الكتاب: اللغة وعلم اللغة المؤلف: جون ليونز الناشر: دار النهضة العربية الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- اللغة وعلم اللغة جون ليونز الكتاب: اللغة وعلم اللغة المؤلف: جون ليونز الناشر: دار النهضة العربية الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة المترجم: يعد جون ليونز من أهم اللغويين المعاصرين في بريطانيا عرف بعدد من الكتب في مقدمتها: علم اللغة التركيبي 1963، وعلم اللغة النظري 1968، وآفاق جديدة في علم اللغة 1970، وتشومسكي 1970، وعلم الدلالة 1977، واللغة وعلم اللغة 1981. ونقدم في هذه الطبعة "الجزء الأول" من كتاب "اللغة وعلم اللغة" وهو كتاب ألف لجمهور المثقفين إلى جانب المتخصصين في علم اللغة، وصدرت الطبعة الأولى منه عام 1981، وأعيد طبعه عام 1982، 1983، 1984، و1985، وربما كانت إعادة طبعه سنويا على النحو المشار إليه أمرا له دلالته، ويضم هذا الكتاب عشرة فصول هي على الترتيب: اللغة، وعلم اللغة، وأصوات اللغة، والنحو، والدلالة، والتغير اللغوي، وبعض المدارس والاتجاهات الحديثة، واللغة والعقل، واللغة والمجتمع، واللغة والثقافة، ويضم "الجزء الأول" الفصول الخمسة الأولى وهي تدور في إطار علم اللغة البحت الوصفي الذي يعتبره علماء اللغة لب تخصصهم العلمي بينما تدور الفصول الخمسة الأخرى في إطار علم اللغة التاريخي وعلم اللغة الموسع وقد نشر لكاتب هذه السطور ترجمة لفصلين منها في مجلة البيات التي تصدرها رابطة الأدباء في الكويت في العددين 250 يناير 1987، و251 فبراير 1987 نشر في العدد الأول الفصل السابع "بعض المدارس والاتجاهات الحديثة"، ونشر في العدد الثاني الفصل العاشر "اللغة والثقافة". ويتناول الفصل الأول "اللغة" سبع نقاط هي: ما اللغة؟ وبعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 تعريفات اللغة، والسلوك اللغوي والنظم اللغوية، واللغة والكلام، ووجهة نظر سيميولوجية وتصور التجانس، ولا توجد لغات بدائية. ويتناول الفصل الثاني "علم اللغة" ست نقاط هي: فروع علم اللغة، وهل "علم اللغة" علم؟، والمصطلحات والرموز، وعلم اللغة وصفي وليس معياريا، وأولوية الوصف التزامني، والبنية والنظام. ويتناول الفصل الثالث "أصوات اللغة" ست نقاط هي: الوسيلة الصوتية، والتمثيل الصوتي والهجائي، وعلم الأصوات النطقي، والوحدات الصوتية والصور الصوتية، والملامح المميزة والفونولوجيا التطريزية، والبنية الفونولوجية. ويتناول الفصول الرابع "النحو" ست نقاط هي النحو والتصريف والصرف، والصواب النحوي والإنتاجية والاعتباطية، وأجزاء الكلام وأصناف الصيغ والفصائل النحوية، وبعض التصورات النحوية الإضافية، ومكونات البنية، والنحو التوليدي. ويتناول الفصل الخامس "الدلالة" ست نقاط هي: اختلاف المعنى، والمعنى المعجمي وتعدد المعنى والترداف، والمعنى المعجمي: المعنى والدلالة الذاتية، والدلالة والنحو، ومعنى الجملة ومعنى القول، وعلم الدلالة الشكلي. وفي النهاية أثبت قائمة بالمصطلحات الواردة في هذا الجزء باللغتين العربية والإنجليزية تلك التي ترجمها كاتب هذه السطور لأول مرة والتي يرجو لها القبول من قبل المتخصصين. وقد آثرت في هذه الترجمة أن أكون دقيقا وملتزما إلى أقصى حد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ممكن وقد اعتمدت في التعليقات المثبتة في هوامش الكتاب على العديد من المراجع أخص منها "A First dicticonary of linguistice and phonetics لدافيد كرستال، والمعجم الفلسفي للدكتور مراد وهبة وقد ميزت التعليقات الخاصة بالمؤلف -وهي نادرة- بإضافة نسبتها إليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. تنويه: يود المترجم أن ينوه بالفضل الذي حظي به وحظيت معه هذه الترجمة من الأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي، ويتقدم له بجزيل الشكر والعرفان، كما يتقدم بجزيل الشكر والعرفان للأستاذ الدكتور مراد وهبة على ما اقتطعه من وقته الثمين في مناقشة بعض المفاهيم والمصطلحات الفلسفية. المترجم مصطفى زكي حسن التوني القاهرة: 1987 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 الفصل الأول: اللغة أولا: ما اللغة ؟ يعد علم اللغة الدراسة العلمية اللغة، ومن الوهلة الأولى فإن هذا التعريف -وهو أحد التعريفات الموجودة في أكثر الكتب الأساسية وفيما يعالج هذا الموضوع معالجة عامة- تعريف واضح وضوحا كافيا، لكن ما الذي تعنيه بالضبط كلمتا لغة، وعلمية؟ وهل يمكن أن يعد وصفنا لعلم اللغة كما يمارس اليوم بالعلم وصفا صحيحا؟ ويمكن مقارنة السؤال "ما اللغة؟ " بالسؤال "ما الحياة؟ " وهناك من سيقول إن السؤال الأول قد يكون أقل عمقا من الثاني الذي تدور افتراضاته المسبقة حول العلوم البيولوجية وتوحدها، وبطبيعة الحال فإن هذا السؤال ليس من هذا النوع الذي يحمله عالم الأحياء سلف في ذهنه دائما أثناء عمله اليومي، فإن لذلك أكثر من إطار فلسفي له، وعالم الأحياء -كغيره من العلماء- يتعمق عادة في تفصيل بعض المشكلات الدقيقة لينعم النظر في متضمنات هذه الأسئلة العامة، ومع ذلك فإن المعنى المسلم به سلفا الذي يتضمنه السؤال: "ما الحياة؟ " -الافتراض المسبق الذي ذهب إلى أن كل الكائنات الحية تشترك في خاصة ما أو في مجموعة من الخصائص التي تميزها عن الكائنات غير الحية- يرسم حدود اهتمامات عالم الأحياء، ويبرر الاستقلال أو الاستقلال الجزئي لتخصصه، ومع أنه من الممكن أن يقال عن سؤال: ما الحياة؟ بهذا المعنى أنه يمد علم الأحياء بالمبرر القوي لوجوده، وهذا السؤال في حد ذاته لا يعدو كونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 تفسيرا خاصا يستغله عالم الأحياء، وكشف متضمناته الأكثر تفصيلا داخل عدة أطر نظرية مقبولة ينمي في الوقت الحاضر تأملات عالم الأحياء وبحثه من يوم لآخر، وهو ما ينطبق أيضا على اللغوي1 في علاقته بالسؤال: ما اللغة؟ وأول ما يلاحظ من السؤال: "ما اللغة؟ " أنه عند صياغته باللغة الإنجليزية "؟ What is Language" تستخدم كلمة اللغة "Language" في المفرد وبدون أداة التعريف، وصياغة السؤال بهذا الشكل يختلف نحويا -إن لم يكن دلاليا- عن السؤال الذي يشبه من حيث الظاهر "What is a Langnage؟ " وتحتوي لغات أوروبية على كلمتين وليس كلمة واحدة لترجمة الكلمة الإنجليزية Language ففي اللغة الفرنسية Langue و Langage وفي اللغة الإيطالية Lingua و Linguaggie وفي اللغة الأسبانية Lengua و Lenguaje وفي كل حالة يرتبط الاختلاف بين الكلمتين بالاختلاف الموجود في معنيي الكلمة الإنجليزية "Language" فعلى سبيل المثال تستخدم في اللغة الفرنسية كلمة "Langage" لتشير إلى اللغة بصفة عامة وتنطبق كلمة Langue على اللغات المحددة، ولا تسمح اللغة الإنجليزية للمتكلمين بها بأن يقولوا عن شخص ما: "He Possesses a Langage "الإنجليزية، الصينية، المالاوية، السواحلية .... إلخ" فحسب، ولكن أيضا "He Possesses Language"2 ويجعل الفلاسفة، وعلماء النفس، وعلماء اللغة عموما من معرفة اللغة أوضح ما يميز الإنسان عن غيره من سائر الحيوان،   1 اللغوي "Linguist" مصطلح يشير إلى من يدرس أو يمارس البحث في اللغة وعالم اللغة "Linguistician" يعد المرجع لهذا الغرض إلا أن اللغوي المتخصص لا يستخدم مصطلح "عالم اللغة" للإشارة إلى نفسه، وثمة خلط بين ما يدل عليه هذ المصطلح وما يشير إلى من يتقن لغات عديدة. 2 Ws Possesses a Language = He Possesses Language يمتلك اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وسنتناول جوهر هذا الادعاء في هذا الفصل، وأحب أن أؤكد هنا على حقيقة واضحة لكنها هامة ذلك أن أحدًا لا يستطيع معرفة لغة طبيعية أو استخدامها دون أن يكون قد عرف لغة طبيعية معينة أو استخدمها. وقد استخدمت منذ لحظة مصطلح لغة طبيعية وهو ما يضعنا أمام نقطة أخرى، فكلمة لغة لا تنطبق على الإنجليزية، والصينية، والملاوية، والسواحلية.. إلخ فحسب وهو ما يتفق الجميع على أنه من المناسب تسميتها باللغات لكنها تنطبق كذلك على مختلف نظم الاتصالات الأخرى المتنوعة سواء أكانت تلك النظم مجموعة رموز أم مجموعة أرقام وهي موضع جدال، فعلى سبيل المثال أسس الرياضيون والمناطقة، وعلماء الكمبيوتر حديثا ولأغراض خاصة نظما رمزية وسواء أكان من الصواب تسميتها لغات أم لا فإنها صناعية أكثر منها طبيعية، ويكون الأمر كذلك حتى لو كانت مؤسسة على اللغات الطبيعية الموجودة سلفا وصارت لغة بلا نزاع مثل الإسبرانتو التي اخترعت في نهاية القرن التاسع عشر بهدف الاتصال العالمي، وهناك نظم أخرى من الاتصالات الخاصة بالإنسان وبغيره ينطبق عليها وصف طبيعية أكثر من وصف صناعية لكنها لا تبدو لغات بالمعنى الضيق لهذا المصطلح حتى ولو استخدمت كلمة لغة للإشارة إليها بشكل عام، لاحظ في هذا الشأن العبارات الآتية: لغة الإشارة، ولغة الجسد، ولغة النحل، وربما يذهب معظم الناس إلى أن كلمة لغة تستخدم هنا استخداما مجازيا أو استعاريا، ومن الطريف أن كلمة Langage لا كلمة Langue تستخدم عادة عند ترجمة مثل هذه العبارات إلى اللغة الفرنسية، والكلمة الفرنسية "Langage" "مثل الكلمة الإيطالية Linguaggio" والكلمة الأسبانية "Languaje" أكثر عمومية من الكلمة الأخرى التي تتزاوج معها ليس لأنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 تستخدم للإشارة إلى اللغة عموما فحسب ولكن أيضا؛ لأنها تنطبق على نظم الاتصال سواء أكانت طبيعية أم صناعية، خاصة بالإنسان أو بغيره، وتستخدم لها الكلمة الإنجليزية Language فيما يبدو أنه معنى مجازي. ويهتم اللغوي -في المقام الأول- باللغات الطبيعية، والسؤال: ما اللغة؟ يحمل في طياته افتراضا مسبقا أن كل لغة من آلاف اللغات الطبيعية المميزة بوضوح المنطوقة في أنحاء العالم مثال نوعي لشيء ما أكثر عمومية، وما يريد اللغوي معرفته ما إذا كانت اللغات الطبيعية كلها تشترك فيما لا تشرك فيه معها نظم الاتصال الأخرى الخاصة بالإنسان أو بغيره ومن ثم يكون من الصواب أن نطلق عليها كلمة لغة وأن ننكر إطلاق هذا المصطلح على نظم الاتصال الأخرى باستثناء ما يتعلق بما تأسس على لغات طبيعية موجودة من قبل مثل الإسبرانتو وهو الأمر الذي سنتناوله في هذا الفصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ثانيا: بعض تعريفات اللغة العثور على تعريفات اللغة ليس صعبا، فلنلق نظرة على بعضها، وكل تعبير من التعبيرات التالية التي تدور حول اللغة سواء أكان مقصودا به أن يكون تعريفا أم لا يثير نقطة أو أكثر مما سيشغلنا فيما بعد، وهذه التعبيرات مأخوذة كلها من الأعمال الأساسية لمشاهير اللغويين، وإذا ما أخذت في مجموعها فسوف تقدم بعض الإشارات التمهيدية للخصائص التي يميل اللغويون -على الأقل- إلى الاعتقاد بضرورتها للغة. 1- تعريف سابير "Sapir"؛ "1921: 8": "اللغة طريقة إنسانية بحتة غير غزيزية لتواصل الأفكار والانفعالات والرغبات بواسطة الرموز المنتجة إنتاجا إراديا"، ويعاني هذا التعريف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 عيوب عديدة، فمهما شرحنا المصطلحات: فكرة وانفعالا، ورغبة إجمالا فمن الوضاح أن هناك كثيرا مما تنقله اللغة لا يدخل في إطار أي منها, كما أن مصطلح "فكرة" بصفة خاصة غير دقيق بشكل متأصل، ومن الناحية الأخرى توجد نظم كثيرة من الرموز المنتجة إراديا لا نعدها لغات إلا بالمعنى المجازي لكلمة لغة، فعلى سبيل المثال ما تشير إليه الآن بشكل شائع عبارة "لغة الجسد" -التي تستخدم الإيماءات، وحركات الجسم، وحركة العين ... إلخ- قد تبدو ملائمة لتعريف سابير، وما إذا كانت اللغة إنسانية بحتة غير غريزية يفتح -والحق يقال- مجالا للشك، غير أن القضية كما سنرى هي ما إذا كان من المناسب أن نصف اللغات بالإنسانية البحتة وبانتفاء الغريزية منها، وهذه هي النقطة الرئيسية التي تؤخذ على تعريف سابير. 2- تعريف بلوخ وتراجر "Trager, Bloch": ورد عن بلوخ وتراجر في كتابهما "Outline of Linguistic Analysis" التعريف التالي: "اللغة نظام اجتماعي من الرموز المنطوقة الاعتباطية تتعاون به مجموعة اجتماعية، ويلفت النظر في هذا التعريف أنه على العكس من تعريف سابير لا يعطي أي اهتمام للوظيفة الاتصالية إلا على نحو غير مباشر وعلى سبيل التضمن، وبدلا من ذلك يضع التأكيد كله على الوظيفة الاجتماعية وهو إذ يفعل ذلك -كما سنرى بعد- يأخذ وجهة نظر أكثر ضيقا للدور الذي تلعبه اللغة في المجتمع، ويختلف تعريف بلوخ وتراجر عن تعريف سابير من حيث إنه قدم خاصة العرفية، وحصر بشكل واضح اللغة في اللغة المنطوقة "الأمر الذي يجعل ثمة تناقضا في عبارة "اللغة المنطوقة"", ويستخدم مصطلح اعتباطية هنا استخداما خاصا إلى حد ما سنعود إليه مرة أخرى، وسنعود كذلك إلى قضية العلاقة التي تربط بين اللغة والكلام، ويتطلب كل ذلك أن يقال في هذه النقطة إنه يقدر ما تلقى اللغات الطبيعية من اهتمام فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 هناك علاقة وثيقة بين اللغة والكلام، ومنطقيا فإن الأخير "الكلام" يفترض سلفا الأول "اللغة" أي: إن المرء لا يستطيع الكلام دون استخدام اللغة "أي: بدون التكلم بلغة معينة"، لكن من الممكن أن يستخدم اللغة دون أن يتكلم، ومع ذلك فمن المسلم به أن اللغة مستقلة استقلالا منطقيا عن الكلام، وهناك مبرر جيد لأن تقول إنه في كل اللغات الطبيعية -كما نعرفها- أولوية تاريخية -وربما بيولوجية- للكلام على الكتابة، وهو ما يأخذ به معظم اللغويين. 3- تعريف هاله "Hall": ورد عن هاله في كتابه: "Essay on Language" التعريف الآتي: "اللغة نمط اجتماعي منظم يتواصل بها البشر ويتفاعل بها الواحد مع الآخر بواسطة الرموز الاعتباطية المسموعة - المنطوقة المعتاد استخدامها" وفيما بين النقاط التي نلاحظها هنا أولها على الإطلاق: حقيقة ورود كل من "التواصل"، و"التفاعل" في التعريف "ولفظة التفاعل أكثر شمولا من التعاون الواردة في التعريف السابق"، والثاني: إن مصطلح "مسموعة - منطوقة" يمكن أن يكافئ مصطلح "منطوقة" "ولا يختلف عنه إلا في إشارته إلى السامع والمتكلم على حد سواء "أي: إلى المرسل والمستقبل للرموز المنطوقة التي نتعرف عليها بوصفها أقوالا لغوية"، ويتعامل هامة مع اللغة- مثل سابير- على أنها نظام إنساني إنساني بحت، ومصطلح نمط اجتماعي منظم يوضح صراحة وجهة النظر إلى تذهب إلى أن اللغة التي يستخدمها مجتمع بعينه جزء من ثقافته، ومرة أخرى اختصت خاصة الاعتباطية من ضمن مجموعة الخصائص بملاحظة موجزة. وأكثر العناصر الواردة في تعريف هاله أهمية -رغم ذلك- استخدامه مصطلح "معتاد استخدامها" وثمة أسباب تاريخية لهذا الأمر فلقد تأثر كل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 علم اللغة، وسيكولوجية اللغة بنظريات السلوكيين في المثير والاستجابة تأثرا قويا حوالي ثلاثين عاما لا سيما في أمريكا، واكتسب مصطلح "عادة" في الإطار النظري للسلوكية دلالة خاصة إلى حد ما، وقد استخدم هذا المصطلح للإشارة إلى جوانب سلوكية يمكن تمييزها بالاستجابات التي تقابل مثيرات معينة كما يمكن التنبؤ بها إحصائيا، وكثير مما لا نعتقد فيه عادة أنه "عادة" يقع في إطار مصطلح السلوكيين، وكثير من الكتب الأساسية في علم اللغة تعكس هذا الاستخدام التخصصي إلى حد ما مع ما تختاره وتلزم نفسها -على الأقل- بشكل أو بآخر من أشكال نظرية المثير والاستجابة الخاصة بالسلوكيين فيما يتصل بالاستخدام اللغوي واكتساب اللغة، ومن المقبول الآن بشكل عام أن هذه النظرية إن لم تكن قابلة للتطبيق تماما فإمكانية تطبيقها محدودة للغاية في علم اللغة وسيكولوجية اللغة على حد سواء. ومن المفترض أن هاله يعنى باللغة "الرموز" الإشارات المنطوقة التي تنتقل بالفعل من المرسل إلى المستقبل في عملية الاتصال والتفاعل، وأصبح واضحا الآن أنه ليس هناك معنى لمصطلح "عادة" -بالمعنى التخصصي أو غير التخصصي- تكون أقوال اللغة فيه عادات أو مؤسسة من خلال العادات؟ وإذا كانت كلمة رمز لم تستخدم للدلالة على أقوال اللغة فحسب ولكنها استخدمت كذلك للدلالة على الكلمات والعبارات التي تكونها فإنه سيظل من الخطأ أن تتضمن أن المتكلم يستخدمها كلون من العادات في مناسبات خاصة بها، ومن أكثر الحقائق أهمية عن اللغة أنه لا توجد -بصفة عامة- علاقة بين الكلمات والسياقات التي تستخدم فيها للدرجة التي يمكن أن نتنبأ بذكر كلمات معينة -مثلما يمكن أن يتنبأ به عن السلوك المعتاد- من السياقات نفسها، فعلى سبيل المثال لا ننطق عادة قولا يتضمن كلمة طائر كلما وجدنا أنفسنا في موقف نرى فيه طائرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مع أنه أكثر السياقات مدعاة لذكر هذه الكلمة وعليه فإن اللغة كما سنرى بعد استجابة حرة. 4- تعريف روبنز "Robins" لم يقدم لنا روبنز "14.9: 1979a" تعريفا للغة مطابقا للمواصفات فقد كان على حق حين رأى أن مثل هذه التعريفات "تتجه نحو الابتذال وعدم الفائدة ما لم تفترض سلفا بعض النظريات العامة في اللغة وفي التحليل اللغوي" لكنه صنع قائمة من الحقائق البارزة "الواجب أخذها في الاعتبار لدى أية نظرية جادة وهادفة" وناقشها، وقد ذكر في الطبعات المتتابعة لهذا الكتاب القيم أن اللغة نظام من الرموز: يتأسس معظمها على العرف البحت أو الاعتباطي غير أنه أكد تأكيد خاصا على مرونة تلك الرموز وقابليتها للتغير والتكيف، وربما لم تكن هناك مخالفة منطقية بين الرأي الذي يذهب إلى أن اللغات نظم للعادة "مع تفسير العادة بالمعنى الخاص" والرأي الذي أوضحه روبنز، ونظام العادة -رغم كل ما يمكن إدراكه- يتغير عبر الزمن بما يتفق مع الاستجابة لتغير احتياجات مستخدميه، لكن مصطلح "عادة" ليس مصطلحا من المصطلحات التي نربطها عادة بالسلوك القابل للتعديل والتكيف، وسنكون في حاجة إلى التركيز على فكرة الممدودية غير المحدودة فيما بعد، وسنرى حينئذ أنه يجب أن نفصل بين ممدودية نظام ما وقدرته على التحوير وممدودية مخرجات هذا النظام وقدرتها على التحوير، ومن الأهمية كذلك أن ندرك أنه يقدر ما يلقى النظام من عناية فإن بعض أنواع الممدوية والتحويرية -نظريا- أكثر أهمية من غيرها، فعلى سبيل المثال حقيقة أن الكلمات الجديدة تدخل مجموعة مفردات لغة من اللغات في أي وقت من الأوقات أقل كثيرا في الأهمية من الناحية النظرية- من حقيقة أن الأبنية النحوية الجديدة يمكن أن تنشأ-وتنشأ- بمعنى الوقت، وأحد الموضوعات الرئيسية في علم اللغة ما إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 كانت هناك أية حدود لهذا النوع الأخير من إمكانية التحوير, وإذا كان الأمر كذلك فما هي تلك الحدود. 5- تعريف تشومسكي "Chomsky": والتعريف الأخير الذي نقتبسه هنا يثير ملاحظة مختلفة تماما: "من الآن سأعتبر اللغة مجموعة "محدودة أو غير محدودة" من الجمل، كل جملة محدودة من حيث الطول وتتركب من مجموعة محدودة من العناصر" وهذا التعريف مأخوذ من كتاب تشومسكي "Syntactic Structures" الذي أحدث لشره الحركة التي عرفت باسم النحو التحويلي، ويقصد هذا التعريف -بخلاف التعريفات السابقة- تغطية جوانب كثيرة من اللغات الطبيعية، غير أن اللغات الطبيعية كلها- تبعا لتشومسكي- في صورتها المكتوبة والمنطوق لغات حسب تعريفه ما دام لكل لغة طبيعية عدد محدود من الأصوات "وعدد محدود من الحروف الأبجدية على افتراض أنها ذات نظام ألفبائي للكتابة"، وطالما أمكن تمثيل الجمل فيها -والتي ربما كانت غير محدودة- بتتابعات محدودة من هذه الأصوات "أو الحروف"، ومهمة اللغوي أن يصف لغة طبيعية ما حتى يمكن التمييز بين العناصر المتتابعة المحدودة التي يمكن اعتبارها جملة والتي لا يمكن اعتبارها كذلك، وهي أيضا مهمة اللغوي النظري الذي يفسر سؤال: "ما اللغة؟ " كما لو أن معناه: "ما اللغة الطبيعية؟ " ليكتشف -إن استطاع- الخصائص البنيوية -إن وجدت- التي تتميز بها اللغة الطبيعية عن تلك التي تقابلها وتسمى لغة غير طبيعية. وما اعتقده تشومسكي وأكد عليه بشكل متزايد في عمله الأخير ليس حقيقة وجوده هذه الخصائص البنيوية فحسب، ولكن كونها تجريدية ومعقدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 كذلك، وأنها خاصة بدرجة عالية لأداء أغراضها حتى إنه قد لا يمكن بدء تعلمها بعد الفترة التي يواجه فيها الطفل الصغير مشكلة اكتساب لغته القومية ويجب أن تكون معروفة للطفل بدرجة ما بشكل سابق عن خبرته بأي لغة طبيعية ومستقل عنها، ومستخدمة منه في عملية اكتساب اللغة، ولهذا يتمسك تشومسكي بوجهة النظر هذه حتى إنه ليصف نفسه بأنه عقلاني أكثر منه تجريبي، وسنعود مرة أخرىإلى هذا القضية "انظر 7 - 4". وتعريف تشومسكي اللغة المقتبس هنا يختلف كثيرا عن التعريفات الأخرى من حيث المحتوى والأسلوب، فهو لا يذكر شيئا عن الوظيفة الاتصالية الخاصة باللغات الطبيعية واللغات غير الطبيعية، ولم يذكر شيئا عن الطبيعية الرمزية لعناصرها أو لتتابعاتها، وغايته أن يركز الانتباه على الخصائص البنيوية البحتة للغات وعلى فكرة أن هذه الخصائص يمكن أن تبحث بطريقة واضحة وضوح الرياضيات، وإسهام تشومسكي الرئيسي في علم اللغة أنه أعطى تأكيدا خاصا على ما يطلق عليه تبعية البنية "dependence strueture العمليات التي تتركب من خلالها الجمل في اللغات الطبيعية، وأنه صاغ نظرية عامة في النحو تأسست على تحديد خاص لهذه السمة "أنظر: 4 - 6". والتعريف الخامس الذي اقتبسناه من قبل وناقشناه باختصار يعمل على إدخال بعض الخصائص التي جعلها بعض اللغويين سمات جوهرية للغات التي تعرفها، ويتبنى معظم اللغويين وجهة النظر التي تذهب إلى أن اللغات نظم من الرموز التي صممت لغرض الاتصال، وهو ما سنراه في القسم المعنون بوجهة نظر سيمولوجية، وعلم الإشارة كما سنرى فرع علمي يختص ببحث السلوك الرمزي والاتصال، والقضية التي تعنينا في هذه النقطة ما إذا كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 هناك خاصة بسيطة أو مجموعة من الخصائص التي تميز اللغات الطبيعية عن النظم الإشارية الأخرى، وبعض الخصائص التي ذكرناها هنا- الاعتباطية والمرونة، والقدرة على التحوير، والتحرر من تحكم الإثارة، وتبعية البنية، وستضاف إلى هذه الخصائص خصائص أخرى في سياقها المناسب1 وسنتناول العلاقة بين اللغة والكلام في "1 - 4".   1 أضاف دافيد كريستال في "المعجم الأساسي لعلم اللغة وعلم الأصوات" خاصة أخرى للغة الإنسانية وهي إمكانية التعلم وتشير إلى أن أي لغة يمكن من حيث المبدأ أن يكتسبها أي طفل عادي متى أخذ فرصته لذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ثالثا: السلوك اللغوي والنظم اللغوية قد حان الوقت -على كل حال- لرسم المميزات الضرورية للمعنى الواقع في إطار مصطلح لغة، وقد سبق لي أن أشرت إلى الفارق بين اللغة بصفة عامة "وهو ما يشير إليه المصطلح الفرنسي "Langage"" واللغة المعينة "وهو ما يشير إليه المصطلح الفرنسي "Langue""، وبالمثل نجد الصفة من هذا المصطلح لغوي1 "Linguistie" غامضا كذلك "حتى عندما يكون من الممكن تعلقه باللغة أكثر من علم اللغة" فعلى سبيل المثال عبارة "القدرة اللغوية" التي استخدمها تشومسكي، وتابعه آخرون للإشارة إلى اتقان شخص ما للغة   1 يمكن أن يستخدم هذا الوصف على النحو التالي: 1- الصفة من كلمة "لغة" "Language"كما في الفلسفة اللغوية "Linguistic philosophy"والمهارة اللغوية "Linguistic skill"والأقلية اللغوية "Linguistic minority". 2- الصفة من "علم اللغة" "Linguistics" وذلك كما في التحليل اللغوي "Linguistic & ualysis"والحدس اللغوي "Linguistic intuition"، والأطلس اللغوي "Linguistic atlae" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ما تعني في الإنجليزية الدارجة -بالإضافة إلى الدلالة التي يقصدها تشومسكي وأتباعه- القدرة أو السهولة التي يمتلكها شخص ما لاكتساب اللغة عموما وليس لاكتساب لغة بعينها "وعندما تستخدم كلمة لغة استخداما وصفيا في الأسماء المركبة تخضع للنوع نفسه من الغموض انظر: القدرة اللغوة: "Language competence" واكتساب اللغة "Language acquisition" ومن المعتاد ألا يكون لهذا اللبس أثر إذ يتحدد وفقا للسياق وسأفصل بين المعنيين كلما كان ذلك ضروريا. وحتى تستخدم لغة واحدة بعينها دون لغة أخرى عليك أن تسلك طريقا دون آخر، وكل من اللغة -عموما- واللغات المعينة يمكن أن ينظر إليها على أنها سلوك أو نشاط بعض هذا السلوك أو النشاط- على الأقل- يمكن ملاحظته وتعرفه بوصفه سلوكا لغويا ليس من قبل المراقبين المشاركين "أي: المتكلمين والمستمعين بقدر ما نحصر اهتمامنا في اللغة المنطوقة" فحسب، ولكن أيضا من قبل المراقبين غير المشاركين حينئذ في ذلك السلوك الاتصالي المشترك على وجه الخصوص، وفوق هذا فإن جوهر السلوك اللغوي ينبغي أن يكون بصفة عامة إن لم يكن في كل مناسبة هو الاتصال، وقد يكون من الممكن للمراقبين من الخارج أن يتعرفوا موضوع السلوك اللغوي حتى لو لم يكونوا على معرفة باللغة المعينة المستخدمة ولم يكن في مقدورهم تفسير الأقوال التي تعد نتاج السلوك موضع الملاحظة. إذن يمكن أن ينظر إلى اللغة -وبشكل مبرر بما فيه الكفاية- من وجهة نظر سلوكية "وليست بالضرورة هي وجهة نظر المدرسة السلوكية"، غير أن اللغة -عموما- واللغات المعينة يمكن أن ينظر إليها من زاويتين أخريين على الأقل، ترتبط إحداهما بالتحديد الاصطلاحي الذي رسمه تشومسكي فيما بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 القدرة، والأداء، وترتبط الأخرى بمميز يختلف إلى حدما رسمه دي سوسير في اللغة الفرنسية مع مطلع هذا القرن بين اللغة "Langue" والكلام "parole" وعندما نقول: إن أحد الأفراد يتكلم الإنجليزية فإننا نعني أحد أمرين: إما أنه يشترك عادة أو عرضا في هذا النوع المعين من السلوك أو أن لديه القدرة على الاشتراك في هذا النوع "سواء أكان يستخدمها أم لا"، ونشير إلى الأمر الأول بما يسمى الأداء ونشير إلى الأمر الثاني بما يسمى القدرة، ونستطيع أن نقول إن الأداء يفترض سلفا القدرة بينما لا تفترض القدرة سلفا الأداء، مع افتراض أن التمييز بين القدرة والأداء متفق عليه نسبيا، وتنسب نقطة أخرى لتشومسكي إذ مهما فسرنا بشكل إجمالي مصطلح "القدرة اللغوية" فمن الواجب أن نلاحظ أن السلوك اللغوي لأشخاص معينين في مناسبات معينة يحدده عوامل أخرى علاوة على القدرة اللغوية، وهناك الكثير ممن تناوله تشومسكي بالشرح المفصل لفكرة القدرة اللغوية تختلف حوله الآراء اختلافا بعيدا، غير أن هذا لا يعنينا في الوقت الحاضر "انظر 7 - 4"، ويكفي هنا أن نذكر -تبعا لتشومسكي- أن اللغوي لا يصف عند وصفه لغة معينة الأداء "أي: السلوك" بل يصف القدرة الخاصة بالمتكلمين بها، وبقدر ما تكون هذه القدرة لغوية بحتة يرتكز عليها آداؤهم ويصبح ممكنا من خلالها، فالقدرة اللغوية لشخص ما هي معرفته بلغة معينة، ومن هنا كان اهتمام علم اللغة بتمييز المحددات الخاصة بالقدرة اللغوية وتقديم تفسير نظري مقنع لها، وهو ما يصنف تبعا لتشومسكي إلى فرع علم النفس المعرفي. والمميز بين اللغة "Langue" والكلام "Parole" -كما رسمه دي سوسير لأول مرة- يشمل عددا من المميزات المستقلة بشكل مقنع، وأكثر هذه المميزات أهمية ما يميز بين ما هو موجود بالقوة وما هو موجود بالفعل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 جهة وبين ما هو اجتماعي وما هو فردي من جهة أخرى "انظر: 7 - 3"، وما أسماه دي سوسير لغة "Langue" هو أي لغة معينة تكون ملكية مشتركة لكل أفراد جماعة لغوية معينة "أي: لكل أولئك المسلم بأنهم يتكلمون اللغة نفسها"، والمصطلح الفرنسي "Langue" -وهو كما رأينا- مصطلح بسيط من تلك الكلمات المعتادة التي تحمل معنى اللغة يترك عادة بلا ترجمة في اللغة الإنجليزية عندما يستخدم استخداما اصطلاحيا حسبما عناه دي سوسير، وسأدخل مصطلح النظام اللغوي بديلا عنه وسوف نجعله مقابلا للسلوك اللغوي على الأقل من حيث المبدأ فيما يتصل بثنائية دي سوسير: اللغة والكلام، والنظام اللغوي ظاهرة اجتماعية أو نمط اجتماعي منظم وهي في حد ذاتها تجريدية بحتة ليس له وجود فيزيائي لكنه يتحقق في مناسبات معينة في السلوك اللغوي لأفراد الجماعة اللغوية وعليه فإن ما يسميه تشومسكي القدرة اللغوية لا ينطبق بسهولة كافية على النظام اللغوي بل ينطبق على معرفة المتكلم العادي للنظام اللغوي، غير أن دي سوسير أعطى تأكيدا خاصا للطابع الاجتماعي في النظام اللغوي، ولذلك اعتقد أن علم اللغة أكثر ارتباطا بعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي منه بعلم النفس المعرفي، وقد أخذ بوجهة النظر هذه كثير من اللغويين الآخرين، ومع ذلك يتمسك غيرهم بأن النظم اللغوية يمكن بل يجب أن تدرس دراسة مستقلة عن متعلقاتها الاجتماعية والسيكولوجية، وسنعود إلى هذه النقطة في الفصل الثاني ودعنا الآن نذكر ببساطة أنه عندما نقول إن اللغوي يهتم باللغة فإننا نعني ضمنا أنه يهتم أساسا ببنية النظم اللغوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 رابعا: اللغة والكلام من المبادئ الأساسية لعلم اللغة الحديث أن اللغة المنطوقة أساسية أكثر من اللغة المكتوبة، ورغم ذلك فإنه لا يعني أن اللغة تطابق الكلام فمن الواجب أن يقيم حدا فاصلا بين الإشارات اللغوية والأداة التي تتحقق من خلالها تلك الإشارات، لذلك فإنه من الممكن أن نقرأ بصوت مرتفع ما هو مكتوب ومن الممكن كذلك أن نكتب ما نقوله ويستطيع المتكلمون المثقفون من أبناء اللغة أن يخبرونا -بصفة عامة- عما إذا كانت عملية تحويل الإشارات اللغوية من وسيلة إلى أخرى قد تمت بطريقة سليمة أم لا، وبقدر حرية اللغة في اتخاذ الوسيلة التي تتحقق من خلالها إشارتها اللغوية سنذهب إلى أن اللغة لها خاصة إمكانية تغيير الوسيلة، وهذه الخاصة ذات أهمية قصوى ولا تتطلب من المرء سوى اهتمام ضئيل في مجال مناقشتنا لطبيعة اللغة، وهي خاصة تعتمد -كما سنرى- على خصائص أخرى وتسهم معها في مرونة النظم اللغوية وقدرتها على التكيف. إذن كيف تعد اللغة المنطوقة أساسية أكثر من اللغة المكتوبة؟ ولماذ يميل كثير من اللغويين إلى اعتبار أهم الخصائص الواضحة للغات الطبيعية كونها نظما إشارية متطوقة؟ أول هذه الأسباب أن اللغويين رأوا أن من واجبهم تصحيح التحيز الموجود في النحو التقليدي والتعليم التقليدي للغة، فحتى وقت قريب كانت معظم عناية النحويين تكاد تقتصر على لغة الأدب، ويحصل الكلام العامي الدارج على قليل من الاهتمام، وقد كانوا جميعا -عادة- يتعاملون مع معايير الاستخدام الأدبي على أنها معايير الصواب للغة ذاتها، وكانوا يدينون الاستخدام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الدارج فهو بقدر ما يختلف عن الاستخدام الأدبي غير صحيح نحويا أو وضيع أو حتى غير منطقي، وقد حدث تقدم كبير في القرن التاسع عشر في إطار بحث التطور التاريخي للغات، فقد أدرك العلماء بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل أن التغييرات في لغة النصوص المكتوبة في مراحل مختلفة -تغييرات مثل التي تمت عبر القرون لتحول اللغة اللاتينية إلى اللغات الفرنسية أو الإيطالية أو الإسبانية- يمكن على سبيل المثال أن تتضح من خلالها التغييرات التي حدثت في اللغة المنطوقة الناظرة للغة النصوص المكتوبة، واستمرارية اللغة الواحدة عبر الزمن وفي المكان الواحد غامض إلى حد بعيد في النصوص المكتوبة في الزمن الماضي والتي جاءتنا عبر الاتجاه المحافظ لتقاليد النساخ في ثقافات عديدة كما جاءتنا عبر الاستخدام المستمر في فترات زمنية طويلة في الوثائق الدينية والقانونية وفي الأدب بأسلوب الكتابة العتيق إلى حد بعيد، وكل اللغات الأدبية العظمى في العالم أخذت -في النهاية- من اللغة المنطوقة لجماعات معينة، وأكثر من ذلك فإنه من قبيل المصادفة التاريخية أن يكون استخدام منطقة أو طبقة اجتماعية أساسا لتطور اللغة الأدبية المشتركة في مجتمعات بعينها، ونتيجة لذلك ينظر الآن للهجات المناطق الأخرى أو الطبقات الاجتماعية الأخرى على أنها كما تكون عادة أقل مرتبة أو دون مستوى اللغة المشتركة أو على أنها أشكال مختلفة للغة، وهو ما يشكل دعامة للانحياز التقليدي في تفضيل اللغة المشتركة في شكلها المكتوب لدرجة تجعل من العسير على اللغوي أن يقنع غير المتخصصين بحقيقة أن اللهجات غير المشتركة -بصفة عامة- ليست أقل نظاما أو اطرادا من اللغات الأدبية المشتركة، وأن لتلك اللهجات معايير الصواب الخاصة بها الكامنة في استخدام متكلميها الأصليين، وأول المهام التي تواجه دارسي علم اللغة، وأكثرها صعوبة أن يكتسبوا القدرة على أخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 اللغة المنطوقة في الاعتبار في عباراتها الخاصة بها دون الاعتقاد في أن نطق كلمة أو عبارة يحددها أو يجب أن يحددها هجاؤها. والرغبة في إعادة التوازن من حيث تعاطف البحث المحايد مع الكلام واللغة المنطوقة لا تحقق -بطبيعة الحال- تبني مبدأ أن اللغة المنطوقة أكثر أساسية -وليس ببساطة لا تقل أساسية- عن اللغة المكتوبة، لكن ماذا تعني كلمة أساسية هنا؟ الأولوية التاريخية للكلام على الكتابة لا تفسح مجالا للشك، ولا نعرف أن هناك مجتمعا موجودا أو كان موجودا يوما ما لم تكن لديه القدرة على الكلام، وعلى الرغم من أن اللغات كما نراها اليوم في معظم أنحاء العالم إما مكتوبة أو منطوقة فإن الأغلبية العظمى من المجتمعات كانت إلى وقت قريب أمية تماما أو تسود فيها الأمية، ومع ذلك فالأولوية التاريخية أقل أهمية من الأنواع الأخرى للأولويات التي يتضمنها مصطلح أساسية في هذا السياق وهي الأولوية البنيوية، والأولوية الوظيفية، والأولوية البيولوجية التي يمكن إثباتها. ويمكن أن تشرح الأولوية البنيوية للغات المنطوقة كما يلي: إننا إذا أهملنا -لحظة- أية اختلافات في الأسلوب يمكن أن توجد بين اللغتين المتناظرتين المكتوبة والمنطوقة، وافترضنا أن كل جملة منطوقة مقبولة يمكن أن تتحول إلى جملة مكتوبة مقبولة، وبالعكس لما كان لدينا سبب يدعونا إلى التفكير في أيهما قد أُخِذ من الآخر إلا أن يكون الأمر حقيقة تاريخية، وتعتمد بنية الجمل المكتوبة على مميزات شكلية يمكن تحديدها، وتعتمد بنية الجمل المنطوقة على مميزات صوتية يمكن تحديدها، وفي الحالة المثلى نظريا الخاصة بالتناظر المباشر الذي يربط بين الجمل المنطوقة والجمل المكتوبة فإن كل جملة مكتوبة ستكون متماثلة في الشكل "أي: لها البنية الداخلية نفسها" مع الجملة المنطوقة المناظرة لها، فعلى سبيل المثال إذا كانت الجمل المكتوبة تستخدم نظام الكتابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 الألفبائي فإن حروفا معينة ستقف في حالة تناظر مع أصوات معينة، وستقف مجموعات معينة من الحروف باعتبارها كلمات أو عبارات في حالة تناظر مباشر مع مجموعات معينة من الأصوات، ولا تحوز كل مجموعة من الحروف القبول كما لا تحوز كذلك كل مجموعة من الأصوات القبول، لكن هناك اختلافا هاما بين الحروف والأصوات في هذا الشأن، فالإمكانيات التي تستخدمها الأصوات في لغة معينة ليرتبط صوت بآخر تعتمد اعتمادا جزئيا على خصائص الوسيلة نفسها "تراكيب معينة من الأصوات لا يمكن نطقها أو من العسير نطقها"، وتعتمد جزئيا على تقييدات أكثر خصوصية تتعلق بتلك اللغة وحدها، وإمكانيات الحروف في ربط حرف بآخر لا يمكن التنبؤ بها بشكل كامل من خلال أشكالها، ومع ذلك يمكن التنبؤ إلى حد ما بها في كل اللغات التي تستخدم نظام الكتابة الألفبائي من خلال ارتباط أشكال معينة بأصوات معينة ومن خلال إمكانية ارتباط صوت بآخر في الكلام، لذلك فإنه -فيما يتصل بهذا الموضوع- تكون اللغة المنطوقة أكثر أساسية من الناحية البنيوية من اللغة المكتوبة حتى لو كان ثمة تشاكل -على الأقل في النموذج النظري- على مستوى تلك الوحدات الأوسع كالكلمات والعبارات، ويجب أن يلاحظ أن هذه النقطة لا تتعلق باللغات التي تستخدم نظاما للكتابة لا ترتبط فيه أشكال معينة بأصوات معينة ولكنها ترتبط بالكلمات، فهي لا تتعلق على سبيل المثال باللغة الصينية الكلاسيكية المكتوبة بخصائصها التقليدية كما لا تتعلق باللغة المصرية القديمة المكتوبة بالهيروغليفية، ويرجع ذلك -بشكل عام- إلى عدم وجود أولوية بنيوية للغة المنطوقة على اللغة المكتوبة، أما في اللغة الصينية فإن اللغة المكتوبة الواحدة تناظر اللهجات المنطوقة التي تتميز الواحدة عن الأخرى تميزا كبيرا، ولا يمكن لأبناء هذه اللهجات أن يفهم بعضهم بعضا إلى حد كبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 والأولوية الوظيفية أكثر سهولة في شرحها وفهمها فحتى يومنا هذا وفي أكثر المجتمعات البيروقراطية والصناعية الحديثة تستخدم اللغة المنطوقة في نطاق من الأغراض أكثر اتساعا مما تستخدم فيه اللغة المكتوبة، ولا تستخدم الكتابة بديلا وظيفيا للحديث إلا في المناسبات التي يستحيل فيها الاتصال المنطوق المسموع أو ينعدم تأثيره أو الاعتماد عليه، وأمكن بفعل اختراع الهاتف والمسجل أن تستخدم اللغة المنطوقة في الحالات التي كان يتوجب فيها استخدام اللغة المكتوبة في الماضي, إذ كانت تستخدم للاتصال الذي يعتمد على البعد، وفي حفظ الوثائق القانونية والدينية والتجارية التي اخترعت الكتابة أصلا لها, وحقيقة أن النصوص المكتوبة استخدمت لمثل هذه الأغراض الهامة عبر التاريخ وكانت أوثق وأكثر دواما من الأقوال المنطوقة "أو أنها كانت كذلك قبل تطور الوسائل الحديثة لتسجيل الصوت" أسهمت في اتخاذ اللغة المكتوبة شكلا رسميا ومكانة أعظم في كثير من الثقافات. ونأتى الآن إلى مسألة أكثر إثارة للجدل وهي الأولوية البيولوجية فهناك الكثير مما يدعو إلى الاعتقاد بأن الكائنات الإنسانية مبرمجة مقدما على نحو وراثي ليس لاكتساب اللغة فحسب ولكن أيضا لإنتاج الأصوات اللغوية, وإدراكها وهو ما يعد جزءا من العملية ذاتها، ومن الواضح أن ما يشير إليه اللغوي -بشكل عام- بأعضاء النطق: الرئتان، والوتران الصوتيان، والأسنان، واللسان ... ... .. إلخ كل هذه الأعضاء تؤدي وظائف بيولوجية أكثر أساسية من وظيفة إنتاج الإشارات المنطوقة فمما لا جدال فيه أن الرئتين تستخدمان في التنفس، وأن الأسنان تستخدم في طحن الطعام ... وهلم جرا، ويبدأ كل الأطفال، وعمرهم شهور قليلة في البأبأة "ما لم يعانوا من عدم القدرة الطبيعية أو من بعض العوائق العقلية" والبأبأة التي تشتمل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 إنتاج سلسلة من الأصوات أوسع مما قد تجده في كلام أولئك الذين يتصل بهم الأطفال لا يمكن تفسيرها بتقليد الطفل للأصوات التي يسمعها من حوله كالببغاء، وأكثر من ذلك فمن الممكن أن نبرهن بالتجربة أن الأطفال في مقدورهم وهم في الأسابيع الأولى من حياتهم أن يميزوا بين أصوات اللغة والأصوات الأخرى، وأنهم على استعداد لأن يعطوا انتباههم لها، أما الكائنات العليا التي تقترب من الإنسان فرغم أن لها أجهزة فسيولوجية تشبه ما للإنسان فإنها لا تبدو على نفس الاستعداد لإنتاج الأصوات الإنسانية أو تمييز خصائصها وربما كان ذلك السبب الرئيسي وراء فشل تعليم الشمبانزي اللغة المنطوقة بينما تحقق قدر كبير من النجاح في تعليمها لغات أو نظم شبيهة باللغات إشاراتها تنتجها اليد وتفسرها العين "ومعروف الآن أن جماعات الشمبانزي تتواصل فيما بينها في بيئاتها الطبيعية من خلال الإشارات الإيمائية والإشارات المنطوقة وتبدو الإشارات الإيمائية أكثر تمييزا وثراء من النداءات المنطوقة انظر: "1 - 7" وأخيرا فإن هناك حقيقة مؤداها أنه بعد فترة الطفولة يكون نصفا مخ الإنسان مختلفين من الناحية الوظيفية فيسيطر أحد نصفي المخ الإنساني على القيام بعمليات معينة، والجانب الأيسر من المخ عند أغلب الناس هو الذي يقوم بمعالجة الإشارات اللغوية وهو أفضل من النصف الأيمن من حيث معالجة الأصوات اللغوية لا الأنواع الأخرى من الأصوات. وشاهد من هذا النوع على الرغم من أنه غير قاطع إلا أنه مثير للتفكير بدرجة عالية فتبعا لأحد الافتراضات المقنعة تطورت اللغة الإنسانية -في بعض المراحل الخاصة بتطور الجنس البشري- من نظام اتصالي إيمائي أكثر منه نطقي، وثمة أسباب عديدة وراء احتمال حدوث ذلك وبغض النظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 عن صحة هذا الافتراض فإن الشاهد الذي ورد مختصرا في الفقرة السابقة يشير إلى أنه فيما يتصل بالإنسان في حالته الراهنة من التطور النشوئي تعد الأصوات وبالأخص سلسلة الأصوات المسموعة التي يمكن أن تنتجها أعضاء النطق الإنسانية الوسيلة الطبيعية أو الأساسية من الناحية البيولوجية التي تتحقق بها اللغة، وإذا كان الأمر كذلك فهناك مبرر للغويين ليس لاستخدامهم مصطلح أعضاء النطق فحسب، ولكن أيضا لافتراضهم علاقة ليست عارضة بين اللغات والكلام. ورغم ذلك تظل حقيقية وجود اختلاف بين الأولوية البيولوجية والمنطقية وكما أكدنا من قبل فإن للغة درجة عالية من قابلية التحول في الوسيلة، وفي المجرى المعتاد للأحداث يكتسب الأطفال إتقان اللغة المنطوقة اكتسابا طبيعيا "أي: بفضل الموهبة الطبيعية البيولوجية وبدون تدريب خاص" أما القراءة والكتابة فكلتاهما مهارة خاصة يكتسبها الأطفال من خلال برامج تعليمية تعتمد عل المعرفة السابقة باللغة المنطوقة، ورغم ذلك فإن الكبار وليس الأطفال وحدهم في استطاعتهم أن يكتسبوا القراءة والكتابة دون صعوبة مفرطة، ومن الممكن إلى حد بعيد -رغم أنه ليس معتادا- أن يتعلم المرء اللغة المكتوبة دون معرفة مسبقة باللغة المنطوقة المرتبطة بها، ومن الممكن كذلك أن يتعلم المرء نظما اتصالية من الإشارات الإيمائية التي لا تعتمد على اللغة المنطوقة كما لا تعتمد على اللغة المكتوبة، وذلك مثل بعض النظم التي يستخدمها الصم والبكم، وإذا كان من الممكن أن نكتشف مجتمعا يستخدم نظاما اتصاليا كتابيا أو إيمائيا له كل الخصائص المميزة للغة لكنه لم يتحقق أبدا من خلال الوسيلة المنطوقة فإننا بالتأكيد سنشير إلى هذا النظام الاتصالي على أنه لغة، لذلك يجب ألا يؤكد المرء كثيرا على الأولوية البيولوجية للكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وعلاوة على ذلك فإنه عندما نصل إلى قضية وصف لغات بعينها فإن هناك مبررا جيدا لتعامل اللغوي مع اللغتين المتناظرتين المكتوبة والمنطوقة على أنهما متماثلتان في الشكل بدرجة أو بأخرى، فالتطابق التام لا يكون إلا في النموذج النظري -كما قلنا من قبل- فلم يخترع بعد نظام للكتابة يمدنا بما يمثل كل الخصائص المميزة للكلام "بخلاف نظم الكتابة الصوتية التي صاغها علماء الأصوات لهذا الغرض وحده" ويتبع ذلك أن هناك -بشكل عام- طرقا عديدة مختلفة لنطق الجملة الواحدة المكتوبة، وتختلف هذه الطرق من حيث النبر، والتنغيم ... إلخ، وتؤدي علامات الترقيم واستخدام الحروف المكتوبة بالخط المائل والحروف الاستهلاكية الكبيرة التي تبدأ بها الجملة كثيرا مما يقوم به النبر والتنغيم في اللغة المنطوقة من أغراض غير أن الأولى لا تستطيع أن تمثل الأخيرة تمثيلا كافيا، ويجب أن تأخذ حقيقة أنه يوجد دائما اختلاف بنيوي، ووظيفي بين اللغتين المنطوقة والمكتوبة التي تناظر الواحدة منهما الأخرى تقديرا مناسبا كذلك، ويتنوع مدى الاختلاف -لأسباب تاريخية وثقافية- من لغة إلى أخرى، ففي اللغة العربية واللغة التأميلية -على سبيل المثال- نرى الاختلاف من حيث المعجم والقواعد النحوية كبيرا الغاية، وهو أقل وضوحا في اللغة الإنجليزية غير أنه حتى في اللغة الإنجليزية توجد كلمات وعبارات وتراكيب نحوية نشعر أنها عامية للغاية بالنسبة للغة المكتوبة "مثل: "Load of old cobbe"" أو بالعكس أدبية للغاية بالنسبة للغة المنطوقة" مثل: "any arrangements made heretofore sorwithstandigo" ويكشف المصطلحان: عامي وأدبي أمورا، فهناك فاصل واضح -من حيث المبدأ- بين العامي والمنطوق من ناحية، وبين الأدبي والمكتوب من ناحية أخرى، وهذا الفاصل من الصعوبة المحافظة عليه عند التطيق، وبخصوص بعض اللغات لا يثير الفاصل المميز بين وسيلة وأخرى "الكتابة في مقابل النطق"، ولا الاختلافات الخاصة بالأسلوب "العامي في مقابل الأدبي" اهتماما كبيرا، وكذلك الأمر في الفاصل المميز بين الاختلافات في الوسيلة، والاختلافات في اللهجة "المشتركة في مقابل غير مشتركة .... إلخ"، والافتراض النظري للتماثل في الشكل بين اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة جزء لا يتجزأ مما سيشار إليه فيما بعد بتصور التجانس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 خامسا: وجهة نظر سيميولوجية وصفت السيميولوجية وصفا متنوعا على أنها علم الإشارات أو أنها السلوك الرمزي أو أنها النظم الاتصالية، وثمة مناقشات كثيرة في إطار السيميولوجية تتعلق بالاختلاف بين الإشارات والرموز والعلامات، وبمجال مصطلح الاتصال1، ولأغراضنا الراهنة سنعتبر السيميولوجيا تتعلق بنظم الاتصال، وسوف نفسر مصطلح "اتصال" تفسيرا مجملا إلى حد ما بحيث لا يتضمن بالضرورة اتجاها نحو تقديم معلومات، ولا يكون ذلك إذا فسرنا المصطلح بالطريقة التي يمكن للمرء أن يتكلم عن الاتصال الحيواني دون أن يبدأ ببعض القضايا الفلسفية المثيرة للجدل. وثمة تصورات معينة تتصل بالبحث في كل النظم الاتصالية الإنسانية وغير الإنسانية، الطبيعية والصناعية، فالإشارة تمر من المرسل إلى المستقبل "أو مجموعة   1 الاتصال Communication فكرة أساسية في دراسة السلوك تعمل إطارا مرجعيا للدراسات اللغوية والصوتية ويشير الاتصال إلى انتقال رسالة بين المرسل والمستقبل باستخدام نظام إشاري، وفي السياق اللغوي يكون المرسل والمستقبل هما المتكلم والمستمع ويكون النظام الإشاري اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 من المستقبلين" وتأخذ الإشارة شكلا معينا وتحمل معنى معينا "أو رسالة"، والعلاقة بين شكل الإشارة ومعناها يؤسسها ما يعرف بشكل شائع في السيميولوجيا بالشفرة "بالمعنى العام إلى حد ما للمصطلح" فالرسالة يرمز لشفرتها المرسل ويحل شفرتها المستقبل. وتعد اللغات الطبيعية -من وجهة النظر هذه- شفرات، ويمكن مقارنتها بالشفرات الأخرى من جميع النواحي: من ناحية قناة الاتصال التي تمر من خلالها الإشارات، ومن ناحية شكل الإشارات أو بنيتها، ومن ناحية نوع الرسائل التي يمكن أن يرمز لشفرتها أو مجالها وهلم جرا، وتقبع المشكلة في تحديد خصائص الشفرات أو النظم الإشارية التي تعمل من خلالها والتي لها أهميتها فيما تهدف إليه عملية المقارنة، وتلك التي لا أهمية لها أو التي هي أقل أهمية، ويجعل هذه المشكلة أكثر تعقيدا أن الكثير من هذه الخصائص التي يمكن أن يختارها المرء باعتبارها خصائص حاسمة يمكن تدرجها، ولهذا فإنه ربما كان مهما للغاية أن نقارن الشفرات من خلال درجة وجود الخاصة المشتركة وليس ببساطة من خلال وجودها أو عدمه والمقارنات السخيفة إلى حد بعيد التي تعقد بين اللغات ونظم الاتصال التي تستخدمها أجناس معينة من الطيور والحيوانات تقوم -على أساس اختيار خصائص معينة- باستبعاد الخصائص الأخرى وتفشل في أن تولي اهتماما بإمكانية تدرج الخصائص. وبقدر ما تلقى قناة الاتصال من اهتمام تكون الحاجة إلى الكلام ضئيلة سوى أن اللغة -بخلاف الشفرات التي تستخدمها كثير من الحيوانات إن لم تكن جميعها- تتميز بدرجة عالية إلى حد بعيد بوجود خاصة قابلية التحول في الوسيلة فيها، وقد تناولنا هذه النقطة في القسم السابق، ومفهوم الوسيلة ومفهوم القناة -بالطبع- مرتبطان ارتباطا وثيقا من حيث إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 خصائص الوسيلة مأخوذة من خصائص القناة الطبيعية للتوصيل، ومع هذا فإنه من الأهمية أن نميز بين المفهومين فيما يتصل باللغة، فكلتا اللغتين المنطوقة والمكتوبة يمكن أن تنتقل عبر قنوات اتصال متنوعة، وعندما نستخدم مصطلح "وسيلة" أكثر من "قناة" فإننا لا نعنى بالمرور الفعلي للإشارات في مناسبات معينة، ولكننا نعنى بالاختلافات الوظيفية والبنيوية المصوغة في صورة نظام والتي تميز بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، وذلك على الرغم من أن المفارقة قد تبدو من الوهلة الأولى في أن اللغة الإنجليزية المكتوبة يمكن أن تنتقل عبر القناة المسموعة المنطوقة "أي: بواسطة الكلام"، واللغة الإنجليزية المنطوقة يمكن أن تنتقل عن طريق الكتابة "على الرغم من أن ذلك غير مرض إلى حد بعيد في الكتابة الهجائية المعتادة". وربما كانت أكثر خصائص اللغة لفتا للأنظار عند مقارنتها بالشفرات أو بنظم الاتصال مرونتها، وتعدد استعمالاتها، فنحن نستخدم اللغة للتعبير عن انفعالاتنا، ومشاعرنا، أو لكي نلتمس تعاون رفاقنا، أو لكي نصوغ وعودنا ووعيدنا، أو لكي نصدر أوامرنا، أو نوجه أسئلتنا أو لنصوغ أحكامنا، ويمكننا أن نشير إلى الماضي، وإلى الحاضر، وإلى المستقبل وإلى الأشياء البعيدة عن سياق القول وحتى إلى تلك الأشياء التي لا حاجة لوجودها ولس من الممكن إيجادها، وليس هناك نظام اتصال خاص بالإنسان أو بغير الإنسان يبدو أن له شيئا ما يشبه هذه الدرجة من المرونة وقابلية التغير، وفيما بين الخصائص الأكثر وضوحا والتي تسهم في مرونة اللغة وتعدد استعمالاتها "أي: في كل نظام لغوي وفي أي نظام لغوي" هناك أربع خصائص تذكر بشكل متكرر للتذكر وهي: الاعتباطية، والازدواجية، والتمايز، والإنتاجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 1- الاعتباطية1 ويستخدم هذا المصطلح هنا بمعنى خاص إلى حد ما ليعني شيئا ما مثل "تعذر التفسير من خلال بعض المبادئ الأكثر عمومية" وأكثر الأمثلة وضوحا على الاعتباطية في اللغة -والمثال الذي يذكر بشكل أكثر تكرارا- يتصل بالعلاقة التي تربط بين المعنى والشكل، بين الإشارة والرسالة، وهناك أمثلة متفرقة في كل اللغات لما يعرف تقليديا بظاهرة التسمية بالمحاكاة الصوتية: لاحظ العلاقة غير الاعتباطية بين الشكل والمعنى في الكلمات الآتية المسماة بالمحاكاة الصوتية مثل cuckoo" "peewit" "crash"2" في اللغة الإنجليزية، غير أن الأغلبية العظمى من الكلمات في كل اللغات غير مسماة بالمحاكاة الصوتية فالعلاقة بين ألفاظها ومعانيها اعتباطية فلفظ كلمة ما لا يمكن أن ينبأ عن معناها كما أن معنى كلمة ما لا يمكن أن ينبأ عن لفظها. ومن الواضح أن العرفية -بهذا المعنى- تزيد من مرونة نطام الاتصال وتعدد استعمالاته فاتساع المعجم ليس مقيدا بضرورة التوافق بين الشكل والمعنى من خلال بعض المبادئ الأكثر عمومية، ومن الناحية الأخرى فحقيقة أن حلقة الوصل بين الشكل والمعنى على مستوى الوحدات المعجمية للنظم اللغوية -بشكل عام- اعتباطية لها أثرها في العبء الكبير الذي يقع على الذاكرة في عملية اكتساب اللغة، وارتباط صيغة معينة بمعنى معين يجب أن نعرفه في كل وحدة معجمية بشكل مستقل، إذن الاعتباطية التي من هذا   1 أو العشوائية أو العرفية "arbitrariness" وتفقد بموجبها الصيغ اللغوية أي تناظر فيزيائي مع الموجودات التي تشير إليها في العالم فعلى سبيل المثال ليس هناك شيء في كلمة كرسي تعكس هيئة ذلك الشيء المسمى بها فالعلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة عشوائية باستثناء كلمات قليلة تفصح ألفاظها عن معانيها. 2 المقابل الدلالي لهذه الكلمات الوقوفة، والبويت، ويحطم على الترتيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 النوع من وجهة النظر السيميولوجية لها فوائدها وأضرارها فهي تجعل النظام اللغوي أكثر مرونة وتكيفا، لكنها تجعل تعلمه أكثر صعوبة وإرهاقا كذلك، وتوجد نقطة إضافية فالاعتباطية في أي نظام سيميولوجي تجعل تفسير الإشارات أكثر صعوبة بالنسبة لأي فرد يتصدى لتفسير هذه الإشارات ولا يعرف النظام، ولهذا أيضا فوائده وأضراره بالنسبة لمستخدمي النظام العاديين، ومن المفترض أن يتفوق الجانب المفيد على الجانب الضار، أما معظم النظم الاتصالية الخاصة بالحيوان ففيها رابطة لا اعتباطية بين شكل الإشارة ومعناها. ولا تنحصر الاعتباطية بقدر ما تلقى اللغة من اهتمام في العلاقة بين الشكل والمعنى، فهي تتسع كذلك -بدرجة كبيرة إلى حد ما- لما يتعلق بكثير من البنية النحوية الخاصة بلغات معينة بقدر ما تختلف نحويا الواحدة عن الأخرى، ولم لم يكن الأمر كذلك لكان تعلم اللغات الأجنبية أكثر سهولة. والأكثر إثارة فرضية تشومسكي التي تذهب إلى أن مقدارا كبيرا مما هو مشترك في البنية النحوية للغات الإنسانية جميعها -بما في ذلك العملية التي هي من نوع خاص إلى حد بعيد والخاصة بتبعية البنية- اعتباطي كذلك بمعنى أنه لا يمكن تفسيرها أو التنبؤ بها من خلال وظائف اللغة، أو الأحوال البيئية التي تكتسب فيها للغة وتستخدم فيها، أو طبيعة العملية الإدراكية الإنسانية عموما، أو أي عامل من هذا النوع، ووجهة نظر تشومسكي أن الكائنات الإنسانية موهوبة وراثيا بمعرفة المبادئ العامة الاعتباطية المزعومة التي تحدد الأبنية النحوية في جميع اللغات، وكل ما نحتاج أن نقوله هنا عن هذه النظرية أن اللغويين لا يتفقون جميعا على أن مثل هذه المبادئ العامة -كما يمكن تأسيسها- اعتباطية بالمعنى المقصود، وكثير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 البحوث الحديثة في علم اللغة النظري تكرث جهودها في محاولة بيان أنها ليست كذلك، وسنعود إلى هذه النقطة في الفصل الثامن. 2- الازدواجية1 ونعني بها أن اللغة مستويين بنيويين فوحدات المستوى الأساسي تتكون من عناصر المستوى الثانوي ولكلا المستويين أسسه التنظيمية الخاصة، وستلاحظ أنثى أدخلت مميزا اصطلاحيا بين "عنصر" و"وحدة" وهذا ليس مميزا اصطلاحيا مشتركا في علم اللغة ومع ذلك فهو ذو ملائمة تفسيرية معينة وسيلتزم به في هذا الكتاب. ونستطيع الآن أن نعتبر أن عناصر اللغة المنطوقة هي الأصوات "أو بشكل أوضح كما سيتضح في الفصل الثالث الفونيمات"، ولا تحمل الأصوات في حد ذاتها معنى، ووظيفتها الوحيدة أن يتجمع الواحد منها مع الآخر لتكوين وحدات لها -بصفة عامة- معنى محدد، ويرجع ذلك إلى أن عناصر المستوى الأدنى وهي الأصغر لا معنى لها بينما عناصر المستوى الأعلى وهي الأكبر لها معنى مميز -بصفة عامة إن لم يكن بشكل ثابت- يمكن التعرف عليه، ومن ثم وصفت العناصر بأنها ثانوية ووصفت الوحدات بأنها أساسية، ونظم الاتصال كلها لها مثل هذه الوحدات الأساسية لكن هذه الوحدات ليست بالضرورة مؤلفة من عناصر، ولا يكون للنظام خاصة الازدواجية إلا إذا كانت فيه الوحدات والعناصر كلاهما، ومعظم نظم الاتصال الخاصة بالحيوان لا تنتهج   1 خاصة الازدواجية "duality" وتبدو اللغة بموجبها ينتظمها على المستوى البنيوي مستويان مجردان: أولهما المستوى الأعلى حيث نحلل اللغة إلى مجموعات من الوحدات ذات المعنى وهي الوحدات الصرفية أو المورفيمات أو الكلمات وثانيهما المستوى الأدنى حيث تبدو اللغة سلسلة من القطع الصوتية "segments" لا معنى لها لكنها تتجمع لتكون وحدات ذات معنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 هذا النهج -بشكل واضح- وتلك التي تنتهج هذا النهج لا تتركب وحداتها الواحدة مع الأخرى بالطريقة التي تتركب بها الكلمات الواحدة مع الأخرى في كل اللغات الإنسانية لتكون العبارات والجمل. وفائدة الازدواجية أنه يمكن أن نركب عددا ضخما من الوحدات المختلفة من عدد صغير من العناصر، فعدة آلاف من الكلمات -على سبيل المثال- تتركب من ثلاثين أو أربعين صوتا، ولو أن هذه الوحدات الأساسية أتيح لها التركيب المنظم بطرق متنوعة فإن عدد الإشارات المتميزة التي يمكن أن تنقل -وبالتبعية عدد الرسائل المختلفة- سيتزايد بدرجة هائلة، وكما سنرى فيما بعد ليس هناك حد لعدد الإشارات اللغوية المتميزة التي يمكن أن تتركب في لغات معينة. 3- التمايز1 ويقابل الاختلاف المتصل أو المتواصل، والتمايز في حالة اللغة خاصة للعناصر الثانوية، ولكي نوضح ذلك فإن الكلمتين: "bit"   1 خاصة التمايز "discreteness" ويمكن بموجب هذه الخاصة تحليل عناصر الإشارة اللغوية كما لو كانت ذات حدود يمكن تمييزها دون أي تدرج أو تواصل بينها، والنظام الذي يفتقد التمايز، يقال إنه نظام متواصل أو مفتقد التمايز ويستخدم المصطلح بصفة خاصة في علم الأصوات والفونولوجيا ليشير إلى الأصوت التي لها حدود حاسمة نسبيا, كما تحددها الوسائل السمعية والنطقية والفيزيائية، فرغم أن الكلام تيار متواصل من الأصوات إلا أن متكلمي لغة ما يستطيعون تقسيم هذه الكتلة المتجانسة إلى عدد محدد من الوحدات المنفصلة التي تناظر عادة الوحدات الصوتية "الفونيمات" في اللغة، وحدود هذه الوحدات قد تناظر السمات السمعية والنطقية التي يمكن تمييزها غير أنها غالبا قد لا تكون كذلك وتعرف الوحدات المجزأة أو المقسمة في حدها الأدنى في علم الأصوات بالفونات "Phones". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 و"bet" مختلفتان في الصيغة في كلتا اللغتين المنطوقة والمكتوبة، ومن الممكن فعلا أن يصدر صوت حركة بطريقة وسط بين الحركتين اللتين تذكران عادة في نطق هاتين الكلمتين، لكننا إذا استبدلنا هذا الصوت المتوسط بالحركة التي في bit أو bet في السياق نفسه فلن تكون النتيجة أننا سننطق كلمة ثالثة تتميز عن الكلمتين السابقتين أو تشاركهما خصائصهما ولكننا سننطق بشيء ما لا يعد كلمة عن الإطلاق أو يعد صورة نطقية خاطئة لإحدى الكلمتين، فما يميز صيغة معينة في اللغة -بصفة عامة- ليس الترجيح أو الموازنة وإنما العناصر جميعها سلبا أو إيجابا. وبناء عليه فإن التمايز لا يعتمد اعتمادا منطقيا على الاعتباطية، فهي تتفاعل معها لتزيد من مرونة النظم اللغوية وتعددا استعمالاتها فعلى سبيل المثال من الممكن من حيث المبدأ أن تكون كلمتان مختلفتان الحد الأدنى للاختلاف غير أنهما متمايزتان في الصيغة متشابهتين في المعنى إلى حد بعيد وهو ما لا يحدث بوجه عام، فالكلمتان "bet" "bit" لا يزيد الشبه بينهما في المعنى عن أي زوج تختاره بشكل عشوائي من كلمات اللغة الإنجليزية، وحقيقة أن الكلمات التي تختلف الحد الأدنى من الاختلاف في الشكل تختلف عادة في المعنى إلى حد بعيد أكثر من اختلافها الحد الأدنى لها أثرها في تعضيد التمايز في الاختلاف الشكلي بينهما ففي معظم السياقات يكون ذكر إحداها أكثر احتمالا إلى حد بعيد من ذكر غيرها, وهو ما يقلل احتمالات عدم الفهم في الأحوال الرديئة من الإرسال الإشاري، وفي نظم الاتصال الخاصة بالحيوان يرتبط عادة اللاتمايز "أي: التنوع المستمر" باللااعتباطية. 