النفسية للفرد، وجد "جوسولين 1962" في دراسة على بعض المراهقين والمرهقات, أن الذين يدركون أنفسهم بطريقة تختلف عن تلك التي بها يدركهم زملاؤهم، يميلون إلى أن يكونون منعزلين عن جماعة الرفاق, ويخلص إلى نتيجة تقرر أن جانبًا من الكيفية التي تجعل الفرد مقبولا من جماعة زملائه هو القدرة على "أن نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون". كذلك وجد "روتنبرج-1963" في دراسة على 1684 طالبًا بالمدرسة الثانوية أن الأطفال الذين يعانون من بعض الاضطرابات يميلون إلى رؤية أنفسهم على أساس احترام للذات منخفض بدرجة واضحة عن الأطفال غير المضطربين. وتؤكد عديد من الدراسات "أولسن 1959، أنجل 1962"، الحقيقة بأن نمو الذات، مثل كل جوانب النمو، يأخذ مسارا محددًا منتظما بسبب الدفعات التي تهيؤها الاستعدادات الطبيعية للنمو الكامنة في النوع الإنساني، ووفقًا لهذه النظرية، يمكننا أن نتوقع أن الخطوط العامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الأساسية لنمو الذات تتبع نماذج معينة مشتركة لدى كل الكائنات الإنسانية مع وجود تلك الاختلافات الحادثة فحسب نتيجة للتغيرات البيئية التي تقع على الفرد خلال عملية التنشئة الاجتماعية. ومن الأهمية بمكان دراسة تطور نمو الشخصية من زاوية فهم وإدراك الطفل النامي لنفسه وللآخرين كوسائل لاستثارة النمو في اتجاه الشخصية السليمة. مفهوم الذات: لم تلق مشكلة فهم الذات حلا إلى حد كبير بسبب صعوبة إجراء البحوث في مجال لم يتحدد بدرجة كافية، وفيه تكون طبيعة الأشياء موضع الدراسة في حالة تغير مستمرة، وعلى الرغم من ذلك، فقد شهدت السنوات الأخيرة بعض التقدم الحقيقي في دراسة مفهوم الذات، نذكر منها -على سبيل المثال- دراسات الدكتور حامد زهران 1967 وغيرها ولكن معظم البيانات التي لدينا، عبارة عن بيانات حول طبيعة الذات أساسًا، هي نتائج البحوث الإكلينيكية البحث في مشكلات الأفراد الذين يعانون من درجات مختلفة من الاضطرابات الانفعالية والنفسية, فمثلا درس "روجرز وآخرين 1954" الذات من خلال ملاحظة الاتجاهات ذات الصبغة الانفعالية نحو الذات، كما ظهرت من الأفراد الخاضعين لعلاج نفسي ومن خلال ملاحظة التغيرات في إدراك الذات التي تحدث خلال العلاج النفسي. ولعل كارل روجرز "1951" من أبرز علماء النفس المحدثين الذين تناولوا نظرية مفهوم الذات Self-Concept بالدراسة العلمية المنتظمة بهدف الكشف عن طبيعة الشخصية ومكوناتها ودينامياتها. يصور "روجرز" كل فرد على أنه مركزًا لعالم من الخبرة يتغير باستمرار، بعض منها يخبر بطريقة شعورية أو واعية ولكن معظمها لا يخبر هكذا والأفراد يفكرون ويشعرون ويعملون في استجابة لعالمهم ووفقًا للكيفية التي بها يخبرونه أو يدركونه، والطريقة التي بها يخبرون أو يدركون عالمهم تكون بالنسبة لهم "الحقيقة" أو "الواقع" وجانب من العالم كما يدرك بواسطة الفرد يصير بالتدريج متميزا عن بقية عالمه، وهذا يصبح الذات, فالذات هي ذلك الجانب المدرك ليكون داخل تحكم الفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 ولذلك ففي بعض الظروف يشعر الفرد بموضوعات أو أحداث توجد حقيقة خارج الجسم لتكون جانبًا من الذات خاصة وإذا كان الفرد يراها على أنها مهمة بالنسبة لصالحه أو رفاهيته، أو كما يقول علماء النفس إذا كان يحدث لديه "احتواء للأنا" فيها, وكلما تزايدات خبرة الفرد يبدأ في تنظيم استجاباته داخل نمط مرن "متغير" ولكنه نمط متسق يمكن معرفته, وهو ما يسميه روجرز بـ"تركيب الذات" أو "مفهوم الذت" فمفهوم الذات هو الطريقة التي بها ينظر الفرد إلى نفسه ويكون تفكيره وشعوره وسلوكه غالبًا متسقًا وفي انسجام مع مفهومه عن الذات وليست الأفكار والمشاعر والأفعال إلا مجرد طرقه وأسلوبه لمقابلة حاجاته كما يراها هو. مفهوم الحاجات: يسلم الاتجاه الدينامي في فهم السلوك الإنساني على أن لكل سلوك هدف هو مقابلة حاجات الفرد، والحاجة هي توتر أي عدم اتزان يتطلب نوعًا معينًا من النشاط المشبع، والحاجات قد تشبع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالجوع مثلا، حاجة تعبر عن نفسها في السعي إلى الطعام، ولكن بعض الناس يشبعون هذا السعي فورًا عن طريق تدخين سيجارة، فبالنسبة لهم يمكن إشباع هذه الحاجة وقتيًا عن طريق إشباعات أكثر مما هو ممكن بالنسبة لغير المدخنين وعادة ما تكون الحاجات مركبة، فالتواترات التي يشعرها بعض الناس في وقت تناول الطعام "طعام الغذاء" لا تخف عن طريق تناول الطعام وحده، وليس الغذاء بالنسبة لهم إلا فرصة تقليدية لتناول الطعام والاتصال مع الآخرين ويشعرون بالإحباط إذا أكلوا وحدهم لأن الحاجة إلى الاتصال تترك غير مشبعة، وبالنسبة لمعظمنا لا نعني مجرد التغذية إشباع لحاجاتنا المرتبطة بوقت تناول الطعام، فالطعام ينبغي أن يعد ويقدم بطريقة مقبولة لمعايير جماعاتنا، أو يعتبر غير ملائم للتناول، إلا أنه حينما نضطر إلى الانتظار فترات طويلة دون طعام فإن الحاجة الخالصة للطعام من أي نوع يكون لها الأغلبية والأفضلية ويتم إشباعنا بأي نوع من الطعام سواء كان معدًا بطريقة ملائمة أو غير ملائمة. ويقرر "سنج وكومبز 1949" أن الحاجة الإنسانية الأساسية هي "حفظ الذات الظاهرية والارتقاء, ويقول آخر: يكون كل سلوكنا من أفكار ومشاعر وأفعال وظيفيًا موجهًا نحو الاحتفاظ بذواتنا أحياء صحيحة ووظيفية وكذلك نحو تحسين موقفنا الإحيائي, ونعني "ذواتنا" في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 هذا الصدد الأشخاص والأشياء، والعلاقات التي تكون مهمة بالنسبة لنا والتي نتحقق منها على أنها تخصنا. وهنا سوف نميز عدة مستويات أو مراحل في الحاجة الإنسانية كما حددها "سنج وكومبز"، ويستند النظام الذي سوف نستخدمه في هذا الصدد على نظرية "ماسلو" التي تتميز بأنها بسيطة وفي نفس الوقت تسمح بتمايز الحاجات وفقًا للمستويات العديدة من النضج الانفعالي, الاجتماعي. ويرى "ماسلو 1954" الحاجات على أنها مرتبة وفقًا لنظام هرمي النفسية، وذلك كما أشرنا فيما سبق، ويمكن إيجازه فيما يلي. المستوى الأول: الحاجات الجسيمة الأكثر أساسية وتتمثل في السعي إلى الطعام والماء والهواء والدفء والإشباع الجنسي وهكذا. المستوى الثاني: الحاجات التي ترتبط بالأمن الفيزيقي وتتمثل في تجنب الأخطار الخارجية أو أي شيء قد يؤذي الفرد. المستوى الثالث: الحاجات التي ترتبط بالحب وتتمثل في الحصول على الحب، والعطف، والعناية والاهتمام، والسند الانفعالي بواسطة شخص آخر أو أشخاص آخرين. المستوى الرابع: الحاجات التي ترتبط بإقامة علاقات مشبعة مع ذات الفرد ومع الآخرين, وتتمثل في أن يكون متمتعًا بالتقبل والتقدير كشخص وأن يحظى باحترام الذات، وأن يكون محترمًا وأن يكون له مكانة وأن يتجنب الرفض أو النبذ أو عدم الاستحسان. المستوى الخامس: الحاجات التي ترتبط بالتحصيل أو الإنجاز بالتعبير عن الذات، أن يكون مبدعًا أو منتجًا، وأن يقوم بأفعال وتصرفات تكون مفيدة وذات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 قيمة للآخرين وأن يحقق إمكاناته ويترجمها إلى حقيقة فعلية. وهناك نقطتان ينبغي الإشارة إليهما بالنسبة للنظام الذي رتبت فيه هذه الحاجات. أولا: تنظيم الحاجات وفقا لأهميتها بالنسبة للفرد فالحاجة إلى الهواء والماء مهمة بالنسبة لاستمرار الحياة ذاتها، بينما لا تكون الحاجة إلى المركز أو المكانة بنفس الأهمية السابقة. ثانيًا: تتوقف مقدرة الفرد على إشباع الحاجات "العليا" بطريقة متسقة على المدى الذي يكون فيه قادرًا على إشباع حاجاته الأكثر أساسية. فعلى سبيل المثال من الصعب على الفرد أن يعمل بكفاية إذا شعر أنه لا يحظى بالتقدير من جماعته أو إذا شعر بأنه غير مرغوب فيه أو غير محبوب، أي أن تقبلنا السوي للحب يمكن أن يعاق بالحاجات غير المشبعة للطعام أو الماء أو النوم. ويحدث تطور نمو شخصية الطفل على الإشباع الملائم لهذا النظام من الحاجات. وفي خلال مسار النمو، تخضع قدرات الطفل واتجاهاته وخصائص شخصيته، بصفة عامة للتغير والتعديل ومن هنا كانت إمكانية بناء شخصيات الأطفال حيث تنطلق من ركيزة أساسية لدى الكائن الحي الإنساني وهي قدرته المستمرة على أن يغير ويعدل من أنماطه السلوكية المختلفة، وبالتالي إمكانية التطور والارتقاء المتواصلين. وقامت "جاك 1934" بدراسة السلوك المسيطر لدى بعض الأطفال في مجموعات، واختارات مجموعة من الأطفال في سن الرابعة ووضعت كل طفل مع عشرة من الأطفال الآخرين لكي تكشف ما إذا كان الطفل مسيطرًا عليه الآخرون في الموقف التجريبي، ولقد توصلت إلى أن الفارق الأساسي بين الطفل المسيطر والطفل غير المسيطر هو اختلاف في درجة الثقة بالنسبة التي يشعر بها كل طفل في المواقف التجريبية, ثم قامت هذه الباحثة بتدريب الأطفال غير المسيطرين على بعض الأشياء التي لا يعرفها الأطفال المسيطرون مثل تجميع من الأشكال الملونة, أو تعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 إحدى القصص, كمهارات يتسلحون به, وأوضحت الدراسة أن الأطفال غير المسيطرين قد زاد لديهم الميل إلى السيطرة في نفس المواقف ومع نفس هؤلاء الأطفال, ويعلق "ستودارد 1959" على دراسة السلوك المسيطر بأن "النتيجة الأساسية من هذه الدراسات بأن سمة السيطرة يمكن أن تتغير بوضوح إذا تعرض الطفل للقيام بمواقف تتضمن بناء الثقة أو هدمها". ويساعد تدريب الأطفال على بعض المهارات، وليس فحسب على بناء الثقة بالذات, ولكن أيضًا على تحرير طاقات الفرد من مناشط متعددة يقوم بها وتزويده بأسس الاتصال والتواصل مع الآخرين. ويستطيع الآباء والمربون، من خلال ما يوفرونه للأطفال من تدريبات وممارسات معينة، ومساعدة الأطفال على بناء مقومات الثقة بالنفس، وهذا بدوره يساعدهم على تحسين قدراتهم على القيادة مع غيرهم من الأطفال. ويعتبر تأثير مثل هذه التدريبات تراكميًا فالطفل، حينما يلقي بعض الثقة مع غيره من الأطفال في إحدى المهارات أو القدرات، يتشجع في محاولة لتحقيق ذاته فيما هو أكبر وفي مجالات أكثر تعددًا. ومن أهم ركائز إطلاق إمكانات الشخصية، وتحريرها، وتوظيفها, مدى ما يتوفر للطفل من إشباع لحاجاته الانفعالية, العاطفية من خلال الحب والتقدير الذي يحيط به الكبار, فمن أهم أركان الحياة الانفعالية لدى الطفل ما يهيئه له الكبار من آباء ومدرسين وغيرهم من ناحية وما يكنه هو لهم من الحب, وكل اعتداء موهوم أو حقيقي على ما يحبه الطفل يولد عنده غيرة شديدة أو عدم اتزان انفعالي, فالأطفال المنبوذون أو الذين يشعرون أنهم غير مرغوب فيهم أو غير محبوبين يحتمل أن يتردوا في الكثير من مشكلات التوافق النفسي. ومن المعروف أن بوادر الحب تظهر في الشهور القليلة الأولى من الحياة وبمرور الوقت تعمم هذه المشاعر إلى غيرها من موضوعات حب الأطفال إلى كثير من الأشياء والأشخاص حتى إذا ما أقبل على مرحلة المراهقة تكونت لديه درجات مختلفة من المحبة محورها بيته وأسرته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وجيرته ورفاقه والنظم التي تتفق مع ميوله وتختلف طبيعة هذا التعلق باختلاف الأوقات والظروف. وإذا كانت عاطفة الحب تستند إلى حاجة الطفل إلى السند والتأييد والمعاشرة، فإن تغير الميول بتقدم تطور نمو الطفل وتعلمه يلعب دورًا هامًا في تحديد أسلوب التعبير عن هذا الاستعداد والموضوعات التي يتجه إليها, فحب الطفل لوالديه يتأثر بما يحيطانه به من عناية ورعاية، كما أنه عن طريق الاتصال بالأشياء الجامدة في حياته اليومية، يكتسب شغفًا يلعبه أو ببعض الأدوات المنزلية أو غير ذلك من الأشياء التي يرى أنها أبلغ قيمة من سواها من الأشياء الجديدة والثمينة, وعندما ينضج الطفل جنسيًا، فإن الحنان والرغبة يصبحان عنصرين من عناصر محبته لأفراد الجنس الآخر كما أن إنجاب الأطفال يثير محبة تتضمن عناصر جديدة من الدوافع والمشاعر. وجميع مظاهر الحب سواء أكانت تعلقًا بإحدى الدمى أو ببعض الحيوانات الأليفة مثلا، أو بالأبوين أو الزوج أو الأطفال أو الزملاء أو الكلية أو الوطن تتضمن درجات متفاوتة من حب الذات, ومع ذلك فإن امتداد الحب من الذات إلى الغير يبدأ من حيث استعداد بعض الناس لتنمية ذلك الحب بدرجة تجعلهم يهبون أنفسهم لغيرهم فيسرون لما يلقاه هؤلاء من توفيق ويتجهون برفعتهم كغاية في ذاتها. ويثير هذا الاستعداد للحب أمور مألوفة لا حصر لها أثناء رعاية الأم لوليدها كما قد يثيره أحيانًا كارثة تحل بالبيت أو المجتمع، أو ما يقع من الأحداث الطارئة والكوارث القومية وهو بالغ الأثر كوقاية من الانحلال الاجتماعي. ويلعب الحب دورًا كبيرًا في حياة الطفل وفي دفع شخصيته نحو الاتزان والنضج الشخصي الاجتماعي, فمحبة الكبار عنصر هام لنمو الطفل نموًا سويًا, فالشخص يظل طيلة حياته تواقًا إلى اليقين بأنه مرغوب فيه وبأنه ينتمي إلى جماعة معينة ويستطيع الاعتماد على ولاء غيره من أعضاء الجماعة وإخلاصهم ومثل هذه المظاهر في فترة الطفولة لا تولد الرضى والأمن فحسب بل تزود الطفل بالقدرة أيضًا التي يحاول أن يبررها في الوقت الملائم، ولذلك فإن الطفل المحروم من الحب دون باقي الأفراد بالأسرة يكون في موقف يبعث على الرثاء وتتسرب في ذاته مشاعر العدوان التي قد تتجه نحو الذات أو نحو الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ومن ناحية أخرى، قد يتخذ الإسراف في الحب والتعبير عنه بمظهر التدليل الزائد الذي يؤدي إلى تعطيل نشاط الطفل وإلى الحد من الكشف عن إمكاناته الكامنة وإطلاقها في واقع حياته العملية. ومثل هذه الحقائق عن أهمية الحب في حياة الطفل يؤكدها العديد من الدراسات النفسية والتربوية, فالطفل يبدأ حياته عاجزًا، لا حول له ولا قوة, ويظل معتمدا على غيره لسنوات طويلة، كما أن وجوده المادي وصحته النفسية يتوقفان على عناية الآخرين به, وليست فائدة الحب شيئًا غامضًا أو منفصلا عن حياة الطفل، بل إن محبة الكبار للطفل تعد شيئًا ملموسًا يدخل في دقائق حياته اليومية تظهر في أسلوب معاملته برقة والصبر على تضارب مطالبه مع سواها من الواجبات والميول "كرغبة أبويه في الاستمتاع بالنوم السريع", وفي مدى مداعبته وطريقة الإجابة على أسئلته عندما يكبر واحترام ميوله وتلبية رغباته في المساهمة في بعض نواحي نشاط الكبار. ومن الطبيعي أن نجد -كما يثبت ذلك الكثير من البحوث- نمو الأطفال الذين يعيشون في بيوت يسبغ عليهم أفرادها الرعاية والحنان، ويكون أفضل من نمو الأطفال الذين ينشئون في بيوت محطمة أو في مؤسسات أو ملاجئ عامة, وليس من المتعذر أن نذكر لماذا يكشف الأطفال الذين ينشئون في هذه المؤسسات عن اتجاهات دفاعية ويكونون أقل استعدادا لتوقع أو تقبل تودد الآخرين إليهم، وأكثر ميلا إلى الحذر والتردد والانسحاب في علاقاتهم، لكن الحاجة إلى الحب وما يترتب عليها من آثار بالغة الأهمية في نمو الأطفال لا تتخذ اتجاهًا واحدًا ولا تتم من ظرف واحد، فالأطفال أكثر حساسية لاتجاهات الكبار نحوهم يظهرون حبهم للكبار الذين يحيطونهم بالعناية والعطف. وكما أن محبة الكبار هامة للطفل, كذلك محبة الأطفال هامة للكبار، فقد تبين أن من أهم المتع التي ذكرها الآباء عند سؤالهم عن المتع المرتبطة بالإنجاب للأطفال وتنشئتهم، أشاروا إلى تلك التي تنجم عن صحبة الأطفال ومظاهر حبهم لأبويهم وما يتيحونه لهم من فرص لإسهامهم معهم في نشاط ودي مشترك، وهكذا لا تكون المحبة هامة للطفل فحسب بل ولسائر الأفراد أيضًا في شتى أوقات الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وتتجلى قيمة العلاقات القائمة على الحب -كما ذكرنا- في الاتجاه السيئ الذي يتخذه سلوك الطفل إذا كان في أيد غير عطوفة أو كان غير محبوب، فقد تبين من نتائج بعض الدراسات أن ضعف المحبة المتبادلة بين الآباء والأبناء قد يكون عاملا من عوامل نجاح أو غير ذلك من مظاهر السلوك اللااجتماعي أو المضاد للمجتمع، وربما كان أسوأ من ذلك مصير الأطفال الذين لا يتمردون أو يردون الإساءة، بل يتحملون آلامهم في صمت وعلى صورة قلق أو خوف، فكثير من الأطفال تنتابهم مخاوف ترجع إلى ما أصابهم من تهديد أو أذى, كما أن غير قليل منهم قد يبدون مخاوف تنطق بحاجاتهم إلى الثقة في علاقاتهم بغيرهم بما في ذلك من المخاوف المتصلة بالوحدة والنبذ. كذلك يتوق الأطفال إلى نيل الرضا والظفر بالمحبة من المدرسين وغيرهم من الكبار ممن يقومون مقام الآباء, ولا شك أن هناك كثيرا من التداخل بين خصائص المدرس القدير وخصائص الأب، فلقد طلب من التلاميذ في بعض البحوث أن يذكروا صفات المدرس الذي يؤثره كل منهم بالمحبة دون غيره، فجاءت نسبة كبيرة من الإجابات متضمنة خصالا يتحلى بها الشخص المحبب بوجه عام، كالمودة والعطف، والاهتمام الصادق بالأطفال، والعدالة المشوبة بالحزم. ومثل هذه الحقائق تكشف عن أنه من المفيد للمشرفين على شئون الأطفال في البيت والمدرسة والمعسكر والمستشفى وغيرها من الأماكن ألا يكتفوا بمجرد الشعور بالاهتمام بالأطفال بل عليهم أن يكشفوا عن ذلك في سلوكهم نحوهم، وليس معنى هذا، بطبيعة الحال, المحبة تكفي لحل جميع المشكلات, فالمدرس المحب لتلاميذه يحتاج إيضًا إلى قدر من إتقان التدريس، وصحيح أن حبه لتلاميذه يساعده في عمله ولكن هذا الحب في ذاته لن يجعل منه مدرسا ناجحًا بشكل آلي, كما لا ينبغي أن تحمل أهمية الحب الفرد على أن يفتعل التعبير عنه أو يحيط الطفل بجو مصطنع من المرح والطمأنينة، أو أن يؤدي باسم الحب أمورًا يقتضي صالحه أن يتعلم القيام بها بنفسه. وفي هذا السياق النمائي يأخذ تطور شخصية الطفل مسارًا محددًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 فالطفل الوليد لا يكون له ذات، على النحو الذي حددناه لأنه غير قادر على أن يتبين الفروق بين نفسه وبيئته, فثدي الأم يعتبر كجزء منه مثل قبضة يده، ويتحقق بعد عدة شهور أن الثدي "يخص" أمه وأن "القبضة" تخصه هو، وهو يشبع حاجات المستوى الأول وفقًا لنمط مزاجه بعنف أو بدماثة بهدوء أو بضوضاء ... إلخ. وحينما يقع أو يسمع صوتًا عاليًا يدركه على أنه تهديد لحاجاته إلى الأمن الفيزيقي أو السلامة الفيزيقية "المستوى الثاني" ويستجيب بعويل الخوف أو الغضب وهو كثيرًا ما يستجيب لحاجاته من المستوى الأول بنفس الطريقة، ومن الطبيعي أنه حينما تلقى حاجات المستوى الأول أو الثاني عدم إشباع بصفة منتظمة فمن المحتمل تمامًا أن تتأثر صحة الطفل، فيقع بسهولة ضحية للمرض ويخفق في أن ينمو إلى المعدل السوي، إلا أننا كثيرًا ما نغفل تلك الحقيقة "أن الحاجة إلى الحب غالبًا ما تكون ضرورية كحاجات المستوى الأول والثاني". ويقرر "باكوين 1949" عدة مظاهر عن أثر الحرمان العاطفي على الأطفال في مرحلة المهد. "يقدم للأطفال الذين يتراوح عمرهم أقل من ستة شهور ووضعوا في مؤسسات لبعض الوقت صورًا محددة تماما وكانت معالهما البارزة هي عدم الاكتراث، الهزال والشحوب، الخمول النسبي، السكون، اللااستجابية للمثيرات مثل الابتسام أو النواح، شهية غير مبالية الإخفاق في الوصول إلى الوزن المناسب على الرغم من تنوال وجبات تكون كافية تمامًا بالنسبة للطفل في المنزل, التبول والتبرز بكثرة, مظهر اللاسعادة، التعرض لنوبات الحمى، اختفاء عادات الامتصاص والرضاعة. ومن ناحية أخرى إذا تحقق لحاجات المستويات الثلاث الأول إشباعًا كافيا فإن الطفل السوي سوف ينمو ويزدهر. وعلى الرغم من صعوبة تحديد بداية ظهور الذات إلا أنه يمكن القول بأن ذلك يتم حينما يبدأ الطفل في أن يضحك لوالديه بعد ست إلى ثماني أسابيع من الميلاد, وربما حينما يشرع في تكشف مهده أو جسمه في أي حادث وأحيانًا خلال السنة الأولى من الحياة تبدو بعض ملامح كونه كيانًا منفصلا حيث يبدأ في التعرف على اسمه وهو يبدأ في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 أن ينمي حاجات المستوى الرابع، كما تتضح من توقعه للأشياء من الأفراد الآخرين لأسرته ويتوقع أن أمه سوف تطعمه وأن والده سوف يلاعبه ويرفعه بين ذراعية في الهواء وأن إخوته وأخواته سوف يحاولون ملاعبته وإضحاكه أو سوف يحاولون إيذاءه، وهكذا. وتبدأ بعض الوظائف الأخرى للذات في النمو والازدهار فيتعلم الطفل في أن يستمتع بمجتمع الآخرين، يأخذ في التحقق من أنهم أشخاص مهمون بالنسبة له ومن أنه شخص مهم بالنسبة لهم ويكون حصوليًا أي يسعى للحصول على كل ما يحيط به، ويريد الأشياء لنفسه، يقبض على كل ما يقع في متناول يديه ويتعلق بها ويقاوم محاولات انتزاعها منه، يضع الأشياء في فمه لأنه لا زال يعمل بدرجة كبيرة على المستوى الأول من إشباع الحاجات ويصير الطفل واعيًا جدًا ببيئته الفيزيقية ويرغب كثيرًا في أن يكشفها وكلما نما ونضج يتكشف أنه يستطيع تكشفها، أولا: عن طريق النظر والاتصال وفيما بعد عن طريق الشعور والتلمس والتناول أو القبض، ثم عن طريق الزحف والحبو وإذ يقوم الطفل بهذه الاستكشافات يتعلم بالتدريج الفرق بين الذات واللاذات فإحساسه بالواقع وفقًا لمعايير الكبار يكون غير ملائم بدرجة كبيرة لأنه لا يعرف أن الأجزاء من بيئته يستطيع السير عليها، ولا يعرف ما الخطر والأمان ولا يعرف ما له وما ليس له. وعلى الرغم من أن هذه الاستكشافات قد ترضي الطفل في أنها تساعده على اكتشاف "من هو" فإنها سوف تؤدي به حقًا إلى صراع مع معايير جماعته فقد يكدر الطفل إحساسنا بأهمية بعض الأشياء أو المقتنيات في المنزل كأن يسحب الكتب من على الرف أو يلقي بالإناء من على المنضدة أو يلهو ويعبث في أوقات أو أماكن غير مناسبة. وهذا أمر مفهوم لأن سلوكه الدفاعي، تلقائي، ولم يخضع للكف بواسطة معيار التعقل أو المعنويات ومن المحتمل -إن آجلا أو عاجلا- أن يلقى عقابًا على هذه الأفعال وإذا أتى العقاب مبكرًا جدًا فسوف لا يفهم لماذا يعاقب ولكن إذا أتى حينما يكون قادرًا على ربط العقاب بكسر الأشياء أو إتلافها ربط العقاب بموضوع "العقاب" فسوف ينتقل إلى المرحلة الثانية من نموه ويكف عن الإتيان بهذه الأعمال كوسيلة لتجنب العقاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 ويرى الطفل العقاب كتهديد لتركيبه الذاتي أو لمفهوم الذات فحتى الآن يدرك نفسه كموضوع لحب لا ينضب ولكن والديه الآن يمسكان بالحب عنه وتتعرض حاجاته للعطف فورًا للإحباط وقد يعرف أنهما قد يمسكان بالحب عنه إلى الأبد "إحساس الطفل بالزمن ضعيف كما أشرنا" لقد عبر والداه في الماضي عن حبهما له بواسطة الاحتضان والمعانقة أو الربت والملاطفة أو الكلمات الرقيقة ولكن كلماتهما الفظة ولكماتهما "أو صفعاتهما تبدو له الآن بما هو نقيض الحب.. النبذ والإهمال" فلتوقعاته للحب والأمان قد انقلبت رأسًا على عقب، ويحدث ارتباك في تركيب الذات لديه كلما حاول مواجهة هذا الموقف المربك. ومن السواء أن يتوافق الطفل مع هذه القيود الضرورية حيثما يكون ناضجًا بدرجة كافية ليكتشف ما يتوقعه والده منه مدمجًا التوقعات الوالدية في تركيب الذات لديه, ويبدي بعض الأطفال عدم رغبة في تقبل هذه القيود ولكن الكثير منهم لا يتقبلها بدون أن يمر خلال فترة أو أكثر من التمرد خلال هذه الفترة، يكون الطفل حقيقة في نضال ضد الضرورة التي تفرض عليه أن يغير من مفهومه لذاته والمعركة لا تنتهي إلا باستسلامه للواقع بأنه ينبغي أن يتقبل التغير. يخبر معظم الأطفال بعض الصراع الانفعالي في سياق تعلمهم التحكم في حوافزهم ويبدأ الطفل في العام الثاني أو الثالث من الحياة في تعلم أنه لا يستطيع أن يثق بنفسه في تتبع حوافزه، وإذا فعل ذلك فسوف يتردى في اضطراب مع أناس مهمين جدًا، مع والديه، ولكي يحمي نفسه مما يبدو له كفقدان مهدد للحب، وهو العقاب أو النبذ أو الإهمال فهو مضطر لأن يغير تركيب الذات بواسطة أن يدمج فيها شيئًا مما يوقفه في المرة التالية عن الإتيان بالأفعال التي تسبب عدم رضا الوالدين، وهو يحقق هذا التغيير عن طريق تبنيه لمعايير والديه وعن طريق تعديل توقعاته لنفسه وتبنيه لهذه المعايير مثل تلك الأحكام بأن بعض الأشياء خاطئة أو سيئة وغير متقبلة لتفسير سلوكه، وعليه أن يتوقع أنه سوف يفعل أشياء تكون خاطئة أو سيئة إذا لم يراع أن يضبط نفسه وحينما يسيء التصرف يشعر بالذنب ووخز الضمير لأنه لم ير إلا توقعاته ويشعر أنه قد أحط بنفسه، وقد يستجيب لذلك بعقابه لنفسه مباشرة كأن يستجيب لمشاعر الذنب بطريقته المميزة للتعبير عن الإحباط مثل ثورات الغضب، ولوم الآخرين. سرعة التقلب، السلبية، قضم الأظافر، التصرف بطريقة أصغر من سنه، وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 والضمير هو المصطلح الذي نستخدمه في لغتنا اليومية لوصف هذا الجانب الضابط المعاقب من تكوين الذات لدينا وهو ما لدى أصحاب التحليل النفسي "الأنا الأعلى" والضمير نموذج أو طريقة للاستجابة لأنفسنا نموذج يتعلمه الأطفال ممن هم أكبر منهم سنًا ويبدأ عقاب الضمير يحتل مكانة أكبر في ضبط سلوك الطفل أكثر من العقاب البدني الذي قد يتلقاه من والديه، ويصبح في بعض الأحيان مجرد التفكير في بعض التصرفات غير السلمية كافيًا لإثارة مشاعر الذنب ويؤدي الأمر ببعض الأطفال خاصة أولئك الذين يعيشون في بيوت مليئة بالقيود التي تقيد كل مناشطهم لأنهم يشعرون أنه من الأسلم لهم أن يفعلوا ذلك من أن يجروا لأنفسهم عدم الاستحسان سواء من ناحية ضميرهم أو من والديهم. وكلما أخذ تطور نمو الطفل نحو النضج تأخذ وظائف ضميره طباعًا أكثر إيجابية، وعلى الرغم من أن الضمير يستمر ليكون مصدرًا للذنب والقلق حتى لدى الأطفال الأسوياء، إلا أنه يقل تحريكه للاضطرابات السلوكية المميزة لطفل العامين والنصف من العمر، وكلما تعلم الطفل أن يعرف والديه أفضل وأن يدركهما بطريقة مختلفة يأخذ اتجاهه نحوهما في التغير وبالتالي يتكون ضميره، وطالما أن اتجاهه نحو ضميره "المعايير الوالدية الاستجوابية" ليس إلا نسخة مطابقة لاتجاهه نحو والديه، فإنه سوف يغير مشاعره نحو ضميره بقدر ما يغير مشاعره نحو والديه, ويبدأ في الإعجاب بطريقة سوية بالوالد الذي من جنسه، الأولاد بالأب والبنات بالأم، ويحاول الطفل مطابقة سلوكه بسلوك الوالد ويبدو الوالدين خلال هذه السنوات المبكرة، كأعمدة للقوة والاستقامة ويشعر الأطفال أنهم إذا فعلوا نفس الأشياء التي يفعلها الوالدان سوف يكونون أقوياء ولا يتعرضون للوم وتأنيب. وكلما يندمج الطفل مع جماعات اجتماعية خارج أسرته "كجماعة الرفاق.. المدرسة.. إلخ" يصير على اتصال بمجموعات جديدة من المعايير يدمجها في تركيب الذات لديه مثلما حدث بالنسبة للمعابير الوالدية في مرحلة مبكرة فهو الآن يجد نفسه مهمومًا بمشاعر الذنب ليس فقط كنتيجة "لكونه رديئًا"، ولكنه أيضًا كنتيجة لكونه "مختلفًا" ومشاعر الذنب تعبر عن نفسها كإحساس بالخجل عند التخلي عن الممارسات المقررة داخل الجماعة أو كخوف من أن يكون مختلفًا أو كخوف من أن يكون مهملا أو منبوذا من الآخرين إذا كان الفرد مختلفًا جدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وهكذا فإن عمليات الشخصية، من مسايرة وضمير وشعور بالذنب، ليست إلا محاولات للذات لإشباع حاجات الفرد التي تتعلق بالاحتفاظ بعلاقات مرضية مع الآخرين، وفي حقيقة الأمر أن مشكلة الذات هي التوصل إلى أفضل الطرق لإشباع الحاجات الأساسية بدون مساس بحقوق الآخرين، وكلما أصبح الطفل أكثر قدرة على التحكم في حوافزه وتوجيهها فإنه يهيئ الطرق لتقبله كعضو فعال في المجتمع. ويرتبط نمو الشخصية ارتباطًا وثيقًا بتطور نمو الأبعاد المثالية أو المعنوية في تركيب الشخصية، فيما يعرف باللقاءات المثالية التي تقوم على نظام القيم والمثل والأخلاق بصفة عامة، وهناك علاقة وثيقة بين الشخصية والخلق Character في النطاق الكلي للشخصية فكلما نضجت الشخصية، كانت الأنماط السلوكية الخلقية أكثر نضوجًا. ويحدد "بيك وهافجرهست، 1960" في دراستهما السيكولوجية وتكوين الخلق عوامل الشخصية التالية من الخلق. 1- الثبات المعنوي: وهو الميل إلى اتباع النظام الأخلاقي المعنوي القائم في جماعة من الجماعات الإنسانية، اتباعًا ينم عن إرادة في تقبل هذا النظام، وعن الرضا الخلاق. 2- قوة الأنا: مركب من المقدرات أو الإمكانات للاستجابة للأحداث على أساس إدراكات دقيقة وانفعالات ملائمة، وأحكام تنم عن بصيرة وتعقل. 3- قوة الأنا الأعلى: الدرجة التي عندها يتحقق للسلوك التوجيه عن طريق مجموعة المبادئ المعنوية الأخلاقية التي صارت جزءا من التكوين الداخلي للفرد أو وفقًا لهذه المبادئ. 4- التلقائية: الميل إلى التعبير عن المشاعر والرغبات إلى عمل وسلوك بطريقة مباشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 5- الودية والتصادق: اتجاه معمم للمحبة الدافئة والعميقة نحو الأشخاص الآخرين "وعكس هذا العداوة". 6- مركب العداوة - الذنب: مركب من المشاعر العميقة للعداوة يرتبط بمشاعر قوية للذنب نحو الحفزات الداخلية. فالخلق المعنوي يقوم على الاتزان الناضج للأحكام التي تأخذ في الاعتبار المسئولية بالنسبة للفرد والآخرين والتي ترى الحقوق الفردية على أساس من التقدير الواضح لحقوق الآخرين والتي ترى علاقة السلوك الحاضر للفرد بمستقبله، أي أنه يتألف من الضبط الذاتي، والوعي بالذات والمهارة والبصيرة في الآخرين، والاستجابات لسلطة الوالدين، ولدور العبادة ولغير ذلك من الجوانب المعنوية من الثقافة, ويتقبل الطفل بالتدريج معايير الجماعة ونظمها، إذ تنمو قدراته لكي يتوافق سلوكه الأناني الاندفاعي مع هذه القيود والضوابط كما ينمو ضميرها في السلوك المعنوي, الأخلاقي بدرجة كبيرة, نتاج خبرته الاجتماعية العامة. وهناك عدة شروط أساسية لا بد من توافرها حتى يتحقق النمو الأخلاقي المعنوي السليم كما يلي: 1- أن يتحقق مستوى طيب -بقدر الإمكان- للصحة الجسمية، فالأطفال الأقوياء لديهم شجاعة أكثر لكي يقفوا على أقدامهم ولكي يقاوموا الإغراء. 2- الشعور بالأمن العاطفي، والإحساس بأنه شخص محبوب مرغوب فيه، والإحساس بالزمالة والمشاركة، والإنشاء، وفي هذا الجو يتعلم الطفل أن "يحب جاره أو زميله" لأنه هو نفسه محبوب وليس هناك من حاجة لديه لكي يقوم بتعويضه عن الإحساس بالعزلة، أو من حاجة إلى القسوة أو العنف أو دافع الانتقام الذي يكمن غالبًا وراء الجناح. 3- المجالات والفرص الملائمة للتعبير عن المغامرة والاستثارة والانفعال والتحرر من القلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 4- النظام المستمر في الضبط الذاتي حتى يصير قادرًا على زيادة معدل التحكم في الاندفاعات أو الحفزات الطفلية، ويتحقق هذا الجانب كإنجاز متزايد خلال مرحلة الطفولة. 5- توسيع الآفاق الاجتماعية باستمرار حتى يتحقق له مقدرة متزايدة باستمرار لكي يعرف، ويتحلم، ويقدر ويفهم، وبالتالي يعتبر بطريقة فطنة حقوق الآخرين وواجباتهم ومزاياهم. 6- الإلهام "وعادة ما يتهيأ بالممارسة الدينية" في الرغبة في الحق بقوة كافية حتى يجد الإشباع الجاد في الإتيان به. ومن المعروف أن إدراك الطفل الأول لما هو "صواب" أو "خطأ" هو ببساطة ما يسمح به لوالدين أو يمنعانه فهو محكوم في الطفولة المبكرة بما يطلق عليه "بياجيه 1948" الواقعية المعنوية، حيث يكون العالم هو بالضبط ما يبدو أن يكون عليه، فليس هناك وجهات للنظر، ولا توجد نسبية، بل الأشياء تكون أبيض، أو أسود صواب أو خطأ، فما يقرره الوالدين يتشربه الأطفال كمعايير الصواب والخطأ والحلال والحرام، وغير ذلك مما تشربه من المعايير والأحكام الخلقية والمعنوية. ووفقًا لنظرية "بياجيه 1948" يتعلم الطفل بالتدريج أن القواعد ليست حقيقة بطريقة واقعية ولكنها من صنع الناس ويمكن أن تتعدل لتلائم الظروف فمثلا تعلم أحد الأطفال أن يعود إلا المنزل مباشرة بعد انتهاء المدرسة، وهو قد يقبل هذه القاعدة على أنها قاعدة مطلقة، وفي أحد الأيام عاد إلى المنزل، وقد كانت الدنيا تمطر بغزارة وتوسخت ملابسه ولذلك عوقب على نقص حكمته، في أنه لم ينتظر بالمدرسة حتى ينتهي المطر وهكذا، فإن ما اعتقد الطفل أنه قد تقبله كقاعدة مطلقة، يرى أنه خاضع للتعديل وفقًا للظروف، ويستطيع الطفل في مرحلة أكثر نضجًا أو يدرك مرونة مواقف السلطة في ضوء المصالح "الأكبر" الذي يقع وراء معظم القواعد، وأن يدرك صحة أي عمل من الأعمال تكمن في روح القاعدة وتنفيذها بروحها أكثر من حرفيتها. ويتحقق للطفل في مرحلة لاحقة من النمو تطويع الأحكام المعنوية بواسطة اعتبارات العدالة، ففي المرحلة الأولى يتعلم الطفل أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 يكيف القاعدة لروح القاعدة في ضوء فائدتها بالنسبة للناس، ولكن كل الناس متساوون بدرجة مطلقة ويدرك الطفل -في مرحلة لاحقة- الأمور اللازمة لتحقيق العدالة الحقيقية، ولا يعتدي على أحد زملائه، لا يشاغب ولا يخرج على النظام، ولا يفتري على غيره ... إلخ. ولا يعتبر الانتقال من التقبل المطلق للقواعد الموضوعية إلى تعديل هذه القواعد أمرًا بسيطا، فالأطفال لا يتمثلون القواعد، والأحكام الخلقية، المعنوية التي تنتقل من حين لآخر على أنها مبادئ جاهزة الصنع، فكل طفل ينبغي أن "يعالج" هذه المبادئ بحيث تتكامل داخل حياته الخاصة في إطار حاجته الفردية وتوحده مع غيره من الناس في بيئته واحترامه لهم. فكثير من الأحكام الخلقية للأطفال في سن المرحلة الابتدائية وتكون في صراع مع أحكام والديهم أو مع الجماعة الثقافية المحيطة بهم ككل، ويرجع هذا إلى أن الأطفال لم يجعلوا هذه الأحكام والقواعد جزءًا من تكوينهم الذاتي العميق، والمعروف أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة، وفي مرحلة المدرسة الابتدائية يكون لديهم مقدرة محدودة لتوسيع نطاق توحدهم أو تقمصهم مع الأشخاص الآخرين أو الاهتمام بهم, ولذلك تكون أحكامهم الخلقية وبدرجة كبيرة، وفي ضوء العالم كما يرى من خلال عيونهم في ضوء مكانة وسلطة والديهم أو فيما بعد، الكبار الآخرين، وكلما تنمو مقدرة الطفل على أن يوحد نفسه مع غيره أو أن يصير مهتمًا بالآخرين تنمو مقدرته على تقدير المواقف على أساس أوسع ويصير أقل اعتمادا على سلطة الراشدين، وحتى في بعض الأوقات أقل اعتمادًا على معظم أحكام زملائه وقواعدهم، وتنمو لديه القدرة على "تقدير" المواقف بنفسه. وينمي الأطفال بالتدريج ضبطًا كافيًا حيال حفزاتهم البدائية والأنانية حتى يمكنهم من العيش في جماعة بطريقة طيبة، ولا يعني هذا كبت الانفعالات والحوافز المرغوبة أو القيود المستحيلة لأي حافز أساسي، ولكن الدرس الذي ينبغي أن يتعلمه الطفل هو توجيهه للطاقة الانفعالية في مسالك تثبت فائدتها من الناحية الاجتماعية أكثر مما تتسبب عنه من تدمير, وأحد الجوانب اللازمة لنمو الضبط الذاتي هو تعلم مقاومة الإغراء والغواية، ولا يتعلم الأطفال ذلك عن طريق حمياتهم من كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 عوامل الإغراء، ولكنهم يتعلمون ذلك فحسب عن طريق مواجهة الإغراءات القوية المتزايدة، ويعتبر الاعتزاز الشخصي في نمو المسئولية الاجتماعية والخلقية للآخرين أحد الطرق للجمع بين الاندفاعات الأنانية والغيرية، ومن الأساليب الفعالة في هذا الصدد، ممارسة الشهامة والمروءة والكرم، وممارسة العمل في ظروف من المرح والبهجة, والتدريب على تقبل المديح والاستحسان، وفي بناء سمعة طيبة كشخص يمكن الاعتماد عليه. والأساس في ذلك هو نمو الضمير، أو ما يطلق عليه أصحاب التحليل النفسي مصطلح، "الأنا الأعلى" الذي يمثل في الشخصية كل أحكام ومعايير الوالدين ومجتمعنا الثقافي, أو يقول آخر: يمثل الرقيب الذاتي. ويشير "ملرتن 1960" إلى أن الضمير ليس إلا ذلك الجانب من "الوراثة الاجتماعية لدى الفرد" ويقرر "كوهلبرج 1962" أن الباحثين المعاصرين يعتبرون المعنويات أو الضمير على أنه مجموعة القواعد والأحكام الثقافية للإدارة والعمل الاجتماعي الذي تمثله الفرد لعالمه الداخلي وصار جزءًا من تكوينه الذاتي. ويميز "بيك وهافجرست 1960" أربعة أنواع مختلفة للضمير تختلف اختلافًا كيفيًا وهي: 1- النوع الأول وهو الأكثر بدائية والأقل فاعلية ويتألف من مجموعة "النواهي" الفظة والقاسية وهي في أحسن حالاتها تعمل كطريقة كامنة بدون تفكر، وفي أسوأ حالاتها تكون غير متسقة داخليًا أو محبطة بدرجة يستحيل تتبعها. 2- والنوع الثاني من الضمير هو مسايرة الأحكام والقواعد، مع إعطاء وزن أساسي للسلطة التي لا تزال متمركزة في الناس المحيطة به. 3- ويتألف النوع الثالث من الضمير من كيان منظم من القواعد الخلقية المتحولة إلى داخل الفرد والتي تحتفظ باستقلالها الذاتي وهي لا تتأثر كثيرًا بما قد يقرره أشخاص آخرون كما لا تسمح لنفسها أن تسأل أو تختبر بواسطة الفحص، والتمحيص العاقل, وهي تؤلف معًا "الأنا الأعلى العصابي الطاغي" ويعتبر "فرويد" أول من وصفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 4- والنوع الرابع من الضمير هو تلك المجموعة الراسخة من المبادئ الأخلاقية المعنوية المستوعبة داخل الفرد، والتي يمكن أن تخضع للتساؤل والاختبار الرصين. يخلص "بينيت 1960" الأبحاث والدراسات السابقة التي أجريت في مجال علم النفس في نمو الضمير أن قوة وثبات الضمير يعتمد اعتمادًا مباشرًا على قوة ومدى العلاقات المبكرة للطفل القائمة على المحبة، وينمو تكوين الضمير -وفقًا لهذه النظرية- من خلال التقمصات أو التوحدات الجزئية المتكررة للطفل مع شخص محبوب والتي عادة ما تحدث بعد أن يسحب مؤقتًا حبه الذي يتبع إحباط حوافزه الغريزية، وينتج عن هذا التقمص تغير الأنا لكي يضاهي الشخص المحبوب. وهناك اتجاهات في تفسير نمو الضمير، فالاتجاه الأول وهو نظريات التعلم التي تفسر نمو قوة الضمير في ضوء شروط التدعيم، أما الاتجاه الثاني وهو التحليل النفسي فيفسر قوة الضمير في ضوء ميكانزمات توجد الطفل مع النماذج الوالدية والاستحسان الوالدي، ويقرر "كولبرج 1962" أن كلا هاتين النظريتين تذهبان إلى التأكيد على "القلق" أو "الذنب" على أنه الدافع الأساسي وعلى كل الحوافز مثل "الجنس" والعدوان وغير ذلك كتعبير عن الأخلاقيات. ويفترض الاتجاه الذي يستند إلى نظرية "التعلم" في تفسير اكتساب الأخلاقيات وتكوين الضمير أن النمو الأخلاقي المعنوي ليس إلا "عادات طيبة متعلمة خلال التلقين والتدريس" فالأنانية أو العادات السيئة عادة ما يمنع ممارستها وكثيرًا ما ترتبط بالعقاب ويفترض أصحاب هذه المدرسة أن السلوك الأخلاقي المتعلم في المنزل سوف يعمم على مواقف أخرى خارج المنزل لا تخضع للإشراف. ويقرر أحد الباحثين أنه قد توجد فروق وراثية في القدرة على الاقتران الشرطي وفي تعلم القلق المعنوي "إيزنك 1960" وقد وجد باحثون آخرون أن إدخال نماذج توسيطية من الأفلام كانت ذات فاعلية في تعديل استجابات المفحوصين للإحباط اللاحق أكثر مما كانت لنماذج الحياة الواقعية "باندرورا وغيره 1963". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وتختلف الدراسات في نتائجها بصدد علاقة أساليب النظام في المنزل بالنجاح من ناحية، أو بالقدرة على مقاومة الإغراء والغواية من ناحية أخرى, وقد وجد بعض الباحثين "جليوبك وجليوبك 1950, باندورا ووالترز 1963" أن أساليب النظم الأكثر بدائية, وعدم الاتساق، وعدم المعقولية كان يشيع استخدامها في بيوت الجانحين المراهقين أكثر من غير الجانحين. ومن ناحية أخرى, يخلص "بيك وهافجهرست 1960" بعد دراسة متعمقة لسيكولوجية اضطراب الخلق أو نتيجة تقرر أن المثل الراسخ الجذاب لوالدين حكيمين محبين هو المؤثر والوحيد حقيقة الذي يخلق أطفالا ذوي خصائص غيرية, متعلقة بالواجب والمسئولية والحب والتواد، وهو الشكل الأرقى, كما يذهب هذان الباحثان في مستويات الأخلاقيات إلى بناء الإنسان على أساس من النمو والإشراق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 نظريات النمو أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان ... نظريات النمو: أولا: مفهوم دورة الحياة الإنسان أشار عديد من الفلاسفة وعلماء النفس لوجهات نظر مختلفة في طبيعة دورة حياة الإنسان، فتشير إحدى وجهات النظر الشائعة إلى التناظر الوظيفي بين فصول السنة ومراحل حياة الإنسان فالربيع يمثل الفترة التي يحدث فيها النضج والإحساس بالقوة، ويومئ الصيف إلى فترة النضج والإنتاج العزيز، ويتمثل الخريف في فترة الحصاد وبلوغ الذروة، ويتم خلاله بذر البذور لأجيال تالية, ويشير الشتاء إلى فترة الخطى نحو النهاية والتدرج نحو الأقول ثم الموت، وكل فصل من هذه الفصول يكون جميلا في ذاته ويتصف بالتفردية، وحيث لا بد من الانتقال في فصل إلى الآخر التالي له فإن الفرد عندما يكمل دائرة معينة حينئذ يمهد الطريق للدائرة التالية لها. وجدير بالذكر فإن هذا التمثيل أو التناظر الوظيفي يكون من البساطة الشديدة حتى يمكنه وصف النمو الإنساني، ومع ذلك فإنه بطريقة شاعرية يجذب انتباه عديد من العلماء لدرجة أن اتخذه البعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أساسًا لعديد من النظريات النمائية، فالنمو يتصف بالتوالي والتقدم، كما أنه يتبع نفس النموذج من جيل إلى آخر، كما يتسم بالدائرية بمعنى أنه كلما نضج جيل معين فإنه بالتالي يعزز الجيل اللاحق له، والآن هيا بنا نتأمل سويًا وبصورة أدق دورة حياة الإنسان إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 والمتأمل في الشكل السابق الذي يمثل دورة حياة الإنسان يلاحظ التقدم النمائي في اتجاه واحد وهو من الميلاد حتى الموت، وبالتالي يتبع تسلسل منتظم "فمرحلة الطفولة دائمًا ما تحدث قبل مرحلة البلوغ والمراهقة، والأخيرة تحدث قبل مرحلة الرشد وهكذا". ويشير الشكل رقم "1" إلى رسم تخطيطي لحياة الفرد موضحًا لأحداث مرتبطة بأعمار زمنية معينة.. وواضح أن نقطة النهاية غالبًا ما تقرر أو تحدد بالمتغيرات البيولوجية والفسيولوجية، ويلعب النضج البيولوجي دورًا رئيسيًا ومركزيًا، إلا أن دوره يتناقص من حيث الأهمية كلما انتقلنا من الحمل إلى الولادة، ومن الولادة إلى البلوغ، ومن البلوغ إلى الرشد, ثم إلى الشيخوخة. ولكن ما هي المتغيرات الأخرى غير البيولوجية التي تحدد معنى ودلالة الأحداث على مجرى الحياة؟ وما الذي يجعل هذه الأحداث من المعالم الهامة على طول دائرة الحياة؟ أحد التناظرات المفيدة في هذا المضمار يتمثل في تشبيه الحياة برحلة ذات عدد من الأماكن الهامة المشوقة، بالإضافة إلى وجود ملتقيات حاسمة عصبية على طول الطريق، فمنذ سنوات ماضية، عندما كان السفر والترحال بطيئًا، فقد كانت الطرق عادة ما تتميز بوجود معالم أو بمعلم يدل على المسافة بالأميال لكي يميز لكل ميل في الطريق، وهذه المعالم ذات أهمية لأن المسافرين كانوا ينتقلون نحو الهدف خلال الوقت، كما أن تقدمهم يقاس بكم أو بعدد الأميال التي يقطعونها في كل وحدة زمنية كاليوم على سبيل المثال، وليس بمستغرب أن نجد الإنسان يميل إلى تحديد أو معرفة تقدمه خلال دورة الحياة بطريقة متاشبهة بصورة كبيرة, فنحن على دراية ووعي بتقدمنا خلال العام الماضي، كما أن لدينا الإحساس بالتحرك ببطئ شديد أو بسرعة كبيرة على طول ممر الحياة تجاه أهدافنا والذي يعتمد في جوهره على قياس الزمن أو الوقت المستغرق، وعلى ذلك فإن مفهوم المعالم أو الأحداث الهامة التي تمثل مرحلة من مراحل حياة الإنسان في النمو الإنساني يعتبر مفهومًا مناسبًا إلى حد كبير، ويرجع ذلك بسبب أننا عندما نفكر في دورة الحياة التي ميزناها وحددناها بمعالم نمائية فإننا غالبًا ما نحتفل بتلك المعالم "والأحداث الهامة" مثل التخرج من الجامعة والزواج والإنجاب والتقاعد أو الإحالة إلى المعاش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 فهيا بنا نتعرف على تلك المعالم أو الأحداث الهامة التي ترتبط في ذاكرة الإنسان بصورة ذات دلالة، والعمر الزمني المرتبط بنقاط التحول تلك، أو المعلم الذي يميز كل مرحلة من مراحل النمو الإنساني. وعمومًا فإن سن الخامسة أو السادسة غالبًا ما يكون ذا دلالة ومعنى وذلك لأنه معلم يصف دخول الطفول المدرسة، وبداية فترة طويلة للتعليم والتدريب الرسمي داخل المجتمع. وهذا الحدث يتحدد بصورة أولية واجتماعية عن طريق العمر الزمني الذي يقبل فيه الطفل في مدرسة الحضانة أو المدرسة الابتدائية. والحدث الرئيسي الثاني والمرتبط بالسن يتمثل في بداية مرحلة البلوغ في سن الثانية عشر أو الثالثة عشر تقريبًا. وعلى الرغم من أن الثقافات بصورة عامة وخاصة المتقدمةى لا تحتفل بالبلوغ كطقس أو إجازة مرور وانتقال من فترة نمائية إلى أخرى، إلا أن الأنثروبولوجيين يشيرون إلى أن طقوس وشعائر بداية البلوغ ذات أهمية كبيرة في كثير من المجتمعات، حيث إنها تحدد نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة المراهقة. ففي بعض القبائل الهندية -على سبيل المثال- يجب أن يجتاز المراهق سلسلة من الاختبارات للتعرف على قوته وشجاعته والتي تبلغ ذروتها في الاحتفال بمركزه الجديد، كمحارب أو جندي أو مقاتل. وربما تكون استخراج البطاقة الشخصية أو رخصة القيادة في المجتماعات الحديثة من تلك الإمارات الانتقالية التي تشبه هذه الطقوس المرتبطة بفترة المراهقة في تلك المجتمعات, ومع بداية مرحلة المراهقة، وكثيرًا ما تستخدم فترة المراهقة، كمرحلة طويلة من التعليق وتأجيل النشاطات وهو نوع من التوقف المؤقت الذي يحدث فيما بين نهاية مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد في المجتمع, حيث نجد الكبار قد يعاملون المراهقين أحيانًا كأطفال، وأحيانًا أخرى كراشدين. وبمواصلة دورة الحياة فإننا نجد سن الثامنة عشر يعتبر فترة عمرية هامة يرتبط بأحداث هامة تحدث أثناءها، حيث نجد الكثير من الحقوق والامتيازات الاجتماعية والقانونية تمنح للبالغين في هذا السن مثل استخراج رخصة القيادة وركوب السيارات، والحق الانتخابي والمحاكمة الجنائية كراشد. وعمومًا فإن هذا العمر يعتبر نقطة تحول هامة من الناحية الاجتماعية في دورة حياة الفرد، بمعنى أنه غالبًا ما يكون معلمًا لبداية سن الراشد بالمعنى الاجتماعي والقانوني، كما يحدث لكثير أنه شباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الثامنة عشر حدثًا رئيسيًا ويتمثل في تكملة الدراسة الجامعية، وقد يتضمن ذلك ترك المنزل والانخراط في نمط مختلف من التعليم، وبالتالي الازدياد في الاعتماد على الذات, كما أننا نجد أنه بالنسبة للشباب الذين ينهون المدرسة الثانوية أو الفنية وينخرطون في مجالات العمل أو يشرعون في الزواج، حينئذ نجد أن هذا السن قد يتصف بالاشتراك الكامل في المجتمع كفرد راشد، وعمومًا فمن التعريفات المفيدة لبداية مرحلة الرشد يتمثل في تغيير الأدوار التي تحدث بدخول الفرد مجال العمل، وتكوين أسرة خاصة به، وبالنسبة للأفراد الذين يدخلون الجامعة نجد أن فترة توقف أو تعليق نشاطهم تمتد ما بين خمسة أو ست سنوات حتى ينتهوا من دراستهم الجامعية، وبالتالي نجد أن مرحلة تعليق النشاط بين مرحلة الطفولة والاشتراك الكامل في أدوار الراشدين قد يتأخر قليلا بالنسبة لهؤلاء الشباب, وعمومًا فإن مرحلة الرشد تتصف بتغير الأدوار من الطالب إلى العامل، ومن فرد أعزب إلى متزوج، ومن فرد في أسرة إلى رب أسرة، وهكذا. وقد يكون سن الثلاثين مرتبط ببعض الأحداث الهامة في تاريخ حياة الفرد، فقد يمثل هذا السن وسط العمر، على الرغم من أننا نلاحظ سن الأربعين والخمسين Neugarten & Others؛ "1965"، حيث يشير "نيوجارتن" أن عينة دراسته من الذكور والإناث أشارت إلى أن العقد الثالث والرابع يمثلان سنوات تحمل المسئولية والإنجاز البارز في حياة الفرد، بالإضافة إلى أن الأحداث الرئيسية في حياة الفرد غالبًا ما تحدث خلال هذه الفترة. ولقد أيدت نتائج دراسة بيرن Birren؛ "1969" ما ذهبت إليه نتائج دراسة "نيوجارتن" وآخرين حيث أشارت إلى أن التدهور الجسمي والفسيولوجي يرتبط بصورة كبيرة بوجود بعض الأمراض أكثر من ارتباطه بعمر زمني معين، فالتحول التدريجي نحو الانحدار يميل إلى أنه يعكس نمطًا لحياة الفرد نحو الاستقرار وعدم الرغبة في التنقل والترحال. وعمومًا فكثير من الأحداث الهامة غالبًا ما تقع في العقد الثالث والرابع من حياة الفرد، كالزواج والأبوة والترقي المهني وإنجاب الأطفال والتحاقهم بالمدارس، بالإضافة إلى موت أحد الوالدين لأحد الزوجين أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 كليهما، كما يحدث تحقيق لكثير من الإنجازات التي كان يتمنى الفرد تحقيقها خلال هذه المرحلة، وعلى الرغم من أن هذه الأحداث النمائية الهامة التي تمثل السنوات الوسطى -فترة الرشد- إلا أننا لا نجدها مرتبطة بصورة مؤكدة بالعمر الزمني، فقد تتأثر بالتوقعات الاجتماعية، مثل الوقت الملائم للزواج أو تغيير الوظيفة أو المهنة، أو كون الفرد قد أصبح جَدًا, وتشير نتائج دراسة نيوجارتن إلى أن الراشدين غالبًا ما يكون لديهم حدس في تمييز فترة وسط العمر حيث تختلف نوعيًا عن فترات العمر الأخرى. ويحدث حدثان مهمان في مرحلة الوسطى وهما انقطاع الطمث وبلوغ سن التقاعد، فتوقف الحيض وانخفاض إفراز هرمونات الجنس يحدث عند النساء ما بين 45-55 سنة، وعادة ما يحدد من الناحية الفسيولوجية، أما التقاعد أو الإحالة إلى المعاش على النقيض من ذلك حيث يحدد اجتماعيا ويعتبر معلمًا هامًا لمرحلة الرشد الوسطى, وغالبًا ما يحدد عن طريق قوانين الدولة "سن الستين أو الخامسة والستين", وقد ينظر إلى السنوات الأخيرة من الحياة بحدوث أحداث هامة كالإحالة على المعاش وأن يصبح الفرد جَدًا، وتشير نتائج الفرد دراسة نيوجارتن "1974" أن هذه الفترة قد تعتبر بالنسبة للبعض فترة صحية جيدة، وأمن اقتصادي نسبي، والتخفف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 ثانيًا: بعض نظريات النمو تحاول نظريات النمو لدورة حياة الإنسان تفسير طبيعة عملية النضج ونماذج التغير التي تحدث عند الفرد منذ الميلاد حتى الموت, وتشير تلك النظريات إلى أن الراشدين يستمرون في النمو والتغير بعد فترة المراهقة وحيث إنه يفترض أن النمو يحدث في صورة تقدم متوال، فإن هدف تلك النظريات ينصب على تفهم طبيعة هذا التوالي، وتفسير سبب اضطراب النمو بالطريقة التي يحدث بها، بالإضافة إلى أننا نجد كثيرا من نظريات النمو تسعى إلى التعرف على الموضوعات العامة التي تندرج تحت تلك النماذج من النضج الإنساني بالإضافة لجميع الأفراد في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية, وغالبًا ما تشير تلك النظريات النمائية إلى صورة تسلسل المراحل النمائية والتي يتبع كل منها الآخر في توال معين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وتتركز معظم نظريات النمو على عملية التفاعل بين عديد من العوامل حيث إن النمو الإنساني يتضمن العديد من التأثيرات البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية، إلا أننا نجد أن معظم نظريات النمو تصف عملية النمو عن طريق بعض المصطلحات العامة بصورة نسبية، كما أنها لم تستطع التوصل إلى تفسير قاطع، يرجع إليه تسلسل النمو في تلك النماذج التي وصفتها هذه النظريات، وبالتالي فلا توجد نظرية شاملة يمكنها إلقاء الضوء على سبب حدوث ثمة تغيرات معينة في النظام والصورة التي تحدث فيها، أو كيف يكون مدى تأثر التغيرات التي تحدث بالعوامل الاجتماعية والبيولوجية أو العوامل الفسيولوجية وبالإضافة إلى ذلك فإننا عادة ما نكون غير متأكدين، مما إذا كانت تلك التغيرات تحدث عند الأفراد في كل الثقافات أم لا, وعمومًا فإن هذه النظريات -على أحسن حال- قد تمكنت من وصف تفاعل النمو الثقافي والبيولوجي والنفسي. وسنناقش في ثنايا الصفحات التالية أربع نماذج لنظريات مختلفة لنمو دورة حياة الإنسان, وهي نظرية بوهلر Buhler, ويونج Jung وأريكسون Erihson، وريجل Riegel، ويجب أن تشير ابتداء إلى أن تلك النظريات على الرغم من أنها قد اعتمدت على الاستدلالات التي اشتقت من الملاحظات الإكلينيكية والتجريبية، إلا أنها مع ذلك لم تختبر بصورة دقيقة بواسطة الدراسات والمنهج التجريبي، غير أنها قد أشارت إلى أبعاد هامة لدورة حياة الإنسان، كما أنها جذبت الانتباه إلى نقاط التحول الهامة أثناء سنوات مرحلة الرشد, وقد تشير الأبحاث والدراسات اللاحقة أي من هذه النظريات أو اتحاد منها يكون ذا فائدة بصورة أكبر لتفهم النمو الإنساني, أو على الأقل سنوات أي مرحلة من مراحل الحياة، وسوف نشير كذلك إلى الكيفية والطرق التي تؤثر بها بعض المتغيرات على عملية النمو، مثل تأثير الثقافة والطبقة الاجتماعية. 1- نظرية بوهلر في النمو الإنساني: درست شارلوت بوهلر Charlotte Buhler وتلاميذها دورة حياة الإنسان من خلال السير الذاتية التي جمعت في عام 1930، وطورت وتلاميذها طريقة لتحليل هذه السير الذاتية، للكشف عن التقدم المنتظم لمراحل الحياة على أساس التغير الذي يحدث في الأحداث والمهام والإنجازات أثناء دورة حياة الإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ولقد اهتموا كذلك بتأمل وفحص التماثل بين سياق الحياة -التي كشفت عنها دراسة سير الحياة- والسياق البيولوجي للحياة, وتمخضت هذه الدراسات عن كشف خمس مراحل بيولوجية. 1- النمو التقدمي أو التصاعدي، يستمر من الميلاد حتى سن الخامسة عشر. 2- استمرار النمو، ويتمثل في انبثاق القدرة على التناسل الجنسي وتقع في الفترة ما بين 15 سنة، 25 سنة. 3- ثابت عملية النمو، وتقع ما بين 25 سنة, 45 سنة. 4- فقدان القدرة على التوالد الجنسي، وتقع ما بين سن 45، 65 سنة. 5- النمو التقهقري والضعف البيولوجي، ويحدث من سن 65 سنة. وأشارت "بوهلر وتلاميذها" إلى خمس مراحل للحياة وذلك نتيجة لدراسة أربعمائة سيرة لحياة الأفراد, تتساوق مع تلك المراحل البيولوجية الخمس السابقة وهي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وجدير بالذكر, أن تلك الأعمار الزمنية المشار إليها في الجدول بمثابة أعمار تقريبية، وتعكس -بصورة جزئية- بعض الأعمار الاجتماعية المرتبطة ببعض الأحداث كالتقاعد أو الإحالة إلى المعاش في سن الستين, ويشير وصف فرنكل Frenkel أحد تلاميذ بوهلر للتدرج النمائي للإنسان كما يلي. إن الشخص اليافع، بمجرد أن يمر بمرحلة الطفولة، نجده يحاول أن يضع أول تخطيط لحياته، ويتخذ القرارات الأولى في مرحلة المراهقة أو بعدها بقليل, وفي هذا الوقت تبدأ المرحلة الثانية من الخبرة وتتصف بالواقعية, حيث نجده يرغب أن يتفاعل مع الواقع المحيط به، فهو يجرب مع زملائه الآخرين، وأيضًا يستكشف بعض المهن، كما يحدث توسيع وامتداد لمجال شخصيته، كما تتسم اتجاهاته بالاستقرار المؤقت خاصة في تحديد حياته المستقبلية. وفي نهاية المرحلة الثانية، عادة ما نجد اتجاهات الأفراد أكثر تبلورًا ووضوحًا نحو الحياة، كما نجد الحيوية والنشاط، أثناء المرحلة الثالثة ما تزال في أعلى درجاتها، كما يحدث في هذه الفترة عملية التخصيص والتعيين وبالتالي فإن هذا الوقت عادة ما يكون فترة ذروة بالنسبة للخبرات الشخصية للفرد. وقد تبدأ الأزمات أثناء الانتقال إلى المرحلة الرابعة، حيث نجد قدرات أو قوى الفرد النامية والمترعرعة تصبح في حالة من حالات التجمد أو التوقف، كما يجب عليه التخلي عن كثير من النشاطات، خاصة تلك التي تعتمد على القوة الجسمية أو المرتبطة بالحاجات البيولوجية، وعلى النقيض من تدهور الجانب البيولوجي والخبرات المرتبطة به، نجد تصاعدًا ذو فعالية لميول جديدة مرتبطة بالجوانب الانتاجية في الحياة. وفي نهاية المطاف، أثناء المرحلة الخامسة، نجد التقدم في العمر الزمني يرتبط بهواجس الموت، والشكوى من العزلة، وغالبًا ما يكون الفرد منشغلا بالتساؤلات والاستفسارات الدينية, وتتضمن هذه المرحلة الأخيرة خبرات ذات طبيعة استرجاعية وبعض الآراء ووجهات النظر المرتبطة بالمستقبل وعادة ما تكون متمركزة حول اقتراب الموت واسترجاع الحياة السابقة، كما أن استمرار التساوق والتوافق مع الحياة غالبًا ما يكون ضعيفًا أو متوقفًا Frenkel؛ "1936". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 وبصورة عامة، فإن وجهة النظر السابقة تشير إلى التوازن أو الاتساق بين العمليات البيولوجية للنضج، والتقدم نحو النهاية حيث يحدث اتساع لنطاق العمليات النفسية والاجتماعية، ثم بلوغ الذروة، ثم التقلص أو الانكماش في الأنشطة، والإنجازات، وغالبًا ما يكون العامل البيولوجي في قمة أو طليعة نمو الفرد النفسي والاجتماعي، ويصدق ذلك -بصورة خاصة- عندما يسمح الاعتماد على القدرات العقلية للشخص في الاستمرار أو مواصلة الكم المرتفع من الإنتاجية لعديد من السنوات بعد أن تكون القدرة الجسمية قد بدأت بالفعل في التدهور، وجدير بالذكر فإنه يحدث تباينات وتنوعات فردية هامة، حيث قد يصبح فرد ماذا إنتاجية عالية، أكثر مما يحدث في الفترة الأخيرة من حياته، ويصل إلى مرحلة الذروة النفسية والاجتماعية بعد سنوات عديدة من بلوغه فترة ذروته البيولوجية. والتعديلات التي أدخلتها، "بوهلر" "1968" على نظريتها تشير وتؤكد على عملية صياغة الفرد لأهداف معنية "وبالتالي فإن هذا التتابع النمائي ينظر إليه أيضًا على أنه يعكس وجهات نظر مختلفة في وضع أهداف الفرد للمراحل المختلفة في ذروة حياته، فمثلا إن الأهداف تتخذ صورة الثبات التدريجي أثناء العشرين سنة الأولى من حياة الفرد، والتي تؤدي بالتالي بصورة نموذجية إلى تحقيق الذات أثناء فترة الذروة، كما أن بعض الأفراد الذين يتسمون بالحيوية، قد يعيدوا فحص وتأمل هذه الأهداف ويسعون إلى تحقيق أهداف جديدة أثناء المرحلة الرابعة من حياتهم، وعمومًا تميل الأهداف إلى الاستقرار والثبات بالنسبة لمعظم الأفراد، خاصة في النصف الثاني من الحياة، ولقد أوضحت دراسة كاهلن Kuhlen وجونسون Johnson؛ "1952" تبدل الأهداف أثناء السنوات الوسطى لدى مجموعة من مدرسي المدارس العامة، وأوضحا وجود اختلافات جنسية وكذلك اختلافات عمرية، كالحصول على عمل مختلف، أو الترقي في التعليم مثلا. ويوضح "كوهلن Kuhlen؛ "1964" في نظريته لنمو الإنسان فترة الذروة والانكماش بطريقة مختلفة إلى حد ما، حيث يفترض أن دوافع اتساع نطاق النمو "مثل الإنجاز، والسلطة، والابتكار، وتحقيق الذات" عادة ما يهيمن على سلوك الفرد أثناء النصف الأول من حياته، كما أنها يمكن أن تتغير خلال حياة الفرد بسبب إشباعها نسبيًا "كالحاجة إلى النجاح أو الحاجة إلى الجنس"، وكذلك بسبب انتقال الفرد إلى مراكز اجتماعية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 جديدة "كأن يصبح أبا أو أمًا أو مديرًا لمؤسسة ... إلخ", ويشير "كاهلن إلى أن التقدم في العمر الزمني يحدث عملية تحول من الإشباعات المباشرة للحاجات إلى نوع آخر من الإشباعات يحصل عليها بطريقة غير مباشرة أو بطريقة بديلة، وعلى ذلك فإن دورة حياة الإنسان من الممكن وصفها بواسطة منحنى الاتساع ومنحنى الانكماش. ويصبح القلق والخوف -في النصف الثاني من الحياة- أهم مصادر الدافعية في نموذج "كاهلن", وقد يبدأ ذلك في منتصف العمر عندما يشعر الإنسان بانتهاء عملية التوسع أو الامتداد, وتقلص نشاطاته وبالتالي يبدأ في التأثر بالتدهور والفقدان الذي لا يمكن الفكاك منه؛ "كالأمراض الجسمية، وموت الأصدقاء، افتقاد فرص العمل", ولقد أشار "كاهلن" إلى عديد من الدراسات التي أوضحت أنه مع التقدم في العمر يشعر الأفراد بأنهم أقل سعادة كما ينظرون إلى ذواتهم بصورة أكثر سلبية، ويشعرون بفقدان الثقة بأنفسهم ما تتميز هذه المرحلة بازدياد أعراض القلق بين الأشخاص المسنين, ولقد أشارت النتائج أيضًا إلى أن المسنين عادة ما يكون تأثيرهم أضعف على النساء، كما أن المسنين من الطبقات الاقتصادية المرتفعة عادة ما يكون تأثيرهم أقل على النساء من الرجال المسنين في الطبقة الاقتصادية والاجتماعية الأقل. وبإيجاز فإن وجهة النظر هذه لنمو الراشدين تشير إلى أن دورة حياة الفرد يمكن أن ننظر إليها عن طريق اتجاهين عامين وهما، اتجاه امتداد أو اتساع النضج، واتجاه تقلص أو انكماش النضج, وقد ينظر إلى مرحلة الحياة الوسطى -في بعض الأحيان- بأنها تعتبر نقطة تحول رئيسية بين هذين الاتجاهين المتناقضين, ويحدد بوهلر Buhler نقطة التحول أثناء فترة تقييم الذات، والتي تقع في مرحلة الذروة أو الأوج في منتصف حياة الشخص "ما بين سن الأربعين وخمسة وأربعين", وجدير بالذكر فإن "كوهلن" لم يوضح نقطة التحول هذه بصورة واضحة، حيث أشار إلى أنها قد تنتج من إشباع دوافع النضج الامتدادي أو الاتساعي المبكر والتي تؤدي إلى ظهور دوافع أخرى، كما أنها قد تنتج عن الفقدان الجسمي أو الاجتماعي أو من الانغلاق في الموقف أو حتى تجاه وجهة النظر المتغيرة الناتجة من أنه قد عاش أكثر من نصف حياته، كما أنها قد تنتج من تفاعل العوامل الاجتماعية والعوامل البيولوجية والعوامل النفسية والتي قد تؤثر على الرجال والنساء، بصور مختلفة، كما تؤثر في الأفراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة بطرق متباينة, والجدير بالذكر فإن "بوهلر" يشير أنه كلما حدث تبدل في الأهداف الموضوعة أو في الدافعية، فإن الإحساس بعدم تحقيق هدف معين يكون أكثر فعالية وأهمية من التدهور البيولوجي والجسمي، في استثارة سوء التكيف والتوافق عند المسنين, ولذلك فإن التعامل مع القلق والخوف أو التهديد عادة ما تكون واضحة -بصورة أكبر- في النصف الثاني من الحياة بينما دوافع النضج واتساع نطاق النمو قد تكون أكثر وضوحًا وبروزًا أثناء النصف الأول من الحياة وعمومًا فإن إحساس الفرد بأنه قد حقق "أو لم يحقق" أهدافه يؤدي به إلى إحساس التكامل والإشباع والعكس بالعكس, ومن الجدير بالذكر فإنه يجب الإشارة إلى أن كثيرا من جوانب نظرية "بوهلر" ونماذج نظرية كهلن متشابهات بصورة كبيرة مع نتائج الدراسات المعاصرة في النمو التي تناولت فترة الشباب وفترة الرشد الوسطى، وأزمات فترة منتصف العمر. 2- نظرية بونج لمراحل الحياة: يجب الإشارة إلى أن وجهة نظر "بوهلر" في مراحل الحياة كانت نتيجة الدراسة التصنيفية والنظامية للسير الشخصية، كما أن مفاهيم "كوهلن" قد اعتمدت على الدراسة الأمبريقية الواسعة، إلا أن وجهة نظر "يونج" لمراحل الحياة قد اعتمدت -بصورة جوهرية- على أعماله الإكلينيكية ونظريته النفسية، فهو يبدأ مناقشته لمراحل الحياة بفترة الشباب، وهي الفترة التي تمتد من بعد المراهقة إلى السنوات الوسطى من الحياة "ما بين 20، 25 سنة", ولقد كان "يونج" مهتما بالمشكلات النفسية، وعلى الرغم من أنه قد يبدو من المستغرب إلا تتضمن نظريته فترة الطفولة، إلا أننا نجده يشير لتفسير ذلك أنه بينما يكون الطفل بمثابة مشكلة لوالديه ومعلميه والأطباء، إلا أنه لا يكون لديه أنماط من الشك وعدم الثقة في ذواتهم, ففترة الشباب تتضمن التخلي عن أحلام الطفولة، والتعامل مع الغريزة الجنسية ومشاعر الدونية، ويحدث في أثناء هذه الفترة اتساع أفق الحياة، كما يحدث التغير الهام الثاني في حياة الفرد تبعًا ليونج فيما بين 35، 40 سنة, ويوضح يونج وجهة نظره بقوله "أن التغير الذي يحدث في تلك الفترة غالبًا لا يكون تغيرًا شعوريًا أو عامًا، ولكنه بالأحرى أمارات وإشارات غير مباشرة والتي تبدو أنها تحدث داخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 اللاشعور وغالبًا ما تصاحب ببعض الأمور كالتغير البطيء في خصائص الفرد، وقد تظهر في ثمة حالات أخرى، سمات معينة تكون قد اختفت منذ فترة الطفولة، أو قد تبدأ ميول ورغبات في الضعف وأن تحل محلها رغبات أخرى جديدة، وكثيرًا ما تبدأ مبادئ الفرد وتحريمات التعلق أو التدلل خاصة المبادئ اللاأخلاقية أو التحريمات الأخلاقية، غير مرنة، كما تنمو بصورة جامدة حتى يشارف الفرد الخمسين من عمره، وبالتالي يعيش الفرد فترة جمود وحساسية مفرطة، وإذا وجدت تلك المبادئ الجامدة عادة ما تعرض الفرد للخطر وبالتالي يكون من الضروري التدخل الإرشادي والعلاجي لهذه الحالات. ولقد نظر إلى الاضطرابات العصابية أثناء سنوات مرحلة الرشد، كمؤشر لنقل الفرد والمتاعب السيكولوجية من فترة المراهقة إلى سنوات مرحلة الرشد، مثلما تعكس الاضطربات العصابية في فترة الشباب، عدم قدرة الفرد على تجاوز فترة الطفولة وتخطيها, ويشير "يونج" إلى حدوث تغيرات غريبة مميزة وعميقة الجذور لدى المسنين, فقد يوجد الميل عند بعض الأفراد في التغيير إلى النقيض خاصة في الجوانب النفسية فمثلا قد يصبح الرجل المسن أكثر أنثوية, وقد تصبح المرأة المسنة أكثر ذكرية، ويستطرد يونج بقوله إلى وجود عملية تجمد أو عناد داخلي" تقدم وتقوي تقليص أو انكماش نشاطات حياة الفرد, وبصورة عامة فإننا لا نستطيع أن نحيى في خريف العمر تبعًا لنمط حياة فترة شباب العمر، حيث تصبح الأشياء التي كانت مهمة وعظيمة الأشياء التي كانت حقيقة في شباب العمر، ستصبح سرابًا خادعًا في خريف العمر. وعمومًا يجب أن يكون هناك بعض الأغراض والأهداف في حياة الفرد، تستمر معه حتى السنوات الأخيرة من حياته، كالاهتمام والرعاية بالأطفال الصغار، ولكن ماذا تكون غرض وغاية الحياة بعد تحقيق ذلك؟ هل يكون غرض الحياة هو التنافس مع الشباب كما يحدث في كثير من الأحيان في المجتمع الحديث؟ ويشير يونج في الإجابة على ذلك السؤال المطروح، أننا نجد في المجتمعات البدائية غالبا ما يكون الأشخاص الكبار مصدر الحكمة وحفظة الأسرار والقوانين، حيث يعبر الميراث الثقافي للقبيلة عن ذلك، وعلى النقيض من ذلك نجد كبار السن في المجتمعات المتقدمة حيث يحدث لديهم فقدان الإحساس الواضح بمعنى وغرض الحياة، وبالتالي يتثبتون على مرحلة شبابهم بدلا من الانتقال على مراحل الحياة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 التالية، ويشير يونج أن كثيرًا من المسنين يصلون إلى هذه المرحلة النمائية بمطالب غير مشبعة، ولا يستطيعون مقاومة الارتباط بالماضي، ولكن من الضروري أن يكون لهم هدف وغاية لمستقبل أيامهم، ولهذا يشير إلى أن الأديان السماوية عادة ما تقدم الأمل في حياة أخرى بعد الموت، وبالتالي تجعل الإنسان يحيى النصف الثاني من حياته بآمال وأهداف كما هو الحال في النصف الأول من الحياة. ويستطرد يونج بقوله: إن بعض الأفراد بسبب عدم اعتقادهم بوجود حياة بعد الموت، وعلى الأقل في الشك فيها، قد أصبحوا عرضة للقلق والوهن، مثل بعض الشباب الذين لا يستطيعون تطويق الحياة ومعانقتها، وبالتالي فإن الإيجابية تقتضي أن يكتشف الإنسان أن الموت هو غاية الحياة والنهاية الحتمية للإنسان، ويجب بالتالي أن يتحرر من الخوف والذعر منه، ويتخلص من الاعتقاد بأنه شيء غير عادي أو غير صحي يسلب الغرضية والغاية من النصف الآخر من حياة الإنسان، وسنلقي الضوء على ذلك في الفصول الأخيرة من هذا المؤلف إن شاء الله. ويستطرد يونج بقوله: "إننا عادة ما نرى أن اهتمام الفرد في النصف الثاني من الحياة يتحول إلى صورة أو اتجاه روحي، أو إلى داخل الإنسان ذاته، وهذا التفجير الداخلي قد يساعد الأفراد على التوصل إلى تفهم معنى الحياة، وكمالها وبالتالي يجعل من الممكن بالنسبة لهم تقبل فكرة الموت، وسنرى تفصيل ذلك في الفصل الأخير من هذا المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 3- نظرية فرويد للنمو النفسي الجنسي: منذ أن فجر "فرويد" أفكاره في أن البواعث الجنسية -بالمفهوم الشامل- موجودة منذ الولادة، وبالتالي استمرارية النمو النفسجنسي, حيث وصف المراحل العديدة للنمو النفسي الجنسي باستفاضة وتفصيل كبير في كتابات التحليل النفسي، إلا أنني أود أن أشير إلى بعض الملامح الرئيسية الهامة في النظرية العامة للتحليل النفسي، وذلك قبل إلقاء الضوء على مراحل نظرية "فرويد" في النمو النفسجنسي. 1- إن اللذة الجنسية ليست فقط محدودة بالنشاط الذي يرتبط بصورة مباشرة بالأعضاء التناسلية، حيث توجد مناطق أخرى من الجسم تسمى بالمناطق الشبقية Erogenous Zones. وعند تلقيها للمثير المناسب فإنها بالتالي تعطي الإحساس بالمتعة الجنسية "كالغشاء المخاطي في الفم، وكالشرج". 2- في كل فترة زمنية من نمو الفرد، نجد أن هناك منطقة واحدة من الجسم تميل إلى أن تحل محل المناطق الأخرى كمصدر للذة، فمن خلال المراحل النمائية السوية المختلفة للكائن البشري، نستطيع أن نرى تتابعًا مرتبًا كلما انتقل الفرد، من منطقة إلى أخرى، وذلك للحصول على غايته الجوهرية وهي اللذة، وجدير بالذكر أن هذا الترتيب متشابه عند جميع الأفراد، إلا أن توقيت ذلك يختلف فيما بينهم. 