4- الإنتاجية لنظام اتصالي ما خاصة تجعل تركيب الإشارات الجديدة وتفسيرها ممكنا، ونعني بالإشارات الجديدة تلك الإشارات التي لم تواجهنا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قبل، والإشارات لا توجد في بعض القوائم -مهما كانت ضخامة هذه القوائم- بحيث يجد مستخدم اللغة منفذا إليها, ومعظم نظم الاتصال الخاصة بالحيوان تبدو محدودة للغاية من حيث عدد إشاراتها التي يمكن أن تُرْسَل وأن تستقبل من قِبَل مستخدميها، ومن الناحية الأخرى تمكن جميع النظم اللغوية مستخدميها من تركيب أقوال كثيرة بغير حدود -لم يسبق سماعها أو قراءتها من قبل- وفهمها. وقد لاقت خاصة الإنتاجية توكيدا في المؤلفات اللغوية الحديثة لا سيما تلك التي تُعْزى لتشومسكي مع إشارة خاصة إلى قضية تفسير اكتساب الأطفال للغة وحقيقة أن الأطفال يكون في مقدورهم -في مرحلة مبكرة إلى حد بعيد- إنتاج الأقوال التي لم يسمعوها من قبل دليل على أن اللغة لا تكتسب عن طريق المحاكاة والذاكرة وحدهما. ويجب أن نؤكد عند مناقشة الإنتاجية أنه ليس هناك مثل القدرة على تركيب أقوال جديدة في أهميتها الحاسمة، عند تقييم النظم اللغوية فعلى سبيل المثال القول بأن نظام الاتصال الذي تستخدمه مملكة النحل للاستدلال على مصدر رحيق الزهرو له خاصة الإنتاجية يكون مضللا إلى حد بعيد إذا كنا نعني بذلك أن النظام -من هذه الناحية- يشبه اللغات الإنسانية، فالنحل ينتج إشارات متنوعة كثيرة بلا حدود "تختلف من حيث ذبذبة أجسامها، ومن حيث درجة الزاوية التي تتخذها في مواجهة الشمس"، غير أنه يوجد اختلاف مستمر في الإشارات ورابطة لا اعتباطية بين الإشارة والرسالة، ولا يمكن أن يستخدم النحل هذا النظام ليحمل معلومات عن أي شيء سوى اتجاه مصدر الرحيق والمسافة التي تفصل بينهما. ومما يلفت النظر حول الإنتاجية في اللغات الطبيعية أنها بقدر ما هي واضحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 في أبنيتها النحوية فهي غاية التعقيد والتنوع من حيث المبادئ التي تضمنها وتشكلها، غير أن هذا التنوع والتعقيد -كما ألح تشومسكي بما لم يفعله غيره- ليس على عواهنه أي: إنه محكوم بقانون، وفي إطار الحدود التي رسمتها قوانين النحو التي ربما كانت عالمية إلى حد ما ونوعية خاصة بلغات معينة إلى حد ما أيضا يكون للمتكلمين الأصليين الحرية في تركيب أقوال كثيرة بلا حدود بطريقة خلاقة -وهي الطريقة التي يراها تشومسكي طريقة إنسانية مميزة- وترتبط فكرة الخلق وفقا لقوانين حاكمة ارتباطا وثيقا بالإنتاجية وهي التي كانت لها أهمية عظمى في تطور التوليدية. والخصائص الأربعة العامة التي سبق ذكرها ومناقشتها باختصار وهي: الاعتباطية، والازدواجية، والتمايز، والإنتاجية تترابط جميعها من طرق عديدة، وهذه الخصائص ليس موجودة فحسب -بقدر ما نعلم- في اللغات كلها ولكنها موجودة فيها بدرجة عالية إلى حد بعيد، وإذا ما وجدنا هذه الخصائص في أي نظام اتصالي خلاف اللغة موضع البحث فلن تبدو موجودة بنفس درجة وجودها أو متداخلة بنفس الطريقة كما هي في اللغة. وعلى كل حال يستحق أيضا أن نوضح أن تلك الخصائص الأربعة التي تستقل بشكل تام في القناة والأداة كليهما أقل تميزا في الجانب غير المنطوق من الإشارات اللغوية، وأن الأقوال ليست مجرد تتابعات من الكلمات فهناك ظاهرتان صوتيتان متميزتان إلى حد ما تعلوان الكلمات المتتابعة "أي: الأجزاء المنطوقة" في أي قول متكلم به وهما: موسيقى الكلام والمصاحبات اللغوية، وتشمل السمات الموسيقية في الكلام أشياء مثل النبر، والتنغيم1،   1 التنغيم: مصطلح يستخدم في دراسة الفونولوجيا التطريزية أو الفونولوجيا فوق القطعية ويشير إلى الاستخدام المميز للأنماط الخاصة بدرجة الصوت "pitch" أو اللحن "melody" ويقوم التنغيم بوظائف عديدة في اللغة وأهم وظيفة له أنه يقوم مقام الإشارة "Signal" في البنية النحوية حيث يقوم مقام علامات الترقيم في الكتابة، ويكشف كذلك عن المواقف الشخصية للمتكلم مثل السخرية والغضب.. إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وتشتمل المصاحبات اللغوية على ظواهر مثل سرعة الأداء وارتفاع الصوت.. إلخ، ويرتبط كذلك بالقول المتكلم به ظواهر غير منطوقة متنوعة "حركات العين، وإيماءات الرأس، وتعبيرات الوجه، واللفتات، وحركات الجسم ... إلخ" وتسهم بشكل إضافي في تحديد بنية القول أو معناه ويمكن أيضا أن توصف بالمصاحبات اللغوية، ولا يتعامل اللغوي -في العادة- إلا مع ظواهر موسيقى الكلام ضمن السمات المنطوقة كما يحددها النظام اللغوي في حد ذاته, وعلى كل حال فإن الظواهر الخاصة بموسيقى الكلام، والمصاحبات اللغوية كليهما تعد جزءا متمما للسلوك اللغوي المعتاد عبر الوسيلة المنطوقة، وبقدر ما تفتقد الأنواع المختلفة من الاتصال الحيواني الخصائص العامة الأربعة: الاعتباطية، والازدواجية، والتمايز، والإنتاجية -أو على الأقل لا تظهر فيها بالدرجة التي تظهر بها في الجزء المنطوق من اللغة- فإن السمات الخاصة بموسيقى الكلام والمصاحبات اللغوية في السلوك اللغوي تشبه إلى حد بعيد السمات الخاصة بالأنواع المختلفة من الاتصال الحيواني. إذن هل ينفرد الإنسان باللغة؟ الإجابة على هذا السؤال يشبه الإجابة على السؤال: "هل الإنسان متفرد بين الحيوانات؟ " فهي تعتمد إلى حد بعيد على الخصائص التي يقرر المرء أن يركز عليها وأن يجعلها حاسمة في تعريف اللغة، ومن الجائز على حد سواء أن نركز على الاختلافات الواضحة من حيث النوع ومن حيث الدرجة بين اللغة واللا لغة أو على التماثلات الأقل وضوحا، وقد يميل اللغوين وعالم النفس، والفيلسوف إلى التأكيد على أوجه الاختلاف بينما يركز السيميولوجي، وعالم الأحياء، وعالم الأجناس على أوجه الشبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 سادسا: تصور التجانس إلى الآن كنا نتعامل مع ما سأشير إليه بتصور التجانس: وهو الاعتقاد أو الافتراض الذي يذهب إلى أن جميع أفراد الجماعة اللغوية الواحدة يتكلمون لغة واحدة على نحو دقيق، ومن الممكن بطبيعة الحال أن نعرف مصطلح جماعة لغوية بالطريقة التي تسلك في التعريف فهي تلك التي لا يوجد اختلافات منظومة في النطق أو النحو أو المعجم في كلام أفرادها، لكن إذا ما فسرنا هذا المصطلح بالجروع إلى أية مجموعة من الناس يقال عنها عادة أنها تتكلم بلغة واحدة، وذلك مثل اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية أو اللغة الروسية فسيكون إذن بمثابة كشف تجريبي عما إذا كان كل أفراد جماعة لغوية معينة يتكلمون بالطريقة نفسها من جميع النواحي أم لا. ويوجد في كل الجماعات اللغوية الصغرى في أنحاء العالم اختلافات واضحة إلى حد ما في اللكنة1 واللهجة2، وفيما يتصل بمصطلحي اللكنة والهجة فإن   1 المؤثرات السمعية المتراكمة لسمات طريقة نطق الفرد التي تميزه من الناحيتين الإقليمية والاجتماعية وتؤكد المؤلفات في علم اللغة على أن هذا المصطلح لا يشير إلى طريقة النطق ومن ثم يتميز عن مصطلح، "اللهجة" "dialect" التي تشير إلى القواعد والمفردات أيضا. 2 تنوع مميز من الناحية الاجتماعية أو الإقليمية في لغة ما ويظهر هذا التنوع من خلال مجموعة معينة من الكلمات والأبنية النحوية وترتبط اللهجات المنطوقة عادة بنطق مميز أو لكنة مميزة، وتبدو أي لغة ذات لهجات متنوعة خاصة إذا ما كان يتكلم بها عدد كبير من الناس وكانت هناك حدود جغرافية تفصل بين جماعات منهم أو كانت هناك تقسيمات في النظام الاجتماعي الطبقي، وقد تهيمن لهجة من اللهجات باعتبارها شكلا قياسيا أو رسميا لهذه اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 المصطلح الأول أكثر تحديدا من المصطلح الثاني فهو لا يشير إلا إلى الطريقة التي تنطق بها اللغة ولا يحمل أي تضمين -بأي شكل من الأشكال- يتعلق بالمفردات أو النحو، فعلى سبيل المثال من الممكن ومن غير الشائع على الإطلاق تمييز الأجنبي مباشرة بواسطة لهجته ولو كان يتكلم اللغة -بقدر العناية بالنحو والمعجم- بحيث لا يمكن تمييزه عن متكلمي اللغة الأصليين، وهو ممكن لمتكلمين أصليين يستخدمان لهجة واحدة، بالنظر إلى جوانبها الأخرى غير أنهما يتكلمانها بلكنة مختلفة اختلافا واضحا، وهو أمر شائع بصفة خاصة إذا كانت اللهجة موضع البحث قد اكتسبت -لأسباب تاريخية- مكانة اللغة المشتركة على المستوى الإقليمي أو القومي، فعلى سبيل المثال معظم المتعلمين من سكان إنجلترا الأصليين مولدا يتكلمون لهجة إنجليزية تقترب بشكل وثيق إلى حد ما من نوع معين من اللغة الإنجليزية المشتركة لكنهم يتكلمونها بلكنة تكشف عن أصولهم الجغرافية أو الاجتماعية، ويوجد مميز مرسوم -على الأقل في الاستخدام الدارج- بين اللكنة واللهجة ورغم ذلك يدرج كثير من اللغويين الاختلافات الخاصة باللكنة ضمن الاختلافات الخاصة باللهجة، وليس لهذه النقطة الاصطلاحية البحتة -في حد ذاتها- أية نتائج، لكن من الأهمية أن ندرك أن ما يعد من الجوانب الأخرى لهجة واحة يمكن أن تنطق بطرق مختلفة اختلافا واضحا، ولا يقل أهمية أن ندرك أنه حيث لا يوجد قبول واشتراك في اللغة على المستوى الإقليمي أو القومي مؤسس لمدة طويلة فإن الاختلافات في اللهجة التي تتجاوز النطق إلى النحو والمفردات تتجه إلى أن تكون أكثر وضوحا عما هي عليه لدى معظم الجماعة اللغوية التي تتكلم الإنجليزية هذه الأيام. ورغم أن اللغوي يستخدم مصطلح لهجة ويربط هذا المصطلح -مثل غير المتخصص- بمصطلح اللغة بقوله إن اللغة من اللغات قد تتركب من لهجات عديدة مختلفة فهو لا يقبل التضمينات التي ترتبط بشكل شائع بمصطلح لهجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 في الاستخدام الدارج، والأهم أنه لا يقبل أن تكون لهجة منطقة معينة أو طبقة اجتماعية معينة صورة منحطة أو متدهورة من اللهجة المشتركة فهو يعرف أن اللهجة المشتركة -من وجهة النظر التاريخية- التي قد يفضل غير المتخصص أن تنطبق على مصطلح "اللغة" أكثر من مصطلح "لهجة" لا تختلف -من حيث الأصل لا من حيث تطورها التالي- من حيث النوع عن اللهجات غير المشتركة، ويعرف أيضا أن اللهجات ما دامت تستخدم في مجال أوسع إلى حد ما من الوظائف في الحياة اليومية للمقاطعة أو الطبقة الاجتماعية التي تعمل فيها فهي لا تقل تنظيما عن اللغة المشتركة على المستوى الإقليمي أو القومي، وهذه النقاط قد أثرناها من قبل وسوف نعود إليها لتطويرها، ولضرب الأمثلة عليها، ولإدخال توصيفات محددة عليها عند الاقتضاء في الفصول الأخيرة من هذا الكتاب، واللغة المشتركة على المستوى الإقليمي أو القومي -من وجهة نظر ثقافية واجتماعية معاصرة- تعد بحق مختلفة إلى حد بعيد في الخصائص عن اللهجات غير المشتركة المرتبطة بها ارتباطا تاريخيا. ومن المعتاد كثيرا في الاستخدام اليومي للمصطلحين: لهجة ولغة أن يقوم التمييز بينهما إلى حد بعيد على اعتبارات ثقافية أو سياسية، فعلى سبيل المثال الماندارينية "Mandarin" والكانتونية "Cantonese" تسمى لهجات صينية "Chinese" لكنهما متميزتان الواحدة عن الأخرى أكثر من تميز اللغة الدانماركية "Danish" عن اللغة النرويجية "Norwegian"، وحتى أكثر من تميز اللغات الهولندية "Dutch" والفلمنكية "Flemish" والأفريكانز "Afrikaans" الواحدة عن الأخرى التي توصف وصفا متكررا بأنها لغات مختلفة، وقد يكون هناك تفكير في أن معيار الفهم المتبادل يكفي لرسم خط سياسي وثقافي محايد للفصل بين اللغات، وهو في الحقيقة المعيار الرئيسي الذي يطبقه اللغوي المتمرس عند إقامته حدود جماعة لغوية ما، لكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 هناك مشكلات، فكثيرا ما يكون الاختلاف اللهجي اختلافا تدريجيا ومتواصلا إلى حد ما عبر مساحة شاسعة من الأرض فلا يتمكن المتكلمون الذين ينتمون إلى منطقتين منفصلتين إلى حد بعيد من أن يفهم أحدهما الآخر، لكن ربما لم يكن هناك نقطة بين لهجتين متجاورتين ينهار عندها الفهم المتبادل حينئذ يوجد ما هو أكثر من ذلك مشكلة أكثر إزعاجا إذ إن الفهم ليس متماثلا دائما كما أن ليست حالة من كل شيء أو لا شيء، ومن الممكن بل من الشائع فعلا إلى حد بعيد أن يكون X فاهما معظم ما يقوله Y غير أن Y يفهم قليلا مما يقوله X أو لا يفهم شيئا مما يقوله وذلك عندما يتكلمان معا ويستخدم كل منهما لهجته الخاصة، وهكذا فإن رسم حدود حاسمة بين اللغات المتميزة وبين اللهجات المختلفة الخاصة بلغة واحدة صعب عادة إلى حد بعيد لأسباب متنوعة. وفي الحقيقة فإنه من المعتاد كثيرا ألا يوجد مميز حاسم يمكن وضعه بين لهجة منطقة ولهجة منطقة أخرى تكون مجاورة لها غالبا، ومع ذلك نحدد النطاق المكاني للهجة بشكل تقربي بواسطة المعيار الاجتماعي بالإضافة إلى المعيار الجغرافي، وإذا ما بحثنا القضية فسوف نجد دائما قدرا معينا من التنوع المنظوم في كلام أولئك الذين نعدهم ناطقين بلهجة واحدة، والملاذ الأخير أن نقبل أن لكل فرد لهجته الفردية1 أي: لهجته الشخصية كما يصوغها اللغويون وكل لهجة شخصية تختلف عن اللهجات الشخصية الأخرى بشكل مؤكد في المفردات والنطق وربما بدرجة طفيفة في النحو أيضا، وأكثر من ذلك فإن اللهجة الشخصية للفرد لا تثبت مرة واحدة وللجميع عند نهاية ما نعتبره مرحلة اكتساب اللغة أي: إنها عرضة للتغيير والاتساع على مر حياته. وإضافة إلى ما يمكن تفصيله بخصوص مجال "اللغة, اللهجة, اللهجة   1 اللهجة الفردية "idiolect" مصطلح يستخدم في علم اللغة للإشارة إلى النظام اللغوي لدى متكلم فرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الفردية" هناك بعد آخر للتنوع المنظوم في أقوال أفراد جماعة لغوية ما وهو البعد الخاص بالأسلوب، والاختلافات الأسلوبية كانت تشير من قبل إلى ما يتعلق بالمميز بين الأدبي والعامي، ويستمد هذا الفاصل من المميز بين اللغة المكتوبة واللغة المنطوقة ويتطابق معه على الإطلاق، لكن هناك مما يتصل بالاختلافات الأسلوبية ما هو أكثر من ذلك، فكلما تكلمنا بلغتنا الأم أو كتبنا بها ننهج أسلوبا دون آخر تبعا للسياق وتبعا للعلاقات التي تربط بيننا وبين الشخص الذي نتحدث معه أو نكتب إليه وتبعا لطبيعة ما يتحتم علينا إيصاله والغرض منه، وتبعا لعوامل أخرى عديدة، وسواء أكانت الخيارات الأسلوبية التي نمارسها واعية أم غير واعية فإنها ليست أقل تنظيما أو تحديدا، وممارسة الاختيارات الأسلوبية المناسبة جزء هام من استخدامنا الصحيح والفعال للغة، ومن هنا كان في التعدد الأسلوبي لكل متكلم أصلي للغة ما حكمة عملية، وما دام الأمر كذلك فمن الممكن -من حيث المبدأ- أن نعد كل لهجة فردية نظاما لغويا منفصلا كما أن من الممكن -وهو ما لا يقل وجاهة- أن نعد كل أسلوب مميز نظاما لغويا مميزا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 سابعا: لا توجد لغات بدائية ما زال شائعا إلى حد ما أن تسمع غير المتخصصين يتكلمون عن لغات بدائية وهم يرددون حتى الأسطورة التي يحيط الشك بها من أن هناك بعض الشعوب تتكون لغتهم من مزاوجة مائة كلمة مأخوذة من الإيماءات، والحقيقة أن كل لغة درست حتى الآن -مهما كان المجتمع الذي يستخدمها يبدو لنا بدائيا أو غير متحضر في جوانب أخرى- برهنت عند البحث أنها نظام اتصالي معقد ومتطور بدرجة عالية، وبطبيعة الحال فإن الفكرة الإجمالية الخاصة بالتطور الثقافي من البربرية إلى المدنية في حد ذاتها موضع شك كبير غير أنه لا يناط باللغوي مسألة الحكم على صحتها، وما يمكن أن يقوله إنه لم يكشف بعد عن ارتباط بين المراحل المختلفة للتطور الثقافي التي مرت بها المجتمعات وبين نمط اللغة المنطوقة في تلك المراحل الخاصة بالتطور الثقافي، فعلى سبيل المثال ليس هناك شيء مثل نمط لغوي للعصر الحجري، وليس هناك -بقدر ما تلقى البنية النحوية العامة من اهتمام- نمط لغوي يحمل خصائص المجتمعات الجامعة للغذاء أو المجتمعات الرعوية من ناحية أو المجتمعات الصناعية الحديثة من الناحية الأخرى. وكان من القرن التاسع قدر كبير من التفكير في تطور اللغات من التعقيد البنيوي إلى البساطة ومن البساطة إلى التعقيد، ومعظم اللغويين في هذه الأيام يحجمون عن التفكير في التطور النشوئي للغات بهذا الشكل العام، ويدركون أنه إذا كان هناك أي اتجاه في تطور اللغة منذ نشأتها عند الإنسان من مرحلة ما قبل تاريخ الإنسان إلى وقتنا الحاضر فإنه ليس هناك شاهد يمكن أن يكشف عن أي اتجاه من خلال دراسة اللغات المتكلم بها في الوقت الحاضر أو المتكلم بها في الماضي ونعرف عنها شيئا ما، وكثير من التصورات المبكرة للعلماء عن تطور اللغات تنحاز لصالح ما يمكن أن نطلق عليه اسم اللغات التصريفية مثل اللاتينية والإغريقية. ويجب أن يقال شيء ما في هذه النقطة عن نشأة اللغة، وهي مشكلة شغلت عقل الإنسان وخياله منذ عهود سحيقة، وقد ناقشها بشكل شامل مناقشة علمانية مميزة عن الدين أو ما وراء الطبيعة فلاسفة الإغريق، ونوقشت في فترات متنوعة منذ ذلك الحين لا سيما في القرن الثامن عشر من وجهة نظر مماثلة إجمالا، وقد لعبت المناقشات الأولى دورا هاما في تطور النحو التقليدي، وقد ساعدت المناقشات التي دارت في أواخر القرن الثامن عشر والتي تعزى للفيلسوف الفرنسي كونديلاك "condillac" والفيلسوف الألماني هردر "Herder" على تمهيد الطريق نحو فهم أفضل للاعتماد المتبادل بين اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 والفكر والثقافة، ومنذ القرن التاسع عشر اتجه معظم اللغويين -باستثناء قلة قليلة إلى حد بعيد- إلى تنحية قضية نشأة اللغة بأكملها باعتبارها قضية خارج مجال البحث العلمي دائما، والسبب في ذلك كما رأينا أن اللغويين أدركوا عبر القرن التاسع عشر أنه مهما رجعوا إلى الوراء في تاريخ اللغات المعينة من خلال النصوص التي وصلت إلينا فإنه من المستحيل أن نعثر فيها على أية علامة من علامات التطور النشوئي من وضع أكثر بدائية إلى وضع أكثر تقدما. غير أن هناك شواهد أخرى بعضها جديد، ومرة أخرى أصبحت نشأة اللغة موضع مناقشة العلماء، وربما كان من السابق لأوانه أن نتحدث عن حلول، ومع ذلك فما يمكن أن نقوله إنه يبدو الآن أكثر إقناعا مما كان عليه منذ سنوات قليلة أن اللغة كانت في الأصل نظاما اتصاليا إيمائيا أكثر منه نظاما اتصاليا منطوقا، وبعض هذه الشواهد النجاح الذي لاقاه علماء النفس في تعليمهم الشمبانزي لغة معقدة إلى حد بعيد فهما واستخداما، وهي بهذا الخصوص نظم إيمائية شبيهة باللغة، ويبدو الآن أن فشل الشمبانزي في اكتساب الكلام في تجارب مماثلة في الماضي يفسره جزئيا على الأقل اختلافات بسيطة نسبيا لكنها هامة في جهاز النطق عند الإنسان وجهاز النطق عند الشمبانزي، واتضح أيضا من خلال دراسة الحفريات أن جهاز النطق عند الإنسان النياندرتالي1 يشبه إلى حد كبير النطق عند الشمبانزي وغيرها من الحيوانات الراقية أكثر مما يشبه جهاز النطق عندنا، ولدى الشمبانزي وغيرها من الحيوانات الراقية مجال محدود من النداءات المنطوقة غير أن   1 نسبة إلى وادي النياندرتال قرب دوسيلدورف بألمانيا حيث وجدت بقايا هيكل عظمي لإنسان قديم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الاتصال فيما بينها يتم في بيئاتها الطبيعية بصورة شاملة إلى حد بعيد عن طريق الإيماءات، وما يفترضه هذا الشاهد وغيره أن اللغة قد تكون تطورت في البداية كنظام إيمائي في وقت ما عندما كان أسلاف الإنسان يقفون على أقدامهم ومن ثم كانوا أحرار اليدين وقد زاد حجم المخ واكتسب الإمكانيات الخاصة بمعالجة الوظائف المعقدة في نصف المخ المهيمن، وفي بعض النقاط ولأسباب بيولوجية مقبولة تحول النظام الإيمائي إلى نظام نطقي واكتسب نتيجة لذلك خاصة الازدواجية التي تسمح كما رأينا من قبل بزيادة كبيرة إلى حد بعيد في المفردات، ويترتب على ذلك ألا تكون جميع الخصائص المميزة للغات كما عرفناها موجودة فيها منذ البداية، وأن تكون اللغة قد تطورت في الحقيقة من اللا لغة. ومع ذلك تظل الحقيقة فليس فقط أن كل اللغات المعروفة توجد فيها القناة المسموعة المنطوقة التي تستخدم بشكل أساسي وطبيعي للتوصيل بل إنها جميعا كذلك ذات تعقيد متساو تقريبا بقدر ما تلقى أبنيتها النحوية من اهتمام. والاستثناء الوحيد الواجب من ذلك التعميم الأخير يتعلق باللغات الهجينة وهي لغات خاصة تستخدم في التجارة أو في أغراض شبيهة بين أولئك الذين ليس لهم لغة مشتركة أخرى، وتتميز اللغة الهجينة بأنها ذات قواعد بسيطة ومفردات محدودة للغاية إذا ما قورنت باللغة أو اللغات التي تقوم عليها، غير أنها تستخدم في أغراض محدودة للغاية، وعندما تستخدم ما تعد في الأصل لغة هجينة كلغة أم لجماعة لغوية -وهو ما يحدث عادة- فلا تزود نفسها بمفردات أكثر اتساعا فحسب بل تطور التعقيد النحوي الخاص بها كذلك ومن هذه الناحية أكثر مما يكون من ناحية نشأتها يميز اللغويين اللغات الهجينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 عما يعرف باللغات المولدة1 وهي لغات يمكن تتشابه إلى حد بعيد مع اللغات الهجينة لكنها ليست أقرب إلى اللغات البدائية -أي: من حيث البنية الناقصة- من أي لغة من آلاف اللغات الطبيعية التي لم تنشأ -كما تعرف- مثلما نشأت اللغات الهجينة "انظر: 9 - 3". وهناك بطبيعة الحال اختلافات واضحة في المفردات الخاصة باللغات المختلفة، وهو ما قد يجعل من الضروري تعلم لغة أخرى أو على الأقل مفردات خاصة لتدرس موضوعا معينا ولنتكلم عنه بطريقة مرضية، وبهذا المعنى قد تكون لغة مهيأة بشكل أفضل من لغة أخرى لأغراض معينة، ومع ذلك فإنه لا يعني أنها أغنى أو أفقر -بشكل جوهري- من الأخرى، فاللغات الحية كلها يمكن أن نفترض أنها نظم اتصالية طبيعية وفعالة، ووفقا لتغير الحاجات الاتصالية لمجتمع ما تتغير لغته وفاءا لتلك الاحتياجات الجديدة، فالمفردات تتسع إما عن طريق الكلمات المقترضة من اللغات الأخرى أو عن طريق خلقها من صيغ أخرى، وحقيقة إن لغات كثيرة تنطق بها ما تعرف أحيانا بالبلدان النامية ينقصها كلمات خاصة بالتصورات والمنتجات المادية للعلم الحديث والتكنولوجيا لا تتضمن أن اللغات موضع البحث أكثر بدائية من اللغات التي فيها مثل هذه الكلمات فلا يعني ذلك سوى أن تلك اللغات المعينة لم تستخدم حتى الآن لمثل ذلك الذي يشمله تطور العلم والتكنولوجيا.   1 اللغة المولدة "creole Lenguage" مصطلح يستخدم في علم الاجتماع اللغوي ليشير إلى اللغة الهجينة التي تصبح لغة أم "mother - tongus" لجماعة لغوية كما نرى في جامايكا "Jamaica"، وهايتي "Haiti"، والدومنيكا "Dominica" وأجزاء مستعمرة سابقة عديدة أخرى من العالم، وعملية توليد اللغات توسع الإطار الأسلوبي والبنيوي للغات الهجينة وتجعلها لغة مولدة يمكن مضاهاتها الأخرى من حيث التعقيد الشكلي والوظيفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ويجب أن نؤكد في النهاية أن مبدأ "عدم وجود لغات بدائية" كفرضية عمل ليس سوى نتيجة تجريبية للبحث اللغوي، ويجب أن نسمح بإمكانية اختلاف اللغات في التعقيد اللغوي، ولم يكتشف اللغويون حتى الآن هذه الاختلافات، وليس من العلمية أن ننكر وجود هذه الإمكانية أو بعبارة أخرى أن ننكر أن اللغة اللاتينية أكثر نبلا أو أفضل تعبيرا من لغة الهوتنتون1 "Hottentot" أو من إحدى اللغات الأسترالية الخاصة بالسكان الأصليين.   1 لغة شعب جنوب أفريقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الفصل الثاني: علم اللغة أولا: فروع علم اللغة يمكن -كما رأينا- أن تدرس كل من اللغة عموما، واللغات المعينة من وجهات نظر مختلفة، ومن ثم يمكن أن ينقسم مجال علم اللغة ككل إلى مجالات فرعية تبعا لوجهة النظر المتنبناة، وتبعا للتوكيد الخاص الذي يولي لمجموعة من الظواهر أو الافتراضات أكثر من غيرها1. والمميز الأول يرسم بين علم اللغة العام، وعلم اللغة الوصفي، وهو في حد ذاته واضح المعالم إلى حد كاف، ويناظر ما يميز بين دراسة اللغة بشكل عام ووصف لغات معينة، والسؤال: "ما اللغة" الوارد في الفصل السابق والذي ذهبنا إلى أنه السؤال الرئيسي المحدد للفرع بأكمله يعد بشكل مناسب إلى حد بعيد السؤال الرئيسي لعلم اللغة العام، ولا يرتبط علم اللغة العام، وعلم   1 فعلم اللغة العام يعنى بتأسيس مبادئ عامة لدراسة كل اللغات وبتحديه خصائص اللغة الإنسانية أما علم اللغة الوصفي فيعنى بتأسيس الحقائق الخاصة بنظام لغوي معين، وعلم اللغة التقابلي يعنى بالتركيز على الاختلافات الموجودة بين اللغات وبصفة خاصة في سياق تعليم اللغة، ويعنى علم اللغة المقارن بتحديد الخصائص المشتركة بين مختلف اللغات أو بين الأسر اللغوية ويشير مصطلح علم اللغة البنيوي إلى التحليل اللغوي الذي يسعى إلى تأسيس نظما واضحة للعلاقات بين الوحدات اللغوية في البنية السطحية ويعنى علم اللغة التصنيفي بتصنيف الأبنية والوحدات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 اللغة الوصفي أحدهما بالآخر على الإطلاق، وكلاهما يعتمد بشكل صريح أو ضمني على الآخر، فعلم اللغة العام يقدم التصورات والتصنيفات التي تحلل اللغات المعينة على أساسها، وعلم اللغة الوصفي يقدم بدوره المعلومات التي تؤكد الفرضيات والنظريات المطروحة أمام علم اللغة العام أو تفندها، فعلى سبيل المثال يمكن أن يصوغ اللغوي العام الفرضية التي تذهب إلى أن كل اللغات فيها أسماء وأفعال، واللغوي الوصفي يمكن أن يفند هذه الفرضية بدليل تجريبي على وجود لغة واحدة على الأقل لا يمكن عند وصفها تأسيس فارق مميز بين الأفعال والأسماء لكنه كي يفند هذه الفرضية أو يؤكدها يجب عليه أن يتعامل مع بعض التصورات الخاصة بالاسم والفعل التي يمده بها اللغوي العام. وتوجد بطبيعة الحال كل أنواع الأسباب وراء الرغبة في وصف لغة معينة، وكثير من أولئك الذين يعملون في علم اللغة الوصفي لا يعملون فيه بسبب اهتمامهم بتقديم معلومات لعلم اللغة العام أو باختبار النظريات والفرضيات المتضاربة ولكن بسبب رغبتهم في إخراج مرجع نحوي أو معجم لأغراض عملية غير أن هذا لا يؤثر في الاعتماد المتبادل للفرعين المتكاملين: علم اللغة العام، وعلم اللغة الوصفي. ولقد عني اللغويون كثيرا خلال القرن التاسع عشر ببحث تفاصيل التطور اللغوي للغات معينة، وبصياغة فرضيات عامة عن التغير اللغوي، والفرع العلمي الذي يتناول هذه القضايا يعرف الآن -وبشكل مألوف إلى حد بعيد- بعلم اللغة التاريخي1، ومن الواضح أنه في علم اللغة التاريخي كما في   1 علم اللغة التاريخي "historical Linguistics" فرع من فروع علم اللغة يدرس تطور اللغة واللغات عبر الزمن ويعرف كذلك بـ"diachronec Linguistics" وتتطابق مادة دراسته مع مادة دراسة الفيلولوجيا المقارنة أي: التسجيلات والنقوش الممتدة من أقدم ما وصل إلينا من اللغة غير أن المناهج والأهداف تختلف فيهما فعلم اللغة التاريخي يستخدم مناهج المدارس المختلفة في علم اللغة الوصفي "وتشمل علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي فيما يتعلق بصفة خاصة بأسباب التغير اللغوي" ومن ثم يواجه المرء بمجالات فرعية مثل النحو التاريخي، والفونولوجيا التاريخية والمورفولوجيا التاريخية ويهدف إلى ربط نتائج البحث بالنظرية اللغوية العامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 علم اللغة التزامني يمكن للمرء أن يصب اهتمامه على اللغة عموما أو على اللغات المعينة، ومن المناسب أن نذكر هنا مصطلحين فنيين إضافيين: تاريخي "diachronic" وتزامني "aynchronic"، وقد استخدمهما لأول مرة فريدناند دي سوسير "صاحب المميز الذي أشرنا إليه في الفصل السابق بين الكلام واللغة"، والوصف التاريخي للغة من اللغات يتتبع التطور التاريخي لهذه اللغة ويسجل التغيرات التي تحدث فيها بين نقطتين زمنيتين متتاليتين أي: إن المصطلح "diachronic" يكافئ المصطلح "historical"، والمصطلح "sychronic" يكافئ المصطلح "non - historical" والوصف التزامني للغة ما يقدم بيانا عن اللغة كما تكون في نقطة زمنية معينة. والثنائية الثالثة هي التي تربط بين علم اللغة النظري وعلم اللغة التطبيقي1، وباختصار يدرس علم اللغة النظري اللغة واللغات بقصد بناء نظرية لبنيتها ووظائفها بغض النظر عن أية تطبيقات عملية قد تكون للبحث في اللغة واللغات، بينما لعلم اللغة التطبيقي -حسب ما يعني به- تطبيق تصورات علم   1 علم اللغة التطبيقي "applied Linguistics" فرع من علم اللغة يعنى أساسا بتطبيق النظريات والمناهج والاستنتاجات اللغوية في تفسير المشكلات اللغوية التي تنشأ في قطاعات أخرى من الأنشطة وأكثر فروعه تطورا هو تعليم اللغات الأجنبية وتدريسها ولا يعد تعلم اللغات الأجنبية وتدريسها المجال الوحيد الذي يشتمل عليه علم اللغة التطبيقي فهناك تعليم اللغة الأم وتنمية مفرداتها في الأساليب والترجمة وتخطيط السياسة اللغوية القومية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 اللغة ونتائجه على مهام عملية متنوعة تشمل تعليم اللغة، والمميز بين النظري والتطبيقي مستقل من حيث المبدأ عن المميزين الآخرين اللذين ذكرناهما حتى الآن، ويوجد -عند التطبيق- اختلاف ضئيل بين مصطلحي "علم اللغة النظري" "وعلم اللغة العام" يسلم به معظم أولئك الذين يستخدمون مصطلح "علم اللغة النظري" فهدف علم اللغة النظري صياغة نظرية مرضية لبنية اللغة عموما، وبقدر ما يلقى علم اللغة التطبيقي من اهتمام يكون من الواضح أنه يعتمد على كلا الفرعين الدراسيين اللغويين العام والوصفي. والثنائية الرابعة والأخيرة تتعلق بوجهة نظر أضيق، ووجهة نظر أشمل في مجال الدراسة اللغوية، وليس هناك مميز اصطلاحي مقبول بصفة عامة، وسوف نستخدم المصطلحين1 "علم اللغة البحت" "microliguistics" وعلم اللغة الموسع2 "macrolinguistics" على أن تقول إن المرء يتبنى في علم اللغة البحت وجهة النظر الأضيق وفي علم اللغة الموسع يتبنى وجهة النظر   1 وردت ترجمة هذين المصطلحين في "معجم مصطلحات علم اللغة الحديث" وطبع نخبة من اللغويين العرب - كالآتي marolinguistics = دراسة أنواع اللغة الإنسانية، micrelinguistics= علم اللغة البنيوي وأرى أن هذه الترجمة أوفق؛ لأن ترجمه المصطلح الأول في المعجم المذكور غير مناسب -على الأقل- في هذا السياق، أما المصطلح الثاني فإن ترجمته تلتبس مع ترجمة المصطلح: "strunctral Linguistics" وقد ترجمه المعجم المذكور بعلم اللغة البنيوي أيضا، ويعضد الترجمة الواردة في القص ما ذكره جون ليونز في فقرة تالية من أن بعض المؤلفين يدرجون ما يسمى هنا بعلم اللغة الموسع ضمن علم اللغة التطبيقي. 2 علم اللغة الموسع "s"؛ macrolinguistic مصطلح استخدمه بعض اللغويين وبصفة خاصة في العقد السادس من القرن العشرين لتحديد التصور الأشمل للتفسير اللغوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الأشمل2، ويعنى علم اللغة البحت في حالته الأكثر ضيقا ببنية النظم اللغوية فحسب بما لا يتعلق بالطريقة التي تكتسب بها اللغة، أو يحتفظ بها في المخ، أو تستخدم في وظائفها المتنوعة، ومما لا يتعلق بالاعتماد المتبادل بين اللغة والثقافة، وبما لا يتعلق بالميكانيكية الفسيولوجية والسيكولوجية التي يشتمل عليها السلوك اللغوي باختصار بما لا يتعلق بأي شيء خلاف النظام اللغوي لذاته وفي حد ذاته "كما عبر سوسير أو بالأحرى محررو كتابه" ويعنى علم اللغة الموسع في حالته الأكثر شمولا بكل شيء يتعلق بأي شكل من الأشكال -على الإطلاق- باللغة أو اللغات. ولما كانت كثير من فروع المعرفة -خلاف علم اللغة- تعنى باللغة فلن تكون مستغربة تلك المناطق المتداخلة بين فروع المعرفة العديدة التي تقع في إطار علم اللغة الموسع والتي تأخذ أسماء مميزة مثل: علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي، وعلم الأجناس اللغوي، وعلم الأسلوب ... إلخ. وما ينبغي أن نؤكد عليه أن المميز بين علم اللغة البحث، وعلم اللغة الموسع مستقل عن المميز بين علم اللغة النظري وعلم اللغة التطبيقي، وهناك -من حيث المبدأ- جانب نظري في كل فرع من فروع علم اللغة الموسع، ويحدث كذلك في مجالات علم اللغة التطبيقي مثل تعليم اللغة أن يكون من   1 أدت الاهتمامات المتداخلة لعلم اللغة والفروع العلمية الأخرى إلى نشأة فروع حديدة مثل علم اللغة الأنثرولوجي "anthropological lingustics" وعلم اللغة البيولوجي "biolinguistics" وعلم اللغة الآلي "compuational Ltnguistics" وعلم اللغة الإنثولوجي "ethnolinguistics" وعلم اللغة الرياضي "mathematica Linguistics" وعلم اللغة العصبي "neurolinguistics" وعلم اللغة النفسي "psycholinguistics" وعلم اللغة الاجتماعي "socielinguistics". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الضروري الأخذ بوجهة النظر الأشمل أكثر من وجهة النظر الأضيق الخاصة ببنية اللغات ووظائفها، وهو ما يفسر إدماج بعض المؤلفين ما يسمى هنا بعلم اللغة الموسع في إطار علم اللغة التطبيقي. وسوف نلقي نظرة على بعض مجالات علم اللغة الموسع في الفصول الأخيرة وقد يعتقد أن علم اللغة -من جهة الأهمية المعترف بها للغة في كثير من فروع المعرفة- ينبغي أن يأخذ الرؤية الممكنة الأكثر شمولا الخاصة بمادة بحثها، وهنا مفهوم يكون ذلك فيه صحيحا، والمشكلة أنه لا يوجد الآن، وربما لم يوجد من قبل إطار نظري مرض يمكن أن نرى من خلاله اللغة -في وقت واحد- بوجهة النظر النفسية، والاجتماعية، والثقافية، والجمالية، والعصبية "ولا نذكر وجهات نظر أخرى عديدة وثيقة الصلة على حد سواء" وأكثر اللغويين يذهبون هذه الأيام إلى أن علم اللغة البحت النظري التزامني يشكل لب تخصصهم العلمي ويعطيه مهما كان الوحدة والتماسك، ونصف هذا الكتاب تقريبا سيكرث لهذا اللب الرئيسي، وبقيته سيهتم بعلم اللغة التاريخي وبمجالات منتقاة من علم اللغة الموسع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ثانيا: هل "علم اللغة" علم ؟ يعرف علم اللغة1 عادة بأنه العلم الذي يختص بمجال اللغة أو أنه الدراسة العلمية للغة، ويجب ألا يمر دون دون تعليق الواقع الفعلي الخاص بوجود قسم في هذا الكتاب، وفي الدراسات التمهيدية الأخرى لعلم اللغة، يخصص بشكل واضح لمناقشة الوضع العلمي لعلم اللغة، ورغم كل شيء فإن فروع المعرفة   1 وقد استخدم في الآونة الأخيرة مصطلح "العلوم اللغوية "Linguistic sciences" يشمل كلا من علم اللغة "Linguistics" وعلم الأصوات "phonetics" بيد أن مصطلح "علم اللغة" لا يزال مفصلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ذات المكانة العلمية غير المتنازع عليها لا تشعر بالحاجة إلى تحقيق دعواها بكونها علوما، لماذا يعنى علم اللغة بالدفاع عن أحقية هذا اللقب؟ ولماذ وهو بصدد الدفاع عن مصداقية علميته يعطي انطباعا عن إصرار زائد إلى حد بعيد؟ للقارئ الحق كل الحق في أن يكون شاكا ومرتابا. والنقطة الأولى التي يجب الإشارة إليها أن كلمة "science"؛1 في اللغة الإنجليزية أضيق بكثير -من حيث ما تشير إليه- من كثير من الكلمات المترجمة المكافئة لها والمقبولة تقليديا في اللغات الأخرى مثل "wissenchaft" الألمانية، و"nauka" الروسية، وحتى "sciencs" الفرنسية، ويعاني علم اللغة أكثر مما تعانيه معظم فروع المعرفة من المتضمنات الخاصة إلى حد بعيد للكلمتين الإنجليزيتين "science" و"scientific" اللتين تشيران أولا وقبل كل شيء إلى العلوم الطبيعية ومناهج البحث المميزة لها، ويظل هذا صحيحا على الرغم من أن عبارات مثل: "العلوم الاجتماعية"، و"العلوم السلوكية"، وحتى "العلوم الإنسانية" شائعة بشكل متزايد، فهل يجب علينا إذن أن نفسر كلمة "science" الواردة في عنوان هذا القسم لتعني ببساطة: "فرع أكاديمي من فروع المعرفة مؤسس على نحو لائق"؟ ويوجد المزيد مما يتصل بهذه المسألة خلاف هذا التفسير المقترح، ومعظم اللغويين الذين يؤيدون تعريف تخصصهم بالدراسة العلمية للغة يفعلون ذلك؛ لأنهم يحملون في أذهانهم ما يميز الطريقة العلمية والطريقة غير العلمية في معالجة الأمور، وربما كانوا على خلاف حول بعض متضمنات مصطلح "علمي" كغيرهم من فلاسفة العلم ومؤرخيه، إلا أنهم متفقون- بصفة عامة- حول   1 علم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الاختلافات الأساسية بين الدراسة العلمية للغة والدراسة غير العلمية لها، ولنبدأ إذن بنقاط الاتفاق هذه. أولى هذه النقاط وأهمها أن علم اللغة تجريبي أكثر منه حدسي أو تأملي فهو يتعامل مع المعلومات الواضحة التي يمكن التثبت منها والتي حصلنا عليها عن طريق الملاحظة أو التجربة، والإنصاف بالتجريبية -بهذا المعنى- يعد السمة المميزة إلى حد بعيد للعلم في نظر معظم الناس، ويرتبط بخاصة كونه مؤسسا بطريقة تجريبية كونه موضوعيا، واللغة شيء ما نميل إلى أخذه كقضية مسلم بها، وشيء ما نألفه منذ الطفولة بطريقة عملية بعيدة عن التفكير وهذه الألفة العملية تميل إلى أن تحل محل الفحص الموضوعي، وتوجد كل أنواع التحيزات الاجتماعية، والثقافية, والقومية المرتبطة بوجهة نظر غير المتخصص في اللغة وفي اللغات المعينة، فعلى سبيل المثال قد يعتقد أن نبرة أو لهجة للغة ما معينة أنقى بشكل متأصل من غيرها أو مرة أخرى ربما كانت أكثر بدائية من غيرها، وتتطلب الموضوعية -على الأقل إلى حد بعيد- أن تقابل معتقدات كهذه بالتحدي، وإما أن نحدد مصطلحات كنقي وبدائي بشكل واضح أو تستبعد. وكثير من الأفكار التي تدور حول اللغة والتي يخضعها اللغوي للمناقشة إذا لم يتخل عنها تماما قد تبدو قضية معنى شائع بكل ما في الكلمة من معنى، غير أنها كما علق بلومفيلد على طريقة المفاهيم الشائعة في التعامل مع القضايا اللغوية "تشبه الأمور الكثيرة الأخرى التي تبدو على غير حقيقتها كمفهوم شائع، وهي في الحقيقة معقدة بدرجة عالية، ومأخوذة من أمد غير بعيد من تأملات فلاسفة العصور القديمة والوسطى"، وليس لدى اللغويين جميعهم ما لدى بلومفيلد من نظرة عدم الرضا لهذه التأملات الفلسفية عن اللغة، لكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ما يقصده -بصفة عامة- صحيح، فالمصطلحات التي يستخدمها غير المتخصص في الحديث عن اللغة، والمواقف التي يتخذها إزاءها لها تاريخها، وستبدو عادة تلك المصطلحات والمواقف -بوضوح- قل تسليما بها أو أقل قابلية للتطبيق أو الاستعمال إذا ما عرف شيئا عن أصولها التاريخية. ولن نبحث تاريخ علم اللغة في هذا الكتاب، ومع ذلك فإن بعض التعليقات العامة مرتبة، ومن عادة الدراسات التمهيدية لعلم اللغة أن ترسم مميزا حادا بين النحو التقليدي وعلم اللغة الحديث واضعة للمواقف العلمية لعلم اللغة الحديث في مواجهة المواقف غير العلمية للنحو التقليدي، ويوجد مبرر جيد لرسم هذا المميز، وإظهار أن الكثير من التصورات الخاطئة الشائعة عن اللغة والمتداولة في مجتمعنا يمكن تفسيرها تاريخيا من خلال الافتراضات الثقافية والفلسفية التي تحدد تطور النحو التقليدي, وسنذكر بعض هذه التصورات الخاطئة وسنتناولها بالمناقشة في القسم التالي، ومع ذلك ينبغي أن نؤكد على أن علم اللغة -كغيره من فروع المعرفة- لم يشيده في الماضي تحدي القواعد والأصول التقليدية فحسب بل تطويرها وإعادة تشكيلها أيضا، وتهمل أكثر الأعمال الحديثة في علم اللغة وهي بصدد وصفها المتقدم العظيم الذي حدث في البحث العلمي في اللغة في المائة سنة الماضية التأكيد على استمرارية النظرية اللغوية الغربية من مهدها إلى وقتنا الحاضر، وتنطوي على مفارقة تاريخية إلى حد ما أيضا في فشلها في معالجة النحو التقليدي من خلال الأهداف التي حددها بنفسه، ويجب ألا ننسى أن المصطلحين: علم, وعلمي "أو إرهاصاتهما" قد فسرا تفسيرا مختلفا في مراحل مختلفة. ويجب أن نوضح أن ما يشار إليه بصفة عامة بواسطة مصطلح "النحو التقليدي" -أي: النظرية اللغوية الغربية التي ترجع إلى عصر النهضة، وفي العصور الوسطى إلى الرومان وتعود قبل ذلك إلى المدرسة الإغريقية- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أكثر ثراء وتنوعا مما هو معروف بشكل شائع، وأكثر من ذلك فمن المعناة كثيرا أن يدرس تلك الصورة المشوهة غير المفهومة للنحو التقليدي أجيال من الطلاب الكارهين لها، وفي السنوات القليلة الماضية بدأ اللغويون في تبني وجهة نظر أكثر توازنا بشأن إسهام النحو التقليدي- وسنواصل استخدام هذا المصطلح- في تطوير تخصصهم العلمي، ولا تزال كثير من البحوث تجري حول المصادر الأساسية المتبقية من الفترات الأولى إلا أن العديد من الكتب التي تؤرخ لعلم اللغة المتاحة في الوقت الحاضر تقدم بيانا مرضيا حول نشأة النحو التقليدي وتطوره أكثر مما كان متاحا لجيل بلومفيلد والجيل التالي له. دعنا الآن نعود إلى الحالة الراهنة لعلم اللغة، إنه -بلا ريب- أكثر موضوعية وتجريبية في مواقفه وافتراضاته المعلنة في كل الأحوال من النحو التقليدي، وسنلقي نظرة أكثر تفصيلا على بعض هذه المواقف والافتراضات في القسم التالي، لكن هل هو -عتد التطبيق- تجريبي وموضوعي كما يدعي هناك -بالتأكيد- مجال للشك، ويوجد أيضا مجال للاختلاف في أكثر مستويات المناقشة تعقيدا فيما يتعلق بطبيعة الموضوعية العلمية وإمكانية تطبيق ما يشار إليه -عموما- بالمنهج العلمي في دراسة اللغة. وفي واقع الأمر لن يقبل العلماء وفلاسفة العلم بوجود منهج تحقيق مفرد يمكن تطبيقه في كل فروع العلم لفترة طويلة وعلى نطاق واسع، ومصطلح "المنهج العلمي" بالذات أصبح عتيقا وباليا منذ القرن التاسع عشر، ويعتقد أحيانا أن التحقيق العلمي يجب أن يقوم على أساس التعميمات الاستقرائية المؤسسة على الملاحظة الحرة نظريا، وهو في الحقيقة ما يتمسك كثير من الناس بأن مصطلح "المنهج العلمي" يتضمنه، لكن القليل من العلماء هم الذين يعملون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وفق هذه الطريقة دائما حتى في العلوم الطبيعية، وعلى كل حال فإن الموضوعية العلمية معناها لا يتضمن بالتأكيد أن العالم يجب أن يمتنع عن التنظير وعن صياغة الفرضيات العامة حتى يجمع القدر الكافي من المعلومات، فالمعلومات العلمية التي تظهر عادة تستمد من التجربة ولا تخضع لها، وتتضمن الملاحظة اهتماما مختارا، فليس هناك شيء مثل نظرية محايدة، وملاحظة غير مقيدة بفرضية، ومجموعة معلومات، ويمكننا أن نستخدم عبارة حديثة متداولة وهي إن الملاحظة بالضرورة ومنذ البداية نظرية محملة وهذه العبارة يرجع أصلها إلى بوبر. والعبارة مثيرة للفكر والجدل، وقد نشأت رد فعل لوجهة النظر التجريبية القوية في العلم التي طرحها أصحاب المذهب الوضعي المنطقيون في الفترة السابقة على الحرب العالمية الثانية، وطلاب علم اللغة يجب أن يعرفوا شيئا ما عن المذهب التجريبي1، والمذهب الوضعي2، وبدون هذه المعلومات- رغم أنه لا حاجة إلى التعمق أو التفاصيل- من غير المتوقع أن يفهموا بعض المقالات النظرية والمنهجية التي تصنف مدارس علم اللغة في الوقت الحاضر، وما يلي يعد الحد الأدنى الضروري من المعلومات الخلفية نقدمها -بقدر الإمكان- بغير   1 المذهب التجريبي "empiricism" ينكر وجود مبادئ أولية خاصة بالعقل ويقرر أن التجربة مصدر المعرفة. 2 المذهب الوضعي "positivism" مذهب أوجست كونت الذي يقرر أن الفكر الإنساني لا يدرك سوى الظواهر الواقعة المحسوسة وما بينهما من علاقات أو قوانين وأن المثل الأعلى لليقين يتمثل في العلوم التجريبية وأنه يجب من ثمة العدول عن كل بحث في العلل والغايات ويدل كونت على نسبية معارفنا بعرض تاريخ العقل فيقول: إن العقل مر بحالات ثلاث: حالة لاهوتية، وحالة ميتافيزيقية، وحالة واقعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 تحيز وبغير التزام بأي جانب في مجالات المناقشة المعروفة، والمناقشات التي يجب إضافتها وثيقة الصلة ليس بعلم اللغة فحسب ولكن بالعلم ككل، ولكن لها ارتباط خاص باللغوي بصدد تلك التطورات الحديثة في علم اللغة وفلسفة اللغة المرتبطة بأعمال تشومسكي وأفكاره التي لها أثرها الجدير بالاعتبار إلى حد بعيد على المناقشة الأعم الخاصة بالمذهب التجريبي والمذهب الوضعي التي أثارها الفلاسفة وعلماء النفس والعلماء الاجتماعيين الآخرين "انظر 7 - 4". والمذهب التجريبي يتضمن ما هو أكثر بكثير من تبني الطرق التجريبية في التحقيق والإثبات، ولذلك يوجد مميز حاسم يرسم بين التجريبي "empiricist" والاتصاف بالتجريبية "cmpirical"، ومصطلح "المذهب التجريبي" يشير إلى وجهة النظر التي تذهب إلى أن كل المعلومات تأتي عن طريق التجربة -والكلمة الإغريقية "empeiria" تعني تقريبا "التجربة" وعلى الأخص الآتية من الملاحظة والمعلومات الحسية، ويقابل مصطلح "المذهب العقلي" في جدال فلسفي استمر طويلا, وهي من الكلمة اللاتينية "ratio" وتعني في هذا السياق العقل "mind/ inellect /resson" ويؤكد أتباع المذهب العقلي على الدور الذي يلعبه العقل في اكتساب المعرفة ويتمسكون -بصفة خاصة- بوجود تصورات أو قضايا أولية1 "تعني كلمة أولية في التفسير التقليدي لها "المعرفة التي لا تعتمد على غيرها"" يفسر العقل في ضوئها المعلومات المستمدة من التجربة، وسوف نعود إلى بعض الجوانب الأخرى الأكثر خصوصية من الجدل الدائر بين المذهب التجريبي والمذهب العقلي2 عند مناقشتنا للتوليدية "انظر 7 - 4".   1 أي: تلك التصورات والقضايا التي تصلح لأن تكون مقدمات لما بعدها وليست مستنتجة من تصورات أخرى قبلها. 2 يذهب العقليون إلى أن العقل هو الأصل الذي يصدر عنه كل علم= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ولسنا في حاجة -فيما نحن بصدده- لرسم مميز بين المذهب التجريبي والمذهب الوضعي فالأول له تاريخ أطول وهو أرحب مجالا باعتباره موقفا فلسفيا، لكنهما صهران طبيعيان مرتبطان ارتباطا وثيقا بكل ما يعنينا هنا، ويعتمد المذهب الوضعي على المميز بين ما يسمى بالمعلومة الوضعية للتجربة والتأمل الواقع وراء نطاق الخبرة بأنواعها المختلفة، ويتجه المذهب الوضعي إلى أن يكون علمانيا مجافيا لما وراء الطبيعة من حيث النظرة، ويستبعد أي احتكام للكينونات اللافيزيائية، وقد كان هدف المناطقة من أتباع المذهب الوضعي في دائرة فينا إنتاج نظام مفرد للعلم الموحد تتمثل فيه الكتلة الكلية للمعرفة الوضعية وهي في نهاية المطاف مثل مجموعة من القضايا المصوغة صياغة دقيقة. وقد تخلى في الوقت الحاضر مبدأ التحقيق والإثبات "على الرغم من أنه يلعب دوره في صياغة نظرية الحقيقة المشروطة للمعنى "انظر 5 - 1"" ويجوز مبدأ الردية "reductionism" قبولا أقل بكثير -بصفة عامة- من قبل العلماء والفلاسفة عما كان الأمر عليه عندما كتب بلومفيلد كتابه الأساسي المشهور في علم اللغة عام 1933، وذكر بلومفيلد في هذه النقطة لأنه ولا عجب ألزم نفسه بشدة بالمذهبين التجريبي والوضعي، وهو ما يتضح بشكل حقيقي بينما يذهب التجريديون إلى أن التجربة مصدر العلم ويشبهون العقل قبل التجربة بصفحة بيضاء وقد يسمى هذا المذهب بمذهب الحسين وثمة مذهب ثالث هو مذهب النقديين الذين يحاولون التوفيق بين الدعوى المتعارضة التي يدعيها أصحاب المذهبين الآخرين ويمكن القول بأن الفارق بين المذهب العقلي والمذهب التجريي أن أتباع المذهب الثاني يرفضون أفكار أتباع المذهب الأول رفضا تاما, بينما لا ينكر أتباع المذهب الأول إلا أن يكون هناك علم ضروري صادق مصدره التجربة وحدها فالعقل له القدرة على ابتداع المعاني والتصورات وللتأليف بينها بفطرته ويطبع العلم الإنساني برمته بطابع الصدق والحمق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 إلى حد بعيد في الفصل الثاني من كتابه، وقد ارتبط -في الواقع- ارتباطا وثيقة بحركة وحدة المعرفة، وأقرت كلية مبدأ الردية الأمر الذي جعله أكثر من أي شخص آخر بالنسبة لعلم اللغة -وبصفة خاصة في أمريكا- مثالا للعلمية الحقيقية، ومن ثم يوجد ميراث للمذهبين التجريبي والوضعي في علم اللغة يمكن بيانه تاريخيا. ولم يعد مبدأ الردية المذهب الوضعي بصفة أعم مثيرا لمعظم العلماء كما كان الأمر يوما ما، ومما هو مقبول اليوم على نطاق واسع أنه ليس هناك ما يعد منهجا علميا واحدًا يمكن تطبيقه في كل المجالات، وأنه لا يسمح بوجود مداخل متنوعة باعتبارها مسألة ضرورة قصيرة الأمد في فروع المعرفة المختلفة فحسب ولكن قد يكون ذلك مبررا لمدة طويلة أيضا بسبب الاختلافات الخاصة بموضوعات البحث التي لا يمكن اختزالها، وقد عبر بعض فلاسفة العلم عن شكوكهم حول منهاج أتباع المذهب الوضعي بصدد تفسير العمليات العقلية بواسطة المناهج والتصورات المميزة للعلوم الطبيعية وذلك منذ القرن السابع عشر أيام ديكارت وهوبز، وكثير من علم النفس وعلم الاجتماع في القرن العشرين ومثله الكثير مما يدخل في علم اللغة في القرن العشرين يتصف بالوضعية، غير أن -فروع المعرفة الثلاثة كلها وبصورة أكثر وضوحا علم اللغة- دخلت فيها الوضعية حديثا تحت وطأة اعتبارها عقيمة وغير قادرة على أداء مهامها. قصارى القول إنه لم يعد هناك إجابة مرضية عما إذا كان فرع من فروع المعرفة يتصف بالعلمية أم لا يتصف بها حتى لو كانت الإجابة ممكنة عن طريق الرجوع إلى ما يعرف بالمنهج العلمي، وكل علم مؤسس بشكل جيد يستخدم أبنيته النظرية المميزة ومناهجه الخاصة به في الحصول على المعلومات وتفسيرها، وما أشرنا إليه في الفصل السابق كتصور -النظام اللغوي- يمكن أن يوصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 بطريقة أكثر علمية كبناء نظري، والقضايا التي يمكن أن تثار حول حقيقة هذه الأبنية تشبه إلى حد كبير تلك التي يمكن أن تثار حول الأبنية الموجودة في الطبيعة والكمياء الحيوية، ومع ذلك فمن الأفضل أن نتعرف على كل بناء نظري معروض من حيث ما يفي به فيما يتعلق بالمعلومات. وكل ما قلناه عن المذهب التجريبي والمذهب الوضعي وعن المكانة الراهنة لما يعرف بالمنهج العلمي يميل إلى أن يكون حقيقيا وغير متنازع عليه، ولنتحول الآن إلى نقاط الاختلاف. النقطة الأولى تتعلق بما تتضمنه فكرة بوبر الخاصة بالملاحظة التي تتصف بالنظرية المحملة، والخلاف حول استخدام مصطلح نظرية، وما يذكره بوبر مهجما له المميز الحاد الذي رسمه المناطقة أتباع المذهب الوضعي بين الملاحظة التي يلزم أن تكون محايدة نظريا وبنية النظرية التي يلزم أن تكون حالة من التعميم الاستقرائي، ولقد كان -بلا شك- على حق في تحديه حدة هذا المميز وعلى الأخص وجهة النظر التي تذهب إلى أن الملاحظة ومجموعة المعلومات يمكن -ويجب- أن تخطو خطوات إلى الأمام بصدد صياغة الفرضيات، وثمة قضية شائعة فاختيار المعلومات تحدده بعض الفرضيات التي يرغب العالم في اختيارها وليست القضية كيفية الوصول إليها، وحقيقية إن مفهوم أتباع المذهب الوضعي في عدم اختيارية الملاحظة ومجموعة المعلومات غير صحيح لا يعني عدم وجود فاصل -على الإطلاق- بين تصورات النظرية، وتصورات ما قبل النظرية، ومن التعامل السيئ لمصطلح نظرية أن ندرج تحتها كل الأفكار المكونة سلفا، والتوقعات التي يدنو بها المرء مما يمكن ملاحظته ويصنع اختياره، وسنتناول المميز بين تصورات النظرية وتصورات ما قبل النظرية في مواضع عديدة في الفصول الأخيرة، وسنفترض أن الملاحظة- رغم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 أنها مختارة بالضرورة -يمكن أن تكون موضع ضوابط منهجية مرضية في علم اللغة كما هو الحال في العلوم التجريبية الأخرى. ونقطة الخلاف الثانية وهي ذات أهمية خاصة في علم اللغة في الوقت الحاضر تتعلق بدور الحدس والمشكلات المنهجية التي تثار في هذا الشأن، ويحمل مصطلح "حدس" في طياته ارتباطات يومية إضافية غير ملائمة، وكل ذلم مضمر عندما يشار إلى حدس المتكلم الأصلي عن لغته وهي أحكامه اللغوية غير المكتسبة بالثقافة حول قبول الأقوال أو عدم قبولها، وحول الأقوال التي تتكافأ أو التي لا تتكافأ وهلم جرا، وجاءت فترة اعتقد فيها بعض اللغويين -من حيث المبدأ- إمكانية التخلص من ضرورة سؤال المتكلمين الأصليين أن يصدروا مثل هذا الأحكام التخلص من ضرورة سؤال المتكلمين الأصليين أن يصدروا مثل هذه الأحكام الحدسية عن لغتهم ببساطة عن طريق جمع مجموعة كاملة ضخمة -بشكل كاف- من المعلومات المذكورة بطريقة محايدة وإخضاعها للتحليل الشامل المنظوم، ولا يأخذ بهذا الرأي في أيامنا هذه سوى قلة من اللغويين، وأصبح من الواضح أن كثيرا من الأقوال المذكورة بطريقة طبيعية تكون -لأسباب غير متصلة باللغة- غير مقبولة كما أنه لا توجد مجموعة كاملة من المواد مهما كانت ضخامتها تشمل أمثلة من كل نوع من الأموال المقبولة، غير أن تعامل اللغوي مع الشاهد الحدسي يظل موضع خلاف ولهذا الخلاف شقان. الأول يتعلق بقضية ما إذا كان الحدس الذي يشير إليه اللغوي يعد جانبا من القدرة اللغوية للمتكلم الأصلي أم لا، ولو أن الأمر كذلك فتبعا لتعريف تشومسكي للقدرة وحسب صياغته لأهداف علم اللغة يصبح الحدس نفسه جانبا ينبغي على ما وصف أي لغة معينة أن يقدم بشكل مباشر بيانا عنه، وقد لا يرغب معظم اللغويين في القول بأن وصف لغة ما ينبغي أن يعالج حدس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 المتكلم الأصلي باعتباره معلومات وسنعود إلى هذه القضية عند مناقشتنا للتوليدية. والجانب الثاني من الخلاف يتعلق بكون أحكام المتكلم الأصلي كتقريرات أو أخبار عن السلوك اللغوي الخاص به وبغيره جديرة بأن يعول عليها، والرأي العام المجمع عليه بين اللغويين يبدو أنه يذهب إلى أن مثل هذه الأحكام -في جوانب معينة على الأقل- غير جديرة بالاعتماد عليها إلى حد بعيد، فالمتكلمون الأصليون لا يختلفون فيما بينهم على نحو متكرر حول ما يمكن قبوله عندما لا يكون هناك سبب آخر يدعو للاعتقاد بأنهم يتكلمون لهجات مختلفة فحسب ولكن أحكامهم يبدو أنها تتغير من حين لآخر، وأكثر من ذلك فإنه كثيرا ما يحدث أن يستبعد متكلم أصلي بعض الأقوال التي يضعها أمامه اللغوي الوصفي على أنها غير مقبولة, ثم إذا به يسمع أو يسمع نفسه يصدر ذلك القول نفسه في بعض سياقات الاستخدام الطبيعية، وبقدر ما يلقى استبطان اللغوي لغته من اهتمام فإنها على الأقل غير جديرة بالاعتماد عليها مثل حدس غير المتخصص، وإن كان ذلك يرجع عادة لأسباب أخرى، وقد يكون اللغوي أقل اهتماما من غير المتخصص بالمستويات المشتركة التقليدية للاستخدام الصحيح "فعلى سبيل المثال يقبل بسهولة تامة أنه من الطبيعي أن يقول lts me أكثر من lt is I" غير أن أحكامه أكثر عرضة لأن يشوهها إدراكه لم فيها من تضمينات لهذا الموضوع النظري أو ذاك، واستبطان اللغوي سلوكه اللغوي الخاص به وبغيره يمكن أن يعد- بصور جيدة- نظرية محملة إذا لم تعد الملاحظة المباشرة للحوار التلقائي كذلك. وهناك في الحقيقة مشكلات منهجية هامة إلى حد بعيد تتعلق بمجموعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 المعلومات الجديرة بأن يعول عليها في الإطار الكلي لموضوعات علم اللغة النظري إلا أنها ليست أكثر خطرا من تلك المشكلات المنهجية التي تواجه أولئك الذين يعملون في علم النفس أو علم الاجتماع أو العلوم الاجتماعية بصفة عامة، واللغوي في جوانب معينة في وضع أفضل مما فيه معظم العلماء الاجتماعيين حيث يتضح له إلى حد ما مدى ما يمكن ملاحظته في السلوك اللغوي ومدى ما لا يمكن ملاحظته، وأكثر من ذلك توجد مجالات جديرة بالاعتبار إلى حد بعيد في وصف أي لغة لا يكون -بالنسبة له- عول حدس المتكلم الأصلي وحتى استبطان اللغوي قضية خطيرة لذلك يجب ألا يبالغ المرء في المشكلات المنهجية التي تظهر في مجال البحث اللغوي. وقد أشرنا في الفقرة السابقة إلى علم النفس، وعلم الاجتماع، والعلوم الاجتماعية الأخرى وكثير من اللغويين وربما الأغلبية منهم يصنفون تخصصهم المعرفي ضمن العلوم الاجتماعية، غير أن علم اللغة لا يمكن تصنيفه بسهولة ضمن أي قسم من أقسام البحث الأكاديمي التي تعد أساسا للتفرقة بين العلم والفنون أو المميز الثلاثي للعلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم أو الدراسات الثقافية، والاستخدام المتزايد لعبارات مثل: "علوم الحياة"، "والعلوم السلوكية"، "والعلوم الإنسانية"، و"علوم الأرض" تشير إلى أن كثيرا من فروع المعرفة تشعر بالحاجة إلى إعادة التصنيف الاستراتيجي أو التكتيكي الذي يراعي قليلا المميزات التقليدية. وعلى كل حال فإن وجود علم اللغة -كتخصص جامعي- أو عدم وجوده في كلية دون أخرى يعد مسألة إدارية، وعلم اللغة كما أكدنا من قبل له روابطه الطبيعية بإطار أوسع من فروع المعرفة الأكادمية، والقول بأن "علم اللغة" علم لا ينفي أنه -بفضل موضوعات بحثه- يرتبط ارتباطا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وثيقا بفروع معرفية إنسانية شهيرة مثل الفلسفة والنقد الأدبي. وفي الفصول التالية سنذكر عددا من الأسس التي يسلم بها اللغويون في وقتنا الحاضر -بصفة عامة- وسنتناولها بالمناقشة، والجانب الأعظم منها يمكن أن يبدو مأخوذا من المثال العلمي للموضوعية، ومنذ أن أكد علم اللغة موضوعيته وصارت له استقلاليته التي ادعاها كثيرا في هذا الشأن عن النحو التقليدي أصبحت هذه الأسر تقف في مواجهة مع الأسس التي تحدد المواقف والافتراضات المميزة للنحو التقليدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ثالثا: المصطلحات والرموز لكل فرع علمي مفرداته التقنية الخاصة، ولا يستثنى علم اللغة في ذلك ومعظم المصطلحات الفنية التي يستخدمها اللغويون نشأت خلال عملهم، ويفهمها بسهولة أولئك الذين يدخلون هذا التخصص متعاطفين وغير متحاملين. ويحدث الاعتراض أحيانا عندما تكون المصطلحات اللغوية لعلم اللغة وكذلك اللغة التي يستخدمها معقدة بلا ضرورة، لماذا يميل اللغوي هكذا إلى خلق مصطلحات جديدة؟ ولماذا لا يقنع بأن يتحدث عن الأصوات، والكلمات وأقسام الكلام بدلا من اختراع مصطلحات فنية جديدة كالوحدة الصوتية "الفونيم"1، والوحدة الصرفية "المورفيم"2 والوحدة النحوية2؟   1 انظر الفصل الخاص بالأصوات. 2 الوحدة الصرفية "المورفيم" "morpheme" أصغر وحدة متميزة في النحو، وبؤرة اهتمام علم الصرف والدافع الأساسي لوجود هذا المصطلح وما يشير إليه أن يكون بديلا عن الكلمة بعد أن ثبت صعوبة التعامل= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 والإجابة على ذلك أن معظم المصطلحات المتداولة التي تستخدم فيما يتعلق باللغة -وكثير منها نشأ عرضا كمصطلحات فنية للنحو التقليدي- غير دقيقة وملبسة، وهذا لا يعني أن اللغوي -ككل المتخصصين- قد لا يكون مذنبا في أوقات الحذلقة الاصطلاحية في غير موضعها، وعلى كل حال ومن حيث المبدأ فإن المفردات التخصصية في علم اللغة إذا سيطر عليها الاستخدام المناسب المنظم فإنها ستعمل على التوضيح أكثر من التعمية، إنها تزيل قدرا كبيرا من اللبس والفهم الخاطئ المحتمل. وما يتعلق بالمصطلحات العلمية يتعلق بالرموز، فنحن نستخدم اللغة لنتحدث عن كل من اللغة عموما واللغات المعينة، ونحن إذ نفعل ذلك نحتاج إلى أن يكون في إمكاننا تحديد الجزء أو القسم أو السمة التي تختص باللغة المعنية   = معها كما أنها قد تكون معقدة للغاية والبنية كما تعد الوحدة الصرفية "المورفيم" أصغر الوحدات ذات الوظيفة في تصنيف الكلمات وتصنيف الوحدات الصرفية "المورفيمات" عموما إلى صيغ حرة وهي المورفيمات التي يمكن أن تذكر ككلمات منفصلة، صيغ مقيدة وهي المورفيمات التي لا يمكن أن تذكر ككلمات منفصلة وتذكر أساسا كلواحق وسوابق لذلك؟؟؟؟ كلة unselfish" تتكون من ثلاثة مورفيمات un/ self/ ish الأول والثالث فيها صيغتان مقيدتان والثاني صيغة حرة، وتعد الكلمة التي تتكون من مورفيم مفرد حر كلمة ذات مورفيم واحد وتقابل الكلمة ذات المورفيمات المتعددة. ويمكن أن نميز أيضا بين المورفيمات المعجمية والمورفيمات النحوية، فالمورفيمات المعجمية هي التي تستخدم في بناء كلمات جديدة في لغة ما كما يحدث في الكلمات المركبة compound words مثل black bird واللواحق والسوابق أما المورفيمات النحوية فهي التي تستخدم للتعبير عن العلامة بين الكلمة وسياقها مثل الجمع أو الزمن الماضي، والمورفيمات النحوية التي تعد كلمات منفصلة يطلق عليها اسم الكلمات الوظيفية أو الأدوات. وقد كان تطبيق المفاهيم المورفيمية على نطاق واسع بصفة خاصة في الأربعينات، والخمسينات من هذا القرن في الدراسات اللغوية لما بد بلومفيلدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 التي تشير إليها تحديدا دقيقا، واستخدام الاصطلاحات الرمزية الخاصة يجعل ذلك أكثر سهولة، فعلى سبيل المثال قد تكون في حاجة إلى التمييز بين معنى كلمة ما وصيغتها، أو بين كليهما والكلمة نفسها، ولا توجد -من سوء الحظ- مجموعة من الاصطلاحات الرمزية مقبولة بشكل عام يمكن لهذه المميزات ولغيرها أن ترسم بواسطتها، وفي عملنا هذا سنصنع استخداما مميزا لعلامات التنصيص المفردة، وعلامات التنصيص المزدوجة, والحروف المائلة فعلى سبيل المثال سنميز بين كلمة "aable" المكتوبة بالحروف القائمة، والمكتوبة بالحروف المائلة، على أن تشير الأولى للمعنى وأن تشير الثانية للصفة "أو إحدى الصيغ الخاصة بها" وكي نستخدم هذين الرمزين يجب أن نحافظ على مميز -كما سنرى بعد- بين معنيين على الأقل لكلمة "كلمة" يشير المعنى الأول إلى ما نتوقع إدراجه في قائمة معجم اللغة ويشير المعنى الثاني إلى ما يكتب بين مسافات كسلسلة من الحروف في نص مكتوب. وهناك رموز أخرى أدخلت مؤخرا تمكننا من تمييز الصيغ المنطوقة من الصيغ المكتوبة، والصيغ المنطوقة بنوع "الصوتي" عن الصيغ المنطوقة بنوع "الفونولوجي" وهلم جرا، والقضية العامة التي أثرناها هنا أن تلك الاصطلاحات الرمزية المتنوعة -إن لم تكن جوهرية بصورة مطلقة- فهي على الأقل نافعة إلى حد بعيد لغرض الإشارة إلى المعلومات اللغوية وهي تجعل ما نتكلم عنه واضحا، ولها فائدة إضافية فهي تجبر اللغوي على التفكير بعناية في مميزات خاصة قد تمر دون ملاحظة في ظروف أخرى، وكثيرا ما يثبت صعوبة كونها ثابتة على الإطلاق عند تطبيق بعض الاصطلاحات الرمزية المعينة، وتؤدي هذه الصعوبة حينئذ إلى إعادة تحديد المميز النظري الذي صيغ الاصطلاح الرمزي لأول مرة، وهي إحدى الطرق التي يحدث بها التقدم في أي فرع من فروع المعرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 رابعا: اللغة وصفي وليس معياريا ... رابعا: علم اللغة وصفي وليس معياريا 1: يستخدم مصطلح "وصفي" "deseriptive" هنا بمعنى مختلف عن المعنى الذي يقابل فيه "عام" من ناحية أو "تاريخي" من ناحية أخرى، والتقابل الذي يتعلق بهذا المكان هو ذلك الذي يربط بين كيف تكون الأشياء، وكيف يجب أن تكو الأشياء والمصطلح البديل المعياري "prescriptive" بالمعنى الذي يقابل فيه المصطلح "وصفي" "descriptive" هو "normative" والقول بأن علم اللغة وصفي "أي: غير معياري" يعني أن اللغوي يحاول كشف القوانين التي تسير الجماعة اللغوية -في أدائها اللغوي الفعلي- وفقا لها وتسجيلها ولا يسعى إلى فرض قوانين ومستويات صواب أخرى "أي: دخيلة" عليهم. ومن الممكن أن يلتبس استخدام كلمة "قانون" -وقد فرغت للتو من التفرقة بين الوصفية والمعيارية- بين هذين المعنيين المختلفين إلى حد بعيد، ويتحدث اللغويون -سواء أكان ذلك صوابا أم خطأ- بهذه المصطلحات، وربما كان مفيدا لهذا السبب أن نوضح الاختلاف بين نوعين من القوانين -دعنا نطلق عليهما القوانين الداخلية، والقوانين الخارجية على الترتيب- من شيء آخر خلاف استخدام اللغة، لنتكلم عن السلوك الجنسي في مجتمع بعينه فلو أننا تبنينا وجهة النظر الوصفية البحتة "أي: غير المعيارية" في بحث السلوك الجنسي فسوف نحاول الكشف عن كيفية السلوك الفعلي للناس ما إذا كانوا يمارسون الجنس غير الشرعي، وإن كانوا يمارسونه فما نوع هذا الجنس وفي أي مرحلة من العمر، وما إذا كان الأزواج والزوجات مخلصين   1 فهدف علم اللغة وصف حقائق الاستخدام اللغوي كما هو وليس كما ينبغي أن تكون فيما يتعلق ببعض الحالات النموذجية الحقيقية أو المتخيلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 -أو غير مخلصين- بدرجة واحدة لزوجاتهم أو لأزواجهن وهلم جرا، وبقدر ما يكون سلوك مجموعات معينة داخل المجتمع محكوما في الواقع بمبادئ يمكن تحديدها -سواء أكان أفراد هذه المجموعات يعترفون بهذه المبادئ أو حتى على وعي بها أم لا- نستطيع أن نقول إن سلوكهم محكوم بقانون: القوانين الداخلية في سلوكهم العملي، لكن مثل هذه القوانين "إن صح أن نسميها قوانين" مختلفة إلى حد بعيد في هيئتها إن لم يكن في محتواها عن قوانين السلوك التي قد يحكم بها القانون أو الدين المعتنق -ببساطة- قواعد السلوك وآدابه الواضحة المتعارف عليها، والناس في ممارستهم قد يقرون -أو لا يقرون- ما أدعوه بالقوانين الخارجية "أي: الدخيلة أو غير الداخلية" للسلوك الجنسي، وأكثر من ذلك قد يوجد اختلافات بين كيف يتصرفون وكيف يتكلمون أو حتى يفكرون فيما فعلوه، وكل هذه الاختلافات لها متعلقاتها المتبادلة التي تتصل بالسلوك اللغوي، والمميز الأكثر أهمية على كل حال هو الذي يربط بين القوانين الخارجية "أي: المعيارية" والقوانين الداخلية "أي: الوصفية"، فالمعيارية أوامر "قل كذا أو لا تقل كذا"، والوصفية تقريرات "الناس تقول كذا أو لا تقول كذا". وسبب إلحاح اللغويين هذه الأيام على ما يميز بين القوانين الوصفية والقوانين المعيارية يعود ببساطة إلى أن النحو التقليدي يتصف بالمعيارية اتصافا شديدا، ويراه النحاة كما لو كانت مهمته صياغة مستويات الصواب وفرضها -إن لزم الأمر- على متكلمي اللغة، وكثير من القواعد المعيارية للنحو التقليدي، تبدو معروفة للقارئ مثل: لا تستخدم أبدا نفيا مزدوجا مثل "I didnt do nothing" ولا تختم الجملة بحرف جر مثل "thats the"؛ "man l was spesking to" وأين الفعل "to be" يأخذ حالة واحدة بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وقبله، وعليه يجب أن تصحح "lts me" إلى "lts l" وأن تكون "Ain t" خطأ وأنه يجب ألا نقسم المصدر كما في "l want you to clearly understand" حيث أدخلت "clearly" بين "to" و"understand". والتفكير في الأمثلة المذكورة كورة أعلاه يظهر بسرعة أنها متغايرة الخواص إلى حد بعيد، وهناك بعض اللهجات الإنجليزية لا يستخدم فيها أبدا ما يسمى بالنفي المزدوج "أي: لا تستخدم فيها أبدا "l didt do nothing" كمكافئ العبارة: "l did t do anything" في اللغة الإنجليزية المشتركة" غير أن هناك لهجات أخرى تعد فيها -من وجهة النظر الوصفية البحتة- البنية الصحيحة، وعندما تقدم الأسباب لإدانة النفي المزدوج باعتباره غير صحيح -بواسطة بعض المبادئ المعيارية- فيما يتعلق بذلك الاستخدام الفعلي الذي قد يحكم عليها وتوجد على غير المستوى المطلوب يكون المنطق بمثابة محكمة الاستئناف، ويخبرنا المنطق بأنه يقال إن نفيين يصنعان إثباتا، وهو ما يقتضي تعليقات عديدة، أولها إن هذا القول يدل على الفهم الخاطئ لما يقوم به المنطق وكيفية قيامه بها، غير أننا لسنا في حاجة إلى التعمق في البديهات المنطقية، ولا في القضية المعقدة عن كيفية ارتباطا ما يدعى بالمنطق الطبيعي للسلوك اللغوي المعتاد بنظم المنطق التي شيدها المناطقة وبحثوها، والقضية ببساطة أنه لا يوجد شيء مختل منطقيا بشكل متأصل فيما يسمى بالنفي المزدوج، وفي اللهجات التي يستخدم فيها باطراد تؤدي دورها بطريقة منظمة تماما وفق القوانين النحوية ومبادئ التفسير الداخلية لسلوك الجماعات اللهجية، موضع البحث، والقضية الثانية التي تتولد في الذهن أن ما يسمى ببنية النفي المزدوج لا يمكن وصفه وصفا مناصبا كما يؤدي دوره في لهجات إنجليزية معينة دون أن نأخذ في حسابنا عنصري النبر والتنغيم، وتجيز قوانين اللغة الإنجليزية المشتركة "أي: القوانين المتأصلة في السلوك اللغوي للمتكلمين بلهجة إنجليزية معينة" قولك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 I didn t do nothing "لتعني على وجه التقريب Its not true"؛ "that I did nothing" بشرط أن تكون didnt منبورة أو أن تكون do أو nothing منطوقة بنبر ثقيل بشكل خاص وذلك مع تضمينات أو افتراضات مسبقة إضافية، وفي اللهجات التي يكون فيها "I didnt do nothing" مع نبر عادي غير مشدد يمكن أن تعني "I didt do anything" يكون لها أيضا المعاني التي لها في اللغة الإنجليزية المشتركة غير أن النبر والتنغيم يمنعان اللبس، وأخيرا يمكن أن نلاحظ وجود لغات كثيرة يذكر فيها ما يطلق عليه بنية النفي المزدوج في اللهجة الأدبية المشتركة وذلك مثل اللغة الفرنسية، واللغة الإيطالية، واللغة الإسبانية، واللغة الروسية -ولا نذكر سوى قلة من اللغات الأوروبية الحديثة الأكثر شيوعا، وحتى أعظم اللهجات مكانة في الإغريقية القديمة- الإغريقية الكلاسيكية كما استخدمت في كتابات أفلاطون "Plato" أو سوفوكليس "sophocles" أو ثوسيديدس "Thucydides" أو المؤسس الأول للمنطق أرسطو "Aristotle" نفسه سيوجد فيها بنية النفي المزدوج على الرغم من أن النحو التقليدي قد أخذ مصادره من وصف اللهجات الأدبية الإغريقية القديمة! وبعض القواعد المعيارية الأخرى في النحو التقليدي مثل تخطئة انقسام المصدر "to clearly understand" أو الخاصة بـ"Its me" مأخوذة من تطبيق مبادئ وتصنيفات -أسست في المقام الأول لوصف الإغريقية واللاتينية- على اللغة الإنجليزية، واللغات التي تكون فيها الصيغ التي ينطبق عليها مصطلح "مصدر" صيغ أحادية الكلمة هي اللغة الإغريقية واللغة اللاتينية، واللغة الفرنسية، واللغة الجرمانية، واللغة الروسية.. إلخ، وتبعا للنحو التقليدي فإن الصيغ الثنائية الكلمة "to understand"؛ و"to go". إلخ تسمى أيضا مصادر مع أن وظيفتها تشبه جزئيا فقط وظيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 المصادر اللاتينية، وكما رأينا أخيرا سواء أكانت الصيغة التي يمكن قسمتها "بالمعنى الذي نتحدث فيه عن المصدر المنقسم" أحد المعايير الأساسية التي يطبقها اللغوي ليقرر ما إذا كانت الصيغة موضع البحث صيغة أحادية الكلمة أم صيغة ثنائية الكلمة فمن المفترض أنه بواسطة معايير أخرى وبواسطة تقاليد الكتابة الخاصة باللغة المكتوبة ألا يكون هناك مانع -من حيث المبدأ- من أن ينقسم ما يسمى بالمصدر في اللغة الإنجليزية وهو في الصيغة الثنائية الكلمة، وفيما يتعلق بالنقد الموجه إلى "Its me".. إلخ فإن حقيقة الوضع الذي يشار إليه في النحو التقليدي باعتباره اختلاف في الحالة1 "I في مقابل me، وshe في مقابل her، وhe في مقابل him ... إلخ" لا يوجد في كل اللغات، كما أنه لا يوجد شيء يمكن أن يميز من خلال وظيفته وخصائصه النحوية كفعل يعني "to be" وأكثر من ذلك فإن اللغات التي فيها كل من الحالة والفعل الذي يمكن تمييزه باعتباره مكافئا لـ"ess" اللاتيني أو "to be" الإنجليزي تتنوع الأبنية الموجودة فيها وتعارض الحالة التي هي عليها بشكل مباشر القانون: الفعل "to be" يأخذ حالة واحدة قبله وبعده، ذلك القانون المعياري المؤسس على اللغة اللاتينية الذي لا يمكن أن يلقى تأييدا على نطاق أكثر اتساعا. ومما يسترعي الانتباه بشكل كاف أن كثيرا من المتكلمين الذين يعدون من وجهة نظر النحاة التقليديين نماذج جيدة للمتحدثين بالإنجليزية يقولون ويكتبون:   1 الحالة "case" فصيلة نحوية "grammatical category" تستخدم في تحليل أصناف الكلمات "word classes" لتمييز العلاقة النظمية بين الكلمات في جملة ما من خلال تقابلات مثل الفاعلية والمفعولية، والتصنيف التقليدي كما تجده في النحو اللاتيني يعتمد على تنوع الصيغ الصرفية للكلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 He told you and l, between yuy and l.. إلخ، ومثل هذه الأبنية تنتقض قانونا معياريا آخر للغة الإنجليزية وهو أن "الأفعال وحروف الجر تتحكمان في مفعولهما في حالة المفعولية"، ومن المفترض أن تكون هذه الأبنية قد نشأت نتيجة اللحن الاشتقاقي أي: التوسع في تطبيق بعض الأسس والقوانين -على أساس من الفهم الخاطئ لمجال تطبيقها- على مجموعة من الظواهر لا تنطبق أساسا عليها، وطبيعة القانون المعياري مفهومة خطأ- والكثير من المتكلمين ممن قد يقولون بطريقة طبيعية: you and me will go" لا يقولون أبدا "me will go" ولا "He told I" ويفسر كبديل عن التوجيه "لمن يعاني رداءة الأداء في اللغة الإنجليزية" بإحلال "you" و"I" مكان "yot" و"me" أو ""me" و"you"" في جميع مواضع ذكرها، وهي لا تؤثر في إنتاج ما يقبل به النحوي التقليدي على أنه صواب فحسب مثل "you and I will go together" .... إلخ ولكن تؤثر كذلك في إنتاج ما قد يدينه مثل: "you and I"، و"He told yot and I" إلخ وهو ما لا يتضمن بطبيعة الحال أن المتكلم باللغة الإنجليزية يقول "between you and I وyou and I He told" ... إلخ يقوم بنفسه بعملية إجراء التطبيق أو التطبيق الخاطئ للقانون التقليدي، وهذ الأبنية شائعة الآن في كلام المتكلمين باللغة الإنجليزية المشتركة من الطبقتين الوسطى والعليا في إنجلترا لدرجة أنه من الواجب أن يتعلمها ربما معظم أولئك الذي يستخدمونها بطريقة طبيعية في العملية العادية لاكتساب اللغة، وثمة شك ضئيل -رغم ذلك- حول ما إذا كانت نشأتها ترجع إلى عملية اللحن الاشتقاقي. ولا يمكن للمنطق كما لا يمكن لنحو اللغة اللاتينية أن يكون بمثابة محكمة استئناف عندما نكون بعدد ما إذا كان شيء ما في اللغة الإنجليزية صوابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أم خطأ، ولا يمكن كذلك أن يكونا سلطة لا معقب لها من التقليد من أجل التقليد ""هذا ما تعلمته وتعلمه آبائي، وما تعلمه آباء آبائي"" ومن أجل استخدام أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم أفضل الكتاب في اللغة، وثمة وجهة نظر شائعة في مجتمعنا -أو كانت موجودة حتى وقت قريب- تذهب إلى أن التغير اللغوي يتضمن بالضرورة انحطاطا أو فسادا في اللغة، وهي وجهة نظر لا يمكن الدفاع عنها، فكل اللغات عرضة للتغيير وهي حقيقة ثابتة بطريقة الاستقراء، ومهمة علم اللغة التاريخي أن يبحث تفصيل التغير اللغوي عندما يكون متاحا للبحث، وأن يبني نظرية تفسيرية للتغير اللغوي تسهم في فهمنا لطبيعة اللغة، والعوامل التي تحدد التغير اللغوي معقدة ولا نفهم حتى الآن إلا جانبا منها فحسب، غير أنه يكفي ما هو معروف الآن -وما هو معروف منذ منتصف القرن التاسع عشر- لأن يكون واضحا لأي مراقب غير متحيز للتغير في اللغة أن ما هو مدان في أي وقت باعتباره فسادا أو خطأ في مستويات الاستخدام التقليدية يمكن دائما أن يكون له مثيل في تطور سابق من النوع نفسه في الاستخدام الذي يتعامل معه التقليديون أنفسهم باعتباره صوابا غير قابل للخطأ. وفيما يتصل بمبدأ اتباع المستويات التي وضعها الكتاب والكبار المعترف بهم فإن هذا المبدأ لا يمكن الدفاع عنه كذلك -عدم إمكانية الدفاع يعني فيما يتعلق بالاستخدام المتداول بشكل عام- فليس من سبب يدعونا للاعتقاد بأن الكاتب -حتى لو كان عبقريا- تحوطه العناية الإلهية بمعرفة موثوقة ومؤكدة للقوانين الخارجية للصواب تمتنع عن بقيتنا، وقد حدث ذلك لدرجة أن اكتسب النحو التقليدي نزعة أدبية قوية إلى حد بعيد، ويرجع ذلك إلى أنه في فترات هامة عديدة في تطور الثقافة الأوروبية من فترة مدرسة الإسكندرية -في القرن الثاني قبل الميلاد إلى عصر النهضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الإنسانية- خضع الوصف النحوي للإغريقية أولا ثم للاتينية لمهمة عملية تجعل الأدب في المرحلة الأولى متاحا لأولئك الذين لم -وبطبيعة الأشياء لا يستيطعون- يتكلموا بطريقة طبيعية اللهجة الإغريقية أو اللاتينية التي قامت عليها لغة النصوص الكلاسيكية، والنزعة الأدبية للقواعد التقليدية لا يمكن أن توضح توضيحا تاريخيا فحسب بل يمكن تبريريها إلى حد بعيد بقدر ما يلقى وصف الإغريقية واللاتينية من اهتمام، وهو ما لا يمكن تبريره إلى حد بعيد عندما نأتي إلى الوصف النحوي للغات الحديثة المنطوقة. ولا توجد مستويات صواب مطلقة في اللغة، ونستطيع أن نقول عن أجنبي إنه أخطأ إذا قال شيئا ينتقض القوانين الداخلية في استخدام المتكلمين الأصليين، ونستطيع أيضا أن نقول -إذا أردنا- عن متكلم ممن يتكلمون بلهجة اجتماعية أو إقليمية للغة الإنجليزية إنه تكلم بطريقة مخالفة للنحو لو أن قوله انتقض القوانين الداخلية في اللغة الإنجليزية المشتركة، غير أننا في قولنا هذا نفترض بالطبع أن هذا المتكلم يقصد أو ربما يجب أن يقصد استخدام اللغة الإنجليزية المشتركة، وهو افتراض يحتاج في حد ذاته إلى إثبات. ويجب أن نؤكد الآن -وهذه نقطة قد أسيء فهمها كثيرا- أنه عند رسم مميز بين الوصف والمعايرة لا يقول اللغوي بعدم وجود مكان على أية حال لتأسيس مستويات الاستخدام ومعايرتها فهناك فوائد تعليمية وإدارية واضحة في عالمنا المعاصر لتوحيد اللهجة الأساسية التي تستخدم في دولة معينة أو في منطقة معينة، وعملية التوحيد هذه حدثت خلال فترة طويلة في بلدان غربية كثيرة يتدخل من الحكومة أو بدون تدخل منها، وهو ما يحدث الآن بشكل متزايد في كثير من البلدان النامية في إفريقيا وآسيا كسياسة رسمية، ومشكلة اختيار لغة معينة، أو لهجة معينة وتوحيدها وتدعيمها على حساب غيرها أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 محفوف بالمصاعب الاجتماعية والسياسية، وهو قسم مما سنسميه التخطيط اللغوي ويعد أحد القطاعات الهامة في مجال علم الاجتماع اللغوي التطبيقي. ويجب ألا نعتقد أن إنكار اللغوي لأن يكون كل تغير في اللغة تغيرا للأسوأ يعني ضمنا أن يكون التغير في اللغة تغيرا إلى الأفضل، فهو لا يعبر إلا عن شكوكه في الإعجاب الدال على عدم التفكير في معايير مشكوك فيها تجريبيا، ويسلم بأنه قد يكون من الممكن -من حيث المبدأ- أن نقيم اللهجات واللغات من خلال ما يتصل بها مرونة، وإمكانية التعبير، والدقة، والإمكانيات الجمالية، كما يسلم بالتأكيد بأن استخدام المتكلمين والكتاب -الأفراد- للهجتهم أو لغتهم يتفاوت فعاليته، ومع ذلك لا يستطيع إلا أن يقرر -على أساس من العمل الأكثر اتصافا بالعلمية الذي أجري على اللغة واللغات في الأعوام الأخيرة- أن معظم الأحكام حول هذه الأمور ذاتية إلى حد بعيد، واللغوي باعتباره أحد أفراد الجماعة اللغوية له تحيزاته الخاصة وهي إما تتصل به شخصيا أو تستمد من خلفيته الاجتماعية والثقافية والجغرافية، وقد يكون محافظا أو تقدميا حسب مزاجه، ومواقفه تجاه لغته الخاصة لن تكون أقل ذاتية في هذا الخصوص من مواقف غير المتخصص، فقد يجد في نبرة معينة أو لهجة معينة ما يرضيه أو ما لا يرضيه، وقد يصحح حتى كلام أطفاله إذا وجدهم يستخدمون طريقة في النطق أو كلمة أو تركيبا نحويا يتجهم له المتشددون، لكنه وهو يفعل ذلك -إن كان صادقا مع نفسه- يعرف أن ما يصححه ليس خطأ متأصلا، لكنه خطأ متصل ببعض المستويات التي يرغب لأولاده أن يتبنوها لأسباب تتصل بالمكانة الاجتماعية أو الفائدة التربوية. وبقدر ما يلقى موقفه من اللغة الأدبية من عناية يكشف اللغوي ببساطة أن اللغة تستخدم في العديد من الأغراض، وأن استخدامها فيما يتصل بهذه الأغراض لا يجب أن يحكمه معايير يمكن تطبيقها على اللغة الأدبية، بمفردها أو عليها بصفة أساسية، وهذا لا يعني أنه يعادي -بأي شكل من الأشكال- الأدب أو دراسة الأدب في مدارسنا وجامعاتنا، فعلى العكس من ذلك نجد كثيرا من اللغويين لهم اهتمام خاص بالبحث في الأغراض الأدبية التي توظف لها اللغة ويكمن نجاحها في تحقيق تلك الأغراض، وهو ما يعد جزءا -هاما إلى حد بعيد- من الفرع المعروف بعلم الأسلوب في علم اللغة الموسع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 خامسا: أولوية الوصف التزامني . مبدأ أولوية الوصف التزامني الذي يميز معظم النظرية اللغوية في القرن العشرين يعني ضمنا ألا تكون الاعتبارات التاريخية متصلة بموضوع بحث حالة متعلقة بزمن معين للغة ما، وقد ورد من قبل مصطلحا دي سوسير: وصفي "Synchronic" وتاريخي "diachronic" انظر 2 - 1" ويمكننا أن نستخدم إحدى ثنائيات دي سوسير لنوضح أولوية الوصف التزامني على الوصف التاريخي. دعنا نقارن التطور اللغوي للغة معينة بمباراة شطرنج تدور أمامنا، فحالة المسطح الخشبي تتغير باستمرار كما أدى لاعب حركته، ورغم ذلك فإنه في أي وقت من الأوقات يمكن أن يوصف وضع المبارة وصفا إجماليا من خلال الأوضاع التي تشغلها قطع الشطرنج "وفي الواقع إن هذا الوصف ليس صحيحا تماما فعلى سبيل المثال يتأثر وضع المبارة بقدر ما تلقى إمكانيات التحصين من عناية بتحريك الملك من مكانه الأصلي وإليه، ويمكن أن نهمل مثل هذه النقاط التفصيلية الثانوية التي يمكن أن تتحطم فيها ثنائية دي سوسير" دون اهتمام بخطط اللاعبين التي بلغت وضعا محددا في المبارة، وبغض النظر عن عدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الحركات السابقة أو طبيعتها أو ترتيبها، فالحالة الراهنة للمبارة يمكن أن توصف وصفا تزامنيا دون الإشارة إليها، وكذلك الأمر تبعا لسوسير فيما يتعلق بالتطور التاريخي للغات فكل اللغات تتغير باستمرار لكن كل حالة من الحالات المتعاقبة للغة ما يمكن -ويجب- أن توصف في حد ذاتها دون الإشارة إلى الحالة التي تطورت منها أو التي يبدو أنها ستتطور إليها. وقد يبدو ذلك كله نظريا ومجردا بدرجة عالية غير أن له تضمينات عملية إلى حد بعيد، أولها يتعلق بما سأدعوه الزيف التأصيلي، والتأصيل1 دراسة أصول الكلمات وتطورها، وقد أخذ وجهته -بقدر ما تلقى التقليدية النحوية الغربية من اهتمام- في تأملات بعض الفلاسفة الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد ويكشف مصطلح التأصيل عن نفسه بنفسه، فالمصطلح يتضمن الحروف اللاتينية التي تكتب بها صيغة الكلمة الإغريقية "etumos" ومعناها أصلي أو حقيقي، وتبعا لإحدى مدارس فلاسفة القرن الخامس ترتبط كل الكلمات -بطريقة طبيعية أكثر منها عرفية- بما تشير إليه، وقد لا يكون هذا الارتباط واضحا لغير المتخصص غير أن الفلاسفة يستطيعون توضيحه حيث يستطيعون إبانة الحقائق التي تقع وراء مظاهر الأشياء، واختراق المظاهر المختلفة عادة بالتحليل الدقيق للتغيرات التي تحدث في تطور صيغة كلمة ما أو معناها للكشف عن أصل الكلمة، ويكشف معناها الحقيقي عن إحدى حقائق طبيعتها، وما أشرت إليه بالزيف التأصيلي هو ذلك الافتراض الذي يذهب إلى أن الصيغة الأصلية أو المعنى الأصلي لكلمة ما -بالضرورة وبفضل الحقيقة المجردة- هي الصيغة الصحيحة أو المعنى الصحيح، وهذا   1 التأصيل "etymology" مصطلح يستخدم استخداما تقليديا لدراسة أصول صيغ الكلمات ومعانيها، وبدلا من أن يأخذ التأصيل طرائقه ومناهجه من علم اللغة "وبصفة خاصة علم الدلالة" فإنه قد يبدو فرعا من علم اللغة التاريخي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الافتراض يتمسك به على نطاق واسع، كيف نواجه عادة القول بأن كلمة كذا وكلمة كذا بسبب مجيئها من اللغة الإغريقية، أو اللغة اللاتينية، أو اللغة العربية، أو أي لغة أخرى يجب أن يكون معناها الصحيح في لغة الأصل؟ وهذا القول غير صحيح؛ لأن الافتراض المفهوم ضمنا الحقيقة الأصلية أو التوافق المناسب بين الصيغة والمعنى التي يقوم عليها القول لا يمكن إقامة الدليل عليه. وقد قام التأصيل في القرن التاسع عشر على أقدام ثابتة أكثر مما كان عليه في الفترات السابقة، وليس هناك أنسب مما قرره فولتير "voltaire" من أن التأصيل علم لا تلقى فيه الحركات اهتماما بينما تلقى الصوامت قليلا من الاهتمام، ويعد التأصيل -كما يمارس اليوم- فرعا هاما من فروع علم اللغة التاريخي وللتأصيل -كما سنرى في الفصل السادس- أسسه المنهجية الخاصة التي تعتمد بشكل موثوق به على شواهد كمية ونوعية تحتشد عليها، وفي أمثلة مواتية تكون الثقة في إعادة البناء التأصيلي حقيقية إلى حد بعيد. ومن النقاط التي أصبحت واضحة لعلماء التأصيل في القرن التاسع عشر، ويسلم بها الآن كل اللغويين أن معظم كلمات معجم أي لغة من اللغات لا يمكن العودة بها إلى أصولها، والكلمات التي خلقت عن عمد عن طريق استعارة صيغ من لغات أخرى أو باستخدام أي قاعدة أخرى ليست نموذجا للمفردات ككل، وينطبق ذلك أيضا -وبالتأكيد- على ما يعتبر مفردات أكثر أساسية وغير اصطلاحية في لغة من اللغات، وما يقوم به عالم التأصيل اليوم أنه يربط الكلمات الخاصة بحالة لغة ما يمكن وصفها وصفا تزامنيا بما يصدق عليها أو بما أعيد بناؤه من حالات سابقة من اللغة نفسها أو من بعض اللغات الأخرى، لكن كلمات الحالة السابقة للغة نفسها أو كلمات اللغة الأسبق تطورت هي أيضا من كلمات أخرى قبلها، وما إذا كانت الصيغ أو المعاني الخاصة بهذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الكلمات الأسبق يمكن أن تكشف عنها وسائل علم التأصيل أم لا يعتمد على الشواهد الباقية على قيد الحياة، فعلى سبيل المثال يمكن أن تربط الكلمة الإنجليزية المعاصرة "ten" بالكلمة الإنجليزية القديمة التي صيغتها إما "ten" "بحركة طويلة" أو "tien" ويمكننا أن نربط الكلمة الإنجليزية القديمة -من خلال حالات افتراضية متعاقبة- بالكلمة الهندية الأوروبية الأم المعاد بناؤها بالصيغة: "dekm" ومعناها أيضا "ten" لكننا لا نستطيع أن نذهب بأي قدر من الثقة وراء ذلك، وحتى الكلمة الهندية الأوروبية الأم "dekm" -العلامة النجمية التي تتصدر الكلمة تبين أنها معادة البناء وليست حقيقية "انظر: 6 - 3"- لا تعد بشكل واضح أصلا بأي معنى تام لكل الكلمات التي تطورت منها في اللغات التي يمكن أن نحدد هويتها على أنها تنتسب إلى الأسرة الهندية الأوروبية، فمن المؤكد أنها نفسها قد تطورت من كلمة أخرى "قد تكون وقد لا تكون بمعنى "ten" - لا توجد طريقة لمعرفة ذلك" تنتسب إلى معجم لغة أخرى، وهذه الكلمة بدورها جاءت من كلمة أخرى أسبق في لغة أخرى وهلم جرا، وعموما فإن علماء التأصيل لا يعنون هذه الأيام بأصول الكلمات، وفي الحقيقة إنهم يذهبون إلى أنه في كثير من الأمثلة "مثل كلمة "ten"" لا معنى للاستفسار عن أصل كلمة ما، وكل ما يستطيع علماء التأصيل أن يخبرونا به -بثقة تزيد وتنقص حسب الدليل- أن كذا وكذا هو الصيغة أو المعنى الخاص بكلمة معينة لسلف مفترض أو معروف بشكل ممعن في القدم. ويصل بنا ذلك إلى طريق من أكثر الطرق التي تتحطم فيها ثنائية سوسير وضوحا، فكل مبارة شطرنج تدور وفق قواعد، وهي تامة أي: لها بداية محددة ونهاية محددة، وذلك بخلاف اللغة، ولا ينحصر ذلك في قضية أن اللغات "بقدر ما نعلم" بدأت من وضع واحد ثم تطورت بأشكال مختلفة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 لكن من المستحيل أن نؤرخ لبداية لغة من اللغات إلا إذا كان الأمر لا يتعدى الاتفاق الاعتباطي والتقريب، فلا نستطيع على سبيل المثال أن نقول في أي وقت صارت اللغة اللاتينية المنطوقة لغة فرنسية قديمة أو لغة إيطالية أو لغة أسبانية، ولا نستطيع أن نقول في أي وقت انتهت لغة من اللغات باستثناء اللغات التي أصبحت هامدة بشكل مفاجئ إلى حد ما في الوقت الذي مات فيه آخر متكلم أصلي بها، فاللغات من وجهة النظر التاريخية ليس لها بدايات محددة أو نهايات محددة، وما إذا كنا سنذهب إلى أن اللغة الإنجليزية القديمة واللغة الإنجليزية الحديثة حالتان للغة واحدة أم أنهما لغتان مختلفتان هو في الملاذ الأخير حالة من الاتفاق والموائمة. ويوجد كذلك طريق آخر تتحطم عليه ثنائية دي سوسير، فمباراة الشطرنج تحكمها قواعد مصوغة بوضوح وفي إطار يخضع لهذه القواع، ويحدد اللاعبون مجرى أي مباراة فهي بين لاعبين أحدهما في مواجهة الآخر، ويحددون أيضا الهدف المعترف به منه، وبقدر ما نعلم ليس هناك اتجاه في التطور التاريخي للغات وربما كانت هناك مبادئ عامة معينة تحدد مراحل الانتقال من حالة للغة ما إلى حالة أخرى، ولكن حتى إذا وجدت مثل هذه المبادئ فلا يمكن مقارنتها مع قوانين مباراة يجريها الإنسان مثل الشطرنج، وسوف نلقي نظرة على ما يطلق عليه قوانين التغير اللغوي في الفصل السادس. ومبدأ أولوية الوصف التزامني يفهم منه عادة أنه يحمل ما يتضمن أنه بينما يعتمد الوصف التزامني على الوصف التاريخي فإن الوصف التاريخي يفترض سلفا التحليل التزامني السابق للحالات المتتابعة التي تمر من خلالها اللغة في مجرى تطورها التاريخي، وربما لم يمكن هذا وجهة نظر سوسير لكنه يترتب بالضرورة على ما يعد افتراضات مقبولة الآن على نطاق واسع حول طبيعة النظم اللغوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 ويتحدث اللغويون أحيانا بطريقة غامضة إلى حد ما كما لو كان مرور الوقت في حد ذاته كافيا لتوضيح تغير اللغة، وهناك عوامل كثيرة مختلفة داخل اللغة وخارجها يمكن أن تكون سببا في تغير حالة تزامنية إلى حالة تزامنية أخرى، وبعض هذه العوامل -وربما كان أكثرها أهمية- اجتماعية، ومرور الزمن وحده يسمح لهذا التفاعل المعقد أن يحدث ما يميز فيما بعد كمرحلة انتقال من حالة للغة لحالة أخرى. وأكثر من ذلك فإن مفهوم التطور التاريخي بين الحالات المتعاقبة للغة ما يكون ذا أهمية إذا ما طبق فقط على ما يتصل بالحالات اللغوية التي تبتعد نسبيا فيها الواحدة عن الأخرى من حيث الزمن، وقد أشرت من قبل لما أسميته تصور التجانس وهو مفيد وضروري فيما يتصل بهذا الموضوع، وعلى كل حال إذا افترضنا أن التغير اللغوي يشمل تحويلا مستمرا عبر الزمن لما يكون في أي وقت نظاما لغويا متجانسا إلى حد بعيد، فإن العملية الكاملة للتغير في اللغة ستبدو أكثر غموضا بكثير عما هي عليه في الحقيقة، وما يميز كلام مجموعة قليلة من أفراد جماعة لغوية لا وزن لها من حيث الظاهر في وقت من الأوقات قد ينتشر فيما بين معظم الجماعة عبر جيل واحد أو جيلين، وربما كان مشروعا إلى حد بعيد للغوي الذي يصف اللغة وصفا تزامنيا في أي من هاتين النقطتين الزمنيتين أن يهمل كلام الأقلية المختلف، لكنه إذا فعل ذلك واستمر يتكلم تاريخيا من أن أحد النظم اللغوية المتجانسة من الناحية التزامنية قد تحول إلى نظام لغوي آخر متجانس بصورة مماثلة فإنه سيكون متهما بتشويه الحقائق، وأسوأ من ذلك أنه يخاطر بأن يخلق لنفسه مشكلات نظرية زائفة لا حل لها، وبالمرة فإننا ندرك أنه ليست هناك لغة ثابتة أو موحدة حتى الآن، وبذلك نكون قد خطونا الخطوة الأولى تجاه التفسير النظري لاستمرارية التغير اللغوي من حيث الزمان، ومن حيث المكان، ولو أننا أخذنا حالتين تاريخيتين محددتين للغة ما لم تفصل بينهما فترة زمنية طويلة فمن المحتمل أن نجد أن معظم الاختلافات، بينهما موجودة كذلك كتنوع تزامني في كلا المرحلتين السابقة واللاحقة، ومن وجهة النظر المجهرية -باعتبارها متميزة عن وجهة النظر المجردة التي يتبناها المرء عادة في علم اللغة التاريخي- من المستحيل أن نرسم مميزا حادا بين التغير التاريخي والتنوع التزامني. والخلاصة إن مبدأ أولوية التنوع التزامني صحيح لكنه بدلا من أن يعتمد على تصور التجانس يجب أن يطبق بوعي وإدراك تام للحالات النظرية الخاصة بتصور النظام اللغوي، وهو ما يتصل بالنقطة التي سنتحول الآن إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 سادسا: البنية والنظام من تعريفات اللغة التي اقتبستها في الفصل الأول تعريف تشومسكي "مجموعة محدودة أو غير محدودة" من الجمل، كل جملة محدودة في الطول، ومركبة من مجموعة محدودة من العناصر" "انظر: 1 - 2" ودعنا نتبنى هذا التعريف باعتباره تعريفا جزئيا لمصطلح "النظام اللغوي" الذي أدخلناه -وسوف نعود إليه- لتوضيح بعض اللبس الذي يرتبط بالكلمة الإنجليزية1 "Language". وبقدر ما تتصف النظم اللغوية بهذا التعريف بالثبات والوحدة لا يمكن أن تتطابق مع اللغات الطبيعية الحقيقية فهي أبنية نظرية يفترضها اللغوي لشرح تلك الأشياء المطردة التي يجدها في السلوك اللغوي لأفراد جماعة لغوية معينة، وبصورة أكثر وضوحا في الإشارات اللغوية التي تعد نتاجا لسلوكهم   1 اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 اللغوي، واللغات الطبيعية الحقيقية -كما رأينا- ليست ثابتة ولا متجانسة، وعلى كل حال فهناك ثبات وتجانس كافيان في كلام أولئك الذين نعتبرهم بشكل عام متكلمين بلغة واحدة لافتراض اللغوي لنظام لغوي تحتي مشترك نافع ومسوغ بطريقة علمية ما لم يكن بصدد التعامل صراحة مع الاختلاف التاريخي والتزامني، وخلال الفصول الثلاثة القادمة سوف نسلم بصحة مفهوم النظام اللغوي كما هو محدد ومفسر هنا. والإشارات اللغوية التي يصدرها المتكلم الإنجليزي في فترة زمنية محددة بعضها يصنف على أنها جمل للغة وبعضها لا يصنف على أنها كذلك، ولسنا في حاجة إلى أن نستفسر في هذه المرحلة عن المعايير التي يتم بفضلها هذا التقسيم إلى جمل ولا جمل، ويوجد بشكل واضح مبادئ تحدد بناء نصوص ومقالات أكثر اتساعا، وأكثر من ذلك، فإن بعض هذه المبادئ يمكن بشكل معقول أن يتهم أي شخص يخل بها بكسر قواعد اللغة، ورغم أن الافتراض التقليدي الذي يذهب إلى أن معظم -إن لم يكن كل- ما تشمله معرفة لغة من اللغات يمكن تفسيره بواسطة بناء الجمل وتفسيرها لم يسلم في السنوات الأخيرة من التحديات فإنه لا يزال مقبولا لدى أغلبية اللغويين. دعنا نقول إن الجمل هي تلك التي تحددها علامة الترقيم في اللغة المكتوبة حسب ما هو متعارف عليه، واللغات الطبيعية -كما رأينا- لها خاصة إمكانية التحول في الوسيلة "انظر: 1 - 4"، وهذا يعني -بصفة عامة- أن أي جملة في اللغة المكتوبة، يمكن أن توضع في حالة تناظر مع جملة في اللغة المنطوقة والعكس بالعكس، والجمل المنطوقة -بطبيعة الحال- ليست مرقمة كذلك بأي شيء مكافئ على نحو دقيق للحرف الكبير الابتدائي أو للنقطة التي تختم بها الجملة أو علامة الوقف التام للجمل المكتوبة، ومع ذلك نستطيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 لأغراضنا الحالية أن نقيم تكافؤا غير دقيق ولكنه واف بالغرض بين علامات الترقيم في لغة مكتوبة وأنماط التنغيم في اللغة المنطوقة المناظرة لها. وقد ظهر مصطلح "بنية" بصورة بارزة في علم اللغة الحديث كما ظهر في كثير من فروع المعرفة، ولو أننا تبنينا وجهة النظر التي عبر عنها لأول مرة سوسير وهي مقبولة الآن لدى كل أولئك الذين يؤيدون مبادئ البنيوية فلن نقول إن نظاما لغويا ما له بنية فحسب ولكن إنه بنية ما، فعلى سبيل المثال بقدر ما تتشاكل اللغة الإنجليزية المنطوقة واللغة الإنجليزية المكتوبة "أي: يكون لها بنية واحدة" تكونان لغة واحدة، وليس هناك قاسم مشترك بينهما إلا البنية التي تشتركان فيها، والنظام اللغوي نفسه -من حيث المبدأ- مستقل عن الوسيلة التي يتحقق بها، فهو بهذا المعنى بنية مجردة تماما. والنظم اللغوية أبنية مزدوجة المستوى أي: لها خاصة الازدواجية "انظر: 1 - 5" فالجمل المنطوقة ليس مجرد مجموعة مؤتلفة من العناصر الفونولوجية، فهي أيضا مجموعة مؤتلفة من الوحدات النحوية، وتعريف تشومسكي الجزئي للنظام اللغوي باعتباره مجموعة من الجمل كل جملة منها محدودة في الطول ومركبة من مجموعة عناصر محدودة يجب أن يتسع ليأخذ في اعتباره هذه الخاصة الجوهرية في اللغات الطبيعية، ومن المحتمل منطقيا أن يتشاكل نظامان لغويان في مستوى دون أن يتشاكلا في المستوى الآخر، وفي الواقع كما أوضحنا من قبل أنه بسبب التشاكل الوثيق بصورة كافية من الناحية النحوية فإن ما يعرف بلهجات اللغة الصينية "على الرغم من أنها بعيدة عن أن تكون متشاكلة من الناحية الفونولوجية" يمكن أن توضع لغة واحدة مكتوبة غير أبجدية في حالة تناظر حسن على حد سواء مع كل منها، ومن المحتمل كذلك أن تتشاكل اللغات من الناحية الفونولوجية لكنها لا تتشاكل من النحوية وهذا الاحتمال يتحقق بدرجة تزيد أو تنقص لنقل من خلال متكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أصل اللغة الإنجليزية يتكلم لغة فرنسية سليمة من الناحية النحوية بلكنة إنجليزية رديئة بصفة خاصة، والأكثر إثارة أن استقلال النحو والفونولوجيا يظهر عادة بشكل مثير إلى حد بعيد في عملية التوليد اللغوي "انظر: 9 - 3". اللغات الطبيعية إذن لها مستويان للبنية وهذان المستويان مستقلان بمعنى أن البنية الفونولوجية للغة ما لا تحددها بنيتها النحوية، ولا نرغب على أي حال في أن نقول إن أي لغتين طبيعيتين يلزم أن يكون من الممكن سماع كل جملة منطوقة أو مكتوبة كما لو كانت جملة في اللغة الأخرى "مع اتحاد المعنى أو اختلافه"، غير أنه يحدث بشكل متكرر كنتيجة لاستقلال البنية النحوية والبنية الفونولوجية أن لا تمثل مجموعة واحدة مؤتلفة من العناصر "أصوات في الكلام وحروف في الكتابة الأبجدية" جملة واحدة بل جملتين أو أكثر، وقد تتميز هذه الجمل الواحدة منها عن الأخرى بالتنغيم أو علامات الترقيم مثلما يمكن أن يبدو على هذا النحو: 1- John says Peter has been here all the time 1. 2- 2 John says Peter has been here all the time. في اللغة الإنجليزية المكتوبة بواسطة الترقيم، وتتميز عادة الجملتان 1، 2 الواحدة منهما عن الأخرى في اللغة الإنجليزية المنطوقة بواسطة نمط التنغيم المركب عليهما، غير أنه يمكن أن تمثل مجموعة واحدة مؤتلفة من العناصر أكثر من جملة واحدة حتى بدون اختلاف في نمط التنغيم أو علامات الترقيم فعلى سبيل المثال.   1 قال جون: إن بتر كان هنا طوال الوقت. 2 جون كان هنا طوال الوقت هكذا قال بتر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 3- 1 we watched her box يمكن أن تكون إحدى جملتين إنجليزيتين، تكون "her" في إحداهما صيغة -صفة "انظر: his" وتكون "box" صيغة- اسم "انظر: suitcase"؛2 وفي الأخرى تكون "her" صيغة -ضمير، ":انظر: him"، وتكون "box" صيغة- فعل "انظر: wrestle""؛3 ولسنا في حاجة إلى القلق على تبرير التحليل النحوي التقليدي للجملة "3"، والذي نحتكم إليه تلميحا، وهو أمر سوف نشرع في معالجته فيما بعد، ويفي بالغرض الآن أنه يجب أن نثبت أن الجمل -كما تعرف تقليديا- لا يمكن تمييز الواحدة عن الأخرى بواسطة العناصر الفونولوجية التي تتركب منها، وفي الواقع كما يمكن أن نرى من الجملة "3" لا يمكن تمييزها حتى من خلال الوحدات النحوية التي تتركب منها دون أن نأخذ في الاعتبار جوانب أخرى من البنية النحوية تشمل مهمة الوحدات النحوية التي يطلق عليها تقليديا "أقسام الكلام" "اسم، فعل، صفة ..... إلخ". والوحدات النحوية التي تتكون منها الجمل لا تشبه العناصر الفونولوجية فهي كثيرة كثرة هائلة، ومع ذلك فهي تمثل العناصر الفونولوجية محدودة العدد، دعنا نقول إن كل نظام لغوي يفترض سلفا وجود قائمة محدودة من العناصر ومفردات محدودة من الوحدات "البسيطة" بالإضافة إلى مجموعة من القواعد "قد تكون من أنواع عديدة" تقيم علاقة متبادلة بين مستويي البنية, وتخبرنا عن أي المجموعات المؤتلفة من الوحدات تكون جملا في النظام اللغوي وأي منها -بشكل ضمني إن لم يكن بشكل صريح- لا تكون جملا فيه، ويجب أن يلاحظ -كما سنرى فيما بعد- أن مفردات لغة ما ليست   1 بمعنى رأينا حقيبتها، ورأيناها تنازل. 2 حقيبة سفر "مستطيلة مسطحة". 3 يتصارع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 مجموعة وحدات نحوية فقط، ولا يؤثر على جوهر ما قلناه هنا تعديلات أو تهذيبات اصطلاحية قد تدخل في الفصول التالية: وفيما نحن بصدده يمكن أن نعتبر ما يطلق عليه "الوحدات النحوية" صيغا أي مجموعة مؤتلفة من العناصر تكون كل مجموعة مؤتلفة يمكن تمييزها صيغة مميزة، لكن الصيغ بهذا المعنى لها معنى، ومعانيها بعيدة عن أن تكون مستقلة عن وظائفها النحوية وهو ما يتضح في حالة صيغة "her" و"box" في الجملة "3" وبالنظرة التقليدية يجب أن يكون هناك كلمتان "على الأقل" مختلفتان في مفردات اللغة الإنجليزية دعنا نمثل لهما "بعلامات اقتباس مفردة" بـ"box1" و"box2" على الترتيب، وتختلف هاتان الكملتان في كل من المعنى والوظيفة النحوية لكنهما تشتركان في صيغة واحدة "box"، وسوف نجعل فيما بعد ذلك المميز التقليدي بين صيغة ما والوحدة التي تكون منها هذه الصيغة أكثر وضوحا، وسنرى ونحن نفعل ذلك أن مصطلح "كلمة" -كما يستخدمه كل من اللغويين وغير المتخصصين- ملبس بدرجة كبيرة. وكل جملة -وفقا لتعريفها "صحيحة البنية" "well - formed" من الناحية النحوية ومن الناحية الفونولوجية في النظام اللغوي التي تكون فيه جملة، ومصطلح "صحيح البنية" أكثر اتساعا من المصطلح الأكثر تقليدية "الصواب النحوي" "grammatical" لكنه يندرج تحته، وطبيعة "الصواب النحوي" أي: صحة التركيب النحوي" سنناقشه في الفصل الرابع، ويكفي هنا ألا نجعل "صحة البنية" "ويشمل الصواب النحوي" يلتبس بالمقبولية أو إمكانية الاستخدام أو حتى إفادة المعنى، فهناك جمل كثيرة بلا حدود في اللغة الإنجليزية وفي اللغات الطبيعية الأخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 لا تذكر عادة لأسباب متنوعة فهي قد تحتوي على مجاورة غير مقبولة لقول فاحش أو كلمات كفرية، وربما كانت مربكة من الناحية الأسلوبية، أو معقدة بصورة مفرطة من وجهة النظر السيكولوجية، وربما كانت متناقضة مع نفسها، وربما كانت تصف مواقف لا تحدث في عالم المجتمع الذي يستخدم اللغة موضع البحث، وأي مجموعة مؤتلفة من عناصر أو وحدات لغة معينة "L" ليست صحيحة التركيب بواسطة قوانين اللغة "L" تكون عليلة التركيب فيما يتعلق باللغة "L" والمجموعات العليلة التركيب المؤتلفة من عناصر أو وحدات يمكن تمييزها بالعلامة النجمية1 المتقدمة عليها لذلك فإن الجملة: 4- He werent doing nothig. جملة عليلة التركيب، وهي في الواقع غير صحيحة نحويا فيما يتعلق باللغة الإنجليزية المشتركة، ومع ذلك فهي صحيحة البنية في بعض اللهجات الإنجليزية غير المشتركة، ويوضح هذا المثال النقطة الأعم إذ إن اللغات المختلفة قد تتركب من ذات العناصر والوحدات، ويكون ما هو "صحيح البنية" في لغة من اللغات "عليل البنية" فيما يتعلق بلغة أخرى، ومع أن هذه النقطة قد أوضحت بشأن لهجتين للغة واحدة إلا أن الأمر يرتبط من حيث المبدأ بما يعد لغات مختلفة تماما. ويمكن أن يقال أكثر من ذلك هنا عن بنية النظم اللغوية، ومن الأفضل أن يترك ذلك إلى الفصول التي ستعالج الفونولوجيا، والنحو، والدلالة حيث   1 يجب ألا يلتبس استخدام العلامة النجمية لتمييز اعتلال التركيب مع الاستخدام الشائع على حد سواء والمؤسس من فترة أطول في علم اللغة التاريخي ليميز الصيغ المعاد بناؤها "انظر: 2 - 5" ويوضح السياق أي الاستخدامين هو المقصود "المؤلف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يمكن أن نعرض النقاط العامة بشكل تدريجي، وأن نضرب لها الأمثلة مع تفصيل أعظم1. وقد بدأنا هذا القسم بقبول تعريف تشومسكي للغة "أي: النظام اللغوي" كمجموعة من الجمل، ومن الأفضل أن تعتقد أن النظام اللغوي يتكون من قائمة محتويات من العناصر، ومفردات الوحدات، والقوانين التي تحدد الجمل صحيحة البنية على كلا المستويين، وهو ما سنفعله من الآن، ومع الأخذ والرد وفي ظل تعريف مناسب للجملة تتطابق طريقتا التفكير في النظم اللغوية.   1 يستخدم مصطلح "بنية" ومصطلح "نظام" بصورة متكررة وعلى الأخص في علم اللغة البريطاني بمعنى خاص، فمصطلح "نظام" يكون لأي مجموعة من العناصر أو الوحدات التي يمكن أن تذكر في موضع واحد، ومصطلح "بنية" يكون لأي مجموعة مؤتلفة من العناصر والوحدات الناتجة عن اختيار مناسب في مواضع معينة، وبهذه الطريقة يكون تعريفا المصطلحين متكاملين فكلاهما يفترض سلفا الآخر، فالنظم تؤسس لمواضع معينة في الأبنية، والأبنية تتحدد بواسطة اختيارات مأخوذة من النظم "انظر بيري "Borry"؛ 1975" ويستخدم في هذا الكتاب المصطلحان: "نظام"، و"بنية" بمعنى أكثر عمومية "المؤلف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 الفصل الثالث: أصوات اللغة أولا: الوسيلة الصوتية مع أن النظم اللغوية مستقلة إلى حد بعيد عن الوسيلة التي تتحقق1 من خلالها فإن الأداة الأساسية أو الطبيعية للغات الإنسانية هي الأصوات، ولهذا السبب كانت دراسة الأصوات أكثر أهمية -في علم اللغة- من دراسة الكتابة أو الايماءات أو أي وسيلة أخرى سواء أكانت موجودة بالفعل أم موجودة بالقوة، ولا يهتم اللغوي بالأصوات في حد ذاتها ولا بالإطار الكلي لها، إنه يهتم بالأصوات التي تصدرها أعضاء النطق الإنسانية بقدر ما يكون لهذه الأصوات دور في اللغة، ودعنا نشير إلى هذا الإطار المحدود من الأصوات بالوسيلة الصوتية، ونشير إلى هذا الإطار المحدود من الأصوات بالوسيلة الصوتية، ونشير إلى الأصوات الفردية داخل هذا الإطار بأصوات الكلام، ويمكننا أن نعرف علم الأصوات "phonetics" الآن بأنه دراسة الوسيلة الصوتية. ويجب أن نؤكد أن علم الأصوات يختلف عن الفونولوجيا، وأصوات الكلام لا تتطابق مع العناصر الفونولوجية التي أشرنا إليها في أقسام سابقة،   1 التحقق "realisation" أو "manifestation" مصطلح يستخدمه بعض اللغويين ليشيروا إلى التعبير الفيزيائي للوحدة اللغوية المجردة ويشير في التكميمية "tagmemic" "العلاقة بين الوظيفة النحوية وما يشغلها" إلى التعبير الفيزيائي etic الوحدة المجردة emie. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فالفونولوجيا كما رأينا جانب من دراسة النظم اللغوية ووصفها، يختلف عن النحو ويختلف أيضا عن الدلالة، وتعتمد الفونولوجيا على نتائج علم الأصوات "على الرغم من اختلافها تبعا للنظريات المختلفة في الفونولوجيا" لكنها بخلاف علم الأصوات لا تتناول الوسيلة الصوتية في حد ذاتها, وتعالج الأقسام الثلاثة الأولى من هذا الفصل -بشكل مبسط قدر الإمكان- التصورات والتصنيفات الأساسية في علم الأصوات وذلك لأهميتها في فهم نقاط أثيرت في مكان آخر من هذا الكتاب، وتعالج أيضا مجموعة العلامات أو الرموز التي تستخدم عند تناولها، ولا يقصد بهذه الأقسام أن تكون مدخلا مرضيا لما أصبح في السنوات الأخيرة فرعا متخصصا رحب الأفق إلى حد بعيد من فروع علم اللغة. ويمكن دراسة الوسيلة الصوتية من وجهات نظر ثلاث على الأقل: النطق، والتجريب، والسمع، فعلم الأصوات النطقي يبحث أصوات الكلام ويصنفها من جهة طريقة إنتاج أعضاء النطق لها، ويبحثها ويصنفها علم الأصوات التجريبي1 من جهة الخصائص الفيزيائية للموجات الصوتية التي يحدثها نشاط أعضاء النطق، وتنتقل عبر الهواء من المتكلم إلى المستمع، ويبحثها ويصنفها علم الأصوات السمعي من جهة الطريقة التي تستقبل بها أصوات   1 أو علم الأصوات الفيزيائي "aconstic phonetics" فرع من علم الأصوات يبحث الخصائص الفيزيائية للكلام حسبما ينتقل من الفم إلى الأذن، ويعتمد كلية على الوسائل الفنية الآلية في البحث، ويمد التحليل الفيزيائي عالم الأصوات بالحقائق الفيزيائية للكلام، بيد أنه قد يتعارض أحيانا التحليل السمعي والتحليل الفيزيائي فعلى سبيل المثال قد يسمع المرء لحن الكلام صاعدا بينما يظهر التحليل الفيزيائي ثبات التردد الأساسي للصوت وفي مثل هذه الحالات على عالم الأصوات أن يقرر أي الشواهد هي التي ستأخذ الاهتمام الأكبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 الكلام وتميز من قبل أذن1 المستمع ومخه، وأقدم هذه الفروع تأسيسًا وأكثرها تطورا حتى عهد قريب علم الأصوات النطقي2، ولهذا السبب فإن معظم المصطلحات التي يستخدمها اللغويون ليشيروا بها إلى أصوات الكلام نطقية في الأصل، وسنتبنى وجهة النظر النطقية فيما سنتناوله في هذا الكتاب. ومع ذلك فهناك حقائق عديدة اكتشفها علم الأصوات التجريبي وعلم الأصوات السمعي أو صدقا عليها وبالأخص الأول الذي شهدت السنوات الخمسة والعشرون أو الثلاثون الماضية تقدما عظيما له فلا يستطيع أن يتجاهله   1 الوظيفة البيولوجية الأساسية للأذن تحقيق التوازن في مسيرة الإنسان والوظيفة البيولوجية الثانوية لها السمع واستيعاب الأصوات المختلفة وحملها إلى المخ وتتكون الأذن من ثلاثة أجزاء: الأذن الخارجية، والأذن الوسطى أو الطبلة "وتتكون من غشاء الطبلة، والمطرقة، والسندان، والركاب"، والأذن الداخلية وتتكون من القنوات الهلالية، والقوقعة، والعصب السمعي. 2 علم الأصوات النطقي "articulatory phonetics" فرع من علم الأصوات يدرس الطريقة التي تنطق بها أعضاء النطق الأصوات اللغوية، وقد استمد هذا الفرع كثيرا من مصطلحاته من علم التشريح وعلم النفس ويشار إليه أحيانا بعلم الأصوات الفسيولوجي "physiological phonetics"، وقد حدث تقدم كبير في تطوير الوسائل الفنية الآلية لملاحظة وقياس نشاط أعضاء النطق مثل اللسان، والشفتين، وسقف الحنك، وحركة الأحبال الصوتية، ومن هذه الوسائل الفنية الآلية الحنك الصناعي "البلاتوجراف" الذي يمثل دور اللسان في مقابل الحنك، والقياسي الهوائي الألكتروني الذي يقيس الانسياب النسبي للهواء من الفم إلى الأنف، والألكتروميجراف "electromyograhpy" لقياس الحركة العضلية أثناء الكلام، ويقدم استخدام هذه الوسائل الآلية فهما تفصيليا أفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أحد ممن يهتمون باللغة اهتماما جادا، وربما كانت أكثر هذه الحقائق أهمية أن تكرار ما يمكن أن يسمع على أنه قول واحد يكون بمثابة تطابق توافقي وليس تطابقا فيزيائيا "أي: تجريبيا" فالتطابق الصوتي "بخلاف التطابق الفونولوجي كما سنرى في القسم التالي" نموذج نظري، وفي الممارسة العملية لا يمكن لأصوات الكلام التي تصدرها الكائنات الإنسانية- حتى أولئك الذين تلقوا تدريبا صوتيا عاليا- إلا أن تقترب من هذا النموذج بدرجة أو بأخرى، فالتشابه الصوتي وليس التطابق الصوتي هو المعيار الذي نمارس به عملنا في التحليل الفونولوجي للغات، والتشابه الصوتي متعدد الأبعاد من وجهات النظر النطقية، والتجريبية، والسمعية، ولنأخذ ثلاثة أصوات كلامية z وy وx فربما كانت x أكثر شبها، y من z في بعد معين لكنها أكثر شبها بـ z في بعد آخر. وقد أكد علم الأصوات التجريبي الحقيقة التي أسسها علم الأصوات النطقي التي تذهب إلى أن الجمل المنطوقة التي تعد إشارات فيزيائية تنتقل عبر الهواء ليست تتابعات صوتية منفصلة، ويصدر الكلام بإصدار الأصوات سلاسل متصلة، ولا توجد فجوات بين الأصوات التي تتكون منها الكلمات المنطوقة كما لا توجد وقفات بين الكلمات أيضا "فيما عدا تلك الأحوال التي يتلعثم فيها المتكلم بشكل مؤقت أو عندما يتبنى أسلوبا خاصا في الإلقاء للإملاء أو لأي غرض آخر"، وينقسم الكلام المتواصل إلى تتابعات من الأصوات الكلامية من خلال الانتقال المميز الظاهر للعيان بدرجة أو بأخرى بين حالة إشارية ثابتة نسبيا وحالة أخرى سابقة أو لاحقة ثابتة نسبيا كذلك، وهذه النقطة سنضرب لها أمثلة فيما يلي من وجهة نظر نطقية، ومن الأهمية أن نذكر -مع ذلك- أن التجزئة على أساس المعيار التجريبي البحت تعطي دائما نتائج مختلفة تماما عن التجزئة التي تنفذ على أساس المعيار النطقي البحت أو المعيار السمعي البحت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 واندماج الأفرع الثلاثة الخاصة بعلم الأصوات ليس أمرا سهلا، وأكثر الأمور أهمية وإثارة من حيث المبدأ أن إحدى نتائج علم الأصوات التجريبي أنه لا توجد علاقة متبادلة مباشرة يمكن تأسيسها بين بعض أكثر الأبعاد النطقية وضوحا في الكلام وبين الحدود التجريبية المماثلة مثل الذبذبة واتساع الموجات الصوتية، وحتى نجعل هذه النقطة أكثر عمومية فيما يتعلق بالأفرع الثلاثة الخاصة بعلم الأصوات نقول إن تصنيفات علم الأصوات النطقي، وعلم الأصوات التجريبي، وعلم الأصوات السمعي لا تتطابق بالضرورة، فعلى سبيل المثال ما يمكن أن يبدو اختلافات نطقية وسمعية واضحة بين أنواع مختلفة من الصوامت دعنا نقول بين أصوات الـ p، وأصوات الـ T وأصوات الـ K لا تبدو بشكل واضح ملمحا مفردا، أو مجموعة من الملامح التي يمكن تمييزها في التحليل التجريبي للإشارات التي تحتويها، والبعدان السمعيان لطبقة الصوت ودرجته يرتبطان بعلاقة متبادلة بالحدين التجريبيين للتردد والقوة إلا أن العلاقة المتبادلة بين الطبقة والتردد من ناحية، والدرجة والقوة من ناحية أخرى لا يمكن عرضها من خلال نسبة ثابتة تصدق على الأصوات الكلامية جميعها التي تتنوع وفق الأبعاد ذات الصلة. وهذا لا يعني أن التصنيفات الخاصة بأحد الفروع الصوتية الثلاثة أكثر أو أقل تعويلا أو أكثر أو أقل علمية بصورة جوهرية إذا ما قورنت بالتصنيفات الخاصة بالفرعين الآخرين، ويجب أن نتذكر أن التكلم والاستماع ليسا نشاطين مستقلين، فكلاهما يتضمن تغذية مرتجعة من الآخر، ومن الملاحظات العامة أن الفرد الذي لا يكترث بما ينطقه يئول حديثه إلى الفساد، ويرجع ذلك إلى أننا عادة نراقب ما ننتجه من كلام مثلما نصدر هذا الكلام، وكثيرا ما يحدث بلا وعي أن نصدر الأحكام الضرورية على الإطار الخاص بما يمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أن نعده الجهاز النطقي كما تخبر التغذية المرتجعة من عملية الملاحظة هذه المخ بأن المعايير السمعية لا تتفق معها، وتشتمل الإشارة التجريبية على كل المعلومات ذات الصلة باللغة، وتشتمل كذلك على قدر من المعلومات غير ذات الصلة بها، وأكثر من ذلك فإن المعلومات التجريبية ذات الصلة باللغة يجب أن تفسرها الأجهزة الخاصة بالسمع والنطق عند الإنسان والتي يتحكم فيها مخه، ويبدو أن الطفل حديث الولادة موهوب بشكل فطري بقابلية التركيز على أنواع معينة من المعلومات السمعية وإهمال أنواع أخرى، وأثناء اكتساب اللغة يستكمل الطفل مقدرته على إنتاج الأصوات التي تذكر في الكلام الذي يسمعه يدور من حوله ويستكمل كذلك مقدرته على تمييزها، ويقوم بتهذيب أداءه النطقي، وأداءه السمعي بملاحظة الإشارات التجريبية التي ينتجها بنفسه، وتوجد حاسة لدى الطفل تمكنه -في الخطوات المعتادة لاكتساب اللغة "والتي يجب أن تتم بدون مساعدة من أجهزة علمية أو تدريبات خاصة" وفي إطار محدود من الوسيلة الصوتية- من أن يكون الممارس الكفء في الأفرع الثلاثة لعلم الأصوات، ولا يستطيع اللغوي حتى الآن إلا أن يقدم وصفا وتفسيرا غير كاملين للقدرة الإدماجية العالية المهارة التي تكتسبها الغالبية العظمى من البشر في فترة الطفولة، وتمارسها خلال حياتها الناطقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ثانيا: التمثيل الصوتي والهجائي في نهاية القرن التاسع عشر وبينما أحرز علم الأصوات النطقي تقدما حقيقيا في العالم الغربي "على أساس التقليدية الهندية التي تمتد لقرون خلت مع إضافات مناسبة" بدأ العلماء يشعرون بالحاجة إلى نظام مشترك -يمكن قبوله على المستوى العالمي- للكتابة الصوتية، وعلى الرغم من أنه كان وما زال الكثير مما يقال عن النظم غير الألفبائية للتمثيل فإن الأبجدية الصوتية العالمية "lPA"؛1 التي طورتها الجمعية الصوتية العالمية ونشرتها منذ 1888 يستخدمها اللغويون الآن على أوسع نطاق مع تعديلات طفيفة أو بدونها، وتقوم الأبجدية الصوتية العالمية على أساس إعطاء كل صوت في الكلام يمكن تمييزه حرفا مختلفا عن غيره، ونظرا لأنه لا يوجد -في الواقع- حد أقصى أو أدنى لعدد أصوات الكلام التي يمكن تمييزها والتي يمكن أن تصدرها أعضاء النطق الإنسانية "أو على الأقل ليس هناك حد مناسب يتصل بالطباعة" فإن هذا المبدأ لا يمكن تطبيقه بصورة ثابتة، ولذلك تمد الأبجدية الصوتية العالمية مستخدميها بمجموعة من العلامات الصوتية المميزة ذات الأنواع المختلفة التي يمكن أن تضاف إلى رموز الحروف لتصنع مميزات أكثر دقة مما يمكن أن تصنعها الحروف بمفردها، وباستخدام هذه العلامات الصوتية المميزة استخداما صحيحا وسديدا يستطيع عالم الأصوات المتمرس أن يمثل الكثير من التفصيل الدقيق الضروري للغرض الذي يتناوله، وهو -في الواقع- لا يستطيع أن يمثل كل التفاصيل الصوتية التي تميز قولا مفردا عن قول آخر، وليس هناك سبب بصفة عامة يدعوه إلى الرغبة في ذلك، وتكون الكتابة الصوتية العريضة نسبيا ملائمة تماما لبعض الأغراض، وتكون الكتابة الصوتية الضيقة ضرورية لأغراض أخرى2. ومن الآن فصاعدا سنستخدم الأبجدية الصوتية العالمية كلما كانت هناك مناسبة   1 lPA مختصر يستخدم لكل من الجمعية الصوتية العالمية "lnternational phonetic Association" والأبجدية الصوتية العالمية "lnternational Phonetic Alphabet" التي وضعتها تلك الجمعية. 2 الاختلاف بين الكتابة الصوتية العريضة، والكتابة الصوتية الضيقة "وهو اختلاف نسبي أكثر من أن يكون مطلقا بطبيعة الأشياء" أن الأولى تعطي تفصيلا أقل من الثانية، والكتابة الصوتية العريضة ليست بالضرورة فوتيمية "انظر 3 - 4" "المؤلف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 للإشارة إلى أصوات الكلام أو الصيغ المكتوبة بالكتابة الصوتية وسنحترم العرف المشترك الذي توضع الكتابة الصوتية وفقا له بين القوسين [] ، ولذلك فإننا بدلا من أن نشير إلى أصوات الـ p، وأصوات الـ K كما فعلنا من قبل نشير إلى [p] ، و [K] ، وقد اخترت هذين الرمزين الحرفين عن عمد إذ إن لهما القيمة الصوتية -بالتفسير العريض- التي للحرفين p، k في نظم الكتابة الخاصة بمعظم اللغات الأوروبية، ومعظم رموز الحروف في الأبجدية الصوتية العالمية مأخوذة من الحروف الأبجدية للغة اللاتينية واللغة الإغريقية لكن -مثلما يدرك أي فرد يعرف لنقل الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والأسبانية- تختلف القيمة الصوتية للحروف نفسها في كل اللغات التي تستخدم الحروف الأبجدية، وفي الواقع لا يكون للحرف الواحد بالضرورة قيمة صوتية ثابتة في إطار نظام خاصة بلغة من اللغات، ومن الجوانب الإيجابية لامتلاكنا أبجدية صوتية مشتركة ومقبولة على المستوى العالمي أن أحدًا لا يجب عليه أن يربط تفسير رمز من الرموز بلغات معينة أو حتى كلمات معينة وذلك مثل a في اللغة الإيطالية، وu في الكلمة الفرنسية lu ... إلخ، وما يجب دفعه ثمنا لهذه الفائدة الهامة إلى حد بعيد أن مستخدمي الأبجدية الصوتية في حاجة إلى التخلي عن الافتراضات التي يمكن أن تكون لديهم -لسبب أو لآخر- حول الطريقة التي يمكن أن ينطق بها رمز حرف معين فعلى سبيل المثال [e] صوت مختلف إلى حد بعيد عن أي صوت من الأصوات التي يمثلها حرف c في اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية أو اللغة الإيطالية أو اللغة الأسبانية، وفيما يلي لن نطلع سوى على عدد قليل من رموز الحروف الخاصة بالأبجدية الصوتية العالمية وعلى قليل من العلامات الصوتية المميزة. وقد زودنا أنفسنا بالمناسبة بنظام للكتابة الصوتية وستكون لنا طريقتان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 للإشارة إلى الصيغ: الأولى بالحروف المائلة بالهجاء المتعارف عليه "أو نقل حروف لغة إلى حروف لغة أخرى" بدون أقواس مثل الصيغتين الإنجليزيتين led، lead والثانية بالكتابة العريضة الخاصة بالأبجدية الصوتية العالمية في الأقواس مثل [lgd] [lird] ؛1, 2 ونستطيع الآن أن نضيف طريقة ثالثة بالحروف المائلة داخل الأقواس " " مثل "Led" و"Lead" ولا تستخدم الطريقة الثالثة إلا استخداما ضئيلا، وهذه الخيارات تمكننا من تمييز الصيغ المكتوبة بالطريقة الثالثة من الصيغ المنطوقة المكتوبة صوتيا بالطريقة الثانية وأن تميز كلتاهما عن الصيغ التي لا تعنينا صيغها المنطوقة أو المكتوبة بصورة مباشرة وتكتب بالطريقة الأولى, وتمكننا كذلك من القول بأن الصيغة المكتوبة "Lead" تناظر صيغتين منطوقتين [Li: d] و"Lgd" وبالعكس فالصيغة المنطوقة [lgd] تناظر صيغتين مكتوبتين "Led" و"Lead". وموافقة المتعدد لمفرد -من هذا النوع- بين الصيغ المكتوبة والصيغ المنطوقة توصف تقليديا بالاشتراك الصوتي "التطابق في الصوت": انظر rode و road وfather،farther وcourt وcaught فيما يطلق   1 النقطتان: تشيران إلى طول الصوت الذي يرمز إليه الرمز - الحرف السابق له "المؤلف". 2 الطول "Length" مصطلح يستخدم في علم الأصوات ليشير إلى المدة الفيزيائية للصوت أو القول، وفي الفونولوجيا يستخدم هذا المصطلح ليشير إلى المدة النسبية للأصوات، والمقاطع عند مقارنتها لغويا، ويشير المصطلح كذلك إلى الكمية، فقيمة القصر "short" وقيمة الطول "Long" معروفتان بشكل تقليدي وتخصان الحركات والصوامت على حد سواء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 عليه النطق النموذجي "RP" للإنجليزية البريطانية1 ولا نرى في لهجات اسكتلندية معينة أيا من هذه الصيغ الثنائية موسومة بالاشتراك الصوتي وذلك مثل father: farther وcourt:cought ومع ذلك نجد ceught وcot في لكنات أمريكية كثيرة، وثمة حقيقة عامة تتعلق بالإنجليزية المشتركة فهي تختلف في النطق من جماعة إلى أخرى، وما يعد من المشترك الصوتي لدى جماعة من المتكلمين قد لا يعد كذلك لأي جماعة أخرى، وما يقابل الاشتراك الصوتي هو الاشتراك الهجائي وقد أولاه النحاة التقليديون اهتماما ضئيلا انظر import I، وimpoit وتختلف متعلقاتها المنطوقة فيما يتصل بموضع نبر الكلمة. وبسبب وجود هاتين الظاهرتين في اللغة الإنجليزية وفي لغات أخرى كثيرة ذات نظم هجائية صارمة فإن الاشتراك الصوتي والاشتراك الهجائي يفرضان نفسيهما على انتباهنا ونحن بصدد وصف تلك اللغات، غير أنه -كما سنرى فيما بعد- قد تكون هناك أسباب نحوية ودلالية لتمييز الصيغ المتطابقة في كلتا الوسيلتين الصوتية والكتابية، فعلى سبيل المثال foucd I "التصريف الثاني لـfind" وfound2 "إحدى صيغ التصريف الأول لـ found" مشتركتان في الصوت وفي الهجاء، والكلمتان اللتان تؤخذ منهما هذه الصيغ "find" و"found" تكونان من المشترك اللفظي "الجزئي".   1 النطق النموذجي "RP" هو نطق اللغة الإنجليزية المؤسس في الأصل على كلام المثقفين في لندن وجنوب الشرق، وبحلول القرن التاسع عشر أصبح هذا النطق هو النطق الوحيد المقبول اجتماعيا في المجتمع الإنجليزي الرفيع، وبصفة خاصة نطق أولئك الذين يلتقون في البرلمان، وتنشره المدارس العامة "المجانية", وقد تبنته الإذاعة البريطانية في الثلاثينات من هذا القرن لمذيعيها، وهو أقل إقليمية في هذه الأيام إذا ما قورن بأي لكنة أخرى في أي جزء من العالم، ولذلك لم يعد يتمتع بمثل هذه المكانة فيما بين الشباب كما كان الأمر في الماضي وكل الصيغ المكتوبة صوتيا في هذا الكتاب يفترض أن ننطق بلكنة النطق النموذجي "RP". المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ثالثا: علم الأصوات النطقي سبق أن أوضحنا أن ما يسمى بأعضاء النطق لها وظائف أخرى لا ترتبط بالكلام ولا حتى بإنتاج الصوت وأن هذه الوظائف بيولوجية في المقام الأول، فالرئتان تدفعان بالأوكسجين إلى الدم، والوتران الصوتيان "المثبتان في الحنجرة أو في تفاحة آدم" يعملان عند انضمام الواحد منهما إلى الآخر على سد القصبة الهوائية وعلى منع الطعام من دخولها، ويستخدم اللسان والأسنان في الطعام وهلم جرا، ومع هذا تشكل أعضاء النطق ما يمكن أن يوصف على نحو معقول بأنه نظام بيولوجي ثانوي، وهناك بعض الشواهد على تكيفها التطوري لإصدار الكلام، وتصنف الأصوات الكلامية في علم الأصوات النطقي بواسطة أعضاء النطق التي تصدرها والحالة التي تكون عيها عند إصدارها. وتصدر أغلب الأصوات الإنسانية في كل اللغات بتحوير -بطريقة أو بأخرى- تيار الهواء الذي تدفعه الرئتان إلى أعلى القصبة الهوائية من خلال الزَّرْدمة "المسافة التي تفصل بين الوترين الصوتيين" بطول الجهاز النطقي، ويمتد الجهاز الصوتي من الحنجرة "إحدى النهايتين" إلى الشفتين وفتحة الأنف. وإذا احتفظ بالوترين الصوتيين مغلقين وحدثت ذبذبة صوتية أثناء مرور الهواء من خلال الزردمة فإن الصوت الصادر يكون صوتا مجهورا، وإذا مر الهواء بدون ذبذبة الوترين الصوتيين فإن الصوت الصادر يكون صوتا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مهموسا، وهو ما يعد أحد التنوعات النطقية الشائعة، ومعظم الحركات في كل اللغات، وكل الحركات في اللغة الإنجليزية "باستثناء همس الكلام" مجهورة، وكل من الصوامت المهموسة، والصوامت المجهورة شائعة فيما بين لغات العالم حتى لو لم يعمل المميز بين الصوامت المهموسة والصوامت المجهورة دائما على تمييز صيغة عن أخرى في الوسيلة الصوتية، وتشمل الصوامت المهموسة [P] ، و [T] و [K] ، و [S] ، و [f] ، والأصوات المجهورة المناظرة هي [b] ، و [d] , و [g] , و [z] , و [v] , وعندما لا تمدنا الأبجدية الصوتية العالمية برمزين حرفين مختلفين للأصوات المتناظرة في الهمس والجهر فمن الممكن أن تستخدم العلامات الصوتية المميزة لرسم هذا المميز، والعلامة الصوتية للهمس دائرة صغيرة أسفل الحرف الرمز فعلى سبيل المثال تفترض الأبجدية الصوتية العالمية أن الحركات مجهورة ما لم تميز بصورة واضحة على أنها مهموسة، ومن هنا كانت [a] ، و [o] [i] ... إلخ، مهموسة, وتقابل الحركات المجهورة الآتية: [a] , و [e] , [i] ... إلخ ومن الأهمية أن نذكر أنه على الرغم من حقيقة أن العلامات الصوتية المميزة تستخدم في حالة ولا تستخدم في حالة أخرى فإن العلاقة الصوتية بين [a] ، و [a] أو بين [e] ، و [e] هي العلاقة الصوتية نفسها التي تربط بين [b] و [p] أو بين [d] و [t] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 1- الشفتان. 