3- إن السمات الشخصية للفرد يتأثر تكوينها ونموها بطبيعة تكوينه ونموه النفسي الجنسي، وهكذا فإن فشل الفرد في إحلال منطقة من الجسم المنطقة التالية في التتابع كمصدر للذة سيكون لذلك نتائج هامة على سمات شخصيته عند البلوغ. وبصفة عامة فإننا نستطيع أن نلقي الضوء على معنى هذه المبادئ العامة، وذلك عن طريق وصف المراحل النفسية الجنسية في ترتيبها العادي من حيث الظهور. أ- المرحلة الفمية Oral Stage: لقد أكد "فرويد" أن الطفل يزاول عملية الرضاعة ليس فقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 ليحصل على الغذاء، ولكن لأن عملية الرضاعة لذة في حد ذاتها، ومتعة وفي الحقيقة فإن عملية الرضاعة من صدر الأم، يقال: إن لها سمة جنسية لكل من الطفل الرضيع وأمنه، الجنس إذن بالمعنى الفرويدي الواسع نستطيع أن نتعرف عليه أولا عن طريق الفم وليس الأعضاء التناسلية "وبمعنى آخر إن الجنس يتماثل أو يتطابق مع عملية الرضاعة"، وذلك حتى استثارة أغشية الفم في غياب التغذية، إذ إن الطفل الرضيع سيمتص تقريبًا أي شيء يصل إلى فمه، وبظهور الأسنان والتي تعطي الطفل القدرة على العض حينئذ يمكنه الحصول على اللذة من العض العدواني، وكذا من الامتصاص الحسي. ب- المرحلة الشرجية: فيما بين السنة الأولى والسنة الثالثة من حياة الوليد البشري، نجد أن النشاط الفمي يقل في أهميته النسبية نوعًا ما، ويصبح النشاط الشرجي أكبر من حيث الأهمية, ولقد أشار "فرويد" أن الطفل يتمتع بكل من عملية الطرد أو الاستبقاء ما بداخل أحشائه، ويستطرد "فرويد" بقوله إن الناشط الشرجي ممتع بصورة مباشرة، أو ممتع فسيولوجيًا، أي أن استثارة نهايات العصب الحساس في الأمعاء وحول فتحة الشرج تخلق أحاسيس لذيذة لدى الطفل، ولكن النشاط الشرجي يصبح أيضًا مركزًا للتفاعل بين الوالدين والطفل، فمثلا عن طريق تدريب الطفل على عملية التبرز، فإن الوالدين قد يزيدا من حساسية الطفل لهذه المنطقة، وقد يحصل على متعة إما بطرد أو استبقاء البراز وذلك يرجع إلى الاستجابات الوالدية لتدريبات تبرزه, والتبرز بصورة مناسبة ربما يجلب المكافأة وذلك عن طريق الثناء من والديه، أما إذا تبرز في وقت أو مكان غير مناسب "أو لم يتبرز على الإطلاق, فقد يكون ذلك بمثابة إحدى الطرق القليلة التي يعبر بها الطفل عن العداء لهم. ج- المرحلة القضيبة Phallic Stage: إن المرحلة الشرجية تمهد الطريق بدورها إلى تقوية الاهتمام بالأعضاء التناسيلة كمصدر أولي للإحساس بالمتعة، حيث إن السنوات ما بين ثلاثة إلى خمس أو ست سنوات لها تأثير في تقوية الإشباع الجنسي عن طريق لمس الطفل لأعضائه التناسلية، إذ إننا نلاحظ خلال هذه الفترة أن الطفل يجد متعة أساسها المداعبة باليد، حيث إنه لم ينضج فسيولوجيًا إلى الحد الذي يجعله قادرًا على الإيفاء بالممارسة للفعل الجنسي مع أفراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الجنس الآخر, ومع الأهمية المتزايدة في استثارة الأعضاء التناسلية تنشأ ظروف سيكولوجية معينة، حيث إننا يجب الآن أن نضع في الاعتبار ما يسمى بقلق الخصاء, وحقد القضيب، وعقدة أوديب "عشق الابن لوالده من الجنس الآخر". قلق الخصاء هو خوف الصبي، عندما يكتشف اللذة من الاستمناء Masturbation من أنه قد يفقد قضيبه وذلك باستئصاله عقابا له، إن الوالدين في محاولة منع الصبي من العادة السرية قد يكون عن طريق تخويفه وقد يدرك تحذيراتهم على أنها تحذيرات أو وعود بالخصاء. والخصاء كإمكانية واقعية تتجسد في عقل الصبي عندما يلاحظ أن البنت ينقصها عضوا للذكورة، ويستنتج أنها قد عوقبت باستئصال أعضائها وربما يحدث ذلك بالنسبة له. والبنت الصغيرة تبعًا لآراء "فرويد" على عكس ذلك، تتأثر بحسد القضيب وذلك عن طريق ملاحظتها أنها تنقصها مصدر اللذة الذي هو عند الصبي "عضو ذكورته"، ومن ثم فإنها تصبح حاسدة، إنها قد تستنبط أيضًا بأن أعضاءها قد استؤصلت بسبب بعض الأفعال الخاطئة التي أتتها. وجدير بالذكر أنه إذا ما كون الصبي قلق الخصاء، أو أصيبت البنت بحسد القضيب، فإن سلوكهما قد يتأثر بصورة عميقة. وخلال المرحلة القضيبية، فإن عقدة أوديب "أو عقدة أليكترا عند البنت" وحل كل منهما، يلعب دورًا جوهريًا في تحديد مجرى التكوين النفسي في المستقبل, هذا المفهوم معقد للغاية، ولكن الفكرة الجوهرية فيها يمكن إيجازها فيما يلي، إن الصبي يميل جنسيًا نحو أمه، وتميل البنت نحو أبيها، وبما أن مزاولة أو تحقيق مثل هذه العلاقات المحرمة من المحال، فإن الطفل يجب أن يتخلى عن الموضوع ويصبح موجه جنسيًا نحو شخصيات غير أبوية، وكيف يعمل الصبي أن يتداول مع مشكلته في هذا المجال، وجدير بالذكر أن هذا الأمر على أهمية كبيرة بالنسبة للنمو النفسي في المستقبل لدى "فرويد". د- مرحلة الكمون Latency Stage: مع اقتراب نهاية مرحلة الحضانة تتقلص الدوافع الجنسية في أهميتها تبعًا لوجهة نظر "فرويد" حيث تكبت الدوافع أو البواعث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 الشهوانية نحو الوالدين، ويلقي الصبي بنفسه في تنمية مواهبه ومهاراته والتي تكون خالية نسبيا من التورطات الجنسية، ولقد كان اعتقاد "فرويد" أن هذه المرحلة من الكمون هي جزء من نمط بيولوجي فطري، إلا أن الدراسات التالية فشلت في تأكيد هذا الرأي, والواقع أن هناك أدلة تستحق الاعتبار والتي تشير إلى أن قدرًا كبيرًا من حب الاستطلاع والاستكشاف الجنسي تستمر خلال سنوات المدرسة الابتدائية، إلا أننا نرى أن الأطفال يصبحون مهرة جدًا في إخفاء هذا النشاط عن الآباء والمدرسين المعارضين لهذا النشاط. هـ- المرحلة التناسلية Genital Stage: بدخول الطفل مرحلة البلوغ، فإنه بذلك يدخل فترة نأمل أن تتوج بتكيف في النضج الجنسي الغيري، والشخص الذي يصل إلى هذه الحالة فقد وصل بتعبير "فرويد" بالتوافق النفسي الجنسي للمرحلة التناسلية، مثل هذا الشخص لا يحصل على الإشباع الأولي من الممارسات الفمية الشرجية، أو الإهاجة الذاتية، وأنه غير مقيد بقلق الخصاء أو بحسد القضيب، وغير قادر على إقامة علاقات جنسية مثلية شاذة وذلك بسبب حل عقدة أوديب أو عقدة ألكترا حيث يصل إلى لذته ومتعته الجنسية العميقة عن طريق المعاشرة الجنسية مع شريكه من الجنس الآخر والتي يحبها ويحترمها. 4- نظرية أريكسون: تعتبر نظرية "أريكسون" من أول النظريات التي تتعامل مع ارتقاء الفرد من الطفولة حتى الشيخوخة، وهي نظرية نفسية اجتماعية، ويبني "أريكسون" أفكاره على نظرية "فرويد" في التحليل النفسي ويعتبرها بمثابة حجر الأساس الذي يبني عليه كل ما تقدم في هيكل نظريته الكاملة، حيث يهتم "أريكسون" وكذلك "فرويد" بالعلاقة العاطفية بين الأفراد أكثر مما يهتما بالشخصية كما هي. إن اضطراب الشخصية يعتبر اختلالا في التوازن اللبيدي في كل أهل المنزل، ومع نضج الطفل يؤثر على الأسرة بقدر ما تؤثر عليه، والمجتمع في حاجة المواليد من أجل استمراره، كما أن الوليد في حاجة للمجتمع من أجل تغذيته, إن الطفل الوليد يشعر بالمجتمع الأول مرة من خلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 جسمه، فالملامسات الجسمية ذات الدلالة هي أولى الأحداث الاجتماعية التي يواجهها الرضيع, وهي تكون بداية الأنماط النفسية لسلوكه الاجتماعي في المستقبل. وعمومًا فإن نظرية "أريكسون" ركزت على ما يلي: 1- ركز "أريكسون" على منطقة الـ"أنا" Ego التي أشار إليها "فرويد" في نظرية التحليل النفسي أكثر من تركيزه على منطقة الـ"هي" ID، واهتم بصراع الإنسان من أجل الكفاح والسيطرة، ولكنه لم يعط نفس القدر من الاهتمام للغرائز كما فعل "فرويد". 2- قدم "أريكسون" الطفل في علاقته بوالديه داخل الإطار الأسري، وركز اهتمامه على التفاعل بين أفراد الأسرة، بينما قدم "فرويد" الطفل في إطار واقعية مثلث الطفل, الأم, الأب. 3- اهتم "أريكسون" بتحديد فرص النمو لدى الفرد لتعينه على التصدي للأزمات النفسية في الحياة، حيث ركز على الحل الناجح لأزمات النمو، وأن كل أزمة سواء كانت نفسية أم شخصية أم اجتماعية تؤدي إلى نضج الفرد في حين اهتم "فرويد" باللاشعور وبالمكبوتات وحذر من التدهور الاجتماعي للفرد إذا ما ترك فريسة للضغوط الداخلية الكامنة في اللاشعور والتي يكون لها دور أساسي في تحديد الأسباب المؤدية للمرض النفسي. وبذلك يصف أريكسون نظريته في ثمة مراحل متتابعة من مراحل النمو، وتقع المراحل الثلاثة الأخيرة منها في مرحلة الرشد والشيخوخة والمراحل الخمس الأولى هي أساسًا إعادة تشكيل وامتداد لمراحل النمو النفسي، الجنسي لدى فرويد. غير أن هذه المراحل بالنسبة لأريكسون هي مراحل دائبة الحركة، حيث إن الفرد لا يملك شخصيته أبدًا، بل هو دءوب على إعادة تنمية شخصيته. ويركز "أريكسون" في كل مرحلة على كلمة حاسة Sense وذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 لأن الشعور بالإنجاز أي تحقيق إحساس إيجابي بالفعل يعتبر من أهم العوامل الحاسمة لتحقيق مطالب النمو في المراحل التالية. كما أن مفهوم الأزمة Crisis يلعب دورًا مهمًا في نظريته حيث إن كل مرحلة من مراحل النمو توجد بها فترة أزمة "أي نقطة تحول" Turning Point وهذه النقطة إذا ما تم التعامل معها بنجاح فإن المريض يبرأ ويشفى من سقمه، وبالتالي إذا ما تعامل الوالدان بنجاح مع طفلهما عند هذه النقطة فسيصلون به إلى بر الأمان ويتكون لديه إحساس إيجابي بانجاز مطالب نمو مرحلته التي يعيش فيها ويعمل على تحقيق مطالب النمو للمراحل التالية. ويمكن اعتبار أن لكل مرحلة أزمة رأسية تنتهي بحل نفسي اجتماعي فردي، وأزمة أفقية تتطلب حلا على المستويين الفردي والاجتماعي لمشكلة القوى الدافعة، كما أن حياة الفرد تتخللها فترات خاصة من الأزمات أو نقطة تحول سواء كانت نقطة التحول في حياتنا أو في نمونا حيث تمر لحظات من التردد واتخاذ القرار في اتجاه النضج والتقدم والتكامل أو النكوص والتأخر. ولقد استخدم "أريكسون" كلمة ضد Versus أو في مقابل للدلالة على وجود صراع حيوي بين قوتين متضادتين يولد تحديات للأنا لتنشط وتجد حلا ناجحًا مشتركًا لفض هذا الصراع في كل مرحلة من مراحل النمو، وتتولد حركة تصاعدية في معدل نضج الفرد، وهكذا ينتقل الفرد من مرحلة إلى مرحلة أخرى في تسلسل منتظم من النمو. وقد تناول بعض المتخصصين نظرية "أريكسون" ومراحل النمو فيها باعتبارها نظرية نفسية، اجتماعية، في التحليل النفسي، وتناولها بعضهم مقارنة بمراحل النمو في نظرية "فرويد" للتحليل النفسي كنظرية نفسية جنسية في النمو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 مراحل النمو عند "أريكسون": أولا: مرحلة المهد "أو الرضاعة" Infancy الثقة مقابل فقدان الثقة Trust Versus Mistrust: إن الأطفال الرضع في هذه المرحلة "خلال السنة الأولى من ميلادهم ينمون إحساسات نسبية بالثقة أو عدم الثقة في العالم المحيط بهم ويكون ذلك من خلال الأم حيث تلعب خبراتهم الأولى دورًا حاسمًا في هذه المرحلة، فالطفل يقابل المجتمع بفمه حيث يتلقى ويعطي الحب بفمه من خلال السلوك الانضمامي مع الأم حين تبرز البيئة من خلال ثدي الأم أو زجاجة الرضاعة البديلة، حيث إن الحب والدفء والحنان وبهجة الاعتماد تنتقل إلى الطفل عندما تضمه وتحتضنه أمه، فيشعر الوليد بالدفء والابتسامة العذبة، ويتنامى شعوره بالأمان. كما يتم اختبار العلاقة بين الطفل وأمه مرة أخرى من خلال مرحلة العض وإحداث الألم مع بداية ظهور أولى الأسنان، والعض على ثدي الأم مما قد يسبب انسحاب الأم، ويتولد لدى الطفل إحساس جديد للإمساك والعض بحدة وبشكل أشد، ورغم ذلك فإن الأم تستجيب له ولاحتياجاته وتقوم برعايته. ومن هنا، فإن كل نتيجة ناجحة لثقة الطفل بأمه نتيجة لكفاءتها في رعايته تؤدي إلى ثقته بنفسه وبالعالم من حوله، مما يؤدي إلى توليد توقعات أخرى مقبولة لخبرات ثقة جديدة. ولذلك تكون حاسة الثقة الأساسية لدى الطفل بالتعارض أو مقابل حاسة فقدان الثقة الأساسي، وهي نقطة التحول إلى الفترة الحرجة في مرحلة نموه الأولى، وتقابل هذه المرحلة، المرحلة الفمية Oral Stage عند فرويد، وقد تحدث بعض المشكلات الشخصية لدى الفرد ويكون أساسها هو المرحلة الفمية المصية أو بلغة "أريكسون" مرحلة الإحساس بالثقة التي تكون الأم المؤثر الأساسي فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 2- الطفولة المبكرة, الاستقلال الذاتي مقابل الخجل والشك: Early Childhood-Autonomy Versus Shame and Doubt: الأطفال في هذه المرحلة "من 2-3 سنوات" يرتقي لديهم النضج العضلي ويصاحب ذلك قدرتهم على الإمساك بالأشياء، وتركها، حيث إن الطفل في هذه المرحلة يتفاعل مع العالم من خلال إمساك الأشياء وإسقاطها، وكذلك أيضًا من خلال عمليات التدريب على التحكم في الإخراج, وتكون بذلك المنطقة الشرجية محورًا لجهود الطفل الجسمية والنفسية والاجتماعية، حيث إن التدريب على الإخراج يعكس العلاقة بين الطفل ووالديه، من حيث كيفية تأسيس القواعد المتفق عليها من الجانبين. وهذا لا يتأتى من خلال قيام الأم بوظيفتها كما يجب نحو رعاية طفلها وثقتها فيه وموافقتها على الوقت والمكان المناسبين لتصريف فضلات طفلها وتقابل هذه المرحلة الشرجية Anal Stage عند فرويد. كما أن الطفل في هذه المرحلة يجد صعوبة بالغة إذا وجد داخل حدود معينة محددة لنشاطه، فهو يريد أن يستطلع كل ما حوله بنفسه ويحقق إنجازات جديدة، ولذلك يركز "أريكسون" على النمو السوي للأنا التي تسمح للطفل بإدراك الحياة وتكامل استقلاله الذاتي، حيث إن تدريب الوالدين للطفل على نظام التواليت يؤدي إلى إحساسه بالثقة والسيطرة على النفس والاعتزاز بها دون أدنى فقدان لكرامته وبالتالي ينبع لديه إحساس قوي ودائم بالكبرياء والاستقلال الذاتي، وعلى عكس العجز العضلي والشرجي للطفل الذي يفقده السيطرة على نفسه ويولد لديه إحساسا بالاعتماد المفرط على الوالدين والذي يتبعه إحساس دائم بالخجل والشك. ولذلك فإن المسئولية تقع على عاتق الأبوين من حيث معرفتهم وفهمهم لحدود نمو طفلهم وما يفترض منه أن يعمله وما لا يعمله لأنه لا يزال قابلا للتشكيل، وكذلك متى يمنحونه الحرية في بعض الجوانب ومتى يتشددون في جوانب أخرى، فينعكس ذلك على إحساس الطفل بالتسامح وتأكيد الذات وأيضًا منحه استقلالا تدريجيًا يؤدي إلى أن يكون نموه أكثر صحة. ويرتبط إحساس الخجل أيضًا بخبرات الطفل عندما ينتصب واقفا لأول مرة ويجد نفسه صغيرًا، مترددًا بلا قوة في عالم الكبار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وفي هذه المرحلة يطعم الطفل نفسه ويمشي ويرتدي ملابسه ويفتح الأشياء ويغلقها بمفرده، ويوضح "أريكسون" أن ميلاد طفل جديد على الطفل الموجود في الأسرة يعتبر منافسًا له ويقابله بالغيرة، ولذلك لأن هذا المولود الجديد الدخيل سوف يتطلب قدرًا كبيرًا من رعاية واهتمام الوالدين به، وبخاصة الأم. 3- سن ما قبل المدرسة, المبادأة مقابل الذنب: The Preschool Age-Initiatve Versus Guilt: الأطفال في هذه المرحلة من "3-6 سنوات" يمرون بخبرات كثيرة تتعلق بالقابلية للحركة، فيتحركون كثيرًا، ويمشون, ويجرون، ويقفزون وبعض الآباء والأمهات يحدون حركة الأبناء خوفًا من إفساد ترتيب المنزل. وترتقي اللغة والخيال بالطفل ويتعلم أن يخطط وينفذ ما خططه، ويتحرك من خلال اتجاهاته وأهدافه، فهو الآن يتعرف على الفروق بين الجنسين، ويطرح أسئلة كثيرة وبخاصة للوالدين، ويبدأ في خلالها في فهم الكثير من أسرار الحياة الماضية واللاحقة. وهذا بالتالي يؤدي إلى توسيع دائرة مجالات أنشطته وخيالاته وخاصة إذا وجد الإجابة على أسئلة لدى الوالدين. ومن هنا فإن النمو النفسي في هذه المرحلة يتركز على أن منظمات الهو والأنا والأنا العليا تعمل جاهدة على أن يكون هناك توازن متبادل داخل الفرد حتى يصير وحدة نفسية متكاملة، وشخصية لها حقوقها. وينعكس ذلك على علاقة الطفل بوالديه لأن شعور الطفل النامي يتكون من خلال الأنا العليا للوالدين ومن تراثهما الثقافي الاجتماعي المنبثق من ثقافة المجتمع، وبالتالي ينمي الطفل ضميرًا واتجاهًا والديا يعمل على ملاحظة الذات وتوجيهها وكذلك عقابها حتى يحافظ على اتزانه. إن ارتقاء الطفل الآن يساعده على القيام بأشياء كثيرة عما كان يقوم به من قبل وبالتالي يتولد لديه إحساس بالإنجازات الحقيقية، وأحيانا يتعرض للحظات يتولد فيها الخوف من الخطر والإحساس بالذنب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وتقابل هذه المرحلة القضيبية Phallic Stage عند فرويد، وتظهر العقدة الأوديبية على المستوى اللاشعوري من خلال حب الولد لأمه، وكذلك عقدة ألكترا وهي حب البنت لأبيها، ويؤدي حب الطفل لأبيه من الجنس المخالف لأن ينشأ إحساس بالتنافس لدى الطفل مع أحد الوالدين من نفس جنسه، وسرعان ما يخاف الطفل ما تنافس هذا الوالد من أن يفقد حبه فيتوحد به ويتخذه نموذجا للذات العليا أو الذات المثالية محاولا تحقيق طموحات هذا الأب أو هذه الأم. وكذلك يحتاج الطفل إلى أصدقاء يشتركون معه في التنفيس عن أزمات حياتهم من خلال مختلف الألعاب. ومن هنا فإن وعي الوالدين وفهمهم لطبيعة نمو أطفالهم في هذه المرحلة يساعدهم على اختيار السلوكيات التربوية السليمة أثناء تنشئة الأبناء وذلك من أجل تحقيق مطالب نموهم "على سبيل المثال لا الحصر تصفية العقدة الأوديبية" كي يجتازوا أزمة هذه المرحلة بنجاح. 4- سن المدرسة, الاجتهاد مقابل الشعور بالنقص أو الدونية: The School Age-Industry Versus lnferiorit: يميل أطفال هذه المرحلة من "6-12" إلى نشاط متزايد نحو بذل أقصى جهد في انتاج أي عمل يقومون به، حيث إن إحساس الطفل بأنه لا يزال طفلا وأنه شخص غير كامل النمو كالكبار وأنه ليس على قدم المساواة معهم يولد لديه إحساس بالنقص. إن سرعة النمو الجسمي تقل في هذه المرحلة ويعرف الطفل جيدًا حدوده النفسية والاجتماعية "وأنه كائن حي ينمو" والتي يتعامل من خلالها مع واقعه الذي يعيش فيه دون أن يفقد كرامته أو احترامه لذاته لأنه في هذا السن يكون قد تغلب على صراعه مع القوى الأوديبية، وهذه المرحلة تقابل مرحلة الكمون Larency Stage عند فرويد. ويصل الطفل للنجاح الذي ينشده ويسعى إليه من خلال إحساسه بإجادة وإنجاز أي عمل يؤديه على أكمل وجه، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال مسئولية الوالدين نحو تشجيع أبنائهم لإنجاز الأعمال التي يقومون بها وعلى درأ الفشل وتحويله إلى نجاح وإنجاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 في هذه المرحلة تنتقل حركة اللعب إلى الإحساس بالعمل، حيث إن الطفل كان يلعب خلال نشاطاته ولم يوجه اهتمامه نحو النتائج، أما الآن فإنه يحتاج إلى القيام بالأشياء بشكل جيد حتى ينمي لديه إحساسه بالرضا عن أي عمل يؤديه، وإلا سوف تولد لديه إحساس بالنقص، فالطفل يدرأ الفشل بأي ثمن، فالخوف الكامن لديه من الفشل يؤدي إلى مضاعفة الجهد في العمل من أجل النجاح. وطالما أن هناك توازنًا متبادلا بين الهو، والأنا، والأنا العليا، عند الطفل، فإنه يستطيع السيطرة الناجحة في حدود سنة على مهام الأنا، فسوف تظل الهو والأنا العليا في أمكان وداخل حدود آمنة. في هذه المرحلة يميل الجنسان "أي كل من الأولاد والبنات" إلى الانفصال فيما يختص بعادات اللعب، كما أن اللعب يفقد أهميته عند الطفل في نهاية هذه المرحلة، وتتميز هذه المرحلة أيضًا بزيادة قدرة الطفل على الاستدلال والاستنتاج. ويتخذ عالم الأقران أهمية كبرى بالنسبة للطفل، فهم ضروريون من أجل احترام الذات، وهم المعيار الذي يقيس به الطفل مدى نجاحه أو فشله ومن خلالهم أيضًا يحقق الطفل ذاته خارج نطاق الأسرة. وباعتبار الوالدين هما المؤثر الأساسي على الطفل، فسلوكيات الإفراط الزائد في التدليل والاعتمادية الكلية عليهم ستتحول إلى الاعتمادية على المدرسة والمؤسسات الاجتماعية التي تساهم في تنشئة الأبناء. 5- المراهقة الهوية مقابل اختلاط الهوية: Adolescence-ldentity Versus Role Confusion: المراهقون والمراهقات في هذه المرحلة من "12-18" سنة يعملون على إحداث تكامل وتنظيم للخبرات السابقة في شكل كل جديد، ولذلك فهم يتساءلون على أدوار ونشاطات من كانوا يتوحدون معهم ويتخذونهم نماذج يحتذى بها، فهم الآن يحاولون جاهدين القيام بأدوار جديدة، ومن ثم ينمو لديهم إحساس جديد بالهوية الذاتية مع العلم أنه توجد بعض الحالات المبالغة في التوحد "إلى فقدان الهوية" مع بعض الأبطال أو نجوم السينما أو القادة الموجودين في ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد, إن إحساس الفرد بذاتيته وهويته يساعده في سيطرته على مشكلات الطفولة التي تعرض لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وعندما ينضج الطفل تزداد سرعة نموه جسميًا في هذه المرحلة، والتغيرات النضجية الجديدة التي يتعرض لها تؤدي إلى تغيرات نفسية وبيولوجية، وحينئذ فإن ثقته في جسمه وسيطرته على وظائفه تتزعزع لأنه قد حدث خلل في التوازن بين منظمات الـ"هو" والـ"أنا" والـ"أنا العليا" ولذلك يجب على الفرد أن يستعيد هذا التوازن تدريجيًا بإعادة تقييم نفسه وإدماج قوى نفسية جديدة تساعده على إعادة توازنه. ويطمئن الفرد لتقييمه لنفسه من خلال أقرانه الذين يمرون مثله بحالة تغير مستمر، وكل منهم يبحث عن ذاته وهويته، حيث أن تكرار المراهق لبعض الأشياء أثناء حديثه مع فرد من نفس جنسه "على سبيل المثال لا الحصر فمن الممكن أن يكرر الحديث الذي تم بين اثنين مراهقين أثناء رجوعهم من المدرسة أيضًا في التليفون بمجرد وصول كل فرد منهم إلى منزله وأيضًا اللغة الجديدة التي يبتدعونها بينهم وهي اللغة المخالفة للغة المقبولة في المجتمع الذي يمشون فيه، يعتبر هذا من قبيل وسائل البحث عن الهوية. وهذه المرحلة تقابل المرحلة التناسلية Genital Stage عند فرويد. ومن هنا فالعلاقة بين الفرد ووالديه هي علاقة عابرة، فالوالدان لا يدخلان في حياة الفرد في هذه المرحلة إلا بحكم تاريخهما الاجتماعي والنفسي المشترك, وفيما عدا ذلك يظلان هما الكبار الذين لهما أهميتهما في حياة الفرد. إن الإحساس بالذاتية والهوية يشتمل على قدرة الفرد على إحداث تكامل بين خبراته الماضية واستعداداته ومهاراته التي نمت وكذلك الفرص المختلفة التي يقدمها له المجتمع، والثقافة من أجل الوصول إلى هذا التكامل، ولذلك فصعوبة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة ثم إلى الرشد تتأثر بشكل قوي بالقيود والإمكانات المطروحة من قبل المجتمع والوالدين. ويعاني الفرد في هذه المرحلة من اختلاط واضطراب الأدوار الخاصة بجنسه "هل هو طفل, طفلة, أو ذكر كامل, أنثى كاملة؟ "، وتتألق جاذبيته وهويته أمام الجنس الآخر، ويشعر بالعزلة والفراغ والقلق والتردد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وله فلسفته وعقيدته الفكرية الخاصة به، ويعتبر مظهره هو مصب اهتمامه. ومن هنا فإن المسئولية تقع على عاتق الوالدين في مساعدة أبنائهم لتحديد هويتهم وشغل أوقات فراغهم وكيفية اتخاذ القرار والبعد عن العزلة. 6- الرشد المبكر الألفة مقابل العزلة: Young Adulthood-Intimacy Versus Isolation: يرى "أريكسون" أن تحقيق النضج النفسي للأفراد "الشباب البالغ" في هذه المرحلة "15-35 سنة" يتطلب نموًا نفسيًا واجتماعيا مستمرًا وخاصة الألفة الاجتماعية مع الجنس الآخر تمهيدًا لاختيار شريك الحياة في العلاقة الزوجية, ليس هذا فقط بل أيضًا تكريس الجهود في اختيار الحياة في العلاقة الزوجية، بل واختيار المهنة المناسبة، فإذا لم تشبع هذه الجهود في الزواج أو اختيار العمل المناسب لقدرات الفرد أدى ذلك إلى أزمة نمو وإحساس بالانعزال في كل من مجالات الحب والعمل. ففي هذه المرحلة تبلغ قوة هوية الأنا ذروتها النهائية عند التقاء القرينين، بحيث تكون هوية الأنا في أحدهما أكثر تجسيدًا لتكملة الآخر في بعض النقاط الأساسية المشتركة بينهما. ومن هنا يكون القرينان قادرين على المشاركة معًا والالتزام والانتماء وتكوين علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين وكذا علاقات حب ومودة بينهما تتوج بالزواج، وبدون مشاعر الالتزام هذه وكذا مشاعر الحب الحميمة بين القرينين يصبح الفرد منعزلا في بقائه أعزبًا وعاجزًا عن الإتيان أو الاحتفاظ بعلاقات إيجابية مع الآخرين لفترة طويلة، وهذه المرحلة تقابل استمرار المرحلة التناسلية عند فرويد Genital Stage Con-tinues. 7- منتصف العمر, الانتاجية مقابل الركود: Midle Age-Generativity Versus Stagnation: يرى "أريكسون" أن التزام الأفراد في هذه المرحلة "منتصف العمر" من "25-60 سنة" بمشاعر الحب الحميمة تساعدهم على تأسيس وحدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 جديدة تقوم على الثقة والألفة المتبادلتين بين القرينين فيشمل ذلك المشاركة في إعداد منزل الزوجية لبدء دورة جديدة من النمو، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال المشاركة في تقسيم العمل وتحديد المسئوليات داخل منزل الزوجية المشترك. كما أن الانتاجية تشمل أيضًا اهتمام الزوجين ورعايتهما لأطفالهما، ولا تتوقف الانتاجية عند هذا الحد، بل تشمل أيضًا الاهتمام بالأفكار والنواتج الأخرى التي أنتجها الزوجان. الإنتاجية مهمة للزوجين ولنا جميعًا من أجل الاحتفاظ بصحتنا وأفكارنا, وكذلك من أجل مثلنا ومبادئنا، وإذا لم يشترك الزوجان معًا في إعداد منزل الزوجية وفي اتساع دائرة اهتمامهما وإنتاجيتهما معًا سيقعان في براثن الملل والركود، وهذه المرحلة تقابل استمرار المرحلة التناسلية عند فرويد. 8- السن المتقدم, التكامل مقابل اليأس: Later Life-Integrity Versus Despair: في هذه المرحلة من العمر "60 سنة فما فوق" عندما ينجب الراشد ويقوم برعاية الجيل الجديد يكتسب رؤية وإحساسا بالتكامل، حيث يتقبل الراشد دورة الحياة الجديدة والفريدة بما فيها من إيجابيات وسلبيات من انتصارات وهزائم بما فيها من مظاهر تفوق ومظاهر رسوب، إن هذا يفضي ويعكس إحساسًا بالنظام والمعنى لديه وإلى تقبل الذات وتوافقه وتكيفه. كما إن عدم توصل الراشد إلى درجة مقبولة من تقبل ذاته والتكيف معيًا فاحتمالات سقوطه في براثن اليأس تتزايد، ويشعر في هذا الوقت وتكيفه. كما أن عدم توصل الراشد إلى درجة مقبولة من تقبل ذاته والتكيف معها، فاحتمالات سقوطه في براثن اليأس تتزايد، ويشعر في هذا الوقت بأن الحياة قصيرة، وينعكس ذلك على خوفه من الموت، ومدى احتقاره ورفضه للقيم وأساليب الحياة الأخرى، وهذه المرحلة أيضًا تقابل استمرار للمرحلة التناسلية عند فرويد. وتتميز هذه المرحلة النهائية بتزايد وعي المرء بمحدودية الحياة, واقتراب الموت، والعمل الهام الذي يحدث أثناء تلك المرحلة هو تقييم الفرد لحياته ولإنجازاته، وليؤكد الفرد لذاته بأن حياته كانت عبارة عن خبرة أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 مغامرة ماضية أو مجموعة من الأحداث الماضية، وقد يكون ذلك شعور التكامل، ونقيض ذلك يتمثل في الإحساس باليأس والاشمئزاز، وهو الشعور أو الإحساس الوجودي باللامعنى، وإحساس المرء بأن حياته الكاملة كانت مفقودة أو مضيعة، أو يجب أن تكون على نقيض ما كانت عليه، والنضال الديالكتيكي بين هذين الإحساسين المتناقضين يتمثل في وجود التكامل في هذه الفترة، والإنتاج المعرفي، إن الشخص الذي يتسم بالتكامل والاهتمام النشط بالحياة نفسها في مواجهة الموت نفسه، عادة ما يصل إلى تكامل الخبرة وذلك على الرغم من تدهور الوظائف الجسمية والعقلية التي يشعر بها. 5- بيك, وصقل وتنقيح نظرية "أريكسون": قد يشار إلى أن المرحلتين الأخيرتين من مراحل نظرية "أريكسون" تتضمنان معظم السنوات الوسطى والأخيرة من دورة حياة الإنسان، وفي هذا المعنى فإنهما يميلان إلى أن يكونا أكثر عمومية في تركيزهما أو اهتماماتهما إذا ما قورنتا بالمراحل السابقة وعلى الرغم من أننا يمكن أن نقسمهما إلى مرحلة مبكرة وأخرى متأخرة بناء على عملية التداخل التي تحدث في كل مرحلة إلا أنهما مع ذلك سطحيتان وعامتان بصورة كبيرة، وهذه الأسباب جعلت بيك Peck يحاول تحديد المؤشرات والدلائل الحاسمة لفترة منتصف العمر وفترة الشيخوخة بصورة أكثر دقة، حيث اقترح سبعة مؤشرات رئيسية في هاتين المرحلتين، وتتمثل في التحديات الآتية: 1- أهمية الحكمة في مقابل أهمية القوة الجسمية. توجد نقطة تحول أثناء الأربعينات من العمر، حيث يشعر الأفراد الذين يتعلقون بالقوى الجسمية بالإحباط كلما تدهورت هذه القوى إلا أن الأفراد الذين يهتمون باستخدام قدراتهم العقلية كمصدر أولي يبدو أنهم يعيشون بصورة أكثر إيجابية ونجاحًا. 2- التنشئة الاجتماعية في مقابل الجنسية في العلاقات الإنسانية: إذا أعيد تقويم الرجال والنساء كأفراد وكأزواج أو رفقاء تبعًا للعامل الجنسي نجدهم أقل فعالية إذا ما قورنوا بالمراحل السابقة، وبالتالي فإن العلاقات الشخصية المتبادلة قد تحدث حينئذ على مستوى أعظم من العمق في الفهم ويحدث تدعيمًا للعلاقات الزوجية خاصة أثناء تلك الفترة التي يترك فيها الأبناء المنزل ويستقلون بأنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 3- المرونة النفسية في مقابل الجمود النفسي: نقصد هنا تبدل أو تغير الانفتاح الانفعالي والعاطفي، فعندما يموت الآباء ويتفرق الأصدقاء، ويستقل الأبناء بذواتهم يمكن للأفراد أن يوسعوا من مجالات اهتماماتهم وفرصهم لتوسيع دائرة أصدقائهم، وأن يحاولوا تكوين علاقات عاطفية جديدة مع أبنائهم. 4- المرونة العقلية في مقابل الجمود العقلي: هل يمكن للفرد أن يستمر في الانفتاح والتقبل للخبرات والتفسيرات الجديدة، أم إن خبرات الفرد الماضية تملي عليه مجموعة من القواعد غير المرنة والتي تجعل الفرد متعلقًا في بحثه عن ثمة إجابات جديدة أو مختلفة للمشكلات الحالية. يشير "بيك" Peck إلى حدوث مؤشرات ثلاثة رئيسية لدى المسنين. أ- تمييز الأنا في مقابل الاستغراق في دور العمل، وتتمثل المهمة هنا في بناء مجموعة متنوعة من الأنشطة ذات القيمة، وبالتالي فإن في بناء مجموعة متنوعة من الأنشطة ذات القيمة، وبالتالي فإن افتقاد عمل معين "عند الإحالة على المعاش مثلا" أو افتقاد دور معتاد للفرد "كما في حالة استقلال الأبناء" يسمح لأنشطة أخرى هامة بالظهور حيث تمدهم بأحاسيس الرضا والإشباع. ب- السمو الجسمي في مقابل الانشغال أو الاستغراب الجسمي، عادة ما نجد معظم المسنين يعانون من المرض وبدرجات متزايدة من الألم وعدم الراحة، ومع ذلك نجد بعض الأفراد ما يزال قادرا على الاستمتاع بالحياة بصورة كبيرة، والشعور براحة كبيرة في التفاعل الإنساني أو خلال الأنشطة الابتكارية والتي تؤدي بهم إلى تجاوز الضعف أو التدهور الجسمي للمسنين بمعنى من المعاني. سمو الأنا في استغراق الأنا: يحدث ذلك من خلال الأبناء والمساهمات الثقافية والعملية، ومن خلال الأصدقاء حيث تمد الأفراد إلى ما وراء نطاق ومدى حياتهم، والموت يحدث في نهاية المطاف كشيء محتوم متعذر الاجتناب "وقد يدرك كبار السن هذا المعنى لأول مرة في حياتهم" إلا أن بعض الأفراد يرون أن حياتهم كانت حياة مشبعة ويظهر ذلك في مستقبل أسرهم ولأفكارهم أو للأجيال المقبلة للأنواع الإنسانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 5- تحليل "ريجل" الديالكتيكي للنمو: وجهة نظر مختلفة في طبيعة النمو الإنساني قدمت في المنحى الديالكتيكي الذي اقترحه كلوس ريجل Klaus Riegel؛ "1976"، فبينما كانت معظم النظريات الأخرى للنمو والتي نوقشت تنظر إلى النمو كانت معظم النظريات من المراحل يتقدم الفرد خلالها، نجد ريجل يركز على العمليات النمائية للتغير، بمعنى أنه بدلا من افتراض أن النمو الإنساني يمكن تفهمه عن طريق دراسة فترات التوازن والاتساق, فقد أشار إلى أننا يمكننا دراسته أيضًا عن طريق التغير واللاتوازن. ويرفض ريجل تفضيل السمات الثابتة، والقدرات، أو الكفاءات ويرفض كذلك تفضيل التوازن والاتساق أو الاستقرار, غالبًا ما توجد في ثنايا دراسات النمو الإنساني، ويشير ريجل إلى أنه يجب علينا أن نكرس على الأقل تأكيدات ومجهودات متساوية على قضية كيفية حدوث ونشأة المشكلات وكيفية تولد التساؤلات والاستفسارات، ولذلك نجده يركز على دراسة الأفعال والتفسيرات بدلا من دراسة عملية التوازن والاتساق في النمو، ونظر إلى العمليات النمائية بأنها حالة تدفق دائم غير متقطع، بدلا من النظر إليها بأنها عمليات تجريدية مستقرة ساكنة. كما أنه يوافق على وجهة النظر التي تنادي بأن الكائنات الإنسانية ليست مجرد حزم أو مجموعات ثابتة مستقرة في توازن معين، ولا أنهم مجرد ردود فعل سلبية لميكانزمات شرطية، ولكنهم بالأحرى كائنات متغيرة في عالم متغير، وبالتالي فإن تحليل الوقت والتغير خلال الزمن تبعًا لوجهة نظر ريجل تعتبر شيئًا ضروريًا. ويشير ريجل إلى وجود أربعة أبعاد رئيسية للنمو الإنساني هي، البعد البيولوجي الداخلي، والبعد السيكولوجي الفردي، والبعد السوسيولوجي الثقافي، والبعد المادي الخارجي. وهذه الأبعاد تتفاعل باستمرار مع بعضها البعض، ومع عناصر أخرى داخل البعد الواحد، وبالتالي فإن كل منها قد يحدث تغيرًا ويثير مشكلات وتساؤلات ويؤدي إلى تحولات في دورة حياة الإنسان، وحيث إن النمو يتضمن التقدم خلال الزمن، فإننا نجد الفرد ينتقل في وقت واحد على طول هذه الأبعاد الأربعة الرئيسية أثناء دور الحياة، وجوهر المنحى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الديالكتيكي يتمثل في دراسة التزامن الذي يحدث لتلك الأبعاد الأربعة كلما درج الإنسان في مدارج النمو، وفي ذلك يشير ريجل بقوله. إن التعاقب البيولوجي الداخلي يؤدي بالفرد، إلى الخروج خارج المنزل إلى العمل والزواج والأبوة ومعظم هذه الأحداث سواف تتزامن -بصورة كبيرة- مع التقدم أو التعاقب على طول الأبعاد الأخرى، فمثلا نجد كثيرًا من الأفراد يتزوجون عندما يبلغون درجة كافية من النضج، وعندما تكون إمكاناتهم النفسية تؤهلهم لذلك، ويكونون عازمين عليه، وعندما توجد الظروف الاجتماعية المناسبة فإنها بالتالي تساعد على إحداث ذلك وفي ثمة حالات أخرى قد لا يتحقق مثل هذا التزامن فقد يتزوج الفرد بدون أن يصل إلى مستوى من النضج الكافي، وقد يحقق البعض الآخر مستوى مناسب إلا أنهم يخفقون في إيجاد الشريك المناسب لهم، ولذلك فإننا نجد أن التعاقد البيولوجي الداخلي والبعد الفردي النفسي لا يكونان متزامنان -بصورة دائمة- مع الظروف الثقافية الاجتماعية، أو مع الظروف الخارجية المادية -فعلى سبيل المثال- مع التقاليد والقوانين الخاصة بالزواج، أو نقص الفرص المتاحة للزواج بعد الحرب مثلا. وبصورة متشابهة، فإن تزامن هذه الأبعاد قد يدرس في تفاعل شخصية أو أكثر، مثل الأسرة أو في العلاقات بين الأفراد والجماعات الاجتماعية، وحتى الكوارث الطبيعية "البعد المادي الخارجي" وقد تنتج وتحدث فوضى لتزامن هذه الأبعاد بالنسبة للأفراد والجماعات والمجتمعات, والتي قد ينظر إلى كل منها بأنها تنمو بمرور الوقت. وبسبب أن هذا التقدم أو التوازن الرباعي مركب ومعقد بصورة واضحة، كما أن التغير في بعد واحد لا يكون متزامنًا -بصورة دائمة- مع التغيرات التي تحدث في الأبعاد الأخرى، كما أنه عادة ما يوجد درجات من الصراع بين تلك الأبعاد، بالإضافة إلى ذلك فإن التغيرات الرئيسية التي تحدث في أي بعد من هذه الأبعاد سوف تودي إلى مواجهة أو تصادم بين ذلك البعد والأبعاد الأخرى، فإذا أدت تلك المواجهة إلى إعادة تنظيم الأبعاد الأخرى، حينئذ يمكن النظر إليها باعتبارها فترة من التحول النمائي, ولذلك فإن فترة التزامن النسبي عبر الأبعاد الأربعة قد تتبع بتغيرات هامة في واحد أو أكثر من هذه الأبعاد, وهذا يحدث عندما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 لا يوجد بين هذه الأبعاد تزامن نسبي، وبالتالي يؤدي ذلك إلى محاولة لإعادة بناء التزامن، وعندما يكون ذلك ممكنا حينئذ تكتمل عملية التحول وبالتالي تكون تلك المرحلة مستقرة، ومهيئة لتحول جديد كلما بدأ بعد من تلك الأبعاد الأربعة المتفاعلة مرة أخرى لإحداث تقدم مع أي من الأبعاد الأربعة، ويوضح ريجل وجهة نظره بقوله. تحدث التغيرات الحاسمة كلما -حدث صراع بين اثنين من هذه التعاقبات أو التتابعات، أي عندما ينهار الاتساق ولا يحدث التزامن وهذه الظروف المتناقضة تكون أساس التعاقبات النمائية، وتحدث الهضاب المستقرة من التوازن والاتزان والاستقرار عندما تكتمل المهام أو المطالب النمائية أو التاريخية إلا أن تلك المطالب سواء النمائية أو التاريخية لا تكتمل أبدًا. ففي اللحظة التي يبدو فيها أن الاكتمال قد تحقق حينئذ تنشأ تساؤلات جديدة وشكوك وتساؤلات داخل الفرد وداخل المجتمع، فالكائن الإنساني والمجتمع وحتى الطبيعة الخارجية لا تكون أبدًا في حالة استقرار أو سكون وحتى في حالات اللااستقرار هذه فإنها نادرًا ما تكون في صورة تزامن كامل وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التزامن يبقى هو الهدف المأمول، حيث يمكن أن يتحقق فقط من خلال المجهودات الإنسانية المستمرة، حيث لا يوجد اتساق ثابت مكون بصورة قبلية. ولقد توفي ريجل قبل أن يتمكن من إثبات هذه المفاهيم والأفكار المثيرة إلى ما وراء صياغتها الأولية، وبدأ علماء آخرون في القيام ببعض من الدراسات التمهيدية على هذا التحليل الديالكتيكي للتغير والتزامن الذي يحدث في الأبعاد المتنوعة داخل عملية النمو مثل Daran & Reese؛ "1977"، إلا أن هذا المنحى ما يزال في حاجة إلى عديد من الدراسات الأخرى حتى يمكن التأكد منه واعتباره إطارًا مفيدًا في تحليل النمو الإنساني، وعلى أي حال فإن إطار رجيل قد أمدنا بوجهة نظر هامة لدراسة النمو الإنساني بالإضافة إلى إشارته، إلى أن وجهة النظر التقليدية للنمو باعتباره تسلسل من المراحل قد يكون غير مناسب لتفهم الطبيعة المركبة لعمليات النمو، خاصة أثناء مرحلة الرشد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها : تشير منتسوري بأن صفحة التاريخ التي تسرد قصة مآثر الإنسان بوصفه عقلا مفكرًا جديرة بأن تفتح وتقرأ، فهي صفحة تحكي قصة الطفل في مواجهته ما يحفل به عالمه عادة من متناقضات ومقدار ما يتعرض له من هيمنة من جانب الكبار الذين يحرصون على تربيته وتوجيهه ولكنهم لا يفهمونه في معظم الأحيان. وينطوي رأي منتسوري على جانبين لهما أثرهما الأكبر في حياة الطفل هما: 1- الصراع الحاصل بين دوافع الفرد وبين البيئة التي تضم هذا الفرد، وهذا يقتضي أن يعمل الفرد على إخضاع دوافعه ونوازعه لمتطلبات البيئة المحيطة به، وهذا الصراع ميسور حاله في الغالب, إذ ليس من المتعذر الكشف عما يدفع الفرد وهو في طور النمو من أسباب مقلقة تحمله مع محاولة تجاوز حدود البيئة المرسومة اجتماعيًا. 2- ولكن هناك ما هو أعمق مما سبق، ويتمثل في ذكرايات الطفولة التي لا تمثل الصراع بين الإنسان وبيئته الاجتماعية الراهنة التي يعيش فيها فحسب، وإنما هي ذكريات تنطوي على جوانب الصراع بين رغبات الطفل وروادع الراشدين بوجه عام, وأقربهم إليه الأبوان أول الأمر. وهذا معناه أن الضرورة تقتضي بأن يتسع نطاق النظرة إلى الطفل وجعلها تشمل آفاقا أرحب تتناول حياة الإنسان ككل، الإنسان في واقعه الذي يحياه مع التركيز في الوقت ذاته على الحياة النفسية للطفل، وذلك لأن المشكلة إنما تتناول حياة الإنسان ككل، الإنسان في واقعه الذي يحياه، مع التركيز في الوقت ذاته على الحياة النفسية للطفل وذلك لأن المشكلة إنما تتناول حياة الفرد ابتداء منذ الولادة، بيد أن هذا لا يعني وضع حد لمشكلات الطفولة فهي قائمة وما أكثرها وجدير بالراشدين ألا يندهشوا أو يصمدوا حينما يرون بعضها متمثلة في سلوك بعض الأطفال، فهي مشكلات قد ترجع إلى الخصائص العامة للنمو، ومنها ما ينم عن لون من ألوان الانحراف النفسي الذي يجب العمل على تفاديه قبل استشرائه. ويجب على الراشدين من حول الطفل والمراهق أن يميزوا بين ما هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 من عداد الأمور الاعتيادية في حياة الطفل أو المراهق، وبين ما هو انحراف يستدعي العلاج، والمسألة قد لا تخلو من صعوبة تذكر في كثير من الأحيان، ولا يمكن الإشارة إلى جميع الاحتمالات التي تظهر في حياة الطفل من الناحية الجسمية أو النفسية ولكن يمكن الإشارة هنا إلى بعض من تلك المشكلات التي تجابه الآباء والمدرسين في نمو أطفالهم ومراهقيهم، وكيف يمكنهم التعامل مع هذه المشكلات، وإن كنا سوف نشير إلى مشكلات النمو في كل مرحلة على حدة، فليس معنى ذلك انفصالهما في الواقع، فالشخصية الإنسانية كما تعلم توضع اللبنات الأولى لها في فترة الطفولة, وما يؤثر في الطفولة يؤثر بالتالي على جميع فترات النمو نجد أن النمو الإنساني يتسم بالاستمرارية فكثير من مشكلات الطفولة نجد لها امتدادًا في فترة المراهقة والرشد، بالإضافة إلى المشكلات التي تظهر لمقتضيات النمو في كل مرحلة. أولا: بعض مشكلات النمو في فترة الطفولة 1- التغذية Feeding: إن عادات الأكل والنوم والإخراج متصلة مباشرة برفاهة الطفل البدنية, فإذا درب على هذه العادات تدريبا صحيحًا في الوقت المناسب حق لنا أن نوقن بأن الأساس الذي تقوم عليه الصحة العقلية والبدنية قد تم وضعه، فتلك هي أولى العادات التي تتطلب الانتباه, ذلك لأنه في هذه العمليات الفسيولوجية البسيطة تقع الأخطاء المبدئية في تربية الطفل، إما بإهمال أهميتها إهمالا مطلقًا أو بالمبالغة في الاضطراب والقلق من ناحية الصعوبات التي تنجم عنها. وتشير الأبحاث السيكولوجية إلى أن كثيرًا من العادات المرزولة ومن اعوجاج الشخصية التي كثيرًا ما نشاهدها في مطلق المراهقة وثيق الصلة في بدايته بالعجز عن إجادة هذه العادات الأساسية الثلاثة وهي: الأكل, النوم, الإخراج، والتي تتصل اتصالا مباشرًا بحياة الطفل العضوية, ولذلك يجب أن يعنى الآباء بهذه العادات عناية دقيقة. ومن أولى المصاعب التي تواجه الأم صعوبة مزدوجة هي تقديم الغذاء الملائم للطفل حديث الولادة، وعونه على تكوين عادات حسنة لتناول هذه الغذاء في خير الأوقات حتى تكون أكثر توافقًا مع حاجاته البدنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وليس هناك في الجسم عضو واحد يتأثر تأثرًا مباشرًا بالانفعال أكثر من تأثر القناة الهضمية المعدية به, فالطفل إذا غضب أو استشعر الوحدة، أو اشتد انفعاله في اللعب أو الخوف لا يستطيع أن يهضم الطعام أو يتمثله, لهذا يجب أن ينظر الوالدان إلى كافة هذه العوامل، إذ لا يمكن ضمان الصحة العقلية والبدنية للطفل إذا أثار أي اضطراب في تناول الطعام سواء بالكلام أو بالفعل، فكثيرًا ما تجذب انفعالات الآباء، واضطرابهم انتباه الطفل إلى قيمة نفسه، وتبعث عنده شعورًا لذيذًا بالقوة وتوحي له أن ساعة تناول الطعام فرصة سائحة لاجتذاب الانتباه إليه والاهتمام بأمره. وتحل مشكلة الطعام عند الأمهات إلى نظرنا إلى الأسس الآتية. أ- كمية الطعام التي يتناولها الصغير. ب- الطريقة والميعاد التي يتناول بها طعامه. ج- قدر ما يبذله الوالدان من الطاقة والجهد في دفع الطفل إلى تناول الغذاء الكافي له، فإذا عرفنا أن بالطفل نزعات نحو القوة والظهور، وأن الأساليب التي يشبع بها تلك الميول ساذجة محدودة لم يكن مما يبعث عن العجب أن نرى الصغار يلجئون إلى هذه الطرق لفرض أنفسهم علينا، وقد يغيب عن الأم تماما أن ابنها الصغير عندما يأكل أو يرفض الأكل مثلا يستطيع بذلك أن يسيطر على جانب كبير من نشاطها لكنه مع ذلك يشعر بقوته وسطوته ويحس بما تبعثه هذه القوة في نفسه من رضا. وليس من أمر أكبر أهمية من تكوين العادات الحسنة في تناول الطعام من الحالة العقلية للطفل, لهذا ينبغي أن نبذل كل جهد لبعث الهدوء، والسرور في نفسه وصرفه عن أي أمر آخر غير الطعام. ومن الخير قبل أن يتم تكوين آداب المائدة تكوينا طيبًا أن يأكل الطفل وحيدًا حتى يستطيع بدون حضور جمع من المهتمين به أن يتعلم كيف يتناول الطعام بنفسه، فإذا سكبه أو نثر جانب منه هنا وهناك أثناء تعلمه هذا، لم يكن في ذلك ضرر كبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 فإذا لم يستطع الصغير لسبب ما أن يتناول ما أمامه من طعام أو رفض تناوله فلا ينبغي إرغامه أو التحدث مع الأمر مع الآخرين في حضوره. ومن الخير أن يعرف الصغير أنه إذا تعلم كيف يأكل بهدوء وعلى منوال لائق أمكنه أن يجلس مع الكبار على المائدة، فقد يدفعه ذلك إلى الجهاد في سبيل إتقان آداب المائدة. ومن اللازم بالطبع أن يكون طعام الصغير بسيطًا مغذيًا سهل الهضم وأن يقدم إليه بكميات صغيرة، والانتظام في تقديم الطعام للطفل أمر عظيم الأهمية لا للأسباب الفسيولوجية فحسب، بل لأسباب أخرى تتعلق بميعاد الطعام إذا أكل كان أو لا. كذلك ينبغي ألا نستعجل الطفل أثناء الطعام ولا نترك له من الوقت ما يشجعه على العبث به إذ لا تتطلب أي وجبة عادية من الطفل أكثر من نصف ساعة في الغالب، فإذا لم ينته منه خلال ذلك فليؤخذ الطعام من أمامه دون أي تعليق وليصرف عن المائدة. ولنتذكر مرة أخرى أن وقت الطعام لا ينبغي أن يكون فرصة ينتهزها الطفل للظهور بمظهر الفرد ذي الأهمية الممتازة. 2- النوم Sleeping: يذكر لنا هولت هوفلاند Holf, A. Howland أن النوم أهم ما يشغل الطفل خلال شهور السنة الأولى إذ يبلغ ذلك من عشرين إلى اثنين وعشرين ساعة في اليوم الواحد, ولا يصحو إلا بتأثير الجموع أو عدم الراحة أو الألم، وعند نهاية الأشهر الستة قد ينقص ساعات النوم الفعلية إلى ست عشرة ساعة أو أقل ويكون، هذا النقص تدريجيًا حتى سن الرابعة ويرجع أن تكون اثنا عشر ساعة كافية للإبقاء على صحته البدنية. وعمومًا تتصل عادات النوم الطيبة بصلة وثيقة بانتظام التغذية واضطربات النوم أو التغذية كفيل بأن يبعث الاضطراب في الآخر. ويذكر لنا هولت Holt أنه ينبغي البدء بغرس عادات النوم الطيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 منذ المولد، إذ ينبغي أن يألف الطفل منذ مطلع حياته أن يوضع في مهده أثناء صحوة وأن ينام دون أن يعينه أحد على ذلك، ولا ضرورة إلى أرجحته أو إلى غرس عادات أخرى من هذا النوع؛ لأن في هذا أذى له، كما لا ينبغي أن يترك الطفل ينام على ثدي مرضعته، أو بحمله الزجاجة في فمه، مما يؤذي الطفل إيذاء لا شك فيه كل الطرق الأخرى لبعثه إلى النوم كإعطائه حلمة من المطاط لمصها، ذلك لأننا إذا لجأنا إلى مثل هذه الوسائل تعود الطفل ألا ينام بدونها. ويلزم أن نضيف أمرًا آخرًا، هو أنه لا بد من أن يثبت في ذهن الطفل أن فترة النوم هي الوقت الذي ينبغي أن يبقى فيه وحيدا وأن وجود من يصاحبه أو يسليه كالكتب والألعاب لا يتفق والنوم، وأنه لا يستطع الحصول على هذه الأشياء إذا لجأ إلى الصياح والعويل. ويخشى كثرة من الأطفال من حين إلى حين خلال سنواتهم الأولى إذا خرج أهلهم أن يتركوهم وحدهم نائمين ثم لا يعودون، أو أن يتخلصوا منهم، وتزيد تلك الأشكال من الخداع, هذا النوع من الخوف الذي يتردد في نفوس الأطفال، فإن كان من اللازم أن يخرج الوالدان من المنزل بعد أن ينام الطفل فمن الخير أن يلتزمًا الأمانة في إخباره بما سوف يحدث. وينبغي القول بأن الاحتياطات الزائدة التي يتخذها كثير من الآباء لتهيئة أحسن الظروف للطفل، قد تكون في نفسها العامل الأساسي الذي يسبب زيادة حساسيته وشدة إرهابها في مقتبل حياته. وعمومًا ينبغي أن ينام الطفل وحيدًا بعد السنة الثانية من عمره كلما أمكن ذلك، ولا يسمح لطفلين بالنوم سويًا إلا إذا كان من جنس واحد، ويجب أن تعتبر القيلولة جزء مهم في دستور نوم الطفل، حتى سن الخامسة وإلى ما بعدها، إذا أمكن الإبقاء عليها ذلك لأن التعب من أهم العوامل التي تسبب الأعراض العصابية في الأطفال، فالطفل المتعب يغلب عليه أن يكون كثير الغضب والسخط كثير التأفف من الطعام، وقليل الرضا بوجه عام. جملة القول أن النوم أمر لا يمكن إيفاؤه حقه ذلك لأن عمل أجهزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 البدن المختلفة وما نسميه بحالة الصحة وما فيها من جلاء العقل واتزان الانفعالات يمكن أن تضطرب جميعها إذا اضطرب نوم المرء، ولو غرسنا في نفوس أطفالنا ما ينبغي من العادات الطيبة في صدر حياتهم لأمكن أن نجنبهم بذلك كثيرا من الاضطرابات والقلق والهلع الذي يرتبط بالأرق في حياتهم المقبلة. 3- التبول اللاإرادي Enuresis: تكمن قدرة الطفل على التحكم في عملية التبول النهاري في الشهر الثامن عشر أما عملية التبول الليلي فيتم عادة التحكم فيها في المدة التي تقع بين منتصف العام الثالث ونهايته "2.5: 3 سنوات". هذا هو التطور الطبيعي لعملية التبول في الطفل العادي، إلا أننا نلاحظ في بعض الحالات أن الطفل يتعذر عليه التحكم في عملية التبول حتى سن كبيرة، تصل أحيانًا إلى السابعة أو الثامنة، وقد تمتد أحيانًا إلى ما بعد ذلك. ولقد أشار هولت Holt أن البول في أكثر الحالات ما هو إلا عادة متصلة على الأغلب بعادات أخرى تدل على أن بجهاز الطفل العصبي عدم استقرار أو حساسية بالغة. وعمومًا، نجد أن إصابة الطفل بالتبول اللاإرادي، يتضافر فيها، عاملان. أ- عامل استعدادي، يتصل بالتكوين العضوي أو الوظيفي للجهاز البولي. ب- عامل نفسي، ينشأ بسب البيئة وما فيها من خبرات مؤلمة واضطرابات انفعالية حادة. ونجد أن كثيرًا من الآباء يميلون إلى اتخاذ خبراتهم التي يذكرونها عن أيام طفولتهم هاديًا يرشدهم إلى ما ينبغي أن ينتظروه من آبنائهم. وعمومًا إذا تخطى الطفل سن الثالثة دون أن يتعود الاحتفاظ بجفاف ملابسه كان هذا أمر يستدعي الاهتمام حقًا، ولا بد حينذاك من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 أن يوضع له نظام يستبعد أي إسراف في التوتر العقلي كلما أمكن ذلك، كما يلزم أن تحدد ساعات معينة لنوم الطفل ويقظته. وأولى خطوات العلاج وأهمها هو بعث الطفل إلى العمل على التخلص من هذه العادات، ولا يمكن إطلاقًا أن يؤدي العقاب إلى تكوين هذا الموقف بل ينبغي أن نعرض المشكلة على الطفل باعتباره أمرًا يمكن تحقيقه وفي وسعه القيام به، إما إذلاله فلا ينفع في شيء ولا يساعده البتة في القضاء على تلك العادة، بالإضافة إلى أن الكبار يستطيعون مساعدة الطفل باللين والإقناع وأيضًا في استبعاد كثرة السوائل وملاحظة الطفل ليلا وإيقاظه إن لزم الأمر، وأن ينبهونه إلى الذهاب إلى دورة المياه. ويجب دراسة كل حالة من الحالات بمفردها وأن يقوم بهذه الدراسة شخص يجيد معرفة حياة الأطفال العقلية والنفسية، كما ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن هذه العادة قد ترجع إلى ضعف كامن في الجهاز البولي، فلا بد من عرض الطفل على أخصائي لمعرفة سبب هذه الظاهرة عند الأطفال. 4- مص الأصابع وقضم الأظافر: مص الأصابع من أكثر العادات شيوعًا بين الأطفال وهي عادة تنتج عن سلسلة محكمة التنظيم من الحركات العضلية، وينفع الطفل نفعًا كبيرًا في مطلع حياته، كما أنها رد فعل طبيعي غريزي، والفرق الوحيد بين مص الطفل لثدي أمه ومصه لأصابع يديه أو قدميه هو أن الفعل الأول مفيد لذيذ معًا, بينما الثاني على لذته لا منفعة فيه، بل هو يؤدي أحيانًا إلى تشويه الفك أو الأصابع. وقد يبدأ مص الأصابع أو أي جزء آخر من أجزاء البدن منذ الميلاد، وقد يبقى حتى الخامس أو السادسة من العمر، وتقل هذه العادة تسببًا بعد السابعة، فإذا أعملنا جهدنا للقضاء على هذه العادات السيئة ويجب أن نذكر أن سوءها يرجع أكثره إلى اعتبارها منافية لآداب اللياقة، كريهة المنظر, فإذا أردنا القضاء عليها كانت أولى الخطوات وأهمها أن يتخذ الوالدان موقفًا معقولا بإزاء هذه العادة، وعمومًا فإن الآباء والأمهات خاصة أكثر تعرضًا للإسراف في النفور من هذه العادات والخجل من وجودها في أبنائهم، وهم يأخذون المشكلة على منوال شخصي جدًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وكثيرًا ما يسألك الناس عما إذا كان مص الأصابع لا يؤدي إلى بعض الانحراف الجنسي أو هو دلالة على الانحلال الخلقي، وكل ما يمكن أن نجيب به هو أنه إذا كان مص الأصابع دلالة على الرغبات الجنسية فلنعتبر هرش الرأس وتنظيف الأنف من هذا القبيل كذلك، وأنه إذا سلمنا بهذه النظرية وجب أن يكون إدراكنا للنشاط الجنسي مباينا تمام التباين للرأي والذي يقول به أكثر الناس ذكاء ورجاحة في الوقت الحاضر. وهذه العادات عامة الشيوع بين الأطفال والمألوف أن تكون أمورًا عابرة مؤقتة، لا تستقر في شخصية الفرد، ومع هذا ينبغي أن نذكر أنه إذا لم يمكن التخلص منها واستمرت ممارستها بعد السن التي توجد فيها عادة، كانت دلالة تثبت أن نمو الطفل قد توقف إذ هي ليست إلا أعراض للفجاجة العقلية أو الوجدانية. فإذا ظهرت عادة المص أمكن أن ينفع المنع الجزئي الموقف نفعًا كبيرًا في اقتلاعها، فإن استعمال سوار عادي من القماش بالنشا إذا ربط ربطًا محكمًا حول الكوع يمنع الطفل من ثني ذراعه ووضع أصابعه في فمه. وهناك طريقة أخرى للعلاج عنيفة إلى حد ما وهي تلويث أصابع الطفل بأي دواء كريه الطعم، إلا أنه إذا أقنعنا الطفل وخلقنا فيه الرغبة في التغلب على العادة الكريهة التي يقوم بها قيامًا لا شعوريًا أمكن أن تكون النتيجة مرضية ناجحة. ومع هذا، فإن هذه العادة عند الأطفال العصابيين ليست سوى عرض من الأعراض العامة في هذه الأحوال ننصح بعدم استخدام أية طريقة من طرق المنع لأنها تؤدي إلى مقاومة بدنية، كما أن العصيان العقلي الذي يثور بنفس الطفل يزيد من اضطرابه العصبي العام، الذي ينبغي أن ينصرف إليه اهتمامنا قبل أي شيء آخر. وقلة حنان الأم على أولادها أيضًا قد يؤدي إلى ظهور مثل هذه العادات ويبدو أنه من الحكمة عند ظهور هذه الخلفة أول الأمر أن نقلل من أهميتها ما أمكن ذلك بأن نعمل على ألا يجني الطفل شيئًا باتخاذه هذا السلوك بل أن ندبر الأمر حتى يؤدي إلى إيقاع الخسارة به، وأهم من هذا كله ألا نناقش مسلكه البتة على محضر منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وليس من الحكمة في شيء أن نغزي الطفل ونرشوه حتى يقلع عن إحدى العادات، لأنه سرعان ما يفسر تلك الطرق على أنها دلالة على ضعف والديه في استغلال ما يلمسه من قلقهما عليه ومع هذا فإنه يحق لنا على الدوام أن نلجأ إلى الطفل في صراحة وأمانة. وهناك من الأطفال من يبتغي السلوى من ذلك فعندما تسوء الصلات بين الطفل والدنيا التي يعيش فيها، والمشكلة هنا ليست مشكلة أساسية إذ هي ليست سوى عرض من أعراض حالة عقلية ينبغي دراستها دراسة عميقة. عمومًا يجب ألا نبالغ في أهمية هذه العادة؛ لأن الطفل سيستمد من هذا الأمر جانبا من الرضا اللاشعوري، ثم سرعان ما يعرف كيف يستغل هذا الاهتمام بأمره، وأشد ما يقوي العادة في الطفل تكرار نهيه عنها، وهذا أقرب طريق لدفعه إلى العناد والمقاومة ومما يستلزم كثيرًا من المهارة واللباقة قدرًا كبيرًا من حسن الفهم والتصرف أن نلتمس الطرق والوسائل للقضاء على هذه المشاكل بطريق غير مباشر أي بتحويل نشاط الطفل إلى سبل إخرى دون إدراك منه لذلك، فإذا أحسنا اختيار تلك السبل فسرعان ما تحل الميول الجديدة محل القيمة، وسرعان ما تختفي هذه العادة. 5- السلوك العدواني Aggressive Behavior: لعل السلوك العدواني لدى الأطفال هو إحدى المشكلات الأساسية التي تؤدي إلى إصابة الوالدين في المنزل بالضيق والانزعاج. ففي دراسة كورنر Koener؛ "1949" لعشرين طفلا تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسادسة في إحدى دور الحضانة، ما يدل على العلاقة القائمة بين سلوك العدوان للأطفال من ناحية وما ينالونه من محبة وعطف من والديهم من ناحية أخرى، إلا أن النتائج كانت تشير بوجه عام إلى أن الأطفال الذين كانوا يحظون بكافيتهم من محبة الوالدين وعطفهما كانوا يعبرون عن عدوانهم تعبيرًا قويًا في مواقف اللعب، وتعبيرًا واقعيًا في مواقف الحياة الحقيقية، وقد فسرت هذه النتيجة بأن هؤلاء الأطفال إنما عمدوا إلى كبت عدوانهم إزاء مواقف الحياة احتفاظًا بمحبة والديهم، ولكنهم لم يجدوا بأسًا من التعبير عن هذه الميول العدوانية وتفريغها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 مواقف اللعب، بينما تبين أن الأطفال الذين حرموا هذه المحبة الوالدية كان البعض منهم على العكس, ذا ميول عدوانية قوية إزاء مواقف الحياة وميول عدوانية ضعيفة، إزاء مواقف اللعب كما كان البعض الآخر ذوي ميول عدائية قوية إزاء جميع المواقف، وهذا معناه أن ما تعرض له هؤلاء الأطفال من حرمان وإعاقة أدى إلى نشأة العدوان لديهم في استجاباتهم لمختلف المواقف على السواء أو لمواقف الحياة الواقعية تعبيرًا عن سخطهم وضجرهم. والأم أهم مصادر الإعاقة وما يؤدي إليه من عدوان لدى الأطفال فهي التي تتولى حماية الطفل وإبعاده عن الأخطار، كما أنها تتولى عملية تشكيله اجتماعيًا وما تتضمنه هذه العملية من أمر ونهي. ومجمل القول أن عدوان الطفل ينبغي ألا ينظر إليه نظرة إلى أمر غير مرغوب فيه على الأطلاق، بل إنه أمر ضروري لازم، وإن كان يحتاج إلى قدر من الضبط والتوجيه والإحاطة بالمحبة والرعاية. 6- السلوك الانسحابي: السلوك الانسحابي مشكلة أبلغ خطرًا من مشكلة السلوك العدواني، فالطفل قد يعمد إلى الانزواء والانطواء والسلبية، بدلا من العدوان والفاعلية والنشاط، ودرجة الخطر هنا أن الطفل الذي يتسم بطابع الانطواء والسلبية قد ينال من البيئة التي يعيش فيها القبول والتشجيع على اعتبار أن الانطواء طاعة وامتثال وأن العدوان انحراف وتمرد ولذلك فإن بذور هذا السلوك حينما تجد لها منبتًا في هذه المرحلة من النمو يسهل عليها بعد ذلك أن تنمو وتفصح عن نفسها في شخصية غير سوية في المستقبل. والسلوك الانسحابي يرجع أصلا إلى سوء التكيف بين الطفل والبيئة التي يعيش فيها، وعدم كفاية إمكانيات البيئة في إشباع الحاجات النفسية للطفل مما يؤدي إلى أن يكون للطفل عالمه الخاص الذي يقيمه في خياله ويشتق منه إشباعًا لا يتوفر له في العالم الواقعي. ولكي نجنب الطفل أن يقوم بهذا السلوك المنحرف، علينا أن نعنى بإشباع حاجاته من المحبة والتقدير والاحترام وأن نعنى بتعرف إمكانياته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وحدودها حتى لا نتوقع منه إلا ما هو في هذه الحدود وأن نقلل ما أمكننا من قيوده، وأن نتيح له قدرًا كافيًا من الحرية، وأخيرًا ألا نضيق بسلوكه العدواني إطلاقًا، بل نتيح له متنفسًا ملائمًا من التوجيه والرعاية. 7- الانحرافات السلوكية: يتعرض بعض الأبناء إلى نوعين من المشكلات تبدو أعراضهما على شكل سلوك مضاد للمجتمع بما في ذلك السلوك الخارج على القانون ومن أهم مظاهر هذه الانحرافات ما يلي. أ- جرائم الأحداث، كالسرقة والنشل. ب- وهناك بجانب ذلك انحرافات أقل خطورة، كالهروب من المنزل والمدرسة والتشرد والكذب والتخريب والتمرد. ويطلق على مظاهر الانحرافات السابقة بقسميها الاصطلاح "جناح الأحداث" وسنأخذ بعض الأمثلة التوضيحية للانحراف، وما يجب أن نسلكه تجاه هذا النمط السلوكي لدى أولادنا. أ- السرقة: الأمانة أمر مكتسب ولا يورث، فالطفل إذا لم يدرب في محيط العائلة على التفرقة بين ما يخصه وما يخص غيره، كان من الصعب أن نتوقع منه أن يكون أكثرًا تمييزًا بين ما يحق له وما لا يحق خارج المنزل، على أنه ينبغي ألا نغفل ذلك الميل الطبيعي الذي يدفع الطفل إلى عدم الاكتراث بحقوق الآخرين فيما يملكون. وينبغي أن يدرك الطفل منذ أول فرصة ممكنة ما نعنيه ببعض المعايير الاجتماعية مثل "الأمانة" وليس أجدى من تحقيق هذا من احترام حقوق الطفل فيما يمتلك من أدوات خاصة ومن تخويله حق التصرف المشروع في ذلك ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ولا ينبغي أن نتصرف في شيء من ممتلكات الطفل الخاصة دون رضاه وموافقته. وعمومًا يعتمد الأطفال على البيئة التي يعيشون فيها في تكوين موقفهم الخلقي بإزاء الحياة قدر اعتمادهم عليها في اللغة التي يتكلمونها أو الملابس التي يتخذونها، وإذا نحن ذكرنا أن كل نزعات الطفل الأساسية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 في مطلع حياته تنحو نحو إشباع رغباته أي أنه يسعى في الحصول على اللذة والقوة والمكانة، إذا نحن تذكرنا ذلك لزم أن نتوقع منه أن يشرع في العمل على امتلاك كل ما يقع تحت متناول يده منذ سن مبكرة، وأن يكون ذلك وجهًا من أكثر وجوه نشاطه منافاة لأوضاع المجتمع. وقبل أن يستطيع الطفل بوقت طويل فهم العلة التي تمنعه من الحصول على كل ما يقع تحت متناول يده، يمكن تدريبه على احترام حق الملكية عن طريق التعود، ويمكن تعليمه أن أي خرق لهذه القاعدة لا بد أن يعتبر مخالفة وعصيان. وعمومًا هناك كثير من الطرق المعوجة التي يقابل بها موقف السرقة غير أن أكثرها شيوعًا هما الوجهان الآتيان: أ- إن فئة من الآباء يلوث شرفها الرفيع ما يوجه من اتهامات إلى الولد حتى إنهم ليقفون منه موقف الدفاع، ينفون عنه التهمة رغم كل الأدلة التي تثبت ارتكابه إياها، وهم في هذا لا يجروون على بحث المسألة بحثًا بعيدًا عن التحيز، يبتغي منه الوصول إلى الحقيقة، بل إن أسهل السهل لديهم هو إنكار وقوعها أصلا. ب- الفئة الثانية من الآباء فهم أولئك الذين يذهلهم ويطير رشدهم أن قد رزقوا ابنا أصبح لصا في السابعة أو الثامنة. ولكن لا جدوى من التصرف على هذا النحو أو ذلك سواء أكان ذلك بروح وكيل النيابة أم بلسان المحامي الذي يدافع عن موكله، فإن موقف الوالد لا ينبغي أن يقتصر على استقصاء الحقيقة والبحث عن وقائع الحال، بل ينبغي أن يكون بجانب ذلك موقف الاهتمام الحق بالأسباب والبواعث قدر الاهتمام بالواقعة. فقد تكون السرقة غاية في ذاتها، فإذا هو في محاولته يرمي إلى إشباع رغبته، وتيسر عليه هذا السبيل، ولم يفتضح أمره فقد يلجأ إلى استخدام هذه الطريقة بالذات لسد كثير من حاجاته. وفي بعض الأحيان تتخذ السرقة وما يرتبط بها من موقف انفعالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 غاية في ذاته والسرقة في هذه الفئة من الحالات مشكلة سيكولوجية، ذلك لأن الأسباب التي تقوم عليها كثيرًا ما تكون خافية على الطفل كل الخفاء لأنها تعمل مخبأة، في اللاشعور، فقد تكون للأخذ بالثأر مثلًا، ويلجأ إليها الطفل كرد فعل بدائي يقوم على الثورة والانتقام ممن اعتدى عليه مثلا، أو الانتقام لأن السرقة كثيرًا ما تستخدم كطريقة لتسوية الحساب عن ظلم حقيقي أو وهمي يلحق بالطفل أو يخيل إليه أنه لحق به. ولا يمكن أن يكون هناك علاج واحد مفتن لأية حالة، لذلك كان أهم ما ينبغي عمله لحل هذه المشكلة أن نقف على الغاية التي تحققها السرقة في حياة الطفل الانفعالية، وأن نبذل عنذئذ ما استطعنا من جهد لعون الطفل على إشباع هذه الرغبة الانفعالية على وجه يرضاه هو ويقبله المجتمع. وسواء أكانت السرقة مجرد وسيلة نحو غاية يعمل الطفل على تحقيقها أم كانت غاية في نفسها فلا بد أن نعمل على إلا يجني الطفل من سرقته إلا الخسارة، أي إنه على الآباء أن يدبروا الأمر حتى لا تحقق السرقة الغاية التي كان يبتغي منها، ولا يجب إذلال الطفل بل يجب تشجيعه على مواجهة المشكلة في صراحة وجلاء. وليس من الحكمة أن ندفع الطفل إلى الشعور بأنه لم يعد لدينا من الثقة فيه شيء يسمح بالعودة إلى القيام بما نكلفه به، وليس من الحنكة أيضًا أن نسرف في استغلال انفعالات الطفل كأن نقول له إن إثمه كان صدمة عنيفة نزلت بأبيه وأمه، فليس لهذه المواعظ إلا أثر تافه إذا أعدنا ذكرها بعد انتهاء الحكاية أول مرة، بل من الخير أن نواجه المشكلة على أنها تبعد عن روح العدل وأصول اللعب النظيف وأنها لا تؤدي إلى منفعة له بل تفقده أصدقاء ولا تبعث في نفسه الرضا. فليس هناك ما يدعو إلى قلق الآباء من سرقات الأطفال التافهة إذا هم واجهوا المشكلة في جلاء وصراحة، ولم يتركوا انفعالهم بشأن هذه المسألة يغلب اتزانهم وحسن تصرفهم. عمومًا فلا بد للوالدين إن أرادوا تنشئة أبنائهم على الأمانة أن يجتمع لهما ما ينبغي من حسن الفهم والاهتمام والصراحة جميعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 ب- الكذب: يعد الكذب بوجه عام انحرافًا نفسيًا، وكثيرًا ما تشبه الأكاذيب بالرداء الذي يخفي معالم النفس، وهناك ضروب شتى وأنواع مختلفة من الأكاذيب ولكل منها مغزاه وما يرمي إليه فهناك الكذب الاعتيادي وهناك الكذب المرضي, ولقد حاولت مدرسة التحليل النفسي معالجة الكذب القهري الذي يقترن عادة بالهستيريا، وذلك حينما يصبح الكذب عادة مستحوذة على نفسية الشخص وتصبح لغته نسيجًا من الأكاذيب، ويعزى الفضل كذلك إلى العلاج النفسي في توجيه الاهتمام إلى أكاذيب الأطفال والكذب الذي يحاول الطفل إتيانه والذي قد لا يكون متعمدًا أول الأمر ثم يتفاقم في خطورته حتى يصبح لا شعوريًا، بعد ذلك، ويجب أن ندرك جيدًا أن ما نتبينه من حقائق مذهلة تعكس كذب الطفل إنما ترجع في الواقع إلى ضرب من ضروب الارتباك العقلي الذي عقدته ودعمته الاضطرابات الانفعالية التي وجدت في مواقف حياته. وقد يكون الكذب عند الطفل اختلافًا محضًا، مستمدًا، من وحي الخيال، ويكون القصد منه إيهام الآخرين بقبوله لغرض بريء هو المتعة النفسية أولا، ولجلب اهتمام الآخرين والاستثارة بانتباههم ثانيًا، ومثل هذا اللون من الكذب لا يرمي الطفل من ورائه خداع الآخرين أو تضليلهم. وليس الغرض منه الحصول على منفعة شخصية خاصة فقد يذكر لك الطفل مثلا بأن أباه رجل رياضي ماهر وأنه قد أحرز العديد من الأوسمة كما يستعد لخوض مباريات دولية مقبلة، ولعلك تصدقه، ولكن يتضح لك فيما بعد بأن كل ما ذكره الطفل لم يكن إلا من نسيج خياله مترجمًا إلى كذبة محكمة ولكن لا هدف له من كل هذا سوى الحصول على المتعة النفسية التي حملته على ما صوره في ذهنه، ولعلها رغبة تراوده كم تمناها لو استطاع أن تكون له القوة الجسمية والشهرة الزائعة، ولما أدرك عجزه عن بلوغها، ولما أيقن أنها بعيدة المنال لجأ إلى وحي الخيال للتعبير عن تلك الحاجة النفسية. وقد يكون الكذب عند الطفل أحيانًا نتيجة لما يتعرض له من مواقف جديدة في حياته، فمثلا قد يعمد الطفل إلى اختلاق أكاذيب أحيانًا عندما يفارق البيت لأول مرة في حياته، فعندما يرسل إلى الحضانة أو إلى المدرسة الابتدائية يشق عليه الأمر، ويجد من الصعوبة عليه فراق الأم، بل تكون بالنسبة إليه صدمة أحيانًا ما لم يكن قد تمت تهيئته لذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 منذ فترة بعيدة قبل إرساله إلى الحضانة أو المدرسة على حين غرة ففي هذه الحالات يعمد الطفل إلى حبك أكاذيب يذكر مثلا بأنه وجد المربية في الحضانة قاسية ولا تحبه، أو أن المدرس شديد قاس بحيث لا يمكنه احتمال مثل هذه القسوة. ويلجأ الطفل أحيانًا إلى الكذب لحماية نفسه من هجوم الكبار عليه، وينشأ مثل هذا النوع من الكذب عادة لدى الأطفال الذين لا تتمثل فيهم قوة الشخصية وممن تعودوا الاستكانة أو الخنوع بدلا من تنمية الثقة بالذات عندهم، ومثل هذا الضرب من الأطفال يصوغون الكذبة لوقتها خالية من المحتويات الخيالية بعيدة عن التزويق فيأتونها وكأنها حقيقة فتكون الكذبة وكأنها فعل انعكاسي دفاعي تولد لتوه، وعادة ما يثور الآباء أو المدرسون، ناسين أو متناسين بأن الطفل جاء بذلك ليتقي غائلة النقمة المحتملة وما عساه أن يتعرض له من اتهامات وتهديدات تكال إليه، ووصمه بالضعف والكذب كلها في الحقيقة تعبر عن الاعتراف الصريح بأن تلك الجوانب من الكذب إنما تكشف عن وجود مركب النقص لدى الطفل والذي قد يكون الكبار في الغالب السبب في توليده في نفس الطفل البريء، ويتخلى الطفل عن هذا النوع من الكذب متى ألف البيئة المحيطة به، وكانت التعليمات والنصائح صريحة واضحة مشفوعة بالقدوة الحسنة. ومن بين مساهمات نظرية التحليل ما قدمته من تفسير عما يصيب النفس البشرية وما يلجأ إليه من وسائل تغلف به ذاتها أحيانًا، فقد أماطت هذه النظرية اللثام عن أن ما تعمد إليه النفس من تعمية كوسيلة دفاعية وإن لم تكن مرغوب فيها قط إنما يقصد منه التكيف اللاشعوري Unconscious Adaptaion، وما التعمية هذه إلا كذب الإحساس وكذب الجانب الوجداني ويصوغ الطفل الكذب لظنه أنه يحميه، وبالتالي بالتناقض والتناحر يعتملان ضمن إطار ذاته، فيدرك أنه لا طاقة له على احتمال الصراع الناشئ في نفسه وفي فكره فيجد أنه لا بد للنفس من التكيف الذي يتخذ أشكالا شتى لعل أهمها. 1- اللجوء إلى الكذب الذي يحاول الطفل أن يلبسه ثوب الحقيقة وأن يضفي عليه رداء الواقع، وهنا تكون المسألة قد ازدادت تعقيدًا وهذا الكذب المخيف الذي يختفي في مجاهل النفس اللاشعورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 2- اللجوء إلى الأوهام. 3- الانسحاب من الواقع كليًا. 4- نشوء الحالات العصابية وسائر الأمراض النفسية المحتملة الأخرى. 5- التناقض الوجداني. ثانيًا: بعض مشكلات النمو في فترة المراهقة: 1- السلوك العدواني Aggressive Behavior: يكثر انتشار هذا النمط السلوكي بين المراهقين، ويتمثل في مظاهر كثيرة منها التهريج في الفصل والاحتكاك بالمعلمين وعدم احترامهم والعناد والتحدي وتخريب أثاث المدرسة والفصل وعدم الانتظام في الدراسة واستعمال الألفاظ البذيئة. ولا يمكن إرجاع هذا السلوك العدواني إلى عامل بالذات، بل ترجع غالبًا هذه الأنماط السلوكية إلى عوامل كثيرة متشابكة منها عوامل شخصية وأخرى اجتماعية، فقد يكون أحد العوامل المسئولة عن هذا السلوك بين المراهقين هو عجز الوالدين عن سياسة وتوجيه المراهق، أو فشل المراهق في الحصول على المحبة والتقدير من الكبار في المنزل أو عدم احترامهم لوجهة نظره ومعاملته كالطفل، وقد يرجع العدوان إلى فشل المراهق في تحقيق ذاته أو فشله في الدراسة، أو فشله في كسب عطف المعلم ومحبته له، مما يجعله يعادي السلطة ممثلة في أوامر المدرسة ونظمها ويعادي السلطة ممثلة في المعلم. وقد يرجع العدوان أيضًا لإحساس المراهق بعدم قبوله اجتماعيًا، إما لعيب ظاهر فيه، أو لقبح في منظره، أو لعدم توافقه اجتماعا مع أقرانه أو مع الأفراد من الجنس الآخر، فنسلك هذا السلوك العدواني كي يفرض ذاته ويعادي المجتمع. وعليه يمكن أن نرجع هذا السلوك العدواني إلى العديد من الظروف الشخصية والبيئة المؤثرة التي تسبب عادة عدم إشباع حاجات المراهق النفسية، فالنقص في الأمن في المنزل والمدرسة والنقص في المحبة في المنزل والمدرسة وعدم إشباع حاجة المراهق للتقدير والاحترام وللمعاملة ككبير في المنزل والمدرسة، وعدم إعطائه الحرية, كل ذلك له دون شك أثر واضح في السلوك العدواني للمراهق في المنزل والمدرسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ويجب على الآباء والمعلمين أن يشبعوا هذه الحاجات النفسية التي يحتاج إليها المراهق، وعليهم أن يفهموا نفسيته ومطالبه, ويقدروها التقدير المناسب، كما عليهم أن يتعاونوا لإيجاد بيئة صالحة في المنزل حيث يفخر بها المراهق ويعتز، وفي المدرسة حتى يحس المراهق بأن هناك أفراد آخرون يحبونه ويحترمونه ويهتمون بشئونه خارج نطاق المنزل، وهم الكبار من حوله في المدرسة وفي المجتمع بصفة عامة. 2- الجناح Delinquency: تنتشر ظاهرة الجناح بين بعض المراهقين في المدراس الإعدادية والثانوية، والجناح درجة شديدة أو منحرفة من السلوك العدواني، حيث يبدو على المراهقين تصرفات تعتبر ذات دلالة عن سوء الخلق والفوضى والاستهتار، وقد يصل بها الحال إلى الجريمة، وكثيرًا ما نسمع عن عصابة من الطلبة اشتركوا في سرقة أو قتل أو ... إلخ من الأعمال الخارجة على القانون, وقد يظهر الجناح في صورة الاعتداء المادي على المعلم أو الأب أو قد يظهر في الانحراف الجنسي، وإدمان المخدرات وإيذاء النفس، وقد يصل الحال في بعضها إلى الانتقام من الفرد نفسه بالانتحار. ونرجع الجناح لعدة عوامل منها عدم قدرة المراهق على التكيف تكفيًا سليمًا في المنزل أو المدرسة، أو لضعف قدرة المراهق العقلية، أو لعاهة جسمية واضحة، أو لفشله المتكرر في الدراسة، أو لضعف في صحته العامة، أو نتيجة لمعاناته من قلق انفعالي أو لعدم إشباع لحاجاته النفسية ... إلخ. ويقدم لنا صموئيل مغاريوس بعض العوامل التي تؤثر في المراهقة الجانحة: 1- مرور بعض المراهقين بخبرة شاذة مريرة أو اصطدامهم بصدمات عاطفية عنيفة. 