2 الأسنان. 3- اللثة. 4- الغار. 5- الطبق. 6- اللهاة. 7- طرف اللسان. 8- حافة اللسان. 9- مؤخرة اللسان. 10- الحلق. 11- لسان المزمار. 12- فتحة البلعوم. 13- الوتران الصوتيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 والبعد النطقي الثالث النفسية1، والأصوات النفسية تختلف عن الأصوات غير النفسية المناظرة لها فالأولى يصاحبها عند النطق بها نفخة زفير صغيرة "ومن الأنسب أن تعالج النفسية -عمليا- كجانب من البعد الخاص بالجهر والهمس أكثر من أن تعالج كمتغير مستقل تماما، إنه يعتمد على توقيت بدء الصوت وانتهائه فيما يتصل بخطوات النطق المصاحبة، وهناك صلات ثانوية أخرى لن نتطرق إليها هنا: التهميز، والتحنيك، والتدوير "للشفتين" والإطباق، والصوامت النفسية -وهي عادة مهموسة- توجد في لغات كثيرة منها اللغة الإنجليزية كما سنرى فيما بعد، وبدلا من أن نستخدم العلامة الصوتية في الأبجدية الصوتية العالمية المميزة للنفسية فإننا سنتبع ما شاع عمله هذه الأيام فنضع حرف h صغير بعد الرمز الحرف المناسب الخاص بالأبجدية الصوتية العالمية مباشرة، ومن هنا فإن [p h] هو المقابل النفسي لـ[p] . وقد استخدمنا حتى الآن المصطلحين التقليديين صامت وحركة2 دون إيضاح لهما، وبقدر ما يلقى نطقهما من عناية تختلف الصوامت عن الحركات   1 النفسية "aspiration" مصطلح في علم الأصوات لنفس مسموع بوضوح يمكن أن يصاحب النطق بالصوت عند إصدار الصوامت الشديدة ويرمز لهذه الصفة عادة بالرمزh عقب أعلى الرمز الأساسي كما نرى في الكتابة الصوتية لكلمة pin] : pin] والنفسية يمكن أن تشعر بها متى وضعت مؤخرة يدك ملاصقة للفم عند نطق الكلمة وهو ما لا نلاحظه عند النطق بـ "bin"، وبعض اللغات "كاللغة الهندية" تجعل هذه الصفة للصوامت الشديدة المجهورة والمهموسة فيصبح لدينا التقابلات الآتية [p h] : [P] ؛ [b h] : [b] . 2 يقابل "الساكن"، و"الحركة" في التراث اللغوي العربي مصطلحي censonant"؛ "vowel" بيد أنه شاع في العصر الحديث ترجمتهما "بالصامت" و"الحركة" وثمة ترجمتان أخريان لمصطلح "vowel" هما "صائت" و"مصوت" "وردت الترجمة الأخيرة في ترجمة الدكتور عبد الصبور شاهين لكتاب العربية الفصحى لهنري فليش". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الصوامت تصدر عن طريق حد أو تضييق مؤقت لمجرى الهواء أثناء مروره في الفم بينما تصدر الحركات بدون أي سد أو تضييق لمجرى الهواء، والاختلاف الصوتي بين الصوامت والحركات -في الواقع- ليس مطلقا، فهناك أصوات كلامية معينة ذات حالة وسط، ولسنا في حاجة إلى الغوص في التفاصيل ونحن بصدد عرض بسيط وموجز للتصورات الأساسية لعلم الأصوات النطقي. ويمكن تقسيم الصوامت إلى مجموعات عديدة تبعا لطبيعة إعاقة تيار الهواء، فقد تكون هذه الإعاقة تامة فيكون الصوت الصادر انفجاريا أو شديدا، وقد تكون هذه الإعاقة جزئية، فإذا كانت جزئية، وتسبب احتكاكا يمكن سماعه, بوضوح فيكون الصوت الصادر احتكاكيا1، أو رخوا ومن أمثلة الأصوات الانفجارية أو الشديدة [p] ، و [i] ، و [K] ، ومن أمثلة الأصوات الاحتكاكية، [f] ، و [e] ، ويمكن أيضا تقسيم الصوامت إلى مجموعات طبقا لبعد آخر بواسطة مخرج الصوت2 أي: تبعا للمكان الذي   1 الاحتكاكي "fricative" مصطلح يستخدم في التصنيف الصوتي للصوامت على أساس حالة النطق، ويعرف كذلك بـ "spirant" ويشير إلى الأصوات التي تصدر عندما يضيق ما بين عضوين من جهاز النطق لدرجة تتيح للهواء أن يتحرك بينهما محدثا احتكاكا مسموعا. 2 مخرج الصوت "place of articulation" أحد الأبعاد الرئيسية المستخدمة في التصنيف الصوتي لأصوات الحديث ويشير إلى المكان الذي يصدر منه الصوت في الجهاز النطقي، ومن المعتاد أن يمثل هذا البعد تمثيلا أفقيا، ونتيجة لذلك يحذف من هذا البعد بعض التنوعات التي لا يمكن تحديدها إلا بصورة عرضية وذلك مثل ما إذا كان الصوت صادرا من جانب واحد من اللسان أم من الجانبين معا وهو ما يشمله المخرج، وتتناظر نقاط مخارج الأصوات الصامتة مع التقسيمات التشريحية الرئيسية: شفوي، وشفوي أسناني، وأسناني، ولثوي، وغاري، وغاري، وطبقي، ولهوي، وحلقي، وحنجري بيد أن هناك مواضع أخرى تنسب إلى المواضع السابقة، وذلك مثل مقدم اللثة "postalveolax". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 تحدث فيه الإعاقة في الفم، وتوجد نقاط كثيرة غير محدودة بطول الجهاز النطقي يمكن فيها إعاقة مسار الهواء بواسطة أعضاء النطق المتحركة مثل الوترين الصوتين، واللسان، والأسنان، والشفتين ... إلخ، ولا تستخدم اللغات سوى عدد قليل منها، ومخارج الأصوات التالية من بين تلك التي تستخدم في اللغة الإنجليزية واللغات المشهورة الأخرى "مع أنواع أخرى من النطق الثانوي أو بدونها". المخرج الشفوي وفيه تتغلق الشفتان كما في [p] , و [b] , و [m] , المخرج الشفوي الأسناني وفيه تتقابل الشفة السفلى مع الأسنان العليا وذلك مثل [f] ، و [v] ، وبينما [p] ، و [b] ، و [m] أصوات انفجارية فإن [f] ، و [v] أصوات رخوة "والأصوات الشفوية الاحتكاكية، والأصوات الشفوية الأسنانية الفموية منها والأنفية أقل شيوعا لكنها موجودة". المخرج الأسناني1 وفيه تتصل مقدمة اللسان بالأسنان العليا كما في [t] ، و [d] ، و [n] ، و [..] , و [..] . المخرج اللثوي وفيه تتصل مقدمة اللسان باللثة "أصول الثنايا العليا" كما في [t] ، و [n] ، و [s] ، و [z] ، ويجب أن نذكر هنا أنه تستخدم رموز واحدة في الكتابة الصوتية العريضة لكل من الأصوات الأسنانية واللثوية الشديدة، ولذلك تقدم الأبجدية الصوتية العالمية   1 أسناني "dontal" مصطلح في التصنيف الصوتي للصوامت على أساس مخارجها الصوتية ويشير إلى الصوامت التي تصدر بالتقاء أسلة اللسان وحافته بالأسنان العليا أو العليا والسفلى معا، ومصطلح ذولقى أسناني "apico - dental" أكثر وضوحا بيد أنه أقل استخداما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الإنجليزية مع الحرفين "K"، و"c" في أغلب البيئات الصوتية طبقية غير أنها تختلف من حيث مخرجها الطبقي لكنها في مواضع معينة "كما هو الأمر في كثير من اللغات" تقترب من أن تكون حنكية وذلك كما في key و cue، والصوت الرخو الطبقي المهموس [X] لا يوجد في النطاق النموذجي للإنجليزية "RP" لكنه موجود كصامت يقع في نهاية الكلمة loch في النطق الأسكتلندي وهو شائع في اللغة الألمانية وفي بعض اللهجات الأسبانية1، والصوت الطبقي الرخو المجهور [لا] أكثر ندرة في اللغات الأوروبية من نظيره المهموس غير أنه موجود في الإغريقية الحديثة "وفي بعض اللهجات الروسية". المخرج الحنجري2 وفيه يتصل الوتران الصوتيان معا لحظة من الزمن ذلك كما في الصوت الشديد [؟] ، والصوتين الرخوين [h] ، و [h] ، وأولهما مهموس، وثانيهما مجهور، وحيث إن الوترين الصوتيين لا يمكن أن يتذبذبا عند إغلاقهما إغلاقا تاما فإنه لا يوجد صوت خنجري مجهور شديد بينما يوجد كل من الصوت المهموس الحنجري الرخو، والصوت المجهور الحنجري الرخو، والصوت الحنجري الشديد يرد كما لو أنه "حسب ما تدركه الحواس" صورة ذات   1 في اللغة الأسبانية الرسمية والأدبية المبنية على لهجة قشتالة -على كل حال- ما يطلق عليه الصوت الجوتا "sound - jota" في الصيغ مثل kija "ابنة" وينطق عموما بوصفه احتكاكي طبقي خلفي أو لهوي ويكتب بالأبجدية الصوتية العالمية كالآتي [X] المؤلف. 2 الحنجرية [glottal] مصطلح يستخدم في تصنيف الصوامت على أساس المخرج الصوتي يشير إلى الصوت الصادر من الحنجرة وذلك بسبب غلق أو تضييق المسافة بين الوترين الصوتيين، والفكاك المسموع للغلق التام في الفتحة التي تفصل بين الوترين الصوتيين يعرف بالوقفة الحنجرية "glotal stop". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 طابع اجتماعي لصوت [t] بين حركتين في صيغ مثل city وunited وbutter في لكنات مدنية عديدة في إنجلترا، واسكتلندا، ومانشستر، وبرمنجهام، وجلاسكو "بالإضافة إلى ذكرها -بما لا يلاحظ هكذا- في بيئات صوتية أخرى حتى في النطق النموذجي RP" لذا من الأهمية أن نؤكد أن هذا الصوت من وجهة النظر الصوتية صامت مستقل استقلالا تاما ولا يلتبس بالصوت [t] وأنه منتشر في لغات العالم. وتميز الأبجدية الصوتية العالمية مخارج أخرى1 كثيرة لتصنيف الصوامت، وبعض هذه المخارج تحتاج إلى أن نشير إلى وصف صوتي كامل في اللغة الإنجليزية، ولما كنا بصدد توضيح المبادئ العامة للتصنيف النطقي للصوامت فإنه يكتفى ما تقدم، والرموز التي تناولناها حتى الآن "بالإضافة إلى عدد قليل آخر" ينتظمها الجدول الآتي رقم 1، ويضم صوامت مختارة من رموز الأبجدية الصوتية العالمية، "النفسية غير موجودة في الجدول إذ إن لهذه الخاصة في كل الحالات علامة صوتية مميزة، أما الرموز الخاصة بالأصوات الأنفية المهموسة فهي بالمثل تتركب بإضافة علامة صوتية مميزة "لرمز حرف مناسب".   1 وذلك مثل المخرج اللثوي الغاري palatal - "le alveo" مصطلح يستخدم في التصنيف الصوتي للصوامت على أساس المخرج الصوتي ويشير إلى الصوت الحادث من التقاء مقدمة اللسان بالمنطقة الأمامية من سقف الحنك "الغار" واللثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ونلاحظ أنه بينما يمثل البعد الرأسي في الجدول ما يمكن أن نعده حدا نطقيا مفردا "إذا أهملنا الاشتراك في المخرج وكذلك المخارج الثانوية" فإن البعد الأفقي ليس كذلك، ويوجد تنظيم هرمي فالأصوات الانفجارية تقابل الأصوات الاحتكاكية، وتصنف الأصوات الانفجارية إلى أصوات فموية في مقابل الأصوات الأنفية، وكل من الأصوات الانفجارية والأصوات الاحتكاكية تصنف إلى أصوات مهموسة تقابل أصوات مجهورة، وتعدد الأبعاد الخاصة بما نطلق عليه طريقة النطق يقابل البعد المفرد بالضرورة الخاص بمخرج الصوت وهو ما يتضح بصورة أفضل إذا ما تعمقنا في تصنيف الصوامت "تميز طوائف مثل الصوامت المكررة، والصوامت المستلة، والصوامت المائعة.. إلخ"، ولنحفظ هذه النقطة في ذهننا. وتنتقل الآن إلى التحليل النطقي للحركات، ولما كانت الحركات "يقدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ما يمكن أن تميز بشكل حاسم عن الصوامت" تتميز بغياب إعاقة تيار الهواء في الفم فليس لها مخرج صوتي بالمعنى الذي نعرفه في الصوامت، ويجب أن نضع في اعتبارنا الشكل الكلي للتجويف الفموي، فهو يتنوع بلا حدود في ثلاثة أبعاد وثيقة الصلة بالأصوات تسمى تقليديا الآتي: مغلق/ مفتوح "أو مرتفع/ منخفض"، وأمامي/ خلفي، ومستدير/ غير مستدير. فالحركة المغلقة "أو المرتفعة" هي تلك الحركة التي يكون الفكان عند النطق بها منطبقين "وذلك لأن اللسان يكون في أعلى الفم" وفي المقابل فإن إصدار حركة مفتوحة "أو منخفضة" يتضمن فتح الفم بصورة أكثر اتساعا "وذلك بسبب انخفاض اللسان"، والحركتان [i] ، و [u] كلتاهما مغلقة "مرتفعة" والحركتان [a] ، و [a] كلتاهما مفتوحة "منخفضة". والحركة الأمامية تصدر بتثبيت اللسان "وبصورة أكثر وضوحا النقطة العليا من اللسان بينما يكون بطبيعة الحال مثبتا من جذره في مؤخرة الفم" في اتجاه مقدم الفم، وتتضمن الحركة الخلقية تراجعا للسان والحركتان [i] ، [a] كلتاهما أمامية والحركتان [u] ، [a] كلتاهما خلفية. والحركة المستديرة تصدر مع استدارة الشفتين، والحركة غير المستديرة تصدر بدون استدارتهما، والحركات [u] ، و [o] ، [ ... ] كلها مستديرة، والحركات [i] ، و [e] ، و [..] ، و [a] كلها غير مستديرة، والحركة المعيارية رقم 5 [a] منفتحة إلى أقصى حد، وهي أيضا غير مستديرة. وثمة نقاط يمكن أن نتناولها الآن بشكل مختصر تدور حول تصنيف الحركات وفق هذه الأبعاد الثلاثة، أولاها أنه ما دام كل بعد منها مستمرا فإن ما يميز بين حركتين من خلال الانفتاح، والخلفية، والاستدارة حالة تقريبية دائما, وعلى كل حال فقد صنع علماء الأصوات -بهدف توحيد مقاييسهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الخاصة بالحركات- نظاما للحركات الأساسية1، وهذه الحركات الأساسية   1 الحركات الأساسية "cardinal vowels" مجموعة من النقاط المرجعية الشكلية ابتكرها عالم الأصوات البريطاني دانيال جونز Daniel Jones" "1881 - 1967" ليقدم وسائل أساسية لتعريف أصوات الحركات في اللغات، ويعتمد نظام الحركات الأساسية على مجموعة من الأحكام النطقية والسمعية، وهناك أربعة مستويات نظرية في ارتفاع اللسان يمكن تمييزها وهي: "1" الموضع الأعلى الذي يمكن أن يصل إليه اللسان دون حدوث احتكاك، "2" الموضع الأدنى الذي كون فيه اللسان قادرا على الإنجاز أما "3"، و"4" فهما المستويان المتوسطان اللذان يقسمان المسافة التي تتوسط ما بين "1"، "2" إلى منطقتين متساويتين في البعد، وباستخدام مقدمة اللسان دون استدارة الشفتين تصدر أربع حركات أساسية، وباستخدام مؤخرة اللسان تصدر أربع حركات أساسية أخرى وتأخذ هذه الحركات الأساسية رموزا رقمية من "1" إلى "8" حسب ترتيبها. والحركات الأربعة الأساسية الأولى هي على الترتيب من أعلى إلى أسفل: [e] ، [i] [..] ؛ [a] والحركات الأربعة الأساسية الثانية هي على الترتيب من أسفل إلى أعلى: [o] ، [..] ، [a] ؛ [u] والأصوات الثلاثة الأخيرة تشتمل على عنصر استدارة الشفتين. وإذا ما عكسنا وضع الشفة تصدر أنواع أخرى من الحركات هي الحركات الثانوية وتأخذ رموزا رقمية من "9" إلى "16". والهدف من الشكل الرباعي المرسوم تقديم صورة تقريبية لدرجة حركة اللسان واتجاهه وتساعد خطوط إضافية على إقامة حدود المنطقة التي تعمل فيها أصوات الحركات الأساسية، وهذه الحركات الأساسية ليست حركات حقيقية بل هي نقاط مرجعية ثابتة يستطيع بها علماء الأصوات تحديد مكان حركات لغة من اللغات أو مقارنة الحركات الخاصة بلغات أو لهجات مختلفة ويمكن باستخدام العلامات أو الرموز الإضافية تخطيط مواضع الحركات على نحو أدق وثمة أطروحات أخرى عديدة لتقسيم المنطقة الخاصة بنطق الحركات تلقى الاهتمام بيد أن النظام الذي قدمه دانيال جونز لم يزل الأوسع انتشارا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 لا تحددها حركات أي لغة موجودة بالفعل ولكنها نقاط نظرية يمكن لعالم الأصوات المتمرس بالرجوع إليها أن يحدد موقع أصوات الحركات الخاصة بلغات معينة, وهو يستطيع أن يصدر تقريرات مثل: الحركة الموجودة في الصيغة الفرنسية pie التي يمكن كتابتها صوتيا هكذا [pi] تقترب اقترابا أوثق من الحركة المعيارية [i] إذا ما قورنت بالجزء الأول من الحركة الموجودة في النطق النموذجي [RP] للكلمة الإنجليزية pe التي يمكن كتابتها كتابة صوتية عريضة كالآتي [pi] , أو كتابة صوتية أضيق "مشيرين إلى نفسه الصامت، وطول ازدواجية الحركة -على الرغم من عدم اطراده- وكميتها" كالآتي [phi] والحركات الثمانية المعيارية الرئيسية نجدها في الشكل رقم 2، وسنأتي الآن إلى الحركات المعيارية الثانوية، وسنلاحظ أن الحركات المعيارية 1، 4، 5، 8 أي: [i] ، و [a] ، و [a] ، و [u] النهايات النظرية لبعدي الانفتاح والخلفية، وفيما بين الحركتين [i] ، و [a] ، وفيها بين الحركتين [u] ، و [a] وبتوسط دقيق ومتساو نجد الحركتين نصفي المغلقتين [e] ، و [o] والحركتين نصفي المفتوحتين [..] ، و [a] . والنقطة الثانية أنه في حين أن كل الحركات الأمامية في الشكل 2 غير مستديرة فإن كل الحركات الخلفية "باستثناء الحركة المعيارية رقم 5" مستديرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وهذا لا يعني أن الحركات المستديرة أو الحركات الخلفية غير المستديرة غير موجودة، فكلا النوعين موجود بالتأكيد غير أنهما موجودان بشكل أقل شيوعا -وبالأخص الحركات الخلفية غير المستديرة- في اللغات الأوروبية، ولكل من الأبجدية الصوتية العالمية والنظام المتطور الخاص بالحركات المعيارية انحياز معين تجاه اللغات الأوروبية، غير أنه لكل حركة معيارية أساسية نظير فيما بين الحركات المعيارية الثانوية "الأمامية المستديرة والخلفية غير المستديرة" وتأخذ الأرقام رقم 9 إلى 16 فعلى سبيل المثال النظير الثانوي لـ[i] يكون رقم 9 حركة أمامية مستديرة "y" تقترب منها الحركة الموجودة في الكلمة الفرنسية tu، والنظير الثانوي لـ[u] يكون رقم 16 الحركة الخلفية غير المستديرة [w] وفي اللغة اليابانية حركات تشبه الحركة المعيارية الثانوية "w". ومما يلاحظ كذلك أن الحركات الموجودة في الشكل رقم 2 تقع على جانبي الشكل الرباعي الذي تقل قاعدته عن قمته، ويعبر هذا الشكل عن حقيقة أن هناك -لأسباب- فسيولوجية من وجهتي النظر النطقية والسمعية- اختلافا يتعلق بالحركات المفتوحة أقل مما يتعلق بالحركات المغلقة في البعد الأمامي الخلفي فالاختلاف الموجود على سبيل المثال بين [a] ، و [a] أقل من الاختلاف الموجود بين [i] ، و [u] ، وهو ما ينطبق كذلك على الاستدارة، ولذلك فإن الاختلاف بين [i] و [u] أكثر من الاختلاف بين [a] ، و [a] في بعدين من ثلاثة "الاستدارة غير متصلة بشكل تام في حالة الحركات المفتوحة إلى أقصى حد"، ولهذا لم يكن من المدهش أن تتجه اللغات إلى امتلاك نظم للحركات غير المتناسقة تقل فيها مميزات الحركات المفتوحة عن مميزات الحركات المغلقة. وأخيرا يجب أن نؤكد مرة أخرى أن الشكل الرباعي مثل حلقة ثلاثية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الأبعاد تشير رموز الحروف الخاصة بالأبجدية الصوتية العالمية في إطارها -باستثناء النموذج النظري- إلى مناطق أكثر من أن تكون نقاطا، وهناك فضلا عن ذلك -وعلى الأخص في منتصف الحلقة- مناطق لا تستخدمها الأبجدية الصوتية العالمية أو نظام الحركات المعيارية على نحو حسن على الإطلاق. هناك الكثير إذن فيما يتصل بنطق الصوامت والحركات، وما قلناه مختصر وقائم على الاختيار على الرغم من أن تعاملنا مع الموضوع جعل من الواضح بما فيه الكفاية أن الصوامت والحركات مقتطعات من الكلام، وهي عبارة عن حزمة من الملامح النطقية كل ملمح مها يمكن أن يعالج كقيمة خلافية في بعد معين، فعلى سبيل المثال [m] صوت مجهور، شفوي، أنفي، شديد أي: له قيمة "مجهور" في البعد الخاص بالجهر، وله قيمة "شفوي" في البعد الخاص بمخرج الصوت "ألاساسي"، وله قيمة "الأنفية" في البعد الخاص بالأنفية، وله قيمة "الشدة" في البعد الخاص بانسداد مجرى الهواء أو إعاقته. والأقواس [] التي تحيط بالكلمات: "مجهور"، "شفوي" ... إلخ في الفقرة السابقة توضح أن هذه الكلمات مسميات لملامح صوتية، والآن يعيد الجدولان 2، 3، تصنيف بعض الصوامت والحركات التي قدمنا لها من قبل بوصفها مجموعة من الملامح، وهذه الملامح متزامنة وليست متعاقبة "بأي شكل من الأشكال" وهو ما سيدرك فيما بعد، وسندرك أيضا أنه من الواجب أن نرسم مميزا بين الملامح التي تعد متغيرا مستقلا والملامح التي لا تعد كذلك، لذا لا يمكن لصوت من أصوات الكلام أن يكون في أي وقت من الأوقات مهموسا، ومجهورا أو أنفيا وفمويا، والجدول رقم 2، والجدول رقم 3 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 يستخدمان في الإشارات الموجبة والإشارات السالبة لتجسيد هذه الحقيقة، واخترنا الإشارة الموجبة لـ[مجهور] ، و [أنفي] ... إلخ، والإشارة السالبة لـ[مهموس] و [فموي] ... إلخ، وكلها أطراف لثنائيات من الملامح ذات العلاقة المتبادلة، وبقدر ما يلقى المخرج الصوتي للصوامت من اهتمام يكون الوضع مختلفا، وصحيح أن الصامت إذا كان شفويا "بصفة أساسية" لا يمكن أن يكون أيضا أسنانيا أو طبقيا "بصفة أساسية" غير أننا لا نستطيع أن نعتبر [أسناني] أو [طبقي] إشارات سالبة فيما يتعلق بـ[شفوي] ، ويحدث كذلك أنه إذا ميز صامت بالإشارة الموجبة بخصوص إحدى القيم الخلافية الخاصة بمخرج الصوت في إحدى النقاط تكون باقي النقاط على طول البعد الخاص بمخرج الصوت مميزة بالعلامة 5 المحايدة وليس بالعلامة السالبة فيما يتعلق بالقيم الخلافية الأخرى، وهو ما يكون كذلك بقدر ما يلقى الاختلاف بين الأصوات الشديدة والأصوات الرخوة من اهتمام، ولا يمثل الجدول رقم 3 سوى ثلاثة أبعاد خاصة بالتصنيف النطقي للحركات تتعلق بشكل الفم، ومن اليسير أن يمتد الجدول رقم 3 في ضوء مناقشتنا السابقة ليمثل أيضا البعدين: "الجهر: الهمس"، و"الفموية: الأسنانية"، في الحركات، والجدولان 2، 3 سيكونان مفيدين في إحالات قادمة. والجدول رقم 2 صوامت مختارة حللت إلى الملامح النطقية المكونة لها "والأصوات المجهورة الفموية المهموسة النفسية لها ما يمثلها أما الأصوات الشديدة المجهورة النفسية الفموية منها والأنفية، والأصوات الأنفية المهموسة فلا يوجد ما يمثلها ومخارج الأصوت محدودة -بفرض التوضيح- في ثلاثة مخارج: المخرج الشفوي، والمخرج الأسناني، والمخرج الطبقي، ويمكن أن يتسع الجدول بسهولة ليشمل كل الصوامت الواردة في الجدول رقم 1 مع نظائرها النفسية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 والجدول رقم 3 حركات مختارة حللت إلى مكوناتها "وهذا الجدول لا يتضمن الحركة [3] ، [..] ولا يميز بين الحركة نصف المفتوحة، والحركة نصف المغلقة، إنه لا يعتبر [e] ، و [o] مفتوحتين ولا مغلفتين. غير أنه من الواجب أن نثير الآن قضية التقطيع ذاتها، كيف نقرر أن دفعة معينة من الكلام محللة من وجهة نظر على علم الأصوات النطقي تتكون من كذا وكذا من القطع المرتبة بشكل متسلسل؟ وإذا كان عرض الأساس المحدد لعملية التقطيع الصوتي سهل إلى حد بعيد فإنه ليس كذلك عند التطبيق بدون كمية كبيرة من الأحكام الاعتباطية إلى حد ما في أمثلة بعينها ونحن نقيم الحدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 بين القطع "وبالتالي نقيم القطع نفسها" في تلك النقاط التي يوجد فيها تغير في القيمة لدى بعد نطقي واحد أو أكثر على سبيل المثال كالتغير من [الشفوي] إلى [الأسناني] ، ومن [المجهور] إلى [المهموس] ، ومن [الخلفي] إلى [الأمامي] ومن [الأنفي] إلى [الفموي] وهذا المبدأ يكون عادة صعب التطبيق وذلك لأن التغييرات في القيمة ليست حاسمة دائما، وامتدادات الصوت بين التغييرات المتتابعة للقيمة ليست حالات مطردة إلى حد بعيد1. وأكثر من ذلك لا يدخل عادة في حسابنا -إزاء هذا الغرض- انتقالات في ملامح معينة "مثل بداية الجهر أو النفسية في الصوامت" ما لم تكن هناك أسباب فونولوجية تدعو لذلك "انظر: 3 - 4" وعليه فإن السؤال عن عدد الأصوات الكلامية الموجودة في صيغة معينة -دون الرجوع إلى البنية الفونولوجية لنظام لغوي معين أو للنظم اللغوية عموما- لا يسمح عادة بإجابة محددة، وهذا شيء يجب دائما أن يكون في الذهن عند الإشارة إلى معطيات لغوية مكتوبة صوتيا. ويعد ذلك في الواقع أحد مساوئ النظام الألفبائي للكتابة الصوتية فهو يشجع غير المتخصصين على الاعتقاد في أن الكلام عبارة عن توليف سلسلة من الأصوات الكلامية، وينبغي على أي فرد يستخدم الأبجدية الصوتية أن يمرن نفسه على التعامل معها كسلسلة من الرموز تمثل القول المنطوق فعلى سبيل المثال يجب عليه [ ..... ] ألا يكون قادرا فحسب على تحليل [t] إلى ملامحها المتزامنة [مهموس] ، و [أسناني] ... إلخ، وكذلك فيما يتعلق بكل صوت من الأصوات الكلامية الخمسة الممثلة هنا، بل يجب أيضا أن يلاحظ مباشرة   1 الحركات المزدوجة تختلف من الناحية الصوتية عما يعرف بالحركات الخالصة أو الصوامت المفردة إذ إنها ليست أصوات مطردة الحالة "المؤلف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أن ملمح [الهمس] يمتد إلى قطعتين، وأن كل من [الجهر] ، و [الأنفية] يمتد إلى ثلاثة قطع وهلم جرا، وهذه الملامح: [الهمس] ، و [الجهر] ، و [الأنفية] لا تنقطع بسرعة ولا تبدأ بسرعة بين [T] و [..] أو بين [M] , و [ ... ] , أو بين [ ... ] و [u] وعندما تشترك قطعتان أو أكثر في ملمح مفرد بهذه الطريقة "وعلى الأخص إذا كان ملمحا خاصا بالصوامت يتعلق بمخرج الصوت" فإنها توصف بشكل شائع بالتجانس في المخرج ""يصدرها عضو واحد""، ونستطيع أن نقول بصورة أعم إن هناك اتجاها لتماثل الأجزاء المتتابعة "بقدر ما تكون قطعا تميزها المعايير المذكورة أعلاه" لتصبح متماثلة في مخرج الصوت أو صفته أو في كليهما، وهذه الحقيقة لها أهميتها الخاصة في التحليل الفونولوجي للغات. ويتضح مما قلناه أن أي ملمح صوتي يمكن في الواقع أن يكون ممتدا فوق قطع صوتية متتابعة، ويمكن تبعا لذلك أن يكون ملمحا تطريزيا، فعلى سبيل المثال [الجهر] ملمح تطريزي في [amba] ، والأنفية ملمح تطريزي في [ ... ] وهلم جرا، ومع ذلك يقتصر مصطلح "ملمح تطريزي" على الملامح التي تصنف تصنيفا فونولوجيا وليس تصنيفا صوتيا مثل الطول، والنغمة، والنبر وسوف نعود إلى هذه الفكرة بمعنييها في قسم آخر. ويجب على كل حال أن نؤكد أن التعامل مع القطع الصوتية والملامح التطريزية الواردة في هذا الكتاب انتقائي إلى حد بعيد، وهناك بقدر ما تلقى القطع الموجودة بالقوة من اهتمام فجوات خاصة بتقسيم الأصوات الكلامية من أنواع مختلفة لم تذكر بعد وذلك مثل الأصوات المائعة، والأصوات الانزلاقية والأصوات الانفجارية الاحتكاكية ... إلخ، ويرجع ذلك إلى أن الهدف ليس تقديم تصنيف كامل للاختلافات النطقية ولكن توضيح الأسس العامة فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 رابعا: الوحدات الصوتية والصور الصوتية من الآن ستكون عنايتنا بعلم الأصوات "دراسة الوسيلة المنطوقة" بقدر ما يتصل بالتحليل الفونولوجي للنظم اللغوية فحسب، وتوجد نظريات عديدة في الفونولوجيا، وتتمايز هذه النظريات بين فونيمية وغير فونيمية تبعا لما إذا كانت هذه النظريات الفونولوجية تجعل من الفونيمات "الوحدات الصوتية" العناصر الأساسية للتحليل أم لا ومن النظريات الصوتية الفونولوجية ما يعرف باسم "علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي"، ومع أن هذه النظرية قد تخلى عنها معظم اللغويين فهي ذات أهمية جديرة بالاعتبار في فهم تطور معظم النظريات الحديثة، وفضلا عن ذلك فإن لهذه النظرية فوائد تربوية نظرا لسهولة تصورها وبساطتها إذا ما قورنت بنظريات أخرى كثيرة، لذا سنكرث هذا القسم لإيضاح الأفكار الأساسية لعلم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي، وقد استفيض في هذه الأفكار في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وسنركز على هذه الأفكار والمصطلحات التي سوف نستخدمها فيما بعد وسنتجنب المزيد من التفصيل. وتحدد الفونيمات في إطار النظرية التي نتناولها هنا بواسطة معيارين: أولهما التماثل الصوتي، وثانيهما التوزيع "ويتبع المعيار المهيمن الذي نجد تطبيقاته في كل نظريات الفونولوجيا ألا وهو التقابل الوظيفي: انظر ما يلي"، وقد رأينا في القسم السابق أن التماثل الصوتي حالة تقريبية متعددة الأبعاد، ويتبع ذلك أن صوتا كلاميا معينا قد يماثل صوتا كلاميا ثانيا في بعد واحد أو أكثر بينما يختلف عنه ويماثل غيره في بعد واحد أو أكثر، والنتيجة العملية لهذه الحقيقة -بقدر ما يلقى التحليل الفونيمي من اهتمام- أن المحلل يواجه عادة بحلول بديلة عندما يأتي مشكلة تحديد الأصوات الكلامية التي تشكل معا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 تنوعات أو -بتعبير أكثر تقنية- صورا صوتية للفونيم الواحد، وفي هذه النقطة يمكن أن يطبق معايير متكاملة متنوعة "سوف نهملها" ويمكن أن يبقى مع ذلك مجال للاختلاف حول عدد الفونيمات الموجودة في لغة معينة وصورها الصوتية الموجودة في سياقاتها المختلفة حتى عندما يتوسل بهذه المعايير المتكاملة وعلى الرغم من الانطباع الأول المأخوذ من مقررات أساسية كثيرة فهناك شك ضئيل في أن تفشل النظرية الأمريكية الكلاسيكية في إيجاد تحليل فونولوجي متميز ومقبول على المستوى العالمي لكثير من اللغات. ونتحول الآن إلى فكرة التوزيع، وهذه الفكرة -كما سنرى خلال هذا الكتاب- لا تتصل بالفونولوجيا فحسب لكنها تتصل أيضا بالنحو والدلالة، وتوزيع كيان ما -باختصار- مجموعة السياقات التي يذكر فيها خلال جمل لغة ما، ومصطلح كيان يؤخذ بمعناه العام قدر الإمكان، وبقدر ما يلقى القسم الحالي من اهتمام يظل مشتملا على الأصوات الكلامية والملامح الصوتية من ناحية والفونيمات من ناحية أخرى، ومفهوم التوزيع يفترض سلفا مفهوم صحة التركيب "انظر 2 - 6" ويعني ذلك -بقدر ما تلقى الفونولوجيا من اهتمام- أن ما يجب أن نتعامل معه ليس ببساطة صيغ نظام لغوي موجودة بالفعل ولكن مجموعة من الصيغ صحيحة التركيب على المستويين الفونولوجي والصوتي، وفي كل اللغات الطبيعية صيغ موجودة بالفعل مستخدمة استخداما شائعا إلى حد ما "مستعارة بصورة متكررة من لغات أخرى" لا تتطابق مع الأنماط الفونولوجية الأعم، وهناك كثير من الصيغ التي لا وجود لها يدرك المتكلمون أنها صيغ كامنة -بالمعنى المناسب- في لغتهم أي إنها تطابق الأنماط العامة، ولنأخذ مثالا كلاسيكيا حاضرا إذ إن [brik] صيغة كلمة موجودة بالفعل وموجودة بالقوة "بالكتابة الصوتية العريضة" لاحظ أن [briek، [blik صيغة موجودة بالقوة وليست موجودة بالفعل، وأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 [baik*] من الناحية الأخرى ليست صيغة كلمة فهو موجودة بالفعل فحسب في اللغة الإنجليزية بل هي صيغة البنية من الناحية الفونولوجية "ومن ثم كانت العلامة النجمية"، وتوجد صيغ صحيحة البنية في اللغة الإنجليزية تبدأ بـ[bn] ؛1. وإلى المدى الذي تكون فيه اللغات نظما محكومة بقانون فإن كل كيان لغوي