2- انعدام الرقابة الأسرية أو تخاذلها أو ضعفها أو التدليل الزائد للمراهق. 3- القسوة الشديدة في معاملة المراهقين في الأسرة وتجاهل رغباتهم وحاجات نموهم. 4- الصحبة السيئة مع الجيران أو مع الأقران في المدرسة. 5- التأخر الدراسي وارتباطه بضعف القدرة العقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 6- الحالة الاقتصادية السيئة. 7- العوامل العصبية الاستعدادية أو الاختلاف في التكوين الغددي. ويتطلب مواجهة مشكلة الجناح تفهم العوامل المسئولة عن هذه الظاهرة ثم محاولة تعديل هذه الظروف أو تلك العوامل، ويفضل تلافي وصول المراهق لمرحلة الجنوح, فالوقاية في هذا المجال أفضل كثيرًا من علاج حالات منحرفة قد تتطلب الوقت الطويل مع احتمال قلة الوصول إلى نتائج لعدم التمكن من إخضاع الظروف المسيطرة على المراهقين. ويربط كثير من علماء النفس Singer؛ "1974" الجناح بشعور الاغتراب الذي يعتري المراهق، فالجانج يميل إلى أن يكون من أسرة ذات سياسة صارمة أو تتبع التساهل واللين الزائدين في التعامل مع المراهق، كما أن آباء المراهقين الجانحين عادة ما نجدهم لا يتسمون بالاتساق في تربية الطفل وتنشئته. 2- أحلام اليقظة Day Dreams: أحلام اليقظة من الوسائل الشائعة عند المراهقين للهروب من المواقف التي لا يستريحون إليها، وذلك الاتجاه إلى عالم الخيال. ويلجأ كل فرد تقريبًا في بعض الأوقات إلى أحلام اليقظة وليس ثمة خطر في التجاء المراهق إليها، هذا إذا لم يكن يفضل هذه الأحلام على الصلات السوية مع زملائه، وإذا لم يكن يلتمس فيها وسائل للتهرب من الصراعات الداخلية وما يشعر به من نقص، كما أن اختلاق الأقاصيص ليس سوى أحلام يقظة كلامية، ويمكن تعريفها بأنها محاولة من جانب الفرد لدعم اعتباره لذاته وللحصول على ما يبغي من تقدير وذلك بتلفيق القصص التي ترفع من قدره ومكانته وتضفي أصالة وعراقة على أسرته، وهو يبالغ على وجه العموم فيما له من أهمية، ونسيج القصص كوسيلة لتعويض الإحساس بالنقص أقل خطرًا من أحلام اليقظة ذلك أنه يمكن اكتشافها قبل أن تتعمق جذورها في شخصية الفرد. والمراهق الذي يحلق في سماء الخيال، قد يكون أقل مضايقة للكبار من المراهق الذي يلجأ إلى ثورات الغضب وأنواع السلوك الأخرى، ولكن هذه الخيالات قد تكون في الواقع أكثر خطرًا على نموه العقلي، وينبغي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 مساعدة الفتيان والفتيات على إدراك أنهم يستطيعون نيل ما يصبون إليه من تقدير بالنشاط والعمل، على نحو أفضل مما يستطيعونه بالطرق التي لا تجدي كأحلام اليقظة مثلا. 4- الانطواء Introversion: تتضح هذه السمة في بعض المراهقين في المدارس الإعدادية والثانوية ويظهر المراهق المنطوي رغبته الشديدة في العزلة، والسلبية والتردد، والخجل والاكتئاب ولا يوجد لهذا النمط من المراهقين نشاط خارجي مع المجموعة، وما عدا النشاط الانطوائي مثل قراءة الكتب، خصوصًا الدينية، وغيرها، وكتابة المذكرات التي تعبر في الغالب عن نزعاته وانفعالاته ونقده للمجتمع الذي يعيش فيه. ويشغل تفكير المراهق في هذه الحالة المشكلات الروحية فيتأمل فيها أو قد يتأمل الطبيعة ويتغزل فيها، وقد يركز على العمل التحصيلي لينجح ويتميز المراهق المنطوي أيضًا بأحلام اليقظة، وقد يسرف في الاستمناء "العادة السرية" لإزالة ما يشعر به من توترات وكبت جنسي ويعاني من الصراع بين نزعاته ورغباته وبين القيم والمثل وتعاليم الدين. وترجع أسباب الانطواء في الغالب إلى عوامل أسرية، منها عدم تفهم الأبوين لرغبات المراهق وحاجاته، بل تجاهلها وإهمالها لتلك الحاجات نتيجة التزمت الشديد في المنزل، كذلك تؤثر ثقافة الوالدين تأثيرًا كبيرًا في انطواء المراهق، فهناك أسر تعتبر مجالات النشاط الرياضي والاجتماعي والفني مضيعة للوقت، وعلى الطالب أن يحصل دروسه فقط ويذاكر لينجح، وكذلك قد ترجع بعض الأسباب إلى حالة الأسرة من الناحية الاقتصادية، فالأسرة الفقيرة والتي ترسل أطفالها إلى المدرسة بالكاد لا يمكن لها أن تشبع حاجات المراهق من ملبس ومصروف ونشاط خارجي واشتراك في مجال الترفية أو الرياضية ... إلخ، وبالتالي تنتج مراهقًا مكتئبًا منعزلا. ويمكن للمعلم أن يواجه هذه الظاهرة بتنشيط ميل المراهق للاندماج في أكثر من مجال، ومحاولة إشراكه في أعمال جمعية، وتكليفه بجمع بيانات واستفسارات مع أفراد آخرين لغرض الدراسة واشراكه في مواقف حماسية، كمشاهدة مباريات الفصول، أو فريق التمثيل، كما يفضل معرفة مسببات هذا الانطواء في المنزل والظروف التي أدت إليه، وتنمية ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 يراه المعلم في التلميذ من مقدرة في مجال معين، حيث ينمو هذا الميل فيبرز المراهق، حينذاك يحس بالرضا والفخر والثقة بنفسه. ويمكن أن نلخص واجبات المعلم في تناوله لهذه المشكلات في أن يقوم بالملاحظة الأعراض والتأكد منها، ثم تفهم المسببات المسئولة عن وجود تلك الظاهرة، وأخيرًا عليه أن يقوم بدور التوجيه المناسب بالاشتراك مع المنزل إذا تطلب منه الأمر ذلك، ولعل رواد الفصول في المدارس الإعدادية والثانوية يكونون أقدر من غيرهم على معرفة هذه المشكلات لكثرة اختلاطهم بتلاميذهم وتفاعلهم معهم كما يستطيع الأخصائي الاجتماعي والنفسي المساهمة بنصيب في عمليات التوجيه الاجتماعي والإرشاد النفسي وبالتالي يقل إلى حد كبير المشكلات التي يعانيها مراهق والتي يمكن تلافيها قبل أن تستفحل ويصعب مواجهتها. 5- الانحرافات الجنسية Sexual Deviations: يذكر لنا دوجلاس توم، أن كثيرًا من ضروب الصراع العقلي وأنواع الشذوذ التي نلقاها في الكبار والصغار على السواء ترجع مباشرة أو تصطبغ بالمواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية، وعمومًا ليس هناك طوال العمر من قوة أكبر من تلك القوة إلحاحًا في سبيل الظهور على أي شكل من الأشكال، كما أنه ليس هناك أي قوة غيرها تلقي من عنت الجماعة والأسرة والفرد في التضييق على حريتها وأحاطتها بالقيود قدر ما تلقي الميول الجنسية من عنت وتقييد. فمن مظاهر هذه الانحرافات الجنسية المثلية "اللواط والسحاق" والاتجاه نحو موضوعات مادية "التعلق الجنسي بالأشياء التي يستعملها الجنس الآخر"، أو قد يتجه هذا الانحراف نحو الذات "الاستنماء المفرط، النشاط الجنسي الزائد، والنرجسية أو عشق الذات", وقد تأخر مظهر الاستعراض الجنسي، أو إلى مظهر السادية أو الماسوكية أو قد تتجه إلى الاغتصاب وجماع الأطفال، إلى ما شابه ذلك من الألوان المختلفة من الانحراف الجنسي. وقد يرجع سبب هذا الانحراف إلى الاضطرابات الفسيولوجية ونقص التربية الجنسية أو انعدامها، والاضطرابات الوراثية, وقد ترجع إلى أسباب نفسية مثل الصراع بين الدوافع والغرائز وبين المعايير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 الاجتماعية، وبين الرغبة الجنسية وموانع الاتصال الجنسي، والإحباط الجنسي الكبت، واستحالة الإعلاء، والنكوص الانفعالي، وعدم الشعور باللذة والسعادة في الحياة مما يدفع الفرد إلى الجنس كمصدر للذة. هنا يلقي على المربين مهمة إقناع المراهق بالأضرار النفسية للانحراف والشذوذ، عن طريق التوجيه النفسي للشباب، وتحذير الشباب من أخطار الانحراف الجنسي تحذيرًا مبنيًا على أس علمية لا على مجرد الخوف وتشجيع الميلو والهوايات العملية، وأيضًا عن طريق العلاج السلوكي كما أن التربية الدينية والخلقية للشباب تسهم مساهمة فعالة في تعديل هذا الانحراف لدى مراهقينًا. اغتراب المراهقين والشباب: يستأهل هذا الموضوع نظرًا لأهميته مؤلفًا خاصًا، نلقي الضوء فيه على الاغتراب كظاهرة فلسفية ونفسية واجتماعية، وأسبابها ومظاهرها، وما يمكن فعله لمواجهتها، ولكنني شعرت بضرورة التعرض للاغتراب باعتباره أحد المشكلات الهامة التي يجاببها المراهقين والشباب في عصرنا الحديث، مرجئًا تفصيل ذلك لمؤلف آخر نوعد به القارئ إن شاء الله. وعمومًا فإن كثيرًا من دراسات علم نفس النمو تشير إلى أن ثقافة المراهقين والشباب عادة ما تكون منفصلة عن ثقافة الراشدين، ودائمًا ما يكون عالمهم في نزاع وصراع مع عالم الراشدين من حولهم، وعادة ما يشار إلى ثقافة المراهقين والشباب بأنها تتسم بالتكاسل والإسراف وشيوع المفاسد كاستخدام العقاقير، والإصرار على الإشباعات الفورية والأخلاق السيئة وعدم احترام السلطة ونبذ القيم التقليدية، وقد يعزي هذا الاغتراب الذي يشعر به المراهقين والشباب إلى عديد من العوامل أهمها. 1 غياب القيم الدينية والإنسانية في حياة المراهقين والشباب. 2 الفجوة بين ثقافة المراهقين والشباب وثقافة الراشدين من حولهم. 3 النفاق والرياء وتأليه الفرد أمام المراهقين والشباب. 4 صياغة الآخرين لنموذج حياة المراهقين والشباب. 5 عدم قدرة المراهقين والشباب على تحقيق ذواتهم. وبالتالي عدم قدرتهم تقبل ذواتهم. 6 عدم أحساس المراهقين والشباب بالحرية المسئولية سواء عن أنفسهم أو مصائرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 7- افتقاد المراهقين والشباب معنى لوجودهم، لافتقادهم أهداف الحياة التي يحيوها. 8- التناقضات الموجودة داخل مجتمع الراشدين من حولهم، جعل المراهقين والشباب يفتقدون المثل الأعلى الذي يمكنهم أن يتحذوا به. ويوضح شكل رقم "1" العوامل المتعددة التي قد تؤدي بالمراهقين والشباب للإحساس بالغربة عن ذواتهم والغربة عن مجتمعهم من حولهم. إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 ويصف أصحاب المذهب الوجودي إنسان القرن العشرين في عزلته واغترابه بأنه غريب عن الله وغريب عن الآخرين وغريب عن نفسه، ويدفعه الإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه إلى إدراك هذه العزلة الوجودية أو الاغتراب الوجودي إلى وقوعه صريعًا للقلق الوجودي ومن ثم للاضطراب النفسي. ولقد اختفت كثير من القيم التي كانت سائدة في حياة الناس، بل وكان لها وجود حقيقي فيما مضى مثل التآزر والتعاطف والتواد والتراحم والمحبة وسيطرت على العلاقات بين الناس قيم غريبة عن الإنسان وأصبحت العلاقة بين فردين تحدد بمدى ما يأخذ كل من الآخر، أصبحت الوصولية قيمة وأطلق عليها الجذب الاجتماعي حتى يخدع الإنسان نفسه، وارتدى النفاق والرياء ثوبا جديدًا يسمى بالمجاملة وأصبح الإنسان وسيلة بعد أن كان غاية, وهكذا يتحدث الوجوديون عن الإنسان وحياته، واختلفوا فيما بينهم في طريقة حل مشكلة الإنسان، رأى فريق منهم أن عودة الإنسان من اغترابه يكون في حريته في اختيار قيم تحدد إطاره في الحياة, وتعطي معنى لحياته وتجنبه استمرار الحياة في هذا الفراغ الوجودي الذي يعاني منه ويرون أن سكن الإنسان في العودة إلى الله والأديان، أما الفريق الآخر فينادي بضرورة إدراك الإنسان بأنه يعيش حياة بلا معنى, بلا هدف, حياة تتشكل في سلسلة من المتناقضات والتناقضات وعليه أن يعيشها أو يعايشها كما تأتي بها الرياح، ويمثل الفريق الأول كيركجورد ومارسيل وياسبرز، أما الفريق الثاني فيمثله نيتشه وسارتر والبير كامي. وتشير نتائج دراسة Friedenberg؛ "1971" أن اغتراب المراهقين والشباب قد يعزى إلى بعض العوامل منها على سبيل المثال المعاملة الوالدية سواء كانت كابتة أو متساهلة، كما أن خبرات العالم من حولهم السريع في تغيره وتطوره جعلتهم غير قادرين على تفهم من حولهم خاصة أقرب الناس لديهم, بالإضافة إلى فترة التدريب والتعليم الطويلة بين مرحلتي الطفولة والرشد, والتي عادة ما توجد في المجتمع التكنولوجي المعقد، فعادة ما نرى عدم تعاطف المراهقين مع ما يرونه من أشياء تقع تحت أنظارهم، كما يشعرون باللاقلق والاضطراب نتيجة رؤيتهم الزيف من حولهم وانتشار النفاق داخل جيل الراشدين، وعدم محاولة الكبار تفهمهم والعمل على حل المشكلات التي تواجههم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 كل هذه الأفكار المنتشرة بين مجتمع المراهقين عادة ما تعمق ثورتهم وعصيانهم، وبالتالي تعمق الفجوة بين الأجيال، ولقد نوقشت هذه الظاهرة في عديد من المؤلفات والتي نشرت فيما بين 1961 فتشير نتائج دراسة Colemen؛ "1967" بأننا في حاجة إلى وسيلة لكي نجلب بها المراهقين إلى المنزل، ونحن في أمس الحاجة إلى وسيلة أخرى لتخفيض وتقبل المتناقضات داخل مجتمع المراهقين، ويشير كل من Feuer & Mead بأن الراشدين يجب عليهم أن يجدوا بعضا من قنوات الاتصال بينهم وبين المراهقين وأن يزيلوا هذه الفجوة الجيلية، ولقد علق Fridenberg على ذلك بقوله: "إن الشباب عادة ما ينظرون إلى أحاسيسهم ومشاعرهم على أنها بمثابة الموجه والمرشد لهم إلى عمل ما هو صائب بالنسبة إليهم، وإلى أن ينظروا إلى متطلبات المجتمع من حولهم على أنها تعتبر بمثابة مشكلة والتي لا يمكن ولا يجب أن تفهم أو يقترب منها بالوسائل العقلانية. وتشير نتائج دراسة جوتليب Gottlieb؛ "1964" بأن الفجوة لا توجد فقط بين ثقافة المراهقين أو الشباب أنفسهم، ويستطرد بقوله بأننا يجب أن نعترف بعدم توفر ثقافة متجانسة التكوين للمراهقين والشباب، وبالتالي فعادة ما نجد ثقافة مراهقينا وشبابنا تتضمن العديد من العناصر الثقافية غير المتجانسة, وبالتالي فإن المراهقين والشباب عادة ما يميلون إلى التفكير والأداء بطرق مختلفة وتشير كوفر Kovar؛ "1968" في دراستها على 151 مراهقة من خلفيات ثقافية متشابهة أن اغتراب المراهقين والمراهقات قد يعزى إلى قصور عملية التوجيه والإرشاد، وتمكنت في دراستها من التعرف على خمسة اتجاهات مختلفة نحو الآباء والقيم الاجتماعية نوجزها فيما يلي: 1- توجيه الرفاق Peer Oriented. 2- توجيه الراشدين Adult Oriented. 3- الجنوح Delinquency. 4- البوهيمية الفوضوية Anarchie Bohemian. 5- الاستقلالية Autonomous. وتستطرد كوفر بأننا يمكننا أن نجنب المراهقين والمراهقات من الصور المختلفة للاغتراب عن طريق عملية التوجيه والإرشاد سواء داخل الأسر أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 في المدرسة، وبالتالي نساعدهم على تخطيط مستقبلهم وإدراك ذواتهم داخل بيئاتهم. ومن جانب آخر، فإن هناك دراسات تشير أن أغلب المراهقين والشباب يسيرون في تناسق مع آبائهم ويدعمون قيم الراشدين من حولهم، فدراسة Offer, ودراسة Douvan؛ "1975" تشيران أن معظم المراهقين عادة ما يحترمون آباءهم ويميلون إلى التشبه بهم ويتخذون منهم مثالا في حياتهم كما اتضح أن أغلب الشباب عادة ما يكونون في حالة من حالات الإشباع والرضا داخل منازلهم، وينظرون إلى الآباء كأشخاص موثوق بهم ويعول عليهم كما ينظرون إلى أمهاتهم كأشخاص متعاطفة معهم متفهمة لهم، وعلى الرغم من أن بعض المراهقين نادرًا ما يضعف رباط الحب داخل الأسرة أو أن يؤدي بالآباء والمراهقين إلى حالات من الصراع والعداء. وفي دراسة مسحية على المراهقين فيما بين 13، 18سنة، أجريت بواسطة Meissner؛ "1965" وجد أن ما يقرب من 89% من المراهقين أشاروا إلى أنهم كانوا سعداء داخل أسرهم، وأشار ما يقرب من 74% إلى أنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز بآبائهم، كما أن دراسة Lesser & Kandil أشارت إلى أن ما يقرب من 11% فقط من المراهقين لعينة الدراسة قد شعروا بأنهم بعيدون عن أمهاتهم، وما يقرب من 22% عبروا بأنهم بعيدون عن آبائهم بينما باقي عينة الدراسة شعروا بأنهم قريبون من أبويهم. وفيما يتعلق بالقيم، فالأدلة تشير أن المراهقين والشباب عادة ما يشعرون بإحساس قوي بالمسئولية الاجتماعية والخلقية، أكثر من إحساس الإشباع لرغباتهم الفورية, كما أن أغلبية الشباب عادة ما تدعم قيم آبائهم ومجتمعهم أكثر من نبذهم لها، فالشباب والمراهقين عادة ما يتقاسمون ويشتركون في معاييرهم وآدابهم السلوكية مع ما لدى الآباء وحتى هؤلاء الذين وجد أنهم يشيرون إلى وجهات نظر غير متناسقة مع العرف وقواعد السلوك المألوفة اتضح أن الغالبية العظمى من هؤلاء يفعلون ذلك في تناسق مع الأنماط السلوكية لآبائهم ولا يعتبر سلوكهم ثورة أو عصيان على من حولهم، ولا يتسمون بالاغتراب عن مجتمعهم كما يدعى عليهم، كما أن هناك أقلية من المراهقين، والشباب، الذين وجد لديهم الشعور بالاغتراب عرضًا من أعراض الاضطرابات النفسية، ولهذا السبب نجد كثيرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 من علماء النفس الاجتماعي يشيرون أن ثورة وعصيان المراهق والفجوة الجيلية ما هي إلا خرافة من الخرافات على الأقل فيما يتعلق للأغلبية الساحقة من المراهقين والشباب ويستطرد وينر Weiner؛ "1976" بقوله أن هذه المفاهيم عادة ما نجد لها الاستمرارية والدوام، فعادة ما يكون المراهقون الذين يسببون المتاعب والاضطراب بمثابة موضوعات شيقة لوسائل الإعلام المختلفة، كما أننا عادة ما نميل إلى الاستماع وإلى قراءة الأشياء السيئة أكثر مما نفعل ذلك بالنسبة للموضوعات الحسنة فيما يتعلق بسلوك المراهقين والشباب، وبالتالي يعطينا انطباعًا مشوهًا عن عدد المراهقين والشباب الذين يكونون في نزاع وصراع مع آبائهم ومجتمعهم من حولهم. ومهما كانت نتائج الدراسات في ظاهرة الاغتراب، إلا أننا يجب أن نشير إلى أنه حتى الدراسات التي تنكر انتشارها إلا أنها تعترف بوجودها، وعزوها إلى عديد من الظروف التي يحياها المراهقون أو الشباب سواء داخل أسرهم أو في مجتمعهم بصورة عادية فيجب علينا أن نوفر لهم المثال في الأسر والمجتمع معًا ونساعدهم على تكوين مفاهيمهم لذواتهم وإدراكهم للآخرين من حولهم، ونرشدهم من جانب آخر إلى تخطيط مستقبلهم، حتى يكون لحياتهم معنى وقيمة بالنسبة لهم. وعمومًا فكما وعدت القارئ أن هذه ليست إلا عجالة في ظاهرة نفسية جد خطيرة, وعادة ما تواجه المراهقين والشباب خاصة في فترات الانتقال أو التحول الثقافي والحضاري التي تطرأ على المجتمعات وسيتبع ذلك بمشيئة الله بمؤلف آخر عن ظاهرة الاغتراب سواء من جوانبها النفسية والاجتماعية والفلسفية والأساليب الممكن اتباعها لعلاج هذه الظاهرة حتى نقي المراهقين والشباب من مغبة اغترابهم سواء عن ذواتهم أو مجتمعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو : إذا كان المنزل يضطلع بمسئولية وضع أساس بناء شخصية الطفل، إلا أن الطفل، بدخوله المدرسة تكون صورته عن ذاته غير محددة وفي موضع اختيار، ومن ثم يمكن أن تتغير أو تتعدل بدرجة كبيرة عن طريق الخبرات المنظمة والهادفة التي تهيؤها المدرسة كمؤسسة تربوية، والمعروف أن المدرس خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل المدرسية يصير بالنسبة للطفل أبا بديلا وشخصية هامة مؤثرة، والمدرس الذي يتجاوز اهتمامه حدود المادة الدراسية إلى النمو المتكامل للأطفال في ظل رعايته وتوجيهه يهيئ جوًا نفسيًا يسود فيه الأمان والتقبل وتحقيق الذات, ويساعد على تهيئة الظروف الفعلية لممارسة المبادئ العملية للنمو السوي والصحة النفسية. الجو المدرسي: يساعد الجو المدرسي الذي يتسم بالتقبل والأمان والحرية على تهيئة المواقف والظروف التي تساعد على النمو الأفضل للتلاميذ، ففيه يقوم المدرس بتقبل التلميذ كما هو, وهذا التقبل يقوم على معرفة وفهم إمكانيات التلميذ، وبالتالي تكييف العملية التعليمية، وفقًا لذلك, وفي نفس الوقت يساعد التلميذ على النمو لأن أحد وظائفه الأساسية كمدرس هي مساعدته على إنماء إمكاناته, ويتحقق هذا النمو حيثما تتوفر الحرية, وبالتالي يتعرض النمو للكف في حالة الضبط المتكرر المتتابع, ولا يعني ذلك إلغاء الضبط من النظام المدرسي, كذلك تؤدي الحرية الزائدة والتساهل الزائد إلى إثارة الفوضى في سلوك التلاميذ. فالتلميذ يحتاج إلى أن تكون مواقف الفصل المدرسي والمناشط المدرسية المختلفة منتظمة إلى حد ما، وإلى أن يعرف ما هي القواعد التي ينبغي السير عليها وأن يتوقع العقاب في حالة تحطيم هذه القواعد، فمن الأهمية أن يتعلم الطفل تقبل حدود السلوك التي تفرضها الحياة الواقعية، وبمعنى آخر، فإن ما يحتاجه الطفل هو مزيج من الحرية والضبط. وتتحدد حرية الطفل داخل الفصل المدرسي بحرية الآخرين، فينبغي أن يتعلم احترام حقوق زملائه, وتتاح للطفل داخل المجتمع المدرسي مهارات العمل الاجتماعي, وممارسة الأدوار الاجتماعية المختلفة، أدوار القيادة والتبعية، ممارسة الأسلوب الديمقراطي عن طريق عمليات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الأخذ والعطاء مع الآخرين، والتدريب على ممارسة المسئولية، وهكذا من مقومات النضج الاجتماعي. والجو المدرسي الذي يقوم على الوحدة والتضامن الاجتماعي ووضوح الرؤية داخل العلاقات الاجتماعية البناءة داخل الجماعات المدرسية يتيح الفرصة لنشر الاتجاهات النفسية السليمة نحو الذات ونحو الآخرين أما الجو المدرسي الذي يقل فيه الاتصال بين المدرسين والتلاميذ كجماعة متكاملة الأدوار يؤدي إلى أن ينشأ عند أعضاء هذه الجماعة سواء إدراك وسواء تأويل وسوء فهم، بل وإلى ظهور روح العداوة بين بعضهم البعض, ولكن حينما يقوم هذا الجو على الاتصال والتواصل، يميل التلاميذ والمدرسون إلى تكوين إدراكات واقعية ومشاعر إيجابية نحو بعضهم البعض, وحينما يتوفر للتلاميذ إدراك واضح لأهداف مشتركة، وشعور بالتماسك، ويرون بعضهم البعض بصورة حسنة فإن مخالطيهم يميلون إلى الإتيان باتجاهات وأنماط سلوكية تتميز بالتقبل والتأييد المتبادل بين بعضهم البعض أما اتصالات التلاميذ التي تتم في جو مدرسي يسود فيه انعدام الأهداف المشتركة وضعف روح الفريق ورؤية الجانب السيئ في الشخص الآخر, كل هذا ينتج عنه اتجاهات وسلوك يغلب عليها عدم التقبل، وعدم التأييد بين بعضهم البعض. ويميل الجو المدرسي الذي تسيطر عليه قيادة تتسم بالتزمت الصارم إلى إنتاج أنماط من السلوك والاتجاهات بين الأفراد تتميز بالعدوانية وإلى حدوث ظاهرة كبش الفداء، وترك الجماعة بينما تميل القيادة الديمقراطية إلى إنتاج أنماط سلوكية واتجاهات تتسم بالتعاون، وعدم النقد الهدام، وبالبقاء في الجماعة، ويميل التلاميذ إلى أن يندمجوا بدرجة أكبر في خبرة ما حين يسهمون في التخطيط لها، وتكون لديهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم حيالها ويسمعون مشاعر غيرهم نحوها، وتكون لديهم بعض المسئولية الفعالة في تنفيذها, بينما يميل التلاميذ إلى مقاومة تلك الخبرات التي لايستمتعون في تخطيطها، أو في التعبير عن مشاعرهم نحوها، أو في مسئولية تنفيذها، أو يظهرون عدم التحمس لتبنيها. ويميل التلاميذ إلى أن ينجذبوا نحو الأنشطة التي يرون فيها فرصًا طيبة لإشباع حاجاتهم ويشعرون بالتوحد معها, بينما يميل التلاميذ إلى ألا ينجذبوا نحو الأنشطة التي يرون فيها فرصة ضعيفة لإشباع حاجاتهم ولا يشعرون بالتوحد معها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 ويميل التلاميذ إلى الشعور بالارتياح والأمان في المواقف حينما يدركون أنفسهم على أنهم ذو قيمة ويدركون الآخرين على أنهم يمثلون قوى ودية نحوهم, بينما يميل التلاميذ إلى الشعور بعدم الارتياح وبعدم الأمان في المواقف حينما يدركون أنفسهم على أن قيمتهم ضئيلة ويدركون الآخرين على أنهم يمثلون قوى غير ودية نحوهم. وإذا كان الفصل المدرسي يمثل الوحدة الأساسية للمجتمع المدرسي، فما الذي يميز الفصل المدرسي الذي تشيع فيه مقومات النمو السليم للأطفال؟ 1- كمية التقبل أو الرفض داخل الجماعة ويشير ذلك إلى مدى العاطفة الإيجابية أو السلبية في الفصل المدرسي أو درجة الجو الذي يتسم بالصداقة في مقابل الجو الذي يتسم بعدم الصداقة, وهذا ما يكتشفه المدرسون عن طريق عمل دراسة سوسيومترية "دراسة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد" عن عدد أعضاء الفصل الذين يحبون بعضهم بعضًا، وإلى أي حد يعتقدون أن المدرس يحبهم وإلى أي حد يحبهم المدرس بالفعل, وهنا يكون الافتراض بأن غلبة تقبل الاتجاهات والسلوك تعد أكثر صحية من غلبة رفضها. 2- كمية العمل التعاوني أو العدواني داخل الجماعة، ويشير إلى مدى الحركة الإيجابية أو السلبية مع الآخرين أو ضدهم، أو إلى درجة تقديم المعونة في مقابل القوة أو التهديد أو الإكراه أو الأذى, ويكتشف المدرسون ذلك حينما يوجهون إلى الطلاب أسئلة عن إلى أي حد يدركون أنفسهم، والأطفال الآخرين، والمدرس من حيث الالتفاف حوله أو التفاف الآخرين حوله، وهنا يكون الافتراض بأن غلبة الأعمال التعاونية تعد أكثر صحية من غلبة الأعمال العدوانية. 3- كمية الاندماج في عمليات الفصل المدرسي أو الانسحاب منها، ويشير ذلك إلى مدى الحركة الإيجابية أو السلبية نحو الآخرين أو بعيدا عنها، أو درجة المشاركة في مقابل الانعزال والهروب، ويقيس المدرسون ذلك حين يبحثون عن عدد التلاميذ الذين يبدون على أنهم جزء من خبرة الفصل المدرسي أو يشعرون بذلك، وهنا يكون الافتراض بأن وجود اندماج الطالب يعد أكثر صحية من وجود الانسحاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 4- كمية الشعور بالارتياح أو القلق في الفصل، ويشير ذلك إلى مدى الشعور بالارتياح أو التوتر أو إلى درجة المشاعر والأنماط السلوكية الهادئة في مقابل المشاعر والأنماط السلوكية العصبية, وأحد طرق تقويم المدرسين لذلك عن طريق تقديم فرص للطلاب للتعبير عن السعادة أو الشقاء بالنسبة لإجراءات الفصل والطلاب الآخرين، والمدرس والموقف العام بالفصل وهنا يكون الافتراض بأن غلبة مشاعر الارتياح تعد أكثر صحية من غلبة مشاعر القلق. النظام المدرسي: تنشأ مشكلات النظام في الفصل المدرسي من إحباط بعض الحاجات الأساسية لدى الطفل والطفل الذي يستجيب لهذا الإحباط بعدوان صريح يؤدي إلى إثارة الاضطراب داخل جماعة الفصل المدرسي، ومع المدرس، ومع قيادة المدرسة بصفة عامة، وهنا يصبح الطفل حالة من مشكلات النظام المدرسي، أما الطفل الذي يستجيب للإحباط بعدوان موجه نحو الذات نادرا ما يصبح حالة مشكلة، ولكنه يخبر اضطرابًا أكبر في نظام الشخصية من الطفل الذي يأتي برد فعل نضالي موجه ضد الآخرين. وليس من الصعب تحديد أسباب سوء التصرفات التي تبدو من بعض الأطفال، فكل طفل تحركه الحاجة إلى النجاح، ولذا فإذا كانت بعض المواد الدراسية صعبة للغاية, فإنه يشعر بالإحباط ويدفعه التوتر المصاحب للإحباط إلى إثارة بعض الاضطراب أو التحدي الذي قد يأخذ شكل إزعاج المدرس أو إتلاف كتبه أو مقعده المدرسي، ويدفعه إلى النضال ضد بيئته، وهكذا فإن تكييف مضمون البرامج الدراسية لقدرات التلاميذ وإمكاناتهم ويساعد على حل الكثير من مشكلات النظام المدرسي. ويحتاج الطفل إلى الاعتراف بقدراته من مدرسيه ومن زملائه, وإذا كان هناك بعض الأفراد الذين يحصلون على إشباع تام من معرفة أنهم قد أتوا بعمل طيب إلا أن معظم الأفراد، يرغبون في أن المحيطين بهم يعترفون بإنجازاتهم ومثل هذه النزعات تزكي مشاعر الجدارة أو الكفاءة الشخصية لديهم فالرغبة في الحصول على مكانة اجتماعية لا تعني بالضرورة أن الفرد يتوقع أن يكون مرموقًا، فما يحتاجه هو الشعور بأن الآخرين يحبونه لما هو عليه، المدرس القادر على فهم هذه الحاجة الانفعالية يستطيع أن يشبعها لدى التلاميذ باختلاف مستوياتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وشخصياتهم, فلا يحاول التقليل من شأن أي تلميذ, بل يسعى دائمًا إلى مساعدة كل منهم على الاحتفاظ باحترام ذاته, فالعلاقة بين المدرس والتلميذ ينبغي أن تتم بشكل يجعل التلميذ يشعر بالأمان انفعاليا, فيكون الجو العام للفصل المدرسي باعثًا في الاسترخاء والصداقة، والمدرس بفهمه للحاجات النفسية للتلاميذ، فإنه يضعها في اعتبارها عند مزاولة الأعمال المختلفة بالفصل ولا يلجأ إلى أساليب النظام إلا حينما تكون هناك ضرورة تستدعي ذلك لصالح الجماعة، كذلك فإنه لا يلجأ إلى استخدام الخوف كوسيلة للضبط، لأن الشعور بعدم الأمان يخلق مشكلات سلوكية واضحة. التحصيل الدراسي: تعتبر معرفة المدرس بحقائق الفروق الفردية واستخدام هذه المعرفة في العملية التعليمية أمرًا ضروريًا إذا كان المدرس يسعى إلى تحقيق أهداف النمو لدى الأطفال تحت رعايته وتوجيهه, وعلى الرغم من أن الفروق الفردية لا تتحدد فحسب بالناحية العقلية، إلا أنه من الأهمية بالنسبة للمدرس أن يتحقق من أن تلاميذه لا يتساوون في إمكاناتهم العقلية, ففي الصف الخامس الابتدائي يتراوح معدل العمر العقلي بين عشرة وأربعة عشر عاما بل وحتى بين عشرة وستة عشر عامًا, ولذا فإن تبني المدرس لهدف أكاديمي عام يتلاءم مع المستوى المتوسط لكل التلاميذ من شأنه أن يؤدي إلى إحباط التلميذ الأقل ذكاء والتلميذ الأكثر ذكاء. إن الحاجة إلى التحصيل أو الإنجاز تكون قوية لدى كل تلميذ وتتطلب وجهة نظر الصحة النفسية إشباع هذه الحاجة, الأمر الذي يفرض أن يكون اهتمام المدرس بالتلميذ بطريقة فردية وفقًا لمستوى إمكاناته ولخصائصه الشخصية. حتى يستطيع زيادة معلوماته وإنماء ثبات الانفعال لديه والاحتفاظ باحترامه لذاته. والتلاميذ الذين تحبط لديهم الحاجة إلى التحصيل أو الإنجاز في الفصل المدرسي يستجيبون للموقف بطرق مختلفة، فبعضهم قد يأتي باستجابة عدوانية وبالتالي يؤدي إلى اضطراب في النظام المدرسي، والآخر قد يتخذ اتجاه السلبية واللامبالاة، بينما يعكف البعض على أحلام اليقظة وقد تؤدي خبرات الفشل ببعض التلاميذ إلى ترسيب انطباعات العجز والدونية في نفوسهم بما يؤدي إلى إيذاء الأنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وتمثل الامتحانات أهمية خاصة بالنسبة لجو الصحة النفسية بالمدرسة فإذا كانت الامتحانات جزءا أساسيًا من البرنامج التربوي، فإن اتجاهات المدرسين والتلاميذ نحو الامتحانات تحتل أهمية بالغة للصحة النفسية، فلا ينبغي أن يعطي المدرسون انطباعًا بأن الامتحانات تستخدم كأسلحة وبأنها شيء يبعث على الخوف والرهبة فبدلا من ذلك ينبغي أن يكون واضحًا للتلاميذ أن الامتحانات ليست إلا وسائل لمساعدة كلا من التلاميذ والمدرسين على تكشف إلى أي حد قد حققوا تقدمًا في اكتساب المعارف والمهارات، كما أنها وسائل تستخدم كمشروع تعاوني بينهم. ولكن كثيرًا ما يساء استخدام الامتحانات، لأن اتجاه الكثيرين نحو الامتحانات يكون كما لو أن كل امتحان يصير أزمة في حياة الطفل ولذا قد يكون رد الفعل الانفعالي للامتحان عميقًا بدرجة يخبر معها أعاقات انفعالية تؤدي إلى كف استدعاء الحقائق التي يعرفها بالفعل, ولذلك فإن الامتحانات بالصورة الخاطئة التي تتم بها تمثل فترات من التوتر التي تؤدي إلى تعطيل الاضطراد في عملية النمو. ومن غير المرغوب فيه من وجهة نظر الصحة النفسية أن نتوقع من التلاميذ أو حتى من المدرسين أن يكون أداؤهم تاما كاملا, فالتحصيل في الفصل المدرسي يكون دائمًا نسبيًا, وبالتالي ينبغي ألا يوجه التلميذ ليكون هدفه الكمال أو أنه يفعل أفضل من تلميذ آخر, ولكن بدلا من ذلك يكون هدفه زيادة حصيلة معلوماته حتى يستطيع أن يتعامل مع بيئته بطريقة أفضل. ومن هنا، ليس من السليم توقيع العقاب على التلاميذ لأنهم لم يقوموا بإنجاز عملهم على الوجه الأكمل، لأن الفشل خبرة سيئة، كما أن الفشل يكون خبرة أسوأ إذا صوحب بالعقاب، فأفضل محرك للعمل السليم والإنجاز الطيب هو النجاح, وبقدر ما يخبر الطفل النجاح، بقدر ما يأتي بأداء وإنجاز أفضل, ولذا ينبغي أن تخطط المدرسة برنامجها بحيث يستطيع كل طفل أن يخبر سلسلة من النجاحات الأكاديمية, فالنجاح يؤدي إلى النجاح، لأنه يمثل خبرة بناءة، كما أنه يصير في حد ذاته دافعًا إيجابيًا للتحصيل والإنجاز ويؤدي النجاح المستمر إلى التكامل وإلى الثقة بالنفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الكتاب المدرسي: يقوم الكتاب المدرسي بدور كبير في التكوين العقلي.. المعرفي للأطفال، وفي التأثيلر على نموهم وسلوكهم، فالكتاب المدرسي يسهم في نمو المهارات الأكاديمية عند الطفل، بما يؤثر أيضًا في نموه الاجتماعي وفي اتجاهاتهم الاجتماعية. ولقد قام فريق من الباحثين بدراسة أثر ما يقرأه الأطفال على تطبيعهم اجتماعيًا، في هذه الدراسة حللت جميع القصص الواردة في كتاب القراءة بالصف الثالث الابتدائي، ولقد وجد هؤلاء الباحثون أن كتب القراءة تعالج فئات مختلفة للسلوك بحيث تشجع دوافع معينة, وتحث على تجنب دوافع أخرى. وكانت أنماط السلوك التي أثيبت إثابة متكررة في هذه القصص هي البناء "أي القيام بإنتاج مادي أو ذهني" والاستمتاع الحسي "أي الاستمتاع باللذة الحسية والسعي وراءها" والابتهاج "أي الفرح والحماس والتفاؤل" ... والحصول على التعضيد "أي محاولة الحصول على الحماية والمشاركة الوجدانية أو المساعدة من شخص آخر", والتواد "إظهار المودة والنوايا الطيبة نحو الآخرين والرغبة في بذل الجهد لمعاونة أي فرد يحتاج إلى العون"، والتحصيل "أي الطموح أو الجهد في نجاح مادي أو ذهني أو اجتماعي". ومن ناحية أخرى، تعرضت أنماط السلوك التالية للعقاب بتكرار أكبر خلال هذه القصص، الاحتداد المزاجي، والعصيان الفاضح والعدوان اللفظي والجسمي والنبذ "أي مشاعر عدم المبالاة نحو الآخرين ومضايقتهم واحتقارهم، وأعمال التجنب والإهمال" وتجنب الأذى "أي الحساسية والخجل والارتباط الاجتماعي. أي أن مادة كتب القراءة, تزود الأطفال بدروس تشجعهم على تنمية دوافع معينة وتحثهم على إضعاف دوافع أخرى بطريقة يحتمل أن تؤدي إلى توافق أكثر إشباعًا مع المجتمع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 المدرس: يمثل المدرس محور النظام التربوي، وأكثر العاملين فيه أهمية وخطورة لأن تحقيق الأهداف التي ينشدها المجتمع من تربية النشء يتوقف عليه بدرجة كبيرة, وهذا يستلزم بالضرورة توفر خصائص أو صلاحيات تربوية وشخصية معينة لدى المدرس، ويحدد "رانكن" الخصائص التالية للمدرسين الأكفاء. أكفاء من ناحية تأثيرهم الطيب على صحة التلاميذ النفسية من خلال رعايتهم المدرس الذي يحب الأطفال والشباب, وقد يبدو هذا حقيقة لا تستحق ذكرها لأنها أمرًا أساسيًا، ولحسن الحظ، يميل معظم المدرسين إلى حب تلاميذهم، إلا أنه يوجد البعض من المدرسين ممن لا يتوفر لديهم هذا الشرط. "المدرس الذي يكون هو نفسه متوافقا بدرجة سلمية ومتمتعًا بالصحة النفسية ومن ثم يجسد الصحة النفسية لتلاميذه في عمله التربوي". "المدرس الذي يكون على إلمام طيب بقوعد الصحة النفسية وعلاقتها بالتربية". "المدرس الذي يكون على فهم واع بمبادئ تطور نمو الأطفال وبمظاهر النمو، وبأصول توجيه التغيرات الحادثة في عملية النمو، والذي يستطيع استخدام الطرق المختلفة لمعرفة التلاميذ كأفراد ولمعرفة حاجاتهم". "المدرس الذي يزود الفصل المدرسي بمناخ يهيئ إلى تحقيق الصحة النفسية والارتقاء بها". "المدرس الذي يستطيع التعرف على مشكلات التلاميذ وتحديدها ويعرف كيف يساعدهم ويوجههم". وقد تناولت دراسات عديدة بالبحث سلوك المعلم وجو الجماعة، وخرجت بنتائج تؤكد بأن المدرسين المسيطرين العدائيين يؤثرون تأثيرًا عكسيًا على التوافق الحسن للتلاميذ وعلى إعاقة النمو بصفة عامة، بينما يساعد المعلم غير المعاقب والمشوق للتلميذ على التوافق الحسن وعلى اضطراد عملية النمو في أحسن صورها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 من هذه الأمثلة تلك السلسلة من الدراسات التي قام بها، "أندرسون وأندرسون وزملاؤهما"، من عام 1963 حتى عام 1954 تناولت. "طبيعة العلاقة بين سلوك الأطفال وتفاعلهم مع المعلمة المسيطرة والمعلمة المتكاملة اجتماعيًا, وقد اهتم هؤلاء الباحثون باختيار فرضين شعروا بإمكانية تطبيقهما على العلقلات بين المعلم والطفل. 1- الفرض الأول: ويطلق عليه "فرض دائرة النمو"، وهو أن السلوك المتكامل "أي العطاء والأخذ بطريقة ديمقراطية" عند شخص يؤدي إلى زيادة السلوك المتكامل عند الآخرين. 2- الفرض الثاني: ويطلق عليه فرض الدائرة الفاسدة، وهو أن "السلوك المسيطر التسلطي عند شخص يميل إلى إثارة السيطرة عند الآخرين. ولقد رأى هؤلاء الباحثون في ملاحظاتهم للتفاعلات بين المعلمة والتلميذ أي سلوك المعلمات المسيطر يتمثل في أنماط سلوكية مثل استخدام القوة وإلقاء الأوامر للتلاميذ وتهديدهم وتوبيخهم, الإحراج والإصرار الجامد على المسايرة, ومن ناحية أخرى, تمثلت الأنماط السلوكية التكاملية في "الموافقة" والدعوة إلى النشاط وسؤال الطفل عن ميله ومشاركته وجدانيًا, والاشتراك معه في النشاط. وقد تبين من بعض هذه الدراسات أن الأطفال الذين تعلموا على يد معلمة أكثر تكاملا وديمقراطية قد سلكوا سلوكًا أكثر تكاملا عند مقارنتهم بالأطفال الذين تعلموا على يد معلمة أكثر سيطرة، كما أتوا بتصرفات تعبر عن التلقائية والمبادأة والاتجاهات الاجتماعية البناءة في اتصالاتهم بغيرهم، وأيدت النتائج الفرض القائل بأن التكامل عند المعلمة يؤدي إلى سلوك متكامل عند الطفل. ومن ناحية أخرى أبدى الأطفال الذين يتعلمون على يد معلمة مسيطرة سلوك عدم المسايرة, أي أن السيطرة تحث على المقاومة، وأبدى تلاميذ المعلمة المسيطرة اهتمامًا وتحمسًا أقل بعملهم، وانغمسوا بدرجة أكبر في نشاطات مثل التلفت حولهم والهمس لزملائهم، وإذا كان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 الأهداف التربوية التي ينبغي أن يعمل المعلم على تحقيقها, خفض الصراع بين التلاميذ في حجرة الدراسة وزيادة الوئام بينهم، فإن هذا البحث قد أظهر أن المعلمة المسيطرة تفسد هدفا من أهداف التربية التي تريد تحقيقه. ولقد تتبع الباحثون هؤلاء المعلمين والأطفال بعد مضي سنة أخرى، وقد وجد أن المعلمات ينهجن في سلوكهن على نفس المنوال عاما بعد آخر. أما الأطفال فإنهم من ناحية أخرى لم يبق سلوكهم على نفس الوتيرة, إذ أظهروا مرونة أكبر، واستجابوا استجابات تتسم بالسيطرة عندما كانت معلمتهم مسيطرة، كما استجابوا استجابات تدل على التكامل عندما كانت المعلمة متكاملة الشخصية. وهكذا تكشف نتائج هذه الدراسات أن سلوك التلاميذ يعتمد بدرجة كبيرة على سلوك معلماتهم، وأن المعلمات اللاتي يستخدمون الأسلوب الديمقراطي مع أطفالهم يكافأن بما يجدنه من تعاون أكبر من تلاميذهن وبما يبدونه من تلقائية في السلوك واهتمام ومبادأة، ومن ناحية أخرى. فإن المعلمات اللاتي يحاولن إجبار تلاميذهن على الامتثال لأوامرهن عن طريق الأساليب الدكتاتورية العدوانية يشجعن تلاميذهن على المقاومة بدرجة أكبر, تلك المقاومة التي تأخذ مظاهر مختلفة تبدو في صورة همس إلى الزملاء، الشخبطة في الرسم بينما يفكر في شيء آخر، شرود الذهن، المعارضة المباشرة أو التحدي والمواجهة الصريحة وبصفة عامة، تساعد المعلمة المتكاملة تلاميذها على إشباع حاجاتهم بدرجة أكبر وبالتالي تعرضهم للإحباط بدرجة أقل. أما المعلمة المسيطرة فهي من ناحية أخرى نتيجة لقصور اهتمامها بحاجات الطفل وضيق أفقها في تصور السلوك المقبول والناتج اجتماعيًا، تعرض جهود الطفل لإشباع حاجاته للصد مرات أكثر، ولما كان الصد والإحباط قد ينتج عدوانًا، فإن المعلمة المسيطرة يغلب أن تصبح هدفًا للكراهية والعداء، بدلا من أن تكون مصدرًا للثواب، وعلى هذا, يحتمل أن تواجه صعوبات أكبر في محاولاتها لغرس الاستجابات العدوانية الظاهرة عند تلاميذها وذلك باستخدام التخويف والعقاب, ولكنها عاجزة عن غرس الرغبة الموجبة للتعاون وإقامة علاقات ناضجة قائمة على الأخذ والعطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 فالمدرس ينبغي أن يحب بإخلاص تلاميذه بدون ما اعتبار لنقائصهم، وتمثل هذه المشاعر نحو التلاميذ أمرًا ضروريًا بالنسبة للتدريس الفعال وبالنسبة لتحقيق العلاقات الصحية داخل الفصل المدرسي، وإذا لم تتضح من المدرس مشاعر الحب لتلاميذه، فيغلب أن تصير استجابات التلاميذ أشبه باستجابات الأطفال الذين يلقون النبذ والإهمال من والديهم, ويرتبط بهذه الصلاحيات اللازمة للمدرسة، الحساسية للعلاقات الإنسانية، وعلى الرغم من صعوبة تحديد المقصود بهذا المصطلح على وجه الدقة إلا أن "روجرز" يصف الشخص الذي تعوزه هذه الحساسية على أنه الشخص الذي لا يبالي تمامًا باستجابات الآخرين, والذي لا يتحقق من أنه ما يبديه من ملاحظات تسبب للآخرين سرورًا أو ضيقا، والذي لا يدرك العداوة أو الصداقة التي توجد بينه وبين الآخرين أو بين بعض أصدقائه، فالشخص الذي يتمتع بحساسية للعلاقات الإنسانية يلاحظ بسرعة ردود أفعال الآخرين نحوه أو نحو شخص آخر, وهو يستجيب للأمزجة, المختلفة ويعرف كيف يتكيف معها, ومن الأهمية بمكان أن يتمتع المدرس بهذه الحساسية، فبدونها لا يتحقق لديه الفهم الكافي والسليم لشخصيات تلاميذه ولعل أفضل طريقة لاكتشاف سمات الشخصية التي ينبغي أن يتمتع بها المدرس هو أن نستقي ذلك من تلاميذ المرحلة الثانوية والعالية عن موضوع، بتجميع 14.000 خطاب من تلاميذ المحرة الثانوية والعالية عن موضوع، المدرس الذي ساعدني أفضل. وقد قام الباحثون بتحليل الاستجابات وحدد السمات التالية حسب ترتيب أهميتها. 1- الاتجاه التعاوني الديمقراطي. 2- الشفقة والاهتمام بالفرد. 3- الصبر. 4- الاهتمامات الواسعة. 5- الاهتمام بالمظهر الشخصي الذي يبعث على الجاذبية. 6- العدالة واللاتحيز. 7- روح الدعابة والمرح. 8- الخلق الطيب والسلوك المتزن. 9- الاهتمام بمشكلات التلاميذ. 10- المرونة. 11- تأكيد ذوات التلاميذ ومدحهم عند اللزوم. 12- الكفاءة العالية في تدريس مادة من المواد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وكذلك قام "وتي" بتحديد الخصائص التالية غير المرغوبة في شخصية المدرس: 1- الطباع السيئة وعدم التحمل. 2- عدم العدالة والميل إلى التحيز. 3- عدم الميل للاهتمام بالتلميذ أو بقضاء وقت لمساعدته. 4- عدم معقولية المطالب. 5- الميل إلى أن يكون كئيبًا وغير صدوق. 6- الميل إلى التهكم والاستهزاء والسخرية. 7- المظهر غير الجذاب. 8- عدم الصبر وعدم المرونة. 9- الميل إلى الكلام بطريقة مفرطة أو مطولة. 10- الميل إلى عدم إعطاء فرصة للتلاميذ للتعبير عن أنفسهم. 11- التعالي والغرور. 12- نقصان روح الدعابة والمرح. وتكشف المقارنة بين الخصائص الإيجابية والسلبية في شخصية المدرس بوضوح أن التلميذ يستجيب بطريقة تعكس مدى ما يحققه المدرس من قواعد الصحة النفسية, ولذا يشعر التلميذ بأن المدرس قوة بناءة في حياته إذا كان يحترم شخصية التلميذ ويفهم حدود إمكانات هذا الطفل النامي ويخلق جوا عاما من الأمان. وإذا كان أطفالنا يقضون في المدرسة فترة كبيرة من عمرهم تمثل أهم الفترات وأحرجها من حيث التعلم وبناء الشخصية, فمن الأهمية البالغة أن ينشئوا في ظل توجيه أشخاص على درجة طيبة من التوافق النفسي. وبالتالي ينبغي اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاجتذاب الأشخاص الأفضل تكاملا وذكاء لمهنة التعليم، وتوفير كافة الظروف التي تجعل من هذه المهنة السامية رسالة نبيلة ونشاطا خلافًا تزاوله شخصيات قادرة لها خصائصها المتميزة الراقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 الباب الثالث: المراهقة مدخل ... الباب الثالث: المراهقة أولا: طبيعة المراهقة المراهقة Adolescence مرحلة من النمو تقع بين الطفولة والرشد، مرحلة نمائية يتحول فيها الطفل من عالم الطفولة إلى عالم الكبار. ولا يعني مصطلح "مراهقة" البلوغ والشباب كمرادفات، حيث إن المراهقة تعني التغيرات المتميزة الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، التي تتم في فترة العقد الثاني من العمر "ولذا يطلق أحيانًا على المراهقين مصطلح Teen-Agers ما بين الطفولة وسن النضوج, ويعني البلوغ Puberty الجانب العضوي للمراهقة من حيث نضوج الوظيفة الجنسية, ويحدد هاريمان البلوغ بأنه مرحلة من مراحل النمو الفسيولوجي العضوي التي تسبق المراهقة، وتحدد نشأتها وفيها يتحول الفرد من كائن لا جنسي إلى كائن جنسي قادر على أن يحافظ على نوعه باستمرار سلالته, بالتالي نستطيع أن نعرف البلوغ بأنه نضج الغدد التناسلية واكتساب معالم جنسية جديدة، تنتقل بالطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الإنسان الراشد. أما الشباب فعادة ما يتمثل في الجانب الاجتماعي للمراهقة، وخاصة في نهايتها، وقد يتسم بمناقضته للجيل الذي وصل فعلا إلى النضج الحقيقي، والشباب يعتبر بمثابة فترة من النمو يندفع خلالها الكائن الذي صار مالكًا لكل إمكانايتها نحو من سبقوه في حماس وصبر نافذ ليتخذ لنفسه مكانًا داخل مجتمع الراشدين. وإذا كان النمو عملية متصلة مستمرة، فإن مسار النمو يأخذ من حوالي سن 12: سن 13 معدلات أسرع وتغيرات أعمق ومظاهر أكبر، فعند بدايات هذه المرحلة مع البلوغ، عادة ما يأخذ الاتزان الجسمي والنفسي في الاحتلال النسبي، وتطرأ تغيرات عضوية عميقة تعطي للجسم بنية وقوة متزايدة وأشكالا أكثر وضوحًا وتظهر الوظيفة التناسلية، وتختفي العادات الطفلية وتبرز اهتمامات وميول جديدة تشهد في وجود رغبة في توسيع أفق الحياة الذي كان يقتصر من قبل في أغلب الأحيان على نطاق الأسرة والمدرسة وتزداد أحلام اليقظة في هذه المرحلة إلى الحد الذي قد تصبح معه عائقًا لتكيف المراهق النفسي والاجتماعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وإذا كانت المراهقة بعد البلوغ تتسم بصفة عامة بعدم الاستقرار أو حتى القلق, وقد يعاني فيها المراهق من انحرافات مزاجية ومن عدم الاتزان الجسمي، ويشعر فيها بإحساس التقدم في تعثر نحو مستقبل غير مضمون، بواسطة التطور حيث يزداد الكيان النفسي رسوخًا، والحياة العقلية ثبوتًا، وينمو الاهتمام بنوع الدراسة أو المهنة التي يستخدها المراهق لنفسه، ويأخذ المراهقون في التحول إلى شباب يتطلع بشغف إلى المستقبل، تحركه أمال ومطامح هائلة لما يرد عليه في عالم الكبار الراشدين. ونظرًا لما تتصف به هذه المرحلة من خصائص ومستويات متميزة للنمو، أبرزها أنها مرحلة تغير جذري وسريع وينسحب على كافة مظاهر النمو، وأنها مرحلة انتقالية حرجة، فقد اختلفت نظريات علماء النفس في محاولة تفسير طبيعتها وحقيقتها. فالمراهقة هي الميلاد النفسي وهي الميلاد الوجودي للعالم الجنسي، وهي الميلاد الحقيقي للفرد كذات متفردة، وهي مزاج من شيء في سبيله إلى الخلع والانتهاء وهو الطفولة ونقيض في سبيله إلى الارتداد والنماء وهو الرشد، وإذا نظرنا إلى الأجيال في تعاقبها لرأيناها تتواصل يقطعها بين الجيل والجيل مفصل المراهقة، وهو مفصل واصل فاصل معنا، والمراهق في مرحلته الانتقالية هذه يتحدى طفولته في ثقة مطلقة بالذات، ويثور على عالم الكبار محاولا تجريد الراشدين وآراءهم من كل ثقة، فيرفع الاستقلالية المسرفة في وجه التبعية والتسلطية ليصل إلى تبعية متبادلة، والبلوغ في نظرة تدفق لمدد هائل من الطاقة الجنسية الغامرة التي تصبغ العالم بالجنسية، ومن ثم فهو صدمة تحطم الاتزان النفسي وينشأ عصاب صدمي يبرز عدة أعراض انفعالية مثل سرعة القابلية للتهيج ونوبات الغضب وسرعة القابلية للتعب دون جهد يذكر وعدم القدرة على تركيز الانتباه ونوبات القلق وأحلام اليقظة, ويحاول المراهق إقامة الاتزان النفسي من جديد مجربًا كل الإمكانيات وكافة الحلول ويناوب الدفاع والإشباع فيمر بمرحلة من التوافق الكاريكاتوري المتخبط وبين السطحية والضحالة والضدية يقف عند البطولية الرجولية والخلاعة الأنثوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وعمق، ومن أن هناك خصائص عامة ثابتة تميز الأفراد في هذه المرحلة نموهم ومن بينها مثلا تمردهم على آبائهم وثوراتهم على مدرسيهم وعلى أنها فترة عصبية في النمو يشوبها القلق والتوتر والأزمات النفسية الحادة بالنسبة لجميع المراهقين, ولذا يعتبرها "مندوس" فترة من الحياة المتشنجة، ويعتبرها بوهلر فترة سلبية. وكان لكتابات "ستانلي هول" خاصة, التي وصف فيها المراهقة بأنها فترة عواصف وتوتر وشدة، وأنها مرحلة ميلاد جديد" أكبر الأثر في إشاعة هذه النظرة المتشائمة المستسلمة إلى المراهقين ومشكلاتهم. ولكن ما شهده علم النفس من اتساع في نطاق البحوث والمشاهدات التي أجريت على المراهقين في حضارات وثقافات متعددة، قد أوضح أن للمراهقة أشكالا وصورًا متعددة، وأنه ليس بالضرورة أن تأخذ المراهقة هذا الشكل المتأزم المضطرب، فلا تكاد توجد خصائص عامة ثابتة لسلوك جميع المراهقين، وإنما هناك ظواهر سلوكية تتأثر باتجاهات العصر والثقافة المحيطة وثقافة مجموعات المراهق الخاصة، إلى جانب عوامل أخرى يختص بعضها بالمراهق نفسه والآخر لظروفه وعلاقاته الاجتماعية. وتشير الدراسة الرائدة لصمويل مغريوس عن "المراهق المصري" أن هناك أربعة أشكال عامة للمراهقة في مصر. المراهقة المتكيفة: وتكون أميل إلى الهدوء النسبي والاتزان الانفعالي، وعلاقة المراهق بالآخرين طيبة، ولا أثر للتمرد على الوالدين أو المدرسين، وحياة المراهق غنية بمجالات الخبرة بالاهتمامات العملية الواسعة التي يحقق عن طريقها ذاته وحياته المدرسية موفقة في أغلب الأحيان، وهو يشعر بمكانته في الجماعة وبتوافقه فيها، ولا يسرف في أحكام اليقظة أو غيرها من الاتجاهات السلبية، ولا يكثر التهم أو يطيل التفكير في مشكلات ذاتية. ولا تستولي المسائل الدينية والفلسفية على تفكير المراهق إلا في النادر، وأما الشكوك الدينية وموجات التردد، فلا تأخذ صورة حادة وقد لا يتعرض لها إطلاقًا, فالمراهقة هكذا تنحو نحو الاعتدال في كل شيء ونحو الإشباع المتزن وتكامل الاتجاهات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 ومن العوامل المؤثرة في هذا الشكل للمراهقة, المعاملة الأسرية المعقولة التي تنطوي على سماح الوالدين بنصب وافر من الحرية, وعلى تفهم حاجات المراهق واحترام رغباته، وقد نجح آباء هؤلاء المراهقين في توفير جو من الثقة بينهم وبين آبنائهم بحيث تسنى للمراهق أن يصارح أباه عن بعض مشكلاته الانفعالية، فيوجهه أبوه في حدود استطاعته, وهنا كان يشعر المراهق بتقدير أبويه واعتزازهما به, وقد اقترن هذا التقدير بالتقدير في مواطن أخرى، مثل مجموعة الأقران أو الأصدقاء أو المدرسين أو أهالي القرية أو الحي، واحتل النشاط الرياضي الاجتماعي مكانة خاصة في حياة هؤلاء المراهقين فكان دعامة أساسية في جعل مراهقتهم سعيدة مشبعة، وكان النجاح الدراسي من مصادر رضا المراهق عن نفسه وتقدير الآخرين له, وفي حياة هؤلاء المراهقين قدر واف من المسئولية الاجتماعية وفرص كافية للاستقلال والاعتماد على النفس والتخفف من رقابة الأسرة. 2- المراهقة الانسحابية المنطوية: المراهقة في هذا الشكل أسيفة مكتئبة بالإنطواء, والعزلة والشعور بالنقص وليس للمراهق مخارج ومجالات خارج نفسه، عدا أنواع النشاط الإنطوائي مثل قراءة الكتب الدينية وغيرها, وكتابة المذكرات التي يدور أغلبها حول انفعالاته وتقدمه للصور المحيطة، والمراهق مشغول بذاته ومشكلاته، كثير التأمل في القيم الروحية والأخلاقية وإلى نقد النظم الاجتماعية والثورة على تربية الوالدين وتنتابه الهواجس الكثيرة وأحلام اليقظة التي تدور حول موضوعات حرمانه من الملبس أو المأكل أو الجنس أو المركز المرموق، وهو يسرف في الاستنماء تخلصًا مما يشعر به من ضيق وكبت ونتيجة لعدم ميله إلى مجالات عملية خارج نفسه كالرياضة أو النشاط الاجتماعي. 3- المراهقة العدوانية المتمردة: كثيرًا ما تكون اتجاهات المراهق ضد الأسرة والمدرسة وأشكال السلطة، وتتسم كذلك المحاولات الانتقالية ومخاولات التشبه بالرجال والأساليب الاحتيالية في تنفيذ رغبات المراهق ومآربه، وقد يلجأ في ذلك إلى التدخين وتصنع الوقار في المشي والكلام وإطلاق الشارب واللحية أحيانًا واختراع قصص المغامرات، والهروب من المدرسة، والمحاولات الجريئة مع الجنس الآخر، ويقترن بذلك شعور المراهق بأنه مظلوم وبأن مواهبة وقدراته غير مقدرة ممن يحيطون به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وتتفق العوامل المسئولة عن هذين الشكلين "2، 3" فالمراهقة في التربية الضاغطة المتزمتة يمكن أن تنتج شخصية منكمشة منطوية على نفسها أو شخصية ثائرة عدوانية. 4- المراهقة المنحرفة: وتأخذ صورة الانحلال الخلقي التام أو الانهيار النفسي الشامل وتتفق عوامل هذا الشكل مع الشكلين السابقين، مع اشتداد في درجة هذه العوامل ومع إضافة عوامل أخرى كما أن بعض المراهقين قد مر بخبرة شاذة مريرة أو صدمة عاطفية عنيفة لونت تفكيرهم ووجدانهم لبعض الوقت بلون قاتم متشائم, وانعدام الرقابة الأسرية وتخاذلها وضعفها والقسوة الشديدة في معاملة المراهق وتجاهل رغباته وحاجاته والتدليل الزائد، وتكاد الصحبة السيئة أن تكون عاملا مشتركًا, واقتران التوحد مع جماعة الرفاق بعيوب التربية في المنزل والمدرسة. والنظرية المقبولة في المراهقة والتي تتفق مع نتائج هذه الدراسة هي أن المراهقة تتأثر في تكيفها بنوعين من الاعتبارات. أ- اعتبارات النمو الفائق السرعة والتغيرات المختلفة المرتبطة بالتطور نحو الرجولة أو الأنوثة. ب- اعتبارات الثقافة المحيطة وثقافات المجموعات التي يدور المراهق في فلكها, بما يميزها من قيم ومثل وأنواع الضوابط الاجتماعية، وعلى نتاج التفاعل والاحتكاك بين هذين النوعين من الاعتبارات أي بين مراهق متطور وبيئته الاجتماعية، تتوقف سمات المراهقة ومعالمها في حالة فرد معين، ويتأثر هذا التفاعل بطبيعة الحال بعناصر من خبرات المراهق السابقة وبنائه الجسمي النفسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 أولا: نظريات المراهقة وقبل أن نتعرض إلى أهم جوانب النمو في فترة المراهقة نود أن نلقي عجالة على بعض النظريات التي قيلت في سيكولوجية المراهقة فالمراهقة يمكن أن توصف بأنها مرحلة من مراحل الحياة كما يمكن أن يطلق عليها نتاج تاريخ الخبرات المتعلمة، كما أن المراهقة في مجتمعنا ترتبط بمشكلات معينة تختلف عن تلك الموجودة في مجتمعات أخرى. وعمومًا فلقد نظر إلى مرحلة المراهقة من عدة اتجاهات يمكن أن نوجزها فيما يلي: 1- اتجاهات المرحلة المعتمدة Stage- Dependent Approaches: يشير علماء نظرية المرحلة المعتمدة أو التابعة أن هذه الفترة تتمركز حول بحث المراهق المستمر عن هويته Identity أو ذاتية "أريكسون" Erikson، ويشير كوهلبرج Kohlberg؛ "1970" أنها تومئ إلى انتقال المراهقة إلى الأخلاق التقليدية "أي المتفقة مع قواعد العرف والسلوك المرعية" في عمل القرارات. ويشير Keniston؛ "1970" إلى المشكلات الرئيسية للمراهق كالتوتر الذي ينمو بين الذات والمجتمع، ورفض تقبل المسئولية والخوف من النمو، إلا أن جماعة المراهق الثقافية Peerculture تعمل على التخفيف من حدة المشكلات التي تواجه المراهق وتشبع حاجاته إلى الانتماء والقرب، ويستطرد Keniston أن المراهقين في حاجة إلى الانتباه والرعاية من ثقافة الراشدين، وبواسطة الانتباه إليهم وتدعيمهم تمكنهم من العثور على ذواتهم ويتقدمون إلى مرحلة الرشد التالية بسلام. 2- مناحي أو اتجاهات التعلم Leaening Approavhes: تتصف المراهقة بالانسحاب من معايير ثقافة الراشدين، وتبعًا لنظرية التعلم فإن هذا الانحساب غالبًا ما يحدث عن طريق سلوك لا اجتماعي غير مرغوب فيه، وقد يظهر من خلال تقبل ثقافة جماعة الرفاق والتي تعتمد على خبرات تعلم الفرد وكما سنرى فيما بعد عندما نتكلم عن مشكلات المراهقة، أن السلوك الاغترابي والجناح أثناء فترة المراهقة عادة ما يرتبط باتجاهات والديه القاسية وعدم الاتساقية من قبل الوالدين وعمومًا فإن هذه النماذج الوالدية بالإضافة إلى وسائل الإعلام يمكن أن تسهم في تعلم السلوك غير المرغوب فيه للأطفال الصغار وكذا للمراهقين، فالأمهات اللاتي يتسمن بالعقاب المستمر للأطفال يملن إلى تعويق النمو السوي لدى أطفالهن, كما أن الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلا في مشاهدة نماذج البرامج التليفزيونية العنيفة والعدوانية يميلون بصورة أكبر إلى استخدام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 نفس هذه النماذج العدوانية فيما بعد عندما يشعرون بالإحباط في المواقف الحياتية, ولقد أشار بعض السيكولوجيين أن السلوك العدواني الذي يتعلم بهذه الطريقة عادة ما يكون مستقرًا بدرجة عالية بمرور الوقت، فدراسة Eron, Et al؛ "1974" تشير إلى أن الطفل العدواني يميل إلى أن يكون مراهقًا عدوانيًا، وبصورة مماثلة نجد الطفل الذي يتسم بالخجل ولا يشعر بالإشباع أو لا يكون سعيدًا، يميل إلى أن يصبح مراهقًا منسحبًا غير سعيد. 3- منحى الاتجاهات الثقافية: هل سلوك المراهق الذي نشاهده يعتبر بمثابة جزءًا ضروريًا للنمو في سائر المجتمعات؟ أم أنه انعكاس لخبرات تعليمية خاصة للمراهقين داخل ثقافة معينة؟ ولقد أشار الأنثروبولوجيون الثقافيون مثل Mead & Benedict إلى أن المراهقة ليست فترة أزمة في كل المجتمعات, ففي المجتمعات التي نجد فيها مبادئ قواعد الكبار محددة بوضوح, وحيث لا توجد فيها مجالا كبيرًا للاختيار أمام المراهق، فإننا نجد الآباء والمراهقين يميلون إلى تقاسم نفس القيم والقرارات فيما بينهما، وتشير نتائج دراسات ronfenb renner؛ "1967" أن الأطفال والمراهقين الروس يتقاسمون قيم متشابهة مع آبائهم أثناء هاتين الفترتين بصورة أكبر مما وجد عند الأطفال والمراهقين الأمريكيين. ويرجع السبب الأساسي في هذا الاختلاف إلى أن سلوك المراهقين الذين ينمون في مجتمعات تكون فيها أدوارهم المستقبلية محددة سلفًا يختلفون بصورة جوهرية في سلوكهم عن سلوك المراهقين الذين يكون لديهم مجموعة كبيرة من الخيارات, وتعدد لأدوار التي يؤدونها وقد يبدو أنه كلما تدرج المجتمع نحو التصنيع ووفر الفرص الأكثر لأدوار مهينة مختلفة، فإن التوترات بين الآباء والأبناء أثناء فترة المراهقة يبدو أنها تزداد، ويشير Levy؛ "1949" أن قدرة الشباب على العثور على فرص عمل خارج المنزل نتيجة التمدين الحضاري التي نعيشها وجد أن المراهقين قد أصبحوا أقل اعتمادًا على الأسرة. ومصدر آخر من مصادر الصراع للمراهقين، تبعًا لمواجهة النظر الأنثروبولوجية هي غياب ما يسمى بالشعائر Rites of Pessage كما يشير كل من Bendict؛ "1938" Knepler؛ "1969" حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 نجد الآباء يتصفون بثنائية المشاعر Ambivalent نحو مراهقيهم، نحو مركزهم الاجتماعي والسلوك الفعلي لأولادهم، فمثلا قد يشير الآباء لمراهقيهم بأنهم قد كبروا بصورة كافية لكي يحملوا بعضا من المسئولية حول شئون الأسرة، وفي نفس الوقت يرفضون إعطائهم بعض الأشياء كالسيارة مثلا، أو أن يمكثوا في حفل ما إلى منتصف الليل، وكثير من الدراسات النفسية قد أشارت أن المراهقين على الرغم من إعطائهم الحرية في التفاعل مع جماعاتهم، إلا أنهم يعاملون من جانب آخر كأطفال داخل منازلهم Kandel؛ "1969". ولقد أشارت بعض الدراسات أن هناك اهتماما زائدا بنبذ الاعتمادية وتعزيز الاستقلالية عند المراهقين، إلا أن ذلك قد يؤدي بالمراهقين إلى الشعور بالإحباط، فأثناء هذه الفترة يتعلم المراهق أن المركز الاجتماعي يأتي فقط من خلال العمل والكفاءة الذاتية، وقد يشعرون بالإحباط لعدم دخولهم ميدان العمل بعد، وبالتالي يؤدي بهم إلى نبذ قيم الراشدين من حولهم. ويشير Conger وآخرون "1971" إلى أننا في حاجة إلى أن ننظر بصورة ملية إلى العلاقات الأسرية المتغيرة والأدوار الوالدية المعاصرة والتغير الاجتماعي السريع، فإن ذلك سيؤدي إلى تفهم عميق للمراهق والراشد، مؤداه إلى أننا يجب أن نبدأ منذ البداية، ويجب أن ندرس الطفولة واحتياجاتها ونلاخظ كل خطوة في نمو الطفل وتفاعله مع عالمه المحيط به، وبهذه الطريقة فقط يمكننا أن نحل كثيرًا من غموض وألغاز الأنماط السلوكية الإنسانية في فترة المراهقة. بعد هذه المعالجة في نظريات المراهقة، نبدأ الآن في تأمل أهم التغيرات الجسمية والعقلية التي تطرأ على المراهقين، فعادة ما نجد أثناء فترة المراهقة المبكرة "من سن 11، 14" حدوث تغيرات جسمية وفسيولوجية وعقلية تحول الأطفال إلى راشدين صغار، ويلي ذلك فترة تسمى بالمراهقة الوسطى "14، 18" سنة نجد أثناءها يتكيف المراهقون لذواتهم الجسمية والعقلية الجديدة وكذلك إلى وقائع حياة المراهقة يلي ذلك المراهقة المتأخرة أو الشباب والتي عادة ما تبدأ "من سن 18، 21 تقريبًا" وتعتبر بمثابة فترة انتقال يصبح أثناءها المراهق عضوًا في مجتمع الراشدين. وسوف تتمركز مناقشتنا التالية على المراهقة المبكرة، حيث إنها من أكثر الفترات التي بحثت من النواحي النفسية والعقلية والشخصية، ومع ذلك فسوف نلقي الضوء كذلك على الصورة العامة للمراهقة الوسطى والمتأخرة وما نود أن نؤكده هنا أن فترة المراهقة فترة نمو حق معقدة مركبة ذات مراحل فرعية والتي تختلف كثيرًا الواحدة منها عن الأخرى، كما وجدنا ذلك في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة والطفولة الوسطى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية أثناء سنوات فترة الطفولة الوسطى تميل الزيادة في نمو الطول والوزن وهيئة الجسم إلى أن تكون تدريجية وبطيئة إلا أننا نجد في بداية فترة المراهقة تغيرات نمائية سريعة ومفاجئة في حجم الجسم، وتغيرات في نسب الجسم ونموا سريعًا مفاجئًا في الغدد التناسلية، والخصائص الجسمية التي تميز النضج الجنسي, وكثيرا من التغيرات التي تحدث أثناء فترة المراهقة تكون متماثلة متشابهة عند البنين والبنات، كما توجد خصائص جنسية نوعية أخرى فالذكور على سبيل المثال يحدث لديهم زيادة ملحوظة في القوة البدنية وأنسجة العضلات، في حين نجد الإناث تنمو لديهن أنسجة دهنية بصورة أكبر حيث تساعد على استدارة أجسامهن، ومن الممكن افتراض أن هذه التغيرات تعتبر انعكاسًا لعملية التكيف التطوري، فقوة الذكور عادة ما تؤهلهم إلى الاصطياد والحرب والغزو والإغارة، كما أن هيئة الإناث وشكلهن تجذب الذكور إليهن وتميل بهن إلى التزاوج وبالتالي يؤكدان بقاء النوع الإنساني، ولكننا نجد أن هذه الاختلافات الجنسية بين الذكور والإناث خاصة في المجتمعات الصناعية عادة لا تكون ذات أهمية أو دلالة كبيرة كما نجدها في المجتمعات الأقل تقدمًا. والبنات عادة ما تبدأ لديهن فترة المراهقة قبل الأولاد بما يقرب من عام أو عامين، كما يصلن إلى عملية اكتمال النضج قبل الذكور, وهذا يفسر لنا ظاهرة الطول والوزن في نهاية فترة الطفولة المتأخرة، فعادة ما نجد البنات أطول من البنين وأثقل منهم وزنًا وأكثر نضجًا من الناحية الجنسية، وفي بداية المراهقة نجد الذكور يبدءون في اللحاق بالإناث وبعد ذلك يصبحوا أثقل وزنًا وأطول قامة من البنات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وتشير الدراسات أن التغيرات الجسمية في فترة المراهقة تعزى عادة إلى حركة الهرمونات وهي المواد الكيميائية المتفردة التي تفرزها الغدد، فبعض الهرمونات تفرز لأول مرة أثناء فترة المراهقة في حين نجد أخرى تزيد من كمية إفرازاتها, وعمل هذه الهرمونات تبعًا لطرق مختلفة، إلا أنها تثير بصورة عامة المستقبلات في واحد أو أكثر من الأعضاء أو الأنسجة ويشير Tanner؛ "1972" أن الهرمون الواحد يمكن أن يكون له عددًا من الأغراض والتأثيرات، فالتستوسترون Testosterone هرمون ذكري تفرزه الخصية يؤثر في كثير من المستقبلات في خلايا القضيب، وجلد الوجه، وفي غضاريف ومفاصل الكتف وأجزاء معينة للمخ، وغير واضح بدقة حتى الآن كيف تنجز هذه الهرمونات عملها، وعلى الرغم من أن علم الغدد الصم الحديث قد خطا خطوات كبيرة في تفهمنا لهذه الغدد، إلا أننا سوف نحدد في ثنايا الصفحات التالية مناقشتنا للتأثيرات المختلفة للإفراز الهرموني المتزايد الذي يحدث أثناء مرحلة المراهقة. تغير حجم الجسم وشكله: على الرغم من أننا يمكن أن نقارن النتائج النهائية للنمو الجسمي عند كل من البنين والبنات، إلا أنه توجد اختلافات فيما يتعلق بسرعة هذا النمو وبدايته لدى كل منهما بالإضافة إلى طول فترته أو أمده لديهما. الذكور: تشير نتائج دراسات Tanner؛ "1962" أن النضج في بناء جسم الإنسان وحجمه يبدو أنه يسير خلال دورات أثناء العقدين الأولين من حياة الكائن الآدمي، فالدورة الأولى تبدأ بعد الحمل وتمتد حتى نهاية السنة الثانية تقريبًا، حيث نلاحظ نموًا سريعًا في حجم الجسم, ويصل ذلك إلى ذروته في منتصف فترة الحمل, وبعد ذلك ينخفض معدل النضج تدريجيًا ويبطئ أثناء السنة الأولى والثانية للطفولة المبكرة, وتبدأ الدورة النمائية الثانية منذ السنة الثانية من حياة الوليد البشري وتصل إلى ذروتها في سن الثانية والنصف، وبعد ذلك تنخفض ببطء وتدريجيًا حتى سن السابعة وتبدأ الدورة الثالثة في سن السابعة أو الثامنة تقريبًا، وتسرع تدريجيًا وتبلغ ذروتها أثناء السنوات الأولى بعد العاشرة، وبعد ذلك نرى انخفاضًا تدريجيًا في معدلات النضج وأثناء ذلك وعند بلوغ ذروة النضج في هذه الدورة، تسمى بالنمو المفاجئ لنضج المراهقة حيث تحدث تغيرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 ملحوظة في حجم الجسم وشكله لدى المراهقين: ويختلف العمر الذي تحدث فيه طفرة النمو عند الذكور والإناث، كما يؤثر فيه بعض العوامل الأخرى مثل الوراثة ومركز الزيادة النمائية في حجم الجسم تتأثر أيضًا بهذه العوامل سابقة الذكر، وعادة ما تعزى طفرة النمو في هذه الفترة إلى عدد من الهرمونات المختلفة التي تنظم النمو، وتبعًا لذلك فإننا نرى الحجم النسبي لبعض الذكور والإناث سوف يتغير بصورة ذات دلالة إذا ما قورنوا بأقرانهم، والطفل الذي يكون في طول زملائه أثناء فترة الطفولة, عادة ما يكون متساويًا معهم في الطول تقريبًا عند وصوله إلى Tanner؛ "1962" أن ما يقرب من 30% من طول الراشد يحدث أثناء طفرة النمو التي تحدث في فترة المراهقة، والشكل رقم "1" يوضح معدل نمو الطول للبنين والبنات مع بداية فترة المراهقة. إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 كما أن أجزاء الجسم تختلف في سرعة نموها، فالنمو يميل أن يكون سريعًا في مناطق انتهاء الأعصاب ويتحرك بعد ذلك إلى الجذع "النمو الذنبي" فأيدي المراهق ورجليه عادة ما تكون متساوية لما لدى الراشد، وبعد أن تصبح أيدي المراهق ورجليه في حجمها الكامل يتشعب النمو بعد ذلك إلى الفخذين، وتقدم نمائي متشابهة يحدث للأيدي والسواعد، ويحدث نمو القلب الرئتان والمعدة والكليتين والجهاز العضلي وحجم الدم في صورة متزايدة وتصل إلى حجمها النهائي ما بين 11: 15 سنة، كما نرى تزايد في نمو القدرة الوظيفية للجهاز التنفسي والجهاز الهضمي والجهاز الدوري أثناء فترة المراهقة. ويجب أن نشير أن بعض أجزاء جسم المراهق لا تشترك في طفرة النمو هذه، فالرأس والمخ مثلا تصل إلى 90% لحجمها عند الراشد في سن الخامسة، كما أن الأنسجة الليمفاوية للون والأمعاء تزداد تدريجيًا في حجمها مع بداية فترة المراهقة، وبعد ذلك تقل تدريجيًا من حيث الحجم كما أن الوجه كذلك يستمر في النمو أثناء هذه الفترة، حيث يصبح الفك والأنف أكبر عن ذي قبل وذلك لارتباط النمو فيهما بمنطقة الرأس العليا والتي تكون قد حصلت على نموها وحجمها الكامل. الإناث: تشير الدراسات أن الإناث يصلن إلى ذروة نموهن وتحدث عندهن طفرة النمو الجسمي في سن الثانية عشر تقريبًا، وعادة ما يسبقهن الذكور بما يقرب من عامين تقريبًا، كما أن النمو عند البنات يحدث في صورة ذنبية كذلك "من الرأس إلى الأطراف"، إلا أنهن يختلفن عن الذكور حيث يكن أكثر سمنة حول أذرعهن وأرجلهن من الذكور، ولذلك فإن أوردتهن عادة لا تكون ظاهرة, وفيما يتصل بنمو الجذع عند البنات، تبقى الأكتاف أرفع، في حين نجد مفاصل الفخذين تصبح أعرض وأكثر استدارة مما نجده عند الذكور، إلا أن الذكور تكون أكتافهم أعرض وأقوى، وتبقى أفخاذهم أرفع مما عند الإناث, وتشير نتائج دراسات Tanner كذلك أن زيادة السمنة تحت الجلد عند الإناث تعرض فقد النمو النسبي في العضلات الذي نجده عند الذكور، وبالتالي فإلاناث عادة ما يمتلكن نسبة مئوية أعلى في سمنة أجسامهن أكثر مما نجده عند الذكور, ونادرًا ما يكن لديهن قوة في عضلاتهن التي نراها عند الذكور فيما عدا حالة الفتيات الرياضيات، وفيما يتعلق بأحجامهن، فإن الذكور يكون لديهم قلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 ورئتان كبر، وقدرة أكبر على حمل الأكسجين في الدم، وقوة أكبر في تعادل النواتج الكيميائية الخاصة بتدريب العضلات مثل الحامض اللبني Lacitc Acid، وعمومًا فإن هذه الاختلافات قد تكون نتيجة تمايز الوظائف التطورية عند الرجال والنساء. نمو الخصائص الجنسية الأولية والثانوية: يوجد نمطان من التغيرات تحدث في الجهاز التناسلي أثناء فترة المراهقة المبكرة، فالأعضاء التناسلية تزداد من حيث الحجم وفي نهاية النمط الأول تصبح فعالة في أداء وظيفتها عند كل من الذكور والإناث، حيث نجد الذكور يفرزون الحي المنوي بينما تنتج الإناث البويضات المخصبة، كما تحدث تغيرات في الخصائص الجنسية الثانوية في الجهاز التناسلي والأعضاء العرقية والغدد الدهنية وعضلات الحنجرة وتسمى الفترة التي تحدث أثناءها نمو تلك الخصائص الجنسية الأولية والثانوية بالبلوغ Puberty، وعلى الرغم من أن تتابع هذه العملية يكون متشابهًا عند الذكور والإناث, إلا أن تفاصيل هذه العملية تختلف اختلافًا ذات دلالة بينهم وسنرى ذلك في عرضنا القادم. الذكور: العلامة الأولى للبلوغ بين الذكور عادة ما تكون النمو التدريجي لوعاء الخصيتين "الصفن" والخصيتين معًا، مع ظهور التجعيد على الصفن ويصبح كيس الصفن قاتم اللون، ويبدأ شعر العانة في الظهور في هذا الوقت تقريبًا أو بعد ذلك بقليل، كما يحدث زيادة من حيث الطول والحجم لعضو الذكورة، وعلى الرغم من أن هناك اختلافات فردية بين المراهقين إلا أننا عادة ما نلاحظ قدرة المراهق على القذف المنوي الأول بعد عام من ظهور أوجه النمو سابقة الذكر Tanner؛ "1962". ونمو الخصائص الجنسية الثانوية يتبع نفس التعاقب بين جميع المراهقين تقريبًا، فشعر الإبطين يظهر عادة بعد ظهور شعر العانة، ويصاحب ذلك ظهور شعر الوجه، ونموذج شعيرات دقيقة في البداية على جانبي الشفة العليا، وبعد ذلك ينمو الشعر على الشفة بأكملها، ويظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 الشعر فيما بعد على الخدين، ويبدأ بعد ذلك في النمو على طول جابي الذقن وأسفلها، كما أن شعر الجسم "الصدر والأرجل" يبدأ كذلك في النمو في نفس الوقت الذي ينمو فيه شعر الإبطين إلا أنه قد يستمر حتى نهاية فترة المراهقة، والاختلافات الفردية في كمية الشعر التي تظهر ترجع بصورة كبيرة إلى العوامل الوراثية إلا أنه قد تكون هناك أسباب تعجل أو تأخر نمو شعر الجسم ولكنها ما زالت غير معروفة حتى الآن. كما أن الحنجرة تصبح أكبر في حجمها، ويحدث نموًا للأحبال الصوتية كما يحدث في نفس الفترة انخفاض تدريجي في طبقة الصوت، إلا أن هذا الانخفاض ليس ثابتًا مطردًا مع ذلك، وعمومًا فإن طبقة صوت الراشد عادة لا تكتمل إلا بنهاية فترة المراهقة المتأخرة، كما أن جرس الصوت "وهي النوعية التي تمكنا من تمييز الأصوات من نفس طبقة الصوت من أخرى" يعتمد على حجم تجويف الفم والأنف، وتغير الجرس يحدث كلما ازداد حجم الفم والأنف أثناء فترة البلوغ Tanner, J؛ "1972". ويوجد نمطان من التغير عادة ما تحدث أثناء فترة المراهقة. أ- نضج الغدد الدهنية. ب- نضج الغدد العرقية "خاصة في المناطق الإبطية والتناسلية". فالغدد تفرز مادة دبقة "دهنية" والتي يمكن أن تتراكم وتنتج البثور على الوجه، وهذه بدورها من الممكن أن تثير المنطقة المحيطة بها وتنبثق خارج الجلد في هيئة حب الشباب كما أن الغدد العرقية والتي تنمو بسرعة كبيرة وأثناء البلوغ عادة ما تسبب رائحة غير طيبة. الإناث: عادة ما نجد أول علامة لبلوغ ظهور برعم الصدر ويلي ذلك مراحل خمسة لنمو الصدر, فعند بعض الإناث يظهر شعر العانة قبل ظهور برعم الصدر، ولكن بين ثلثي الفتيان عادة ما يسبق ظهور برعم الصدر شعر العانة، بالإضافة إلى كبر حجم الرحم والمهبل وشفري عضو التأنيث كما يحدث البظر في نفس الوقت الذي ينمو فيه الصدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 ومما لا شك فيه فإن الشيء الأكثر إثارة للبنات في بداية البلوغ هو نزول الطمث لأول مرة عند البلوغ، وتوجد أسباب مختلفة يعزى إليها التباين في وقت الطمث الأول، فحوالي 50% من الإناث البيض في أمريكا يصلن إلى ذلك ما بين 12، 14 سن وحوالي 8% يصلن إليه ما بين 14.5: 16.5، وأقل من 2% يصلن إليه قبل سن العاشرة أو بعد السادسة عشرة. وتنمو عند الإناث الخصائص الجنسية الثانية بنفس التتابع الذي نجده عند الذكور، إلا أنها تكون أقل ظهورًا مما عند الذكور، فالشعر على سبيل المثال سواء في الجسم أو الإبطين يكون أقل، وجدير بالذكر فإنه توجد اختلافات فردية واسعة حيث نجد بعض الفتيات لديهن شعر في أجسادهن أكثر من بعض الشباب، كما يحدث عند كل من الذكور والإناث خشونة في جلد أجسامهم خاصة جلد الفخذين وأعلى الساعدين، إلا أن ذلك يكون أقل وضوحًا عند الإناث. وتشير بعض دراسات سيكولوجية المراهقة أن الذكور والإناث في العصر الحديث خاصة في الدول المتقدمة صناعيًا مثل الولايات الأمريكية وأوربا واليابان والصين عادة ما يخبروا أو يصلوا إلى البلوغ, وبالتالي النمو المفاجئ للمراهقة بما يقرب من سنتين مبكرين عن أقرانهم في دول أخرى، وقد يكون هناك عدد من العوامل تفسر هذه الظاهرة، إلا أن أكثرها إثباتًا هي عامل التغذية وعامل العناية الطبية وعلى ذلك فإن المراهقين في الدول النامية حيث لا توجد التغذية المناسبة كما أن معايير الصحة ليست مرتفعة بما يقدم من العناية الطبية فمن المحتمل أن يكون سن البلوغ وبالتالي سنوات المراهقة متأخرة نسبيًا عما هو موجود في الدول الأكثر تقدمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 ثالثًا: النمو العقلي إن التغيرات المثيرة التي تحدث في النمو أثناء فترة المراهقة المبكرة غالبًا ما تقترن بتغيرات مثيرة متساوية تحدث في النمو العقلي, ويصف بياجيه هذا النمو العقلي خاصة مع بداية المراهقة بما يسمى بالعمليات الصورية Formal Operations فالمراهقين الصغار عادة ما يكونون قادرين على التعامل مع متغيرات كثيرة في نفس الوقت، ويكون في مقدورهم إدراك المجاز والاستعارة والتعبير بالابتسام ويفكرون في الأمور والأشياء ويبنون الأمثلة لأنفسهم، بالإضافة إلى إمكانهم تفهم المعكوسية للأشياء والأشياء المتناقضة مع الحقيقة، ويمكنهم تفهم الوقت التاريخي للثقافات المختلفة، وهذه التغيرات التي تحدث في قدرات المراهق العقلية يمكن وصفها بصورة كيفية وكذلك بصورة كمية، فمن الجانب الكمي فهناك مؤشران يبدوان على أهمية خاصة. أ- ما يسمى بالقدرة على التمييز أو المفاضلة. ب- تقدم مجرى النمو العقلي، والذي كان يعتقد في أنه يصل إلى ذروته في فترة المراهقة وبعدئذ يميل إلى الانخفاض التدريجي. كما أن الجوانب النوعية في تفكير المراهق لم تكتشف بصورة مكثفة كما هو الحال في فترة الطفولة، حيث نجد أعمالا تجريبية قليلة في النمو اللغوي والتذكر والإدراك في فترة المراهقة، إذا ما قورنت بمثيلتها في فترة الطفولة، كما أن كثيرًا من الدراسات التي أجريت على تفكير المراهقين قد ركزت على نمط التفكير السببي للمراهقين وكذلك على حل المشكلة، وسوف نتأمل سويًا في ثنايا الصفحات التالية بعضا من هذه الدراسات بالإضافة إلى بعض المسائل المتعلقة بالتفكير الإجرائي الصوري وسوف نختتم بالإشارة إلى بعض النتائج ذات الفعالية في التوصل إلى نمط التفكير الإجرائي الصوري. اختبارات الذكاء: مما يجدر الإشارة إليه، أن المراهقين عادة ما يكون لديهم خبرة في إجراء الاختبارات، كما أن أداءهم إلى الاستقرار والثبات بصورة واضحة, وذكاء المراهق يمكن مع ذلك أن يسبب في بعض الأحيان مشاكل معينة، فالمراهق الذي يتصف بالذكاء المرتفع قد يفسر أسئلة اختبار الذكاء بصورة أكثر تركيبًا مما هي عليه بالفعل أو قد يستخدم مواقف الاختبار للتعبير عن موقف اجتماعي أو سياسي معين. وعمومًا فعند قياسنا النمو العقلي عادة ما نطرح تساؤلين. أ- ما مدى قدرات الشخص أثناء فترة المراهقة؟ ب- ما طريقة نمو القدرات العقلية أثناء فترة المراهقة وبعدها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 العمر التمايزي: إحدى وجهات النظر لفهم طبيعة القدرات العقلية تسمى بنظرية العمر التمايزي الافتراضي Age Differentiation Hypothesis وتشير إلى أن قدرات الطفل العقلية في جوهرها منفصلة غير مترابطة، إلا أنه أثناء الطفولة المبكرة نجد هذه القدرات تصبح تدريجيًا متكاملة ومترابطة داخل عدد من قدرات قليلة منظمة بصورة عالية، وأثناء فترة المراهقة تصبح القدرات العقلية مرة أخرى متصلة بالتمايزية، وبالتالي تصبح قدرات أساسية بصورة أكبر مما كانت عليه أثناء مرحلة الطفولة كما يشير بعض الباحثين كذلك FitzGerald, J.& Others إلى وجود مرحلة تمايزية أخرى أثناء مرحلة الرشد المتأخرة، حيث تصبح القدرات العقلية ملتحمة إلى حد ما داخل نموذج أقل تمايزًا. وهذا العمر التمايزي الافتراضي لا يعتبر بمثابة اهتمام أكاديمي فقط ولكنه ينعكس كذلك في مناهج مدارسنا، فنجد أطفال المدرسة الابتدائية يأخذون عددًا من القدرات كالحساب والقراءة والعلوم والدراسات الاجتماعية، ولكننا نجد في المدارس الثانوية يصبح لدى المراهقين مدى أوسع لفرص الاختيار حيث يتضمن المنهج اللغات الأجنبية والدراسات الأدبية والرياضيات والإحياء وما إلى ذلك. وما زال يوجد تضارب بين نتائج الدراسات، فبعضها يشير إلى وجود التمايز أثناء فترة المراهقة، في حين يعتقد آخرون بعدم وجوده في قدرات المراهق Horn, J.L؛ "1976" وجدير بالذكر فإن كل من هاتين الوجهتين المختلفتين يمكن أن تسهم وتؤدي إلى مناهج ووسائل تعليمية مختلفة، وجدير بالذكر فإن العمر التمايزي الافتراضي لا يمكن أن يتقبل بصورة كلية، أو ينبذ بصورة كاملة، ففي رأينا أنه توجد احتمالية حدوث بعض أنواع التمايز إلا أنها ليست للمدى الذي أشار إليه Baletes وآخرون "1972". تقدم النمو العقلي: تشير دارسات النمو العقلي، أن القدرات العقلية في الزيادة طوال الحياة، ولكنها تصل إلى ذروتها أثناء فترة المراهقة الوسطى وبعد ذلك تأخذ في الانخفاض التدريجي Terman, L؛ "1916" ووجهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 النظر هذه اعتمدت على المعايير الأولية لاختبار استانفورد بينية حيث يظهر أن الذكاء يبلغ ذروته في سن السادسة عشر تقريبًا، ولقد طبقت عديدًا من الاختبارات أثناء الحرب العالمية الأولى على الجنود وتشير النتائج أن معدل ذكاء الجند والضباط لم يحدث فيه تغير عما كان عليه في سن الثامنة عشر. وظهرت دراسات مناقضة لما أتت به نتائج تيرمان بينيه حيث يشير كل من Baltes & Others؛ "1972", Schaie, k؛ "1972" أن الذكاء لا ينخفض بتقدم العمر الزمني ولكنه قد يتحسن كذلك، وإحدى التفسيرات التي يعزى إليها هذا التناقض لنتائج دراسات الذكاء يمكن أن يعزى إلى منهج الدراسة، فتلك الدراسات التي أشارت إلى أن الذكاء ينخفض بعد المراهقة، غالبًا ما اعتمدت على طريقة المقطع العرضي Cross-Sectional حيث اختبرت بواسطتها أفرادًا في مستويات عمرية مختلفة في نفس الوقت، وبالتالي أشارت نتائج دراسات هذه الطريقة أن الراشدين قد يكونون في مستوى منخفض في معدلات أدائهم على الاختبارات العقلية من المراهقين، إلا أننا يجب أن نشير إلى أن إخفاق الكبار في الدراسات السابقة لا يرجع إلى النمو العقلي لديهم بقدر ما يرجع إلى أنهم لم يحظوا بنفس التعليم الذي حظي به المراهقون في الوقت الحديث, وعلى نقيض ذلك نجد دراسات أخرى قد أشارت أن الذكاء يستمر في الازدياد من خلال النضج الذي يطرأ على الكائن الإنساني، وهذه الدراسات عادة ما كانت تعتمد على الطريقة الطولية والتي يختبر فيها نفس الأفراد بصورة متكررة عبر الوقت. وهناك تفسير آخر لتعارض النتائج في دراسات النمو العقلي مؤداه أن اختبارات الذكاء عادة ما تقيس نمطين من الذكاء، واحد منهما يصل إلى ذروته أثناء فترة المراهقة في حين الآخر يستمر في الزيادة مع ازدياد العمر الزمني Horn, JL؛ "1970" Cattel, R؛ "1970" ويسمى النوع الأول بالذكاء السلس أو المرن Fluid Intell وهو يتضمن العمليات العقلية الضمنية "كالتي وصفها بياجيه" والتي يمكن أن تعزى إلى كل من الوراثة والنضج، بالإضافة إلى الخبرة والنمط الثاني والذي يعرف بالذكاء المتبلور "محدد الشكل" Crystalized Intell ويشتمل على المعرفة والمهارات التي تكون متطلبة أثناء عمليتي التطبيع الاجتماعي والتثقيف Acculturatin. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وتشير نتائج دراسات Cttel, R؛ "1971", Horn, J؛ "1970", Horn, J؛ "1975" أن الذكاء المرن أو السلس يصل إلى ذروته أثناء فترة المراهقة وبعد ذلك يميل إلى الانخفاض في حين نجد الذكاء المتبلور "محدد الشكل" يستمر في الازدياد بصورة عامة, والشكل رقم "2" يوضح ذلك تبعًا لوجهة نظر Horn, J. L؛ "1967". وجدير بالذكر فالتعميمات عن الذكاء المرن أو السلس والذكاء المتبلور "محدد الشكل" يجب أن تحدد كذلك، ولا تؤخذ بصورة عامة، فالقدرات الخاصة والمعرفة التي يمكن للفرد الوصول إليها من خلال النضج تعتمد على مستوى قدرات الشخص العقلية، ومدى قدرته على الابتكار، وكذلك على عمله ومهنته بالإضافة إلى حالته الصحية العامة حيث تشير نتائج دراسات Horn؛ "1976" أن الأشخاص الأذكياء يحتفظون بمعدل عقلي وظيفي بصورة أطول من هؤلاء الأشخاص الذين لا يتسمون بالذكاء، كما أن الأشخاص الذين كانت مهنهم أكاديمية مصبوغة بصبغة عقلية، عادة ما يحتفظون بمهاراتهم العقلية واللفظية بصورة أطول من الأشخاص الذين يعملون في ميادين أخرى، وكما أشار هويتهد Whitehead. "إن التخيل عادة ما يكون أكثر فعالية وتأثيرًا ونشاطًا ما بين سن التاسعة عشر والخامسة والثلاثين, ونحن غالبًا ما نحتفظ بالسير به قدمًا بعد ذلك، بغض النظر عما نخبره بعد من إخفاق"، والتاريخ الإنساني حافل بذلك فالأعمال الابتكارية الأصلية لثمة رجال مثل بياجيه وفرويد وروسو وراسل تؤيد أن هناك كثيرًا من الناس لهم غزارة في العطاء وفيض من المعرفة العقلية الجياشة بعد أن تخطوا الخامسة والثلاثين من عمرهم. التفكير الصوري الإجرائي ومظاهره: ينبثق التفكير وفقًا لبياجيه من التذويت التدريجي للأفعال وعلى ذلك فإن التفكير الحقيقي "بمعنى التعامل العقلي أو التجريب لمعطيات البيئة" لا يظهر حتى سن السادسة أو السابعة من عمر الطفل، عندما تصبح الأفعال مذوتة بصورة كاملة، وكما أشرنا فيما سبق أن نمط تفكير الأطفال منذ السادسة أو السابعة وحتى حوالي العاشرة أو الحادية عشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 يسمى بنمط تفكير العمليات العيانية أو المحسوسة Concrete Operations، وهذا النمط يختلف بصورة جوهرية عن نمط التفكير الذي ينبثق أثناء فترة المراهقة "ما بين الحادية والرابعة عشر" والذي يسمى بالتفكير الصوري. وسوف نتأمل سويًا التفكير الصوري المنطقي، وبعد ذلك سنرى كيف يظهر في تفكير المراهقين، كما سنتأمل بعض تطبيقات التفكير الصوري الإجرائي في المعارف الاجتماعية للمراهقين، ومفاهيمهم عن ذواتهم ووجهات نظرهم في الأفراد الآخرين. منطقية التفكير الصوري الإجرائي: من المفيد أن نتأمل نمط التفكير الصوري الإجرائي داخل محتوى العمليات العيانية أو المحسوسة، فإن نظام العمليات الحسية العيانية يشبه التفكير المنطقي ما دامت توجد به مجموعة من العناصر "كالموضوعات أو العلاقات أو الصفات"، بالإضافة إلى وجود بعض العمليات "كالإضافة إلى الجمع، والطرح وهكذا"، مع مجموعة من المبادئ أو العناصر المتحدة، وأحد هذه المبادئ يسمى بالاستبدال Commutivity وبغض النظر عما إذا كانت عناصر الموقف تتحد أم لا، فإن النتيجة سوف تكون نفسها، فمثلا، أ + "ب + جـ1" = "أ + ب" + جـ. والمبدأ الثاني يتمثل في الهوية Identity أو التماثل فلكل عنصر في موقف ما يوجد عنصر مماثل له مثل: أ - أ = صفر، أو أ = أ, والمبدأ الثالث يتمثل في التركيب Compostion, ويعني أن اتحاد عنصرين في موقف ما سوف ينتج عنصر ثالث مثل، أ + ب = جـ, والمبدأ الرابع يتمثل في التناول العكسي للموضوعات أو المعكوسية Reversibillty ومؤداه أن كل عملية في الموقف توجد عملية أخرى معكوسة ثانية والتي يمكن أن تبطل كلية تأثيرات الأولى، ولكي نوضح ذلك أ + ب = جـ، ولكن ج - أ = ب، ج - ب = أ. ويمكن أن يقال أن الطفل لا يكون على دراية بنظام العمليات العيانية إلا أننا يمكن أن نستدل عليها من أدائه، وينطبق نفس الشيء بالنسبة للنظام الإجرائي الصوري, وفي الحقيقة فإن مفهوم بياجيه عن الذكاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 اللاشعوري متشابه إلى حد ما مع مفهوم فرويد عن اللاشعور الوجداني Affective فلقد وجد فرويد أن كل شخص يعيش حياة غنية بالرغبات والدوافع والتخيلات، ويكون على حد أدنى من الدراية بكل هذه الأشياء، ويشير بياجيه إلى مفهوم قريب من مفهوم فرويد، في أن الشخص يعيش حياة معرفية، غنية، ويستخدم فيها أنظمة مركبة من العمليات المنطقية بدون دراية فعلية منه. وبمجرد أن يحصل الطفل العمليات العيانية "الحسية" نجده يستطيع استخدامها داخل فئات معينة، فمثلا إذا عرف الطفل أن عدد الأطفال يساوي جمع عدد الأولاد + عدد البنات، أو أن ج = أ + ب "جمع" حينئذ سيعرف تلقائيًا أن جـ - أ = ب "معكوسية" ويعني أن أ - أ = صفر "هوية" ويعني أ + ب = جـ، وهي نفسها مثل ب + أ = جـ "استبدالية" ودلالة هذا التحليل المنطقي لتفكير الأطفال نجد أنه يمكننا من التنبؤ بالموقف الكامل للأدوات المترابطة المتفردة للشخص. عندما ننتقل إلى نظام العمليات الصورية، فإن المنطق يصبح أكثر تركيبًا وتعقيدًا، وفي الحقيقة يصبح منطق خبري أو افتراضي Propositional Logic وهذا النوع من المنطق يعتبر بمثابة النظام المنطقي الثاني والذي يستفيد من النظام الأول ويمدنا بمدى أكبر ومرونة أعظم في التفكير, ومنطق العمليات الصورية عادة ما يكون دالا للمنطق الإجرائي والذي يستخدم في الجبر والرياضة، كما أن كلا من المنطق الإجرائي والرياضيات تعتبر بمثابة وسائل تمكن الفرد من التفاعل مع موضوعات العالم الخارجي، كما أن العمليات المنطقية الصورية والجبر من جانب آخر تعتبر بمثابة وسائل وأدوات تمكن الفرد من التفاعل الرمزي، وهي خطوة أسمى من العالم الواقعي. وبواسطة العمليات الصورية كذلك يمكن أن يكتسب الفرد عن طريقها مستوى جديدا من الإحساس أو الشعور، وعلى الرغم من أن المراهقين قد لا يكونون على دراية بالمنطقية التي تكون وراء عمليات تفكيرهم النامي، إلا أنهم يمكنهم أن يعكسوها ويصوروا أفكارهم وعمليات تفكيرهم كذلك، حيث يمكنهم التفكير في التفكير، وعلى ذلك فإن المراهقين يمكنهم تفهم التعبير عن اتحادات أو تركيبات كثيرة والتي قد لا تحدث في الواقع ويشير كل من lnhelder & Biaget؛ "1958" أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الشخص يكون قادرًا على بناء الاحتمالات والأمثلة المتناقضة مع المواقف الحقيقية الواقعية، والتي قد تكون منطقية إلا أنها ليست واقعية. ولكي نوضح احتمالات أو إمكانيات التفكير الصوري الإجرائي تفترض أنك دخلت مطعمًا، وقدمت لك قائمة الطعام، حيث تحتوي على المشهيات وأطباق رئيسية، وأصناف حلوى وأنواع شراب، حينئذ يكون لديك عدد من البدائل الاختيارية والتي يمكن أن تقدم كما يلي. "يأمر بشيء واحد": 1- لا يأمر بشيء. 2- يأمر بالمشهيات فقط. 3- يأمر بالطبق الرئيسي فقط. 4- يأمر بالحلوى فقط. 5- يأمر بالشراب فقط. "يأمر بشيئين": 6- يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي. 7- يأمر بالمشهيات والحلوى. 8- يأمر بالمشهيات والشراب. 9- يأمر بالطبق الرئيسي والحلوى. 10- يأمر بالطبق الرئيسي والشراب. 11- يأمر بالحلوى والشراب. "يأمر بثلاثة أشياء": 12- يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي والشراب. 13- يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي والحلوى. 14- يأمر بالمشهيات والشراب والحلوى. 15- يأمر بالطبق الرئيسي والشراب والحلوى. "يأمر بأربعة أشياء": 16- يأمر بالمشهيات والطبق الرئيسي والحلوى والشراب. وقدرة الفرد أن يضع في اعتباره كل هذه الاتحادات السابقة تتطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 تفكيرًا إجرائيا صوريًا، وأحد المشكلات التي يجابهها الأطفال في المطاعم تتمركز في وجود بدائل وخيارات كثيرة يجب عليه التعامل معها، وعادة ما يفضل الأطفال قوائم الطعام البسيطة حيث يكون من السهل أن يتعاملون معها. والمراهق بدوره يمكنه استخدام العمليات الصورية مع إشارات لفظية والتي قد يكون لها مراجع واقعية أو لا يكون لها ذلك، وعمومًا فإن القدرة على تركيب واتحاد الاقتراحات أو الافتراضات يكشف عن إمكانات هائلة للتفكير حيث تكون متطلبة لجميع المساعي والمحاولات العملية وعلى ذلك فعندما يريد الباحث بناء نظرية أو إجراء تجربة ما، فعليه أن يضع في اعتباره كثيرًا من المتغيرات في وقت واحد، ويفكر في تغيير بعضها بينما يحتفظ بالأخرى في حالة ثابتة وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكن الباحث من أن يصبغ الافتراضات بصورة تجريبية. اللغة والذاكرة: لم تجر دراسات تصنيفية كثيرة على النمو اللغوي وقدرات التذكر عند المراهقين إذا ما قورنت بالدراسات التي أجريت على الأطفال، وفيما يتعلق بالنمو اللغوي فيمكن افتراض أن النمو يستمر في عدد المفردات والجمل والتركيب البنائي للجمل وكذلك في استعمالات الجمل المتعددة على الأقل حتى فترة المراهقة الوسطى "بناء على مقاييس بينيه ووكسلر للذكاء"، بالإضافة إلى ذلك فالمراهقون نتيجة نمو العمليات الصورية عندهم يبدءون في تفهم الجوانب الصورية للغة، وبعد ذلك تفهم القواعد اللغوية وبناء الجمل أو الإعراب وتشير نتائج دراسات Munsnger & Douglass؛ "1976" على التوائم المتماثلة بوجود ازدياد مضطرد في فهم تركيب وبناء الجمل في مرحلة المراهقة المبكرة. وأحد جوانب النمو اللغوي عند المراهقين التي درست كذلك هي مدى فهم الاستعارة والتشبيه في اللغة, ويبدو أن هاتين العمليتين تتطلبان تفكيرًا صوريًا إجرائيًا حتى يمكن فهم الاستعارة أو المجاز حيث تعتبر بمثابة رمزًا لرمز، وبالتالي تكون العلاقة فيها تصورية أو مجردة، وجدير بالذكر فإن المراهق عادة ما يستطيع تفسير الاستعارة أو المجاز اللغوي حيث تشير نتائج بعض الدراسات أن أطفال ما قبل المراهقة تمكنوا منها بالإضافة إلى أن نجاحهم فيها كان مرتبطًا بصورة عالية بنجاحهم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 اختبار التفكير الصوري الإجرائي، ولقد أيدت نتائج دراسات كل من Ash, Nerlove؛ "1960"، Polio & Polio؛ "1974" ما أشارت إليه نتائج الدراسة السابقة. ولقد أجريت دراسات قليلة نسبيا على نمو الذاكرة عند المراهقين إذا ما قورنت بالدراسات التي أجريت على الأطفال, وتشير دراسات Mandler وآخر "1967" أنه كلما تقدم الأطفال في أعمارهم الزمنية فإنهم ينمون بصورة متزايدة مخططات تذكرية جيدة وذات فعالية، ويبدو أن هذا الميل يستمر في المراهقة حيث نجد العمليات الصورية عادة ما تستخدم لتطوير المخططات التذكرية, وجدير بالذكر فإن اتساع مدى الذاكرة يزداد بصورة ملحوظة أثناء فترة المراهقة، والذاكرة الأحسن والأقوى سواء كانت عند المراهقين أو الراشدين عادة ما تعزى إلى القدرة الأفضل على التصنيف وتنظيم المعلومات. السلوك الاحتفاظي Consevation Behavior: إن مفهوم ثبات وبقاء الأشياء "كالحجم والعدد والطول والكمية والمسافة والجوانب وهكذا، عادة ما نجد الأطفال يتمكنون منها في فترة الطفولة المتأخرة عند وصولهم إلى مستوى العمليات الحسية للتفكير, إلا أن بعض المفاهيم الأخرى مثل الكتلة Volume يبدو أنها تتطلب عمليات صورية عالية، ولقد وجد كل من بياجيه وانهلدر أن الأطفال لا يمكنهم تفهم الاحتفاظ بالكتلة حتى سن الحادية عشر أو الثانية عشر. وتشير دراسات Elkind, D؛ "1962" أن نسبة كبيرة من المراهقين وطلاب الجامعة لم يتمكنوا من التوصل إلى تفهم الاحتفاظ بالكتلة، ولقد دعمت دراسات أخرى أجراها Hobbs, S؛ "1973" النتائج سابقة الذكر، حيث طبق على مجموعات من المراهقين والراشدين، بالإضافة إلى أن اكتساب العمليات الصورية أو على الأقل تطبيق هذه العمليات على جوانب معينة للواقع ويجب أن نشير أن مفهوم الكتلة له مستويات عديدة من التجريد، وأن تلك الدراسات التي أجريت على المراهقين والراشدين قد فاقت أغلب المستويات التجريدية حيث تعاملت مع مبدأ استمرارية الكتلة Continous volume وهي الفراغ المملوء بمادة متصلة أو مستمرة مثل السوائل أو الصلصال، إلا أن الكتلة غير المتصلة Discontinuous وتعتبر بمثابة الفراغ المملوء بواسطة مبدأ الاحتفاظ أو الثبات, وعموما فإن مفهوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 الكتلة يشبه المفاهيم الأخرى يمكن أن تفهم على مستويات متعددة، وفي فترة المراهقة عادة ما نجد مفهوم الاحتفاظ بالكتلة المستمرة أو المتصلة في متناول المراهقين. التفكير التجميعي أو التوحيدي Combinatorial Thining: أحد الأشكال الجديدة للتفكير والتي تصبح ممكنة مع التفكير الإجرائي الصوري مثل قائمة المأكولات التي قدمت في مثالنا السابق ولكي نتأمل كيف ينمو هذا النمط من التفكير لدى الأطفال والمراهقين انظر الشكل رقم "4", والذي يمثل مثالا عمليا من أعمال بياجيه وانهلدر الأصلية، وسنورد فيما بعد مقتطفات من تفكير الأطفال في مستويين عمريين مختلفين التي قدم إليهم هذه المشكلة. ولقد قدم كل من انهلدر وبياجيه كثيرا من الأمثلة من هذا النوع موضحين أن الأطفال عادة ما يكون لديهم صعوبة في إجراء العمليات الصورية المتعددة Multiple، حيث إنهم يفكرون في تركيب أو تجميع سائلين، إلا أنهم لا يفكرون تلقائيا في اتحاد ثلاثة سوائل مختلفة مرة واحدة مع "ج"، وحتى عند اقتراح هذه الوسيلة عليهم نجد لديهم صعوبة في التعامل مع اتحادات متعددة بطريقة منتظمة، وعموما فإن الصغار في مستوى العمليات الإجرائية الصورية يمكنهم تفهم أن سائلين أو ثلاثة سوائل يمكن أن تتحد في وقت واحد، فالعمليات الصورية إذن تمد الشخص بطرق للاكتشاف أو بناء الفروض بالإضافة إلى طرق لاختيار الفروض، إلا أننا نجد في فترة المراهقة أن كلا من طرق الاكتشاف وكذلك طرق التحقق أو الإثبات تصبح موحدة. وجدير بالذكر فإن نتائج كل من انهلدر وبياجيه سابقة الذكر قد دعمت بنتائج دراسات أخرى، ففي دراسة طولية أجراها Neimark "1972" على أطفال ومراهقين في توقع الاتحادات أو التركيبات الممكنة لأربع أعمدة ملونة مختلفة أخذت "صفر"، "1"، "2"، "4". وعلى الرغم من أن معظم المراهقين تجاهلوا احتمالية "صفر" إلا أنهم تمكنوا من إدراك مجموعة ما لموضوعات غير المتصلة أو غير المستمرة عادة ما تكون أسهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ويوضح الرسم مسألة المواد الكيميائية اللونية وعديمة اللون، حيث توجد أربعة قارورات متشابهة تحتوي على سوائل عديمة الرائحة، وهي: 1- حامض كبريتي مخفف بالماء. 2- ماء. 3- مادة ممزوجة بالأكسجين. 4- سلوفات. وتقدم للحالة كوبان أحدهما يتكون من سائلي القارورة 1 + 2. والكوب الأخرى تتكون من السائل رقم "2". وتلاحظ الحالة أن الفاحص يضيف عددا من نقاط سائل القارورة "ج" إلى كل من هذين الكوبين، والسائل الذي يتكون بالكوب 1 + 2 يصبح عندئذ أصفر اللون، ويطلب من الحالة أن تعيد إنتاج اللون مستخدمة كل القارورات الخمسة أو بعض منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 اخلط قارورة رقم "4" + ج, وبعد ذلك 2 + ج، 1 + ج، 3 + ج، وأعطيت الحالة الأكواب مرة أخرى وأعاد تكرار خلط السوائل 1 + ج، 2 + ج ... إلخ، وأعطي له كوب آخر متسائلين هل يمكن أن يفعل شيء آخر، وخلط 1 + 4 + ج، وبعد ذلك 2 + 2 + ج، وعندما أشيرت على الحالة أن لديه أشياء أخرى يمكن تركيبها، وضعت الحالة السائل 1 + ج في الكوب، وفي محاولة أخرى لتركيب اللون وضع السائل 2 + 4 + ج وبعد ذلك أضاف إليهم السائل 3 وحاول مرة أخرى مع 4 + 2 + ج، الخمسة عشرة الاحتمالية الباقية كانت أن الأطفال الصغار وجد أن في إمكانهم إحداث التغير الأساسي في ترتيب الأشياء، وبالتالي يمكنهم تنظيم العناصر الهامة والعناصر غير الهامة. والحالات التي كانت في دراسة نيومارك، كانت في الصف الرابع وأمكنها إنتاج اتحادات وتبديلات خاصة في الترتيب، وفي الصف السادس وجد أن نصف الأطفال أمكنهم إنتاج اتحادات ولكن لم يحدث ذلك في تعديل أو تبديل ترتيبات الشيء. الوعي بالتبديلات التصورية: يبدو من المعقول أن نفترض أن الأطفال الصغار عند مستوى العمليات الإجرائية الصورية في التفكير يتصورون عالمهم بصورة مختلفة إلى حد ما عما نجده لدى أطفال العمليات ما قبل الإجرائية أو العيانية, الحسية، فأطفال ما قبل الإجرائية يميلون إلى رؤية الأشياء عن طريق سماتها الدالة مثل قولهم "الدراجة الهوائية لها عجلات"، والأطفال الذين يمرون بمستوى العمليات العيانية يميلون إلى أن يصوروا الأشياء عقلانيا عن طريق كيفية وظيفتها كقولهم مثلا "الدراجة للركوب"، وأخيرا يميل المراهقون إلى التفكير عن الأشياء بلغة المفاهيم العامة "الدراجة مركبة ذات عجلتين". وجدير بالذكر فإن الإنسان عادة ما يميل إلى التفكير في المستوى الأقل وبالتالي فإننا لا نفكر دائما في المستوى الأعلى الذي يمكننا أن نصل إليه فالراشدون الذين يمكنهم التفكير بصورة تصورية غالبا ما نجدهم يفكرون بصورة إدراكية أو وظيفية، ويعجب كثير من الدارسين كيف أن الأطفال والمراهقين كذلك يغيرون بسهولة من نمط التصور المهيمن والسائد على تفكيرهم إلى طريقة أدنى في بعض الأحيان وإلى طريقة أعلى في أحايين أخرى، وعمليا فإن الأطفال الصغار قد يكونوا غير قادرين على التحور والتبدل إلى المستوى الأعلى لأن ذلك يتطلب قدرات لا يمتلكونها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 إلا أن الأطفال الأكبر والمراهقين يمكنهم التفكير بمستوى أقل من مستوياتهم. وتشير نتائج دراسات Elkind؛ "1966" في دراسة تلك الظاهرة السابقة حيث استخدم مفهوم إنتاج الواجبات والذي يطلب فيه من الأطفال والمراهقين أن يفكروا ويتأملوا بعض الأفكار المرتبطة بصور أو بكلمات أو بأشياء مثل تفاحة حقيقية، صورة لتفاحة, كلمة تفاحة. وأشارت النتائج أن المراهقين كانوا أكثر قدرة على استدعاء أفكار أكثر كانت مرتبطة بالكلمات وكذلك للصور والأشياء الأخرى، ومع ذلك فقد وجد أن الأطفال قد إنتجوا مفاهيم أكبر تتصل بالصورة وبالأشياء أكثر من الكلمات, وعموما فإن كثيرا من الدراسات قد أثبتت ما افترض عن وعي المراهق بالتبديلات التوجيهية التصورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 النمو الخلقي : تشير نتائج دراسات كولبرج أن كثيرا من أوجه النمو الخلقي للفرد يحدث أثناء فترة المراهقة والشباب، ويستطرد أن أهم موضوعات ومسائل النمو الخلقي قد ألقي عليها الضوء مثل العلاقة بين النمو الخلقي والسلوك الفعلي وتأثير التدريب على التفكير الخلقي، والميكانزمات المتضمنة في الانتقال من مرحلة نمو خلقية إلى مرحلة أخرى. وجدير بالذكر فإن هناك دراسات كلاسيكية توضح العلاقة بين التفكير الخلقي والسلوك أجراها كل من Hartshorne and May؛ "1928، 1930" حيث عرفت الأخلاقية على أنها مجموعة من السمات ذات القيمة التبجيلية كالأمانة والصدق والضبط الذاتي، كما توجد اتساقية ضعيفة بين الأنماط السلوكية الخلقية لدى الأطفال، فالطفل قد يكون أمينا في موقف معين إلا أنه لا يكون كذلك في موقف آخر، كما أن إدراك الطفل الصغير حقيقة الصواب لم يكن مرشدا أو موجها لسلوكه، كما أشارت النتائج إلى وجود علاقة ضعيفة أو عدم وجود علاقة بين انتماء الأطفال المدرسة الأحد أو الكنيسة وبين سلوكهم الأخلاقي. وجليا فإن الأخلاقية عادة لا تكون محددة بأنماط سلوكية معينة، فمن وجهة النظر النمائية، فإن ما يحدد سلوك الشخص في أي موقف خلقي معين يتوقف على مدى تفهمه للموقف، ويعتمد ذلك على مستوى الفرد النمائي بالإضافة إلى اعتماده على طبيعة الموقف الذي يمر به الفرد, فتساؤل فرد ما لماذا يفعل ذلك؟ يعتبر ذلك بمثابة ضرب جوهري وحاسم للتقييم الخلقي للفعل، كما أنه من الضروري عندما نضع مستوى الشخص الخلقي في الاعتبار فإننا بالتالي يمكن أن نجري تنبؤات معقولة عن أفعاله الخلقية وسنعود مرة أخرى للتحدث في النمو الخلقي للمراهق فيما بعد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 دلائل التفكير الإجرائي الصوري : إن نتائج دراسات انهلدر وبياجيه عن التفكير الإجرائي الصوري Formal Operational قد أدى إلى عديد من الدراسات، كما وسع من تفهمنا لكيفية تفكير المراهقين, إلا أنه في نفس الوقت كان عاملا لكثير من التساؤلات مثل: ما علاقة هذا النمط من التفكير بالعمليات المعرفية الأخرى؟ وهل من الممكن أن يتأثر هذا النمط من التفكير بالتدريب؟ وكيف يصل الشخص إلى هذه المرحلة من التفكير؟ كثير من المشاكل والتساؤلات كان نتيجة كتابات انهلدر وبياجيه عن هذا التفكير الإجرائي الصوري، وسنتأمل سويا الإجابة عن بعض هذه التساؤلات سابقة الذكر. عمومية العمليات الصورية: أشرنا فيما سبق أن بعض المراهقين والراشدين الصغار لا يصلون إلى مرحلة العمليات الصورية أو أن هؤلاء ببساطة لا يطبقونها في مفاهيم الحجم؟ ويتضمن هذا التساؤل من الجانب المنهجي وجود ثمة اختبارات مقبولة عالميا يمكن بواسطتها قياس العمليات الصورية، ولكن لا توجد مثل هذه الاختيارات، كما أن الإخفاق في أداء اختبار معين قد يعني أن لا شخص إما أنه ليس لديه العمليات الصورية، أو قد يعني بأنه لم يطبقها لمفهوم معين. ولقد أعاد بعض الباحثين تجارب بياجيه وانهلدر ووجدوا أن المراهقين لا ينجحون في الأعمار التي أشار إليها كل من بياجيه وانهلدر في أداء بعض من الاختبارات فمثلا أعاد Dale؛ "1970" تجربة الكيماويات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 التي وصفت فيما سبق وأشارت النتائج إلى أن أقل من 75% للعمر 15 سنة التي اختبرت كانت ناجحة "في حين أشارت نتائج بياجيه وانهلدر أن أكثر من 75% من الشباب يمكنهم حل هذه المشكلة", كما أن تجربة البندول أشارت إلى نتائج مماثلة, فقد أشارت نتائج دراسة Jakson؛ "1965" أن أقل من 50% من أعمار ما بين 12 و15 سنة تمكنوا من حل التجربة بنجاح "في حين أشارت نتائج تجربة بياجيه وانهلدر أن أكثر من 75% من الحالات في نفس العمر الزمني السابق نجحوا في حل هذه المسألة. وعموما، فعندما نقيم هذه النتائج، بالإضافة إلى الدراسات الأخرى في ثبات أو بقاء الحجم Volume، نجد بياجيه قدم ثلاثة تفسيرات ممكنة لهذه النتائج: أ- أن بعض الأفراد ينمون بمعدلات أكثر انخفاضا عن الآخرين وبالتالي فإنهم لا يصلون للعمليات الصورية حتى منتصف أو نهاية فترة المراهقة. ب- إن إحراز العمليات الصورية ليس عاما أو شاملا ولكنها تقدم أحد الطرق الاختبارية في توضيح القدرات العقلية التي تحدث وتظهر في فترة المراهقة. ج- إن معظم الأشخاص يحرزون العمليات الصورية إلا أنهم يختلفون في جوانب المحتوى أو المضمون الذي يظهرون في ثناياه هذه العمليات، وعموما فمن الممكن أن يرجع إخفاق بعض الباحثين الكشف عن العمليات الصورية إلى الاختبارات المطبقة ولا يرجع إلى الحالات نفسها. ومما هو جدير بالذكر فإن الأطفال المتخلفون عقليا "والذين تكون نسبة ذكائهم أقل من 75" لا يصلون أبدا إلى العمليات الصورية Inhelder؛ "1976"، وعلى ذلك فإنها ترتبط بالذكاء وبالنضج وتتصف بالتركيب والتعقيد، وبالتالي فإن العمر الزمني وحده ليس كاف للوصول إلى العمليات الصورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 الاتساق الفردي في التفكير الإجرائي الصوري: يفترض أن الشخص الذي يظهر نمط التفكير الإجرائي الصوري في أحد الجوانب قد يظهره في جوانب أخرى، ولكن لا نجد هذه الحالة بالضرورة، فبمجرد أن يحرز الشخص العمليات الصوتية، فإنه لا يستطيع أن يطبقها بصورة فورية أو أوتوماتيكية على جميع الجوانب التصورية الأخرى، فإن ذلك يستأهل وقتا لتعلم تطبيقها "على قائمة الطعام بالمطعم في المثال السابق، وكذلك في تجارب الكيمياء التي أشير إليها". ويمكن بواسطة التحليل العاملي باعتباره أحد الطرق التي يحدد بها مدى العمليات الصورية لشخص ما، ففي هذه الوسيلة يطبق على مجموعة من الحالات كثيرا من الاختبارات وتحلل النتائج لكي نرى إن كان يوجد عديد من الأبعاد العامة، فمثلا فإن الاختبارات المتنوعة التي استعملها كل من بياجيه وانهلدر لقياس العمليات الصورية، فهل هي حقيقة يمكنها ذلك؟ وتشير دراسات Bart؛ "1971" أن كثيرا من الباحثين طبقوا وسيلة التحليل العاملي لبطاريات مهام أو واجبات العمليات الحسية والصورية، وبصورة عامة وجدوا عمليات منطقية أو واجبات العمليات الحسية والصورة، وبصورة عامة وجدوا عملية منطقية اعتبروها عاملا منطقية اعتبروها عاملا عاما "شاملا" يتضمن مهام وواجبات بياجيه المتنوعة، وعلى الرغم من أن مهام بياجيه تقيس القدرات المنطقية المقارنة، إلا أننا قد نجد من أن مهام بياجيه تقيس القدرات المنطقية المقارنة، إلا أننا قد نجد شخصا واحدا لا يؤدي بصورة متساوية في جميع هذه المهام أو الواجبات. تأثير التدريب على التفكير الإجرائي الصوري: إلى أي مدى يمكن أن تعزز العمليات الصورية بواسطة التدريب؟ وأحد الطرق في الإجابة على هذا التساؤل تتمركز في أن تختار الجماعات ذات خلفيات تجريبية مختلفة، بمعنى أن يأخذ الباحث جماعات تتنوع في كمية التعليم الشكل "الرسمي" وأن يقارن أداؤها في مهام وواجبات العمليات الصورية الإجرائية, وبصورة عامة فإن الاختلافات الكبيرة في طريق التدريس تؤدي إلى وجود هذه الفروق، حيث وجد أنه كلما تلقت الحالات كما تعليميا أكبر "ثانوي أو جامعي" كلما كانت أكثر ميلا إلى التعبير عن العمليات الصورية Graves؛ "1972", Papalia؛ "1972", Goodnow؛ "1969", وبطبيعة الحال فإن مستوى الفرد التعليمي يرتبط كذلك بالذكاء، والعلاقة التي توجد بين كمية التعليم والعمليات الصورية يعني ذلك أن الأطفال والمراهقين الأذكياء عادة ما يكونون أميل إلى تحقيق العمليات الصورية عن الأطفال والمراهقين الأقل ذكاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وتشير دراسات Neimark؛ "1975" عن تعليم الأطفال والمراهقين التفكير بالمستوى الإجرائي الصوري، أن التدريس أو تعليم العلوم العلمية قد لا يفيد كثيرا في تعلم هذا النمط من التفكير، حيث حاول بعض الباحثين تدريب بعض الحالات على مقاييس بياجيه, وأشارت النتائج إلى أنه على الرغم من أن بعض الأطفال والمراهقين قد أظهروا تحسنا ملحوظا في مهام وواجبات نوعية معينة، إلا أن آخرين لم يظهر لديهم ذلك، كما أن الحالات التي كانت تتصف بالاسترخاء Reflective أظهرت أداء أفضل في هذه العمليات الصورية أكثر من الحالات التي كانت مدفوعة Impulsive وقد يعزى ذلك إلى أن العمليات الصورية تعمل على تحرير الحالات من ضغوط المثيرات البيئية وعلى أي حال فإن هذه العمليات الصورية ترتبط بجوانب أخرى للوظيفة العقلية ومتضمنة النمط المعرفي. النتائج الوجدانية للتفكير الإجرائي الصوري: حتى هذه النقطة فإننا قد ناقشنا النمو المعرفي كما لو أنه غير مرتبط بانفعالات المراهقين ومع ذلك فإن الانفعالات النموذجية للمراهقين يمكن فقط أن تفهم فهما كاملا داخل مضمون أو محتوى التفكير الإجرائي الصوري، ويرجع ذلك إلى أن هذا النمط يسمح للشخص الصغير إلى دخول أو اقتحام عالم الأفكار المثالية، النظريات، والاحتمالات، وتشير إلى مدى قدرة المراهقين على المقارنة بين الممكن والواقعي في كثير من الجوانب الحياتية التي يتضمنها جزئيا على الأقل عدم الرضا أو عدم الإشباع والتي غالبا ما تحيط بهؤلاء الصغار وتحاصرهم في بعض الأحيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية عادة ما نجد الأطفال يحيون هنا والآن، ويهتمون بالعالم كما يجدونه ويتعلمون كيفية التفاعل مع هذا العالم المحيط بهم، إلا أننا نجد المراهقين عادة ما يكونون قادرين على فهم وإدراك الأشياء ليس فقط كما تكون عليه، ولكن بالإضافة كما يجب أن تكون عليه سواء في المنزل أو المدرسة أو في عالمهم الفسيح، بالإضافة مع أنفسهم, وعموما فإن إدراك التناقضات بين الواقع والمثالية عادة ما يغذي عدم الرضا عند المراهقين, ففي مرحلة المراهقة بالذات نجد بعض المراهقين يشعرون بالإكراه على البحث عن الآباء الحقيقيين، والأطفال الذين يشعرون بالإشباع والسعادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 فيما مضى، والبهجة والجرأة هذا من جانب والأطفال المضطربين من جانب آخر، أو ذوي نقص معين غالبا ما نجدهم في مراهقتهم يخبرون هذا الاكتئاب أو الانشراح الأول الذي صادفهم في حياتهم المبكرة. كما أن إدراك المراهقين بالتناقض بين المثال والواقع غالبا ما يجعلهم متمردين, عاصين, فقد يجد المراهقون المواقف المثالية مرغوب فيها بصورة عالية ومن جانب آخر يجدون موقفهم الواقعي غير محتمل، ومع ذلك فغننا نلاحظ أن كثيرًا من أنماط تمردهم أو ثورتهم غالبًا ما يكون في صورة لفظية، إذ قد نجدهم يصادقون لفظيا على العوامل الإنسانية إلا أنهم يفعلون القليل لإنجازها وتحقيقها, كما أن عدم رضائهم الشديد عن أبويهم عادة لا يؤدي إلى انفصالهم عن أسرهم أو يذهبوا بعيدا وفقا لرغباتهم، وبسبب وجود هذا التناقض بين قدرة المراهق على تصور المثل وبين درايتهم بكيفية تحقيقها أو إنجازها بالفعل فإننا عادة ما نجدهم يتسمون بالعناد الشديد، والكذب والمراوغة في مطالبهم, وجديد بالذكر فعند نهاية فترة المراهقة وعندما تكون مثلهم مرتبطة بأفعال مناسبة فقد نجدهم أكثر تسامحا واحتمالا للمجتمع بصورة عامة ولآبائهم بصورة خاصة، أو قد يأخذون على عاتقهم القيام ببعض الأعمال لإنجاز وتحقيق مثلهم كالعمل في حركات التحرير أو العمل في مشروعات الخدمة العامة وهكذا. المراهق والذات: يشير بياجيه أن التفكير الإجرائي الصوري في مرحلة المراهقة يؤثر كذلك على اتجاهات المراهقين نحو ذواتهم, حيث يمرون بحالات استبطان ويقومون بعملية تحليل ونقد لذواتهم، وعادة ما يفعلون ذلك باتزان ورباطة جأش حيث يعتبرون التفكير الآن بمثابة شيء خاص وبالتالي لا يكون لزاما عليهم أن يتقاسموا أو يشتركوا في أنماط تفكيرهم مع الآخرين, كما نجدهم على نقيض الأطفال حيث يمكن أن يحتفظوا بالمواجهة "المظهر الكاذب" والذي يخبئ أحاسيسهم ومشاعرهم الحقيقية عن الآخرين. واهتمام المراهقين الجديد هذا بذواتهم غالبا ما يعزى إلى تمركزهم العقلي حول ذواتهم Intellectual Egocentrism ويعني عدم القدرة على التمييز بوضوح بين ما يفكرون فيه وما يفكر الآخرين فيه, ففي المواقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 الاجتماعية نجد المراهقين الصغار عادة ما يشعرون كما لو أنهم في مرحلة مغايرة عن الآخرين، ويعتقدون أن كل الأفراد الآخرين يلاحظون ويقيمون أداءهم، وعلى ذلك فإن أنماط أفعالهم غالبا ما تكون على مستوى المستمع الخيالي Imaginary Aduience وهذا الإحساس الذي ينتابهم قد يرجع إلى وعيهم بذواتهم التي يتصف بها صغار المراهقين، فعندما يقف المراهق الصغير أمام المرآة لساعات عادة ما يتصور كيف سيكون رد فعل المشاهدين إليها، وعندما يذهب المراهقون سويا ويشكلون جماعة فيما بينهم ينتاب كل منهم إحساس بأنه ممثل لنفسه حيث إن المشاهدين ينظرون إليهم فرادا وليسوا جماعات. وتشير نتائج دراسة Elkind؛ "1967" أن النتيجة الطبيعية لهذه العلمية "المشاهد المتخيل" والتي يمكن أن تسمى بالأخلاق أو التلفيق الشخصي personal Fable حيث نجد المراهق دائما ما يشعر بأنه مركز انتباه الآخرين، ونجده يشعر بحب شخص خاص جدا, والمراهق الصغير عادة ما يشعر أن خبراته متفردة، كما أن أي شخص لم يخبر أحاسيس ومشاعر متساوية لما خبره هو, فقد نستمع إلى قول أحدهم مثلا "إنك لا تعرف كيف يكون شعور المرء عندما يكون في حالة حب" أو "أنك لا تعرف كيف أمقت هذا الشيء"، ما هي إلا تعبيرات نموذجية لاختلافات أو تلفيقات المراهق الشخصية, كما نجدهم في هذه المرحلة يعتقدون أن الأفراد الآخرين يكبرون ثم يموتون، إلا أن ذلك لن يحدث بالنسبة لهم، ويمكن أن يؤدي بهم شعورهم هذا إلى متاعب كثيرة، فالمراهق قد يشعر أنه لن يصبح مدخنا أو مدمنا إلا أنه يكتشف بأنه ليس حصينا أو ذا مناعة كما كان يعتقد. وتوجد عدة نتائج لتمركز الذات عند المراهقين يمكن إيجازها فيما يلي: 1- قد تعزى عملية التمركز جزئيا إلى قوة وسلطة جماعة الرفاق، فعادة ما نجد المراهقين يهتمون للغاية باستجابات الآخرين عن ذواتهم خاصة جماعة رفاقهم لدرجة أننا قد نجدهم يفعلون أشياء كثيرة والتي تتناقض مع تنشئتهم السابقة، وتتعارض مع ميولهم الخاصة العزيزة لديهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 2- كما أن أحاسيس ومشاعر المراهقين بأنهم في مرحلة نمائية معينة قد يساعدنا على تفسير بعض من مناوراتهم ودهائهم لجذب الانتباه إليهم، فعادة ما نرى في هذه المرحلة أنماط سلوك ونماذج ملابس غريبة وشاذة. 3- ونتيجة أخرى لتمركز الذات لدى المراهقين، فإننا عادة ما نلاحظ أن علاقات المراهقين التفاعلية الشخصية غالبا ما تكون ضحلة قليلة العمق وذات أمد قصير, كما أن نموذج ولع المراهقين غالبا ما يعزى إلى رغبة المراهق إلى عمل أي شخص كمثال له، والحقيقة التي يعزى إليها عدم دوام واستمرار النماذج التي تتخذ كمثال للمراهق إلى إدراكه بأنه لا يوجد كائن آدمي يعتبر كمثال حقيقي ولكننا نجده في فترة لاحقة يسعى إلى تكوين افتتان أو ولع جديد، وغالبا ما تبني الصداقة في هذه المرحلة وفقا للميول الذاتية أكثر مما تبنى على أساس الميول المتبادلة والاهتمامات المشتركة، فالفتاة الجميلة قد تصادق فتاة أخرى أقل منها جمالا وهنداما حتى تبرز عليها بالمغايرة كما أن الفتاة عادية الجمال قد تكون سعيدة مبتهجة بارتباطها بصداقة فتاة لافتة جذابة. وجدير بالذكر فعادة ما نجد في اتجاه نهاية فترة المراهقة الاخفاض التدريجي لهذا النمط من استخدام أو استغلال سمة التمركز حول الذات، فالمراهق يأتي إلى التحقيق إلى أن الأفراد الآخرين يفكرون عن ذواتهم ومشكلاتهم الخاصة أكثر مما يفكر فيه أو يفعله بنفسه، ومع انخفاض تمركز الذات عند المراهق يوجد تجديد للتفردية، بالإضافة إلى وجود حرية جديدة من الاتساقية لجماعة الرفاق حيث نجد العلاقات البيشخصية "التفاعلية الشخصية" تصبح مبنية على الميول المشتركة المتبادلة أكثر من الميول الذاتية والاختلاق أو التلفيق الشخصي حيث يدرك المراهق أن زملاءه وأصدقاءه يتقاسمون، ويشتركون معه في أحاسيس ومشاعر متشابهة وأيضا في تخيلات مشتركة، كما نجد المراهق عادة ما يصبح أكثر استرضاء للمجتمع أو استمالة إليه ولأسرته كذلك، وعادة ما يحدث ذلك بإنجاز بعض أنواع الأعمال الإنتاجية "الواقعية" والتي تكون بمثابة الجسر الذي يبنيه بين المثال والواقع، فالعمل المنتج يوحد الأفكار والأفعال ويمكن المراهق من النظر إلى المستقبل بدون يأس أو قنوط للحاضر, كما أنه تعتبر علامة انتقال من فترة المراهقة إلى فترة الرشد أي من الانعزال الشخصي إلى التكامل الاجتماعي كما أشار بذلك آريك أريكسون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 الهوية والقيم والاغتراب: إن الطلب الرئيسي لفترة المراهقة يتمركز في إيجاد إجابة عملية للسؤال التالي، من أنا؟ أو من أكون؟ who Am I? وعلى الرغم من أن الجنس البشري قد شغل بالإجابة عن هذا التساؤل في عديد من القرون، إلا أنه فقط منذ سنوات قليلة قد أصبح محط اهتمام وتركيز علماء النفس والتحليل النفسي، بالمراهق الذي لديه إحساس قوي وحقيقي عن هوية الأنا يرى نفسه كفرد متفرد مستقل، والحقيقة فإن كلمة فرد Individual كمرادف لكلمة شخص person تتضمن الحاجة إلى أن يدرك الفرد نفسه كشيء منفصل ومتفرد عن الآخرين، بغض النظر إلى أي مدى يشترك فيه مع الآخرين في دوافعهم وقيمهم واهتماماتهم، وكذلك الحاجة إلى الإحساس باتساق الذات الذي يؤدي إلى الشعور بالتكامل، وترتبط بصورة وثيقة بالحاجة لرؤية الفرد لنفسه كشيء مميز عن الآخرين, وعموما فعندما نتحدث عن تكامل الذات فإننا نشير إلى كلا من التميز أو التفرد عن الآخرين ووحدة الذات في ثمة تكامل عملي لحاجات ودوافع وأنماط الاستجابة لفرد ما, ولكي نصل إلى معنى واضح لهوية الأنا، فمن الضروري أن يدرك الفرد ذاته على أنها تتميز بالاتساق بمرور الزمن, فالفرد يحتاج إلى أن يكون على دراية بالاتساق الذي يربط بين ما كان بالأمس وما هو موجود اليوم. والفرد لكي يخبر التكاملية يجب أن يشعر بالاستمرارية المضطردة بين ما كان عليه أثناء فترة طفولته الطويلة وما سيكون عليه في المستقبل المتوقع، ويتضمن ذلك التساوق بين ما يدرك حقيقة ذاته وبين الطريقة التي يدركه بها الآخرون وما يتوقعونه منه، فإن أي تأثيرات نمائية يمكن أن تسهم في الإدراكات الواعية الواثقة بالنفس كشيء مميز ومنفصل عن الآخرين وكشيء متسق ومتكامل بصورة معقولة، وكشيء له استمرارية بمرور الوقت, كل ذلك يسهم بصورة كبيرة للمعنى الشامل لهوية الأنا, وبنفس الدليل فإن التأثيرات التي قد تعوق أيا من تلك الإدراكات الذاتية، تدعم ما أشار إليه أريكسون بانتشار الهوية Identity diffusion أو ما يفضل أريكسون استخدامه بتشتت الهوية، حيث يعني فشل الفرد في تحقيق التكامل والاستمرارية لصورة الذات. وقد تتباين المجتمعات في تحقيق الهوية والشعور بالقيمة للمراهق أو الشاب، فتؤكد البعض منها على نمو الفرد كفرد بدلا من كونه عضوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 في بعض الجماعات، وبالتالي تؤكد على الاعتماد على النفس والاستقلالية وفي مجتمعات أخرى يكون التركيز على تحقيق الهوية والشعور بالقيمة من خلال علاقات الصداقة الراسخة مع الآخرين ولكونه عضو في نظام اجتماعي راسخ. مشكلات الهوية في فترة المراهقة: يجد كثير من المراهقين أنفسهم يلعبون أدوارا تتغير وتتبدل من موقف لآخر، وقد ينتابهم القلق على "أي" من هذه المواقف يمثل ذواتهم بصورة حقيقية, كما يجربون بصورة واعية أدوارا مختلفة على أمل أن يجدوا واحدا من الأدوار ملائما ومناسبا لهم, ولقد سألت أحد المراهقين كان لديه أكثر من طريقة في الكتابة: لماذا لا تتخذ طريقة واحدة بدلا من تلك الطرق المتعددة؟ وكانت إجابته: كيف أكتب بطريقة واحدة فقط إلا عندما أعرف من أنا! وعموما فإن البحث عن الهوية يصبح جادا خاصة في هذه المرحلة من النمو، فالتغيرات التي تحدث أثناء سنوات الطفولة الوسطى, هي إلى حد كبير تدريجية ومنتظمة بدون تنقلات فجائية من يوم لآخر ومن شهر لآخر. والمراهق عموما يواجه عدد كبير من التغيرات النفسية والجسمية والجنسية المتشابكة، ويواجه أيضا بمتطلبات عقلية واجتماعية ومهنية جديدة ومتنوعة, ومما لا يدعو للدهشة، فإن المراهقين يهتمون بالكيفية التي يظهرون بها في عيون الآخرين بالمقارنة إلى ما يعتقدونه في أنفسهم، ويهتمون كذلك بالتساؤل عن كيفية الربط بين الأدوار والمهارات التي شربت لهم مبكرا ومطالب المستقبل, وعموما فإن التوصل إلى معنى محدد لهوية الفرد يعتمد -إلى حد ما- على قدرة المراهق على تصور ذاته بصورة مجردة، فالقدرة على التفكير الصوري تساعد المراهق في بحثه عن "هويته" ولكنها في نفس الوقت تزيد من صعوبة ذلك البحث وتلك الأشكال المعرفية ليست في جوهرها متناقضة، ولكنها مكملة لحاجات المراهق لكي ينمي إحساسا بهويته؛ لأنه من خلال العلاقات الممكنة التي يمكن أن يتصورها المراهق نجده يعمل سلسلة من الاختبارات الدقيقة لتعهداته الشخصية، المهنية، الجنسية، والأيديولوجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 التباين في تكوين الهوية: كنا نناقش تكوين الهوية كما لو كانت موحدة بصورة نسبية، فإما أن ينجح المراهق في تكوينها أو يفشل، والحقيقة فإن الموضوع أكثر تعقيدا وتركيبا من ذلك, فأنماط تكوين الهوية قد تتباين بدرجة كبيرة بين مجموعة معينة من المراهقين، أو مجموعات من المراهقين، نتيجة لعديد من التأثيرات تتراوح من علاقات الوالدين بالطفل إلى الضغوط الثقافية، أو ضغوط الثقافات الفرعية بالإضافة إلى معدلات التغير الاجتماعي, ففي المجتمع البدائي حيث يوجد فقط عدد محدد من الأدوار الممكنة للمراهقين، وحيث أن التغير الاجتماعي الذي يحدث يكون طفيفا من جيل إلى آخر، فإن تكوين الهوية قد يكون مهمة سهلة نسبيا يمكن إنجازها بسرعة، وعلى النقيض من ذلك ما يحدث في المجتمعات المتقدمة سريعة التغير، حيث يوجد عديد من الاختيارات والفرص حينئذ قد يكون تكوين الهوية مهمة عسيرة وطويلة، وحتى داخل نطاق مجتمع معين فإن الهويات قد تكون متماثلة أو متغايرة، فالفرد قد يبحث عن الأدوار الشخصية والاجتماعية والمهنية التي من المتوقع أن تدعم بواسطة المجتمع, والبحث عن الهوية قد يحدث ويتبلور في فترة مبكرة أو يمتد إلى ما لا نهاية، ولقد عبر أريكسون عن ذلك بقوله: إن بلورة الهوية عبارة عن تعطيل في عملية تكوين الهوية، فإنها تثبت غير ناضج لصورة الذات عند فرد ما، ولهذا فإنها تتداخل مع نمو قدرات وإمكانات أخرى لتحديد مفهوم الذات لدى الفرد، وبالتالي نجد الفرد لا يظهر كل ما يستطيع أن يكون عليه، فالمراهقون الذين يواجهون بعدد كبير جدا من الاختيارات يمرون خلال فترة طويلة باختلاط أو تشوش هويتهم عندما لا يستطيعون أن يقرروا من هم؟ وماذا يريدون أن يكونوا عليه؟ وفي بعض الحالات، نجد أن مشكلة تحديد الهوية تحل إلى حد كبير عن طريق عدد من المحاولات والخطأ، وقد ينتج أحيانا هوية ليست محددة بوضوح واتساق وتتسم بالكلية فقط ولكنها أيضا تتسم بالجدية والغنى والتنوع في مصادرها, وفي بعض حالات أخرى نجد الفرد لا ينمي إحساس محدد واضح لهوية الأنا، وبالتالي تظهر لديه أزمة مرضية طويلة للهوية، ولا يحقق أي ولاءات أو ارتباطات متناسقة, وتدعم الدراسات ذلك, إذ تشير أن كثيرا من المراهقين والشباب الذين يعانون من انتشار أو خلط لهويتهم، عادة ما يكونون غير راضين عن طريقة آبائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 في الحياة، كما أننا لا نجد واحدا منهم يستطيع أن يكون إيجابيا في تكوين حياة خاصة به. وعموما فإن هذه التباينات في تكوين الهوية قد تظهر بين كثير من المراهقين في عصرنا الحديث، والرأي العام الشائع يشير إلى أن فترة الخلط والتشوش الحادة في التعرف على الهوية تتميز باضطرابات وتغييرات انفعالية مفاجئة، وهذا ما يميز هذه الفترة العصبية أو الحادة لتشوش الهوية وبالتالي تعوق التعرف على الذات, وجدير بالذكر فإن الدلائل المادية ونتائج الدراسات تشير إلى أننا نميل إلى المبالغة في ترديد مدى خطورة أزمة الهوية بين الشباب. علاقات الوالد بالمراهق وتكوين الهوية: إن بناء مفهوم ثابت للهوية قد يصبح ميسورا وسهلا بواسطة عدد من العوامل أو العناصر، إن العلاقة المكافئة بين الطفل أو المراهق وكل من الأبوين، فالأب من نفس الجنس الذي يقدم نموذجا شخصيا واجتماعيا مؤثرا, والذي يجده الطفل أو المراهق مكافئ للهوية، والأب من الجنس المخالف الذي يكون مؤثرا ويظهر تأييده للنموذج المقدم عن طريق الأب من نفس الجنس، فإن الشاب أو المراهق الذي ينشأ في مثل هذه البيئة عادة ما يكون لديه إدراك إيجابي ومحدد لذاته، ويكون أقل ميلا في أن يواجه صراعات في إدراك ذاته والمتطلبات الداخلية للاقتراب من النضج الجنسي والمتطلبات الخارجية للمجتمع. وتشير الدراسات النفسية أن المراهقين الذين أعطوهم آباؤهم الرعاية الكافية، يدركون أنفسهم بأن لديهم أدوارا متسقة بصورة كبيرة إذا ما قورنوا بهؤلاء المراهقين الذين لم يعطوا الرعاية الكافية من قبل والديهم, حيث يرون أنفسهم كأنهم يستجيبون بطرق متشابهة مع والديهم وأصدقائهم ومعارفهم, كما أن شعور المراهق بهوية الأنا قد يكون قويا عندما يكون سلوك كل من الوالدين تجاهه متسقا، وعندما ينظر إلى الأب على أنه قوي ولكن يتسم بالود والمحبة، ويمارس ضبطا معتدلا، وعندما تدعم الأم عملية تقمص الابن لأبيه، كما أن تجنب الأم أن تكون من النوع المتطفل أو الملح في طلب الأشياء يدعم هذه العملية عند الأبناء، وقد أشارت الدراسات كذلك أن مركز هوية الأنا، والتغيرات في المكانة أو المركز تتغير وتتنوع بالصورة التي يتم فيها الاستقلال عن الأسرة، وكذلك درجة تركيب وتعقيد المستوى الثقافي والاجتماعي العام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 نموذج الجنس والهوية الجنسية: إن السلوك الملائم للذكور والإناث لا يحتاج إلى التطابق الصارم لمقولبات وأدوار الجنس التقليدية التي لا تتغير، كما أن الهوية الجنسية لفرد ما والتي تمثل في التقبل الانفعالي لطبيعة الفرد البيولوجية كذكر أو أنثى تبدأ في فترة مبكرة من الحياة، وتعتبر مكونا هاما في إدراك الفرد لهويته الشخصية, وتناقضات الهوية الجنسية قد تخلق مشاكل جوهرية في نمو معنى محدد ومكافئ لهوية الأنا, ويجب أن نميز في هذا المقام بين الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، فالأشخاص ذوو الجنسية المثلية سواء من الذكور أو الإناث ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ينتمون إلى نفس جنسهم البيولوجي، على الرغم من أن انجذابهم الجنسي موجه إلى حد كبير إلى أفراد من نفس جنسهم "وهذا بالطبع ليس هو الشأن مع هؤلاء الأفراد الذين يريدون التحويل الجنسي الحقيقي، حيث ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أعضاء من الجنس المناقض لجنسهم، إلا أنهم لسوء حظهم صبوا في قالب جسمي غير مناسب لهم. وعموما، فإن الهوية الجنسية الموجبة -كالهوية الكلية- تدعم عن طريق تقديم نموذج للتقمص من الأب من نفس الجنس، ويدعم هذا التقمص من الأب من الجنس الآخر، إلا أننا يجب أن نؤكد هنا أن التطابق مع الأب من نفس الجنس، ونموذج دور جنس هذا الأب لا يعني بالضرورة تبني أدوار جنسية تقليدية ثابتة، والنمو النسبي لصراع الهوية الجنسية الحر "كما ميزت عن الأدوار الجنسية التقليدية"، فإن الأشكال الخارجية التي يتخذها سلوك الدور أقل أهمية إذا ما قورنت بنوع التقمص الأبوي الذي يبنى على أساسه، وعلاوة على ذلك فإن سلوك الدور يمكن أن يتنوع بصورة كبيرة طالما كان مشتقا من الطبيعة البيولوجية كذكر أو أنثى، فالمراهقة التي تتطابق مع أم تقليدية، والفتاة التي تتطابق مع أم تتسم بالتوكيدية لذاتها والعقلانية بدرجة كبيرة قد يحققان صراعا حرا "أي صراعا سويا" Free Conflict نسبيا في عملية التوافق وإحساسا قويا بهوية الأنا، ومن ناحية أخرى فإن الفتاة التي تبني دور سلوكها الجنسي على أم نابذة رافضة لهويتها البيولوجية الحقيقية "مثلا ترفض طبيعتها الجنسية، أو قدرتها على حمل الأطفال، أو التي تتسم بالعدوانية لأعضاء جنسها أو الجنس المخالف لها" قد تجد صعوبة في بناء مفهوم ثابت وآمن لهوية الأنا. وتشير نتائج الدراسات في هذا المجال إلى الأهمية الأولية للنمو داخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 أسرة متفاعلة حانية وحسنة التكيف النفسي، حيث يقدم كل من الأبوين نماذج لمستويات القيم الأساسية، حيث يقدم الأب من نفس الجنس شكلا مكافئا للتطابق, ففي هذا الجو -حتى وإن كانت أدوار الجنس الأبوية تقليدية إلى حد ما- نجد الأطفال والمراهقين لا ينمون أنماطا واتجاهات لأدوار الجنس مبالغ فيها أو نكوصية، ولا ينمون نقائض لدور الجنس، مجسما للأشكال الأكثر سلبية وغير المناسبة للنماذج التقليدية من الجنس الآخر, وعموما فإن هذا الجو العائلي الصحي، عادة ما نجد الذكور والإناث لأبوين يتسمان بالمرونة، والنمطية أو الصرامة الأقل لأدوار جنسهم, يتسمون بالأمن وأقل اضطرابا في نمو هويتهم الشخصية. جملة القول فإننا يجب أن ننمي لدى المراهق الميل للتوكيدية والاعتماد على نفسه والاعتداد بذاته ويجب أن يكون المراهق قادرا على أن يرتبط بأناس آخرين، وأن يكون حساسا لحاجاتهم وأن يكون مهتما بمساعدتهم بالإضافة إلى تقبل المراهق للمساندة العاطفية، وبالتالي فإن الهدف النهائي لأي عملية تنشئة أسرية يجب أن تسمح للمراهق أن ينمي ذاته ويحققها وبالتالي ينمي مواهبه كإنسان وذلك بالاتساق مع حقوق الآخرين. نمو الأخلاق والقيم: فترة المراهقة -أكثر من أي فترة أخرى في حياة الإنسان- تركز الاهتمام على الأخلاق والقيم والمعايير، كما أن قدرات المراهقين على التأمل والتفكير تدعم الوعي الكبير بالأسئلة والاستفسارات المرتبطة بالقيم والأخلاق, ومن جانب آخر فإن المطالب التي تلقي عن طريق المجتمع على كاهل المراهق متغيرة بمعدل كبير، وهذا في حد ذاته يتطلب منه إعادة تقييم مستمر للقيم والمعتقدات الأخلاقية خاصة في عصرنا الحديث في مجتمع مليء بالضغوط المتصارعة المتناقضة، وقيم كقيمنا, وتحت هذه الظروف، فإن مشكلة تنمية شعور محدد قوي بالهوية لا يمكن فصله عن مشكلة القيم، فإذا أردنا للمراهقين أن يحققوا بعضا من الثبات في تصورهم لذواتهم، وأن يتحلوا بالموجهات الداخلية للأفعال وسط عالم متغير، يجب بالتالي أن يكونوا مخلصين لبعض القيم الأساسية، على الرغم من أنهم قد يضطرون لاعتناق طريق جديدة لتحقيق هذه القيم لكي تواجه الأوضاع المتغيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 وكما أشار إريسكون Erikson، أنه بدون تنمية القدرة على الإخلاص، فإن الفرد إما أن يكون لديه، "أنا ضعيفة Weak Ego وإما أن يرتبط في أحضان مجموعة منحرفة معلنا إخلاصه وولائه لها. النضج المعرفي والنمو الخلقي: يصبح التفكير الأخلاقي التقليدي بارزا في فترة المراهقة، وذلك كلما اقترب من مرحلة العمليات الصورية، ويعني ذلك التوجه إلى خصائص المراهق الطيب، ويدرك المراهق أن السلوك القويم "الحسن" هو الذي يرضي الآخرين ويدعم بواسطتهم، وبالتالي نجده يسعى لكي يكون لطيفا مهذبا مع الآخرين حتى يحظى بالتقبل منهم، وقد يتسع هذا الاتجاه ليشتمل التكيف نحو السلطة والمبادئ الثابتة، وتدعيم النظام الاجتماعي، فالسلوك القويم يتكون من عمل الواجب، وإظهار الاحترام للسلطة، والحفاظ على النظام الاجتماعي لذاته، وبالتالي فإن اهتمام المراهق في هذه المرحلة لا يكون منصبا على كيفية الاتساق والتوافق مع النظام الاجتماعي, ولكن أيضا يتسع إلى كيفية الحافظ وتدعيم وتبرير قيام هذا النظام، وعموما فإننا نجد مع بداية مرحلة المراهقة، ونمو التفكير الإجرائي الصوري يميل المراهق إلى الوصول إلى مراحل ما بعد المرحلة التقليدية للنمو الخلقي، والتي تتسم بدفعة قوية نحو المبادئ الأخلاقية المجردة التي يمكن أن تطبق في كل زمان وكل مكان، وليست مقصورة على مجموعة اجتماعية معينة. وقد يكون المراهق -عند هذه النقطة- غير قادر على تبني وجهات النظر بدون توجيه استفسارات عن المعتقدات الاجتماعية أو السياسية لوالديه، مع الاعتقاد بالتفرد لشعوره بأن أبوابه لديهما معتقدات خاصة ويعتقد المراهقون بأن كل الأشخاص الذين يفكرون بطريقة صحيحة يجب عليهم بالضرورة أن يشاركوهم معتقداتهم أي معتقدات آبائهم، كما أنهم "المراهقون" يفكرون في السلوك الأخلاقي في ارتباطه بالحقوق العامة والمعايير التي اتفق عليها ورسخت في المجتمع, وينشأ عند المراهق أيضا مبدأ جديد هو نسبية القيم والآراء الشخصية والتأكيد المتسق على القواعد الإجرائية للتوصل إلى الاتفاق الجمعي في الرأي. وكلما تقدم المراهق في مدارج النمو، كلما ازداد توجهه نحو الاهتمامات الداخلية وازداد بالتالي ضمير الفرد، فقد يصبح أقل توجها نحو الآخرين، وأكثر توجها نحو الداخل، إلا أنه ما يزال مفتقدا للمبادئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 العقلية أو العامة الواضحة, وبينما نجد العديد من المراهقين لا يتعدون نطاق هذه المرحلة إلا أن البعض قد يستمر في التقدم لتحقيق ما رآه كولبرج Kohloberg على أنه أعلى مرحلة للتفكير الأخلاقي، والتي نجد فيها الفرد يبذل جهدا لصياغة مبادئ أخلاقية مجردة تحتكم إلى القدرة المنطقية على الفهم والعمومية والاتساقية، فعلى سبيل المثال فقد يكون الاعتقاد في قدسية الحياة الإنسانية مبني على أساس أنها تمثل قيمة عامة لاحترام ذاتية الفرد، فإن مثل هذه المبادئ لا تبنى فقط على الاستحسان أو التصديق الاجتماعي ولكنها بالأحرى لا تبنى فقط على الاستحسان أو التصديق الاجتماعي ولكنها بالأحرى تعتمد على مدى اتساقية المعايير الخلقية الداخلية، والفرد ذو المبادئ يتطابق مع هذه المبادئ حتى يتجنب إدانة أو تجريم ذاته, فعندما نسأل المراهق، عما إذا كان يحق للزوج سرقة الدواء غالي الثمن ويباع في السوق السوداء من تاجر الأدوية المستغل، وذلك لكي ينفذ حياة زوجته, فقد يجيب المراهق ذو ستة عشر ربيع أن الزوج طبقا للقانون الوضعي قد فعل شيئا خاطئا ولكن طبقا لقانون الطبيعة أو القانون الديني فإن تاجر الأدوية خاطئ، والزوج معذور بما أقدم عليه، والحياة الإنسانية أسمى من الكسب المادي، فبغض النظر عن الإنسان الذي يشرف على الموت، وإن كان غريبا فإن واجب الإنسان أن ينقذه من الموت, وعموما فلقد أظهر الشباب فوق السادسة عشر تفكيرا واضحا يلتزم بالمبادئ الأخلاقية، وكانوا قادرين على التفكير الصوري، فالوصول إلى مرحلة ملائمة من القدرة على التفكير والتأمل تكون ضرورية، إلا أنها ليست شرطا كافيا للوصول إلى المرحلة الخلقية المثالية أو المتطابقة. لقد كان تأكيدنا الرئيسي -حتى هذه المرحلة- على العوامل التي تجعل المراهق أكثر حساسية في تساؤلاته المرتبطة بالقيم الأخلاقية والتي تؤثر في صقله، وبالتالي يصبح قادرا على تصور وتفهم المشاكل الأخلاقية، إلا أنه يوجد جانب آخر لهذا النمو الواسع لموضوع القيم يتركز في الكيفية والطريقة التي ينعكس فيها التفهم المعرفي على السلوك، فالشخص قد يكون في استطاعته تصور وتفهم الموضوعات الأخلاقية المعقدة والمركبة، وأن يكون لديه المنهج أو الطريقة الأخلاقية الصحيحة التي سوف يسلك تبعا لها، ولكنه قد لا يستطيع أن يسلك بطريقة متسقة متناغمة مع هذا المنهج أو الطريقة، ففي إحدى الدراسات وجه سؤالا لبعض الأطفال والمراهقين مؤداه لماذا يجب على الناس اتباع القواعد؟ وبعد ذلك وجه إليهم سؤال، لماذا تتبع أنت المبادئ؟ ففي الإجابة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 السؤال الأخير أظهر معظم الأطفال والمراهقين تباينات في الإجابة على السؤال الأول عن السؤال الثاني، حيث أظهروا مستويات بداية خلقية على الرغم من أنهم قادرون من الناحية العقلية على تفهم الأسباب العليا المرتبطة بذلك، فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن 3% فقط من المراهقين قالوا إن الناس يجب أن يتبعوا القواعد حتى يتجنبوا النتائج السالبة إلا أن 25% قالوا أنهم شخصيا سوف يفعلون ذلك "أي يتبعوا القواعد". إن بعض المراهقين قد يظهروا درجة معقولة من التمسك بالمبادئ الأخلاقية حتى تحت ظروف الإكراه بالتهديد، بينما آخرون قد يستسلموا وبسرعة إلى الإغراء أو إلى ضغط الجماعة، كما أن البعض الآخر ينقاد خوفا من التهديد بالعقاب الخارجي بدلا من أن تتحكم فيه المعايير الداخلية, وبإيجاز فإن المعرفة وحدها وحتى المعلومات المركبة للمعايير الأخلاقية واستخدامها كموجهات قوية للسلوك بالرغم من الضغوط المتصارعة، يعتمد إلى حد كبير على طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء السابقة والحالية, فالآباء الذين يتسمون بالدفء والعاطفة يقدمون نماذج حسنة من السلوك الأخلاقي لأطفالهم، والتي تعتمد ممارساتهم النظامية أساسا على الاستقرار, فالمناقشة مع الطفل وتزويده بتوضيحات عن القواعد أو المعايير، يكونون أكثر احتمالا في أن يصبح أولادهم أكثر نضجا في نموهم الخلقي، كما يحدث لديهم استدخال للمعايير الأخلاقية الذاتية، إن مثل هؤلاء الآباء عادة ما يقدمون التوضيحات أو الأسباب في حالة سؤالهم الطفل أن يؤدي أنماطا معينة من السلوك كتوضيح الحقائق العملية لموقف معين، أو كيف يكون السلوك غير المناسب ضارا لكل من الطفل والآخرين، هؤلاء الآباء يمكنهم جعل طفلهم أكثر كفاحا وتوقا للوصول إلى النضج. إن الوالد المتفهم الحاني على الطفل لا يسهم فقط في تنمية التقمص الأبوي الإيجابي، ولكنه أيضا يساعد على تدعيم صورة الأب بأنه شخص محب وغير متسلط كما يزود هؤلاء الآباء أطفالهم بالمصادر المعرفية ليحكم الطفل على أنماط سلوكه، جملة القول أن الآباء ذوي السلطة الذين لا يتسمون بالاستبداد والفوضى والتساهل والإهمال يسهمون في النمو الخلقي والأحكام الخلقية عند أبنائهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 المتطلبات الاجتماعية المتغيرة: عادة ما نجد المراهقين على نقيض الأطفال الصغار، يجب أن يقوموا بعمل اختيارات هامة، ماذا يدرسون؟ وما نوع تلك الدراسة؟ وما نوع الشخص الذي يريدون مصادقته ... إلخ. وجدير بالذكر فإن مثل هذه الاختيارات لا يمكن أن تؤدى منفصلة عن القيم الشخصية، فإذا كان المراهق قد حدث توجه أساسي له نحو مساعدة الآخرين، فقد يختار مجرى مختلفا عن مراهق آخر يركز على وضع قيمة أكبر على النجاح المادي أو الملموس، كما أن المراهق الذي يؤمن بالحرية والاستقلالية، يختلف اختياره عن مراهق آخر مهتم بصورة كبيرة بالأمن والأمان. القيم الخلقية والصراعات النفسية الداخلية: لا يمكن أن يؤخذ المراهقون المهتمون بالقيم بصورة دائمة لكي يمثلوا القرارات المنطقية العقلية التي توصلوا إليها، فغالبا ما يختار المراهقون القيم وفقا لأسباب داخلية، وقد يحدث كثيرا لأسباب لا شعورية, فقد يكون الانشغال بمشاكل الحرب والسلام الخلقية -على سبيل المثال- نابعا من اهتمامات عقلية لهذه الأمور الهامة, إلا أن هذه الاهتمامات قد تعكس أيضا الصراع بكونه قادرا على التعامل مع الدوافع العدوانية القوية والتي قد ترتبط وتكون مصاحبة لفترة المراهقة -خاصة لدى المراهقين الذكور- وبالقياس فإن الفتاة المراهقة قد تنمي فلسفة عقلية سامية "للحب الحر أو الطليق Free Love" أساسا كطريقة لإعادة تأكيد ذاتها في ألا تشعر بالذنب فيما يتعلق بحوافزها الجنسية, والصراعات مع الآباء حول القيم الأخلاقية والسياسية والمعتقدات قد تعكس الجهود المبذولة من قبل المراهق لتكوين هوية مستقلة أو التعبير عن السخط العميق تجاه الآباء المتسلطين غير المبالين, وأخيرا فإن الانشغال الزائد بالقيم والمعتقدات الأخلاقية والتي تميز الكثير من المراهقين، قد يكون لها جذور للنمو العقلي الممتد إلى المطالب الاجتماعية المتزايدة، والمتناقضة دائما، وكذلك في الاهتمامات والصراعات النفسية الداخلية غير الواعية. النمو المعرفي والمعتقدات الدينية المتغيرة: تعكس المعتقدات الدينية للمراهقين أيضا النمو المعرفي المتزايد، فقد تصبح تصبح معتقدات المراهق الدينية أكثر تجريدا وأقل مادية، فيما بين عمر 12 و18 سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 نمو الأفكار السياسية: عادة ما يكون المراهق غير قادر على المناقشة والحوار السياسي المعقد، وغالبا ما يصمت في كثير من الموضوعات عندما لا يكون الصمت مستحبا، عندئذ فإن البساطة والبدائية تكون موضوعا للخيالات أو الأهواء, وبالتالي يكون غير قادر على الجدل والمناقشة في مجال الأفكار السياسية. وبنهاية فترة المراهقة يحدث تغير فجائي بصورة ملحوظة، كما يمكن للراشدين أن يدركوا مدى التقدم الذي حدث في تفهم المراهق للعالم السياسي حيث يحدث في أثناء فترة المراهقة تحول ذو مغزى في اتجاه المراهق نحو التفكير السياسي المجرد، كما يحدث ازدياد في قدرة المراهق لتنمية أيديولوجية سياسية ذات تناسق معقول، فعلى سبيل المثال عندما نوجه للمراهق أسئلة حول الأفراد الخارجون على القانون نجد أغلب المراهقين يؤدون العقاب وإذا لم يجدي ذلك فإنهم يشيرون بالعقاب الأكثر، وعلى النقيض من ذلك قد نجد الشباب الأكبر سنا عادة ما يكونون أكثر اهتماما بحقوق الأفراد، ويفكرون في الحلول البديلة للعقاب كالإصلاح وإعادة التأهيل، كما يستفسرون أيضا عن مدى جدوى وعدالة القانون، أو العادات المنحرفة, ويميزوا بين السلوك العفوي والسلوك القصدي، ويشيرون إلى أن الأعمال غير القانونية قد تكون عرضا لجذور مشاكل أساسية، فقد يجيب طفل الثانية عشر على ثمة سؤال مؤداه ما الغرض والهدف من القوانين؟ بقوله: إذا لم يكن لدينا قوانين فإن الناس قد يقتل بعضهم البعض، وعلى نقيض من ذلك نجد شاب في السابعة عشر من عمره يجيب على نفس السؤال السابق بقوله: إن القوانين تعتبر الخطوط الرئيسية المرشدة للناس. الاتجاهات الشائعة في قيم المراهقين: إن الخطر الكبير الذي يكمن في مناقشة اتجاهات القيم والأنماط السلوكية للمراهقين في علاقاتها بالتغير الاجتماعي، هو ما يحدث لدينا من التعميم الزائد أو المفرط, ففي منتصف وأواخر الستينات سمعنا وقرأنا عما يسمى بالثورة في قيم المراهقين والشباب، والذي أطلق عليهم بالثقافة المضادة Conuter Culture حيث كانت قيمهم ومعتقداتهم وأنماط حياتهم مختلفة بصورة كبيرة عما لدى الكبار والراشدين، لدرجة أن حدثت هوة جيلية عميقة كانت حتمية وتطورت في نهاية الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وجدير بالذكر فإن السنوات العشر البادئة من أوائل الستينات قد أحدثت تغيرات هائلة في قيم وسلوك العديد من المراهقين والشباب في كثير من المجتمعات الأوروبية والعربية، وأصبحت بعض الأقليات من الشباب إلى حد كبير متحررين من وهم المجتمع والذين طالما نظروا إليه على أنه غير عادل قاس عنيف سطي وشديد النقد لهم وغير إنساني لدرجة بعيدة أو بالمعنى الواسع رأوه مجتمعا لا أخلاقيا, وبالتالي استجابوا لهذه المجموعة من الظروف بطرق متنوعة فالبعض جارى الهيبز في مسلكهم وبالتالي أصبحوا يتسمون بالانفصال الاجتماعي، بينما بذل آخرون جهودا مضنية لكي يبدءوا ويحدثوا أو يؤثروا في التغير الاجتماعي والتي أدت إلى الإسراع بالاضطرابات السياسية في تلك الحقبة. ولقد أخطأ كثير من الملاحظين في هذه الفترة ليس فقط في الدقة اللازمة للتعرف على التغير الاجتماعي الكبير في القيم والمعتقدات والسلوك بين الشباب والمراهقين ولكن بالإضافة إلى ذلك تجاهل مدى تلك التغيرات. سواء من الناحية الكمية أو الكيفية لها وكذلك في المظاهر الفجائية لهذا التغيير. الاغتراب: بلغ مفهوم الاغتراب ذروته في الاستخدام الشائع أثناء الستينات، عندما استخدم لتفسير الأحداث سواء مظاهرات الطلبة وعمليات الشغب الداخلية، إلى التزايد في استخدام المخدرات والتوسع في حركات الهيبز التي حدثت في الدول الأوروبية وأمريكا. إن مصطلح الاغتراب قد يعني الكثير ويشير إلى أن شيئا ما خطأ قد حدث بالفعل ويشير إلى فقدان أو غياب العلاقة المرغوب فيها, وما لم نستطع تفسيره: كيف يغترب المراهقون والشباب ولماذا؟ وكيف تنمو ولاءات الفرد لمجتمعه وكيف تضعف؟ كيف يفقد الفرد هويته ولماذا؟ وكيف يحاول الفرد أن يتفاعل مع الاغتراب؟ إن لم نستطع الإجابة عن هذه التساؤلات السابقة، نكون قد بعدنا عن تفهم مراهقينا وشبابنا. اغتراب الفقراء والأقليات: إن الاغتراب لدى الأقلية والفقراء الذين يعانون من الحرمان الاقتصادي والتمييز العرقي نجده مفروض بواسطة المجتمع على هؤلاء الأفراد، فهؤلاء الشباب يمنعون عن طريق ميلادهم وبواسطة التمييز من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 المشاركة في المجتمع، فالغالبية العظمى من هذه المجموعات Disadwantaged Groupes "كالسود والمكسيكيين والهنود الأمريكيين" ولدوا في ثقافة الفقر، وقد يكون هؤلاء الشباب مغتربين عن ثقافة وطنهم، وبالتالي ينمو لديهم عدم الثقة بذواتهم وعدم تقديرهم لذواتهم، وتكوين الهوية السلبية وبالتالي الاغتراب عن الذات. الاغتراب بين الشباب صاحب الامتياز: وعلى نقيض اغتراب الفقراء وضحايا التمييز السلالي أو العرقي، والذي يفرض من المجتمع نجد نوعا آخر من الاغتراب قد أصبح واضحا في السنوات الأخيرة وهو الاغتراب بين شباب الطبقة الوسطى والعليا في المجتمع وعموما توجد تباينات في مصادر اغتراب هؤلاء الشباب، فبالنسبة للبعض منهم نجد أن جذور اغترابهم قد اشتقت من أنواع خاصة من الخبرات النمائية مثل العلاقة المضطربة بين الأب والابن، والتي قد تسبب الاغتراب كثيرا، وبالنسبة للبعض الآخر نجد أن السمات الخاصة للمجتمع والصراعات لعبت دورا بارزا في ذلك، فأنماط الظلم أو اللاعدالة مثل الاضطهاد العنصري، والتمييز الاقتصادي انتهاء الحرية الشخصية والحرب, وقد يكون الاغتراب عميقا ومعوقا وقد يصل إلى رفض المجتمع ككل؛ لأن هؤلاء الشباب غالبا ما ينظرون إلى المجتمع بأنه مجتمع معادي خاصة بالنسبة لقيمهم الأكثر عمقا, كل ذلك يعني عدم الاعتراف بالمنافسة العنيفة القاسية، والإفراط في البحث عن المكانة، ولعب الدور على حساب الآخرين، واحترام السلطة التي بنيت على القوة بدلا من الأهلية أو الأخلاق, كما أن التقدم التكنولوجي والازدهار الاقتصادي الذي حدث في بعض المجتمعات قد طبقت بطريقة قاسية دون اهتمام بالتكاليف من حيث ارتباطها سواء بالجامعات الإنسانية أو نوعية البيئة, ولقد استجاب بعض الشباب بالاستمرار في العمل نحو التغيير في نطاق المجتمع، بينما ظل البعض متمسكا بالتغيير الكلي والجذري، بينما انسحب آخرون من المجتمع ككل، ويتضمن هذا الانسحاب أحيانا يأسا عميقا، لا مبالاة أو هزيمة بدون أي ارتباط بديل ليخفف من شعورهم بالاغتراب، ولقد عبر بعض الشباب عن ذلك بقوله: إن ما أفكر فيه لا يعتد به داخل المجتمع، إلا وأشعر بالإحباط بخصوص المستقبل، أنا أضيع وقتي، لا أذهب إلى أي مكان إلا وأشعر بعدم قدرتي على إنجاز الأشياء, وقد يتطرق البعض بقوله أن نظامنا الاجتماعي يجب أن يتبدل بالكامل، والبعض يعبر بأننا في مجتمع مريض، وأن الحياة التقليدية لا تطاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 المراهقون والمخدرات: انتشرت الحبوب المنشطة والمهدئة بين المراهقين في أوروبا وأمريكا في أواخر الستينات وبداية السبعينات، حيث كانت الوصفات الطبية مثل الفالويم Valium والليبروم Librium تستخدم على نطاق واسع كعلاج للتهيج أو الإثارة في هذه المجتمعات, كما عبر آباء هؤلاء المراهقين عن انزعاجهم بالنسبة للارتفاع السريع في استخدام المراهق الأوروبي والأمريكي لأنواع مختلفة من المخدرات خاصة المارجوانا Marijuana وحبوب الهلوسة، واستخدام هذه المخدرات والمنشطات ارتبطت بحركة الهيبز، وكان بعض المراهقين يرون أن في استخدامهم لهذه الأشياء يمثل تحديا مباشرا للقيم الرئيسية للمجتمع ويبعث ذلك إلى الضيق وعدم الارتياح لاغتراب جزء هام من شباب المجتمع, كما انتشر الهيروين والكوكايين والكودايين وما شابه ذلك من العقاقير المخدرة. إن هؤلاء المراهقين الذين يتعاطون هذه العقاقير عادة ما يكونون قلقون اجتماعيا ومضطربون نفسيا، وتشير نتائج الدراسات أن الاستخدام المفرط لهذه العقاقير ناتج عن الاضطراب النفسي والاجتماعي أكثر من كونه سببا لها, وقد يبرر البعض تعاطيه هذه العقاقير لكي يهرب من متاعب الحياة ومشاكلها، إلا أن التوافق الناتج عن ذلك عادة ما يكون معوقا مضطربا لأن هذه العقاقير لا يعلم متعاطيها مدى تأثيرها الضار ولا يدري كيفية التعامل مع الإحباط والمشاكل اليومية الناتجة عن تعاطيها. ولقد تبين في مسح أمريكي "1977" أن المراهقين الأمريكيين الذين يتراوح أعمارهم ما بين 12 و 18 سئلوا لماذا يستخدم الشباب الكحول والمخدرات، وكانت استجاباتهم التي اتسمت بتكرارية هي "أثر ضغوط جماعة الرفاق، التطابق مع جماعة الرفاق 29% الهروب من ضغوط الحياة والمجتمع 26%، قضاء وقت سعيد للشعور بالنشوة ومن أجل الطرب 15% وبسبب المشكلات المنزلية مع العائلة 11% ليكون هادئ غير انفعالي 10%، ولأسباب أخرى مثل تقليد الكبار والسأم والتمرد واللامبالاة من قبل الوالدين. وعموما فإن هؤلاء المراهقين الذين يستخدمون تلك العقاقير وبالتالي يعتمدون عليها، قد يشير ذلك إلى اضطراب انفعالي لديهم، ودرجات متنوعة من العنف وعدم القدرة على مسايرة مطالب المعيشة أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 لكي يجد معنى لهويته الشخصية, كما أن البعض يشير إلى أن هؤلاء كثيرا ما يظهرون مشاعر النقص، وعدم التقبل، العزلة العاطفية، الرفض الأبوي أو عدم المبالاة، وتقدير أقل للذات, وبالتالي شعروا بحاجة إلى إخفاء تلك المشاعر وراء دفاعات من التظاهر والبرود الذي تجلبه تلك المخدرات والعقاقير، كما أن بعض الشباب الذين استخدموا الكحول والمخدرات باستمرار منذ مرحلة المراهقة، اعترفوا بأنهم لم يعرفوا من قبل أي طريقة أخرى لكي يتعاملوا مع القلق والسأم واليأس والخوف من الفشل وفقدان المعنى والهدف. وبالتالي يجب أن يكون من الأهداف الرئيسية لأي برنامج إرشادي علاجي لهؤلاء الشباب هو التركيز على مساعدة المرهقين والشباب في تعلم كيفية التعامل مع مشكلاتهم الشخصية، وبناء صداقات حقيقية مع الرفاق وتعليمهم كيف يأخذون المتعة من الحياة ونشاطاتها، فالكثير من هؤلاء الشباب لا يعرف كيفية الحصول على المتعة بدون استخدام تلك المخدرات. كما أن المجتمع يقع عليه مسئولية تجاه هؤلاء المراهقين والشباب، فكثير من الشباب يواجهون المستقبل بدون أمل وقد يواجهون التمييز الاجتماعي، وظروف المعيشة القاسية، والأمرض الجسمية أو انهيار البيئة الاجتماعية مع عائلاتهم، فتحت هذه الظروف فإنه ليس بمستغرب أن بعض المراهقين أو الشباب قد يتوقفوا تماما عن البحث عن معنى ومفهوم لهوية الأنا، وبالتالي يلجئون إلى الهروب تحت ستار العقاقير والمخدرات التي قد تساعد على النسيان. الجنوح Delinquncy: يشير مصطلح الجنوح إلى الأفراد الصغار عادة ما يكونون تحت السادسة عشر أو الثامنة عشر الذين يتورطون في السلوك الذي يعاقب عليه القانون, وجدير بالذكر فإن مصطلح الجنوح في جوهره مصطلح قانوني بالإضافة إلى كونه مصطلح نفسي، فإن ما يعتبر حدثا في وقت وزمان معينين قد يكون مدانا قانونيا في وقت ومكان آخر, والجنوح ليس ظاهرة جديدة فقد أشار إليها كثير من الفلاسفة اليونان والمسلمين وأيضا فلاسفة العصر الحديث، وقد تكون نسبة الجنوح بين الذكور أعلى من نسبتها لدى الإناث كما أن الجنوح عند كل منهما يختلف فالجانح قد يتضمن سلوكه عدوانية أكبر كاللامبالاة والسرقة والسلب والنهب أما الأنثى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 فتميل إلى ثمة أنماط سلوكية كالهروب من المنزل والفساد وعموما فإن مخالفات الذكور عادة ما تعلو مخالفات الإناث في هذا المضمار. التغير الاجتماعي والحرمان والجنوح: قد يعزو البعض الارتفاع الملحوظ في الجنوح إلى التغيرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع، فالتقدم المادي والصناعي وبالتالي التفاوت في الطبقات الاقتصادية قد يتبعها تمزق في الأنماط الثقافية والروابط العائلية، وعدم التنظيم الذي يحدث في كثير من العواصم ونقصان الشعور الواضح بالهدف والمعنى والاهتمام بالمشكلات الاجتماعية وعموما فإن نتائج الدراسات النفسية والاجتماعية تشير إلى أن اضطرابات المراهقين والشباب عادة ما تكون أكثر احتمالات للحدوث عندما يتزايد الشعور الاجتماعي بالوحدة والغربة والتفكك الأسري. وقد يعن علينا سؤالا مؤداه لماذا يصبح مراهق معين جانحًا، بينما نجد مراهقا آخر يخضع لنفس الظروف البيئية ولا يصبح جانحا؟ فلقد أجريت عديدا من الدراسات الاجتماعية والنفسية للإجابة عن مثل هذا السؤال وغيره من التساؤلات المرتبطة بالشخصية الجانحة وقارنوا فيها بين الجانحين وغير الجانحين من حيث الخلفية الثقافية وخصائص الشخصية وعلاقات الأب بالابن في أعمار مختلفة، وأشارت النتائج أن الجانح اتضح أنه أقل ذكاء من غير الجانح، إلا أننا لا يمكن أن نرجع إلى انخفاض الذكاء في معظم حالات الجنوح، والنتيجة الأكثر أهمية من ذلك حيث اتضح أن الجانحين أكثر ميلا إلى التوكيدية الاجتماعية والجرأة والعدائية، والشكوكية، والتدمير، والتهور، وينقصهم التحكم في النفس وضبطها وكل هذه المفاهيم تعكس مفاهيم الذات المعاقة المضطربة ومشاعر عدم الكفاءة، والرفض العاطفي وإحباط الحاجات للتعبير عن النفس. ويميل الجانح أن يرى نفسه شعوريا ولا شعوريا، كسولا، سيئا، وتبعا لمفهوم الجانح عن ذاته يشعر بأنه غير مرغوب فيه غير محبوب وغير محترم من الآخرين، كما أن مفاهيم الجانحين عن أنفسهم عادة ما تكون مختلطة وغير واضحة، متناقضة، غير ثابتة، وتشير بعض الدراسات إلى أن التباينات بين الجانحين وغير الجانحين في السلوك الاجتماعي وخصائص الشخصية من المحتمل أن تظهر في صورة مبكرة من حياتهم على الرغم من أن السلوك الجانح الواضح قد لا يظهر إلا في وقت متأخر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 وبغض النظر عن طبقة الجانح الاجتماعية، ومعدل ذكائه، ومهنة والده، فإنهم قد اتسموا بعدم مراعاة شعور الآخرين، وأقل عدلا وإنصافا في تعاملهم مع الآخرين، أقل مسئولية، وأكثر تهورا، وأكثر عداء للسلطة، وأقل حبا وتقبلا من قبل نظراتهم وبالنسبة لأعمالهم المدرسية فإنهم كانوا أكثر ميلا للتشتت كثيري الأحلام -أحلام اليقظة- والجدير بالذكر فإن هذه المشكلات الاجتماعية والعملية كانت تعكس مشاكل عاطفية كامنة. علاقة الوالد بالابن الجانح: تشير الدراسات النفسية أن العامل الأكثر أهمية في جنوح المراهقين يتمثل في علاقات المراهق بوالديه، وتوضح هذه الدراسات التكنيكات. والوسائل المبكرة المنتظمة التي أخضع لها الجانحين، فعادة ما تكون صارمة متضمنة العقاب الجسمي، وذلك بدلا من المنافسة مع الابن بخصوص سوء تصرفه، وقد تتسم علاقة الأب والابن الجانح بالعدونية المتبادلة، وافتقاد الترابط الأسري والرفض الأبوي وعدم المبالاة أو فتور الشعور، وقد يكون آباء الجانحين ذووا طموحات مزدوجة للأبوة بالنسبة لأبنائهم، فقد يكونوا عدوانيين أو غير ميالين تجاه المدرسة، أو قد يكون لديهم مشكلات شخصية متنوعة خاصة بهم, وعموما فقد اتسم هؤلاء الآباء بالقسوة والإهمال والميل إلى توبيخ أطفالهم خاصة الذكور، كما اتصفوا بعدم الود والتعاطف تجاه أولادهم، وبالتالي فإن المراهق في هذا الجو الأسري قلما تكون له روابط وثيقة بأبيه وبالتالي يفتقد المثل الأعلى والقدوة في حياته. كما أن أمهات المراهقين الجانحين عادة ما يتسمن بالإهمال، وعدم القدرة على الإشراف لأطفالهن ومراهقيهن، والعدوانية واللامبالاة، ولا يتسمن بالعاطفة والود تجاه أولادهن, كما إن البيوت المنشقة المتصدعة أي التي فصل الطلاق فيها بين الزوج والزوجة وجد أنه عاملا هاما في جنوح الأطفال والمراهقين. وبمجرد أن يبدأ المراهقون أخذ الموعد مع الجنس الآخر فقد يجابهون بمشكلة أخرى وهي كيف يتعاملون معه، وتشير نتائج دراسات Berger & Simon؛ "1976" أن المراهقين عادة ما يخبرون الصراع فيما يتعلق بالأمور الجنسية فأي منهما "المراهقون أو المراهقات"، يجب عليه أن يبدأ في التعرف على الآخر، والمخاطرة التي يكتنفها رفض أحد الجنسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 إلى الجنس الآخر, وعموما فإن هذه الأمور عادة ما تتأثر بتوقعات جماعة المراهق من جهة، وكذلك بمعايير الآباء من جهة أخرى، وكلما كانت القيود الأخلاقية التي يحياها المراهق أكثر شدة وصرامة، كلما كانت محاولاتهم في استكشاف الجنس الآخر مشوبة بالقلق والتوتر، أو قد يفضح أمرهم أو يشعرون بالذنب في كونهم يفعلون شيئا منافيا للأخلاق العامة. وعندما نتأمل مصادر تعلم المراهقين للأمور الجنسية، ففي عام "1975" أشارت نتائج دراسة Thornburg أن ما يقرب من 40% من المراهقين الذين أجريت عليهم الدراسة اتضح أنهم قد حصلوا معلوماتهم الأولى عن الجنس من جماعة الرفاق، وما يقرب من 20% قد حصلوا من القراءة. والجدول رقم "4" يشير إلى هذه المصادر التي يستقي منها المراهق معلومات الأولية عن الجنس بالنسبة للذكور والإناث, ويتضح من هذه البيانات أن المراهقات يتلقون أغلب معلوماتهن عن الجنس من أمهاتهن أكثر مما نجد ذلك بالنسبة للمراهقين, وهذا يتضمن المعلومات التي تشير بها الأمهات إلى بناتهن عن نزول الطمث الأول، ويستطرد ثورنبرج أن بيانات دراسته لا تختلف كثيرا عن نتائج الدراسات التي أشارت إلى مصادر معلومات المراهقين والمراهقات عن الجنس منذ عشرين أو ثلاثين سنة مضت. جدول رقم "4" يوضح مصادر المعلومات الأولية عن الجنس بالنسبة للمراهقين والمراهقات "بالنسبة المئوية". إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 الجنسية والأمن والألفة: لقد وصف هاري ستاك سوليفان Sullivan؛ "1953" الضغوط والتوترات الجنسية الغيرية في مفهومه عن الحاجات المتفاعلة للجنسية والأمن والألفة، فتشير الجنسية إلى الحوافز الجنسية، كما يشير الأمن إلى الحرية من القلق، وتعزى الألفة إلى العلاقات القوية المشتركة بين الأفراد، ويشير سوليفان أن تعلم إشباع هذه الحاجات الثلاثة يشكل أهمية خاصة للنمو والتي تقوم في جوهرها داخل العلاقات والتفاعلات البيشخصية "بين الأشخاص", وذلك بدون حدوث الإهمال لأي من هذه الحاجات أو التصارع مع حاجات أخرى. الجنسية في مقابل الأمن: يشير سوليفان أن الشكوك الجنسية التي تبدأ في منتصف فترة المراهقة عادة ما تظهر صراعات بين الحاجة للجنس والحاجة إلى الأمن، فمعظم المراهقين قد يتعلمون التعامل مع الجنس بواسطة طريق لا تسبب لهم القلق، حيث يتم ذلك بالنسبة لأغلبهم في مجرى خبراتهم للالتقاء مع الجنس الآخر، ومع ذلك فإننا نجد المراهقين الذين يتسمون بعدم الأمان في التعبير عن حوافزهم الجنسية قد يتجنبون الجنس الآخر أو يسعون لبناء العلاقات الأفلاطونية وهي نماذج من العلاقات الأخوية مع الفتيات. وجدير بالذكر فإن الأشخاص التي تستمر معهم هذه الصراعات بين الجنسية والأمن أثناء مرحلة الرشد غالبا ما يميلون إلى عدم الزواج، كما أن تجمعاتهم عادة ما نجدها تخلو من العناصر النسائية. وأحد جوانب الجنسية والتي غالبا ما تسبب القلق بين المراهقين هي الاستمناء Masturbation "أو العادة السرية", وتشير نتائج دراسة Gagnon؛ "1970" أن ذلك قد يكون منتشرا بين مراهقي المدرسة الثانوية أكثر من انتشاره بين المراهقات، كما يشير الجدول رقم "5", ويعزى سبب ذلك إلى اختلاف نوعية الخبرة التي يخبرها كل من المراهقين والمراهقات عند البلوغ، فبالنسبة للذكور عادة ما نجدهم يميلون إلى التفكير بصورة أكبر في نضجهم الجسمي عن طريق النشاطات الجنسية المتنوعة في حين نجد الإناث يملن بصورة أكبر إلى التفكير الرومانسي والحب Gagnon & simon؛ "1972", وعلى الرغم من أن ما يقرب من 80% من الذكور موضوع الدراسة أشاروا إلى أنهم يمارسون العادة السرية مرتين أو أكثر أسبوعيا، إلا أننا يجب أن نشير أن عدد المرات ليس مهما بقدر ما يصبح المراهق منهمكا ومشغول البال بهذه العادة لدرجة أنه لا يستطيع أداء أي شيء آخر سواها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 جدول رقم "5" يوضح مدى تكرار الاستمناء أو العادة السرية بين تلاميذ وتلميذات المدرسة الثانوية إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وهذه النقطة سابقة الذكر تحتاج إلى بعض من التوضيح، فالاستمناء أو العادة السرية كانت وما تزال موضوعا من موضوعات المنع أو التحريم الديني، ومصدرا من مصادر الخوف، وكذلك الخوف من الضعف الشديد وفقدان حيوية الجسم, وكذلك التحذير العنيف الذي يشير بأن فاعلها سوف ينتهى به الحال إلى الجنون، فبهذه الخرافات والتحذيرات التي تكتنف هذه العملية، ومع محاولة منع الآباء مراهقيهم من إتيان هذه العادة السرية فإن كثيرا من أجيال المراهقين قد عانوا من الشعور بالذنب والقلق تجاه هذه المسألة Kneil, N؛ "1964", بالإضافة إلى المؤشرات الدينية التي تكون مصدرا من مصادر قلق المراهقين والمراهقات، وعموما فإننا نستطيع القول بأنه لا يوجد أي دليل قاطع يشير أن الاستمناء أو العادة السرية يسبب أي نوع من الأضرار الجسمية أو النفسية, باستثناء مشاعر الذنب التي تستحوذ على الشخص بأنها شيء سيئ ومن الخطأ ارتكابها. الألفة أو المودة في مقابل الجنسية: المودة والألفة تكون ذات أهمية كبيرة في العلاقات الجنسية الغيرية أثناء فترة المراهقة المتأخرة، وعلى الرغم من الميل المتزايد للجنس الآخر قبل هذه الفترة، إلا أننا عادة ما نجد للمراهقين أصدقاء مقربين إليهم مؤتمنين على أسرارهم من نفس نوع جنسهم وفي هذه الفترة نجد كلا من المراهقين والمراهقات يميلون إلى أن يكونوا أصدقاء، ويتقاسم كل منهم في الهوايات والمخاوف ويلجأ كل منهم إلى الآخر للراحة والتدعيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 ويأملون استمرار علاقاتهم في المستقبل، وعندما يتمكن كل من المراهق والمراهقة أن يكون الصديق المفضل بالنسبة لكل منهم الآخر بالإضافة إلى الثقة به حينئذ يشير إريكسون بأنهم يحصلون قدرة ناضجة للألفة أو المودة للجنسية الغيرية. وأثناء نمو هذه الخاصية نجد المراهقين الأكبر قد يمرون بعملية تبديد وصرف الصراعات التي تنتابهم بين المودة، أو الألفة من جانب وحاجاتهم الجنسية والأمن من جانب آخر, ففي وقت مبكر من خبرتهم للجنسية الغيرية غالبا ما يعمل المراهقين تمييزا بين النماذج الجنسية، فهناك الشخص الذي يود المراهق أن تكون بالقرب منه لاحترامه لها، وهناك الأخرى التي لا يعجب بها ولكنه يصادقها لأي غرض ما، ولكن سرعان ما تنتهي هذه العلاقة بالحصول على الهدف أو الغرض الذي يسعى إليه، ولكن عندما يرافق المراهق أو المراهقة شخص آخر والذي حقيقة يهتم به ويحترمه، فإن علاقاتهم عادة ما تكون علاقات نظيفة وثابتة، وعموما فإن حل هذا الصراع الذي ينتاب المراهقين يتأثر بطبيعة الحال بالقيم الاجتماعية بالإضافة إلى تأثره بنمو شخصية المراهق أو المراهقة بمعنى أنه كلما كانت نظرة المجمع للعلاقات الجنسية فيما قبل الزواج كعلاقات دنسة محرمة كلما وجدنا المراهقين يعملون تمييزات سريعة بين العلاقات الطاهرة والأفلاطونية والعلاقات الجنسية الدنسة. ويشير إريكسون أن المراهقين والمراهقات الذين لم يتمكنوا من دمج الجنسية والمودة أو الألفة في علاقة مع شخص ما من الجنس الآخر قد نجدهم يدخلون مرحلة الرشد بتمزق نفسي Split فيما يتعلق بهذا الأمر، فكثيرا ما نجد راشدين يكون لديهم حياة جنسية نشطة إلا أنهم لا يتزوجون أبدا أو يتزاوجون ولكن يكون لديهم حياة جنسية محدودة جدا، أو قد يكون لهم زيجات كن شركاء لهم في حياة جنسية قبل الزواج، وبالتالي لا يحترمونهم أو يميلون إليهم. الألفة أو المودة في مقابل الأمن: لكي تتحد الألفة أو المودة للجنسية الغيرية من حاجاتها الأمنية، فيجب على المراهقين إعادة توجيه ارتباطاتهم الحميمة المبكرة نحو أعضاء من الجنس الآخر، فالمراهقون الذين كان لديهم علاقات صداقة حميمة قليلة قد لا يشعرون بالراحة في قربهم من أفراد الجنس الآخر، وحيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 أن المودة أو الألفة تهدد أمنهم نجدهم بالتالي يشعرون بالمعاناة النفسية من الابتعاد هذا, ومن الانعزالية والعلاقات السطحية مع عدد كبير من الأفراد، وقد نجدهم يعملون صداقات عاطفية قوية مع عدد قليل جدا من الأصدقاء المقربين أو ما يسمى بالصديق أو الصديقة المتفرد. وقد يشعر مراهقون آخرون بالأمن في العلاقات الحميمة التعاونية مع أعضاء من نفس جنسهم، إلا أنهم يفتقدون العلاقات مع الجنس المغاير لهم، والمراهق الذي لا يصل إلى حل هذا النمط من الصراع قد يصبح راشدا إذا تزوج أو تزوجت, لا يمكن أن ينظر إلى قرينه على أنه صديق حميم مقرب إليه مؤتمن على أسراره، ولكن نجد هؤلاء الأفراد يقصرون العلاقات الزوجية على الجنس وأعمال المنزل وأدوار تربية الطفل وفي نفس الوقت يعتمدون على آبائهم أو الإخوة والأصدقاء من نفس نوع جنسهم يناشدون تقديم يد العون والنصح والمشاركة ومناقشة أمورهم الشخصية. الاتجاهات نحو الآباء: كلما أصبح المراهقون أكثر استقالا وأكثر نضجا اجتماعيا، نجد اتجاهاتهم نحو آبائهم عادة ما تتغير، فالميل المتزايد والتعاطف الذي يعطيه المراهق لجماعة الأقران ولنشاطات الجنسية الغيرية خاصة عندما يبدأ في الارتباط الثنائي بصورة شديدة، هذا يعني بأن المراهق ليس لديه إلا القليل لكي يعطيه لأبويه، وبالتالي يجب على الآباء أن يتعلموا التخلي عن بعض عواطفهم تجاه أطفالهم، ومن جانب آخر فعندما يتحقق المراهق أن أبويه يشعرون بالاستياء والتضرر نتيجة استبدالهم بموضوعات حب أخرى نجد عادة ما يشعر بالذنب وبالتالي يحاول أن يبرر لذاته أسباب الارتباط النامي الذي يحدث له خارج المجال الأسري. وتشير نتائج دراسة Joseph؛ "1969" أن المراهقين قد يتصورون في بعض الأحايين أسباب مقبولة ظاهريا في الانصراف عن آبائهم، فكثيرا ما نسمع منهم بأن آباءهم قد أصبحوا غير ذي جاذبية لهم, كما نجد بعض المراهقين خاصة في منتصف فترة المراهقة قد يصبحوا ناقدون بصورة شديدة لنهر آبائهم من الجنس الآخر، فقد نجد الذكور يتذمرون أو يدمدمون عن هيئة شعر أمهاتهم وملابسهن، ووزنهن ومكياجهن، كما قد نجد الإناث يتذمرن بأن آبائهن قد فقدوا شعورهم أو أصبح لديهم بطن كبير أو أنهم يلبسون ملابس عتيقة الطراز أو مهملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 كما قد يجد المراهقون كثيرا من الأفعال الخاطئة أو غير الصائبة في أنماط سلوك آبائهم، فقد يشيرون إلى أن آباءهم يدخنون بكثرة أو أنهم يمارسون ضبطا وتحكما عليهم أكثر من اللازم، أو أن لهم أصدقاء غير متحضرين، أو أنهم أصبحوا لا يتسمون بالجاذبية، وأنهم يحولون الحياة إلى حياة مملة سئيمة، وهكذا, وهذه الانتقادات لا تعني بالضرورة تقليل حب المراهق لأبويه، إلا أنها تعني إشارة المراهق إلى أن أبويه قد أصبحوا من جيل مختلف عن جيله وأن لهم نظرة مختلفة، وبالتالي فإن الآباء يجب ألا يشعروا المراهق بالإحساس بالذنب في بحثه وسعيه لارتباطات رومانسية مشبعة والاستمتاع بها داخل جيله أو جيلها. وبالإضافة فإن هذه الانتقادات الظاهرية لا تعني أن قيم المراهقين الأساسية متعارضة مع قيم الآباء، أو أنها تعني تقليل تأثير الآباء على المراهقين، وكما أشرنا فيما سبق أن المراهقين يتطابقون بصورة كبيرة لتأثير رفاقهم خاصة في المراهقة المبكرة، إلا أن هذا التطابق والتماثل يميل إلى الانخفاض التدريجي من سن 12: 21 تقريبا, وعلى الرغم من أننا نجد المراهق في فترة مراهقته الوسطى قد يقضي وقتا أطول مع جماعة الرفاق إلا أنه يصبح أقل تأثرا بهم عن ذي قبل، وجدير بالذكر فإن المراهقين الذين يسيرون على صورة متناقضة مع هذا الميل العام، ونلاحظ استمرارية تأثرهم بجماعة الرفاق يمكن أن نفسر سلوكهم هذا لأحد الأسباب الآتية كما تشير نتائج دراسة Mc Ghee وآخر "1967". أ- قد يشعرون بعدم تقدير ذواتهم، وبالتالي يلجئون إلى جماعة الرفاق لكي يحظوا بما افتقدوه داخل أسرهم. ب- أو قد يشعرون بأن الآباء لا يمدونهم بالتوجيه والإرشاد الكافي. وبالتالي تجدهم يعتمدون على جماعة رفاقهم لكي يملئون هذا الفراغ الأبوي. وتشير نتائج دراسة Von & Others؛ "1969" أن تأثر المراهق بأبويه يختلف إلى حد ما مع الموقف, فمثلا فإنه يميل بصورة أكبر إلى الاستماع لأبويه أكثر من جماعة رفاقه في بعض الأمور الخاصة بمستقبله التربوي, وأهدافه وتخطيطه المهني، بالإضافة إلى كيفية تعامله مع العلاقات الشخصية المتبادلة بينه وبين الآخرين، ومن جانب آخر نجده يميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 بصورة أكبر إلى جماعة الرفاق في ثمة أمور كالملبس وكيفية التعامل مع الأقران، وكيفية قضاء وقت الفراغ، وكلما تدرج المراهقون في عمرهم الزمني نجد انخفاض تأثير كل من الوالدين والرفاق عليهم، حيث يصبحون أكثر ثقة بذواتهم, وفي قدراتهم في عمل القرارات, ونجدهم في نفس الوقت يهتمون بتقييم آراء رفاقهم وآبائهم والراشدين من حولهم. وعموما فالمراهقون الأكبر سنا عادة ما نجدهم يفكرون بصورة متزايدة بأنفسهم ويثقون في أحكامهم، وثمة استقلالية قد صورها مراهق أثناء فترة مراهقته الأخيرة إذ يقول: "إن التطابق والتماثل مؤداه أن تفعل لكي تحتفظ بأبويك من التذمر أو الشكوى منك، بينما تقرر بعقلك ماذا تريد أن تقوم به حقيقة". تكامل الهوية الشخصية: أشرنا في الفصول السابقة إلى عملية تكوين الهوية منذ فترة الرضاعة حيث يتعلم الرضع التعرف على ذواتهم كأشخاص مميزين عن الأشخاص والأشياء الأخرى من حولهم، وأثناء سنوات ما قبل المدرسة عندما يصبح كل من الذكور والإناث على دراية باختلافاتهم الجسمية الجنسية، وفي فترة الطفولة الوسطى حيث يتبنى الأطفال الأدوار المميزة لنوع جنسهم، كما يتعرفون على قدرات كل منهم ومواهبهم وميولهم؛ ولكن نجد في فترة المراهقة عملية تكوين تصور واضح يكون متسقا لذات الفرد يصبح على درجة من الأهمية الكبيرة خاصة أثناء فترة المراهقة المتأخرة، وتأوج هذه العملية في تكامل شعور الهوية الشخصية للمراهق. ويعتبر إريكسون من أوائل العلماء الذين أشاروا إلى دور تكوين الهوية في نمو المراهقة حيث عرف نهاية فترة المراهقة بأنه الوقت الذي يصبح فيه المراهقين متأكدين بصورة معقولة فيما يعتقدون فيه بالإضافة إلى وضوح بصيرتهم فيما يريدون عمله في حياتهم فالإحساس بالهوية الشخصية يعتبر نتاج كل ما تعلمه المراهقون عن أنفسهم في أدوارهم المختلفة كتلاميذ، كأبناء، كرياضي، كموسيقى، كصديق، كعضو في جماعة دينية ككاتب في متجر، وهكذا, وبمجرد أن يحصل المراهق هذه النظرة المتكاملة لأدواره ولميوله ولقدراته واتجاهاته بالإضافة إلى تأثير الأشخاص الآخرين، كل ذلك يعطي المراهق الإحساس بالاستمرارية مع ماضيه ويساعده على الإعداد لمستقبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 ولا يعني ما سبق ذكره أن المراهقين في فترة مراهقتهم المتأخرة يعملون اختيارات ثابتة ودائمة لأهداف الحياة المتنوعة ونظم قيمهم، وعلى النقيض من ذلك فالهوية الشخصية في جوهرها عملية نامية تتغير كلما تقدم العمر الزمني حيث يتعلم الفرد أشياء جديدة، ويجد أدوارا مختلفة، ويشير إريكسون Erikson؛ "1956" أن فترة المراهقة المتأخرة تعتبر بمثابة الوقت الذي يكون فيه المراهق الإحساس بهويته، بغض النظر في كونها قد تتغير فيما بعد، إلا أنها تبدأ في اتخاذ الشكل الاتساقي والتي تعطي الإحساس للمراهقين، وكذلك توفر لهم المعنى والتوجيه لحياتهم. وفي نمو الإحساس بتكامل الهوية، عادة ما نجد المراهقين يقضون سنوات عديدة في التفكير والتأمل ويحاولون سلسلة واسعة من الأدوار والأيديولوجيات فقد نجدهم يفكرون في أنماط أعمال مختلفة وإمكانياتها أو احتمالات المهنة, كما يعقدون صداقات عديدة مع أشخاص مختلفين، ويتأملون مثاقب فلسفات اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية مختلفة. وبسبب التصينف السريع الذي يفعله المراهقين وغير المتروي لأنماط العمل وللأصدقاء ولرفاق الحياة ولفلسفة الحياة التي يريدون الارتباط والتمسك به، إلا أنهم دائما ما يغيرون تفكيرهم فيما يحبونه أو يريدون القيام به، والأشخاص الذين يحبون أن يكونوا معهم وكذلك في استجاباتهم للمواقف المختلفة, وعلى ذلك فإن الأنماط السلوكية في فترة المراهقة عادة ما تكون متنبأ ضعيفا عما سيفعله المراهق, إذا قورنت بفترة طفولته المتأخرة وعادة ما نجدهم يتسمون بعدم التأكد فيما يبحثون عنه أو يقصدوه كنموذج متسق للحياة. والحقيقة التي مؤداها أن المراهقين يقضون سنوات عديدة حتى يتم لديهم نمو هوية متكاملة أدى ذلك إلى اعتقادين واسعين، إلا أنها في جوهرها تعميمات غير مناسبة لنمو المراهقين وهما: أ- أن المراهقين العاديين يمرون خلال أزمات للهوية، وعادة ما ينتج عواصف وغضب وضغط أثناء محاولاتهم لتحقيق هويتهم. ب- وبسبب هذا الاضطراب والاهتياج النفسي، نجد استمرارية ضعيفة بين ما يحبه الأشخاص كمراهقين وبين ما يحبونه أو يميلون إليه كراشدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وقد أشار إريكسون وكتاب في التحليل النفسي وآخرون: إن المراهقين يجب أن يخبروا اضطراب أو اهتياج داخلي عظيم لكي يصبحوا راشدين متكيفين بصورة جيدة ويبلغوا النصح النفسي Freud white.R.B؛ "1973", إلا أن وجهات النظر هذه عادة ما تبنى على الخبرة الإكلينيكية مع المراهقين المضطربين والذين يلتمسون العلاج لمشكلاتهم السيكولوجية, إلا أن الدراسات الأخرى على المراهقين الذين اختيروا بطريقة عشوائية سواء كانوا بالمدارس الثانوية أو العالية وليس من هؤلاء الذين كانوا تحت المعالجة السيكاترتية، أشارت إلى صورة مختلفة في أن أغلب المراهقين يتقدمون في نموهم بطريقة هادئة نحو تكامل هويتهم بدون أن يخبروا أزمات كما توجد الاستمرارية الفعلية بين شخصياتهم كمراهقين وكراشدين. تحقيق الهوية وأزمة الهوية: ساعدت دراسات James Msrcia؛ "1966-1970", وزملاؤه على تفسير عملية تكوين الهوية، فعادة ما يوصف مركز الهوية، فعادة ما يوصف مركز الهوية عندما يعمل الشخص تعهدا أو وعدا ذا معنى لعمل ما أو تجاه نظام من القيم أو نحو أيديولوجية معينة, ويمكن إيجاز ذلك على النحو التالي. تحقيق الهوية Identity Achievement: تتمثل في تعهد الشخص بأداء عمل من الأعمال قد اختاره من بين احتمالات عديدة ذات اعتبارات بالنسبة له، كالارتباط والتعهد لأيديولوجية معينة بعد إعادة تقييمها، وحل المعتقدات السابقة, ويشير ذلك إلى أن الشخص قد أصبح الآن حرا بصورة حقيقية في أن يفعل أو يؤدي أي عمل من الأعمال. تعويق الهوية Identity Foreclosure: وتتمثل في الوعد أو العهد غير الناضج للأهداف والمعتقدات التي اقترحت بواسطة أشخاص آخرين "وعادة" ما تكون عن طريق الآباء, وذلك بدون أن يكون للشخص خيارات معينة وكذلك دون الوضع في الاعتبار الخيارات الممكنة الخاصة به أو بها. انتشار الهوية Identity Diffusion: والشخص الذي يتسم بانتشار أو تشتت الهوية عادة ما يتصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 بالتقدير المنخفض لذاته، وكذلك بالعلاقات الشخصية السطحية مع الأشخاص الآخرين. توقيف أو تعليق الهوية Identity Moratorium: يتصف هذا الشخص بالقلق والتقدير المنخفض للذات والعلاقات السطحية مع الآخرين ويتسم بعمل الوعود والتعهدات الأعلى من إمكاناته الشخصية ولقد أشارت نتائج كروس وآلان Cross J. & Allen؛ "1970", والتي طبقت على الطلاب الجدد بالكليات الجامعية، أن هذه المراكز الأربعة سابقة الذكر كانت موزعة بالتساوي بين طلاب الكلية، بالإضافة إلى ارتباطها ببعض الاختلافات في وظيفة الشخصية، فالطلاب ذوو الهوية الإنجازية مالوا إلى الأداء الجيد في المهام والواجبات العقلية كما كانوا أكثر ثقة بذواتهم وتعويلا عليها, وأقل قلقا، كما كان لديهم قدرة أكبر لإقامة العلاقات الشخصية التبادلية الوثيقة مع الآخرين, إذا ما قورنوا بالمجموعات الثلاثة الأخرى، الذين كانوا عادة ما يضعون أهدافهم مرتفعة لأنفسهم وغير واقعية، كما كانوا يميلون إلى القسوة والصرامة وبالتالي وجد أن مستوى أدائهم كان أقل من المجموعة الأولى، حيث كانوا أقل فعالية في إنجاز المهام والواجبات العقلية، وعادة ما يقدمون تقديرا لذواتهم مبالغا فيه والذي ينهار عند مجابهتهم التحديات وبالتالي يصبحون متورطين في علاقات مقولبة سطحية مع الآخرين, وعموما فإن الطلاب الذين كانوا يتصفون بتعليق الهوية MORATORIUM عادة ما كانوا أكثر قلقا من المجموعات الأخرى، كما أن الطلاب الذين كانوا يتسمون بانتشار الهوية كانوا متشابهون إلى حد ما مع مجموعة الهوية المعوقة FORECLOSURE بتقديرهم المنخفض لذواتهم والعلاقات البيشخصية السطحية. وتشير نتائج دراسة WATERMAN & OTHER؛ "1971" إلى أنه على الرغم من أن مراكز الهوية تساعد على تفسير السلوك اللاحق في أي وقت، إلا أنها تعتبر بمثابة طور أو مرحلة PHASE لنمو شخصية المراهق ولا تعتبر سمات دائمة, فمثلا قد يظهر المراهق هوية إنجازية فيما يتعلق بالمهنة المستقبلة, وفي نفس الوقت يظهر هوية متوقفة فيما يتعلق بأنظمة المعتقدات العامة، كما أن المراهقين قد يغيرون مركز هويتهم أثناء مرحلة دراستهم الجامعية، وعادة ما يميل المراهقون إلى التحرك نحو الهوية الإنجازية وتوضح نتائج هذه الدراسة مدى التغيرات التي حدثت في مركز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 الهوية لسبعة وأربعين طالبا من كلية الهندسة تتبعهم واترمان وزملاؤه من السنة الأولى حتى السنة النهائية بالكلية، والتغيرات ذات الدلالة كما هي ظاهرة بالدراسة تتمركز في الانتقال من مركز التعليق أو التوقيف أو التعويق إلى الهوية الإنجازية. وفي دراسة أخرى مماثلة قام بها كل من WATERMAN & COLDMAN؛ "1976" على طلاب كلية الفنون وجدا نفس التغير النمائي التقدمي للمراهقين حيث تشير النتائج إلى ميل الطلاب إلى الانتقال من مراكز التعليق أو التوقيف للهوية لكي يصبحوا ذات هوية منجزة كما أن أغلبية الحالات تخرجت من الكلية بشعور مستقر للهوية إلى حد ما. وعلى الرغم من التباينات في مركز الهوية، إلا أننا نجد دراسات عديدة لطلاب المدارس الثانوية والجامعة أشارت إلى أن معظم المراهقين عادة ما يسيرون نحو النضج بطريقة سلسلة هادئة دون التورط في أي أزمات عنيفة صاخبة، وتشير نتائج دراسة Simons & Others "1973" إلى أن ما يقرب من 20% قد يميلون إلى المعاناة بصورة ذات دلالة من القلق النفسي المتوسط كالشعور المرتفع للذات أو التقدير المنخفض للذات، ومدى استقرار أو ثبات مفهوم الذات، وجميع هذه الجوانب عادة ما تكون أكثر حدوثا في فترة المراهقة المبكرة عندما يطرأ على المراهقين عديدا من التغيرات الجسمية المفاجئة، إلا أننا لا نجد حدوث ذلك في فترة المراهقة المتأخرة حيث عادة ما نجد المراهقين مشغولين في عملية تكامل هويتهم الشخصية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 استمرار نمو الشخصية : أوضحت الدراسات النفسية، خاصة الدراسات الطولية إلى الاستمرارية في نمو الشخصية من فترة المراهقة إلى فترة الرشد والرجولة وعلى الرغم من أننا عادة ما نجد الأشخاص يتغيرون كلما تقدموا في مدارج نموهم، حيث يتعلمون أكثر وينشغلون بمراكز جديدة ويبحثون عن وسائل جديدة للتعامل مع الظروف والأحوال المتغيرة لحياتهم، إلا أننا نجدهم يستمرون وبصورة أساسية في نفس طريقة تفكيرهم وطرق تعاملهم مع العلاقات الشخصية المتبادلة، وكما يدركون بواسطة الآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 ولقد بدأت الدراسات الموسعة لنمو الشخصية بمعهد النمو الإنساني بجامعة كاليفورنيا في بيرلكي في عام 1928، ففي دراسة أجريت بواسطة Day & Haan حيث جمعت بيانات الاختبارات، ونتائج المقابلات والتقديرات بالإضافة إلى وسائل أخرى لمجموعتين، أحدهما تتبعت من عمر الثانية عشر حتى الخمسين "دراسة Oakland للنمو"، وللمجموعة الأخرى تتبعت من الثانية عشر حتى سن الأربعين، وذلك للتأكد من استمرار سمات معينة بلغت 34 سمة وصنفت تحت فئات معينة هي: - طرق ووسائل تقديم المعلومات والبيانات. - أشكال الأنماط السلوكية الشخصية المتبادلة. - الاستجابات لتأثيرات التنشئة الاجتماعية. - طريقة تقويم الذات. وتشير نتائج هذه الدراسة أن جميع معدلات الارتباط بين السمات واستمراريتها كانت أكثر من 0.50 حيث أوضحت اتساقا واستمرارية ذات دلالة إحصائية أثناء وقت الدراسة، بالإضافة إلى أن النتائج تشير بصورة قوية بأن هذه السمات التي قد رسخت في فترة المراهقة المبكرة، ولم تكن ذات دلالة إحصائية قد تأثرت بعملية نمو المراهق. وتشير عديد من الدراسات إلى تدعيم ما ذهبت إليه Oakland, فعلى سبيل المثال توضح دراسة برنسون Bronson؛ "1972" أن نمو الشخصية عادة ما تتوقف أو تتعطل ببداية المراهقة ولكنها تستمر في ديمومة ذات اعتبار خلال فترة المراهقة وإلى مرحلة الرشد. مفهوم الذات وتقدير الذات لدى المراهقين: مفهوم الذات Self Concept يتمثل في تقدير المراهق لقيمته كشخص، ومفهوم الذات يحدد إنجاز المرء الفعلي، ويظهر جزئيا في خبرات الفرد بالواقع واحتكاكه به، كما يتأثر تأثرا كبيرا بالأحكام التي يتلقاها من الأشخاص ذوي الأهمية الانفعالية في حياته، وبتفسيراته لاستجاباتهم نحو "الآباء, والرفاق"، فمثلا المراهق ذو الذكاء المرتفع الذي يوبخه والداه ويحقرانه دائما، قد يتولد لديه مفهوم عن نفسه كشخص غير كفء عاجز عن تحقيق إمكانية، كما يحاول أن يدعم ويؤكد تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 الجوانب من ذاته التي يستحسنها الكبار من حوله أو رفاقه لكي يتجنب الشعور بالذنب الناجم عن استهجانهم له، أو شعوره بالاغتراب سواء عن ذاته أو عن الآخرين. وتشير دراسات عديدة في سيكولوجية النمو إلى الاختلافات الجنسية بين المراهقين والمراهقات في إدراك مفهوم ذواتهم أو تقديرهم لذواتهم, ففي دراسة Hathaway,S & other وكذلك دراسة Mckee, j & Other؛ "1959" تشيران إلى أنه بسبب النظر إلى المرأة في المجتمع الأمريكي كمواطنة من الدرجة الثانية، فقد دلت الدراسات على أنهن ينظرن إلى ذواتهن بصورة تتسم بالدونية والضعف إذا ما قورنت بالمراهقين الذكور, كما أشارت هذه الدراسات أن الإناث المراهقات كن أقل رضا وإشباعا عن نوع جنسهن إذا ما قورنَّ بالذكور، ويشير Kohiberg؛ "1966"، Bohan؛ "1973"، أن الإناث كان لديهن صعاب أو مشكلات أكثر في تصورهن لذواتهن، وتصورهن لأجسادهن أكثر مما وجد لدى الذكور. ومن جانب آخر فإننا نجد دراسات أخرى تشير إلى أن كلا من الذكور والإناث عادة ما يكون لديهم تقريبا نفس القدر من تقديرهم لذواتهم كدراسات Rosenberg؛ "1965", ودراسة Piers؛ "1964" ولكي نتفهم هذه النتائج المتناقضة بصورة أفضل، فإننا سوف نناقش سويا ثلاثة جوانب للذات هي، الوعي بالذات، ثبات واستقرار صورة الذات، وتقدير الذات عند المراهقين والمراهقات. وعن المراهق بذاته Adolescent Self Conciousnes: تتمثل في ملاحظة المرء لنفسه، وفحص ذاته وتدقيقها ووعي المرء بنفسه والوعي بأن شخصا آخر يعيه، وعندما يشعر المرء بالارتباك والحيرة فعادة ما يرجع ذلك إلى وجود نقص في الوعي بالذات، وتفسير ذلك أن المرء ربما يخشى أن يراه الآخر في صورة خلاف الصورة التي يرى هو نفسه بها، وربما لأن المرء يخشى أن يكون قد أظهر ذاته بمظهر لا يتفق مع جلال أو أهمية الموقف الذي هو فيه. ولقد حاولت دراسات نفسية عديدة قياس وعي المراهق بذاته لكي تلقي الضوء على كيفية وعي المراهقين بذواتهم في المواقف الاجتماعية، واستخدمت أنماط من التساؤلات في ذلك، فمثلا "إذا سألك مدرسك أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 تنهض أمام زملائك داخل الفصل وأن تتحدث قليلا عن كيفية قضائك عطلة الأسبوع: - هل تكون عصبيا جدا؟ - أو تكون عصبيا بصورة ضعيفة. - أو لا تكون عصبيا على الإطلاق. وتشير نتائج دراسات Simmons وآخر "1972" أن وعي المراهق بذاته يزداد بصورة ملحوظة كلما تدرج من طفولته إلى مراهقته المبكرة، ويلاحظ أن معدل الزيادة كانت عند الإناث أكثر ما عند الذكور، وكانت عينة الدراسة السابقة مجموعة من المراهقين البيض في مناطق ريفية، وعموما فإن هذه النتائج ونتائج دراسات أخرى غيرها تعكس ثمة حقيقة مؤداها أن مظهر الأنثى الجسمي عادة ما يكون مرتبطا بصورة كبيرة بمدى شعبيتها Populotrity إذا ما قورن ذلك بما لدى الذكور، حيث يكون لديهن ما يجذب أنظار الآخرين لهن بمظهرهن، أكثر مما يكون لدى المراهقين، وبالتالي نجدهن أكثر اهتماما وقلقا بشعورهن أو عيونهن أو بذواتهن فيما يتعلق بمظهرهن إذا ما قورن بالمراهقين في نفس عمرهن. ثبات أو استقرار صورة الذات Self Image Stability: وتتمثل في مدى استقرار وثبات الذات كما يتصورها أو يتخيلها صاحبها، ولقياس ذلك عند المراهقين، بمعنى إلى أي مدى يكون المراهق متأكدا من نفسه أو غير متأكد منها، صممت بعض الوسائل للكشف عن ذلك وتتضمن مواقف مثل: "قال لي مراهق بأنه أحيانا يحب الطريقة التي يسير عليها في حياته، وفي أحايين أخرى لا يحبها، هل مشاعرك تتغير مثل زميلك هذا؟ وعموما فإن نتائج هذه الدراسات تشير إلى أنه يوجد زيادة في عدم ثبات واستقرار الذات أثناء فترة المراهقة المبكرة, كما أن البنات أوضحن عدم ثبات أكبر لذواتهن إذا ما قورن بالمراهقين، كما أنهن يشعرن بشعور أقل إيجابية عن ذواتهن، إذا ما قورن بالذكور, وجدير بالذكر فإن هذه الفروق يجب أن نشير إلى أنها ترجع إلى عملية الاشتراط الثقافي وليست لعوامل وراثية عند الإناث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 كما أن الاستقرارية في الذات لدى المراهقين والمراهقات لا نجدها عامة في جميع مجالات حياتهم، ففي إحدى الدراسات التي كانت مهتمة بقياس ثبات الاختيار خلال الوقت، حيث سئل بعض المراهقين والمراهقات أن يرتبوا بعض الأشياء المفضلة لهم مثل الألوان المفضلة والبرامج التليفزيونية والحيوانات وهكذا, وبعد أسبوعين من التجربة الأولى سئل المراهقين نفس هذه التساؤلات مرة أخرى، وأشارت النتائج أن ثبات الاختيار يزداد مع ازدياد العمر الزمني في جميع الأعمار الزمنية، كما أوضحت نتائج المراهقات أنهن كن أكثر اتساقا واستقرارا في اختياراتهن من المراهقين. تقدير الذات Self Esteem: أحد وسائل الكشف عن تقدير الذات كما أشرنا يتمثل في اتجاهات الفرد الإيجابية أو السلبية تجاه ذاته، وعادة ما تستخدم مواقف مثل: "كل شخص يعرف بعض الأشياء الجيدة عن نفسه، وبعض الأشياء غير الحسنة، فهل معظم الأشياء التي تعرفها عن نفسك "حسنة" سيئة، أو من كليهما وتشير بعض الدراسات التجريبية أن المراهقات عادة ما يكن أكثر انخفاضا في تقديرهن لذواتهن إذا ما قورن بالمراهقين، ويرجع ذلك إلى العلاقة الوثيقة بين مظهر الإناث ومفاهيمهن عن ذواتهن ففي إحدى الدراسات طلب من المراهقين والمراهقات أن يقيموا ذواتهم وأقرانهم على مقياس يقيس المظهر المثالي كما طبق عليهم اختبار للشخصية يقيس التكيف الشخصي والثقة بالنفس والإحساس بالقيمة الشخصية والشعور بالحرية الشخصية والإحساس بالانتماء والميول والانسحابية والأعراض العصابية، واستخرج من تلك البيانات المعلومات المجمعة مقياس الإحساس بالقيمة الشخصية، وتشير النتائج أن كلا من المراهقين والمراهقات عادة ما يميلون إلى تقييم ذواتهم بصورة متساوية أو أعلى من أقرانهم خاصة في مظهرهم العام، كما أشار ما يقرب من 43.7% من المراهقين إلى عدم الرغبة في تغيير أي شيء من مظهرهم، في حين لم يعبر عن هذا الموقف إلا ما يقرب من 12.2% من الإناث، وتشير النتائج كذلك إلى وجود الارتباط الإيجابي بين تقدير المراهقات لمظهرهن الشخصي ودرجة تكيفهن، كما أن درجات الإناث كانت تميل إلى الانخفاض في مقياس التكيف الشخصي إذا ما قورنت بدرجات الذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 ونتائج هذه الدراسات متسقة مع الاتجاهات التي أشرنا إليها سابقا في أن مظهر الإناث وجاذبيتهن تلعب الدور الأكبر في مفهوم المرأة عن ذاتها، وما زلنا بعيدين جدا عن الوسط أو البيئة الاجتماعية التي يقيم فيها الأفراد تبعا لإنجازاتهم وقدراتهم بدلا من مظهرهم العام, وخاصة الإناث منا. وجدير بالذكر، فكلما حاول المراهقون اكتشاف هويتهم، والحصول على استقلالية أكبر، غالبا ما يقعون في صراع مع آبائهم من جهة وأقرانهم من جهة أخرى، وسوف نلقي الضوء في ثنايا الصفحات التالية عن العلاقة بين حياة الأسرة وبين نماذج مختلفة من نمو المراهقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 نماذج نمو المراهقة : قام كل من Daniel & Judith؛ "1972" بدراسة طولية على جماعة من المراهقين البيض، وتضمنت هذه الدراسة 63 مراهقا ومراهقة أثناء سنواتهم الدراسية، وكان أحد أهداف الدراسة إلقاء الضوء على الجذور السوية المتنوعة لنمو المراهقين حتى مرحلة الرشد، وجمعت بيانات هذه الدراسة من ثمة مصادر كالمقابلات مع الآباء والمدرسين, وتطبيق بعض الاختبارات على عينة البحث, ولقد بدأ تجميع هذه المعلومات منذ عام 1962 واستمرت حتى عام 1970، حتى أصبح معظم المراهقين إما متخرجين من الجامعة أو قد أنهوا دراستهم الثانوية منذ أربع سنوات، وتشير النتائج أنه في أثناء عملية نمو المراهقين ظهر لديهم بعض أنواع من الصراعات العادية تتمركز بين رغبتهم في تقبل الآباء لهم، وبين رغبتهم في التحرر من السلطة الوالدية، ومن الناحية السياسية أشارت النتائج إلى وجود الاتساقية بين الاتجاهات الوالدية واتجاهات مراهقيهم وفي تحليل الكمية الهائلة من المعلومات والبيانات التي جمعتها هذه الدراسة أشارت إلى وجود ثمة جذور Routes أو أصول نمائية ثلاثة مختلفة للمراهقين والشباب وتتمثل فيما يلي: أنا ما يقرب من 23% من عينة الدراسة أشارت إلى ما يسمى باستمرارية النضج، كما أشار إلى ما يقرب من 35% إلى نمط النضج الغامر أو الجياش، وأن ما يقرب من 21% أشارت إلى ما يسمى بالنمو المضطرب العنيف، والباقي أشاروا إلى خليط من هذه النماذج الثلاثة الرئيسية، وسوف نلقي الضوء على هذه النماذج النمائية الثلاثة التي تمخضت عنها هذه الدراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 أ- نمط النضج المستمر Continuous Growth: أظهرت الحالات التي اتسمت باستمرارية النضج، وتقدما نمائيا من مراهقتهم إلى شبابهم، ورجولتهم بطريقة هادئة، ودخلوا في حياة راشدة متكاملة, وهذه الحالات كان يكتنفها ظروف معينة مثل الخلفية الوراثية والبيئية الجيدة، ولم تتسم طفولتهم بوجود أشياء مثل الموت أو الأمراض الخطيرة للآباء أو الأقارب المحيطين بهم، كما أن نواة الأسرة بقيت كوحدة مستقرة أثناء طفولتهم ومراهقتهم, وتشير النتائج أن هذه الحالات تمكنت من اجتياز المراحل النمائية السابقة دون تثبت أو نكوص، وكانوا قادرين على التعامل مع المثيرات الداخلية والخارجية من خلال توحيد أو ائتلاف متوافق من العقل والتعبير الانفعالي، وبالإضافة فإن هذه الجماعة تقبلت المعايير الاجتماعية والثقافية العامة، وشعروا بالراحة والإشباع داخل هذا المضمون الثقافي وبالتالي لم يشعروا بالاغتراب سواء عن مجتمعهم أو عن ذواتهم بالإضافة إلى أنهم كانوا بمقدورهم إجراء تكامل لخبراتهم واستخدامها كمثير لعملية نضجهم ونمائهم. وبإيجاز فإن هذه المجموعة من الشباب أظهرت صورة من صور التكيف الجيد فيما يتعلق بذواتهم وكذلك بالنسبة للمجتمع الكبير الذي يكتنفهم، كما ظهرت على سمات سلوكهم دلائل الرضا والإشباع، فلم يتسموا بالعدوان أو الدونية ولكنهم كانوا يتسمون بالثقة في ذواتهم والاستقرار والثبات، وباستمرارية نمائية واثقة معتدة, وجدير بالذكر فإن استقرار وثبات نمط حياتهم المبكرة الأولى أمدهم بالثقة في تعاملهم مع مستقبلهم، فقد كان يبدو عليهم إدراك ما سيأتي من أحداث وكيفية التعامل معها. ب- نمط النضج الغامر أو الجياش Surgent Growth: اختلفت هذه المجموعة عن المجموعة الأولى في كمية الصراعات الانفعالية التي خبروها وكذلك في نماذج حل هذه الصراعات، فقد ظهرت طاقتهم المتمركزة والموجهة نحو التحكم في مطالبهم النمائية، وبصورة أكبر من الجماعة الأولى "النضج المستمر", وبمرور الوقت وجد أن هذه الحالات لديها القدرة على التكيف بصورة جيدة، متكاملين في خبراتهم ويتقدمون في مدارج نموهم العادي، إلا أنه في أوقات معينة كان يبدو عليهم أمارات عدم النضج وعدم القدرة على السير قدما في مدارج نضجهم كما أن دائرة النمو والنكوص كانت أكثر ظهورا مما لدى الجماعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 الأولى، فالدفاعات التي استخدموها كالغضب والإسقاط كانت توحي بالمرضية إذا ما قورنت بدفاعات مجموعة النضج المستمر. وتشير البيانات أن هذه المجموعة قد مرت بخبرات أكثر إيلاما من المجموعة الأولى "كالموت، أو الطلاق، أو الأمراض الخطيرة لبعض أفراد أسرتهم", كما شعر هؤلاء الشباب بأنماط من الصراعات مع آبائهم تجاه الاتجاهات والقيم، إذا ما قورنوا بالجماعة الأولى، كما خبروا تقلبات انفعالية مزاجية تتدرج من الثقة بأنفسهم إلى الاكتئاب، وعلى الرغم من أن شباب هذه المجموعة كانت لهم علاقة صداقة قوية، إلا أنهم كانوا يبذلون جهدا كبيرا لإقامتها وتكوينها، وكذلك في الاحتفاظ بأصدقائهم. وتشير النتائج كذلك إلى أن نماذج تكيف هؤلاء الشباب كانت مناسبة حيث أقاموا أهداف طويلة المدى وعملوا في السعي إلى تحقيقها كما كان لزاما عليهم العمل بصورة أكثر جدية للاحتفاظ بتوازنهم واتساقهم أكثر مما وجد عند المجموعة الأولى. ج- نمط النضج الصاخب المضطرب Tumultuous Growth: كانت شباب هذه المجموعة يمثلون ما يوصف في كتابات سيكولوجية المراهقة بالعواصف والشدة والتوترات، أو ما يسمى بالشباب المغترب، فقد كان لديهم مشكلات في المنزل وفي المدرسة وأحيانا كانوا يتورطون في متاعب مع القانون. وأظهرت هذه الحالات نماذج مضطربة مشاغبة أتت من بيئات أقل استقرارا من المجموعتين الأخيرتين، فبعض آباء هذه المجموعة كانت لديهم صراعات أسرية واضحة، والبعض الآخر من الآباء كان لديه تاريخا للمرض النفسي أو العقلي، ومن ثم فإن الخلفية الوراثية والبيئية لحالات النضج الثائر المضطرب كانت تومئ بالاختلاف عن تلك الموجودة للحالات في المجموعتين الأخيرتين، كما أنها أشارت إلى وجود اختلافات اجتماعية طبقية، فعلى الرغم من أن الدراسة تمركزت على الطبقة المتوسطة، إلا أنه وجد أن كثيرا من حالات هذه المجموعة كانت متمركزة في الطبقة الفقيرة، وبالتالي فإن عمل هؤلاء الشباب في بيئات متوسطة أو مرتفعة كان سببا من أسباب الإحباطات الإضافية التي واجهتهم في مجال أعمالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 وتشير البيانات أن هذه المجموعة من الشباب قد خبروا أحداثا مؤلمة غير سعيدة في حياتهم، كما أن علاقاتهم مع آبائهم كانت مليئة بالصراعات، وكثيرا منهم كان لديه أعراض مرضية إكلينيكية واضحة، وعلى الرغم من أن هذه المجموعة كانت لديها ارتباطات أسرية أحسن من التي توجد بين المرضى العقليين إلا أنهم كانوا أكثر عرضة إلى القلق والاضطراب الانفعالي، إذا ما قورنوا بشباب المجموعتين الأخيرتين، كما أن الإنجازات الأكاديمية لهؤلاء الشباب كانت منخفضة، حيث لم يكن لديهم الطموح لإحراز النجاح المهني في المستقبل، وبإيجاز فإن هذه المجموعة كانت من المراهقين والشباب التي اتسمت بالإيلام الأكبر والاغتراب الأكثر سواء عن ذواتهم أو مجتمعهم من حولهم. وجدير بالذكر فإن أهمية هذه الدراسة يتمركز في إشاراتها إلى العلاقة الوثيقة بين حياة الأسرة ونمو المراهقين، فعلى الرغم من أن الحياة الأسرية المستقرة لا تضمن لنا تحرر المراهقين من أنماط الصراعات المختلفة إلا أنها تساعد على ذلك، وهذه الدراسة تشير أن المراهق الذي يكون في صراع مع أسرته, أو المراهقة التي تكون في صراع مع أسرتها, وكذلك مع المجتمع قد يكون شخصا مقولبا مفرطا مجهد لنفسه, كما أن أهمية هذه الدراسة كذلك في إشارتها إلى أن أغلبية المراهقين والشباب ينتقلون خلال المراهقة بدون حدوث أنماط مضطربة أو عواصف, وفي نفس الوقت يجب الاهتمام بتلك الفئة القليلة التي تشعر بالغربة والانفصال عن ذاتها وعن مجتمعها ومن نتائج هذه الدراسة كذلك أنها أشارت أن هذه النماذج الثلاثة من نمو المراهقة تؤثر في اختياراتهم المهنية المستقبلية التي يجرونها. جملة القول، أن الغالبية العظمى من المراهقين يمرون من مراهقتهم إلى شبابهم دون الإحساس بالغربة عن الذات أو المجتمع, إلا أن هناك آخرين نجدهم يشعرون بالانفصال والبعد عن ذواتهم ومجتمعهم ويجب أن نحيط هؤلاء المراهقين والشباب بالرعاية ونساعدهم على تفهم ذواتهم تفهما سويا، وكذلك مجتمعهم من حولهم حتى ننقذهم من اغترابهم وانسلاخهم عن مجتمعهم، وسنلقي الضوء على هذه المشكلة، مشكلة اغتراب المراهقين والشباب وكيف نجعل لحياتهم معنى ولذواتهم قيمة وبالتالي يرتدون إلى ذواتهم ومجتمعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 الشخصية والنمو الاجتماعي : فترة المراهقة تشبه فترة الرضاعة حيث نجدهما يتصفان بالنمو الجسمي السريع، وحدوث تغيرات رئيسية في هيئة الجسم ومظهره، وكذلك فترة سنوات ما قبل المدرسة من حيث حدوث توسيع وامتداد الآفاق الاجتماعية وانبثاق الفروق الشخصية، وتشبه من جانب آخر فترة الطفولة الوسطى حيث تتميز بازدياد التحرر والانطلاق من سلطان الأسرة، والتبدل المستمر من الاهتمام بنشاطات المنزل إلى نشاطات واهتمامات جماعة الرفاق ونشاطات المجتمع, أي إن فترة المراهقة يمكن أن نسميها بأنها تجسيد لجميع التغيرات التي حدثت في المراحل النمائية السابقة، فهي امتداد لما حدث لنمو الكائن الآدمي في الماضي. كما أن معالم الجوانب النمائية أثناء فترة المراهقة تختلف بمرور سنوات المراهقة، فالمراهقة المبكرة والتي تتزامن تقريبا مع نهاية سنوات المدرسة الابتدائية في نظام التعليم المصري، عادة ما يهيمن عليها النمو الجسمي والجنسي المفاجئ وأثناء فترة المراهقة الوسطى والتي تتزامن مع نهاية سنوات المدرسة الابتدائية وبداية سنوات المرحلة الثانوية، نجد المراهق أثناءها يهتم بصورة أساسية بالحصول على الاستقلال النفسي من الآباء, ويتعامل مع الرفاق من الجنس الآخر، كما تظهر العلاقات الجنسية الغيرية، والمراهقة المتأخرة تبدأ تقريبا في نهاية سنوات المدرسة الثانوية وتستمر إلى أن يكون المراهق الإحساس المعقول بالهوية الشخصية وينشغل بأدوار اجتماعية محددة بالإضافة إلى أنظمة من القيم وأهداف في الحياة. ولقد استعرضنا في سياق الفصل السابق النمو الجسمي السريع الذي يحدث في فترة المراهقة، وسوف نركز في ثنايا هذا الفصل على التغيرات النفسية والاجتماعية التي تحدث في فترة المراهقة، حيث نلقي الضوء على نضال المراهق من أجل الاستقلال، وتقدم المراهق نحو العلاقات الاجتماعية الناضجة، وتكامل الهوية الشخصية، كما سنستعرض نماذج سلوك دور الجنس، وسنناقش بالإضافة مفهوم الثورة أو العصيان في فترة المراهقة، وفجوة الأجيال، وسنتعرض في ثنايا هذا الفصل إلى بعض مشكلات النمو بصفة عامة سواء في فترة الطفولة أو فترة المراهقة، بعد ذلك نختتم برؤية عامة لحياة الإنسان ونموه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 النضال من أجل الاستقلال: رأينا في الفصول السابقة نمو الاستقلالية عند الأطفال الصغار، والتي تبدأ من نضالهم الأولي في الجلوس والوقوف بأنفسهم بواسطة التحكم في مهاراتهم الحركية في سنوات ما قبل المدرسة، وشعورهم النامي بالكفاية والاعتماد على الذات أثناء فترة الطفولة الوسطى، كما أن نضال فترة المراهقة الوسطى للاستقلال ليس إلا جانبا من نشاطات الشخص اليافع، حيث تصبح غاية في ذاتها، فالمراهقون يناضلون للحصول على الحرية النفسية الكاملة من آبائهم، الحرية لكي يكونوا هم أنفسهم ولكي يحددوا قيمهم الخاصة، ويخططوا مستقبلهم، واختيار ملابسهم الخاصة, ورفاقهم، وسلواهم، والاحتفاظ بأشيائهم الخاصة، وانتماءاتهم وأفكارهم ومشاعرهم. مصادر نضال المراهق للاستقلال: إن انشغال المراهق الكامل واستغراقه في الاستقلالية ينشأ بصورة جزئية من النمو الجسمي والعقلي الذي يعتريه في هذه الفترة، وجزئيا من توقعات الآخرين من حوله, ففي الخامسة عشر والسادسة عشر عادة ما نجد المراهق يحصل على معظم طوله كراشد، ويكون قريبا من الوصول إلى ذروة قدراته العقلية، كما يمكنه الإنجاب، بالإضافة إلى تراكم المعلومات الضخمة لديه عن العالم الذي يحيط به، ويشعر بالكفاءة والقدرة لتسيير حياته الخاصة وبالتالي يجب أن يعامل كشخص راشد، ويحصل على إشباع كبير في امتحان قدرته وكفاءته ويحاول تكوين آراء حول أدوار الراشدين، وعادة ما نجد أشياء صغيرة تجعل المراهق متوترا ضجرا عند سماعه أي شخص يصغر من شأنه أو يستخف بآرائه أو يسلبه حريته. ويعامل الآباء أحيانا مراهقيهم كما لو أنهم أقل قدرة وكفاءة وأقل مسئولية، لأسباب عديدة سنناقشها فيما بعد، وهم بسلوكهم هذا يعوقون نضج شخصية المراهقين، ومن جانب آخر نجد آباء آخرين يعززون نضال مراهقيهم للاستقلالية عن طريق تشجيعهم وتوقعاتهم منهم, وعادة لا نجد في المجتمعات المتقدمة الحد الفاصل بين فترتي الطفولة والرشد كما نجده في المجتمعات البدائية، حيث عادة ما نجد في الأخيرة استخدام طقوس وشعائر تستمر طوال الليل والنهار لإعلام الأطفال الصغار انتقالهم من أدوار الطفولة إلى أدوار البالغين Brown, J. k؛ "1975"، ومع ذلك فيوجد في الثقافات المتحضرة كذلك بعض من الشعائر البسيطة والتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 بواسطتها يعرف الأفراد الصغار فاعترافنا بهم، وشعورنا بأنهم على استعداد لتحمل مسئولية تحديد ذواتهم، فمثلا ترك المراهق لاختيار التعليم الذي يناسبه ويتفق مع ميله، بالإضافة إلى تمكنه من استخراج هوية شخصية وتصريح للعمل وترخيص لقيادة السيارة، وأن يعاملوا ويحاكموا كراشدين عند كسرهم القانون، كما يدرك المراهقون بأنهم يقتربون من السن الذي يمكنهم فيه التصويت والاقتراع في الانتخابات العامة، وتمنح بعض الأسر كذلك سلسلة متدرجة من الطقوس والشعائر الصغيرة في صورة قوانين ومبادئ أقل صرامة عن ذي قبل كاستخدام سيارة الأسرة أو الغياب عن المنزل، أو الذهاب إلى رحلات ومعسكرات خارج المدينة مع أصدقائهم، وهكذا، وعموما فإنه مع كل تصريح أبوي، نجد الآباء يعربون عن الثقة التي يولونها لنضج أطفالهم. ازدواجية المشاعر لاستقلال المراهق: قد نجد كلا من المراهقين الذين ينشدون الاستقلالية، وكذلك الآباء الذين يشجعونهم عليها، يخبرون بعضا من ازدواجية المشاعر Ambivalent عنه، وتؤدي هذه الازدواجية بين الفينة والأخرى إلى أنماط سلوكية متضاربة عند كل من الجانبين. أ- ازدواجية مشاعر المراهق: عندما يبدأ المراهق في التمتع بامتيازات جديدة، نجد بعض الآباء يأسفون على فقدان بعض المسئوليات التي كانت من اختصاصاتهم فيما مضى، ولكنها ذهبت من على كاهلهم الآن, ويتوقع المراهق أن يمنحه الأب مصروفا خاصا ويعمل بعضا من القرارات الحاسمة الخاصة به، ويتحمل بالتالي النتائج لأخطاء بعض القرارات، كما يعني التحرر كذلك من وجهة نظر المراهق التعامل مع المواقف الجديدة، والتي قد يشعر فيها بعدم الكفاءة وصعوبتها بالنسبة إليه، كتوقع تقديم طلبات الاستخدام، أو الاختيار في التعليم بين شعبتيه العلمية والأدبية, أو التعليم الفني, إجراء ترتيبات خاصة لمواعيد الطبيب، ويتعامل كراشد كذلك مع الباعة وجرسون المطاعم والمقاهي, وعادة ما نجد المراهق يلتمس طريقه خطوة فأخرى إلى أن يتمكن من تنمية الثقة بنفسه وبالتالي يسهل عليه التعامل مع هذه المواقف, ومن جانب آخر يجب عليه تحمل اللحظات المؤلمة العرضية لعدم الثقة والارتباك الذي يصيبه في بعض الأحيان, ولذلك فإننا نرى بعض الأوقات أن أغلب المراهقين الصغار يتوقون لأيام فترة الطفولة السعيدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 الخالية من الهموم، حيث كان الآباء يتولون القيام بهذه الأعمال نيابة عنهم. وأحد نتائج ازدواجية مشاعر النمو، نجد المراهق يتردد في بعض الأحيان بين إتيان السلوك الناضج من جهة والسلوك الطفلي من جهة أخرى، فأحد الأيام قد يأخذ المسئولية الكاملة للعمل في الموقف الصعب, وقد يعود في اليوم التالي على أدراجه يائسا إلى الأب لحل مشكلة بسيطة قد تعترضه، وقد يظهر في بعض الأحيان أحكاما صائبة مذهلة، وقد يعمل في أحايين أخرى بصورة اندفاعية هوجاء وبقليل من الاحترام للآخرين، ويشير كل من Beres, D؛ "1961"، Keil, N؛ "1964" أن هذا التأرجح في مستوى نضج المراهقين لا يعكس أية تغييرات ذات دلالة في قدرتهم الأساسية للاستقلالية، حيث إنها تعتبر علامة أو إشارة تقريبية إلى مدى قوة وشغف المراهقين في أن يصبحوا راشدين من جانب، وشغفهم أو حنينهم السابق في أن يبقوا أطفالا من جانب آخر. ازدواجية مشاعر الآباء: عادة ما يستمتع الآباء برؤية أطفالهم ينمون ويدخلون فترة المراهقة، ويستقبل بعض الآباء هذه الأوجه النمائية لمراهيقهم بفرح ورضا فقد يفتخرون بصحة أطفالهم وإنجازاتهم ومظهرهم؛ لأن ذلك في جوهره يعكس أهليتهم وجدارتهم كآباء، ويكون لديهم إشباعا كذلك برؤية مراهقيهم أكثر نضجا وذكاء عما كانوا عليه فيما مضى أثناء طفولتهم، ولديهم توقعات بأنهم سوف يحيون حياة الراشدين المكافئة، بالإضافة إلى أننا نجد بعض الآباء ينظرون إلى تقدم أطفالهم نحو فترة المراهقة أو الرشد بترحاب ورضا لأنهم سوف يكونون أحرارا في أداء أعمال معينة والتي كانوا يشعرون بعدم القدرة على أدائها عندما كانوا أطفالا حيث كانوا صغارا معتمدين عليهم، لا يمكنهم التحرك أو الانتقال بمفردهم. ومن جانب آخر فإن ازدياد استقلال المراهقين والتعرض إلى الأخطار المحتملة، والأشياء المثبطة المخيبة للآمال يؤدي بكثير من الآباء إلى التوتر والقلق فأغلب الآباء ينزعجون ويقلقون بالكيفية التي يتعامل بها المراهقون مع الإحباطات الأكاديمية والاجتماعية، وكذلك كيفية تعاملهم مع الجنس والتدخين والعقاقير، وتشير نتائج دراسة Nostalgia أن الآباء قد يشاركون أبناءهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا بعضا من الشوق والتوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 للعودة إلى الماضي، إلى السنوات المبكرة في فترة طفولتهم، عندما كانت الحياة أقل تعقيدا وتركيبا بالنسبة لكل منهما. وقد تكون فترة المراهقة بمثابة خبرة مؤلمة صعبة لبعض الآباء "وللأمهات بصورة خاصة" اللاتي يتباهين بدورهن الأموي، وبالتالي يعطن تنشئة الطفل ونموه الأولوية المطلقة في حياتهن اليومية، وبالنسبة لهؤلاء الآباء أو الأمهات يصبح نضج مراهقيهم إشارة إلى نهاية دورهم في الحياة، كما نجد بعض الآباء يشعرون بالحزن كلما اقترب أطفالهم من المرحلة التي ينتقلون فيها من سلطتهم، تاركين المنزل وراءهم فارغا إلى حد ما، وأقل هدوءا، وأقل انتقادا ووجود استثارة للصغار ومعادل لما سبق فإن نمو أطفالهم ونضجهم ما هو إلا دليل واضح للآباء بأنهم قد كبروا وأصبحوا أكبر في السن مما مضى Anthony Ravenscroft, k؛ "1970". وبسبب هذه المشاعر والأحاسيس المختلطة، فقد يظهر الآباء اتجاهات شاذة غريبة نحو استقلال مراهقيهم، فقد نجدهم بين الفينة والفينة يعاملون مراهقيهم الذكور أو الإناث كأطفال غير أكفاء كليلة، وفي أحايين أخرى يعاملونهم كراشدين، وبطبيعة الحال فإن المراهقين ليسوا أطفالا وكذلك ليسوا راشدين بعد، وما يحتاجونه عادة هو الخبرة المتدرجة في الاستقلالية والتي يحترم فيها الآباء قدراتهم، إلا أنهم في نفس الوقت يكونون على استعداد لمساعدتهم وتدعيمهم عندما يدخلون في مواقف لا يمكنهم التعامل معها. نماذج السلطة الأبوية: إن الآباء الذين يمكنهم وضع ضوابط معقولة على مراهقيهم، وفي نفس الوقت يعطونهم الفرص المتزايدة بصورة تدريجية للاستقلال، عادة ما يسهمون بصورة فعالة في تدعيم ثقة المراهقين بأنفسهم، بالإضافة إلى ضبط ذواتهم والقدرة على الاعتماد على أنفسهم وقدراتهم لعمل الأحكام الناضجة، وعلى نقيض ذلك نجد الآباء الذين يتحكمون بصورة مفرطة ويتسمون بالصرامة والجمود عادة ما نجدهم يميلون إلى الإضعاف التدريجي من ثقة مراهقيهم بذواتهم وقدرتهم على الاستقلالية، ومن جانب آخر نجد الآباء الذين يتصفون بالتساهل بصورة عالية وعدم القدرة على التحكم وضبط مراهقيهم يجعلون من الصعب عليهم تعلم المسئولية والثقة والاعتماد على أنفسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وتشير نتائج دراسة Baumrind الموسعة والتي اهتمت بدراسة نماذج السلطة الأبوية على الأطفال والمراهقين، أن الآباء الذين يجعلون أطفالهم في مرحلة ما قبل المدرسة بطريقة موثوق فيها جديرة بالاحترام والقبول يكونوا أقرب إلى تدعيم خصائص تأكيد الثقة والاعتماد على الذات عند أطفالهم، وذلك أكثر من الآباء الذين يتصفون إما بالتسلط أو التساهل مع أطفالهم، ولقد ميزت Glen ثلاثة أنماط للسلطة الأبوية عن طريق قياس إدراك المراهقين للسلطة الأبوية نوجزها فيما يلي: أ- النمط الاستبدادي Autocratic: وهم الآباء الذين لا يسمحون للمراهقين أن يعبروا عن وجهات نظرهم في الموضوعات المرتبطة بأنماط سلوكهم كما لا يسمحون بتعديل أو ضبط سلوكهم الخاص بهم في أي اتجاه ما عدا المرسوم إليهم. ب- النمط الديمقراطي Dernocratic: ويتسم هؤلاء الآباء بتشجيع مراهقيهم على الاشتراك في المناقشات المرتبطة بأنماط سلوكهم على الرغم من أن القرار النهائي عادة ما يصدق عليه بواسطة الآباء. ج- النمط المتساهل Permissive: ويتسم هؤلاء الآباء بأن لمراهقيهم تأثير أقوى في اتخاذ القرارات التي تهمهم أكثر مما يكون للآباء عليهم. وبالتأمل إلى البيانات الضخمة التي جمعت في هذه الدراسة سواء من المدارس الثانوية أو الجامعة، تشير هذه البيانات إلى ثلاث علاقات ذات معنى ودلالة بين النموذج الأبوي المدرك وبين اتجاهات المراهقين يمكن إيجازها فيما يلي: 1- المراهقون الذين أدركوا آباءهم يتسمون بالديمقراطية في ممارسة سلطاتهم، وكانوا أكثر ميلا للتعبير عن الثقة في أنفسهم والضبط والتحكم، أكثر من هؤلاء المراهقين الذين كانت وجهة نظرهم عن آبائهم كأباء يتصفون بالتسلط أو التساهل. 2- المراهقون الذين نشئوا في جو ديمقراطي، كانوا أكثر ميلا للتشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 بآبائهم عن هؤلاء الذين نشئوا سواء في جو استبدادي أو جو متساهل. 3- المراهقون ذوو الآباء الديمقراطيين، كانوا أقل ميلا في الشعور بالنبذ، أو أنهم أشخاص غير مرغوب فيهم, إذا ما قورنوا بالمراهقين ذوي الآباء الاستبداديين أو المتساهلين، خاصة عندما يأخذ التساهل أو التسامح شكل إغفال كل شيء يفعله المراهق. ولقد وسعت أعمال الدر Elder السابقة في دراسة مطولة على أكثر من 2300 طالب في المدارس الثانوية والجامعة بالولايات المتحدة الأمريكية على يد Lerser & kandel؛ "1970"، وتشير نتائجهما أن ما يقرب من 48% من المراهقين الأمريكيين يدركون السلطة الأبوية كسلطة استبدادية، وما يقرب من 35% يدركونها كسلطة ديمقراطية والبقية وهي 17% يدركونها كسلطة متساهلة متسامحة, كما كان ينظر عادة إلى الآباء على أنهم يتصفون بالتسلط في حين كان ينظر إلى الأمهات بصورة عامة باتصافهن بالديمقراطية "انظر جدول رقم 1" وهذه النتائج متسقة مع الأدلة التي تشير إلى أن الأطفال يميلون إلى النظر إلى آبائهم كصارمين متزمتين، وينظرون إلى أمهاتهم بأنهم أكثر عطفا وتدعيما وحماية وأكثر تمركزا حول الطفل. جدول رقم "1" يوضح إدراكات المراهقين لنماذج السلطة الأبوية إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وتشير كذلك النتائج أن الآباء الذين يتصفون بالتساهل أو التسامح Permissiveness لا ينتجون أحاسيس ومشاعر قوية لدى مراهقيهم وأطفالهم بسبب إعطائهم الاستقلالية، بل على نقيض ما يعتقده بعض الآباء والمراهقين، وبالأحرى وكما اتضح من الجدول رقم "2" أن المراهقين يشعرون بديمقراطية آبائهم عندما يتصف الآباء بعدم السيطرة والانسحابية في عمل القرارات الملائمة المتعلقة بأنشطة المراهقين، فمن مجموعة المراهقين الذين نظروا إلى أن آباءهم ديمقراطيون تشير النتائج أن 82% منهم اعتقدوا بأنهم يعطونهم الحرية الكافية، وأشار 44% بأنهم يجب أن يعاملوا كراشدين بصورة أكبر، وعلى نقيض ذلك وجد أن 58% من المراهقين الذين نظروا إلى آبائهم كمسيطرين أو متسلطين شعروا بأنهم قد منحوا حرية كافية، كما أشار 64% من المجموعة المسيطرة المستبدة إلى أنهم يجب أن يعاملوا كراشدين بصورة أكبر مما هم عليه, وتشير النتائج بالجدول رقم "3" أنه كلما مال الآباء إلى تفسير قراراتهم كلما شعر المراهقون بإعطائهم حرية أكبر كما أنهم يعاملون كراشدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 جدول رقم "2" يوضح العلاقة بين مشاعر الاستقلال والسلطة الأبوية المدركة والتفسيرات الأبوية للقواعد والمبادئ للمراهقين إسكانر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 يوجد هنا جدول رقم 3 يجب سحبه سكانر ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 وكخطوة أبعد في الدراسة السابقة، حاول الباحث مقارنة أحاسيس المراهقين ومشاعرهم بالحرية وبين اتجاهاتهم نحو آبائهم, وتشير نتائج هذه الدراسة أن أولئك الذين اعتقدوا بأن لهم حرية كافية مع آبائهم، كانوا أقل ميلا بصورة عامة إلى النظر إلى آبائهم كطراز أو نمط قديم، كما لم توجد مشكلات توافقية مع آبائهم إذا ما قورنوا بالمراهقين الذين كانوا يأملون في حرية أكبر من آبائهم. نمو العلاقات الاجتماعية الناضجة: يعطي المراهقون انتباها متزايدا للانتماء لجماعة الرفاق وإلى علاقاتهم مع الجنس الآخر كجزء من نضجهم الاجتماعي, وعلى الرغم من أن هذه الجوانب من العلاقات الشخصية التبادلية تتداخل إلى حد كبير بعضها مع البعض الآخر، إلا أن كلا منها له تضمينات منفصلة على نمو الشخصية, ومن جانب آخر فإن النضج الاجتماعي لا يؤثر فقط في كيفية تعامل المراهقين مع حاجات الجنس والأمن والألفة والمودة فقط, ولكن يؤثر كذلك في كيفية شعورهم وأحاسيسهم عن أبويهم. الانتماء لجماعة الرفاق: يتفاعل المراهقون كما لو أنهم في فترة نمو انتقالية للبحث عن التكافل والتضامن تحت مسئولياتهم الخاصة، فمنذ فترة ليست ببعيدة كانوا يشعرون بالإشباع والرضا في معاملتهم كأطفال، ومع ذلك فإنهم يشعرون بعدم تقبلهم كراشدين، وبالتالي نجدهم يسعون لإقامة جماعات وثقافات خاصة بهم، حيث توفر لهم الفرص في تقاسم والاشتراك في المسئولية لتسيير أمورهم الخاصة، بالإضافة إلى أنهم يخبروا سويا طرق التعامل مع المواقف الجديدة، وأن يتعلموا من أخطاء بعضهم البعض، ومن المهم أن يكون لهم جماعة في مثل عمرهم الزمني حيث يوفر ذلك للمراهقين جماعة مرجعية تعيد إليهم تأكيد ذواتهم كما أنها تكون مصدرا لمرور الهوية من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد Mays, J.B؛ "1971"، Seiden, A. M؛ "1976". وعادة ما تتكون ثقافات المراهقين من قيم متفردة يشترك فيها الأفراد الصغار ويؤيدونها وبالتالي تعطيهم الإحساس بالانتماء لجماعة متطابقة، وتتضمن هذه القيم الأذواق في الملبس، أو اللهجة، الموسيقي، نشاطات أوقات الفراغ والتي نادرا ما يتقاسم فيها الكبار من حول المراهق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 أو يثنون عليها, وتشير كثير من الدراسات أن تفرد المراهقين الظاهري يعكس استياءهم ونفورهم من الراشدين من حولهم فقد نستمع أحيانا المراهقون يقولون لبعضهم البعض "لا تثق أو تصدق أي فرد أكبر من الثلاثين" كما نجدهم يستهجنون بعض النظم الاجتماعية وأصول وآداب السلوك والاحتشام واحترام السلطة، وعلى الرغم من أننا سوف نتناول هذه الظاهرة في نهاية هذا الفصل إلا أنه يجب الإشارة هنا إلى أن هذا الخواء الثقافي الذي يشعر به المراهقون يرجع في جانب منه إلى السياسة غير الناضجة التي يتعامل بها الراشدون مع سلوك وأفعال المراهقين. فمعاملة الراشدين تدخل الصورة كوظيفة لدور المراهق الجديد وتشير نتائج دراسات Weiner, I. B؛ "1972", Mays, J. B؛ "1971" أن ما يفعله المراهقون من ثمة أشياء كالملابس، والتسجيلات الموسيقية والأشياء المثيرة التي تبتكر لجذب ولع المراهقين، فإن الراشدين يقع عليهم عبء توجيه المراهقين ويجب أن يكون تأثيرهم أكثر من تأثير السينما والجرائد والمجلات وبرامج التليفزيون، وهذا لا يتأتى إلا بتفهم حاجات المراهقين ومخاطبتهم على قدر عقولهم حتى نعمل على التأثير فيهم بالوجهة المرغوب فيها، وعموما فمنذ فترة الطفولة الوسطى إلى منتصف فترة المراهقة عادة ما يعزى الاهتمام بجماعة الرفاق إلى حاجات المراهقين للتقمص Identification أو التذوت مع الجماعة ومع نضالاتها من أجل الاستقلال, وبسبب أن المراهقين يرغبون في البحث عن هويتهم والشعور بشخصياتهم نجدهم يجدون من الصعب تحقيق ذلك في الكيان الأسري، وبالتالي فهم لا يثقون بصورة كلية ولا يعتمدون كليا على الآباء في منحهم المودة والتقدير، ومن جانب آخر فإن شعورهم بعدم الرغبة في الظهور بالاعتمادية المطلقة على آبائهم، نجدهم ينظرون إلى جماعة رفاقهم ويتجهون إليها ليحظوا بالتقبل. عوامل الشعبية: أثناء فترة المراهقة عادة ما نجد تقبل الرفاق والشعبية تكون بسرعة وبيسر كما لاحظنا ذلك أثناء فترة الطفولة الوسطى، كما أن ذلك يتوفر ويكون سريعا بالنسبة للمراهقين ذوي الجاذبية الجسمية والأذكياء والواثقين بذواتهم والمراهقين الذين يتسمون بالنشاط والطاقة العالية، ذوي الإغراء في المواقف الشخصية المتبادلة، وعلى نقيض ذلك نجد المراهقين الذين لا يتسمون بالجاذبية أو الذكاء، والذين لا يثقون في أنفسهم، والذين يخافون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 من نبذ الرفاق لهم، عادة ما نجدهم يميلون إلى السلوك في مناح تجعل مخاوفهم حقيقة واقعة فبعض المراهقين غالبا ما يشجعون النبذ والسخرية عن طريق انسحابهم من جماعة رفاقهم وذلك لأنهم يتسمون بالجبن أو بالأعصاب الثائرة المتوترة، ويشعرون بالدونية مع رفاقهم وتكون وسائلهم في البحث عن الانتباه والتقبل من خلال الخنوع والاستسلام أو السذاجة والبلاهة أو بمحاولة إخفاء مشاعرهم بعدم الكفاءة بالسخرية والتهكم والتحدث بصخب وعنف والتظاهر بالشجاعة. كما نجد استمرارية أو عدم استمرارية في تقبل الرفاق ما بين فترة الطفولة وفترة المراهقة، حيث نجد طفرة النمو التي تحدث في المراهقة قد تغير من شكل وهيئة المراهق أوالمراهقة فالفتاة التي تكون قبل مراهقتها غير جذابة فإنها قد تزدهر فجأة داخل مراهقة جذابة وتكون بالتالي محبوبة ذات شعبية في وسط رفاق سنها، وبصورة مماثلة نجد الطفل الذي كان نحيلا ضعيفا قبل المراهقة، قد ينبثق في مراهقته بنمو مفاجيء كشخص طويل ذو عضلات, وبالتالي يدعم تصوره عن ذاته ويحظى بتقدير واحترام جديدين من رفاق مراهقته, وفي نفس الوقت فإن الطفل الذي كان له شعبية فيما مضى ولكنه يبقى طفوليا من الناحية الانفعالية بينما نجد رفقاه يتعلمون العمل بطرق أكثر نضجا، هذا الطفل قد لا يحظى طويلا بصداقة أو بالرفقة أثناء مراهقته, ولهذه الأسباب فلقد وجد تغير اختيارات الصداقة بصورة كبيرة خلال السنوات المبكرة من فترة المراهقة Horrocks, J. E & Others؛ "1966". ولحسن الحظ، فالبنسبة لمعظم المراهقين عادة ما نجد عالمهم المتسع يعطيهم الفرص الجديدة لاكتشاف مدى قدرتهم على العمل الجيد وبالتالي في أن يصبحوا معروفين داخل جماعتهم، فالولد الذي كان قصيرا جدا ولا يمكنه لعب كرة السلة مثلا في فترة الطفولة الوسطى قد يصبح نجما في فريق الكرة بالمدرسة الثانوية في نفس الرياضة السابقة، كما أن الفتاة التي كانت ذات موهبة لفظية أو غنائية والتي كانت كامنة أثناء فترة المدرسة الابتدائية قد تصبح مغنية أو ممثلة مسرحية في المدرسة الثانوية, كما أن الأطفال الصغار ذوي القدرات العقلية المحدودة في المدرسة الابتدائية قد يكون أداؤهم عاليا في النشاط غير العلمي الذي توفره المدرسة الثانوية كالميكانيكا أو اقتصاديات المنزل أو الأعمال السكرتارية ومع هذه الإمكانات فإن المراهقين قد يمكنهم تنمية أحاسيس قيمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 ذواتهم، والثقة في أنفسهم، والتي لم يشعروا بها في مرحلتهم النمائية السابقة، وفي نفس الوقت يعززون ويدعمون مركزهم بين جماعة رفاقهم. ثبات الأصدقاء: على الرغم من تبدل وتغير اختيارات الصداقة أثناء فترة المراهقة المبكرة إلا أننا نجدها تميل إلى الثبات والاستمرار بصورة متزايدة منذ الطفولة الوسطى حتى مرحلة الشباب، وتشير دراسات هوركس Horrocks وزملائه "1951" إلى التقلب لدى الأطفال في اختيار أصدقائهم، وكانت الوسيلة في ذلك أن طلب من الأطفال في أعمار زمنية مختلفة كتابة ثلاثة أسماء من أحسن أصدقائهم وأعادوا طرح هذا السؤال بعد أسبوعين، ويشير الشكل "1" بدليل لمدى التقلب للأولاد والبنات الذي يتراوح أعمارهم ما بين الخامسة والثامة عشرة في علاقات صداقاتهم بعضهم مع البعض، ويعكس الشكل كذلك وبصورة واضحة الميل نحو الاستقرار والثبات في اختيار الصداقة كما تقدم الطفل في عمره الزمني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 ميول الجنسية الغيرية والتزاوج: من أكثر الجوانب أهمية في العلاقات الشخصية المتبادلة والتي تنبثق أثناء فترة المراهقة هو الميل إلى الجنس المغاير، وتشير نتائج دراسة Grinder؛ "1966" إلى ثلاثة عوامل تسهم في بدايات الميل الجنسي للجنسية الغيرية في هذه الفترة، ويمكن إيجازها فيما يلي: 1- التغيرات الهرمونية التي تحدث أثناء فترة البلوغ، تثير أحاسيس جنسية لدى كل من الذكور والإناث وبالتالي تدفعهم للبحث عن صداقة وصحبة كل منهما للآخر. 2- عادة ما ينظر المراهقون لعلاقات الجنس الغيرية كمظهر أو جانب من نموهم وبالتالي تكون ذات قيمة بالنسبة لهم في الإحساس بذواتهم. 3- توقع الآباء والرفاق من المراهقين الاهتمام بالجنس المغاير، وقد يكون للآباء بعض التحفظات عن وقت التزاوج لأولادهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا، إلا أنهم عادة ما يصبحون مهتمون أو قلقون في بعض الأحيان إن لم تظهر لدى طفلهم المراهق الميل نحو الجنس المغاير. وعندما تسأل المراهقين: لماذا يستمتعون بالالتقاء بالجنس الآخر نجدهم عادة ما يعطون واحدا أو أكثر من الأسباب الآتية: 1- لتأكيد الاستقلالية. 2- لإحراز المركز وسط جماعة الرفاق. 3- للبحث عن الإشباعات الجنسية. 4- في أن يكون لهم أصدقاء. 5- للاشتراك في نشاطات الجنس الآخر. وجدير بالذكر فإننا نلاحظ أنه كلما تقدم المراهق في عمره الزمني كلما كان دءوبا إلى الفتاة الثابتة والموثوق بها حتى يمكنه في آخر الأمر الاقتران بها, وعلى الرغم من جاذبية هذا العلاقات مع الجنس الآخر إلا أنها تبطئ تدريجيا بسبب اهتمام المراهق بتكوين جماعة رفاق من المراهقين وبالتالي نجدها تكون مصدرا من مصادر الصراع والقلق عند المراهقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 مراحل تكوين الجماعة ونمو الجنسية الغيرية: صور لنا D. Dunphy في تحليل واسع للبناءات الاجتماعية عند المراهق حيث نلاحظ في بداية مرحلة المراهقة عادة ما يقف البنين والبنات كل منهم بجوار الآخر في جماعات، والتي لا نجدها في مرحلة الطفولة الوسطى، وفي المرحلة الثانية يبدءون في التفاعل داخل جماعات من بنين وبنات، وبعد ذلك يدخلون مرحلة ثالثة نجد فيها تحولا، فغالبا ما نشاهد أزواجا من البنين والبنات، وفي نهاية فترة المراهقة يتحول ذلك ويعود مرة أخرى إلى ازدواج المراهقين والمراهقات حيث يكونون في علاقة قريبة بعضهما مع البعض وبالتالي قد يفقد المراهق في هذه الفترة الارتباطات مع الأزواج الأخرى. وهذا يعني أن الأولاد والبنات الذين يكونون في مرحلة ما قبل المراهقة لا يجدون ما يفعلونه سويا، ولكنهم يبدءون في مراهقتهم المبكرة في تنظيم الحفلات والتي من خلالها يختبرون أحاسيسهم ومشاعرهم الجديدة بحذر شديد، فقد يستمعون إلى التسجيلات سويا، ويذهبون في رحلات جماعية، وقد تصل الأمور إلى أكثر من ذلك في بعض الأحايين، وكل ذلك يكون ضمن محتوى نشاط الجماعة بدون أن يتطلب ذلك تواجدهم في أزواج سويا، وتتدرج هذه العلاقات فقد نجدهم يضربون المواعيد بعضهم مع البعض الآخر للقاءات في أزواج ويعني ذلك أن شئونهم الاجتماعية تصبح متمركزة على شريك واحد وليس على جماعة من الذكور والإناث، وبمرور الوقت فإننا نجد أن أخذ المواعيد المتعمدة وأحيانا قد تأتي عن طريق الصدفة، تميل إلى أن تكون أكثر تكرارا عن ذي قبل وقد تتحول إلى التنزه سويا. وتشير نتائج دراسة Douvan؛ "1966" أنه على الرغم من أن نتيجة هذه المراحل ليست متماثلة، إلا أننا نجد أن عمر الانتقال أو التحول من فترة إلى أخرى يختلف، فأغلب الإناث في الولايات المتحدة الأمريكية يبدءون ضرب المواعيد في الرابعة عشر تقريبا، في حين نجد الذكور يتأخرون إلى ما بعد هذا السن، فغالبا ما يكون بعد الإناث بعامين تقريبا، وحيث أن تبادل المواعيد يكون في جوهره علاقة اجتماعية محدودة بواسطة معايير الثقافة ولا يكون نتيجة للنمو البيولوجي، وعموما وكما ذهبت نتائج الدراسة السابقة أن الاختلافات في النضج الجسمي يبدو أنها ذات تأثير ضعيف على الوقت الذي يبدأ فيه المراهقون والمراهقات للالتقاء وضرب المواعيد بعضهم مع البعض الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 شكل رقم "2" يوضح مراحل نمو الشخصية عند إريكسون ومراحل النمو العقلي عند جان بياجيه إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وكظاهرة ثقافية، فإن نماذج التلاقي تختلف تبعا للطبقة الاجتماعية للمراهقين، وكذلك النواحي الثقافية التي تكتنفهم، فمثلا في المناطق الحضرية يميل المراهقون والمراهقات إلى أن يكونوا أكثر تبكيرا في التلاقي وضرب المواعيد بعضهم مع البعض الآخر، إذا ما قورنوا بأقرانهم في المناطق الريفية, كما أن المراهقين في الطبقة المتوسطة يميلون إلى أن يبدءوا هذه اللقاءات الثنائية بصورة أكثر تبكيرا عن المراهقين في الطبقة الدنيا Lowrie, S. H؛ "1961" كما أن الطبقة الأخيرة تميل إلى إتمام مراسيم الزواج بصورة أسرع من المراهقين في الطبقات الأخرى في حين نجد الطبقة الأعلى يميل المراهقون فيها إلى التلاقي بصورة أطول قبل أن يصبحوا أزواجا. مصادر قلق الالتقاء بالجنس الآخر: عادة ما ينتاب المراهق القلق عندما يقرر أن يسأل فتاة معينة للالتقاء معها فكلما كانت هذه الفتاة تتصف بالدماثة والجاذبية كلما شعر بالسعادة والشعبية لقبولها موعده, إلا أنه قد يصاب بالانكماش أو الانطواء في حالة رفضها لطلبه، ويمكن للمراهق أن يتجنب هذا الصراع الإقدامي الإحجامي بعدم محاولته أخذ أية مواعيد إلا أنه في نفس الوقت قد يشعر بحرمان نفسه من فرص إقامة العلاقات مع الجنس الآخر. كما تجابه المراهقة مشكلات متشابهة، حيث إنها قد تطلب للالتقاء من أكثر من شخص، وينتابها الحيرة في قبول, أي منهما كما أن الفتاة التي ترغب في الذهاب مع زميل يجب أن تتظاهر بالحياء والخجل وتكتم أحاسيسها ومشاعرها الحقيقية عنه، بالإضافة إلى أنه عندما تطلب فتاة من قبل شخص لا تشعر نحوه بأية علاقة نجدها في صراع هل تقبل لمجرد أن تشبع رغبتها في أن يكون لها صديقا، أو ترفض على أمل أن يطلبها شخص آخر تميل إليه Place, D. M؛ "1975". ولقد أشارت أبحاث مسحية عديدة مثل. Breed, w؛ "1956", Seodem. A. M؛ "1976" أن أغلب المراهقين عادة ما يشعرون بعدم الأهلية حين الالتقاء بالجنس الآخر، ففي البداية على الأقل قد يحسون بالخجل والقلق والاضطراب، والخوف في بعض الأحيان، ففي إحدى هذه الدراسات السابقة Seiden أشارت النتائج على 1500 طالب من المدرسة الثانوية إلى أن ما يقرب من ربع عدد الطلاب الذكور وثلث عدد الإناث قد شعروا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 بالإخفاق في ضرب موعد للقاء مع الجنس الآخر، وعلى الرغم من أن هذه الاهتمامات وهذا النوع من القلق الذي ينتاب المراهقين عادة ما تكون ساذجة وغير منطقية، إلا أننا يجب أن نشير إلى أن الالتقاء الناجح مع الجنس الآخر يمكن أن يكون محددا حاسما لأحاسيس المراهقين لتقدير ذواتهم والانتماء لجماعة الرفاق، فالمراهقون الذين لا يلتقون مع الجنس الآخر أو يتم اللقاء في جو قلق مضطرب عادة ما يميلون إلى الشعور بالدونية مع أقرانهم الأكثر أهلية واجتماعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين إن معظم الجهود الموجهة لمنع ومعالجة الجنوح لم تحقق النتائج المنتظرة منها، وعلى أي حال فيجب أن نلاحظ أن تلك الجهود، حتى تلك التي تحاول استخدام الحلول الممكنة قد ركزت بصورة كبيرة على الشباب الذين لديهم مشكلات خطيرة فالكثير من الطرق التقليدية كالعقاب والوضع في المؤسسات والسجن قد جعلت بصورة عامة الأمور أسوأ مما كانت عليه، لأنها قد تخضع المراهق أو الشاب لصدمة نفسية وخبرات غير سارة، بينما تمده بقليل أو بلا شيء من المساعدة النفسية والتعليمية والترويجية. وعموما فلا توجد حلولا سحرية لمشكلة الجنوح المتزايد، ولكن يبدو أن الجهود في المستقبل سوف تؤكد على عملية منع الجنوح منذ بدايته والتي تتمثل في برامج الإرشاد الوقائي فالتعرض للبرامج الشاملة للعناية النفسية والمهنية والتربوية التي تهدف إلى تطوير إمكانات المرهقين والشباب, وجدير بالذكر فإن الجنوح لا يعتبر مرضا في حد ذاته، ولكنه عرض لمشكلات أساسية اجتماعية ونفسية واقتصادية وتعليمية ترويجية وجسمية وأيضا فلسفية, كما أن جميع البرامج الإرشادية النفسية التي توجه للوقاية أو علاج الجنوح لا تأتي بالثمرة المرجوة منها، طالما لم تبذل المجهودات الصادقة لتحسين الظروف الاجتماعية التي يحياها المراهقين والشباب والتي تعتبر الأساس المغذي للجنوح، فالفقر، والتدهور الاقتصادي وفقدان المعنى عند المراهقين والشباب، واضطراب تكوين الهوية والصراعات المتزايدة التي يشعر بها الشباب، وعدم وضوح الهدف والانسلاخ عن المجتمع، وعدم توفر القدوة الصالحة، كل هذه العوامل إن لم يوجه إليها جهود صادقة لاحتوائها وتداركها فإن معدل الجنوح سوف يتزايد يوما بعد يوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية مدخل ... الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية: تميل الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية إلى الظهور أثناء المراحل الانتقالية في حياة المرء والتي تتميز باضطراد النمو الجسمي والنمو المعرفي أو التغيرات التي تحدث في المطالب الأبوية والاجتماعية والتي تؤدي بصورة مؤقتة إلى تعويق توازن واتزان الفرد، وتؤثر جميع هذه العوامل في بداية فترة المراهقة، وبعض من هذه الاضطرابات قد تكون حتمية ومتعذرة الاجتناب، ولكن إلى أي مدى ستكون حدة تلك الاضطرابات والصورة التي ستكون عليها، والوقت الذي ستحدث فيه، كل تلك المظاهر تعتمد على العديد من العوامل، فإن طبيعة تكيف المراهق السابق والضغوط التي تجابهه أثناء سنوات المراهقة قد تؤثر في طبيعة تلك الاضطرابات، وقد تكون تلك الاضطرابات بالنسبة لبعض المراهقين ليست بذات أهمية ولا تدوم طويلا، وقد تكون للبعض الآخر شديدة وحادة وقد تؤدي إلى أعصبة نفسية معوقة أو حتى إلى اضطرابات ذهانية. والجدير بالذكر، فإننا لا نستطيع في هذا المقام إلقاء الضوء على المجال الكامل لاضطرابات فترة المراهقة من حيث أسبابها ومتطلباتها العلاجية الخاصة، إلا أن الذي سوف تركز عليه في هذا الموجز، هو بعض أشكال الاضطرابات الهامة والرئيسية التي تحدث في فترة المراهقة، مع بعض الملاحظات الإرشادية والعلاجية لوقاية وعلاج مراهقينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 القلق : إن بعض مشكلات المراهق قد يسهل تفهمها فالمراهق الذي يسعى لبناء علاقة متبادلة متكافئة مع أعضاء جنسه أو الجنس المخالف والذي يقابل دائما بالرفض أو التوبيخ، قد يصبح قلقا وغير واثق من نفسه، ومن التفاعلات الاجتماعية وبالتالي يميل إلى الانسحاب والعزلة. ويصعب علينا تقدير ما ينتاب المراهق من اكتئاب بسبب فقد والده أو شخص عزيز عليه، والقلق الحاد والأحلام المزعجة لمراهق قد مر حديثا بخبرة مؤلمة أو سيئة ومع ذلك، فإن أنواع أخرى من الأعراض ليست من السهولة تفهمها، ويرجع ذلك إلى أن المصادر الرئيسية لهذه الأعراض "مثل الخوف من فقدان الحب، أو الخوف من وجود مشاعر غاضبة أو دوافع جنسية غير مقبولة، أو فقدان الإحساس بالهوية الشخصية"، عادة لا يعبر عنها بطريقة شعورية، حيث نجد المراهق يبني بطريقة لا شعورية دفاعات نفسية ضد التعبير عنها، وذلك لأن السماح لمثل هذه البواعث والأحاسيس المضطربة في أن تجد طريقة شعورية للتعبير عنها قد يسبب له قلق مؤلم وشعور بالذنب، وفي بعض الحالات تكون تلك المجهودات الدفاعية غير ذات فعالية، أو تكون فعالة بصورة جزئية, وقد ينتج عن هذا قلقا معمما سواء كان في صورته الحادة أو المزمنة. إن المراهق الذي يكون لديه رد فعل حاد للقلق، يشعر بخوف مفاجئ كما لو كان شيئا ما سيئا على وشك أن يحدث له فقد يصبح متهيجا ومستاء، ومن السهل أن يروع وأن يخاف، ويخبر ثمة أعراض جسمية كالصداع والدوخة والغثيان أو القيء, ويكون مجال انتباهه محدودا وقد يبدو عليه الذهول والتشتت، كما أن اضطرابات النوم شائعة عند مثل هذه الحالات حيث توجد صعوبة في النوم، وعملية النوم ذاتها قد تكون قصيرة غير مريحة، مصحوبة بالتقلب في الفراش، أو قد تكون مصحوبة بالكوابيس أو المشي أثناء النوم, والمراهق الذي يعاني قلقا حادا، قد يكون في حيرة في العثور على مصدر ذلك القلق حيث قد ينسبه إلى نوعية مختلفة من الظروف والأحداث الخارجية المتفرقة, والفحص الدقيق لمثل هذه الحالات يومئ إلى أن هناك عوامل كثيرة وأساسية متضمنة، وثمة عوامل قد لا يكون المراهق واعيا بها بصورة شعورية، والعلاقات المضطربة بين الوالد والمراهق والاهتمامات المرتبطة بمطالب النضج، أو المخاوف وبالشعور بالذنب المتعلقة بالدوافع الجنسية أو العدوانية. ويجب أن تجري التدخلات الإرشادية أو العلاجية بصورة مبكرة عندما تكون العوامل المسببة في صورتها الأولية الواضحة وبالتالي يمكن التعامل معها وذلك قبل أن يصبح القلق في صورة حادة وقبل أن يؤثر ذلك في نمط حياة المراهق "وعلى سبيل المثال الانسحاب النفسي، إعاقة العمل المدرسي، الأعراض الجسمية المستمرة كالآلام والإسهال وضيق التنفس والتعب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 اكتتاب المراهق ... اكتئاب المراهق: كان الكثير من علماء النفس الإكلينيكيين ينكرون أن الاكتئاب يمكن أن يحدث بين الأطفال والمراهقين الصغار، حيث يشيرون إلى أن بداية فترة المراهقة نجد كلا من الذكور والإناث يميلون إلى التعبير عن مشاعرهم بصورة صريحة، ويميلون إلى إنكار الاتجاهات السلبية والنقدية للذات، فهم عادة لا يظهرون الكآبة واليأس والانتقاص من قيمة الذات وذلك كما يفعل الراشدون المصابون بالاكتئاب، إلا أن نتائج الدراسات الحديثة أظهرت أن كثيرا من المراهقين يخفون مشاعر الاكتئاب الكامنة بواسطة طرق مقنعة تندرج من السأم والملل وعدم الارتياح إلى أعراض توهم المرض أو وسواس المرض، وفوق ذلك فإن مشاعر الاكتئاب شائعة إلى حد ما بين المراهقين. وعادة ما يتخذ اكتئاب المراهق أحد النوعين التاليين، فالنوع الأول يعبر عنه على أنه "إحساس بالفراغ، فقدان تحديد الذات، وكما يوصف لفظيا بأنه حالة فقدان الشخصية Depersonalization, فالمراهق المكتئب قد يشكو من وجود شعور بالنقص أو الفراغ، كما لو كان قد هجر ذاته ولم يحل محلها ذات نامية راشدة ويولد هذا الفراغ مستوى عاليا من القلق، وهذا النوع من الاكتئاب يشبه حالة الحداد، والتي يخبر فيها الشخص المحبوب كجزء من الذات، وقد يكون أقل ضررا، ومن أكثر الأنواع حلا وعلى نقيض من ذلك نجد بعض المراهقين "والتي توحي شكواهم بالإحساس بالفراغ، فإن ذلك قد يشير إلى إمكانية الإصابة بعملية ذهانية ضمنية" حيث نجد المراهق في هذه الحالة ليس لديه القدرة على توجيه مشاعره وأحاسيسه، ولا يمكنه تقييمها أو التعبير عنها. وبالتالي فهو ينكر أصلا وجود مشاعر لديه. والنمط الثاني: من اكتئاب المراهقة، والذي قد يصعب حله بسهولة، حيث نجد له أساس في خبرات الهزيمة المتكررة على مدى فترة زمنية طويلة، ويحدث هذا النوع بين المراهقين الذين قد جربوا بصورة واقعية كثيرا من الطرق لكي يجدوا حلولا لمشاكلهم ولكي يحققوا أهدافهم الشخصية ذات المعنى بالنسبة لهم إلا أنهم لم يوفقوا في ذلك، سواء كان ذلك بسبب فشل الآخرين في تفهم وتقبل ما يحاول المراهق عمله، أو بسبب عدم الكفاءة الشخصية والتي جعلت الأهداف غير ممكنة التحقيق, كما أن الكثير من محاولات المراهقين للانتحار لم تكن نتيجة باعث مؤقت. ولكنها في الأغلب تكون نتيجة لسلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة للعثور على حلول بديلة للمشكلات والصعوبات التي تواجههم وعادة ما يكون سبب هذا النمط من الاكتئاب يتمركز في فقدان العلاقة ذات المعنى سواء مع الأب، الصديق، أو أي شخص كان المراهق على حب معه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 توهم أو وسواس المرض HYPOCHONDRIASIS: إن مبحث الأغراض الجسمية المرضية، عادة ما يطلق عليه بتوهم أو وسواس المرض, ويشتمل على الانشغال والاهتمام المفرط بوظائف أعضاء الجسم, والمراهقون المصابون بوسواس المرض قد يكونوا مهتمين أو منشغلين بوجود عدم انتظام في ضربات قلوبهم، وفي تنفسهم أو الهضم على الرغم من أن كل هذه الوظائف تكون في حالة عادية تماما. أو قد نجدهم يبالغون في دلالة وحجم الاعتلالات الجسمية البسيطة، كالأنف المسدود من شدة الزكاة والاضطراب المعوي الخفيف أو التقلص العضلي, وأعراض وسواس المرض على الرغم من أنها قد تحدث في مرحلة الطفولة، إلا أنها أكثر شيوعا أثناء فترة المراهقة، وفي الحقيقة فإن التغيرات الجسمية والجنسية للبلوغ تجذب بصورة حتمية اهتمام المراهق بذاته الجسمية وليس هذا يستغرب وحقيقة فإن قدر معين مما تعتبره انشغالا مفرطا بالجسد بالنسبة للشخص الراشد، قد يمثل ظاهرة نمائية عادية تماما بالنسبة للمراهق. ومن ناحية أخرى فإن الانشغال الجسمي والاهتمام بها بصورة مفرطة والتي تكون غير قابلة للتغيير قد تومئ باضطرابات داخلية شديدة، وقد تؤدي أعراض الوساوس المرضية عددا من الوظائف فعندما يخبر المراهق أو الشاب قلقا حادا غير أنه يكون غير متأكد من مصدره حينئذ يمكن أن تكون تلك الخبرة غامرة، لدرجة أنها تؤدي إلى الخوف من الجنون فقدرة المرء على العثور على سبب للقلق يساعد في جعله يبدو أكثر معقولية أو منطقية للفرد، وبالتالي أقل غموضا, وقد يصبح التركيز بالنسبة لبعض المراهقين عن الجسم عرضا من أعراض المرض. إن قلق المراهق المصاب بوسواس المرض قد يتضمن محتوى حقيقيا، وحتى بالرغم من وجود ذلك فعادة ما يكون غير كاف في حد ذاته لكي يفسر درجة الانشغال والاهتمام التي يكون عليها المراهق فكثير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 المراهقين يخشون ألا يكون نمو ذواتهم الجسمية متناسقا مع ذواتهم النفسية الجديدة، فقد يخشى الذكر المراهق ألا يحقق النضج الجنسي، وقد تخاف المراهقة من أن يصبح حجم صدرها صغيرا جدا أو كبيرا جدا. كما أن مشاعر وأحاسيس التعب قد تؤدي بالمراهقين والمراهقات إلى الشعور بتشويه ذواتهم الجسمية بصورة دائمة، وقد يكون ذلك الإحساس نتيجة لعادات الاستمناء كما قد تستخدم أعراض وسواس المرض كطريقة لتبرير تجنب بعض الأنشطة مثل الرياضة أو العمل الجسمي حيث يشعرون بعدم الكفاءة فيه. إن المراهقين الذين ينموا لديهم أعراض وسواس المرض، عادة ما يكونون من أسر منشغلة ومهتمة بصورة كبيرة بموضوعات الصحة والمرض, وعادة ما تكون أعراض ذلك المرض بالنسبة للمراهقين في صورة تطابق مع والد أو أخ معين, فالمراهق الذي يتعدى أعراض الوسواس المرضي لديه الصورة العادية لاهتمامات المراهق الجسمية، أو تثبت مقاومتها للتغيير، حينئذ يحتاج للمساعدة النفسية، فالمشاكل التي تكمن وراء الأعراض يجب أن تجدد، ولحسن الحظ فبمجرد تحقيق ذلك عادة ما نلاحظ المراهق يبدأ في التعامل مع هذه المشكلات وبالتالي تختفي أعراض تلك الوساوس المرضية بصورة ملفتة للنظر، والجدير بالذكر فإننا عادة ما نجد الراشد الذي يعاني من وسواس المرض أكثر مقاومة للمساعدة النفسية إذا ما قورن بحالة المراهق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 الاضطرابات السيكوفسيولوجية : قد تظهر المشكلات النفسية في الاضطرابات الواقعية في أداء وظائف الأعضاء سواء كانت حادة أو مزمنة، وقد تؤدي الأخيرة إلى اضطراب سيكوسوماتي حيث تتضمن أحيانا اختلال في تغيرات هيكلية كما تتضح في حالة القرحة المعوية. وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الاضطرابات المؤقتة في الوظائف السيكوفسيولجية ليست شائعة في مرحلة منتصف الطفولة أو مرحلة المراهقة، حيث نجد أن الضغوط النفسية لها تأثير ملحوظ إزاء الوظائف المعوية، وكذلك على نشاط الأوعية الدموية للقلب، وكذلك على وظيفة الجهاز العصبي المركزي، فمثلا كثير من الحالات التي تعاني من الاضطرابات في العصارة المؤلمة، واضطرابات المعدة، وحرقان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 القلب وانتفاخ البطن وعسر الهضم، عادة ما تظهر ردود فعل الأطفال والمراهقين للضغوط النفسية، وبالمثل فإن معدل ضربات القلب غير العادية والطويلة غالبا ما تكون مصحوبة بحالة قلق حادة أو مزمنة، وقد يشكو المراهق من زيادة ضربات قلبه أو ارتفاع نبضه، ويخشي أحيانا أن يحدث له أزمة قلبية، كما أن صداع التوتر العضلي وآلام الظهر، وآلام الصدر وعدم الراحة، قد تكون جميعها نتيجة للضغوط النفسية, والجدير بالذكر، فإن الاضطرابات السيكوسوماتية أثناء فترة الطفولة والمراهقة يحتاج علاجها اهتماما واعيا بكل جوانب الاضطرابات الجسمية والنفسية والاجتماعية ونمط التفاعل الأسرى التي قد تسهم في جعل هذه الاضطرابات حادة وأكثر خطورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 اضطرابات الأكل : ليس بمستغرب إذا نظرنا إلى التغيرات الجسمية والنفسية السريعة التي تحدث في بداية البلوغ أن نرى كثيرا من المراهقين يمرون بفترات قصيرة ينقص فيها وزنهم أو يزداد عن المعايير المقبولة, وعادة ما نجد معظم المراهقين عندما يحدث استقرار لهذا النمو، قد تتناسب أوزانهم من خلال تنظيم التغذية، إلا أننا نرى في بعض الأحيان أن الإفراط في الأكل قد يؤدي إلى السمنة المفرطة الخطيرة، وأحيانا يؤدي إلى فقدان الوزن الخطير، وهو ما يعرف بفقدان الشهية للأكل والمعرف باسم ANOREXIA والذي عادة ما يحدث أثناء فترة المراهقة ويكون أكثر شيوعا بين الإناث عن الذكور, والمراهقون الذين يتسمون بالسمنة المفرطة، أو فقدان الشهية للأكل يميلون إلى الافتقاد الواضح والمحدد لهويتهم كأفراد مستقلين ومميزين قادرين على تحديد وتحقيق أهدافهم الخاصة، وقد يكون فقدان الشهية حالة محيرة فقد يكون لديه إدراك مشوه لصورة ذاته الجسمية، وكثير من المراهقات اللاتي يعانون من فقدان الشهية تبدو المراهقة وكأنها هيكل جلد نحيل من العظام ودائمة الشكوى من قلق زيادة الوزن، وما زالت هناك أسباب كثيرة تكمن وراء هذه الحالة لم نتمكن من معرفتها حتى الآن، كما أننا عادة ما نلاحظ هذه الحالة شائعة بين المراهقين والمراهقات الأثرياء أكثر من المراهقين والمراهقات الفقراء. وقد تلعب العوامل البيولوجية دورا في ذلك، إلا أن العوامل النفسية تبدو أكثر أهمية, وعادة ما ينزعج الآباء عندما يبدأ فقدان الشهية عند أطفالهم أو مراهقيهم، وكثيرا ما يعبرون بأن طفلهم يبدو عاديا مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 باقي الأطفال أو المراهقين من حيث الطيبة والهدوء والطاعة والاعتماد على النفس بالإضافة إلى شغفه لإرضاء الآخرين، ومعظم المرهقون والشباب الذين يعانون من فقدان الشهية فإنهم لا شعوريا يشعرون أنهم قد استغلوا وحرموا من توجيه حياتهم الخاصة بهم، وبالتالي أصبحوا غير قادرين على تكوين هوية قوية خاصة بهم, وقد يظهرون حاجة ملحة قهرية في السيطرة على كل جوانب حياتهم خاصة السيطرة والتحكم على أجسامهم, وقد يشعرون أيضا بعدم القدرة على مواجهة مطالب النضج الجنسي، وفقدان الشهية والتي قد تعوق عملية الحيض عند المراهقات وتجعل الخصائص الجنسية الثانوية أقل وضوحا وبروزا. وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن آباء المراهقة التي تعاني من فقدان الشهية عادة ما كانوا يتسمون بالسيطرة الحازمة والنظام والتنظيم الزائد أثناء فترة الطفولة، لدرجة أن حدث اضطراب عند الطفلة في بناء معنى للهوية والثقة في قدرتها على اتخاذ قراراتها بنفسها. ومن الواضح أن الوزن الزائد عن الحد أو الوزن الأقل عن الحد، قد يسبب مشكلات خطيرة، وأحيانا فسيولوجية تهدد حياة الفرد، وبالتالي تكون الحاجة ملحة إلى الرعاية الطبية المتخصصة والعلاج النفسي, وبسبب علاقات الوالد والطفل المضطربة وغير المنتظمة والتي تتضمن المشكلات المرتبطة بنمو الاعتماد على النفس والنضج الجنسي، فإن العلاج والإرشاد النفسي يلعب دورا رئيسيا، وأي برنامج علاجي أو إرشادي يجب أن يتضمن المساهمات الأبوية الفعالة. وبطبيعة الحال فقد يعاني المراهقون أنواعا مختلفة من الاضطرابات النفسية، والتي قد تتضمن المخاوف والرهاب، FEARS & FOBIA, رهاب المدرسة الأهجسة والقهر، على الرغم من أن هذه الاضطرابات عادة ما تنتشر بين الأطفال أكثر من انتشارها بين المراهقين. كما أن نسبة قليلة من المراهقين قد يعانون من بعض الاضطرابات الحادة مثل فصام المراهقة، والذهان التسممي TOXIC PSYCHOSIS. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين : يحتاج المعالج والمرشد النفسي سواء الذي يعمل بالعلاج النفسي الفردي أو الجماعي إلى تدريب خاص، خاصة الذي يتعامل مع المراهقين. بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون لديه القدرة على حب المراهقين ويتصف بالدفئ العاطفي والمرونة والصراحة والأمانة، والقدرة على إبداء الرأي، وعدم التحيز والثقة بالنفس والقدرة على وضع حدود بدون عدوانية، وافتقار الدفاعات الشخصية. والمراهقون لديهم بصيرة أكثر من الأطفال في إدراك الأشياء الزائفة واستغلالها ومع ذلك، فإن اتسم المعالج أو المرشد النفسي بالاعتدال ولا يقلل من إمكانات المراهق حينئذ يمكن أن ينمي شعورا بالثقة والاحترام، ويظل المراهق أيضا في حاجة إلى أن يجعل ذلك واضحا بدرجة كبيرة من قبل المعالج, والمعالج الناجح ذو الفعالية يجب أن يكون مرنا، على استعداد لكي ينتقل من الاستماع إلى التساؤل، إلى إعادة التأكيد، وتوضيح الحقيقة، إلى التفسير، حتى إلى الجدل وإلى وضع الحدود عندما يكون ذلك ضروريا، فالمراهقون ذووا الاضطراب الانفعالي يحتاجون إلى فرض حدود خارجية عليهم نتيجة حالاتهم المضطربة، فهم عادة لا يكونون على مقدرة في أن يضعوا حدودا لأنفسهم. ويجب أن نضع في أذهاننا -في نفس الوقت- الصراع من أجل الاستقلال، حيث إن بناء الاستقلالية تعتبر مهمة نمائية حرجة بالنسبة للمراهق, ولهذا فإن المعالج أو المرشد النفسي يجب أن يكون منتبها لأخطار السماح بالاستقلالية الطفولية أثناء مرحلة العلاج أو الإرشاد حتى لا يصبح بديلا للصراع الضروري تجاه الاستقلالية الكاملة والاعتماد على الذات، إن إحساس المراهق بهوية محددة واضحة ما تزال في طور النمو، وما تزال غير محددة واضحة المعالم، ومن هنا فالمعالج أو المرشد النفسي كالأب الحكيم يجب أن يكون حذرا من الميول الخادعة وبالتالي يكون عرضة في أن يخلط بين هوية المراهق وهوية الشباب، أو أن يطول فترة العلاج أو الإرشاد بصورة غير ملائمة. وبإيجاز، فعلى الرغم من اختلاف الأدوار بصورة حتمية في عدد من الجوانب الهامة، فإن الأب الفعال والمعالج والمرشد النفسي الفعال يتقاسمون عددا من الخصائص الضرورية، فكل منهم يحتاج إلى أن يكون جديرا بثقة المراهق واحترامه، كما يحتاج كل منهم إلى إظهار ثقته واحترامه للمراهق كإنسان متفرد، بالإضافة إلى ذلك فإن كلا منهم يحتاج إلى أن يكون ذا سلطة دون استبداد أو تحكم، أو فوضوية، وعادلا وكل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 منهم يحتاج إلى أن يكون قادرا على وضع حدود عندما تكون ضرورية ويتسم بالثقة ولا يتسم بالعدوانية، وكذلك إدراك حاجة المراهق الملحة نحو الاستقلال، وعموما فإن كلا العملين ليس سهلا، إلا أن كليهما سوف يكون أقل صعوبة بالنسبة لهؤلاء الأفراد الذين حقيقة يحبون المراهق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 الباب الرابع: مرحلة الرشد مرحلة الرشد المبكرة Early Adulthood: تعتبر مرحلة الرشد من المراحل التي قد يصعب تحديدها وتعريفها إذا ما قورنت بفترات النمو السابقة، ويرجع ذلك إلى أنها لم تلق الاهتمام بالدراسة بنفس القدر التي درست به فترات النمو السابقة عليها. بالإضافة إلى أن مجالات حياة الأفراد عادة ما تتنوع وتتباين بصورة كبيرة أثناء مرحلة الرشد، فقد نجد بعض الشباب ممن ناهز عمر العشرين ما يزال مشغولا بدراسته الجامعية، وقد يدخل البعض الآخر سوق العمل فور تخرجهم من المدارس الثانوية أو الفنية، وقد نجد البعض قد استقل عن أسرته وكون أسرة خاصة به، كما نجد في الريف على سبيل المثال، ولذلك فإن مرحلة الرشد عادة ما يتم تعريفها في ضوء المهام والمسئوليات التي تنجز خلالها، بالإضافة إلى الأدوار التي تؤدي، أكثر من تعريفها وتحديدها بناء على العمر الزمني وحده. وعموما فمرحلة الرشد تتمثل في تلك المرحلة من الحياة التي يبدأ الأفراد خلالها تكوين التزامات وتعهدات جادة، كما نجد الزواج يحدث أثنائها، حيث يبدأ الشباب تكوين أسر خاصة بهم ويأخذون مواقعهم ومراكزهم في دنيا العمل, وفي بداية هذه المرحلة، نجد الأفراد يقومون بتحديد علاقاتهم بمجتمعهم والأفراد من حولهم وذلك بواسطة الحب والعمل وكذلك اللعب, وتختلف عدد السنوات التي يقضيها الأفراد في تحقيق هذه المهام, جملة القول: إن الحد الفاصل بين مرحلة المراهقة ومرحلة الرشد غير قاطع أو واضح بصورة كاملة، ومع ذلك يمكننا ملاحظة بعض من التغيرات النمائية التي تحدث في هذه المرحلة من حياة الإنسان ويمكن إيجازها فيما يلي: النمو الجسمي: عادة ما يميل علماء النفس إلى وصف وتعريف مرحلة الرشد عن طريق النمو النفسي والاجتماعي الذي يحدث أثناء هذه المرحلة، كدخول الجامعة، أو دخول مجال العمل، أو الزواج، ومع ذلك فإننا نلاحظ أن هذه المرحلة تتميز أيضا بوجود بعض الخصائص الجسمية التي يمكن تمييزها، ففي أثناء مرحلة الرشد, أي ما بين العشرينات وأوائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 الثلاثينات, يصل الفرد إلى ذروة نضجه البيولوجي والفسيولوجي، حيث نجد بالنسبة لمعظم الأفراد أن السرعة والتناسق والقوة والتحمل الجسمي عادة ما تكون بصورة أكبر عما كانت عليه في المراحل السابقة، أو ستكون عليه في المراحل اللاحقة، فالأبطال الأوليمبيين عادة ما يقعون في هذه المرحلة العمرية، وتشير نتائج دراسة سيرز وفيلدمان Sears & Feldman؛ "1964" على سبيل المثال إلى أن أولئك الأفراد الذين يتنافسون في مسابقات العدو لمسافات طويلة أو قصيرة ومسابقات القفز والحواجز وجميع الألعاب الرياضية التي تتطلب درجة عالية من الرشاقة والسرعة والاتساق الحركي كانوا جميعا فيما بين الثامنة عشر والثلاثين من عمرهم, كما نجد المهن والأعمال التي تعتمد بصورة أساسية على المهارات الجسمية عادة ما يصل الأفراد إلى ذروة إنتاجيتهم خلال هذه المرحلة من حياتهم فمثلا عامل البناء والتشييد أو جنود المشاة أو العمال في مجال الصناعة يصل كل منهم إلى أوج قوته وإنتاجيته في الفترة ما بين العشرين والخمسة والعشرين حتى يضل إلى الأربعين من عمره, ويصدق ذلك على موديلات الموضة، فعادة ما نجد الأفراد أثناء مرحلة الرشد خاصة النساء أكثر جاذبية إذا قورن بأي عمر زمني آخر. وعادة ما تكون القدرة على الإنجاب خاصة بالنسبة للإناث في ذروتها أثناء مرحلة الرشد فمن الناحية البيولوجية نجد أن أفضل عمر زمني لحدوث الحمل لأول مرة عادة ما يكون بعد سن العشرين, وعلى الرغم من أن كثيرا من النساء يحملن بصورة مريحة في أواخر سن الثلاثين وأوائل الأربعين، إلا أن معدل الخصوبة يبدأ في النقصان بعد سن الثلاثين من حياة المرأة، بالإضافة إلى أن الولادة قد تكون أكثر صعوبة، كما توجد احتمالية أكبر لحدوث تشوهات في الجنين. النمو المعرفي: لقد كان يعتقد -حتى وقت قريب- أن قمة نضج المهارات الجسمية والمهارات العقلية التي تحدث في بداية فترة مرحلة الرشد، تبدأ في النقصان أثناء فترة منتصف العمر، فتعريف الذكاء المبني على الأساس البيولوجي والذي يشتمل على ثمة عناصر كزمن الاستجابة، والقدرات المتضمنة في إدراك العلاقات المركبة، قد تصل إلى ذروتها حقا في أوائل مرحلة الرشد، ومع ذلك فإننا نجد نتائج الدراسات في هذا الميدان ما زالت موضع جدل وعدم اتفاق كبير، فكما نعرف أن الأداء المرتفع خاصة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 اختبارات الذكاء قد يكون نتيجة طريقة المقطع العرضي Cross- Sectional Method التي تتبع في دراسة هذا المجال. ولقد قام بياجيه بتحديد بعض أنواع النمو التي تحدث أثناء فترة الرشد المبكر وكما نعرف أن مراحل بياجيه في النمو المعرفي تنتهي بمرحلة العمليات الصورية "تلك الفترة التي تتميز بالقدرة على تقديم التعليلات الافتراضية والتفكير التجريدي", حيث يشير أن هذه المرحلة يتم التوصل إليها فيما بين سن الثانية عشر والخامسة عشر إلا أن دراسات بياجيه اللاحقة "1972" أشار فيها إلى أن مرحلة العمليات الصورية قد لا تنمو حتى وقت متأخر في فترة المراهقة، كما قد يتم التعبير عنها في حدود ضيقة عند الشاب البالغ، على نقيض ما كان بياجيه يفترضه في دراساته السابقة، فعلى سبيل المثال قد يبدي راشد قدرة على التفكير التجريدي والافتراضي في مجال تخصصه وليس في مجالات أخرى، كما قد نجد الميكانيكي الذي يعمل في إصلاح السيارات، أو طالب القانون قد يظهر كل منهما درجة عالية من التفكير التجريدي كلما قام بإصلاح سيارة ما أو صياغة مذكرة بأهم وقائع الدعوى ونقاطها القانونية، إلا أننا قد نجد كلا منهما يعجز في تطبيق تلك المهارات المنطقية على بعض المشكلات في موقف تجريبي معين، أو موقف غير مرتبط بمجال تخصصه وبالتالي فليس كل فرد يمكنه استخدام البناء أو التركيب الصوري في التعميم من ميدان إلى آخر. جملة القول فإننا نجد في مرحلة الرشد عادة ما ينمي الأفراد ميولا وارتباطات مهنية معينة، كما أن البناءات المعرفية المختلفة قد تؤثر في تنظيم ميادين مختلفة من النشاطات وعموما فإن البناءات المعرفية غالبا ما تكون شائعة، وفي متناول جميع الأفراد في هذه المرحلة، إلا أنها تطبق بصورة متباينة بواسطة أولئك الذين يعملون في ميادين مختلفة. ويكتسب معظم المراهقين القدرة على تجريد المعلومات وتكوين مفاهيم عنها، ويتضح ذلك في تحويل مسألة لفظية إلى معادلة رياضية والقدرات الرئيسية الأربعة لهذه المرحلة والتي تكون أكثر نضجا في مرحلة الرشد المبكر هي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 1- القدرة على إدراك تفسيرات عديدة لنفس الظاهرة أو حلولا عديدة لمشكلة واحدة. 2- القدرة على التعامل مع احتمالات تناقض الواقع والمواقف المتصورة. 3- القدرة على التعامل بالرموز والمفاهيم المجردة كما في الرياضيات. 4- القدرة على استخدام الاستعارة ورموز الرموز. مرحلة تماسك واستقرار العمليات الصورية "مرحلة الشباب والرشد المبكر": يصبح الأفراد الذين بلغوا مستوى العمليات الصورية أكثر ألفة وتعودا على العمل وفقا لهذا المستوى لا سيما في المجالات المتصلة بتخصصاتهم العلمية أو المهنية. النمو الخلقي: يهتم كثير من الشباب -بصورة مباشرة- بجانب آخر من جوانب النمو، وثيق الصلة بالجانب المعرفي، ألا وهو النمو الخلقي أو القيم. ويجب أن تتوفر للفرد قدرة منطقية معينة قبل أن يتمكن من التفكير عند مستوى خلقي معين، فعلى سبيل المثال يجب أن يصل الفرد إلى مستوى العمليات الصورية في النمو المعرفي قبل أن يتمكن من التحليل المبني على بعض المبادئ المعينة، غير أن المستويات الأعلى للنمو الخلقي تبدو في حاجة لأكثر من مجرد النمو المعرفي، حيث تتطلب أنواعا معينة من الخبرات الشخصية, فمثلا فإن الانتقال إلى البيئة الجامعية قد يعرض الشاب لقيم متصارعة ولخيارات عاطفية ولإدراك جديد للذات, وفي بعض الأحيان نجد الطلاب الجامعيين يتفاعلون بنوع مما يسمى النسبية التشككية Skeptical Relativism وتتمثل في الحالة التي يكون فيها كل ما هو صادق وصحيح، يعتبر بمثابة مسألة نسبية فقط، وبالتالي يعتمد على الشخص ذاته وحاجاته وظروفه وهكذا، ويعكس هذا الموقف وعي الطالب وإدراكه الجديد للتنوع والتباين في القيم والأفراد، وكلما حاول الطالب تقرير هويته فإنه بالتالي يحقق مستوى أعلى من الأحكام الخلقية، وقد يبدأ الفرد حينئذ في التحرك نحو مرحلة توجيه العقد الاجتماعي، ومن المحتمل نحو التوجه العالمي الخلقي المبني على مبادئ معينة وذلك تبعا للمرحلة الخامسة والسادسة لنمو التفكير الخلقي عند كوهلبرج. وتشير دراسات كولبرج وكرامر Kohlberg & Kramer؛ "1969" إلى أن النمو الخلقي عند مستوى ما بعد العرف والتقاليد Postconventional الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 Level يصل إليه 22% فقط من الأحكام الخلفية التي يصدرها المراهقون في سن السادسة عشر، وتشير الدراسات التالية أن الخبرة الجامعية تعتبر حاسمة ومهمة لهذه المراحل من النمو الخلقي، فمثلا في إحدى الدراسات لم يصل أحد من الحالات الذين التحقوا بمهن الراشدين "بعد أن تجاوزوا مرحلة الشباب" إلى المرحلة الأعلى للمستوى الأخلاقي عند كولبرج، وتفترض دراسات أخرى أن الإنجاز والنضج الأكاديمي لا يعتبر عاملا حاسما، حيث إن الخبرات التي تعج بها حياة الراشدين تساعد الشخص الذي لم يلتحق بالجامعة على اللحاق بأقرانه الذين حظوا على قسط أكبر من التعليم Paplaiial & Bielby؛ "1974". ويشير كولبرج أن أخلاقيات ما بعد العرف والتقاليد Postconventional Morality عادة ما تظهر أثناء فترة المراهقة، إلا أن المرحلة الخامسة والسادسة لا تظهر إلا في مرحلة الرشد الأولى حيث يكون الأفراد قد حققوا قدرا من الحرية في تحديد اختياراتهم، بمعنى أنه بينما ينمو الوعي المعرفي بالمبادئ في مرحلة المراهقة، فإن الالتزام والتعهد باستخدامها أخلاقيا عادة ما ينمو فقط في مرحلة الرشد، وذلك لأننا أثناء هذه الفترة عادة ما نجد الشباب يتميزون بأداء التزامات وتعهدات جادة نحو أنفسهم ونحو الآخرين ونحو المثل والأيديولوجيات. الشباب: مرحلة اختيارية كثيرا ما نتذكر ثمة حقيقة, عندما نبدأ في مناقشة المهام النفسية والاجتماعية لمرحلة الرشد أن الأفراد يقومون بهذه المهام على أساس جداول وفترات زمنية متباينة، فقد نجد شابة متزوجة ولها طفل في عامها التاسع عشر ولها وظيفة خارج منزلها، فهي حقيقة تقوم ببعض مهام ومسئوليات مرحلة الرشد، ولكن ماذا عن شاب في حالة نشاط معلق يقع ما بين العشرين والثلاثين من عمره؟ وكيف نصنف طالبا في الخامسة والعشرين من عمره والذي يعتمد في إنفاقه على والديه. لقد أشار كينستون Keniston؛ "1970" إلى مفهوم مرحلة الشباب لتتناول فترة الحياة التي تقع بعد مرحلة المراهقة وتسبق مرحلة الرشد، فهؤلاء الشباب الذين استغرقوا وقتا طويلا في الاستقرار، يشار إلى أنهم دخلوا فترة نمائية اختيارية تسمى بالشباب، وتمتد هذه الفترة من الوقت الذي يعتبر فيه الفرد من حيث خصائصه الثانوية راشدا وعادة ما تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 في سن 18" إلى الوقت الذي يتولى فعلا فيه القيام بأعمال الراشدين الكبار وأدوار الأسرة، فعلى سبيل المثال يعتبر الفرد راشدا بصورة قانونية، عندما يصل إلى سن يسمح له بالتصويت في الانتخابات، وقيادة السيارة والالتحاق بالقوات المسلحة، إلا أنه قد يعتبر نفسه قد نضج بصورة كافية تمكنه من أن يعول نفسه لعدة سنوات لاحقة. وتاريخيا فإن فترة الشباب -مثلها مثل فترة المراهقة- تعتبر فترة جديدة نسبيا من الحياة حيث ظهرت كرد فعل للمعدلات المتزايدة للتغير التكنولوجي والذي يبدو أنه يتطلب إعدادا مستمرا من جانب العلماء والتربويين والمهنيين، فلم يبدو من قبل أنه من الصعب لغير المتخصص أن يدخل في عالم العمل -كما نجد هذا في الوقت الحاضر- والنتيجة لكثير من الشباب تمثلت في فترة تعليق أو توقيت للنشاط أثناء سنوات الدراسة الثانوية والجامعية، وكثيرا ما تشتمل على السفر والدراسة الذاتية وأنماط أخرى من السلوك الاستكشافي، وخلال السبعينات أصبح من النادر للفرد أن ينتقل بشكل مباشر من فترة المراهقة إلى فترة الرشد. وأثناء مرحلة الشباب يبدأ الفرد بتعزيز هويته لا سيما إذا كان بصدد دخول الجامعة فإنه يميل إلى أن يحدد هويته، ويتم إعادة تأمل كثير من قيمة وصورة ذاته نتيجة للتحديات التي يواجهها أثناء عامه الأول في الجامعة، ويخبر صورة جديدة من أزمة الهوية، فبينما وجدنا المراهق يتساءل من أنا؟ يميل الشاب الراشد للتساؤل إلى أين أنا ذاهب؟ ومع من؟ وعموما فإن فترة الشباب والرشد المبكر تعتبر فترة يحسم فيها الفرد ثمة تساؤل مؤداه كيف يرتبط بالمجتمع؟ حيث يبدأ في تكوين نمط حياته، وغالبا ما تكون في صورة قرارات ثابتة يصعب تعديلها. ويميل الشاب في هذه المرحلة إلى رفض الأفكار التقليدية الثابتة المرتبطة بالاستقرار فقد يقرر شخص -بناء على تحليلاته الذاتية- أن نظام العمل الذي يستمر من التاسعة إلى الثانية أو الثالثة يعتبر غير مناسب له، وأن الحياة الريفية أو المشروعات الخاصة ذات فائدة وقيمة بالنسبة له، وعادة ما يكون هناك وعي ودراية مفاجئة بنوع من التناسق بين الذات والنظام الثابت, وثمة حاجة جديدة تظهر لدى معظم الشباب وهي تكوين العلاقات الودية الحميمة خارج نطاق الأسرة، وربما خارج نطاق الصور التقليدية, وأخيرا ثمة حاجة أخرى تنشأ لدى الشاب في تكوين تعهدات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 والتزامات نحو الأيديولوجية الأخلاقية أو السياسية أو الدينية بناء على خبراته الذاتية وليس بناء على خبرات والديه. الهوية والألفة: تعتبر الألفة الجسمية والانفعالية منذ بداية حياة الإنسان عملية هامة وحاسمة في النمو، فالطفل الرضيع وأمه والطفل ووالديه، والمراهق وصديقه المقرب إليه جميعها تمثل نماذج لعلاقات الألفة والمودة التي تحدث في سياق النمو الإنساني، بيد أننا نجد أثناء فترة الرشد يمكن أن توجد نوعا من الألفة والمودة تتمثل في الألفة التي تختار بحرية بواسطة فردين متساويين يخبرا سويا ما يسمى بأزمة المراهقة، ويعرفان من هما بصورة أساسية. ولقد أشار إريكسون إلى أن قدرة الفرد على أن يصبح صديقا حميما مع الآخرين تكمن في قدرته على حل أزمة الهوية في تلك المرحلة, كما أن الباحثين الذين جاءوا بعد ذلك والذين أرادوا قياس هوية الأنا Ego Identity ومتغيرات الألفة قد أقاموا الدليل والحجة على ما أشار إليه إريكسون فعندما ينجح الفرد في تحقيق هويته المستقلة، حينئذ يمكنه أن يشعر بالأمن عند ذوبان هذه الهوية، مع هوية شخص آخر، يصدق هذا لاسيما على الألفة والمودة الجنسية بالزواج. الألفة الجنسية: أثناء فترة المراهقة -قبل حل أزمة الهوية- كثيرا ما نجد الفرد يبحث عن ثمة محاولات للإحساس بالألفة الجنسية "حيث يتم العطاء بشيء ما أو يحدث الاطمئنان لشخص معين"، إلا أننا نجد أن كلا من الشريكين يخشى من فقدان ذاته، ويحدث ذلك لأنهما حقيقة لا يملكان ذواتهما حتى يبدأ أي منهما في العطاء, وعلى نقيض ذلك تتسم الألفة في مرحلة الرشد بما يسمى بالتبادلية، حيث نجد الفرد يهتم بشريكه الآخر بنفس قدر اهتمامه بنفسه، ويكون نتيجة ذلك الإحساس بالتبادلية، وتتمثل في الرغبة لبذل التضحيات والوصول إلى الحلول الوسطى كما تتضمن القيام بالوظيفة الجنسية بصورة ناضجة، ونعني بطبيعة الحال تبادل ذروة اللذة، أو القدرة على بلوغها، وكما يعرفها إريكسون بأنها إشباع ينتج عن بلوغ ذروة الفائدة، الخبرة المتسامية التي تدل على انسجام شخصين بصورة تقتلع معها كل أنواع العداوة والبغضاء التي قد تنشأ عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 التناقض بين الذكر والأثنى، التناقص بين الحقيقة والخيال والتناقض بين الحب والكراهية، وأخيرا فإن الحب الجنسي Gential love، كما يعرفه إريكسون يتضمن اختيار الشريك الذي يرغب معه الفرد في تنظيم دورات النسل والإنجاب والاستجمام والعمل وبمعنى آخر فإن الحب الجنسي كما يراه إريكسون يؤثر على مكونات الحياة بأكملها في فترة الرشد وما يليها من فترات حياتية. ولقد كان طبيعيا أن يهتم الباحثون بتحديد الوقت الذي يحقق فيه الشباب الألفة الجنسية، والعوامل المؤثرة على نتائجها، وأشارت معظم الدراسات النفسية التي أجريت خلال السبعينات أن إمكانية تحقيق الألفة تحدث بالنسبة لمعظم الأفراد أثناء فترة الشباب أكثر مما يحدث ذلك أثناء فترة المراهقة، فعلى الرغم من أن بعض الدراسات أشارت إلى أن الألفة الجنسية تحدث لبعض المراهقين، إلا أن مرحلة الشباب أو الرشد، يحدث خلالها انتقال وتغير جوهري في الألفة والخيال الجنسي لكي تصبح علاقات جنسية منتظمة مع شريك أو شريكة أخرى, وأثناء هذه الفترة أيضا تميل التوترات النفسية القديمة المرتبطة بعقدة أو أديب Oedipal Tentions إلى التوقف، فعلى سبيل المثال قد نجد الفتاة تتوقف عن ميلها الرافض قليلا لوالدها، حيث لم تعد تشعر بالدونية الجنسية أمام أمها وهكذا. إن الشاب الراشد بعد أن يختار أزمة الهوية، فإنه يحاول صهر ذاته مع هوية شخص آخر في بوتقة واحدة، حيث ينمي ارتباطات أخلاقية في تنفيذ التزاماته وتعهداته نحو أصدقائه وزملائه من الجنس الآخر، وبالتالي ينمو في هذه المرحلة لديه إحساس التبادلية مع شريكه من الجنس الآخر فلو عمل الشخص على تجنب وتحاشي علاقات الألفة أو المودة خشية أنها سوف تهدد هويته الآخذة في النمو، حينئذ تكون النتيجة حدوث العزلة والانطواء والاستغراق في الذات، وهي المرحلة الخامسة التي أشار إليها أريكسون في نظريته النمو النفسي الاجتماعي، حيث يشعر الراشد في بداية مرحلة الرشد بأحاسيس معينة، أطلق عليها إريكسون إحساس الألفة مقابل إحساس العزلة Intimacy Versus Isolation. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 الإنتاجية مقابل الركود Generativity Versus Stagnation "منتصف مرحلة الرشد". يبدأ الشاب الراشد في أن يخبر أزمة الانتاجية في القرارات والمشاعر المرتبطة بالوالدية. تكامل الأنا مقابل اليأس أو القنوط Ego Integrity Versus Despar "الشيخوخة". وتشير الدراسات النفسية أن أزمات الهوية والقوة الناتجة عنها تؤثر على نوعية المودة أو الألفة الجنسية ففي إحدى الدراسات التي قام بها Orlofsky & Others؛ "1973" أشاروا إلى أن طلاب الجامعة الذين حصلوا على درجات عالية في مقياس هوية الأنا قد سجلوا درجات عالية كذلك في مشاعر الألفة والمودة مع الجنس الآخر، حيث كانوا قادرين على مشاركة أقرانهم من الجنس الآخر في نواحي القلق والتعبير عن الغضب بالإضافة إلى المشاعر العاطفية تجاه بعضهم البعض كما أن الطلاب الذين حصلوا على درجات منخفضة في مقاييس الهوية، فقد أشاروا إلى أنهم قد حاولوا تكوين بدائل لعلاقات الألفة أو المودة بعلاقات مقولبة أو بعلاقات غير شرعية كاذبة زائفة، وعموما فإن الفرد الذي يتورط في تلك العلاقات عادة ما يكون غير ناضج أو بمعنى آخر يكون مقيدا بفهمه لأدوار الجنس. ونقيض الألفة عند إريكسون هو العزلة والانطواء حيث نجد بعض الشباب يتجنبون تكوين علاقات المودة أو الصداقة الحميمة والاتصال مع الناس, وقد يكون ذلك في بعض الحالات مؤشرات من مؤشرات الاضطراب الانفعالي فمثلا قد تكون امرأة ما قد تعرضت لصدمة نفسيه من جراء هجر أحد والديها لها لدرجة تجعلها غير قادرة على تكوين علاقات تتسم بالفاعلية مع الأشخاص الآخرين، وفي حالات أخرى قد يكون الشخص في حالة توقف أو تعليق للنشاط Moratorium State فالمشكلات التي ترتبط بعمليات التحرر من سلطة الوالدين أو اختيار المهنة، قد تجعل الفتاة أقل عرضة في التورط في تلك الأحاسيس، وجدير بالذكر فإن الإحساس الأكثر شيوعا من العزلة يومئ إلى أن الشخص الذي لا يمكنه تحقيق الألفة أو المودة في هذه الفترة من الحياة، عادة ما يتزايد اتجاهه في الابتعاد عن مواجهة تحديات الحب وبالتالي يصبح منهمكا ومستغرقا في ذاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 عدم الألفة الجنسية: إن الألفة في علاقات الحب الغيري ليست النوع الوحيد الذي يظهر لأول مرة في مرحلة الرشد المبكر فقد تنشأ علاقات جديدة بالأقران والأشخاص الأكبر سنا وهي ما يطلق عليها هوايت White؛ "1966" بتحرير العلاقات Freeing of Relations من توقعات الطفولة فالراشدون لم يعد ينظر إليهم في إطار النماذج المقولبة Sterotypes للوالدين, ولن يتم تقديرهم كأناس يستحقون ذلك، فقد يعبر طالب في الجامعة عن ذلك بقوله، لأول مرة أكون قادرا على التحدث مع والدي أو والدتي أو أخى الأكبر سنا، كما لو كانوا أناسا حقيقيين أو أصدقاء. الهوية والعمل: إن قدرا كبيرا من هوية الشخص يرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل حيث يقضي فيه ما يقرب من أربعين عاما من حياته فمرحلة الرشد المبكرة تعتبر الفترة التي يتوقع من الفرد أثناءها أن يكتشف مجال ميوله واهتماماته وأن يجدد علاقته بالمجتمع عن طريق تقريب أو تضييق فرص الاختيار المهني في حياته والالتزام بالمهنة أو الوظيفة، وعموما فإن الفترة ما بين 22 و24 سنة هي أفضل سن بالنسبة للرجل لإنهاء تعليمه وانخراطه في مجال العمل كما أن الفترة ما بين سن 24 و26 يتوقع من الفرد أن يستقر على مهنة معينة وأسلوب معين لحياته، وأحيانا قد يصل إلى الثلاثين قبل أن يصل إلى أداء العمل الحقيقي المتوقع منه, وذلك نظرا لتعقد الحياة الاقتصادية أو رغبة البعض في تكملة بعض الدراسات العليا. والقدرة على اختيار مهنة مناسبة أثناء مرحل الرشد يبدو أن لها علاقة وثيقة بهوية الأنا الكلية، وغالبا ما يتم التعبير عن مشاكل الهوية لدى طلاب الجامعة في إطار المهنة المستقبلية كأن نسمع أحدهم يقول: "أنا لا أعرف بالضبط ماذا أريد أن أكون" ففي إحدى الدراسات التي قامت بها Marcia؛ "1966" تم تصنيف الطلاب الجامعيين على أساس طبيعة أزمات الهوية التي مروا بها وعانوا منها فيما يرتبط بالالتزام المهني وكذلك الالتزام الأيديولوجي وأشارت النتائج إلى نماذج عديدة للتغلب على مشاكل الهوية فمثلا المفحوصون الذين اتسموا بتخفيض الهوية أو إنجاز الهوية Achievement, Identity قد خبروا أزمة واتخذوا قرارا مبينا على أساس حاجاتهم الخاصة، والمفحوصون الذين كانوا يتسمون بتحديد الهوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 بتحديد الهوية Forclosure كانوا دائما يعرفون ما الذي يريدونه وبالتالي لم يعانوا إطلاقا من أزمة فيما يتعلق باختيار مهنهم، حيث كانوا ملتزمين بمهنة "عادة ما كانت من اختيار أحد والديهم"، أما المفحوصون الذين كانوا يتسمون بتوقف أو تعليق الهوية كانوا في فترة أزمة يكافحون بنشاط وحيوية لوضع وتحديد التزام معين لهم، أما الحالات التي اتسمت بخلط الهوية كانوا غير ملتزمين وغير مكترثين، ونتائج دراسة أخرى لمارتشيا Marcia؛ "1973", أوضحت طريقة أخرى لحل مشكلة الهوية حيث أشارت إلى ما يسمى بالإنجاز المغترب Alienated Achievement والذي عبر فيه الفرد عن افتقاد الالتزام بأي مهنة، وقد يرجع ذلك إلى أسباب أيديولوجية يحياها الشاب، فهذه الأساليب المختلفة للتعامل مع مشكلة الالتزام والتعهد بمهنة وأسلوب حياة معينة اتضح أنها ذات صلة وثيقة بالمهام والواجبات النمائية الأخرى، وعلى ذلك فإن الفرد الذي يتسم بالهوية المنجزة Identity Achivement لم يظهر فقط حلا ناجحا لمشاكل المهنة ولكنه أيضا حصل على درجات مرتفعة في الاختبارات التي تقيس تقدير الذات والقدرة على الألفة والمودة مع الآخرين. اختيار المهنة ودور الجنس: يعتبر دور الجنس أحد جوانب الهوية التي يؤثر في اختيار المهنة، على الرغم من أن العديد من الشباب الآن قد يرى أن دخول مهنة معينة لا يحدده نوع الجنس إلا بدرجة ضئيلة، فالإناث اللائي كن يعتقدن أنهن سيدخلن مهنة أنثوية تتسم بالرعاية والحنان مثل: التدريس أو التمريض أو أعمال السكرتارية، كن يشجعن أن يعدن النظر في اختياراتهن، بالإضافة إلى قانون تكافؤ الفرص، وكان هذا يعني لبعض النساء أن يجازفن بخصائصهن ونماذج الحياة التي كان يعتبرها جيل الآباء من صميم عمل الذكور، فلقد صارت النساء عاملات في المناجم ومديرات للشركات ووزراء, ولم يخلو هذا الوضع من بعض المشاكل والضغوط الشخصية والاجتماعية، فقد تحذر الأم ابنتها المديرة بأن نجاحها في عملها قد يعوقها عن القيام بواجباتها الأسرية والزوجية، كما أن العامل الشاب في مصنع كالحديد والصلب قد يتقدم في وظيفته ويحرز فيها نجاحا بارزا، وبالتالي يسبب بعضا من الصعوبات الاجتماعية لزميلته العاملة, وكثيرا ما تشعر المرأة بصراع في اتخاذ القرار المرتبط بالمهنة، فقد تجد نفسها مترددة بين الخوف من النجاح والحاجة للإنجاز، ويشير Hoffmun "1977" إلى أنه ليس هناك دليل واضح يشير إلى أن هذا الصراع قد حل أثناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 619 العشر سنوات الماضية، على الرغم من الاهتمام العام بإمكانات وقدرات المرأة ويستطرد بقوله أن ما يقرب من 50% من السيدات اللاتي يعملن، أصبح أكثر شيوعا بينهن أن يحددن هويتهن في إطار العمل الذي يقمن به خارج المنزل، ويصدق هذا على السيدة التي ترأس هيئة معينة. أما بالنسبة للرجال، فالموقف لم يتغير بصورة كبيرة فكل رجل سليم البنية يتوقع منه أن يعمل حتى سن التقاعد، ولم تتزايد الخيارات الوظيفية المتاحة للرجال فيما عدا بطبيعة الحال الفرص التي أتيحت نتيجة التقدم التكنولوجي، والشيء الذي يعتبر في حالة تغير يتمثل في المدى الذي يشتق منه الرجل هويته من وظيفته ومكانته في الأسرة والمجتمع، كما كان هناك أيضا تقبل متزايد بخصوص إمكانية العمل بالمهن من الدرجة الثانية تأكيدا بأن الهوية ليست مرتبطة ارتباطا صارما بالمهنة أو مكان العمل، وثمة ظاهرة وثيقة الصلة بهذا الموضوع تتمثل في اتجاه الرجال إلى تفضيل الوظائف والمهن التي تسمح لهم بالوقت الكافي للقيام بدور الأب في داخل الكيان الأسري. المهنة ومفهوم الذات: عادة ما يحصل الفرد على وظيفته في غضون سنوات الرشد الأولى، وتساعد هذه المهنة في عديد من الأحيان في تحقيق مفهوم الذات لدى الفرد فعلى سبيل المثال، نجد الفتاة التي تعتقد أن لديها خصائص المدرسة أو الممرضة، تصبح فعلا كذلك فيما بعد، ولقد أوضحت عدة دراسات تتناول قوائم السمات، أنه ثمة ارتباط عال بين مفهوم الذات لدى المرأة والصور المهنية التي تتوق للحصول عليها. "دراسات هولند Holand". ورغم ذلك فهناك مشكلة عامة في مرحلة الرشد المبكر وهي التوفيق بين مستوى التقبل ومفهوم الذات، والتقولب المهني، فعلى سبيل المثال الشاب الذي يعتبر نفسه أديبا لامعا قد يدخل مجال العمل كمساعد محرر وتكون وظيفته الرئيسية تصحيح المقالات وتصويب الأخطاء، فإن مفهوم هذا الفرد لذاته لا يتلاءم مع هذا النوع من النشاط، وبالمثل الفتاة ذات القدرة على تولي المناصب الإدارية والتي يمكن أن ترسل إلى ميدان العمل لأول مرة كبائعة، تلك الوظائف التي لم يتوقع الفرد أن يجد فيها ذاته مطلقا، وتكون النتيجة هي إما أن يحاول التكيف وتوسيع مجال مفهوم الذات، أو يحدث عدم التوافق وتزداد أعراض الوهم والخيال لديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 620 وفي بعض الأحيان يدخل الفرد القوى العاملة في وظيفة ليست لها علاقة بمفهومه لذاته، وقد يحدث ذلك في المجالات الفنية والعملية، فقد يتولى الممثلين أو الموسيقيين وظائف عادية، وبالنسبة لهؤلاء يتمثل التزامهم في العمل الذي يجب القيام به، وفي حالات نجد الشخص يجري حلا وسطا عن طريق إيجاد وظيفة وثيقة الصلة بميوله واهتماماته الأصلية وترتبط بمفهومه لذاته, فعلى سبيل المثال قد يعزف الموسيقار مع فرقة موسيقية، أو يعد مقطوعات موسيقية لشركات التليفزيون التجارية أو يعمل كمدرس للتذوق الفني، إلا أنه ينظر إلى الوظيفة في هذه الحالة على أنها وسيلة لكسب المال وتحقيق الاستقلالية، بينما نجد تحقيق الإشباع المباشر والتوفيق بين مفهوم الذات والعمل اليومي كلها ترجأ إلى مرحلة أخرى. وقد ينظر الشاب إلى الراتب الذي يتقاضاه خاصة من الوظيفة الأولى بأنه منخفض ولا يعادل ما يبذل فيه من جهد، وبالتالي يشعر الشاب أن المجتمع لا يقدره حق التقدير وقد تكون ردود فعله في أن يسلك سلوكا غاضبا أو غير ناضج "على سبيل المثال التغيب على العمل أو التخريب في الممتلكات العامة، أو قد يسيطر عليه أوهام وخيالات تدفعه للبحث عن خطط لجمع الثروة بأي وسيلة"، وقد نجد شبابا آخرين ينتهزون فرصة الوظيفة الأولى لإعادة النظر في قيمة المال مقابل قيمة الذات، فعلى سبيل المثال إذا أصبح الشاب كاسبا لقوته، ويعمل من أجل زيادة دخله، فإن ذلك قد يمثل أزمة بالنسبة للشاب الخريج الذي تلقى تعليما عاليا، ويحل بعض الشباب هذا الصراع عن طريق تجنب الأماكن المادية، وقد يلجأ شباب آخرون نحو المهن الحرة بصورة واضحة, وعموما فالقرارات المهنية تعتبر سمة مميزة لفترة الرشد المبكر, إلا أنها ليست بالضرورة مقيدة بالنمو المهني في الحياة، فيما بعد. الوظيفة والبطالة المقنعة: فور التخرج من الجامعة أو المدارس الفنية يأخذ الخريجون على عاتقهم بعض مسئوليات الراشدين، وبالتالي يبدءون بالتقليل من الاعتماد على آبائهم ثم ينطلقون نحو إعالة أنفسهم ماديا وقد يواجه الشباب اليوم بعد تخرجهم وتوزيعهم على بعض الوظائف والمهن ألا يجدون ذواتهم فيها بالإضافة إلى فترة انتظارهم لهذه الوظيفة التي قد تطول في أحايين كثيرة، فكيف يسلك الشباب تجاه هذه الأمور؟ فقد يحاول بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 621 الشباب الاستمرار في التعليم حتى ينال أكبر قسط منه يعينه في آخر الأمر أن يواجه المنافسة في سوق العمل، وقد يبقى البعض في الجامعة دارسا في محاولة منهم لتأخير دورهم في الصراع ضد العمل أو البطالة المقنعة لبضع سنين، ولقد تعلم البعض أن يكونوا على قدر من المرونة وألا يضعوا نصب أعينهم أهدافا مهنية جامدة لا يمكنهم تحقيقها فهم يشعرون بأنه لزاما عليهم أن يظلوا متفتحين لكل ما يأتي إليهم، فإذا لم يأت إليهم شيء حينئذ تظهر ابتكاريتهم وإبداعهم، فقد نجد الكثير منهم يتولون وظائف مؤقتة أو يعملون كمتطوعين، وقد يقبل الكثير وظائف أقل من مستوى مؤهلاتهم بكثير. بيد أنه إذا ما أصبحت الصورة كئيبة قائمة أمام الشباب، فقد يتصرف البعض تبعا لما يراه مناسبا، وكما يشير براجنسكي Braginsky فقد يلوم البعض نفسه في بادئ الأمر لفشله في الحصول على عمل، وبالتالي يصبح غير آمن، يتسم بالخجل والانسحاب الاجتماعي وتستطرد تلك الدراسة بإشارتها بأنه إن عاجلا أو آجلا فإن هذا العامل العاطل سوف يشعر بأنه غريب عن المجتمع، وإن ذلك المجتمع معاد له، وفي النهاية يصب لومه على النظام الاجتماعي ككل الذي وعده بالمكافآت ثم فشل في تحقيق ذلك. فالوظيفة بالنسبة للخريج الحديث, تعتبر بالنسبة له أكثر من مجرد وسيلة لكسب المال إنها الشيء الذي يساعده على بلورة كيانه وهويته الراشدة الجديدة كما أنها تعتبر المدخل لنظامنا الاقتصادي والاجتماعي فهؤلاء الذين هيئوا أنفسهم لدخول مجال العمل عادة ما يستجيبوا للفترات العصيبة بنوع من الواقعية الباردة، فطموحهم قد تم إخماده بدرجة من خيبة الأمل وعدم الثقة داخل نظام منغلق على نفسه. العمل عبر دورة الحياة: اختيار المهنة بالنسبة لمعظم الأفراد ليست قرارا يتم اتخاذه دفعة واحدة في مرحلة الرشد المبكرة، فدورة الحياة تفرض مهاما وواجبات متباينة في فترات مختلفة من الحياة، بمعنى أن الأفراد ينمون مهنيا، فطبقا لسوبر وآخرين super et al؛ "1956" يتضمن النمو المهني تحقيقا وتحديثا مستمرا لمفهوم الذات، وكما نعرف أن مفهوم الذات يتغير، وأن هذا التغير قد يتزامن مع أحداث نمائية أخرى، كتوسيع مسئوليات الأسرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 622 وإدارة وإعالة أسرة أكبر، ولذلك فإن الفرد قد يتعهد بهوية مهنية جديدة كلما تقلصت مسئولياته العائلية. وكما رأينا فإن فترة الرشد المبكرة تعتبر الفترة التي يتأهل الفرد أثناءها للوصول إلى الوظيفة أو الدخول في المهنة، كما تعتبر الفترة التي يعمل فيها بجد واجتهاد لتحقيق المعرفة وإحراز النجاح والمكانة الاجتماعية ويتم إعادة تقييم الكثير منها في منتصف الثلاثينات وبداية الأربعينات من العمر, وبالنسبة لبعض الأفراد تكون الحاجة لتمييز ذواتهم في مرحلة الرشد المبكرة على أشدها, ففي إحدى الدراسات الطويلة التي أجراها فايلانت Vaillant؛ "1977" كانت هذه الفترة من العمر تتميز بالعمل الجاد والمثابرة والمسايرة والاتساق وقليل من انعكاس الذات Self Reflection كما أشارت النتائج أن عددا من النساء يتبعن نفس النموذج الذي وصف سابقا. وعلاوة على ذلك فإن فترة الرشد المبكرة تعتبر بالنسبة لكثير من النساء ذات أهمية متباينة في عالم العمل, حيث أشارت دراسة ميسلن Meislin؛ "1977" إلى أن أكثر من ثلث السيدات أمهات الأطفال الذين لم يتعدوا السادسة من العمر، كن يعملن أو يبحثن عن عمل خارج المنزل، كما أن نسبة الأمهات العاملات تتزايد سنة بعد أخرى، وبالتالي يعد ذلك تغيرا جوهريا في أنماط عمالة الأمهات والحياة الأسرية. الزواج: يمثل الزواج حالة اجتماعية وعاطفية قانونية تختلف عن أي علاقة أخرى، والعمر الذي يتزوج فيه الأفراد وكذلك الطرق والأساليب التي يكونون بها تعهدات والتزامات الزواج تتأثر بصورة كبيرة بالمعايير الاجتماعية. وتعتبر التوقعات الاجتماعية ذات تأثير كبير في هذه العملية، لدرجة أن معظم الشباب عادة ما يكون على دراية بما إذا كان الزواج مبكرا أو متأخرا أو في وقته المناسب كما تؤثر هذه الإدراكات على السلوك، فعلى سبيل المثال قد تعترف امرأة في منتصف عمرها بأنها تزوجت فور تخرجها من الجامعة، وذلك لأن الزواج في ذلك الوقت كان هو الشيء المطلوب عنه، بينما قد نجد امرأة أخرى قد تصبح شديدة الاكتئاب إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 623 لم تتزوج قبل الثلاثين من عمرها حيث إن هذا السن يعتبر الموعد النهائي الذي حددته لنفسها منذ سنوات مضت وتحت ضغوط مشابهة يشعر الرجل بحاجته للزواج عند بلوغه درجة معينة في حياته المهنية، حيث يريد أن ينظر الأفراد إليه في صورة من التقبل الاجتماعي يتسم بالمسئولية داخل مجتمعه، وأنه يستطيع أن يقيم العلاقة الزواجية، وتشير نيوجارتن Neugaten؛ "1965" وزملائها أن أفضل سن للزواج بالنسبة للإناث يقع ما بين التاسعة عشر والرابعة والعشرين، أما بالنسبة للذكور. فيقع ما بين العشرين والخامسة والعشرين من العمر, ويبدو أن هذه المعايير لا تزال سارية المفعول بالرغم من أنه يوجد ثمة اتفاق كبير بالنسبة للزيجات المتأخرة من بين أولئك الذين يلتزمون بإنهاء تعليمهم العالي أو إعداد أنفسهم لمهنة معينة، كما أن الظروف الاجتماعية الاقتصادية قد تلعب دورا كبيرا في تحديد السن الذي يقبل عليه الشاب على الزواج خاصة في المجتمعات النامية. اختيار الشريك: اختيار شريك أو شريكة الحياة من أحد المشاكل الأكثر وضوحا التي نواجهها في موضوع الزواج، وعادة ما يحدث انتقاء لمعارف الفرد وفي النهاية يميل إلى اختيار الشريك، من مجموعة محددة من الأفراد التي يشبهون بعضهم بعضا إلى حد كبير, وهناك عدد من العوامل التي تحدد اختيار هذا الشريك، يمكن إيجازها في ثلاثة عوامل رئيسية هي، الجاذبية الجسمية، تقارب الزمان والمكان Propinquity، وزواج الأقارب Endogamy. وتشير عديد من الدراسات أن الجاذبية الجسمية Physical Attractiveness من أكثر العوامل التي تؤدي إلى تكوين علاقة بين شاب وفتاة ففي دراسة قامت بها جامعة مينسوتا تم تجميع كل شاب وفتاة في حفل بصورة عشوائية، وقام أربعة من الطلاب في الفرقة الموسيقية بعمل تقويم لجاذبية كل طالب وطالبة بصورة سرية وأشارت النتائج أنه كلما ارتفع معدل الجاذبية كلما كانت درجة الميل والحب أشد وكلما عبر المفحوص عن رغبة شديدة في رؤية رفيقته مرة أخرى. وكان معامل الارتباط بين الجاذبية والحب إيجابيا ويتضح أهمية عوامل أخرى في المرحل اللاحقة من العلاقات بين الشاب والفتاة مثل عامل الشخصية، لدرجة أنه قد يقلل من أهمية الجاذبية الجسمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 624 ومصطلح Propinquity ويعني قرب في المكان أو الزمان، فالأفراد يميلون إلى اختيار شريك أو شريكة الحياة من بين أولئك الذين يعيشون أو يعملون بالقرب منهم، حيث نجد أن هؤلاء الأفراد يكونون أكثر احتمالا في الالتقاء مع بعضهم البعض ففي إحدى الدراسات التي قام بها ألفرد كلارك Alfred Clarke؛ "1952" أشارت نتائجه أن أكثر من نصف الأزواج الذين قام بدراستهم كانوا يعيشون في حي واحد عند لقاءاتهم الأولى. أما مصطلح Endogamy فيشير إلى الاتجاه العام نحو اختيار شريك أو شريكة الحياة من داخل الجماعة أو القبيلة التي يعيش فيها الشخص نفسه, ويمكن تحديد الجماعة التي يعيش فيها الفرد من جوانب عديدة، عن طريق الدين، والطبقة الاجتماعية، والعمر الزمني، والتعليم، السلالة، والعرق، والقيم المشتركة، كما أن هذا العامل مرتبط بالعاملين السابقين "الجاذبية والتقارب في الزمان والمكان" فمثلا قد ينظر إلى المرأة التي ترتدي وتستخدم ملابس معينة ومكياج طبقة اجتماعية معينة، على أنها أكثر جاذبية من أفراد تلك الطبقة الذين يعيشون في نفس المنطقة ويجاور بعضهم بعضا ويميلون إلى أن يكونوا من نفس الطبقة الاجتماعية. كما أن العوامل التي تحتم الزواج من داخل جماعة وقبيلة الفرد والتي يطلق عليها مفهوم عوامل Endogamous تعتبر هي نفسها عوامل متداخلة بعضها مع البعض، فمثلا قد ترتبط الطبقة الاجتماعية بالتعليم والعمر الزمني، أو أن الدين قد يكون مرتبطا بالسلالة والعرق، فالطبقة الاجتماعية تحددها أشياء عديدة منها: الدخل والمهنة والجوار والتعليم. وعندما يتزاوج الأفراد من خارج طبقتهم الاجتماعية يميل الرجال إلى التزاوج من نساء من طبقة اجتماعية أقل، بينما يميل النساء للزواج من رجال ذوي طبقة اجتماعية أعلى منهن، كما يميل الأفراد إلى اختيار شركاء حياتهم بحيث يكون هناك تقارب بين أعمارهم، وقد يتم الاختيار من نفس المستوى التعليمي، كما أن الجنس يلعب دورا في هذا الاختيار فعادة ما يفضل الإيطالي الإيطالية، والأمريكي الأمريكية، والفرنسي الفرنسية، والعربي عربية، والمصري مصرية ... وهكذا. التوافق الزواجي Marital adjustemnt: يواجه الزوجان المتزوجان حديثا مهاما كثيرة على قدر كبير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 625 الأهمية وتشمل هذه المهام كيفية التعامل مع الصراعات، والوصول إلى نوع من التفاهم بخصوص الأمور المالية، وتنمية علاقات عملية مع الوالدين والأقارب والاستعداد لمرحلة الوالدية Parenthood، الحمل المباشر أو إرجاء عملية الحمل, جميع تلك الجوانب السابقة من التوافق الزواجي كانت المحور الرئيسي في المجالات المهنية المتخصصة بيد أنه قد نشأت مسائل جديدة أخرى تتعلق بالجوانب الخاصة بالالتزامات الجنسية وتوقعات الدور المرتبطة بدور الزوج أو الزوجة، وسنتطرق بإيجاز لبعض هذه المهام السابقة. الإخلاص والتوافق الجنسي Sexual Adjustment and Fidelity: قد يواجه الزوجان المتزوجان حديثا مشاكل التوافق الجنسي الناشئة عن رغبة كل طرف منهما في الإنجاب، والإخلاص الزوجي يتأثر إلى حد ما بالمعايير الاجتماعية والثقافية وكثيرا ما يكون عدم الإخلاص الزواجي من العوامل الهامة التي تؤدي إلى الطلاق، وتشير الدراسات أن الزواج الناجح عادة ما يبنى على إخلاص كل من الزوجين. التوافق للدور وتمييز الدور: يتخذ كل من الزوج والزوجة أدوارا اجتماعية جديدة بعد عملية الزواج، حيث يتوقع من الزوجة أن تدير منزلها، كما يتوقع من الزوج التفكير بجدية في المسئوليات الأسرية وتجنب بعض القرارات الطائشة المرتبطة بوظيفته أو مهنته، كما ينبغي أن يتكيف الزوجان اجتماعيا تجاه أحدهما الآخر، حيث يجب أن يعملا على حل المسائل المرتبطة بعملية السيطرة أو الهيمنة Dominance مقابل الاعتمادية، وتوكيد الذات مقابل الإذعان, وتقبل الذات مقابل تقبل الشريك الآخر في الحياة الزوجية, ويجب تحديد المشكلات العملية المرتبطة بعمل كل من الزوجين، وعموما فإن حل هذه المسائل قد يتطلب تغيرا شخصيا حيث أوضحت إحدى الدراسات التي أجريت في عملية التطبيع الاجتماعي الزواجي Marital Socialization تغيرات واضحة في سمات الأفراد المتزوجين في السيطرة وتقبل الذات، ولم تظهر تلك التغيرات في المجموعة الضابطة التي لم يتزوج أفرادها. ولقد كان الاتجاه بالنسبة للنساء هو القيام بدرجة أكبر من التوافق الخاص بالدور، أما الأزواج فكان اتجاههم أن الحياة تسير كالمعتاد, وعموما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 626 فالسيدات المتزوجات حديثا عادة ما ينتقلن من حياة معينة إلى دور جديد كربة بيت وكأم وينتج عن ذلك إما إشباع ورضا زواجي والثقة بالذات وإما نقيض ذلك, كما أن التوقعات الاجتماعية الحالية المرتبطة بأدوار الزواج نجدها أكثر مرونة عما قبل فقد يكون الرجال قلقين على زوجاتهن اللاتي يعملن بالوظيفة، ولكنهم نادرا ما يشعرون بالحرج اجتماعيا، كما كان يشعر آباؤهم أو أجدادهم من قبل، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد النساء يشعرن بأن لهن الحق في أن يطلبن من أزواجهن المساعدة في أعمال المنزل ورعاية الأطفال, وهذا يعني أن ثمة تمييز أقل في أدوار الزوجة والزوج, ويشير ذلك أيضا أن ثمة استمرارية أقل بين الأدوار بين الأجيال, وتشير نتائج دراسة ميسلن Meislin؛ "1977" أن 27% ممن يقعون في الفئة العمرية بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين كانوا يفضلون الزواج التقليدي على الزواج الجديد الذي يتم فيه تبادل الأدوار، وهذا في مقابل 59% من جيل الآباء. ومن بين المسائل الهامة بالنسبة للزوجين في ريعان الشباب في فترة الثمانينات قضايا تتضمن أدوارا جنسية وأدوارا ترتبط بالعمل، فعندما يخرج كلا الزوجين للعمل خارج المنزل وهذا هو الوضع المتزايد في الزواج المبكر فإن النمط التقليدي لسيطرة وسيادة الذكر يمكن أن يقسم بين الزوجين فالمرأة التي تختار أن تكون ربة بيت تكون أقل توكيدا أكثر ثقافة وتوجيها بخصوص التربية والتنشئة والتضحية بالذات، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المرأة العاملة المتزوجة تبدو غير متمسكة بالعادات والتقاليد، ولديها ميل للمنافسة واستعدادها أقل من حيث التضحية بالذات ولقد أشارت نتائج دراسة Weir, Burke أن ربات البيوت يظهرن اتجاها أكبر نحو السلبية عن الزوجات العاملات، كما أن أزواج ربات البيوت كانوا أكثر تسلطا وسيطرة عن أزواج الزوجات العاملات، وعندما تم قياس الرضا الزواجي وجد أن الزوجات العاملات تبدو أكثر اشباعا ورضا، كما أن لديهن القدرة على الأداء بشكل أكثر فعالية من الزوجات اللائي لا يعملن خارج المنزل، وأشارت نتائج الدراسة السابقة أن أزواج الزوجات العاملات يبدون أكثر استياء وأقل رضا حيث أظهروا قدرا أكبر من الضغوط والتوتر المرتبط بالوظيفة كما كان ينتابهم القلق والاضطراب بالإضافة إلى عدم تمتعهم بصحة جسمية أو نفسية جيدة, ومن الناحية الإيجابية, فإن أزواج الزوجات العاملات يظهرون درجة أعلى من الانسجام والتوافق مع زوجاتهن فيما يتعق بالأمور الهامة كما كان لديهم استعداد أكبر لحل خلافاتهم بطريقة تتسم بالمساواة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 627 وثمة مشكلة من نوع خاص عند الزوجين المتزوجان حديثا وتتمثل في ربط الأدوار الزوجية بأدوار العمل، فلقد أصبح من الشائع أن نجد رجلا تحت رئاسة امرأة داخل مجال العمل وأن نجد النساء يتنافسن مع الرجال في الترقيات، إلا أن الأدوار التي يجب أداؤها داخل المنزل قد تختلف عن أدوار العمل، فقد تشعر الزوجة أن زوجها يشعر بالخوف نحو تأكيدها لذاتها خاصة في المسائل المالية، كما أن بعض النساء قد يكتشفن أن النجاح المتزايد في الوظيفة لا يختفي به من قبل الزواج. وتوضح نتائج دراسة باري Barry؛ "1970" أن الزوج والعوامل المرتبطة به هي أكثر العوامل التي تؤدي إلى السعادة في الأسرة والتوافق الزواجي، وتستطرد بأن نتائج الدراسات الطولية على الأزواج قد أوضحت أن سمات شخصية الزوج عادة ما تكون أكثر ارتباطا بالسعادة الزوجية اللاحقة إذا ما قورنت بالسمات الشخصية للزوجة، فالهوية الثابتة للزوج والتي بدورها مرتبطة بسعادة والدية في الزواج ولارتباطه الوثيق بأبيه، كما ترتبط المكانة الاجتماعية والاقتصادية العالية والمستوى التعليمي الرفيع لدى الزوج بما يتحقق من النجاح والتوافق الزواجي. وجدير بالذكر فإن مدركات الزوجة تلعب دورا رئيسيا في التوافق الزواجي، فكلما كانت نظرة الزوجة إلى زوجها بوصفه شخص ناضج انفعاليا، كلما كان هو قريب منها وبالتالي قام بالإيفاء بدوره الثابت ثقافيا في نظر زوجته وكلما كان الزواج أكثر سعادة، فالزوجات اللائي يشعرن بالسعادة عادة ما ينظرن إلى أزواجهن على أنهم أعلى من المتوسط أو المعدل، أما لماذا يفعلن لذلك، فهذه قضية أخرى تستحق التأمل والدراسة. وثمة قضية هامة بالنسبة للزوجين المتزوجان حديثا وهي، ما إذا كان سينظر إلى الزواج على أنه شرك أو فخ يسقط كل منهما فيه، أم سيكون فرصة ومجال لمزيد من النمو اللاحق لكلا الزوجين, ويقارن روجرز C. Rogers؛ "1972" بين تلك النظريتين للزواج قائلا: إن الزواج بالنسبة لبعض الأزواج قد يشبه صندوق رومانيتيكي يربي فيه الشخص الأطفال، صندوق سحري يوفر الأمان والأمن والهوية، بل أنه تابوتا يحوي كلا الزوجين يمثلان به، وبالنسبة لأزواج آخرين فقد يشبه الزواج بالنهر، تيار مركب من الخبرة التي فيها يكون كلا الزوجين قادرا على القيام بالمخاطر والمجازفات، يفند طموحاته ويمحصها، وأن يكيف نفسه للمباغتة والمفاجأة، ففي بداية الزواج عندما يكون الإشباع والسعادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 628 الزوجية مرتفعة نسبيا، ولم يتم بعد اختبار استقرار العلاقة خلال الوقت، فإن الزوجان يبدآن في تكوين نوع من التوجه الذي ينتج عنه إما الملل والسأم أو استمرار النمو في الزواج بمرور الأيام. القيام بدور الوالدية: أحد أقوى الحوافز لدى الكائنات الحية يتمثل في الحافز نحو حفظ النوع والمحافظة على الذرية والعناية بها, وبمرور الزمن يصبح كل إنسان تقريبا أبا أو أما, فنجد في مراحل إريكسون للنمو تظهر الوالدية كاستجابة لازمة الإنتاجية، ويشير إلى أن القدرة على العناية بالآخرين كالتزام له أهمية بالنسبة للماضي والمستقبل، ويعترف إريكسون بأن بعض الناس بسبب الكوارث أو الهبات في نواحي أخرى قد يحققون الإنتاجية بطرق ووسائل غير الوالدية، فمثلا بواسطة مهنة تهتم بالرعاية أو عن طريق تفاعل حقيقي مع الأطفال، فعالمة الأنثروبولوجي مارجريت ميد التي لم تنجب حتى سن الثامنة والثلاثين، وعالمة التحليل أنا فرويد التي لم تتزوج ولم يكن لها أطفال, يعتبران من ضمن الأمثلة الشهيرة للأفراد الذين تخطوا بنجاح أزمة الرشد من جهة الانتاجية أو التوالدية دون أن يكون لهن أطفال. ومن ناحية أخرى فإن مجرد الرغبة أو الحصول على أطفال لا يرقى إلى التناسل أو الإنتاجية الحقيقية، فبعض الأفراد لا يقدرون على مسئولية الوالدية بسبب صعوبات مروا بها في أوقات مبكرة في فترة نموهم، فمثلا الزوجان اللذان لم يعمل على نمو القدرة على التبادلية Mutuality والتضحية في علاقاتهما, غالبا لا يكونا غير مستعدين لأن يكون لهما أطفال فبدلا من الرعاية والعناية بجيل جديد نجدهما ينهمكان في رعاية كل منهما بالآخر كما لو كان كل منهما طفل للآخر. الدافعية نحو الإنجاب: هل ينبغي أن يكون لنا طفل، ومتى يمكن أن يحدث ذلك، سؤالان هامان بالنسبة لمعظم الأزواج الشباب، كما يبدو أن قيمة الأطفال تختلف بالنسبة للزوجين كما تختلف الأسباب التي تكمن وراء إنجاب الأطفال. فهناك بعض الآباء والأمهات الذين يتسمون بالمهارة في القيام بدور الوالدية، فجوانب البهجة والرضا والسرور التي يجلبها الأطفال قد توزن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 629 وتقيم مقابل جوانب الإشباع والسرور الأخرى المرتبطة بالمهنة وأسلوب الحياة، والافتراض الذي يكمن وراء هذا يشير إلى أن تزايد الفرص التعليمية والمهنية للسيدات قد يجعل إنجاب الأطفال أقل جلبا للإشباع والإحساس بالسعادة، وأقل ضرورة للنمو الشخصي، ففي إحدى الدراسات أشارت النتائج إلى أن النساء ذوات التعليم المرتفع قد سجلن درجات أقل في جوانب الإشباع والرضا الناشئة عن أولادهن، إذا ما قورن بالنساء ذوات التعليم المتوسط، ولقد فسرت هذه النتيجة إلى أنه قد يرجع إلى أن نساء الفئة الأولى عادة ما يكون لديهن وسائل بديلة لتحقيق إشباعاتهن وحاجاتهن، وأشارت دراسة أخرى إلى أن النساء اللاتي كن يشغلن وظائف تبعث عليهن البهجة وتشبعهن كان لديهن أطفال أقل من السيدات الأخريات، وعموما فإن الإنهماك في العمل يعمل بصورة أساسية على تأجيل الإنجاب أو يحد من عدد الأطفال داخل الأسرة, فما هي الدوافع التي تدفع الزوجان إلى مرحلة الوالدية؟ أحد العوامل التي يشار إليها في هذا الصدد يتمثل في الضغط الثقافي Cultral Pressure لا سيما الضغوط التي تأتي من الأجداد، وثمة عوامل أخرى مثل البهجة والسرور التي تكمن في الأطفال أنفسهم، والرغبة نحو الرعاية المادية والإشباع الانفعالي التي يجلبها الأطفال لآبائهم خاصة في شيخوختهم، وكذلك الرغبة في الوريث الذي يمكن أن يرث ثروة الأب بعد مماته بالإضافة إلى الإحساس بأن مهنة الفرد ووظيفته ليست كل شيء في الحياة، وبالتالي نحن في حاجة إلى الأطفال لجعل الحياة ذات قيمة وتستحق أن تعاش، وكثيرا ما نسمع بعض الأسباب -خاصة في وقت الكوارث والحروب- بأن الأفراد في حاجة لشيء يخلد بعدهم. أما الدوافع الأخرى لإنجاب الأطفال قد ينظر إليها المتخصصون في الصحة النفسية حيث نجد بعض الأزواج يقررون إنجاب طفل لكي يحسنوا ويدعموا زواجهم, أو يمنعوه من التدهور والانهيار، وقد ينظر البعض إلى الإنجاب على أنه نوع من الهروب من السأم والملل أو للهروب من مهنة غير مشبعة، وقد ينظر البعض إلى الطفل على أنه صورة من صور المنزلة والمكانة الاجتماعية، وقد تشير بعض النساء، خاصة الأرامل أو غير السعيدات في زواجهن, بأنهن يحتجن لطفل خاصة في مرحلة غياب العلاقات الجنسية أو ضعفها في فترة الرشد، عادة ما يكن في حاجة إلى شخص ما يكونون معه ارتباطا عاطفيا قويا حيث إن الاهتمام بشخص آخر يوفر لهم الإحساس بالمعنى أو الغرضية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 630 الوالدية كعملية نمائية: يعتبر الحمل في حد ذاته ذا دلالة ومعنى نمائي بالنسبة للمرأة تبعا لأقوال إريكسون "1968" حيث يسميها بالفترة الداخلية المنتجة Productive Inner Space والتي تعتبر بصورة رمزية وبيولوجية مركز الإشباع الأنثوي، كما أن إنجاب الطفل له دلالة خاصة بالنسبة لكلا الوالدين، من حيث إنه قد يحيي مظاهر الصراعات المبكرة في النمو التي مرا بها. ويشير بندكيت Benedek؛ "1958" أن الأم باسترجاعها لأحداث طفولتها وكيف كان يتم تعذيتها، كيف كانت تحتضن وتعانق ... إلخ. فإنها تتحرر من آلام طفولتها كلما وجهت الاهتمام والرعاية لطفلها، بالإضافة إلى أن أمومتها تشتق أصلا من عملية تقمصها لأمها، إن خبرة القيام بدور الوالدية تعتبر حقيقة خبرة متكاملة وستظل هكذا ولنستمع إلى حديث إحدى السيدات في ربيع عمرها إذ تقول, إنه كما لو كان هناك مرآتين مثبتتين في زوايا معينة، فإنني أرى جزءا من نفسي في أمي، التي تقترب من الشيخوخة، وجزءا منها في نفسي، وفي المرآة الأخرى أرى جزءا من نفسي في ابنتي، حقيقة لقد اكتسبت بصيرة واستبصارا دراميا من النظر إلى تلك المرآتين. وخلال سنوات الرشد الأولى يجب أن يصل الزوجان إلى اتفاق بخصوص توقع الحمل ومتاعبه، وكذلك اعتماد الطفل الرضيع المطلق عليهما، وتزايد الاعتماد على النفس، وأعباء طفل ما قبل المدرسة، وقد يتضمن ذلك تعلما جديدا بالإضافة إلى الضبط الذاتي للوالدين، فعلى سبيل المثال سلوك الغضب في السنتين الأوليين أو التمرد والعصيان لطفل ما قبل المدرسة، قد يجبر الوالدين وبخاصة الأم التعرف والاعتراف بالغضب، أو المخاوف التي تدور بداخلها، إلا أنها لا تستطيع أن تعبر عن غضبها كما يفعل طفلها, ولقد عبرت إحدى السيدات عن ذلك بقولها، وإنني أشعر بالضعف من الغضب أو الثورة التي تكمن بداخلي، ولكن كيف يمكن تعلم امتصاص هذا الغضب وأن أظهر الرعاية والعناية وعموما فكلما نما الطفل، تجدد نشاط الصراعات المختلفة وفرص النمو لدى الوالدين. الوالدية كدور اجتماعي: يعتبر ميلاد الطفل الأول بالنسبة للزوجين هاما من حيث المعايير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 الاجتماعية، ففي بعض المجتمعات يحقق الزوجان استقلالا اجتماعيا كاملا ويقيمان أسرة خاصة بهما بعد أن يصبحا والدين، ويعتبر الحمل أحيانا نقطة انتقالية أكثر أهمية للمرأة من الزواج ذاته، فإن توقع وانتظار طفل يمثل أول توافق رئيسي بالنسبة لكلا الزوجين. وبمجرد أن يصبح الحمل واضح المعالم, فإن الزوجين يحققان مكانة اجتماعية جديدة أي كوالدين في المستقبل، وبمجيء الطفل يصبحان فعلا والدين وبالتالي يكونا نواة أسرة جديدة حيث يتعهدان بتنشئة كائن بشري جديد، كما أنهما في نفس الوقت يتم تعليمهما وتنشئتهما بسببه، أي أن الأبوين يعلمان الطفل عادات الأكل والشرب وعادات التواليت وسلوك دور الجنس، وفي نفس الوقت يتعلمان كيف يتحدثان مع الطفل، وكيف يشتريان له حاجاته، وكيف يرتبطان بنماذج جديدة بكل من الجد والجدة وهكذا. إن الانتقال إلى مرحلة الوالدية يطلق عليه "أزمة عادية" فإنها تغير من نمط شخصيات الآباء والأمهات وكثيرا ما تعوق مهنة الزوجة وعدم انتظامها, ويشير شولز Schulz؛ "1972" أن مجيء الطفل يقيد ويحد من أنشطة الوالدين خارج المنزل بالإضافة إلى خلوتهما وسريتهما داخل المنزل، وتتقلص بصورة واضحة تبادل المشاعر والأفكار. وتشير نتائج الدراسة السابقة أن الوالدين الشابين يتحدثان مع بعضهما البعض، بقدر نصف ما يتحدث الزوجان المتزوجان حديثا، وحينئذ فإنهما يميلان أن يتحدثا عن الطفل. وتشير دراسات أخرى أن الانتقال إلى مرحلة الوالدية قد حسن عملية التوافق الزواجي خاصة لدى الأفراد الذين يتمتعون بطرق جيدة للتواصل ولتبادل الأفكار والمشاعر, كما أن الأبوين اللذين قد خططا لإنجاب الطفل وبالتالي كانوا أقل تعرضا لظهور المتاعب والأزمات. ويؤدي مركز الوالدية الجديد إلى نمو علاقات جديدة بين الزوجين والمجتمع, فالأمهات الجديدة يبحثن عن أمهات جديدة أخرى من أجل الصحبة والتضحية، ويظهر الكثير منهن السرور المتزايد في صحبة أمهاتهن، كما تعمل الوالدية على تجدد الاتصال بالمؤسسات التي كان يتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 632 تجاهلها في مرحلة ما قبل الزواج، وكلما تقدم الطفل في سنوات عمره، كلما بدأ الوالدان في تقويم المتنزهات والمكتبات والمدارس المجاورة وهكذا, وعموما فإن الوالدية معناها الاعتراف بعدم كمال الإنسان وأن يكون لديك القدرة على تحسين ما هو قائم بالفعل داخل المؤسسات في المجتمع. دورة الأسرة: بميلاد أول طفل وتأسيس أسرة جديدة، يصبح من المناسب التحدث عن دورة الأسرة، وتبدأ هذه الدورة -بطبيعة الحال- بالزواج وتنتهى بمراحل من الحرمان وموت أحد الزوجين، ثم بموت الزوج الآخر, ويشير دوفال Duvall إلى ثمان مراحل مع توضيح عدد السنوات التقريبية لكل مرحلة من تلك المراحل, وحيث إن الأم عندما ترسل طفلها الأول إلى المدرسة عادة ما تكون ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين من عمرها، فيمكننا القول بأن فترة الرشد المبكرة تقابلها -بصورة عامة- بالنسبة لكل من الزوجين كأفراد على حدة, فالزوجان اللذان يؤجلان إنجاب الأطفال قد يقضيان ست أو سبع سنوات بدلا من سنتين في المرحلة الأولى وبالتالي يؤثر ذلك على بقية الدورة، فعلى سبيل المثال ومرحلة العش الهادئ الخالي" والتي تحدث في سن المعاش ستكون أقصر, كما تحدث بعض التغييرات في هذا النظام بسبب الطلاق أو الزواج للمرة الثانية. ومما يجدر الإشارة إليه أنه على الرغم من أننا نميل لتصوير الأسر كراشدين بالغين مع أطفال صغار "فإن مقدار الوقت الذي يقضى في المراحل الثلاثة الأولى من الحياة الأسرية يكون صغيرا -بصورة نسبية- حيث لا يزيد عن اثنتي عشر عاما من المجموع الكلي لعدد السنوات والذي قد يصل إلى خمسين عاما, وتكتمل نصف الدورة الأسرية تقريبا بعد رحيل الأبناء، ولذلك فإن أنواع التوافق التي يتم التوصل إليها في فترة الرشد الأولى ليست بالضرورة أن تكون صالحة لفترات أخرى لاحقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 633 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ شكل "1" يوضح مدة الوقت في كل مرحلة من المراحل الثمانية عند دوفال وهي: 1- زوجان متزوجان "بدون إنجاب الأطفال". 2- الأسر التي بها حالات "أكبر طفل يتراوح عمره ما بين أسبوع واحد حتى ثلاثين شهرا". 3- الأسر التي بها أطفال في سن ما قبل المدرسة "أكبر طفل يتراوح عمره ما بين 30 شهرا حتى 6 سنوات". 4- أسر بها أطفال في سن المدرسة "أكبر طفل يتراوح عمره ما بين 6 و13 سنة". 5- أسر فيها مراهقون "أكبر طفل يتراوح ما بين 13، 20 سنة". 6- أسر غادر شبابها واستقلوا بأسرهم "استقلال الابن الأول والأخير بأسر خاصة بهم". 7- الوالدان في منتصف عمرهما "عش التقاعد الخالي". 8- أفراد الأسرة في فترة الشيخوخة "من سن المعاش إلى موت كلا الزوجين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 634 الطلاق: إن دورة الأسرة التي يصفها علماء النفس والاجتماع بأنها دائرة مقسمة إلى عدد من القطاعات التي يمكن التنبؤ بها، بيد أن الأحداث بالنسبة لكثير من الأفراد لا تسير على وتيرة واحدة، فقد يحدث أكثر من زواج وأكثر من دورة أسرية وأكثر من مجموعة من الأطفال، ففي بعض الحالات ينتهي الزواج في المرحلة الأولى أو الثانية أو الثالثة، ومعظم حالات الطلاق التي تحدث غالبا ما تقع في نطاق السنوات السبع الأولى من الزواج. وقد يرجع الطلاق لعديد من الأسباب منها -على سبيل المثال- التقبل الاجتماعي المتزايد لعملية الطلاق نفسها, إذا ما قورنت بتقبلها فيما مضى وتشير الدراسات أن نسبة الطلاق قد تتزايد بين أولئك الذين تم زواجهم في سن مبكرة وهم مراهقون أما أولئك الذين يتزوجون في أواخر العشرينات من عمرهم، فإنهم أقل احتمالا لحدوث الطلاق فيما بينهم إلا أن الزواج المبكر ليس معناه بالضرورة أن يحدث فيه الطلاق، والاتجاه الذي يشير بأن الزيجات المبكرة تنتهي بالطلاق، وأن معظم حالات الطلاق تحدث في السنوات الأولى من الزواج، هذا يكشف التقارب عن مؤشر نمائي ضمني مرتبط بالنمو، فقد لا يكون الزوجان قد تخطا تماما أزمة الهوية لمرحلة المراهقة، بمعنى أن أحد الزوجين "أو كليهما" لا يكون قد نجح في تحرير نفسه عاطفيا من والديه، في تكوين نوع من الالتزام والثبات على قيمه ومهنته، فإذا لم يتمكن من إنجاز ذلك يجد نفسه من الصعب أن يقيم علاقة على أساس التبادلية مع شخص آخر، ويمكن للزوجين الالتجاء إلى طلب عملية الإرشاد الزواجي فمثلا قد تشكو زوجة أن زوجها ما يزال مرتبط عاطفيا بأمه, أي أنه ما زال طفلا صغيرا يريد من يوجهه، وقد يدعي الزوج أن زوجته كانت فعلا تبحث عن أب فإن كلا منهما يتهم الآخر بافتقاد الألفة أو المودة، لا سيما من أجل التبادل الكامل للمشاعر والأحاسيس والأفكار، وكأن كلا منهما يقول للآخر: "حبني ولكن لا تقترب مني أكثر من اللازم". والأسباب التي تكمن وراء حالة طلاق معينة عادة ما تكون مركبة للغاية، لا يمكن الإفصاح عنها حتى من جانب الزوجين أنفسهما، وتشير نتائج دراسة هنت وهنت Hunt & Hunt إلى ثلاثة أنواع شائعة للسيناريو المرتبط بالطلاق، فبالنسبة لبعض أزواج يذبل الزوج ويبهت بصورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 635 نسبية, مثل صورة فوتوغرافية قديمة، أي أن الطلاق يتم بدون وعي وبلا صراعات, وكذلك فإن أي حادث عرضي مثل الانتقال المهني لبلدة أخرى أو مغازلة عابرة تكفي لأن تنهي الزواج نهاية هادئة، والنوع الثاني من السيناريو يشير إلى أن الطلاق يحدث صدمة لأحد الزوجين أو لكليهما، وقد يكون هناك أنواع أخرى من الطلاق تتم بعد معاناة وصراع طويل، وفي مثل هذا السيناريو يدرك كلا الزوجين أن الطلاق وشيك الحدوث إلا أنهما ينتظران شهورا بل وحتى سنوات لإتمام خطواته النهائية. وعادة ما تعتمد ردود فعل الطلاق على طبيعة الأحداث ونوع العلاقات الزوجية التي تسبقه، إلا أن كلا من الزوجين عادة ما يحتاجان وقتا طويلا لاندمال الجرح وتجاوز الصدمة، ويحتاج الشخص المطلق -رجلا كان أم امرأة- إلى تسوية صراعات الهوية المبكرة وذلك عن طريق بناء نمط جديدة للحياة، فمثلا المرأة التي تزوجت في وقت مبكر قد تكون قد ربطت هويتها بهوية زوجها, أما الآن فهي ذات مكانة جديدة وبالتالي تحتاج إلى بناء هوية مهنية أو على الأقل ستحاول أن تجد وظيفة لها, وفي نفس الوقت يجب عليها أن تعيد تنقيح هويتها فقد تواجه عددا كبيرا من المشاكل العملية فالطلاق بالنسبة لمعظم الأزواج الجدد قد يسبب اضطرابات مالية وبالتالي يخفض من مستوى المعيشة، كما يجب إقامة علاقات والدية جديدة خاصة أن تمخض الزواج السابق عن أولاد، ويصدق هذا لا سيما على الأب والذي عادة لا يكون مسئولا عن رعاية الأطفال وبالنسبة لكل من الزوج والزوجة عادة ما تبدأ عملية توتر الهوية والدور الاجتماعي من جراء مطالب نمط حياة العزوبية من جديد، فقد تواجه الأب صعاب في زيارة أطفاله المبعدين عنه وفي إرسال نفقاتهم، وقد تواجه الأم هي الأخرى مصاعب في تنظيم حياتها الاجتماعية وقدرتها على تربية الأولاد، ونظرات الآخرين لها، وعلاقاتها العاطفية. وعادة ما يتزوج الأفراد المطلقين في نهاية الأمر مرة أخرى، ويميل الرجال إلى الزواج مرة ثانية أسرع من النساء وعلى الرغم من أن نسبة الطلاق تكون مرتفعة بالنسبة للزيجات التي تتم للمرة الثانية، إلا أن أغلبية الذين يتزوجون للمرة الثانية عادة ما يستمرون في زواجهم حيث قد ينظر إلى خبرتهم في الطلاق على أنها قد تساعدهم على العثور على شريك جديد أكثر ملاءمة، ليس هذا فحسب بل أيضا قد يجدون ذواتهم الجديدة الناجحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 636 اختيار شريك أو شريكة الحياة: أشارت ميلتون وتوماس Melton & Tomas؛ "1976" في استقصاء الفروق بين الطلاب البيض والزنوج بخصوص القيم المرتبطة باختيار شريك "أو شريكة" الحياة، وافترضا أن الطلاب الزنوج والذين يحتلون كمجموعة مكانة اجتماعية واقتصادية أقل من البيض سيركزون على القيم المرتبطة بالأمان الاقتصادي "والتي يطلق عليها مصطلح القيم الوسيلية"، أما الطلاب البيض فيتوقع منهم أن يركزوا على القيم العاطفية أو ما يطلق عليه القيم التعبيرية. وأوضحت النتائج أن الزواج من أجل الحب يعتبر حقا قيمة ثقافية واسعة الانتشار، فقد أشارت كل من المجموعتين أن دور القيم التعبيرية يعتبر أكثر أهمية "مثل التفاهم والحب والحنان المتبادل، والنضج الانفعالي، والحنان والرقة والاهتمام، وفي الحقيقة فإن الطلاب البيض والسود كانوا على اتفاق تام تقريبا في تقديرهم لهذه الخصائص المرغوب فيها. بيد أن الطلاب السود قد أولوا اهتماما أكبر للقيم الوسيلية مثل الترقي الاقتصادي، والرغبة في امتلاك منزل، والاتفاق المادي، حيث كان الرجال السود يتعطشون خاصة لتوفر هذه القيم في زوجة المستقبل، تلك النتيجة التي يشعر الباحثون أنها تعكس الحقيقة التاريخية بأن الرجال السود لم تكن لديهم الفرص الكافية لكسب الدخل المناسب والمشبع لأسرهم, ولقد جاءت الدرجة الجامعية في ذيل القائمة التي تضم القيم المرغوب فيها بالنسبة للمجموعتين. والجدير بالذكر فإن نتائج هذه الدراسة تشير إلى وجود اختلافات ثقافية واجتماعية واقتصادية يمكن أن تعزى إليها هذه العملية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 637 مرحلة الرشد الوسطى Middle Adulthood: تتقارب مصطلحات الرشد الوسطى، والعمر المتوسط، والحياة الوسطى من ناحية الاستخدامات اللغوية والتعبيرية، إذ إن الأوسط من الناحية اللغوية يعرف بأنه ما يأتي قبل وبعد أشياء معينة، وبالتالي فإن الأفراد ذووا الأعمار المتوسطة ليسوا بصغار السن، ولا مسنين، حيث تركوا وراءهم عنفوان وقوة الشباب، إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى توتر وهدوء وتعقل كبار السن وتشير نتائج نيوجارتن Neugarten؛ "1965" وزملائها في دراستها الكلاسيكية أن الأفراد قد حددوا الرجل أو المرأة الذين يكونون في منتصف العمر عندما يكونون ما بين الأربعين والخمسين عاما، وعموما فإن هناك مراجعة للاتجاهات نحو فترة الرشد الوسطى وذلك كانعكاس لطول فترة الحياة المتزايدة. إذن متى يستطيع الفرد تجديد نفسه بأنه يقع في منتصف العمر؟ إن الأعمار الزمنية الحدية مثل الأربعين والخامسة والأربعين لا تبدو ذات دلالة واضحة إذ تشير نيوجارتن أن التواريخ والأعمار الزمنية لم تعد ذات مؤشر إيجابي كما كانت في المراحل النمائية السابقة، إذ لا يمكن القول بأنه يتقدم السن في هذه المرحلة يصبح الفرد أكبر جسما أو أكثر جاذبية أو أكثر أهمية. إن الازدياد في العمر عاما بعد آخر يزيد من تميز الفرد، وبالتالي يميل الفرد إلى أن يدرك نفسه كما لو أنه في منتصف العمر وذلك كانعكاس لأحداث وخبرات تحدث في محيط الأسرة أو العمل، وعندما يكون لدى الفرد أبناء بالغين أو في سن المراهقة فقد يكون ذلك علاقة على أنه لم يصبح شابا صغير السن، وبحصول الفرد على مركز مرموق في عمله أو تولي الفرد مهمة الإشراف على مرءوسين من الشباب، قد ينتج عن ذلك، الإحساس بفترة وسط العمر, وقد أظهرت الدراسات أن السيدات يملن إلى إدراك منتصف العمر في إطار ما يحدث داخل الأسرة من أحداث ويحدث ذلك بالنسبة للرجال في مجال العمل والمركز الاجتماعي والاقتصادي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 638 التغيرات الجسمية: يصل الإنسان إلى قمة النمو الجسمي في مرحلة الرشد المبكرة، ثم يبدأ الانحدار بصورة تدريجية في العقد الرابع من الحياة، فعلى سبيل المثال يبدأ الطول في التناقض بصورة ضئيلة بين الخامسة والأربعين والخمسين، أما الجزء الوحيد الذي يستمر في النمو من هيكل الإنسان العظمي فهو الوجه والرأس، ويستمر مما ينتج عنه تجعدات في الوجه، مع ارتخاء في أجزاء أخرى من الجسم، ويتناقص الحجم والقوة العضلية، وتقل تدريجيا القدرة على أداء مجهودات جسمية شاقة، إلا أن الأفراد الذين تعودوا على أداء الأعمال الجسمية يستمرون في إنتاجياتهم حتى أواخر منتصف العمر، ولكن عندما يصل الفرد إلى الخامسة والخمسين من عمره فإنه, كما عبر عن ذلك أحد العمال في هذا السن بصورة صادقة وذلك بقولهن لقد أصبحت الشوارع أكثر طولا، وقلت قدرتي على أداء الأشياء، لقد أصبحت عجوزا. ويشعر الأفراد في منتصف العمر وبصورة تدريجية بأنهم أصبحوا أقل قدرة على مواجهة الضغوط الانفعالية والجسمية، ولا يستطيعون تحمل البرد أو الحر الشديد، كما يصعب في هذه الفترة مقاومة التقلبات الجوية، وتصبح الشكوى من التقلصات المعوية والاضطرابات السيكوسوماتية أكثر شيوعا، كما لا يستطيع الفرد أن يتناول وجبة دسمة دون أن يشعر بآثارها في اليوم التالي وعندئذ يتذكر أن ذلك لم يكن حاله من قبل. وبتقدم العمر يحدث انخفاض ملحوظ في القدرة على التنفس، ويشعر المرء بالإجهاد السريع لمجرد ممارسته الجري أو صعود الدرج, والقلب يعمل بصورة أكبر، إلا أنه بفعالية أقل، وتبدأ حالة انتكاس تتضمن زيادة في الوزن وزيادة في سمك وصلابة الحوائط الشريانية، وتكون مشاكل السمنة وتصلب الشرايين أكثر شيوعا في أواخر مرحلة وسط العمر. كما يحدث تغيرات في الجهاز العصبي تؤثر -بصورة خفيفة- على السلوك والإدراك والذكاء, ويقل وزن المخ بعد سن العشرين تدريجيا، ثم بسرعة أكثر في أواخر العمر. وتشير دراسة بروملي Bromley؛ "1974" إلى حدوث تغير طفيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 639 بين الشباب والشيوخ في قياس ذبذبات المخ EEG, كما أن انعكاس الطرق على الركبة "الانعكاس البسيط" يبقى مقاربا لما كان عليه في سن العشرين وتصبح ردود الفعل للمثيرات المركبة، بما فيها تحولات النبض السريع أبطأ، ويصبح الانفعال أكثر بطأ، وهذا يعني أنه يتطلب وقتا أكثر بقليل من العقل حتى يتمكن من أداء عملية التنسيق والإنذار للنشاط العضلي، كما يحدث فقدان لبعض حاسة التذوق والسمع في الخمسينيات ولكنه غالبا ما لا يلاحظ من قبل الفرد. وعلى الرغم من أن سنوات الرشد الوسطى يحدث خلالها تدهور تدريجي من قمة النضج التي وصل إليها الفرد في العشرينات من عمره, إلا أن الإنسان لا يجد ارتدادا فجائيا من النضج إلى التقهقر وحتى في سنوات العمر المبكرة فإن كل من عمليتي الهدم والبناء تحدث كذلك فمثلا الخلايا العصبية لا تتضاعف بعد السنة الأولى من الميلاد، وبالتالي يتناقص عددها تدريجيا، إلا أنه بسبب الزيادة الهائلة في تلك الخلايا، عادة ما يكون هذا التناقص غير ملحوظ، ويشبه ذلك التناقص الذي يحدث في طول الإنسان، والذي يحدث بصورة لا تكاد أن تلاحظ في السنوات المتأخرة من الحياة، وتحدث أمراض الشرايين في سنوات العمر الوسطى بصورة تدريجية أكثر مما تحدث بصورة فجائية، وتبدأ دقات قلب الفرد العادي "إذا ما قيست وقت الراحة" في التناقص ليس في منتصف العمر ولكن يبدأ ذلك في سن التاسعة عشر بنسبة 1% تقريبا, وربما يمكن ملاحظة هذه المشكلة في سن الخمسين، كما أن التناقص والانحدار قد يحدث في بعض الأنظمة ويكون أكثر وضوحا قبل فترة منتصف العمر بكثير "حاسة الرؤية قد تحدث تدهورا بها في فترة المراهقة أو الشباب" هكذا فإن منتصف العمر ليس نقطة تحول حادة فهي ببساطة تميز الفترة التي يبدأ خلالها الاتزان في التحول التدريجي المحتدم من النمو الموجب إلى الانحدار. وإذا حدثت التغيرات الجسمية في فترات منتصف العمر بصورة محبطة، فمن الجدير بالذكر فإنها تنتج تدهورا في أعضاء المجتمع فلم يعد المجهود العضلى أو القوة هما من الضرورات الملحة في عمل الإنسان، والأهم من ذلك هو أننا نجد الأفراد في منتصف العمر لديهم القدرة على الإدارة وإصدار الأحكام والخبرة والرغبة في التكيف مع التكنولوجيا الحديثة، وعلى الرغم من أن بعض الوظائف قد تتطلب حدة الحواس أو زمن استجابة سريع فإن التكنولوجيا الحديثة قد خفضت أنظمة التكييف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 640 حاجات الجسم لكي يتفاعل مع التغيرات الشديدة في درجات الحرارة، وابتكرت السلالم المتحركة والمنازل ذات الحدائق ووسائل النقل من الباب إلى الباب, كل هذا وضع الأفراد في منتصف العمر على قدم المساواة مع الشباب. ويذهب بعض الكتاب إلى أبعد من هذا حيث يشيرون إلى فترة منتصف العمر "ما بين الأربعينات والخمسينات" على أنها تمثل ربيع العمل بينما كان نفس المصطلح يستخدم لسن العشرين أو الثلاثين، وهذا يعكس اعترافا بأن الانحدار التدريجي في الإمكانات الجسمية في فترة منتصف العمر يساعد على فعالية الفرد في المجتمع, ولم تعد بالتالي ذروة القدرة الجسمية هي المعيار الوحيد، حيث أصبحت الخبرة وحسن التقدير والقدرة على السيطرة في مرتبة أكثر أهمية. معدل العمر الجسمي: كان من المسلم به في الماضي -ومن المؤكد في عصرنا الحديث- أن معدل انحدار القوة الجسمية عند الفرد يحدد جزئيا عن طريق الوراثة، حيث نجد بعض العائلات التي يبدو أن طول العمر فيها شيئا وراثيا، فعندما يولد فرد في أسرة معينة يعاني الأبوان فيها من حالات مرض القلب أو السرطان، حينئذ يوجد احتمال بالإصابة الوراثية بتلك الأمراض. والجدير بالذكر فإن كبر السن "الشيخوخة" ليس مجرد عملية جسمية، حيث تتداخل وتؤثر عدة عوامل بيئية أخرى فعلى سبيل المثال الصدمات التي تصيب الفرد كوفاة الزوج أو وفاة الزوجة، أو الطلاق، أو الحوادث، كلها من الممكن أن تؤثر في التقدم السريع في السن، واحتمال الإصابة بأمراض خطيرة وتشير بعض الدراسات أن العوامل الثقافية والحضارية والحالة الاقتصادية تؤثر أيضا في متوسط العمر لدى الإنسان, وعموما فقد يفترض أن عدم وجود الصراعات الحادة والضغوط النفسية ووجود نمط من الحياة المنتظمة قد يزيد فترة الحياة وذلك لأنه يقلل الضغوط والتوترات التي يجب على الفرد أن يتكيف معها. أزمات القلب: يستطيع الإنسان في الوقت الحاضر, بفضل التقدم في العلوم الطبية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 641 والوسائل الإعلامية أن يعرف ما هو محظور وما هو مباح فيما يتعلق بأمراض الشريان التاجي في القلب، مثل ذلك تجنب الأطعمة الغنية بالكولسترول والمحتويات الدهنية، وعدم التدخين، وعدم أداء التدريبات الرياضية، عدم المشيء وعدم مراقبة الفرد لوزنه باستمرار، إلا أن ما يقرب من 50% ضحايا أمراض القلب لا يمكن إرجاع أسباب حالاتهم إلى أي من تلك العوامل المسببة المعروفة، ومن هنا بدأت شكوى العلماء تزداد أكثر وأكثر في أن هناك ثمة عوامل أخرى قد تؤثر في أمراض القلب ونتيجة سنوات عديدة من البحث والتجريب أشارت نتائج الدراسات إلى أن العامل المفقود والسبب الرئيسي لأمراض القلب المرتبطة بالشريان التاجي هي عبارة عن أسباب انفعالية يصاب بها الفرد، وأزمات قد يتعرض لها في حياته بالإضافة إلى الاستعداد الشديد لدى هؤلاء الأفراد من المرضى. وقد يرتبط مع التقدم في العمر بعض من الاضطرابات الجسمية قد تكون نتيجة لبعض عادات وأنماط حياة الفرد، فقد تفقد سيدة في الخمسين من عمرها أسنانها وذلك بسبب عدم اهتمامها بها في سنواتها الماضية، وقد تشعر أن الطعام قد فقد مذاقه لأنها وحيدة، وقد تشعر بتناقص دوافعها الجنسية لفقدانها الشريك، أو أنها تفتقد الصورة الموجبة لذاتها, وعموما فإن كانت هذه التغيرات تستمر مع التقدم في العمر الزمني، إلا أنها ليست حتمية أو أنها نتيجة ضرورية للتقدم في السن، فقد تتواجد وتظهر تلك التغييرات عند الشباب أيضا. سن اليأس وانقطاع الحيض: أحد التأثيرات للتقدم في السن -والتي درست بعناية- تتمثل في التناقص في إنتاج الهرمومات التناسلية، وهي تلك الهرمونات الجنسية التي تنتج بواسطة البويضات والخصيتين، وهما الاستروجين والتستوستزون عند الذكر والأنثى على التوالي. ومع أن الغدة النخامية تستمر في إرسال رسائل قوية إلى الغدة التناسلية، ومع أن الكظريات والغدة الدرقية والبنكرياس يستمرون في فعاليتهم كما سبق، إلا أن الغدة التناسلية تصبح أقل إنتاجا في سنوات العمر الوسطى، وهذا يؤثر في نمط الحياة عند الفرد. أما بالنسبة للإناث، فإن أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات عادة ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 642 تكون بداية للانحدار في معدلات الأيستروجين والجسفرون "والأول عبارة عن هرمون مثير للدورة النزوية والثاني هرمون يهيئ الرحم لقبول البيضة الملقحة". وفي حوالي سن الخمسين يبدأ الذكور في الإحساس بتناقص منتظم في هرمون التستوسترون، ويحدث ذلك الانحدار عند كل من الجنسين بتغيرات في هيئة الجسم كله، فعلى سبيل المثال قد ينتج عن سن اليأس زيادة في سمك الجلد والخصر وزيادة في ضغط الدم أو ارتفاع نسبة التأثر بأمراض الشرايين أو فقدان في أنسجة العظام عند بعض الأفراد. وعلى الرغم من أن مصطلح سن اليأس أو الفتور الجنسي يستخدم لوصف تغيرات في الأعضاء التناسلية الجنسية، فإنه عند النساء ينتج عنه انحدار معدلات الاستروجين، وينتج عنه نحافة في الجدار المهبلي وبطء في استجابة التزليق المهبلي، وتوقف عن الإباضة وضمور في المبايض والرحم ويؤدي انخفاض في معدل التستوسترون عند الذكور إلى انخفاض بسيط في عدد الحيوانات المنوية الصحية والنشطة وتضخم غدة البروتستاتا، ويحتاج الفرد إلى مدة أطول لعملية الاستشارة إذا قورن بفترة الشباب أو المراهقة. وتتفق الطريقة التي يخبر بها الذكور والإناث في تلك المرحلة هذه التغيرات، مع الطريقة التي يخبر بها المراهق أوجه النمو التي تحدث أثناء فترة المراهقة فالمراهقة تمر ببداية مرحلة الأنوثة التي تتمثل في الحيض والدورة الشهرية، وعادة ما تكون في البداية غير قوية في خلال العام الأول ونجد المرأة تخير مرة أخرى أمارات واضحة نسبيا من التغيرات التي تؤذن ببدء فترة انقطاع الطمث والتي عادة ما تحدث في الخمسين تقريبا، ويوجد اختلافات فردية كبيرة في ذلك، وهذا لا يمنع الاستمتاع بالمعاشرة الزوجية بغض النظر عن حالة الإخصاب. أما بالنسبة للذكور فلا توجد تطورات عضوية مفاجئة من الممكن أن توحي لسن اليأس، فمعظم الرجال عادة ما يحتفظون بالخصوبة طوال حياتهم، وكما تحدد مجيء الرجولة أمارات الرغبة والأداء, إلا أن سن اليأس إذا كانت تحدث يمكن الإحساس بها بفقدان الرغبة والعجز الجنسي, وكثير من الرجال لا يكونون على دراية بالتغيرات الجسمية التي تحدث لهم لانشغالهم في صراعات الحياة ونادرا ما يستشير الرجل طبيبه حول سن اليأس فالرجال عادة لا يبحثون عن علاقات قوية مع الطبيب ذي التخصص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 643 التناسلي، كما تفعل معظم النساء، وتوجد العديد من الأعراض المرضية المرتبطة بسن اليأس عند الإناث، فقد نجد بعضهن يبحثن عن الرعاية والعناية الطبية حيث يتضمن أعراض حالاتهن العرق الغزير والرغبات المحمومة الجانحة. ومن أعراض سن اليأس بعض الأعراض التي تتمثل في الدوخة والصداع والأرق والحساسية وزيادة الوزن ويفسر سن اليأس خاصة عند المرأة بعض المشاكل العاطفية والاضطرابات النفسية التي ترتبط بالأفراد في منتصف العمر. العمليات العقلية والمعرفية: عادة ما يكون موضوع الذكاء في منتصف العمر قضية قابلة للمناقشة والجدل خاصة عند علماء النفس، ومن ضمن التساؤلات التي تطرح في هذا المجال هل يتوقف الذكاء؟ أو يتناقص؟ أو يتزايد؟ وفي أي نوع من العمليات المعرفية العقلية يحدث ذلك؟ كان يعتقد حتى وقت قريب أن الذكاء مثله مثل القوة العضلية أو الطول، ينمو بصورة طبيعية حتى نهاية فترة المراهقة فقط، أو إلى السنوات الأولى من العشرينات من العمر، ويقوم هذا الافتراض على الأساس الحاوي للذكاء أو الأساس النيورولوجي, ولقد أثارت بعض الدراسات الحديثة أنه على الرغم من أن بعض جوانب الذكاء قد تنمو حتى نهاية مرحلة الرشد المبكرة فقط، إلا أن بعض أشكال النمو العقلي الأخري تستمر حتى فترة الرشد المتأخرة، ويحدث النمو في تلك القدرة العقلية أو المعرفية والتي تتأثر بشكل واضح عن طريق خبرات الحياة كالمهارات اللفظية والمعارف الاجتماعية، والأحكام الأخلاقية. درجات الذكاء: يعتبر معامل الذكاء IQ طريقة مألوفة لقياس الذكاء للأطفال والمراهقين، ولقد اكتشف جوتز وكونارد Jones & Conard "1923" نتيجة تطبيقهما مجموعة من اختبارات الذكاء المقننة على نطاق واسع، أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم حول سن العشرين قد حققوا درجات أعلى ممن كانوا في منتصف أعمارهم، أو من الراشدين الكبار، وتشير نتائج دراسات شاهي Schaie؛ "1975", والتي طبقت على قطاعات عرضية من الراشدين أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 644 أن قمة أداء الفرد في اختبارات الذكاء عادة ما يكون ما بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، ودعم الافتراض بأن الأفراد الذين يقعون في منتصف أعمارهم وكبار السن، تكون كفاءاتهم على أداء اختبارات الذكاء أقل إذا ما قورنوا بالأصغر سنا. ويوجد بعض الانتقادات إلى هذه النوعية من الدراسات العرضية Cross Sectional، وأهمها ما يشير إلى أننا لا نستطيع أن نرجع الاختلافات بين المجموعات السنية إلى العمر الزمني وحده، قد يحقق صغار السن نتائج أفضل ممن هم في منتصف العمر، لا لأنهم أكثر ذكاء، ولكن بسبب تعرضهم لمثل هذه النوعية من الاختبارات فيما قبل، وبالإضافة إلى تعرضهم لوسائل إعلامية أكثر تطورا عما كانت عليه في عهد كبار السن، أي أنهم قد نموا في ثقافة مغايرة، وبالتالي فإن الدرجات الأعلى قد تمثل وتعزى إلى مجموعة من المؤثرات تتقابل مع أو تضاف إلى تأثيرات السن. وللتأكد من مدى صدق الدراسات السابقة أجريت دراسات طولية، اختبر فيها مجموعة من الأفراد وأعيد اختبارهم في مراحل متتالية من عمرهم، ولم توضح النتائج انخفاضا في مستوى الذكاء عند الأفراد في منتصف عمرهم، ومن جهة أخرى فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن أداء الراشدين في منتصف العمر مع اختبارات الذكاء كان أفضل من آدائهم في فترة المراهقة أو الشباب. ولقد أبدت نتائج دراسة بايلي Bayley؛ "1968" نتائج دراسة أوينز السابقة، ولم تسلم تلك الدراسات الطولية من الانتقادات وأهمها يتمركز في أن الفرد ذو الدافعية الأكبر، والأكثر صحة، هو الذي يستمر في الدراسة، كما أن تلك الدراسات الطولية قد يتأثر نتائجها بالتغيرات التي تحدث في البيئة فمثلا لو حدث أن أصبحت الاختبارات أكثر شيوعا وعمومية فقد يؤدي كل الذي أجري عليهم الاختبار بطريقة أفضل عما مضى وبالتالي يرجع تحسن الأداء إلى الخبرة، ومن ثم يعكس التقدم في السن بمعناه البسيط، وأفضل النتائج التي يمكن ملاحظتها في تلك الدراسات الطولية هي أن التناقص في الذكاء خلال فترة منتصف عمر المرء إن وجدت أصلا, ليست عامة بين الأفراد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 645 القدرات المتبلورة وغير المتبلورة: تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن نمو الوظائف العقلية في مرحلة الرشد عادة ما يكون وفقا لنموذجين وهما، القدرات المتبلورة والأخرى غير المتبلورة Fluid & Crystallized Ablities فالقدرات غير المتبلورة هي تلك التي يفترض أنها مرتبطة بسلامة وكفاءة الأنظمة الفسيولوجية العصبية كما ترتبط بتلك الوظائف العقلية التي تصل إلى ذروتها في بداية مرحلة الرشد والتي تتضح في القدرة الفذة الفنية والعلمية، ويمكن أن تتضح بصورة جلية في تلك الميادين التي لا تتطلب تكاملا لخبرات الحياة، منها على سبيل المثال التأليف الموسيقي، والأفكار والنظريات الطبيعية البحتة وأيضا الرياضية, وتتضمن تلك القدرات غير المتبلورة، القدرة على الحفظ والتفكير اللفظي ومهارات التصنيف، أي تلك المهارات التي تمكن الشخص من إدراك العلاقات المركبة وتكوين المفاهيم والتجريد واستخلاص المعاني. ومن جهة أخرى تعتمد القدرات المتبلورة Crystalized على اكتساب الفرد للمعلومات والمهارات الهامة للثقافة والحضارة التي نحياها في عصرنا الحديث، وتتضمن تلك القدرات، المفردات اللغوية، التفكير الحسابي، المعلومات العامة، المعرفة الاجتماعية، وبينما تصل القدرات غير المتبلورة Fluid إلى ذروتها في مرحلة الرشد المبكر، تميل القدرات المتبلورة إلى الزيادة كلما اكتسب الفرد معرفة إضافية وخبرات أكثر في مراحل حياته هورن Horn, J؛ "1970". الابتكارية: بينما ركزت معظم الدراسات المهتمة بالوظائف العقلية خلال فترات الحياة على المهارات والمعرفة المتمثلة في نتائج اختبارات الذكاء المقننة، حاولت دراسات أخرى دراسة الجوانب الابتكارية في الوظائف العقلية، ومن أهم الإسهامات في هذا المجال دراسات ليهمان Lehman؛ "1953" ودراسات دنييس Dennis؛ "1966" فقد أشارت نتائج دراسة ليهمان التي أجراها على العلماء والفنانين ذوي الشهرة، أن هؤلاء العلماء والفنانين قد حققوا إسهامات ابتكارية أقل كفاءة كلما تقدم بهم العمر الزمني، كما أن الأعمال الابتكارية الفذة كانت أعمال من هم في مرحلة الرشد بل وفي بدايتها، كما حدث تناقص نوعية الانتاجات الابتكارية في منتصف العمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 646 وتشير نتائج دراسية دنييس على الإنتاجية الابتكارية عند الرجال الذين عاشوا حتى سن الثمانين أن الفنانين كالموسيقيين والشعراء بلغوا قمتهم الإنتاجية الابتكارية قبل العلماء والباحثين، كما أن سن الأربعين ما يزال يمثل في كل المجموعات عدا مجموعة واحدة هي الموسيقيين، ذروة العطاء الابتكاري، بينما كان العلماء والباحثون أكثر عطاء خاصة في فترة منتصف ونهاية مرحلة الرشد. وتشير بعض الدراسات الأخرى في هذا المجال، أن الأنواع المختلفة من الابتكارية مرتبطة بمختلف جماعات العمر الزمني في مرحلة الرشد، فدراسة جاكوس Jaques؛ "1964" تدعم ما يحدث من ابتكارية في مرحلة الرشد المبكرة والابتكارية التي تحدث في مرحلة منتصف العمر. ويستطرد بقوله: إن العمل الابتكاري عادة ما يكون مكثفا وتلقائيا في مرحلة الرشد المبكرة فالمتأمل لكتابات شكسبير وديكينز يرى فيهما مصداقا لذلك, ولكن تبقى تلك الأشكال من الابتكارية والتي تتطلب الخبرة والمراجعة والتفسير، تبقى ثابتة، وقد تزداد في منتصف العمر. النمو المعرفي والخبرة: تشير نتائج دراسة باباليا وبيلي Papalia & Bielby؛ "1974" أن النمو العقلي المعرفي يبقى ثابتا بصورة نسبية أو يتزايد في بعض جوانبه خلال مرحلة الرشد الوسطى، فالأحكام الأخلاقية تميل إلى الارتفاع إلى أعلى معدل لها في بداية منتصف العمر ويظهر الأفراد في منتصف حياتهم أكثر قدرة من الراشدين الآخرين على الاستماع وتفهم وجهات نظر الأفراد الآخرين ويبدو الأفراد في منتصف العمر أكثر قدرة على التفكير في بحث قضايا معينة وأكثر تفاعلا مع حلول المشاكل الأخلاقية. ويظهر الراشدون في منتصف العمر اختلافا بسيطا عن الأفراد في بداية مرحلة الرشد، وذلك في الفحص والتأمل الانتقائي لمحتويات المشكلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 647 المعروضة وإنتاج أكثر الاستراتيجيات من حيث الفعالية في متابعة المعلومات وإخراجها، وبمعنى آخر يتصف تفكير حل المشكلة في مرحلة الرشد الوسطى بأنه أكثر انتظاما ومنطقية وكفاءة وفعالية عن ذي قبل. نمو الشخصية: يبدو نمو الشخصية في منتصف العمر -عند بعض الأفراد- على أنه شيء غير محتمل, فقد يقال عن الأفراد في منتصف أعمارهم بأنهم يتسمون بالجمود ولكنهم أكثر إيجابية، كما أنهم أكثر ثباتا في شخصياتهم، ولقد أشارت إحدى الدراسات أن الأفراد في مرحلة الرشد المبكر كانوا في سن الأربعين بأنهم أظهروا زيادة ملحوظة في التكيف مع الأوضاع القائمة خاصة في المهنة جولد Gould؛ "1972". ومن ناحية أخرى، تشير دراسات أخرى إلى أن مرحلة الرشد الوسطى من الممكن أن تكون فترة من النمو والتغيير غير العادي حيث ترى بعض الكتابات أن الحياة تبدأ بعد سن الأربعين، وهذا الرأي يدعم تلك الفكرة، لدرجة أنهم قارنوا عنفوان بداية الرشد المتوسطة مع عنفوان مرحلة المراهقة، مخرجين للناس مصطلحا جديدا يربط فترتي المراهقة والرشد، وذلك المصطلح عودة اليقظة يعزى إليه كل ما يحدث في هذه الفترة، حيث ينظر إليها كفرصة لترحيل كل أزمات الهوية في فترة المراهقة، كما تمثل هذه الفترة فرصة ثانية لكي تفعل أشياءك بنفسك ولتحقق ذاتك بصورة أكثر عمقا وصدقا, وتأتي مصطلحات عودة اليقظة الغريزية وخبرة إعادة الميلاد، والعنفوان المتجدد لفترة منتصف العمر، وكلها مصطلحات طبيب نفسي لذات الظاهرة. "فلاينت Vaillant؛ 1977". وتصوير مرحلة منتصف العمر بأنها فترة ثبات, وفترة تغير, كليهما صادق إلى حد ما، إذ أن الحياة لا تبدأ بالفعل عند سن الأربعين، كما أن النمو والنضج لا يتوقفان عند سن الأربعين أو الخمسين أو الستين، أو أي فترة على مدار العمر، وحيث يخبر الإنسان بعض الأزمات في منتصف العمر، فإنها تميل إلى إحداث تغيرات تنحو بالفرد في اتجاه تكامل هويته, كما يشير مصطلح وعودة "اليقظة" إلى بعض المشاعر المستبعدة في السنوات التي يشوب فيها قلق المهنة، أو في محيط الأسرة، مما يجعله يشعر بها مرة أخرى، مما ينتج عنه شخصية أكثر شمولية، وقد يؤدي مفهوم المرء بأنه قد أصبح حرا إلى أن يحقق ذاته بصورة أكثر صدقا وعمقا، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 648 يؤدي به إلى الإتيان ببعض الأنماط السلوكية الجديدة المثيرة كالطلاق المفاجئ أو تغيير المهنة, إلا أن هذه الأفعال يمكن أن تعتبر كخبرة نحو الانتقال إلى الثقة بالذات، ويشير إريكسون في ذلك بقوله إلى أن الناتج السلبي لأزمة الرشد يتمثل في الجمود أو الركود أو العجز عن التغيير ويستخدم الأفراد أحيانا لوصف مرحلة الرشد الوسطى مصطلح "الإرهاق" ولا يكون نقيض الركود عند إريكسون هو مجرد التغيير بل هو القدرة على الإنتاجية, وقد يمر الفرد في مرحلة منتصف العمر بأزمات ترتبط ببحث أشياء مثل، ماذا ينبغي عليه الاعتناء والاهتمام به؟ وما ينبغي عليه أن ينجزه؟ وفي عملية إعادة تأكيد الاختيارات السابقة قد يحدث تصحيحات وتعديلات لكيفية ونمط الحياة التي يحياها، وحيث يتحرك الإنسان في هذه المرحلة بصورة نموذجية نحو شمول أعظم وتكامل أكبر. استجابات الفرد لعمره الزمني: يجب على الفرد في فترة منتصف العمر أن يتكيف لبعض التغييرات الجسمية التي تحدث له مثله في ذلك مثل المراهق, والتي قد تؤثر على مشاعره وأحاسيسه عن نفسه وأيضا تؤثر في وضعه ومركزه في المجتمع. فقد يشعر المرء باضطراره لإلغاء بعض ارتباطاته بسبب التهاب مفاصله، وعادة ما يشعر باهتمام جديد بمظهره العام وصحته، وقد يخبر المرء الصور من الاكتئاب البسيط، فإذا لم يقاوم تلك الحالات فقد يعاني من بعض الأزمات السلبية، فقد يشعر بالتعب والإجهاد لأي قدر من المجهود أو من جراء عملية المجانبة أو بأعراض توهم أو وساوس المرض كما قد يعاني البعض "خاصة المدمنون" من حالات التوتر أو الانسحاب. وعادة ما تكون كيفية التغلب على الأزمات بمثابة عملية صعبة، فالمرأة المتكيفة من الممكن أن تقبل ثمة حقيقة بأنها أصبحت أقل جمالا ونضرة وقدرة، عما كانت عليه فيما مضى، وبالتالي تجعل عملية تقدمها في السن أكثر سهولة وتقبلا، كما يمكن للمرء في منتصف عمره الاعتراف بالألم الذي ينتابه وأنه يمر بحالة من القصور الذاتي، وعلى المرء ذكرا كان أم أنثى أن يعيد ترتيب قيمه ومبادئه حتى يمكن أن يتواءم مع وضعه الجديد في الحياة. ويشير بيك Peck 1968 إلى ذلك بقوله: "إن كثيرا من الأفراد يستجيبوا إلى الفقدان الظاهر للقوة الجسمية بواسطة تحويل هرمية القيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 649 الخاصة بهم بهدوء، حيث يبدءون استخدام عقولهم بصورة أكثر من قوتهم الجسمية كمعيار لتقييم ذواتهم وإمكاناتهم في مجابهة وحل مشكلات الحياة. وقد يخبر الفرد في منتصف العمر علاقة جديدة بالزمن حيث تتمثل الحياة عنده في الوقت المتبقي لكي يحياه، وذلك أكثر من مفهومه وفكرته عن كم عاشه وحياة منذ الميلاد حتى الآن، ومن ثم يتم مراجعة أهدافه وقيمه، كما يتيح ذلك الاختلاف في فكره ماذا حقق حتى الآن؟ وماذا يريد أن يفعل؟ ويمثل ذلك بحث جاد من أجل المعرفة، وقد يراجع الفرد مفهومه السابق عن النجاح, فإذا حقق نجاحا، فإنه قد يؤدي به إلى آخر، أما إذا أخفق تجده يروض نفسه على أوجه قصور ذاته، أو ربما لنقائص أو عيوب المجتمع، وفي كل من الحالتين يميل الشخص إلى إعادة توجيه ذاته نحو الأنشطة الأكثر اهتماما، وقد يجد الرجل الناجح نفسه في حاجة جديدة إلى أن يكون نشطا في المجتمع، وأن يطور علاقاته بمن حوله, أما الشخص الأقل نجاحا فقد يجد سلواه في خبراته الشخصية كما يحدثه عنده اهتمام متجدد بالأصدقاء والأنشطة الاجتماعية في منتصف حياته، وبينما يكون اهتمام المرء في العشرينات والثلاثينات من عمره منصبا على الحياة الأسرية والمهنية, نجده في الأربعينات والخمسينات ازدهارا في العلاقات الإنسانية والتي تصبح ذات قيمة في ذاتها, وجملة القول فإن قدرة الفرد -أثناء تلك المرحلة الحياتية- على الاهتمام بالآخرين ذات قيمة أكبر لديه، وتقل أهمية إنجاز الأعمال بصورة نسبية، ومرة أخرى فإن مراجعة القيمة يساعد متوسطي العمر على أن يتعاملوا مع أوجه قصورهم المرتبطة بثمة حقيقة مؤداها أنهم قد لا يتمكنون من إنجاز ما اعتادوا على إنجازه فيما مضى، وإذا تمكنوا من ذلك يكون أداؤهم أبطأ مما كان في الماضي. وهناك أثر آخر يصاحب تقدم الإنسان في العمر حيث قد يصبح أقل كفاءة وتقليدية وأكثر رومانسية كما تظهر الأشواق الرومانسية في فترة العمر المتوسط، ويبدو كل من الرجال والنساء عرضة للخيالات الرومانسية والجنسية، وهو ما يشبه ما يحدث للمراهقين، ويرجع هذا الإحساس للشوق والتوق الذي ينتاب كل من الذكر والأنثى في هذه المرحلة، وحاجتهم لكي يقنعوا أنفسهم بأنهم ما زالوا ذوي جاذبية على الرغم من أمارات كبر السن البادية عليهم، وقد تمثل تلك الأحاسيس انبثاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 650 للميول المضادة فقد نرى الرجل يعبر عن أبعاد الأنثوية شخصيته في نهاية المرحلة الوسطى من حياته، كما قد نجد المرأة تطلق العنان للميول الجنسية العدوانية لديها بصورة أكبر ما سبق، وحقيقة يظهر أثر يكون غير واضح لعملية التقدم في السن سواء من الناحية الجسمية أو النفسية، وهو ظهور خط التحديد الفاصل والقوي بين الذكورة والأنوثة. الاستجابات لمفهوم الموت: قد يهتم الفرد بمفهوم الموت في فترات نموه السابقة، إلا أن التفكير في ذلك المفهوم قد يكون مرتبطا بصورة أكبر في منتصف العمر، وبعد فقدان صديق عزيز لدى الفرد في هذه المرحلة أمرا طبيعيا، إلا أن ذلك قد يعاد صدمة عند معظم الأفراد وقد يكون ذلك من الأسباب الرئيسية التي تجعل الفرد يشعر بأنه في منتصف عمره ولم يعد صغيرا وقويا, ويبدأ الفرد حينئذ في مراجعة مفهوم ذاته. التوافق النفسي الجنسي: كان يفترض في الماضي أن متوسطي العمر لا يقبلوا على الجنس مثل ما يحدث في عنفوان الشباب، حيث ينتاب متوسطوا العمر القلق وعادة ما يحاصروا بالتعب وتوقف دورة الطمث والعجز الجنسي أو العقم وغروب الشباب، وقد يمر الفرد بحالة يظن فيها أنه قد فقد الرغبة, إلا أن من الخطأ الاعتقاد في ذلك, إذ إن كل فرد من الممكن أن يظل راغبا في الجنس إذا ما توفرت الصحة البدنية والمعنويات المرتفعة، وبالتالي يمكن استمرار النشاط الجنسي إلى سن الثمانين، وعموما فإن الجنس يعد بمثابة جزء حيوي في حياة متوسطي العمر إلا أن تكرار ممارسته يقل مع التقدم في السن. ويتأثر التعبير الجنسي إلى حد ما في حياة متوسطي العمر بالتوقعات الثقافية وتشير نتائج دراسة بيفير وآخرين Pfeffer & Others؛ "1972" إلى وجود اختلافات بين الشباب ومتوسطي العمر من حيث الجنس إذ يصبح الذكور والإناث في وقت ما بين السادسة والأربعين والخامسة والخمسين أكثر دراية بنقص الميول والنشاط الجنسي, وعلى الرغم من أن كليهما يخبر العلاقة الجنسية الكاملة والمشبعة إلا أن الاستجابة الجنسية عادة ما تكون أكثر بطأ، كما أنها تحتاج إلى بعض المقدمات الرومانسية الهادئة، وهذا يزيد بالفعل من الألفة والمودة بين الزوجين، كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 651 يزيد الخصوصية بين الرجل والمرأة في هذا السن، وذلك بسبب مغادرة الأولاد المنزل واستقلالهم مما يزيد الألفة والمودة بينهما, وقد يختبر بعض الأفراد متوسطي العمر مشاكل تعلق بالأداء الجنسي، حيث إن بطء الاستجابة قد يسبب عند الرجل بعض المخاوف في عدم القدرة على الأداء بصورة مناسبة، ولهذا السبب فإنه يفشل في بعض الأحيان، ومن المعروف وبصورة واسعة أن معظم حالات العجز الجنسي في حالات متوسطي العمر عادة ما يكون نتيجة للقلق أو المشكلات النفسية الأخرى, أكثر مما ترجع إلى التقدم في السن, فقد ينتاب الزوج المسن القلق والتعب في الأمور المالية والمهنية أو قد يشعر بتعب وإرهاق في العمل، أو قد يتأثر ببعض المشروبات الكحولية أو العقاقير، وأيا كان سبب ذلك فإن النتيجة هي الخوف من الفشل، وبالتالي يفضل مثل هذا الرجل الانسحاب باختياره بدلا من مواجهة خبرة الصراع النفسي. وقد توافق الزوجة في منتصف العمر على الزواج الذي يخلو من الجنس، إلا أن الزوج إن كان غير منتبه أو متجاهلا للزوجة فقد تعاني من مفهوم سلبي لذاتها مما يجعلها تشعر بأنها قد أصبحت غير مرغوب فيها، أو قد أصابها الكبر وذبل شبابها وزالت نضرتها ومن المعروف عموما أن المرأة يمكن أن تشعر بلذة الجماع مع زوجها في أي عمر زمني وبالتالي فإن المرأة ذات الخبرة تكون أكثر وليست أقل في أن تصل إلى قمة النشوة في أي سن من امرأة شابة أصغر منها عمرا، وكل ما يبدو ضروريا للمتعة في العلاقات الجنسية الزوجية في السنوات الوسطى والمتأخرة من الحياة يتمثل في التعبير الجنسي المنتظم. وتشير نتائج الدراسات في هذا المجال أن توقف العملية الجنسية بين الزوجين لا ترجع بالضرورة إلى التقدم في السن ولكنها ترجع في أغلب الأحوال إلى عوامل نفسية واجتماعية وإذا ما افترضنا الاستمرارية في التعبير الجنسي، فإن الشيء الوحيد الذي سيحتاجه الزوج أو الزوجة لأداء جنسي أكثر فعالية هو صحة جيدة، بالإضافة إلى شريك لديه الرغبة. وعموما فإن العلاقة الجنسية المستقرة والأكثر متعة في السنوات المبكرة عادة ما تكون أفضل أساس لاستمرار الجنس بين الزوجين في متوسط وأواخر سنوات حياتهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 652 التوافق الزواجي والأسري: تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الحياة الوسطى قد تجمع بين نقيضين فقد تعتبر أفضل وأسوأ الفترات معا، حيث يحدث في تلك الفترة أن يكون الزوجين مهتمين بتربية أطفالهما والذين يتراوح أعمارهم ما بين سن المدرسة وفترة الرشد المبكرة، وفي نهاية فترة منتصف العمر يدخل الزوجان مرحلة ما بعد الأبوة، ويصبحا معا وحيدين مرة أخرى، ولقد حاول علماء النفس قياس مستويات الرضا الزواجي المرتبط بهذه المرحلة ومن الواضح أن وجود الأطفال والمراهقين داخل الأسرة يؤثر في نوعية العلاقات الزوجية، كما توجد عوامل أخرى لا تقل أهمية عن ذلك، قد يحتاج الزوجان في منتصف العمر أن يتكيفا مع التغيرات التي تطرأ على تفاعلاتهما الجنسية، فقد يحتاجا لأن يتدربا على أنماط مختلفة من الحياة وذلك للأسباب التي ذكرناها سابقا، أو قد يحتاجان إلى التغلب على العائق الرئيسي للتوافق الزواجي ويكمن في السأم والإرهاق، وعادة ما تكون قدرتهما على تحديد السبب المباشر لهذا السأم والتعامل معه شيئا صعبا حيث يتطلب تفاهما صادقا بالنسبة للاستجابات الجنسية والتحرر من الضيق والكبت الذي طال كبته, وجدير بالذكر فإن لم توضع نماذج التفاهم والاتصال بين الزوجين منذ بداية مرحلة الزواج، فإن الاقتراب من مرحلة منتصف العمر وما يحدث خلالها من سأم وغربة قد يكون اضطرابا مؤلما وبالتالي يحتاج إلى مساعدة المعالج أو المرشد النفسي. وأخيرا فقد توجد بعض المشاكل والمتاعب المرتبطة بتلك المرحلة الحياتية، أكثر من كونها مرتبطة بنوعية العلاقة الزوجية، فإمكانية أن يعمر أحد الزوجين أكثر من الآخر قد تصبح تلك الاحتمالية شيئا مهما وذات مغزى خاصة بالنسبة للنساء، كما قد تكون الضغوط المالية قاسية خلال هذه الفترة حيث يخطط الزوجان لتعليم أولادهم بالإضافة إلى اقترابهما من سن التقاعد, وقد توجد بعض الضغوط الأقرب في حالة وفاة أحد الزوجين وليس بمستغرب أن يترك رجل يحيى أزمة منتصف العمر زوجته ليس بسبب أنه على غير وفاق معها، ولكن لأنه على غير وفاق مع ذاته التي تؤدي إلى كثير من المشكلات الأسرية. وقد تتباين مشاعر الأمهات والآباء بالنسبة لاستقلال أولادهم، وتزوجهم إلى أسرهم الخاصة بهم، فقد يعبر بعض الآباء بأن هذه تعتبر مرحلة لتجديد واستعادة الحرية من جديد، حيث يزداد التفاهم والتقارب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 653 بين الزوجين، وتقل التوترات والضغوط في الجوانب الأسرية، وإذا كان الزوجان في حالة اقتصادية متيسرة فإن السفر للنزهة والانتعاش يصبح على وجه كبير من الأهمية، وكثيرا ما نسمع من الآباء بعض التعبيرات المصطلحات التي توميء إلى ذلك بقولهما مثلا: "إننا لم نعد مقيدين بعد، لقد أصبح لدينا الآن الوقت الكافي لنتفرغ لبعضنا البعض، ولم يعد الزواج مثلا بالأعباء المالية ومشاكل الأبناء". وقد تشعر بعض الأمهات بالإحباط نتيجة استقلال الأبناء في أسرهم الخاصة، ويرجع ذلك أن هؤلاء الأمهات قد ربطن بين تقديرهن لذواتهن وأمومتهن، وقد يتطلب علاج ذلك أن ينخرط هؤلاء الآباء والأمهات في بعض الهوايات والأنشطة التطوعية أو توسيع مهارات الأمومة إلى خارج محيط الأسرة كالاهتمام بدور الحضانة، وعموما فقد يؤدي رحيل الأبناء عند عديد من الأزواج إلى إعادة اكتشاف كل منهما الآخر، بالإضافة إلى الاستمتاع بمزاولة الاهتمامات المشتركة، بينما قد يؤدي ذلك عند أزواج آخرين إلى عودة المشكلات من جديد والتي قد تقودهم إلى الاغتراب والانفصال عن الأسرة. وقد يصبح العديد من الآباء والأمهات في تلك المرحلة أجدادا، وبالتالي قد يخبرون علاقة من نوع جديد داخل الكيان الأسري، فقد تستعيد الأم الكبيرة صورة الحمل والولادة والأمومة فيما تقوم به ابنتها، وقد يقضي الجد بعضا من الوقت مع أحفاده، بينما لم يفعل ذلك مع طفله هو, وقد يتبنى العديد من الأجداد نمطا غير تسلطي مع الأطفال، حيث كثيرا ما نرى الجد يشارك الطفل في لعبته في علاقة تتسم بالتبادلية في اللعب، وقد يحاول بعض الأجداد تحقيق ما لم يتمكنوا تحقيقه في أولادهم أن يحققوا ذلك في أحفادهم وقد يكون الوقت سانحا لبعض الأجداد في مراجعة فترة أبوته، فكثيرا ما نسمع بعض الأجداد يقولون، أنهم كانوا أجدادا أفضل مما كانوا آباء. التزمل: يرتبط التزمل عادة بالسن المتقدم، ويبدأ التزمل في الظهور كشيء حتمي وعام في الحياة ويذهب روجرز Rogers؛ "1957" إلى حد إرشاد الرجل بأن يعلم زوجته كيف تكون أرملة ويرتبط معظم مشكلات التزمل بمشاكل النضج المتأخر "حيث يكون مفهوم السيدة عن ذاتها بأنها قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 654 أصبحت عجوزا، أو قد شارفت على نهاية عمرها، وفي القريب ستلحق بزوجها", ومن بين المشكلات التي تقتصر على الأرملة في منتصف عمرها هي مقارنتها نفسها بصديقاتها اللائي لم يفقدن أزواجهن ومن ثم قد ينتابها شعور باللا أهمية واللا فائدة في أي مناسبة اجتماعية وقد لا يراعي أصدقاؤها مشاعرها وذلك بنسيان دعوتها في المناسبات الاجتماعية, وعموما فإن الأرملة يجب أن توسع مفهومها لذاتها، وتحاول أن تجد لها بعض الأنشطة المناسبة لعمرها الزمني وبعض الرفاق والأصدقاء وبالتالي تعمل على تكييف نفسها للمشكلات التي قد تواجهها بعد فقدان زوجها، إلا أن ذلك قد لا يخفف من حزنها على زوجها. العزوبية: قد يوجد بعض الأفراد في منتصف عمرهم, في حالة عزوبية ولم يسبق لهم الزواج, وقد يكون لهذه الظاهرة جانبان، أحدهما أن العازب قد يمكنه تحقيق بعض الإنجازات في مجال عمله, حيث يتوفر له الحرية من الالتزامات العائلية وذلك كما نجد بعض الكتّاب أو الفنانين والعلماء والجانب الآخر لذلك أن الرجل العزب قد يواجه مشكلات خاصة في منتصف حياته، إذ عليه أن يقبل هويته الاجتماعية لكونه أعزب وغير متزوج, "وهذا المؤشر لم يكن بمثابة مشكلة عندما كان شابا صغير السن", وبالتالي عليه أن يخطط لرشده المتأخر، وشيخوخته، والذي تتقدم فيه مساعدة من الزوجة أو الأولاد كما أنه في حالات مرضه عادة ما يلجأ إلى أن يودع نفسه في مؤسسة صحية على خلاف الرجل المتزوج الذي عادة ما تعنى به أسرته. العمل والإنتاجية: يبدأ الأفراد في الاهتمام بجيل آخر منذ بداية رشدهم ونضجهم، حيث يتولون تنشئة وتربية أطفالهم، وتلك العناية بالأطفال والتي تمتد إلى سنوات منتصف العمر هي تعبير لما يسميه إريكسون بالإنتاجية Generativity, وليس هذا هو الإحساس الوحيد في هذه المرحلة، حيث تتسع وجهات نظر الفرد ومداركه في منتصف العمر ويتسم بما يسميه إريكسون بالمسئولية الانتاجية نحو كل الكائنات البشرية، حيث يتضح ذلك في حب الرجل لعمله وأفكاره كحبه لأولاده، وإذا لم تتح الفرصة أمام الشخص لإظهار مهاراته وخبراته أو العناية بالآخرين، فقد يعاني من شعور بالجمود وبالتالي يشعر بالغربة عن كل ما أنتجه أو ما تركه وراءه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 655 وعادة ما نجد الأفراد في مرحلة منتصف العمر يهتمون بتدعيم مراكزهم المهنية وترقياتهم الوظيفية، فهو يميل إلى الاستقرار المهني والوظيفي إذا ما قورن بالشباب، وهذا يعكس حقيقة مؤداها أن الأفراد الأكبر سنا -بصورة عامة- أقل في اتخاذ المخاطرة من الشباب، وبالتالي فإن الرضا المهني قد يكون بمعدل أكبر لدى الأفراد الذين تجاوزوا الأربعين من عمرهم، حيث أشارت النتائج في مجال علم النفس الصناعي والمهني أن هؤلاء الأفراد عادة ما يكونون أكثر رضا من الشباب ليس فقط في عملهم، ولكن كذلك بالنسبة للعائد المادي الذي يحصلون عليه، إلا أن هذا الرضا كما أشارت نتائج دراسة كوين وآخرين Quinn & Others؛ "1971" لا يعني أن الذين في منتصف عمرهم دائما راضين عن أنفسهم، إذ نجد هذا الشخص وكجزء من مشاكل وأزمات منتصف العمر العامة، فإنه يميل إلى إعادة تقييم أهداف في وظيفته أو مهنته. وعموما فإن الأفراد في منتصف عمرهم عادة ما يكونون محل تقدير لخبرتهم وحكمهم الصائب ورصانتهم، وتلك الخصائص التي تمكنهم من التكيف مع بيئات العمل. جملة القول أن هؤلاء الأفراد كثيرا ما يحاولون الاستقرار في أعمالهم وهو أكثر اقتناعا ورضا بوظائفهم ومهنهم من الشباب, وكثيرا ما يعيد تقييم أهداف العمل في تلك السن، كما قد يقبل القيود على أهداف العمل. ويهتم الأفراد في هذا السن بتدعيم مواقعهم وترقياتهم في عملهم، وتعني الترقية أنهم تحركوا من التخصص الضيق لمهنهم إلى الوظائف الإدارية أو الإشرافية فالشخص في مرحلة منتصف العمر يحاول أن يبحث عن بعض التأكيد لاستقراره المهني أو الوظيفي أي أنهم أقل في الأخذ بالمخاطرة إذا ما قورنوا بالشباب ويمثل ذلك رضا واقتناع إيجابي بالنسبة لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 656 الباب الخامس: الشيخوخة الشيخوخة: إن الموضوع المطروح في ثنايا هذا الفصل يتمثل في الدراسة المنظمة لعمليتي كبر السن والشيخوخة أي ما يعرف بعلم دراسة الشيخوخة Gerontology. فما المقصود بهذا المصطلح، وما أهم المشاكل العامة أو الخاصة بهذه المرحلة من حياة الفرد، وأهم النظريات التي قيلت في تفسير هذه المرحلة سواء كانت مرتبطة بالمجال البيولوجي أو المجال النفسي أو الاجتماعي، وما هي أهم الخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية لكبار السن، وكيف تحدث عملية التكيف لهؤلاء الأفراد؟ وعموما، فإن الشيخوخة ظاهرة طبيعية تعبر عن التغيرات التي تحدث في التكوين الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي، بالإضافة إلى ما يحدث نتيجة ذلك في الأداء أثناء رحلة حياة الفرد، فما معنى الشيخوخة وأنواعها والمشاكل العامة التي يمكن أن يواجهها كبار السن؟ وهل توجد مفاهيم خاطئة عند البعض منا عن الشيخوخة وما أسبابها وكيف يمكن تعديل تلك المفاهيم والاتجاهات الخاطئة سواء كانت عند الشباب نحو المسنين، أو تلك التي يمكن أن توجد عند كبار السن؟ سنرى في ثنايا هذا الفصل تفصيلا للنقاط سالفة الذكر. 1- معنى الشيخوخة: "Gerontology" علم دراسة "الشيخوخة" وتتضمن تلك الدراسة علم البيولوجي Biology وعلم النفس وعلم الاجتماع وطب الشيخوخة "Geriatrics" وهو علم طبي حديث التطور ويشمل دراسة المشاكل الصحية للمسنين، ومن المفيد الفصل بين النواحي المختلفة لتطور شيخوخة الإنسان. الشيخوخة وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية: التقلص في علاقات وفي دور الفرد في المجتمع مع تقدم السن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 659 الشيخوخة البيولوجية Biological Aging: وهي تشمل التغيرات التي تحدث في جسم الإنسان في المراحل الأخيرة من الحياة، وهذه التغيرات قد تبدأ بفترة طويلة قبل أن يصل الإنسان إلى سن الخامسة والستين. شيخوخة الإدراك Cognitive Aging: وتشمل هبوط القدرة لتحصيل معلومات جديدة وتقبل سلوك وأفكار جديدة. شيخوخة الشعور Affective Aging: وهي تشمل هبوط القدرة على التكيف لمواجهة التغيرات في البيئة المحيطة فعلى سبيل المثال فإن المسنين عندهم صعوبة في التكيف إذا انتقلوا إلى مسكن جديد أو إلى مستشفى على سبيل المثال. وجميع هذه التطورات والتغيرات لا تحدث معا في زمن محدد ولجميع الأفراد، فهناك فرد قد يصيبه العجز في كل هذه المظاهر في سن الستين، بينما فرد آخر وفي نفس السن نجده يتعلم بهمة مهنة جديدة ويتكيف بسهولة في وظيفة جديدة. المشاكل العامة الخاصة بالشيخوخة: إن مشاكل الشيخوخة تزداد حدة مع التقدم في السن, وتوجد أربعة مشاكل أساسية تواجه الشخص المسن، وهي: الصحة, السكن، العمل، أو المورد المالي، والعلاقات الشخصية. المشاكل الصحية تزداد مع تقدم السن، فبعض الأمراض التحليلية Degenerative Diseases كالأزمات القلبية والسكر تظهر في المراحل الأخيرة من الحياة نتيجة لضمور بعض الأعضاء كذلك تضعف القدرات العقلية، وإن الأمر عادي أن يصاب المسن بعدة أمراض في آن واحد. بالنسبة للمسكن، فكثير من المسنين لا يقدرون على إدارة شئونهم السكنية، ويلزمهم الانتقال للسكن مع أقاربهم أو إلى منازل خاصة بالمسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 660 وأما العثور على عمل فهي المشكلة العويصة التي تواجه المسن، ذلك أنه مع التقدم التكنولوجي فإنه من الصعب على المسن أن يعثر على وظيفة أو عمل يناسب مهارته التي أصبحت لا تواكب العصر الحديث كما وأن أصحاب الأعمال يترددون كثيرا في توظيف المسنين وبذل المجهود والأموال على تدريبهم. وأما العلاقات الشخصية للمسن فإنها تضمر كلما تقدم الفرد في السن بسبب وفاة العديد من أفراد عائلته واضمحلال دائرة أصدقائه، كما أن أولاده يكبرون في السن ويتزوجون ويتركون المنزل بالإضافة إلى أن إحالته إلى التقاعد ينتج عنه انقطاع الصلات بينه وبين زملائه العاملين، وعلى ذلك فإن المسن يلزمه دور جديد ونشاطات جديدة، إلا أن نقص الإمكانيات المادية لا تسهل ملء هذا الفراغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 نظريات الشيخوخة : المجال البيولوجي Biological Domain: الشيخوخة تبدأ عندما تتغلب عملية الأيض الهدمي "Catabolism" على عملية نمو الأيض البنائي "Anabolism". والبروتوبلازم أو الجبلة "protoplasm" هي مادة حية تتكون منها خلايا الجسم, ويؤدي هذا التحلل إلى ضمور أنسجة الأعضاء المختلفة للجسم لكي يصبح تكوينها ليفي "Fibrous" على أن هذا الضمور أو العجز لا يرتبط بالسن الذي يقاس بعدد الدورات الشمسية، وبذلك فإن سرعة هذا الضمور تختلف باختلاف الأفراد. والضمور يصيب جميع أعضاء الجسم، والمخزون العضوي يستهلك عملية الإصلاح والاستبدال تبطئ مع التقدم في السن. التغيرات في الدورة الدموية للقلب: القلب بالذات يتعرض أثناء الحياة لمجهود كبير وبالتالي فعند تقدم السن يصبح القلب أكثر الأعضاء تعرضا للضمور، كما أن مقدرة القلب على الضخ تقل ويتبع ذلك انخفاض في كمية الدم الحامل للأكسجين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 661 والتي تصل إلى الأعضاء المختلفة للجسم بالإضافة إلى أغشية الأوعية الدموية يصيبها الضمور، وكثيرا ما تتراكم على الأغشية الداخلية لهذه الأوعية طبقة من رواسب شحمية تسمى Atherom ويعتقد أن هذا التراكم عندما يقترن مع تكوين أنسجة ليفية في بطانة الأوعية الدموية فإنه يؤدي إلى مرض تصلب الشرايين. التغيرات في المظهر: إن المظهر الخارجي للجلد يتغير تغيرا كبيرا، ذلك أن الغدد المفرزة تحت سطح الجلد وكذلك الغدد التي تخلص الجسم من عوادمه يقل مفعولها فيفقد الجلد مرونته Elasticity ويضمر ويجف ويتجعد, وتختفي الطبقة الشحمية تحت الجلد تماما، فيفقد بذلك نعومته ونضارته كذلك فإن الألياف التي تربط فواصل العظام تضمر، وتقل بذلك قدرة المفاصل ومدى حركاتها مما يؤدي إلى شكوى المسن من آلام المفاصل ومع تناقص نسبة المعادن في عظام الإنسان فإنها تصبح هشة وسهلة الكسر، كما أن قدرة المسن على الحركة تضعف وخطواته تتباطأ، وجميع هذه التغيرات السابقة تؤدي إلى الصورة التي نرى بها المسن كشخص ضئيل، منحنٍ ومتجعد الأسارير. التغيرات في الجهاز التنفسي: حركة تنفس الصدر تقل بسبب الأنسجة الليفية التي تتكون في جدار الرئة وغلاف الصدر، ويتبع ذلك انخفاض في استهلاك الأكسجين وتعرض المسن للالتهابات الرئوية وبالمقارنة فإن أمراض الجهاز التنفسي التي تصيب الشاب هي عادة التهابات اللوز والجيوب الأنفية. التغيرات في التغذية والجهاز الهضمي: إن تسوس الأنسان وفقدانها وضعف عضلات الفك تقضي على متعة الأكل للمسن بالإضافة إلى أن صعوبة المضغ تؤدي إلى تعديل نوعية الوجبات، كما أن ضعف إفراز الغدد وضعف عضلات الأمعاء تؤدي إلى شكاوى المسن من الهضم والإمساك ويلاحظ أن المسن يضطر إلى أن ينفق قدرا غير يسير من مورده المالي على الأدوية المضادة للحموضة وعلى الملينات، والمسن يتعرض لضياع حاسة التذوق وحاسة الشم ويفقد بذلك قدرة التمتع بالطعام، ويصبح الطعام لا طعم له، وهذه ناحية يجب مرعاتها عند طهي الوجبات التي تقدم للمسنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 662 ونظرا لغلاء اللحوم والفواكه والخضروات فإن المسن يلجأ إلى الإكثار من أكل مكونات الدقيق، مثل الفطائر والخبز، ونتيجة لهذا النظام في تناول الوجبات فإن المسن يتعرض لفقر الدم ونقص في بعض الفيتامينات الحيوية مما يؤدي إلى سهولة إصابته بالالتهابات. القدرة على التكيف للضغوط: الفرد في الحياة معرض بصفة مستمرة لكل أنواع الضغوط، والتكيف ومواجهة هذه الضغوط تحتاج إلى حيوية، ولقد قام هانز سلي "Hans selye" بتصنيف عملية مواجهة الضغوط على أنها تمر بثلاث مراحل. 1- رد الفعل عند أول إنذار. 2- مرحلة المقاومة. 3- مرحلة الإجهاد نظير تراكم وتفاقم الضغوط مما يؤدي إلى تلف وشيخوخة الأنسجة. وجسم المسن يكون قد تعرض أثناء حياته لضغوط عديدة، وبعد فترة من هذه الضغوط المستمرة، فإنه يصاب بالإجهاد، وحيث أن الحيوية الاحتياطية تكون قد استنفذت، فإن ما تبقى له لا يكفيه على التكيف وبذلك تنار مقاومته، وهذا يعلل لماذا يسبق المسن شخص أقل منه سنا في الشعور بالإجهاد. وبعد التعرض المستمر، ولفترة طويلة لضغوط الحياة، فإن الراحة لا يمكنها التعويض الكامل لهذه الحيوية الاحتياطية، وكل ضغط يتعرض له الإنسان لا بد وأن يترك أثره عليه. وعلى ذلك فإنه من الناحية البيولوجية فإن المسن أكثر عرضة للتأثر من ضغوط الحياة من شخص أقل سنا منه، وحسن تكيف الشخص المسن للضغوط التي قد يتعرض لها، تتوقف على طريقة تكيفه لهذه الضغوط أثناء حياته، وعلى أي حال فنظرا لقلة الحيوية الاحتياطية التي تساعد المسن على التكيف، فإن عليه أن يتحاشى بقدر الإمكان أن يعرض نفسه للضغوط وأن يحاول الحفاظ على حيويته، ونفس الشيء ينطبق على الذين يتصلون أو يعملون مع المسنين، فعليهم أن يفكروا دائما في وسائل حماية المسنين من الضغوط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 663 التغيرات في الجهاز العصبي: يصاب الجهاز العصبي بالضعف نتيجة لانخفاض كمية الدم المغذية للخلايا العصبية والتي تحل محلها أنسجة تؤدي إلى فقدان الذاكرة، والتوتر، وضعف مقدرة المسن على التكيف للمواقف الحياتية، كما توجد تغييرات في الحواس الأخرى، فالنظر يضعف بسبب تراكم خلايا ميتة على عدسة العين، والقدرة على تمييز الألوان تقل وعضلات العين تفقد قدرتها على التكيف لمواجهة التغييرات في مستوى الضوء، وهذه التغييرات البصرية تزيد من خطورة قيادة السيارات للأفراد المتقدمين في السن, وأما حاسة السمع، وهي تبدأ في النقصان ابتداء من سن الثلاثين فإنها تزداد في ذلك كلما تقدم السن, وأما ضبط الحركة فنظرا لزيادة ضعفها فإن المسن معرض للوقوع وللحوادث وبسبب ضعف كل هذه الحواس فإن المسن معرض أكثر من غيره للحوادث أثناء المشي في طرقات المدينة وخصوصا أثناء الساعات القصوى للمرور. القدرة على المعرفة: من المعروف أن المسن يواجه صعوبة لاستيعاب المعلومات الجديدة، ولقد أشار فرويد بأنه بعد سن الخمسين فإن مرونة المخ تفقد وتقل مما يؤدي إلى ما يعرف بالجمود، حيث نجد المسنين لديهم آراء وأفكار ثابتة يصعب تغييرها. العادات الثابتة: السلوك الذي يتكرر ويعاد على مر السنين يتحول إلى سلوك ثابت من الصعوبة تغييره، بعد العمر الطويل فإن للمسن عادات وأفكار ثابتة جامدة, وعلى ذلك فإن السلوك الذي يتعلمه المسن تحت ضغوط الحياة لمدة ستين عاما يتحول إلى عادات ثابتة يصعب تغييرها، والعادات التي يلجأ إليها الأفراد عند التعرض للضغوط، مثل التدخين، وقضم الأظافر والهمهمة تصبح عادات ثابتة لا تقبل التغيير بسهولة، فمثلا الفرد الذي تعود على تهدئة نفسه بالتدخين لمدة سبعين عاما، فمن الصعب أن يغير هذه العادة بأخرى، ونستخلص من هذا أن العادات التي كونها الفرد المسن على مر السنين يصعب جدا تغييرها. وإذا كان الفرد الشاب يجد صعوبة للتغلب على بعض عاداته، فإنه لا بد وأن نتصور مدى التعاسة التي يتعرض لها المسن عندما تفرض عليه أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 664 يتعود على عادات جديدة عندما يترك منزله ليعيش مع ابنه أو ابنته حيث يجب عليه أن يتكيف مع بيئة جديدة. تقبل وتخزين المعلومات: الفهم هو عملية تفسير أو إعطاء معنى للإشارات التي تصل الحواس. والمسنون معرضون لتشوش حسي مما يصعب عليهم تفهم وتحليل الإشارات الحسية المختلفة لذلك عند التعامل مع الأفراد المسنين، فإنه من المفضل الإقلال من عدد الإشارات الحسية، فمثلا إذا كنت تتحدث مع شخص مسن فعليك إقفال جهاز التليفزيون وأن تمنع بقدر الإمكان أي مصادر صوت آخر، وتكلم ببطء وعن موضوع واحد، فقدرة المسن على التقبل والتفهم تحتاج إلى فترة زمنية أطول، والذكريات القديمة للمسن، لها قوة وحيوية أبقى من الذكريات الحديثة لأنها تثبت على مر الزمن، والذكريات الحديثة سريعة النسيان وهي آخر ما يتذكرها المسن, كذلك فإن المسن يتعرض أحيانا لنسيان عنصر الزمن فيخلط بين ما هو حديث وما هو قديم. الذكاء: تشير الأبحاث إلى أن الذكاء العام يصل إلى القمة في مرحلة الشباب ثم يبقى في هذا المستوى حتى مع بلوغ الشيخوخة طالما لم يحصل تدهور بدني أو إصابة للأعصاب. كما أن التعليم والإثارة المستمرة يلعبان دورا مهما في الحفاظ على مستوى الذكاء للمسن ومع زيادة فرص ومناهج التعليم للشباب، فلا بد وأن تتوقع استمرار الزيادة في متوسط مستوى الذكاء للمسنين وهو أمر يجب إدخاله في الاعتبار والتخطيط له في مجتمعنا. التدهور الذهني: المخ قد يصيبه التلف بسبب تدهور خلاياه أو بسبب الأمراض العصبية مما يؤدي إلى فقدان القدرة على التفكير السليم، وهناك نوعين من أمراض التدهور الذهني تقترن مع التقدم في السن، إحداهما باسم مرض بك Pick's, والآخر باسم مرض الزهيمر Aphasia حيث يؤدي إلى فقدان التذكر للأحداث القريبة مع عدم القدرة على تمييز الزمن والمكان، ويصاحبه أحيانا عدم القدرة على الكلام Aphssia وأما أعراض مرض Pick's، فهي الصعوبة في التركيز والتعلم وانعدام الشعور، فمثلا، إذا بلغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 665 شخص مصاب بهذا المرض بأن زوجته قد توفت، فإنه يرد، حسنا، ماذا جهزتهم للعشاء؟ مجال الشعور: الشيخوخة هي المرحلة التي يراجع فيها المرء نفسه ليبني حساباته النهائية على مدى نجاحه وفشله في الحياة، مدى تكيف الفرد للشيخوخة يتوقف إلى حد كبير على مدى تكيفه في المراحل السابقة من حياته، فإذا كان كل تغيير في نظام الحياة مصحوبا بأزمة نفسية، فإن تكيف الفرد للشيخوخة لن يكون سهلا، على أن هناك عوامل إضافية تؤثر على قدرة التكيف هذه, مثل الموقع الجعرافي، الحالة الاقتصادية والصحة العامة. ونجاح الفرد في التكيف ترتبط أساسا على المدى الذي وصل إليه في تحقيق رغباته، وتبعا لنظرية ماسلو MASLOW، إذا تمكن الفرد من إشباع رغباته الأساسية، فإنه ينتقل بعد ذلك لتحقيق أمنه، ثم علاقاته الاجتماعية، ثم كل ما يتعلق بآماله ورغباته المتقدمة، وحتى يصل في النهاية إلى تحقيق ذاته وأهدافه، فإذا نظرنا من داخل هذا الإطار إلى مستوى الرغبات لشخص يقترب من الشيخوخة فنجد أن المسنين عموما يعيشون في درجة من الفقر يصعب معها حتى تحقيق رغباتهم الأساسية من طعام ومسكن ولا أمل لهم في أن يرتقوا برغباتهم إلى مستويات أرفع، على أن بعض المسنين لديهم المقدرة على مواجهة الاحتياجات الأساسية، وعدم الدافع لكي ينتقلوا إلى إشباع مستويات أعلى من الحاجات. وتوفر التأمينات الاجتماعية والمعاشات للمسنين والمعونة المادية وبعض الأمان، فإذا كانت هذه المعونة كافية، فإن المسن يمكنه أن يبدأ في إشباع باقي حاجاته وتطلعاته، وللشخص المسن نفس حاجات الأشخاص الأقل سنا، من ناحية الحاجة إلى تبادل المحبة والصداقة، ولكن الفرصة لا تواتيه لإشباع هذه الحاجة، فغالبا ما يكون المسن مبعدا عن عائلته وأصدقائه وزملاء العمل, ومن الصعب عليه الانتماء إلى أي جمعيات علاوة على أن التكيف صعب بالنسبة له. وتبقى مع المسن الحاجة إلى تقدير الذات واحترام الزملاء ومن الأهمية أن يكون له غرض في الحياة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 666 والمسن الذي يتغلب على العقبات السابق وصفها يمكنه أن يمضي قدما نحو تحقيق أعلى وأعز أمانيه، وأن رغبة المسن لأن يكون خلاقا وحبه لعمل الخير هي الوسيلة التي يحظى بها على اهتمام وتقدير الآخرين، مما يعوضه عن ضياع جاذبيته وموت أصدقائه والمقربين منه. ولقد تكونت كثير من الجمعيات الرسمية وأخرى يديرها متطوعون وذلك لخدمة المسنين، وهذه الجمعيات عند تخطيط نشاطها يجب أن تدخل في الاعتبار حالة المسنين ومدى رغبتهم في المشاركة في الحياة نحو تطلعات أعلى, وأن أعمال هذه الجمعيات نحو تنشيط الحياة الاجتماعية للمسن سيصيبها خيبة الأمل إذا كان المسن يكافح لإشباع حاجاته الأساسية, فالمسن الذي يبحث عن طعام الأسبوع بينما تهتم الجمعية بنشاطه الاجتماعي وتأليف مجموعة للعب الورق لا بد وأن يشعر بالضيق واليأس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 المجال الاجتماعي : ظواهر مجتمع المسنين: تشير الإحصاءات إلى أن النساء أطول عمرا من الرجال، ما بين ثلاث إلى خمس سنوات في المتوسط، وتشير بعض الدراسات أنه بعد سن الخامسة والستين فإن نسبة النساء إلى الرجال هي حوالي 1.35 إلى 0.01 وهذا الموقف ليس في صالح النساء المسنات فإن وفاة الزوج بالنسبة للمرأة المسنة يمثل فقدانها لدورها الأساسي كزوجة وربة بيت، وهذه الحالة تساهم في ارتفاع نسبة الكآبة، لهذه المجموعة من النساء، علاوة على ذلك فإن الأرملة عادة ما تكون محرومة من النشاط الاجتماعي مما يزيد في شعورها بالوحدة، كما أن الرجل المسن يتعرض أيضا لنفس الشعور بالكآبة الحادة عندما يحال على المعاش ويشعر بأنه فقد دوره في الحياة كشخص يعمل ويكسب قوته ويوفر سبيل الحياة لغيره، وتشير بعض الدراسات النفسية في مجال الشيخوخة أن ما يقرب من 5% من المسنين يعيشون في ملاجيء تزيد فيها النساء عن الرجال بنسبة 20% ويوجد سببان لهذه الظاهرة. 1- المجتمع أكثر تقبلا لفكرة إقامة الرجل المسن بمفرده أو مع أشخاص من غير عائلته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 667 2- كثيرا من الرجال المسنين يتزوجون نساء أصغر سنا منهم. وبالنسبة للدخل الاقتصادي فإن وضع المسنين سيئ للغاية، حيث تشير الإحصاءات المحلية والدولية إلى تدني دخل هؤلاء الأفراد كما أن هذا الدخل -في معظم الأحيان- ثابت، بمعنى أنه لا يزيد مع ازدياد نفقات الحياة، أو مع التضخم الذي يحدث في الاقتصاد بصورة عامة. تدهور الروابط بين المسن والمجتمع: في عام 1961 فسر كل من كمنج CUMMING، هنري HENRY ظاهرة تدهور الروابط الاجتماعية للمسنين على أنها تتبع أنماط سلوكية محددة حسب البيان الآتي: 1- تغيير في الأداء: بالنسبة للرجل فإنها تبدأ بظاهرة انخفاض في الانتاجية مع تغيير في وجهة النظر نحو العمل. 2- فقدان الدور: بالنسبة للنساء فهو يتمثل في الموقف الذي ينشأ بعد وفاة الزوج، وبالنسبة للرجال فهو يتمثل في الإحالة إلى المعاش. 3- تدهور العلاقات الاجتماعية: مع تدهور دور المسن في المجتمع، فإن العلاقات الاجتماعية تضمر ويتبعها هبوط في الحالة المعنوية، وكثيرا ما يؤدي ذلك إلى التكيف غير السوي مما يؤدي إلى مزيد من تدهور العلاقات الاجتماعية مع ما يصاحبها من الكآبة وفقدان الشعور بالذات. 4- الوعي المحدود بالزمن: يؤدي ذلك إلى الحد من الأنشطة لقضاء الوقت، كما أنه يحدث للمسن وعي بحتمية الموت، وعندما يزداد تدهور الروابط مع المجتمع، وتنقطع كافة العلاقات، فإن المسن يصبح مستعدا لنهاية المرحلة، أي للموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 668 الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة مدخل ... الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة: هناك العديد من الخرافات والأفكار الخاطئة أو حتى الأقوال التي تتردد بطريقة آلية حول مرحلة الشيخوخة مثل: 1- عندما يصبح الأفراد مسنين يصبحون أكثر تشابها. 2- لو عاش الأفراد عمرا مديدا سيصبحون خرفين "مصابون بالخرف". 3- الشيخوخة هي زمن الهدوء والصفاء عامة. 4- يميل المسنون إلى إظهار اهتمام قليل بالعلاقات الجنسية. 5- يميل المسنون إلى الجمود والعناد والتشبث بالرأي. 6- إن غالبية المسنين يفتقدون الابتكارية وغير منتجين. 7- يعاني المسنون من صعوبات في تعلم مهارات جديدة. 8- عندما يتقدم الأفراد في السن يصبحون غريبي الأطوار ومخبولين. 9- إن غالبية المسنين يعانون من الوحدة النفسية والعزلة. 10- يتقدم الأفراد في السن فيصبحون أكثر تدينا. إن المفاهيم سابقة الذكر تمثل معتقدات خاطئة، ومدركات غير علمية، يشيع استخدامها ويقبلها الغالبية العظمى من الأفراد، بما في ذلك المسنين أنفسهم، وعندما يراودنا الأمل في زيادة وعينا وفهمنا للتقدم في السن والشيخوخة، فإن خطوة هامة ومبدئية لتحقيق هذا الأمل تتمثل في تبديد المفاهيم الشخصية المسبقة أو المعتقدات الخاطئة بخصوص عملية التقدم في السن أو الشيخوخة، وعند وضع هذه النقطة في الاعتبار فإن مناقشة مختصرة لهذه المزاعم قد تفيد في هذا المجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 الخرافة الأولى أكثر تشابها : إن فكرة أن الأفراد يصبحون أكثر تشابها بتقدمهم في السن قد تكون أكثر المزاعم انتشارا والتي يفرضها المجتمع على مواطنيه من المسنين. فرغم استعداد الأفراد للاعتراف بتفرد كل طفل إلا أن هذا التفرد أو هذه التفردية لا تمتد إلى الراشدين الأكبر سنا, وعندما يواجه البعض بقياس خصائص ومميزات المسنين فإنهم يتعاملون مع هذه الفئة من المجتمع كما لو كانوا مجموعة متماثلة فقدت هويتها الفردية، أو فقدت فردية كل فرد فيها بمرور الزمن وعلى العكس من هذا الرأي الشعبي فكلما تقدمنا في عمرنا الزمني فإنه لا يحدث شيوعا للخصائص، بل العكس هو الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 669 فبزيادة العمرة تتزايد الاختلافات الفردية والتفرد فبكل المقاييس الاجتماعية والسيكولوجية والبيولوجية هناك اختلافات كبيرة الأهمية بين مجتمعات المسنين ومجتمعات الشباب، وتبدو الاختلافات أكثر مما يبدو التماثل كلما تقدم العمر، حيث يشير كل من مادوكس ودوجلاس 1974 MADDOX AND DOUGLAS إلى أن التشابه بين المسنين قليل إذا ما قورن بالتشابه بين نظرائهم الأصغر سنا. وفي محاولة لزيادة تفهم هذه الزيادة في الاختلافات بين الناس والمرتبطة بالعمر، فإنه يجدر بنا أن نضع نصب أعيننا حقيقتين هامتين، الأولى عندما يتقدم الأفراد في السن فإن خبراتهم المتنوعة المختلفة تمارس تأثيرات مختلفة، وبمرور السنين يتعلم كل فرد أشياء مختلفة، ويواجه مواقف متنوعة، ويسلك أو يستجيب بأسلوب متميز متفرد لهذه المواقف وبالتحديد عندما يتقدم الفرد في السن فإن هناك تأكيدا مستمرا متدرجا للفردية والتفرد أو التميز، حيث تخلق الخبرات المختلفة التغاير أكثر مما تخلق التماثل، أما الحقيقة الثانية فهي أن العمر الزمني أو عدد السنوات التي عاشها الفرد تؤثر في كل فرد بطريقة مختلفة، فالبعض يهرم في الخامسة والستين، والبعض يبدو أكثر شبابا في نفس السن، وداخل الفرد نفسه فإن مظاهر أو جوانب مختلفة من الشيخوخة تتكون وإن اختلفت المعدلات، فالناس لا يهرمون فقط، ولكنهم يهرمون بيولوجيا واجتماعيا ونفسيا وزمنيا أيضا, فالطاقة الكامنة للاختلاف داخل كل عملية من عمليات الشيخوخة جد هائلة، إن احتمال أن يصبح أي فردين أكثر تشابها بتقدمهم في العمر واتباعهم نماذج متطابقة للشيخوخة هو احتمال بعيد المنال، فمع النمو يكون التغير، ومع الخبرة يكون الاختلاف، ومع تقدم الأفراد في العمر يصبحون أقل تشابها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا : يعتبر التصرف الأخرق المخبول مرادفا مع ما يظهره المسنون من تصرفات، والأصل في هذا الارتباط هو الاعتقاد بأن الشيخوخة في حد ذاتها تشكل نمطا من الأمراض. وبالطبع فإن هذا الاعتقاد خاطئ وبصورة جلية، فالخرف أو الخبل ليس مصطلحا عياديا أو تشخيصيا مقبولا، بل هو اصطلاح جرى استخدامه بشكل واسع لوصف حالات مرضية معينة لاختلال المخ الوظيفي حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 670 مظاهره الأولية هي الخلط وسوء التوجه الزماني والمكاني، والنسيان، وعدم القدرة على تركيز الاهتمام أو الانتباه لفترة زمنية طويلة، مع احتمال ظهور بعض الهلاوس والأوهام، إن مثل هذا المخ المريض مختل الوظيفة يدخل تحت فئة ما يسمى بزملة الأعراض المخية العضوية، وينقسم إلى فئتين كبيرتين، الحاد والمزمن، وينتج عن زملة الأعراض المخية العضوية بعض التلف أو القصور أو التردي في القدرات العقلية، والتي تعكس بعضا من التغيرات العادية للقدرات العقلية التي تحدث في المراحل العمرية المتقدمة، إن زملة الأعراض المخية الوظيفية ليست وضعا أو حالة أو مرآة للشيخوخة العادية، فالسلوك الذي يتصف بالخبل أو الخرف يمكن أن ينتج عنه صدمات فسيولوجية أو سيكولوجية عديدة، ويشمل ذلك سوء استخدام العقاقير، التسمم، نقص السكر المرضي في الدم، الأزمات القلبية المتلاحقة العدوى واضطرابات التمثيل الغذائي، إن كل الفئات العمرية عرضة لمثل هذه الصدمات والاضطرابات وهي ليست قاصرة على المسنين، إن حوالي ما بين 2 و3% من الأفراد في سن 65 فما فوق تظهر لديهم أعراض أو علامات مرتبطة بالخرف وهم عرضة للوقوع تحت طائلة القانون أو العرف أو للعرض على الطبيب العقلي أو هم عرضة للمرض العقلي "بوس وبيفر 1977 BUSSE AND PFEIFFER, وفي بعض الأحيان يمكن تصحيح الوضع معتمدين على ما إذا كان هناك توحدا مبكرا من عدمه، أو أن توفرت احتياطات العلاج المناسب, فلو اعتبرنا الخرف نتيحة طبيعية للتقدم في السن فلن يصبح العلاج الفوري الفعال في المتناول، فلو توقعنا أن يتصرف المسن بطريقة مرضية وأن هذا التصرف المتوقع قد حدث فليس لنا حاجة لمحاولة إحداث التغيير، وفي غياب العلاج تسوء الحالة المرضية، كما يمكن توقع تدهورا شديدا للفرد، وبلغة الاحتمالات هناك سبب بسيط لتوقع أن يسلك المسن بطريقة تظهر خصائص الخرف والخبل، وبالتالي فإن الاحتمال الإحصائي لأن يصبح الفرد خرفا نتيجة لكبر السن هو احتمال ضعيف جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 671 الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء ... الخرافة الرابعة: الشيخوخة فترة الصفاء إن ازدياد الوعي العام بالمشكلات التي يواجهها بعض المسنين في المجتمع أفقد أسطورة السنوات الذهبية والصفاء والسكون في سني العمر المتقدمة أرضيتها، بالرغم من صور الأجيال الأكبر السعيدة الهانئة في محيط ريفي هادئ فقد انطبعت على غالبية جيل الراشدين مثل هذه الصور التي تفسح الطريق سريعا لقياس حقيقي للحقائق التي يتحملها بعض أفراد المجتمع المسنين, ومثل هذه الحقائق تتضمن الفقر، الخوف من الجريمة، نقص وسائل المواصلات، الحزن, الأمراض الجسدية، التدهور الجسمي والوهن، التغيرات الحياتية الدرامية، فقد السلطة الاجتماعية، وتردي الأوضاع، ولا تواجه أي فئة عمرية أخرى أو تتحمل الضغوط والصدمات بالمقارنة بما يواجهه ويتحمله المسنون، ومثل هذه الضغوط داخلية وخارجية، جسمية ونفسية، اجتماعية واقتصادية، إن الضغوط التي يواجهها المسنون يمكن أن يخففها الإرشاد النفسي العائلي والاجتماعي المؤثر، أو الوكالات العامة، الأصدقاء، وبغض النظر عن خطوات أو إجراءات الدخل أو الإرشاد فإن تخفيف بعض الضغوط التي يواجهها المسنون قد يكون من الصعوبة وفي بعض الأحيان مستحيل تحقيقه ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يشكل المسنون حوالي 10% من إجمالي عدد السكان، إلا أن 25% من إجمالي عدد جرائم الانتحار يقترفها أفراد في عمر 65 فما فوق "رسنيك وكانتور 1970" "Rrsnke & Cantor" وبالتالي يجب أن يقدر لهذه الإحصاءات أن تستأصل بنفسها خرافة الصفاء والسكون في الشيخوخة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية ... الخرافة الخامسة: انعدام القدرة الجنسية هناك اعتقاد غير صائب ولكنه واسع الانتشار والتأثير مؤداه أن النشاط الجنسي فعل مقصور على الشباب، وأن الممارسات الجنسية أو الأنشطة الجنسية عندما يمارسها المسنون فإنها تكون غير مناسبة لهم، كما قد تعد سلوكا غير لائق، ويتقبل المسنون مثل هذا الاعتقاد، وكذلك يتقبله الأصغر سنا، ويلعب ذلك دورا هاما في تحديد كيف يدرك الآخرون المسنين، وكيف يدركون أنفسهم، وعندما نصدق أننا نفقد نشاطنا الجنسي بحلول الشيخوخة، فهذا التصديق هو قبول للفلسفة القائلة بأن تقدم العمر يفقد الأفراد قسطا كبيرا من إنسانيتهم أو آدميتهم، وعندما يكون الفرد فاقدا لنشاطه الجنسي فهو يفقد آدميته أيضا. إن خرافة فقدان القدرة الجنسية في الشيخوخة هي فكرة خاطئة وجوديا، فلو صدق المسنون أن النشاط الجنسي فعل غير عادي، أو مستحيل، فقد تخول حياتهم من الممارسات الجنسية، بل وأكثر من ذلك فلو أنهم صدقوا هذه الخرافة أيضا، ولكنهم استمروا في ممارسة الأنشطة الجنسية فقد يعانون مشاعر الذنب وانخفاض تقدير الذات، وفي موقفهم هذا فإن المسنين هم الخاسرون وأن النتيجة المحتملة هي أن ضغطا نفسيا سيقع عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 672 ولفترة قريبة نسبيا لم يكن هناك إلا عددا قليلا من الأبحاث في مجال السلوك الجنسي عند المسنين، أساسا بسبب اعتبار الموضوع من المحرمات. أما وأثناء الستينات فإن فريقا مكون من وليم ماسترز William Masters وفرجينا جونسون Virginia Johnson في سنة 1966 قاما ببحث هذا الموضوع الحساس، وقد ساهمت نتائج أبحاثهم في تبديد سوء الفهم العام والخاص بالشيخوخة والنشاط الجنسي، ورغم عدم مناقشة بحثهما في هذا الصدد وعدم متابعة النتائج بالتفصيل وأيضا عدم مناقشة النتائج العامة التي ذكرت لضيق المكان إلا أنه من الملاحظ أن من النتائج التي وجداها أن النشاط الجنسي والاستجابة الجنسية بما فيها الانتشاء أو التهيج الجنسي Orgasm لا تنتهي بالوصول إلى مرحلة الشيخوخة, وقد وجد الباحثان أن لدى الأفراد قدرة على الجماع، وعلى الانتشاء الجنسي أيضا وأحيانا أكثر من ذلك في مستوى عمر 80 سنة, وقد أكدت هذه النتائج الدارسات الطولية التي قامت بها جامعة ديوك في بالمور عام 1974 Polmor, ومن بين المتغيرات التي أوردها ماسترز وجونسون كمساهمين في دراسة ناجحة للأداء الجنسي في مرحلة الشيخوخة أو الرشد المتأخر, كانت الصحة الجسدية، الشعور النفسي بأن الفرد على ما يرام، الشريك القادر المشارك، والتاريخ الحافل باللذة والمتعة والمشتقة من الأنشطة الجنسية وبالمثل فقد تم عرض عدد من العوامل التي تؤدي إلى فشل الأداء الجنسي في الشيخوخة، ومن بينها الروتينية وسأم الشريك، التعب الجسمي، أو العقلي، الخوف من الفشل والإفراط في الطعام والشراب وعند اختبار هذه المتغيرات التي تسهم إما في نجاح أو فشل الأداء الجسمي في مرحلة الرشد أو الرشد المتأخر، فإنه يصبح واضحا أن هذه المتغيرات ليس بينها اختلاف كبير بين تلك التي تؤدي إلى نجاح وبين تلك التي تؤدي إلى فشل الأداء الجنسي أثناء مرحلة المراهقة أو أثناء مرحلة الشباب أو الرشد المبكر والمتأخر أو الشيخوخة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 673 الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة يشير الجمود وعدم المرونة إلى اتجاه نفسي يتصف بالمقاومة الجامدة للتغير وأيضا عدم القدرة على التكيف للمواقف أو الظروف الجديدة، فبعض المسنين حقا يتصف بالعناد ويكون صعب المراس، وتتميز أنماطهم السلوكية بالجمود وعدم المرونة، ومقاومة التغير بشدة، ورغم ذلك فإنه من الدقة أن نقول: إن بعض الأطفال، وبعض المراهقين، وبعض الأفراد في منتصف العمر، يتصفون أيضا بالصلابة وعدم المرونة والعناد، وتشير كل من هاتين الخاصتين إلى سمة شخصية قد تظهر لدى الأفراد أثناء أي مرحلة عمرية في نموهم، وفي بعض الحالات فإن القصور أو النقص الحقيقي في الفرص المتاحة للنمو والتغير والتقدم يمكن أن يفسرها الملاحظ الخارجي الظاهري بطريقة خاطئة كما يفسرها بالعناد والصلابة في الشيخوخة، ويجب ملاحظة أن الكبت الاقتصادي الاجتماعي والجسدي يمكن أن يشكل إعاقات كبيرة للتغيير بغض النظر عن رغبة الأفراد الشخصية أو قدرتهم على أداء أنماط تكيفية أو أساليب تتصف بالمرونة، وإن افتقاد الفرص للتغير والنمو لا يشكل، ولا يجب الخلط بينهما وبين الجمود أو عدم المرونة والعناد. إن تراكم السنين أو ما يعرف بالعمر الزمني، لا يؤدي إلى شخصية جامدة غير مرنة، وبالتالي لا يجب على الكبار فقط أن يتغيروا، ولكن يجب عليهم بالضرورة أن يتكيفوا للأحداث الكبرى متكررة الحدوث، وأن يتوقعوا مصاحبات النضج أو الرشد المتأخر مثل التقاعد، تغيرات الدخل، والأوضاع، فقدان الأحباب، والتعب, والمرض، تغيير الإقامة أو تغيير نمط الحياة, ورغم ما أشارت إليه الأبحاث من أن المسنين يغيرون الآراء والاتجاهات بطريقة بطيئة إلى حدا ما إذا ما قورنوا بما يحدث لدى الأصغر سنا، كما أن التغيرات بين كبار السن تبدو كما لو كانت تعكس التنقلات السائدة الملاحظة في المجتمع ككل "كتلر وكوفمان 1975، CUTLER AND KAUFMAN؛ 1975. ولحسن الحظ فإن معظم المسنين ما زالوا منفتحين على التغير مقبلين عليه خلال مرحلة النضج أو الرشد المتأخر، وبغياب هذه الخاصية يصبح التوافق صعبا إن لم يكن مستحيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية يبدو أن الخرافة السادسة الخاصة بنقص الابتكارية والإنتاجية في مرحلة الشيخوخة تنبع أساسا من ميل المجتمع إلى ربط الإنتاجية والابتكارية بالوظيفية فإن لم يكتسب الفرد مالا فإنه ينظر إليه على أنه ليس منتجا ويفقد الابتكارية في هذا المجتمع, وفي محاولة لتبديد هذه الخرافة فإنه يجب علينا أن ننظر إلى عدد الأفراد ممن لهم مساهمات ابتكارية منتجة في المجتمع، بينما هم في السبعينات والثمانينات أو التسعينات من أعمارهم، إن مساهمات الأفراد من أمثال سيجمون فريد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 674 SIGMUND FREUD, بابلو بيكاسو PAPLO PICASSO، ألينور روزفلت ELEANOR ROSEVELT, برتراند راسيل Bertrand Russel، ماجي كوهن Maggie Kuhn، أرتور روبنشتين Artur Rubinstein, إن مورو ليندبرج Anne Morrow lind Bergh، وأنا ماي موزس Anna Mary Moses، فقد كانت بمثابة أمثلة للابتكار والإنتاجية في مرحلة الشيخوخة، وعلى العكس من هؤلاء الذين وضح وميز الابتكار حياتهم بطولها، هناك من الناس من يبدأ في اكتشاف وتنمية قدراته الخاصة ومواهبه ولأول مرة في مرحلة الشيخوخة. وهناك العديد من الأفراد الذين لهم الحرية الضرورية أو اللازمة لاستكشاف وممارسة مختلف ألوان المشروعات المبتكرة وذلك أثناء فترة الشيخوخة أو الرشد المتأخر, ويعد مثل هذا الاستكشاف مستحيلا عندما كان هؤلاء الأفراد مقيدين بالوظائف الرسمية التي تشغلهم معظم الوقت, وهنا تظهر اهتمامات جديدة وقد تنمو استعدادات سبق التعرف عليها وقد نرى الأنشطة والمساهمات المنتجة المثمرة للمسنين في عدد من المجالات تشمل المجال الفني، السياسي، التعليمي، والمجال الديني، ولما كان غالبية المسنين غير مدرجين في وظائف رسمية إجبارية فإنه من الخطأ مساواة أو ربط الابتكارية والإنتاجية بالوظيفة، وبغض النظر عن الوضع الوظيفي فإن عددا من المسنين ما زالوا في عداد الأعضاء المنتجين المشاركين أو المساهمين المبتكرين في المجتمع، وذلك في فترة الرشد أو الرشد المتأخر، فلو أغفل المجتمع أو تجاهل أو قمع الطاقة الابتكارية الكامنة عند مجتمع المسنين، في سن 65 فما فوق فسوف يعاني كل أعضاء هذا المجتمع فقدانا أو ضياعا هائلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة هناك قولا شائعا مؤداه أننا لا نستطيع تعليم كلب عجوز حيلا أو ألعابا جديدة، ويعكس هذا القول الاتجاه القائل بأنه بالتقدم في السن تفتقد القدرة على النمو على التغير وعلى اكتساب معارف جديدة وعلى تنمية مهارات وقدرات جديدة. ومن يؤمن بهذا القول فإنه لا يرى المسنين إلا كأفراد يتسمون بالعناد وعدم المرونة والصلابة، وبعدم الإنتاجية، وبنقص القدرة الابتكارية، والتعلم هو تغير مستديم نسبيا في السلوك ينتج عن الخبرة, ومن الخطأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 675 اعتقاد أنه لا وجود للاختلافات في قدرات التعلم ومعدلاته بين مختلف مجموعات المسنين, فمن المعروف أن أطفال ما قبل المدرسة يختلف تعلمهم عن الأطفال الأكبر سنا من تلاميذ المدارس، وأن هؤلاء يتعلمون بطرق مختلفة عن تلك التي يتعلم بها شباب البالغين، ومع ذلك فإن فكرة الدونية أو التفوق لم تفرض الملاحظة على مثل هذه الاختلافات, إن الفرد عندما يتقدم به السن فإننا نلاحظ اختلافات التعلم لديه والتي يعكسها الأداء، ولعل من الخطأ أن ندعي أن هذه الاختلافات إنما تمثل نقصا أو انخفاضا في القدرة على اكتساب معلومات جديدة. إن التعلم موضوع صعب للغاية، إذا ما أردنا دراسته، وهو كذلك لأن فردا لم يرد التعلم أو أن لديه القدرة على ملاحظة العمليات العقلية التي ينتج عنها التعلم والاكتساب العقلي مباشرة ولكن يستدل على التعليم من الأداء وليس هناك طريق لتحديد ما إذا كان التعلم قد حدث فعلا أو لم يحدث ما لم يظهر الفرد أو يبدي سلوكا يدل على ذلك وترجع صعوبة التعلم أيضا إلى تأثره بعدد هائل من العوامل الخارجية والداخلية منها الظروف أو الأوضاع البيئية، الدافعية، الحالة الانفعالية للمتعلم، الخلفية الخبرية وكذلك متطلبات الأداء. إن على الباحثين الذين يريدون عقد مقارنات لمعدلات أو قدرات التعلم بين أي فردين أو بين مجموعات من الأفراد، أن يوجهوا اهتماما لمثل هذه العوامل على أن يكون لديهم الاستعداد لافتراض أن مثل هذه المتغيرات هي بمثابة دعم مستمر لكل من تشمله المقارنة, وعند انتقاء الأفراد موضع المقارنة من فئات عمرية مختلفة بغرض المقارنة فإننا نواجه استحالة صدق مثل هذا الادعاء أو الافتراض، فأقل القليل أنه عند اقتراض أن هؤلاء الأفراد المنتمون إلى فئات عمرية مختلفة يشتركون في الخلفية الخبرية فإن ذلك يصبح هزلا, ولهذا السبب فقد ثبتت صعوبة عقد مقارنات صادقة حقيقية بين أفراد فئات عمرية مختلفة وفي بعض الأحيان هي مهمة مستحيلة. لقد قام جيمس بيرن James Birren بأبحاثه لدراسة تغيرات التعلم المرتبطة بالسن، وقد استغرق ذلك أكثر من ربع قرن، حيث قام بدراسة نفس الأفراد عبر عدد معين من السنوات في محاولة منه لتحديد تلك التغيرات التي تحدث في القدرة على التعلم مع التقدم في السن، وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 676 وجد بيرن ومساعدوه في عام 1962 أنه لا يجب توقع اضمحلال الأداء العقلي أو تدهور القدرة على التعلم أثناء مرحلة الشيخوخة، وتبعا لنتائج هذه الأبحاث فإن التدهور العقلي هو نتيجة لمرض وليس نتيجة طبيعية للشيخوخة، ورغم ما كشفت عنه هذه الأبحاث من البطء الطبيعي لزمن رد الفعل العقلي والجسدي نتيجة للشيخوخة العادية فإنه لم يرد أن هناك ضعفا أو انخفاضا في القدرات العقلية العامة للتعلم, ويستطيع معظم الأفراد أو هم فعلا يستمرون في اكتساب معلومات جديدة وفي الاشتراك في خبرات جديدة وفي التعلم أثناء المراحل المتقدمة من العمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل إن القدرة على الاقتراب من الآخرين وعلى الاستمرار في التعرف اللائق اجتماعيا، وعلى التفاعل مع الآخرين بانسجام، تتقدم وتتحسن على مدى حياة كل فرد منا. إن الشباب أو متوسطي العمر من ذوي الصحبة السارة يملكون مظهرا جذابا بصفة عامة، وعلى درجة من الوعي والحساسية بمشاعر الآخرين ويستمر لديهم مثل هذا الاتجاه حتى في مرحلة الشيخوخة, وعلى العكس من ذلك الفرد كثير الشكوى من عيوب الآخرين، فمن الصعب إرضاؤه، وهو بصفة عامة سلبيا في اتجاهاته نحو الآخرين ونحو الظروف المختلفة. إن المبررات ليست كافية لعدم استمرار مثل هذه الخصائص في الظهور خلال مرحلة الشيخوخة كما أن أنماط التوافق والسلوك الاجتماعي التي يسلك بمقتضاها المسنون تشبه تلك الأنماط والسلوكات التي أبداها نفس هؤلاء الأفراد عندما كانوا في مقتبل العمر ومنتصف الشباب. "بوتونك Botwinick؛ 1973". فقد أظهرت نتائج الأبحاث أن نسبة الأفراد الذين وصلوا إلى مرحلة الشيخوخة والذين اتصفوا بالغرابة، وحدة الطباع وانحراف المزاج، لا تختلف بدرجة كبيرة عن نسبة مثل هؤلاء الذين يمكن أن تضمهم أي مجموعة عمرية أخرى، وهذه الملاحظة في حد ذاتها مفاجئة لتعرض الأكبر سنا لضغوط ومشكلات أكثر ما يتعرض له الأصغر سنا، إن التعرض لمثل هذه الضغوط سوف يخلق أفرادا سلبيين اجتماعيا عند وصولهم إلى مرحلة الرشد أو الرشد المتأخر ومع ذلك فلا يبدو أن هذا صحيح بصورة مطلقة. ومن الواضح أن معظم الأفراد ينمون طرقا متميزة معينة للتفاعل الاجتماعي وللاتصال بالبيئة وللتعامل مع الآخرين, وما أن تنمو مثل هذه الطرق فإن أساليب الاستجابات المميزة هذه تميل إلى الثبات والاستمرار خلال مرحلة الشيخوخة، ويميل الاتساق الاجتماعي أو التكيف للظروف إلى الاستمرار والسيادة بغض النظر عن تقدم العمر الزمني فلو أنك كنت من غريبي الأطوار الآن فكل الاحتمالات تشير إلى استمرار مثل هذه الخصائص عندما تصبح شيخا مسنا, وبالمثل لو أنك نميت اتجاها اجتماعيا موجبا فلا أساس للاعتقاد بأن تراكم السنوات سيمحو لديك أوجه الخصائص المميزة لشخصيتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 677 الخرافة التاسعة: الوحدة تشير نتائج الأبحاث التي قام بها لويس هاريس ومساعدوه Louis Harris and associates؛ 1975 أن معظم سوء فهم العامة للشيخوخة يرتكز على موضوع العزلة ومشاعر الوحدة الشخصية، وننقل للقارئ ما أورده هاريس Harris في هذا الشأن حيث قال: "إن 12% ممن هم في سن 65 فما فوق يشعرون أن الوحدة هي مشكلتهم الشخصية الخطيرة بينما 60% وأكثر من العامة يعتبرون الوحدة هي المشكلة الخطيرة لمعظم من هم في سن 65 فما فوق". وفي دراسة قام بها دين سنة 1962 Dean قرر حوالي ثلثي مجتمع الخامسة والستين فما فوق أنهم لم يشعروا إلا نادرا بالوحدة أو أن يكونوا قد خبروا مشاعر الوحدة. ويبدو أن هناك عددا من العوامل التي تشترك في انخفاض إدراك الوحدة أو الشعور بها بين غالبية المسنين, فمنذ البداية يجب ملاحظة أن الاتصال المتكرر بين المسنين وبين أفراد عائلاتهم هو القاعدة وليس الاستثناء في المجتمعات بصورة عامة. "بينستوك وشاناس 1976 Binstock and Shanas، وعكس اعتقادات البعض فإنه ليس من المعتاد أن يتخل أفراد عائلة المسن عنه أو أن ينسوه أو يتجاهلونه أو أن تندر زيارتهم له إن لم تنقطع, وبالإضافة إلى العائلة هناك الأصدقاء كعامل مساعد في تخفيف الشعور بالوحدة لدى كبار السن, وتشير نتائج دراسة هاريس Hasrris إلى أن حوالي نصف مجموعة المسنين التي أجري عليها البحث أكدوا أنهم يقضون أوقاتا كثيرة مجتمعين مع أصدقاء أو برفقة أصدقاء, ولكن هناك حوالي 5% ممن هم في سن الخامسة والستين فما فوق يعانون من مشكلة ندرة الأصدقاء، وقد أشارت دراسات أخرى أن منظمات المتطوعين، النوادي الاجتماعية، رفاق الكنائس أو المعابد، والأنشطة المجتمعية كلها وكالات تساعد في منع أو في الحد من الشعور بالعزلة والوحدة في الشيخوخة هو سيكنشت 1962 القرارات الكاثوليكية 1962، "Hausknecht, 1962, Catholic Digest 1966". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 678 الخرافة العاشرة: أكثر تدينا إنه من المغري أن نوافق على فكرة مؤداها أنه بتقدم الأفراد في السن يصبحون أكثر تدينا، وربما يرجع سبب مثل هذا الإغراء إلى حس حدسي بأن حقيقة الموت أصبحت قريبة وشيكة الحدوث، وأن الأفراد ميالين لأن يصبحوا أكثر استمتاعا بالحياة الآخرة بعد الموت، وللخلاص من الخطايا الشخصية، وأن لديهم اهتمامات بالأمور الغيبية. إن هذا الإغراء بالموافقة على هذه الفكرة، ربما ينبع من ملاحظات شخصية مؤداها أن الجيل الحالي من المسنين يميل للتدين أكثر من الأجيال الأصغر سنا, ومع ذلك وبغض النظر عن الأحاسيس الشخصية أو الملاحظات الفردية تبقى الحقيقة وهي أن الأفراد يصبحون أكثر تدينا بتقدمهم في السن إن من الخطأ افتراض أن الاختلافات العمرية في التوجهات الدينية هي نتاج للتقدم في السن أو للشيخوخة، فالأجيال الأكبر لا تصبح أكثر تدينا باقترابها من الشيخوخة وعند مقارنة هذه الأجيال بالأجيال الأصغر سنا، فإننا نجد أن مجتمع المسنين كانوا أكثر تدينا في شبابهم، فقد تلقوا تدريبات دينية أو كانت لهم ممارسات دينية أكثر أثناء تقدمهم في السن وأنهم قد استمروا على نفس الأسلوب المتدين الذي تكون عبر سنوات عمرهم المبكرة والسابقة، ويبدو أن اختلافات التوجهات الدينية هي اختلافات جبلية وأنها ليست مرتبطة بالعمر, وعلى أساس المعلومات المستخلصة من الدراسات الطولية فقد وجد كل من بلازر وبالمور سنة "1976" Blazar and Plamore أنه ليست ثمة مؤشرات لزيادة الاهتمام بالانصراف أو الانشغال بالدين كدالة على الشيخوخة، ورغم أنه يبدو أن الاستغراق أو الارتباط بالدين لا يزداد أو ينخفض في مرحلة النضج أو الرشد المتأخر إلا أن هناك ميلا يتجه نحو انخفاض المواظبة على الحضور إلى الكنائس في الشيخوخة "موبرج Moberg 1965". فليس من الممكن مساواة التدين بالحضور إلى الكنيسة, فهناك عوامل كثيرة تتدخل فيما لوحظ من انخفاض الحضور المنتظم إلى الكنيسة مع تقدم الفرد في السن من هذه العوامل افتقاد وسيلة للمواصلات، ضعف أو اعتلال الصحة، وتغيير محل الإقامة، وأساسا ليس هناك دليل واضح على زيادة الاهتمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 679 بالأنشطة الدينية أو كسب مزيد من الرضا من خلال الدين، أو تكريس وقت أطول واهتمامات أكثر بالاهتمامات الدينية مع تقدم الأفراد في السن. "Blazar & Palmore 1976". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 680 الخاتمة الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان ... الخاتمة: الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان: يشعر الإنسان المسن بإحساس خاص تجاه الموت، حتى وإن كان يتمتع بقوة جسمية وعقلية، حيث يدرك -أكثر من أي فترة من حياته- أن الموت كأس لا بد من تجرعه, وأن الفترة الباقية له في هذه الحياة مهما طالت قصيرة نسبيا وبالتالي يصبح الموت بمثابة اهتمام واقعي بالنسبة له وقد نجد المسنين يقومون ببعض الأعمال والنشاطات استعدادا لعملية الرحيل ويتضمن ذلك الانتهاء من عمل بعض الأمور العملية كتوزيع ثروته، بالإضافة إلى ثمة عمليات داخلية كمراجعة النفس، ومراجعة تاريخ حياته. وقد يفترض أن المسنين كمجموعة يعيشون في مخاوف خاصة ترتبط بالموت، إلا أن نتائج بعض الدراسات أشارت إلى نقيض ذلك فدراسة ميونشيس Munnichs؛ "1966" أشارت إلى أن التوجهات الأكثر عمومية للأفراد الذين تجاوزوا سن السبعين، كانت تومئ إلى التقبل والإذعان لفكرة الموت، كما أن نتائج دراسة بنجستون وآخرين Bengston et al؛ "1977" دعمت النتائج السابقة، إذ أوضحت أن الأفراد المسنين كانوا أقل انشغالا واستغراقا في المخاوف المرتبطة بالموت إذا ما قورنوا بالأفراد الذين كانوا في منتصف العمر، ويبدو أن المخاوف المفرطة، أو إنكار الموت عند بعض الأفراد المسنين قد تشير إلى الفشل العام في التوافق مع جوانب القصور والعجز، والذي يكون بدوره مظهرا من مظاهر عدم النضج النفسي والإحساس بالانعزال والغربة عن الآخرين, ويشير إريكسون "1963" أن الخوف من الموت يرتبط كذلك بافتقاد تكامل الأنا، ويذهب دورلاك Durlak؛ "1972" إلى تدعيم وجهة نظر إريكسون بقوله أن المعدل المنخفض لخوف الموت يرتبط بالأفراد الذين شعروا بهدف الحياة وغرضها, وبالتالي حققوا نوعا من التكامل. وبطبيعة الحال فمن الصعب أن نقيس بصورة دقيقة ما يشعر به الفرد من خوف شخصي تجاه الموت، حيث إن معظم الدراسات في هذا المجال تتكامل مع الاتجاهات التي يعبر عنها الأفراد في الاستبانات أو التي تظهر من خلال الوسائل الإسقاطية، وعدد قليل من الباحثين قد يتعامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 683 مع الأنماط السلوكية الحقيقية التي يتخذها الفرد استعدادا للرحيل، وعموما فإن مثل هذه الدراسات لا يمكن أن توضح لنا نوعية الخوف أو شدته المرتبط بموضوع الموت، إلا أنها يمكن أن تشير فقط إلى مدى انشغال الفرد بتلك العملية. وعلى الرغم من أن الشخص المسن يتوقع الموت، ولكنه لا يحيا بالضرورة في الظل, فقد ينظر إليه على أنه حتمي الحدوث، إلا أنه لا يمكن أن يتوقع حدوثه في أي وقت معين، وكثيرا ما يدرك الأفراد في مرحلة الشيخوخة الموت باعتباره مرحلة من الوجود وبداية مرحلة أخرى، وعموما كلما كان الإنسان على قيم دينية مؤمنا بالله كلما تقبل الموت بصدر رحب باعتباره عملية طبيعية لا بد لكل فرد أن يمر بها، كما أنها تعتبر مرحلة في دورة حياة الإنسان لا بد من المرور بها. وفترة الشيخوخة عادة ما تمثل فترة حياة يعاني فيها معظم الأفراد من صدمة فقدان الأعزاء، فعادة ما نجد الشخص المسن مغرم بقراءة صفحات الوفيات والنعي بالجرائد اليومية، كما يخبر كبار السن أنواع معينة من الفقدان قد يشعر بها كموت جزئي له مثل فقدان أحد الزوجين، أو فقدان أحد الأبناء الشبان، مما يثير لديه ويدعم عنده الإحساس بالفناء، وفي كثير من المجتمعات يرتبط الانفصال بفكرة الموت باعتباره عملية انفصال عن الواقع، وقد يشعر الإنسان بعد فقد شريك أو شريكة حياته بأنه قد أصبح يعيش في نوع من الإهمال أو السجن، وقد يحدث في بعض المجتمعات انفصال مادي عن المجتمع، فتشير نتائج دراسة هوبل Hoebel؛ "1978" أن موت الزوج بالنسبة للمرأة الصينية يعني بالنسبة لها الانفصال الكامل تقريبا عن الارتباطات أو الالتزامات الاجتماعية، وقد تنتقل بالتالي إلى الحياة داخل الأدغال بعد موت الزوج مفضلة العزلة عن هذا العالم وفي انتظار لقاء زوجها مرة أخرى بعد موتها. والجدير بالذكر، فقد توجد أنواع كثيرة أخرى من الموت يعاني منها المسنون، فقد يشعر بعض المسنين بعد الإحالة إلى المعاش أن ذلك قد يعتبر كنوع من الموت، وكثيرا ما يشعرون بالنبذ الاجتماعي "فقد نسمع البعض منهم يقول: يجب علي أن أموت، عندما لا يعامل بصورة لائقة من ذويه وأقاربه"، وبالتالي ينسحب البعض منهم من المجتمع ويشعرون بنوع من الانطواء، وقد يشعر البعض منهم أنه انتقل إلى العالم الآخر. وقد توجد بعض الظروف النفسية والجسمية يشعر من خلالها الشخص المسن بالموت الجزئي ومن هذه الأنواع الفقدان الحسي "العمى أو الصمم"، أو حالات الضعف العام، وعدم القدرة على الحركة، أو الخلل العقلي وفقدان الذاكرة، حيث يؤدي ذلك إلى تشويش وخلط الخبرات الماضية والحاضرة والمستقبلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 684 عملية الموت : قد يعتبر الموت في بعض المعتقدات والأيديولوجيات ليست عملية، ولكن لحظة من الانطفاء وقد يعتقد البعض الآخر بأنه يرتبط برحلة ذات مشهد معين أو عملية انتظار مريح قبل عملية الحساب النهائي وتنظر بعض الثقافات إلى الموت باعتباره نهاية لكل الخبرات، ويعتقد البعض بأنه بداية الخلاص. وما زلنا حتى يومنا هذا لا نعرف أكثر من معرفتنا السابقة عن الموت, وما هو المغزى التطوري والنمائي لمفهوم الموت، ومع ذلك فإن نتائج البحوث الحديثة في العلوم الطبية والبيولوجية والنفسية تشير إلى اعتبار الموت جزء من الحياة. وهناك وجهات نظر جديدة تنظر إلى الموت على أنه ليس عملية انتهاء أو فناء حيث يتحول منها الفرد من حي إلى ميت، وقد يرجع ذلك بصورة جزئية إلى نتائج البحوث التكنولوجية التي تنظر إلى الموت على أنه عملية بطيئة، وقد أدى هذا الاهتمام إلى تعريف عملية الموت بأنها "عملية واقعية مثلها مثل الميلاد والنمو والنضج"، حيث يعتبر من أحد الأشياء المؤكدة والحقيقية في الحياة. وثمة نتيجة أخرى للدراسات التكنولوجية الطبية، ويتضح في تفهمنا أن الموت قد يحدث لنا بصورة بطيئة فالأمراض التي تقتلنا هي ذاتها التي نتعايش معها لعشرات السنين، كما أن بعض أمراض وأشكال السرطان قد تنمو وتنتشر وتميت الأنسجة الحية طوال سنوات عديدة، والتي قد يبدو الفرد أثناءها ذو صحة عادية، وقد يبدو أنه طوال حياتنا لا نعاني فقط من تلك الأمراض بل نساهم وندعم هذه العملية بواسطة الحوادث الطارئة التي قد تؤدي إلى العاهات المستديمة أو تؤدي إلى الموت، وكذلك بواسطة عاداتنا الغذائية، ونماذج حياتنا واتخاذ قراراتنا بما فيها من مسئوليات تلقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 685 الخدمات الطبية والعلاجية، وبناء شخصياتنا، وعموما فالموت جزء من نماذج حياتنا، ويتحدد عن طريق سمات الشخصية وتاريخ حياة الفرد ونمط حياته اليومية، وقد تمدنا النظريات والدراسات اللاحقة بإمكانية تفهم وتطوير مفهوم الموت بصورة ذات معنى ودلالة طوال مجرى حياة الإنسان، وعموما فلقد ساهمت تلك النظريات في تفهم عملية الموت، إلا أننا لا نجد نظرية شاملة من الممكن أن يؤخذ بها في هذا المجال، وسوف نعرض بإيجاز لأهم تلك النظريات في الصفحات التالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 نظرية كويلر -روس ... نظرية كوبلر - روس Kubler - Ross: تعتبر نظرية روس من أهم الأعمال الحديثة التي ألقت الضوء على الموت، حيث نالت هذه النظرية اعترافا وتأييدا كبيرا، وقد يرجع سبب ذلك إلى أن هذه النظرية تفيد الأشخاص الذين يعملون مع المرضى المشرفين على الموت، بالإضافة إلى فائدتها لأسر وعائلات الأفراد المشرفين على الموت، ولم تقترح صاحبة هذه النظرية نظريتها لكي تغطي جميع أحداث عملية الموت، كما قد تنمو على مدى تاريخ حياة الإنسان، كما أنها لم تول الجوانب الجسمية والحسية للموت اهتماما كبيرا، ولكنها قد اهتمت -بصورة جوهرية- بوصف الطريقة التي يجب أن يتكيف بها الأفراد المشرفون على الموت، والجدير بالذكر فإن هذه النظرية قد تم تطبيقها على بعض من المواقف المتشابهة مع مواقف الموت، فالأفراد الذين يسلبهم الموت أحباءهم وأعزاءهم قد يمرون بمراحل التكيف التي وضعتها روس. وقد يحدث نفس الشيء بالنسبة للشخص الذي يعرف بأنه سوف يفقد عيناه، أو سمعه، أو زوجته، أو زوجها، أو سوف يحرم من حريته السياسية, وعموما فلقد أشارت كوبلر روس إلى عدد من المراحل يمر فيها المرء في تقبله لعملية الموت ويمكن إيجازها فيما يلي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 الإنكار Denial: يتعامل الشخص في المرحلة الأولى إلى مرضه الخطير "أو الفقدان" بقوله: "لا إن هذا غير معقول"، وقد يبرر ذلك بأن الأطباء غير أكفاء في عملية التشخيص، وقد يرفض المريض -في الحالات المتطرفة- ما يوصف له من العلاجات ويصر على الذهاب إلى عمله اليومي كالمعتاد، ومعظم المرضى الذين يستخدمون ميكانزم الرفض في تقبل هذا الحدث في حياتهم يتمثلون في الأفراد الذين اعتادوا التعامل مع مواقف الحياة الصعبة بنفس هذه الطريقة "وحقيقة فإن عملية الرفض هذه قد تؤدي إلى خطورة الحالة لدى المريض، وبالتالي قد يواجه الواقع الأليم فيما بعد والذي قد يحمل مأساة بين طياته" ولكن مع تطور المرض، يصبح إنكار المرء لا جدوى منه، كما يصبح من الصعب تجاهل المرض، وبالتالي نجد ردود فعل واستجابات جديدة تفرض نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 686 الغضب Anger: إن صرخة الشخص المحتضر في هذه المرحلة تكون "ولم أنا؟ " والشخص الذي فقد شخصا عزيزا عليه يشعر بالغضب من كل الأشياء والأشخاض من حوله دون تفهم أو إدراك منه, ويشمله الاستياء والامتعاض من الأمور الصحية، وقد يغضب الشخص من الآخرين بسبب إدراكهم له كشخص في محنة أو مشرف على الموت، وفي هذه المرحلة فإنه يميل إلى الاغتراب والبعد عن الناس، لأنه لا يستطيع أن يعطي إجابة مقنعة لسبب الغضب الذي ينتابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 المساومة Barganing: يغير الفرد في هذه المرحلة من اتجاهاته ويحاول أن يساوم, قدره فقد يسأل الخالق على سبيل المثال بمهلة من الوقت لكي يعود مرة أخرى إلى الأنماط السلوكية القيمة الخيرة، وبالتالي يبدأ في تغيير أسلوب حياته، وقد نجده معلنا بأنه قد أصبح لا يخاف المرض ويبدأ في مساومة الطبيب في عملية التشخيص التي يجريها له، فعلى سبيل المثال، إذا استسلم بصورة مرضية لبعض التشخيصات التي تكون مكافئة فإنه لا ينقل إلى المرحلة التالية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 الاكتئاب Depression: وأخيرا، عندما لا يستطيع المريض أن يستمر في إنكار مرضه، أو عندما يضطر إلى إجراء عمليات جراحية، أو أن يحجز في المستشفى، وعندما يبدأ أن تظهر عليه الأعراض أو أن يصبح أضعف وأوهن، حينئذ لا يمكنه التمادي في عملية الرفض, كما أن عملية اللامبالاة والغضب والثورة تتبدل على التو بإحساس بالفقدان الكبير، ويدخل الفرد أثناء هذه المرحلة في حالة اكتئاب عميق، فإنه يشعر بالاكتئاب بسبب ما يطرأ عليه من الفقد والخسارة، فعلى سبيل المثال فقدان الأنسجة وفقدان العمل وفقدان مدخرات حياته، كما أن المريض في هذه المرحلة يشعر بفقدان كل شيء وكل شخص يحبه، وبالتالي فمن المهم أن يسمح له في التعبير عن هذه المشاعر وهذا الأسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 687 التقبل Acceptance: يذعن الفرد في نهاية المطاف للموت، فلقد انتهى صراع الحياة، "ويخبر الشخص الراحة النهائية قبل قيامه برحلة طويلة أخرى"، وقبل هذه العملية يشعر المرء بالتعب والضعف، وغالبا ما تنتابه حالات النوم، وتمر خبرة الموت أحيانا على بعض الأفراد في أمان وسلام، وقد يطلب الفرد المشرف على الموت بعض الأشخاص الذين يود رؤيتهم قبل موته، وبالتالي يبدأ في فصل ذاته عن الأمور الدنيوية ويطلب السكينة والهدوء، ويبدو أن الفرد يبدأ في فصل ذاته عن هذا العالم المحيط به حتى يجعل عملية الموت سهلة في وقعها عليه. وتجدر الإشارة هنا، أن جميع المرضى لا يمرون خلال تلك المراحل التي أشارت إليها روس، فقد يحدث أن تنتهى حياة المرء وهو في مرحلة الإنكار، وذلك لعدم قدرته النفسية في الانتقال إلى ما وراء هذه المرحلة، أو لسبب أن المرض كان ثقيلا، وبالتالي لم يمهله لكي يعيش إلى ما بعد هذه المرحلة، وتستطرد روس بقولها: إن المرضى لا يحددوا استجاباتهم لأي مرحلة من تلك المراحل، فالمريض المكتئب قد يعود ويظهر انفجارات وثورات الغضب، كما أن المرضى في كل المراحل يستمرون في الإحساس أو الشعور بالأمل، وحتى الأشخاص الذين يتسمون بالتقبل المرتفع والمرضى الأكثر واقعية، يواصلن التمسك ببعض الإمكانات والفرص العلاجية أي أن هذه المراحل قد تكون مجتمعة أو قد تسير وفق هذا الترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 نمو مفهوم الموت : لا يمكن للرضيع إدراك مفهوم الموت، كما أنه لا يستطيع تفهم أن الموضوعات تستمر في وجودها أثناء غيابها عنه، فعادة عندما يختفي الأشخاص أو الأشياء عن ناظريه فإنه لا يبحث عنها، وبحلول الشهر العاشر تقريبا, عندما يكون الطفل الارتباطات مع الآخرين حينئذ يمكنه أن يخبر الفقدان والانفصال, وكل من النوم والانفصال يرتبطان بالموت بالنسبة للرضيع، حيث يطمئن بأن كليهما شيء مؤقت, وفي بعض الحالات عندما يكون الانفصال ليس مؤقتا كما نرى في حالة موت الآباء، فقد يحتفظ الطفل الصغير بشعور القلق ويظهر ذلك في مرحلة لاحقة من حياته. ويميل الطفل النامي إلى أن يحدد ويعرف الأشياء التي تتحرك أو تتغير أمامه بأنها أشياء حية، وفي هذه المرحلة من النمو، فإن الحياة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 688 والموت تعتبر من الحالات المعكوسة بصورة مؤقتة، وينظر إلى موت الأشخاص باعتباره حالة مشابهة للنوم، كما يمكن أن تتساوى مع عملية الاختفاء، وعلى الرغم من أن الطفل الصغير لا يتفهم معنى ومدلول الموت إلا أننا قد نجده مهتما بالموضوعات المرتبطة بالموت، أو أن نرى استجابته إلى الحيوان الميت برهبة وجدية. وفي سنوات ما قبل المدرسة تظهر موضوعات الموت في ألعاب الأطفال، وعادة ما تعكس اعتقادهم أن الموت عبارة عن عملية اختفاء أو خدعة معينة، وهو مؤقت وليس مستمرا, وتشير بعض الدراسات إلى أن طفل الرابعة أو الخامسة قد يكون على دراية بتهديد الموت، وقد يتخذ هذا الوعي شكل قلق الانفصال، والوحدة، والخوف من الهجر. وفي حوالي سن السادسة قد ينظر إلى الموت بصورة معكوسة، أي أنه عكس الحياة، ولكنه ليس حتميا, ويصل الطفل في سن التاسعة أو العاشرة إلى مفهوم الراشد عن الموت، حيث ينظر إلى الحياة والموت باعتبارهما عملية داخلية تصيب الإنسان والحيوان والنبات, كما أن الأطفال الذين يخبرون فقدان أحد الآباء في طفولتهم الوسطى عادة ما نجدهم يتفهون دلالة ومعنى الفقدان والموت، والأطفال المرضى الذين يعانون من مرض شديد في طفولتهم الوسطى عادة ما يكونون أكثر تفهما وإدراكا بحالتهم. وفي سن المراهقة، يصبح المراهق على دراية بالتغيرات الجسمية لديهم ولدى الآخرين، وينمو لديه دراية أو اهتمام بالموت، وعلى الرغم من أن تفهمه للموت يكون مساويا أو أقل من تفهم الراشد، إلا أنه يبدو بأنه يمثل حدثا بعيدا ومجردا بالنسبة له ويعتبر بمثابة حدث يحدث لكبار السن، وهو مرتبط بمفهوم القدر أو العنف. وفي مرحلة الرشد المبكرة، لا يبدو تكوين أي توجه معين نحو الموت، ومع ذلك فإن الخطوتين الرئيسيتين والتي عادة ما تحدثان أثناء هذه المرحلة تتمثلان في الزواج والإنجاب، قد يساعدا في إظهار علاقة الشخص مع الموت. ويبدو أن الاهتمام بالموت يصل إلى ذروته في مرحلة الرشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 689 الوسطى، حيث يصبح الفرد أكثر حساسية للتقدم في العمر الزمني، ولأعضاء جسمه، ومحدودية فترة حياته، كما نجد أن فقدان الأشخاص الأعزاء يعتبر بمثابة أزمات عادية في مرحلة الرشد الوسطى, ولا يقتصر ذلك على موت الآباء ولكنه قد ينسحب على موت الأصدقاء والزملاء, كما أن الأشخاص المرضى في مرحلة الرشد الوسطى يهتمون باضطراب مسئولياتهم وعلاقاتهم تجاه الآخرين، وهم في ذلك يختلفون عن الأشخاص المسنين بأن لديهم بعض الوقت لكي يتكيفوا مع مواجهة ومقابلة الموت. ويصبح الموت لدى المسنين اهتماما واقعيا، فلقد أشارت عديد من الدراسات بأن الحالات المسنة كانت أقل انشغالا بمخاوف الموت إذا ما قورنوا بالمخاوف التي ظهرت على الحالات التي كانت في منتصف العمر، كما أن معظم توجهاتهم العامة نحو الموت كانت مقبولة ومتقبلة أو مذعن إليها، وبالتالي يدرك الموت على أنه عملية طبيعية، وغالبا ما نجد معظم المسنين يعانون من الفقدان المتكرر لأحبائهم وأصدقائهم. وإحدى وجهات النظر الجديدة في الدراسات الحديثة تشير إلى أن الموت لا يعتبر لحظة متميزة التي ينتقل فيها الشخص من الحياة إلى الموت، فالموت قد يكون عملية بطيئة، ومع ذلك فحتى وقتنا الحاضر لا نجد نظرية شاملة مقنعة في هذا المجال، كما أن نظرية مراحل الموت التي أشارت إليها كوبلر روس لا تغطي عملية الموت ومفهومها كما يجب طوال مراحل الحياة، ومع ذلك فإنها تعتبر بمثابة محاولة لوصف الطريقة التي يتكيف بها الأفراد الذين يعرفون أنهم ملاقون الموت لهذه المعرفة حيث أشارت إلى ذلك مراحل الإنكار والغضب والمساومة، والاكتئاب، والتقبل لفكرة الموت، والتي أشرنا إليها بإيجاز في الصفحات السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 690 المراجع : إبراهيم قشقوش: سيكولوجية المراهقة، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1980. إسماعيل القباني: اختبار استفانورد بنيه لقياس الذكاء، القاهرة مطبعة لجنة التأليف والترجمة. صلاح مخيمر: تناول جديد للمراهقة، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1969. صموئيل مغاريوس: أضواء على المراهق المصري، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية 1957. عادل عز الدين الأشول: علم النفس الاجتماعي، مع الإشارة إلى مساهمات علماء الإسلام، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1979. سيكولوجية الشخصية، القاهرة، مكتبة الأنجلو 1985. عبد الرحمن بدوي: أرسطو، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1941. عبد الحميد الهاشمي: علم النفس التكويني، مكتبة الخانجي، القاهرة 1966. عبد السلام عبد الغفار: مقدمة في الصحة النفسية، القاهرة، دار النهضة العربية 1978. عبد العزيز القوصي: أسس الصحة النفسية, القاهرة، مكتبة النهضة العربية، الطبعة الخامسة 1975. عبد العلي الجسماني: سيكولوجية الطفولة والمراهقة، حقائقها الأساسية, الرياض، مطبوعات جامعة الرياض 1973. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 693 لويس مليكة: مقياس وكسلر بلفيو، القاهرة، دار التأليف والنشر 1960. محمد على حسن: علاقة الوالدين بالطفل وأثرها في جناح الأحداث القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1970. ناريمان محمد رفاعي: فاعلية برنامج إرشادي لتعديل بعض السلوكيات الوالدية في تنشئة الأبناء، مجلة رابطة التربية الحديثة، العدد السادس والثلاثين 1994. إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 694 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 695 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 696 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 697 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 698 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 699 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 700 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 701 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 702 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 703 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 704 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 705 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 706 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 707 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 708 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 709 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 710 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 711 إسكانر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 712