يخضع للقوانين في نظام لغوي ما له توزيع مميز، ويكون لكيانين أو أكثر توزيع واحد إذا -وإذا فقط- ذكرا في المحيط نفسه أي: إذا أمكن استبدال الواحد منهما بالآخر "أي: إذا كانا يتصفان بإمكانية الاستبدال الداخلي" في كل السياقات "الخاضعة لشرط صحة البنية"، والكيانات التي يمكن استبدالها في بعض السياقات وليس جميعها تتداخل في التوزيع، والهوية التوزيعية يمكن لذلك أن تعد حالة محدودة من التداخل التوزيعي، وإذا كان "البعض" يلزم أن يندرج تحت "الكل" فإنها تعرف بحيث تقع في إطار تعريف التداخل، ولنعرفها من الآن فصاعدا كالآتي: الكيانات التي لا يمكن استبدالها في أي سياق تقع في إطار التوزيع التكاملي. ونستطيع الآن تطبيق هذه الأفكار على قضية تعريف الوحدات الصوتية وصورها الصوتية، وبادئ ذي بدء يجب أن نذكر أن أي صوتين لا يمكن أن يكونا في وضع تقابل وظيفي ما لم يتداخلا في التوزيع: على الأخص الأصوات الكلامية التي لا تتداخل في التوزيع لا يمكن أن يكون لها وظيفة التمييز بين صيغة وأخرى، فعلى سبيل المثال هناك أصوات [L] عديدة ومختلفة من   1 فيما عدا ما يطلق علي الصيغ المختصرة "في النطق" التي توجد باعتبارها صور مختلفة في الكلام السريع أو الكلام العلمي "فعلى سبيل المثال [bni:o] باعتبارها صورة مختلفة مختصرة لـ[benie] ؛ beneath في النطق النموذجي "المؤلف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الناحية الصوتية في النطق النموذجي "RP" للغة الإنجليزية، ومعظم هذه الأصوات تنقسم إلى مجموعتين يشار إليهما بصورة انطباعية بالمرققة، والمفخمة "وقد يكون لأفراد هاتين المجموعتين موضع أساسي واحد في النطق لكنها تختلف فيما إذا كان الجزء الرئيسي من اللسان متجها إلى مقدم الفم أو مؤخرته" ولا تذكران في موضع واحد في صيغ الكلمات: فأصوات [L] المرققة تقع قبل الحركات الأمامية داخل صيغ الكلمات، وأصوات [L] المفخمة تقع في بقية المواضع، واستبدال صوت [L] المرقق بالصوت المفخم المعتاد لنقل في feel لا يستطيع أن يغيرها إلى صيغة أخرى "على الرغم من أن ذلك قد يعمل على أن تبدو فيما يتصل بهذا الشأن أيرلندية أو فرنسية" وبالمثل فإن استبدال [L] المفخمة بـ[L] المرققة المعتادة لنقل في leaf لا يمكن أن تغيرها إلى صيغة كلمة أخرى موجودة بالفعل أو بالقوة، وعموما فما دامت كل أصوت [L] سواء منها المفخم والمرقق تقع في توزيع تكاملي فلا يمكن أن تكون في تقابل وظيفي فهي تناسب الشروط المذكورة التي تحدد الوحدة الصوتية وتحدد التماثل الصوتي والتوزيع التكاملي لها وتخصص على وجه العموم للوحدة الصوتية المفردة كما تخصص لصورها الصوتية أي ما يميزها من الناحية الصوتية, وما يميز أشكالها المختلفة تبعا للموضع، وهو ما يعد جوهر العناصر الفونولوجية التي يجب أن تكون في تقابل وظيفي في مكان ما على الأقل في النظام اللغوي. والصور الصوتية دون الوحدة الصوتية ومع هذا فلها توزيع محكوم بقانون أي: إنها تتعلق في هذا الشأن بالنظام اللغوي بسبب ظهورها في الوسيلة الصوتية لكنها ليست عناصر في النظام اللغوي، وعناصر نظام لغوي ما "تبعا للنظريات الفونيمية في الفونولوجيا" هي وحداتها الصوتية "الفونيمات"، والوحدات الصوتية- حسب العرف- يمثلها الحرف الرمز "مع العلامات الصوتية المميزة أو بدونها" بما يتناسب مع الكتابة الصوتية العريضة لإحدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الصور الصوتية التي يمكن تمييزها صوتيا وتوضع داخل الشرطتين المائلتين// فعلى سبيل المثال الوحدة الصوتية الإنجليزية /L/ لها كما لصورها الصوتية مجموعة من الأصوات الكلامية المتميزة صوتيا يمكن أن نميز كل صوت منها من غيره -عند الضرورة- في الكتابة الصوتية الضيقة وهكذا يكون لدينا طريقة أخرى للإشارة إلى الصيغ ألا وهي الطريقة الفونيمية أو بصورة أعم إذا عممنا استخدام الشرطتين المائلتين "كما سنفعل في هذا الكتاب" الطريقة الفونولوجية، ومن الأهمية أن ندرك -كما واضح من الشرح السابق- أن التمثيل الفونيمي ليس ببساطة كتابة صوتية عريضة. وثمة نقطة أخرى يجب أن تثار، فكل الكتب الأساسية في علم اللغة تقدم غالبا شرحا غامضا ولا نقول هراء لمبدأ التقابل الوظيفي، فقد تذكر على سبيل المثال أن استبدال صوت [L] المرقق بصوت [L] المفخم في feel لا يغير معناها بينما استبدال صوت [r] بصوت [L] في كلمة lamb يغير معناها وهذا الكلام -بلا مواربة- خطأ فاستبدالـ[r] بـ[L] في كلمة lamb يغير الصيغة ولا يغير المعنى أي: إنها تغير صيغة lamb إلى صيغة ram حقا إن "lamb" و"ram" "أي الكلمات التي تعد lamb و ram صيغا لها" تختلف في المعنى، ومن هنا فإن الأقوال التي تشتمل عليها سوف تختلف "بشكل عام" في المعنى, ولم تدفعني حذلقة علمية لا داعي لها إلى أن ألفت النظر إلى الشرح الغامض المتكرر لمبدأ التقابل الوظيفي، فالاختلاف في الصيغة لا يتضمن اختلافا في المعنى "انظر ظاهرة الترادف" كما أن الاختلاف في المعنى ليس المعيار الوحيد الذي تعتمد عليه في إقرار اختلاف الصيغة، وما إذا كان ممكنا أن يكون هناك اختلاف في الصيغة لا يرتبط بعلاقة متبادلة في بعض النقاط في نظام لغوي ما مع اختلاف ما في المعنى قضية خلافية تعتمد جزئيا على تعريفنا للمعنى، لكن ليس من شك في أن ما يوضع في الاعتبار عند شرح مبدأ التقابل الوظيفي هو تطابق الصيغة واختلافها وليس تطابق المعنى واختلافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 والتداخل التوزيعي شرط ضروري -لكنه غير كاف- للتقابل الوظيفي، ومن الشائع إلى حد بعيد أن الأصوات الكلامية المختلفة على المستوى الصوتي يمكن تبادلها داخليا في السياق نفسه ومن ثم تكون بدائل حرة أي: إنها لا تكون في حالة تقابل وظيفي فعلي سبيل المثال [؟] و [t] يكونان في وضع البدائل الحرة عند كثير ممن يتكلمون اللغة الإنجليزية بطريقة النطق النموذجية "RP" في صيغة مثل brightness؛ [ ... n؟..] في مقابل [ .... tn ... ] أو that block؛ " .... b؟ ... " في مقابل [ .... tb .... ] أي: قبل الصوامت الشديدة الفموية منها والأنفية، ولم يغير إبدال صوت كلامي بآخر هنا صيغة brightness أو tbat bloke إلى صيغة أخرى، وهو ما قد يمر في الواقع بلا ملاحظة، وفي حالات أخرى خاصة بما يعد عادة -لغرض التحليل الفونيمي- بدائل حرة فإن اختيار نطق معين دون آخر قد تحدده عوامل أسلوبية مختلفة الأنواع وبقدر ما يلقى التحليل الفونيمي من اهتمام فإن التقابل الوظيفي يمكن فهمه على أنه محدد للوظيفة المميزة أي: وظيفة تمييز صيغة عن أخرى، وما يمكن أن يكون مثار جدل كما يصر الفونولوجيون من أتباع مدرسة براغ أن الوصف الفونولوجي يجب أيضا أن يؤخذ في الاعتبار عند الاختلاف الأسلوبي "انظر 7 - 3". ومن أقدم المكتشفات في الفونولوجيا وأعظمها أهمية أن الأصوات الكلامية التي في حالة تقابل وظيفي في لغة معينة قد تكون في حالة توزيع تكاملي أو تنوع حر في لغة أخرى فعل سبيل المثال [ ... ] و [d] في حالة تقابل وظيفي في اللغة الإنجليزية "انظر there في مقابل dare" غير أنهما في حالة توزيع تكاملي "ربما مع بعض التنوع الأسلوبي" في اللغة الأسبانية القشتالية "انظر nada؛ [ .... ] 1 في مقابل dos؛ [dos] ؛2 ويمكن أن تتعدد الأمثلة، والنقطة الهامة أن اللغات تختلف إلى حد بعيد فيما يتصل بالمميزات الصوتية التي تضعها لإدراك الصيغ "في الوسيلة الصوتية" التي تتركب منها الجمل، وهذه النقطة ثابتة ولا تعتمد على النظرية الفونولوجية التي تشرح في إطارها.   1 لا شيء. 2 اثنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 خامسا: الملامح المميزة والفونولوجية التطريزية تعد الفونيمات -تبعا للنظرية علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي المشار إليها في القسم السابق- أصغر العناصر الفونولوجية في النظم اللغوية، وثمة وجهة نظر أخرى أخذ بها تروبتسكي أحد الأعضاء المؤسسين لمدرسة براغ في علم اللغة التي طورت رؤيتها الخاصة لبنائية دى سوسير وكان لها تأثيرها الكبير خصوصا في الفونولوجيا وعلم الأسلوب في الثلاثينيات من هذا القرن "انظر 7 - 3"، والفكرة الأساسية لفونولوجيا مدرسة براغ أن الفونيمات على الرغم من أنها ما زالت أصغر القطع في النظم اللغوية فإنها ليست أصغر العناصر فهي حزمة "أو مجموعة" من الملامح المميزة المتزامنة، وهذه الفكرة -مع تعديلات معينة أدخلت فيما بعد عليها- تبناها في الستنيات من هذا القرن مؤيدو النحو التوليدي، وفي صياغتها الحالية حلت محل الأفكار التي تميز علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي التي ترتبط في الأصل بالنحو التوليدي بوصفها جانب من موروث ما بعد البلومفيلدية1 "انظر 7 - 4"، وما نحن بصدده فيما يخص نظرية السمة المميزة لا يعنى بالتمييز بين المراحل التاريخية لتطورها.   1 البلومفيلدية "Bloomfieldian "ism وصف لمن يتبع المنهج اللغوي لعالم اللغة الأمريكي ليونارد بلومفيلد. وذلك كما يتمثل في كتابه "اللغة" "Laguage" الذي نشر عام 1933، ويشير الاتجاه البلومفيلدي "Bloomf"= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ويشير مصطلح مميز إلى ذلك الجانب الخاص بالتقابل الوظيفي في النظم اللغوية الذي يتعلق بتميز صيغة عن صيغة أخرى "انظر 3 - 4"، وقد أعطى الفونولوجيون التابعون لمدرسة براغ اهتماما كبيرا لأنواع أخرى من الوظيفة الفونولوجية غير أن هذا لا يعنينا الآن، ومصطلح ملمح معروف سلفا منذ تناولناه في ذلك القسم الذي يتناول علم الأصوات النطقي "انظر 3 - 3"، ويمكننا في الواقع أن ننتقل سريعا إلى تفسير الأفكار الأساسية لنظرية الملمح المميز على أساس ما قلناه في الفصلين السابقين. فالأصوات الكلامية يمكن أن تصور على أنها مجموعة من الملامح الصوتية، والملامح الصوتية التي استخدمناها من قبل نطقية لكنها قد تكون بالدرجة نفسها سمعية أو -من حيث المبدأ- تجريبية، ويصدق الأمر نفسه على ما يتصل بالملامح الفونولوجية الخاصة بنظرية الملمح المميز، وتستخدم كلا من الملامح السمعية والنطقية، وبقدر ما يمكن أن تعد الفونولوجيا -بخلاف علم الأصوات- إحالة غير مباشرة للوسيلة الصوتية "على الرغم من أن نظريات الملمح المميز تميل كلها إلى عدم الأخذ بهذه الوجهة المجردة إلى حد ما للفونولوجليا" فقد يكون من الواجب أن يتامل المرء مع الملامح الفونولوجية غير النطقية وغير السمعية لكنها قادرة "حتى ولو من   = ieldianism" بصفة خاصة إلى مدرسة في الفكر تطورت في الفترة الواقعة بين منتصف الثلاثينات والخمسينات، وبصفة خاصة في أمريكا وكان لها تأثيرها على علم اللغة البنيوي "attuctural linguistics"، وتميزها بصفة خاصة مبادئها السلوكية في دراسة المعنى، وتأكيدها على الخطوات الكشفية الحازمة في تأسيس الوحدات اللغوية، والاهتمام العام بتحقيق الصفة العلمية لعلم اللغة "بالمعنى السلوكي"، وتعد القوة التي أخرجت النحو التوليدي رد فعل ضد الاتجاهات البلومفيلدية، وعلى الرغم من أن البلومفيلدية لم تعد متمشية مع الاتجاهات المعاصرة فإن بعض طرائقها ما زالت مستخدمة على نطاق واسع في مجال البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 خلال طريق معقد إلى حد ما" على الارتباط بهما معا على قدم المساواة، وأيضا بالملامح التجريبية عندما يحقق علم الأصوات التجريبي تطورا أبعد مما هو عليه الآن، وسنستخدم المسميات النطقية سعيا وراء بساطة العرض، وحتى تجعل الأمور واضحة فإننا عندما نتكلم عن الملامح الفونولوجية وليس الملامح الصوتية سنستخدم الأقواس التي على شكل // وليس الأقواس التي على شكل [] لتحيط بالمسميات النطقية "وما ذكرناه لا يعد عرفا مشتركا لكنه يعمل على وضوح التصور ويفتح الباب لخيارات نظرية معينة" لذلك فإنه بينما يمكن وصف الصوت الكلامي [P] بالرجوع إلى الجدول رقم2 بالمجموعة: " [+ شفوي] ، [+ شديد] ، [- مجهور] ، [- أنفي] " فإن الفونيم الإنجليزي /P/ يفترض أنه يمكن تحليله إلى المجموعة "/+ شفوي/، /+شديد/، /- مجهور/". وربما بدا لنا من الوهلة الأولى أننا لا نفعل أكثر من خدمة رمزية نستبدل خلالها الأقواس // بالأقواس [] وندعي أن النتيجة فونولوجية بدلا من أن تكون صوتية، ومع ذلك يجب أن نلاحظ أن ثلاثة ملامح وليس أربعة ملامح قد ذكرت بخصوص الفونيم الإنجليزي /P/ كملامح مميزة، ولا يوجد الملمح الفونيمي /- أنفي/ مذكورا للفونيم /P/ وذلك لأن غياب الأنفية يمكن التبنؤ به في اللغة الإنجليزية "وليس في جميع اللغات" من غياب الجهر، وتذكر /- أنفي/ للفونيم /b/ لشرح وظيفته المتميزة في ban التي تقابل man وفي cub التي تقابل come .... إلخ، والوصف النطقي لـ[p] أيضا ناقص إلى حد بعيد "فهو ينحصر في الملامح النطقية التي يشملها الجدول رقم2" وعموما فإن مجموعة الملامح المميزة التي وتحدد الوحدة الصوتية وتمييزها ستكون أقل بكثير من مجموعة الملامح الصوتية التي تميز إحدى صورها الصوتية، فعلى سبيل المثال للفونيم الإنجليزي /p/ صورة صوتية عبارة عن صوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 نفسي مهموس شفوي فموي شديد، وله وصف نطقي أتم من ذلك لا يشتمل على الإشارة إلى نفسية فحسب ولكنه يشير أيضا إلى درجة اندفاع تيار الهواء بعد إعاقة الشفتين له، وإلى مدة الإعاقة، وإلى مدة النفسية وإلى ملامح أخرى عديدة تجعل منها الصوت الإنجليزي المميز [ph] "بنبر معين" في الموضع الذي يذكر فيه، غير أنه لا يوجد من بين تلك الملامح الصوتية ملمح مميز إلى الدرجة التي تؤدي إلى تغيير الإدراك الصوتي لصيغة من الصيغ في اللغة الإنجليزية إلى الإدراك الصوتي لصيغة أخرى. وفيما يتعلق بالملامح الثلاثة التي تعرفنا عليها سلفا باعتبارها مكونات للفونيم /p/ وهي /+ شفوي/، وتكافئ [+ شفوي] وتميز نطق pin من نطق tin،و kin .... إلخ، و/+ شديد / وتميز pat عن fat "حيث إن اللغة الإنجليزية لا يوجد فيها صوت شفوي احتكاكي باستثناء الصور الصوتية للفونيم /p/ في مواضع أخرى، ولا يوجد فيها أصوات أسنانية لثوية شديدة ويمكن أن يعتبر المرء الفونيم /f/، والفونيم/v/ نظيرين احتكاكيين للفونيم /p/ والفونيم /b/ وتميز tick عن sick و"thick"، و/- مجهور/ تبعا لوجهة النظر التقليدية ملمح يميز pin عن bin، وpat عن pad، ويمكن إثبات أنه الملمح الذي يميز /p/، و/t/، و/K/، و/s/ و/e/.. إلخ عن /b/، و/d/, و/g/، و/z/، و/o .... إلخ، ولا يتحدد في اللغة الإنجليزية بالهمس ولكن بشيء آخر يكون معه الهمس أو النفسية "أو كلاهما" مصاحبا صوتيا مألوفا، وعلى كل حال ومهما كانت وجهة النظر التي تأخذ بها في هذه القضية تظل حقيقة أننا بحاجة إلى كل من /+ نفسي/، و/- جهر/ في تحليل الملامح المميزة للغة الإنجليزية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وقد استخدمنا مصطلح "صورة صوتية" في التفسير الذي قدمناه الآن عن العلامة بين الوحدات الصوتية والملامح المميزة التي تتكون منها، وفكرة اختلاف الصور الصوتية تعالج -في الواقع- معالجة مختلفة إلى حد ما في إطار نظرية الملمح المميز لذلك فإن إمكانية تطبيق المصطلح ذاته مثار جدل، والنقطة الحاسمة في تحليل الملمح المميز للفونيمات أن كل فونيم يختلف عن غيره في النظام اللغوي بما لا يقل عن ملمح واحد -وجودا أو عدما- من مجموعة الملامح التي تحدده، ومجموعة الملامح المحددة الخاصة بالفونيمات تظل ثابتة خلال الإطار الكلي لمواضع ذكرها وما تشير إليه نظرية الفونيمات الأمريكية الكلاسيكية فيما يتعلق بتنوع الصور الصوتية تعالجه في إطار نظرية الملمح المميز "على الأخص في إطار النحو التوليدي" قوانين "تحول أصغر مجموعة فونولوجية كافية لتمييز كل وحدة صوتية عن غيرها إلى ملامح صوتية: /+ شفوي/ [+ شفوي] ، و/+ مجهور/ [+ مجهور] ... إلخ" وتضاف الملامح الصوتية غير المميزة المناسبة سياقيا لمواضع معينة من ورودها، فعلى سبيل المثال الملمح الصوتي "+نفسي" يضاف إلى التحقق الصوتي الخاص بالفونيم الإنجليزي /P/ في موضع أول الكلمة "وذلك كما في pit أو por" لكنه لا يضاف عندما يكون هذا الفونيم واقعا بعد /S/ "وذلك كما في spit أو spot والملم الصوتي [- مجهور] يضاف إلى كل مواضع ورودها. وقد أصبح من الواضح في القسم السابق أن اللغات تختلف إلى حد بعيد فيما يتعلق بالملامح الصوتية التي تصنع التميز، وتلك التي لا تصنع التمييز "إذا كانت موجودة بشكل من الأشكال"، ويظل هذا صحيحا بغض النظر عن النظرية الفونولوجية التي تأسست هذه الفكرة في إطارها، ومما يعد أيضا برغم كل شيء حقيقة تجريبية أن [+ نفسي] ملمح مميز في اللغة الهندية واللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الصينية المندرينية1، وأن حركات اللغة الفرنسية يمكن أن تكون أمامية ودائرية في آن واحد، وأنه في لغات أسترالية كثيرة للغاية تكون الأنفية -وليس الجهر- ملمحا مميزا، وتميز وحدات صوتية أكثر مما تميزه في أي لغة أوروبية وهلم جرا، وسنلاحظ مع ذلك أننا في كل مثال من هذه الأمثلة استخدمنا مصطلحات مثل "نفسي"، و"أمامي"، و"خلفي"، و"أنفي"، وهذه المصطلحات تستخدم في وصف المئات ولا نقول الآلاف من اللغات المنطوقة الأخرى، ونظرية الملمح المميز تلك لا يمكن أن تتناقض مع وجهة النظر التي تذهب إلى أن عددا غير محدد من الملامح المميزة الممكنة تصنع منها النظم اللغوية اختياراتها الخاصة المتفردة، وتربط هذه النظم بين هذه المكونات بطرق لا يمكن الإخبار عنها حتى تقيم فونيماتها الخاصة، غير أن الصياغات الحديثة لنظرية الملمح المميز تتجه نحو افتراض تؤيده شواهد مناسبة فاللغات الطبيعية الموجودة يمكن أن توصف وصفا مرضيا اعتمادا على قائمة تزيد قليلا عن اثني عشر ملمحا مميزا موجودا بالقوة بقدر ما تلقى نظمها الفنونولوجية من اهتمام، وإنه لحقيقة مؤكدة أن تكون هناك ملامح صوتية فسيولوجية كثيرة إلى حد بعيد لا تصنع تمييزا -على حد علمنا- في النظام الفونولوجي لأي لغة طبيعية، وتوجد روابط فسيولوجية كثيرة ممكنة بين الملامح لكنها نادرة إلى حب بعيد أو غير موجودة على الإطلاق، وقد ذهب تشومسكي2   1 اللغة الصينية الرئيسية المنطوق بها في حوالي أربعة أخماس الصين. 2 أفرام نوعم تشومسكي Avram Neam Chomsky؛ "1928" الأستاد بقسم اللغات الحديثة وعلم اللغة في "Massachustts Technology of Institute وتعرف نظريته في البنية اللغوية، بالنحو التوليدي التحويلي، وتعد ثورة في علم اللغة أحدثها نشر كتابه Syntactic Strueture ثم كانت منشوراته الأساسية في الموضوعات اللغوية الفتية وتشمل كتابه الصادر عام 1964 Curent lssues in linguistic theory= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 إلى أن ذلك سببه أن النظام الفونولوجي في اللغات الطبيعية -مثل النظامين النحوي والدلالي فيها- يقيده بشدة النزوع الإنساني النوعي إلى التعامل مع أنواع معينة من المميزات دون غيرها "انظر 7 - 4". ومن أكثر الفوائد اللافتة للنظر في نظرية الملمح المميز إذا ما قورنت بعلم الفونيمات أنها تقدم تفسيرا معللا للمبادئ التي تحدد صحة بنية تتابعات الفونيمات في إطار موسع من الأمثلة في لغات كثيرة، فعلى سبيل المثال يمكن أن تقع بين /s/ الذي يقع في بداية الكلمة1 و/r/ الموجودة في الصيغة نفسها الفونيمات   = والكتاب الصادر عام 1965 Aspects of the Theory of" Syntax"، وأدخل هذا الأخير اتجاها جديدا في النظرية التوليدية وصار وجهة النظر المعتمدة لسنوات عديدة، وصدر عام 1968 مؤلفه الرئيسي في الفونولوجيا "The Souud Pattern of English بالاشتراك مع موريس هال "Morris Halle" ويتضمن كتابه Reflections on language الصادر عام 1976 أحدث ما وصل إليه. وبحلول منتصف الستينات أكد تشومسكي على دور اللغة كوسيلة استراتيجية لبحث العقل الإنساني، وناقش وجهة النظر هذه في كتابه اللغة والعقل الصادر عام 1968 وهو الجانب الذي جذب أوسع القراء -وبصفة خاصة الفلاسفة وعلماء النفس- إلى علم اللغة. 1 ويسمى الأولي أو الابتدائي "inital" ويشير إلى العنصر الأول من الوحدات الصوتية ويستخدم بصفة خاصة في الفونولوجيا فعلى سبيل المثال الوحدة الصوتية "الفونيم" /K/ يذكر في الموضع الابتدائي أو الأولي من الكلمة "cat"، والكلمة the تذكر في الموضع الابتدائي أو الأولي من العبارة الاسمية "the big house" ويشار إلى المواضع الأخرى بالموضع المتوسط "medial" والموضع النهائي "Final" وتأخذ السمات اللغوية الأخرى التي تذكر في هذا الموضع مسميات مناسبة مثل النبر الأولي "initial stress" أي: النبر على المقطع الأول من كلمة ما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الملامح المتقابلة /+ خلفية/ في مقابل /- خلفية/، و/+ مستديرة/ في مقابل /- مستديرة/، ولو أننا نحينا جانبا صيغ الكلمات التي لا تتوافق مع النمط العام "وهي تلك التي تكون غالبا مقترضة من لغات أخرى" فإنه يمكننا القول بأن كل الحركات في المواضع المتتابعة في الكلمة التركية يجب أن يكون لها قيمة واحدة فيما يتصل بالتقابل /+ خلفية/ وفيما يتصل بالتقابل /+ مستديرة/ "وفق شرط آخر يمنع تركيب /+ مستديرة/ مع الملمح القطعي /+ مفتوح/ في كل المقاطع الابتدائية"، وبغض النظر عن الطول الذي يمكن أن تمتد إليه الكلمة -وبفضل البنية النحوية للغة التركية نجد فيها صيغ كلمات كثيرة طويلة- تكون التقابلات /+ خلفية/، و/+ مستديرة/ تطريزية بالمعنى الذي أوضحناه من قبل. والملامح التطريزية المميزة من ذلك النوع الذي ضربنا له مثالا الآن هو ما يطلق عليه النظرية التطريزية في الفونولوجيا وتشير -بمعنى خاص للمصطلح- إلى التطريزيات، وتميز النظرية التطريزية للفونولوجيا ما يعرف بمدرسة لندن اللغوية التي لديها الكثير لدرجة أنها تشارك نظرية الملمح المميز أكثر تطوراتها الحديثة، ومن سوء الحظ أن الاختلافات في المصطلح -ولا نذكر الاختلافات الخاصة بالاستشراف النظري فيما يتصل بالموضوعات الأعم- تعمل على إخفاء أوج الشبه، والاختلاف الأساسي بين نظرية الملمح المميز التقليدية والنظرية التطريزية أن الأولى ما زالت نظرية فونيمية أو قطعية مثل علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي بينما تسمح النظرية التطريزية على الجانب الآخر بتواجد العناصر الصوتية "القطعية" والعناصر التطريزية "الموسيقية" وأن يكون لها مكانة متكافئة ومتكاملة في قوائم المحتويات الفونولوجية للنظم اللغوية، وأكثر من ذلك تدرك أنه على الرغم من وجود اتجاه "لأسباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 صوتية" لأن تصبح مكونات معينة قطعية وتطريزية معا فإن فكرة التطريزية ترتبط من حيث المبدأ بنظم لغوية معينة. ومصطلح تطريزي يجب شرحه الآن وقد استخدم هنا بمعنى غير متفق عليه، ومعظم اللغويين إذا استخدموا مصطلح تطريزي بأي شكل من الأشكال فإنهم يستخدمونه ليشيروا إلى أشياء مثل النبر، والنغمة، والطول وهي أشياء تعد مشكلة في علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي الذي يفترض أساسا أن بنية الكلمات والجمل يمكن أن تفسر تفسيرا تاما بواسطة العناصر الفونولوجية المرتبة ترتيبا متسلسلا: واختلاف النبر بين الصيغة الاسمية import والصيغة الفعلية impoit في اللغة الإنجليزية المنطوقة "الأول منبور المقطع الأول، والثاني منبور المقطع الثاني" لا يعالج بشكل طبيعي باعتباره اختلافا بين فونيميين قطعيين، ويرجع ذلك إلى سببين مستقلين جزئيا أولهما أن النبر بصفة أساسية حالة من البروز الأعظم لمقطع فيما يتعلق بالمقاطع الأخرى في الصيغة نفسها "أو الصيغ المصاحبة لها" وثانيهما أن التحقق الصوتي للنبر -بخلاف التحقق الصوتي للفونيمات القطعية- لا يمكن أن يسبق أو يتلو "في الزمن" التحقق الصوتي للعناصر الفونولوجية المجاورة له، ويستطيع المرء بشكل واضح أن يمثل اختلاف النبر بين الصيغ تمثيلا فونيميا عن طريق وضع الفونيم المنبور المناظر قبل "أو بعد" الفونيم الحركة التي تناظر نواة المقطع في التحقق الصوتي، والنقطة الأساسية أنه على الرغم من أن التجزئة يمكن أن تنفذ دائما في الفونولوجيا على أساس -إذا كان ضروريا- من القرار العشوائي فإن عشوائية القرارات المفروضة على اللغوي في حالات كهذه هي في حد ذاتها دليل على عدم الكفاية النظرية للإطار الذي ينفذ من خلاله التحليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وما قيل عن النبر يقال كذلك عن النغمة وتوجد في لغات كثيرة "يطلق عليها اللغات النغمية" وتعمل على تميز الصيغ بالطريقة التي يسلكها النبر مع أن ذلك ليس منتشرا إلى حد بعيد في اللغة الإنجليزية، وفيما يتعلق بالطول فيمكن أن تكون هناك صوامت طويلة وبالمثل يمكن أن تكون هناك حركات طويلة في لغات معينة، ويمكن أن يكون هناك اعتماد متبادل بين طول أحدهما وطول الآخر، وحتى في اللغة الإنجليزية "في النطق النموذجي لها" يختلف طول الحركات تبعا لنوعية الصوامت التي تتلوها في المقطع نفسه، وما يطلق عليه بشكل تقليدي الحركات الطويلة يحللها بعض الفونولوجيين دون غيرهم على أنها أيضا قطع قصيرة على المستوى الصوتي عندما يتلوها صوت شديد مهموس، وعليه فإن القطعة الحركة في segment أقصر من الناحية الصوتية من تلك الحركة التي في sead أو see، وفي الحقيقة يمكن أن تكون أقصر في تحققها الصوتي إذا ما قورنت بالحركة القصيرة على المستوى الفونولوجي في sit وهذه الحقيقة لا توضح فقط الاختلاف بين الطول الفونولوجي والمدة الصوتية لكنها تبين كذلك بشكل أعم تعقيد العلاقة بين التحليل الفونولوجي والكتابة الصوتية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 سادسا: البنية الفونولوجية هنا قسم قصير إلى حد بعيد خصص لموضوع كبير إلى حد بعيد، وهدنة ببساطة شرح ما المقصود بالبنية في هذا السياق، والتأكيد على أن هناك -في التحليل الفونولوجي- ما هو أكثر من تأسيس قوائم محتويات من العناصر القطعية والتطريزية. وإذا أخذنا في اعتبارنا وجود قائمة محتويات من العناصر الفونولوجية للغة معينة فإن البنية الفونولوجية لهذه اللغة يمكن أن توصف من خلال العلاقات التي تربط بين العناصر نفسها والعلاقات -بأنواعها المختلفة- التي تربط بين مجموعات من العناصر الفونولوجية من جهة والتعقيدات الفونولوجية أو الصيغ أو الوحدات النحوية الأخرى الأكثر اتساعا من الجهة الأخرى. وللعلاقات التي تربط بين العناصر نفسها نوعان يشار إليهما بصورة شائعة في التقليدية السوسيرية بالعلاقات الأفقية، والعلاقات الرأسية، ويرتبط المصطلح الأول "العلاقات الأفقية" syntagmatic ارتباطا تأصيليا بـ 1syntactice غير أنه لا يلتبس بها فهي لا تعني أكثر من تنظيمي، ونظرا لأن مصطلح علاقات رأسية "paradigmatic" على الرغم من إمكانية شرحه شرحا تاريخيا وعلى الرغم من استخدامه استخداما واسعا إلا أنه من المحتمل أن يكون مضللا فسوف استخدم بدلا منه مصطلح "علاقات إحلالية"، وستكون ثنائيتنا -فيما عدا الموقف الذي نتناول فيه على وجه التخصيص بنائية سوسير- العلاقات الأفقية والعلاقات الإحلالية والعلاقات الأفقية هي التي تربط بين العناصر التي يمكن أن تذكر في تركيب مع غيرها في سلاسل "من الوحدات" صحيحة البنية، والعلاقات الإحلالية هي التي تربط بين مجموعات من العناصر التي يمكن إحلالها إحلالا داخليا في أماكن معينة من سلاسل الوحدات، ومن إنجازات سوسير الرئيسية في هذا القرن -كما سنرى عند مناقشتنا للبنائية- أنه أوضح الاعتماد المتبادل بين العلاقات الأفقية والعلاقات الإحلالية "انظر 7 - 2". والنظم اللغوية -كما رأينا- يمكن أن تختلف من الناحية الفونولوجية ليس في عدد العناصر الفونولوجية التي في قوائم محتوياتها فحسب "وفي التحقق   1 النظمي "الخاص بنظم الكلام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الصوتي لهذه العناصر" لكنها تختلف أيضا من جهة العلاقات الأفقية التي تحدد صحة البنية الفونولوجية للتراكيب المحتملة أي: سلاسل الوحدات الفونولوجية، ونحن نتكلم -لغرض التبسيط- كما لو كانت سلاسل الوحدات الفونولوجية يمكن أن تحدد بصورة مرضية كما لو كانت تتابعات من الفونيمات فنحن نعرف أنه ليس لكل الفونيمات أن تسبق أو تتلو كل الفونيمات الأخرى، فهناك تقييدات تتابعية تمنع ذكر أفراد مجموعة من الفونيمات بعد أفراد مجموعة أخرى من الفونيمات، والقوانين التي تحدد صحة البنية الفونولوجية في لغات معينة يجب أن تذكر بالتفصيل هذه التقييدات، وبصورة أعم يجب أن يذكر بالتفصيل أي هذه العناصر يمكن أن توجد معا في سلاسل الوحدات صحيحة البنية وبأي طريقة يكون ذلك. لكن ليس ذلك كل ما يصل بالوصف الفونولوجي، ومصطلح سلسلة وحدات الذي استخدمناه لتونا يحمل معه ضمنا أن هناك كيانات معينة أكبر -سلاسل الوحدات- تكون العناصر الفونولوجية أجزاء مكونة لها، والأمر كذلك بالتأكيد، والأكثر إثارة للجدل، ما إذا كان هناك في كل اللغات الطبيعية -أو في الواقع في أي لغة طبيعية- سلاسل فونولوجية بحتة مثل المقاطع "ولن نذكر عبارات فونولوجية"، ونحتاج إلى افتراضها حتى نصف البنية الفونولوجية موضع البحث، ومن الممكن تحديدها بدون الرجوع إلى البنية النحوية للغة، وإنه لأكثر سهولة أن لصوغ التقييدات التتابعية التي تربط بين صوامت اللغة الإنجليزية من خلال مواضعها في المقاطع نفسها أو المقاطع المتتالية أكثر مما لو لم نشر -على الإطلاق- إلى المقاطع، غير أن هذا يفترض سلفا تعريفا نظريا مرضيا للمقاطع باعتبارها كيانات فونولوجية، ولا يزال اللغويون يفصلون قدر الإمكان وتبعا للضرورة بين المقاطع المفترضة وسلاسل الوحدات الفونولوجية البحتة الأخرى في بنية اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى، ويمكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 بطبيعة الحال أن يظهر أن بعض اللغات لديها سلاسل وحدات فونولوجية بحتة وأخرى ليست لديها ذلك. وهناك جدل قليل إلى حد بعيد في هذه الأيام حول ضرورة الإشارة إلى الوحدات النحوية في التحليل الفونولوجي للغات أو بعبارة حديثة حول دمج القوانين الفونولوجية مع القوانين النحوية الخاصة بالنظم اللغوية، وفي لغات طبيعية كثيرة -ومن المفترض سلف أن تكون فيها جميعا- اعتمادات متبادلة بين المستويات بمختلف أنواعها والتي هي جزء من اللغة كالعلاقات الفونولوجية البحتة أو العلاقات النحوية البحتة، وقد أدمجنا في الواقع -بشكل مقنع- هذه الفكرة في التبعية الداخلية للمستويات في الأقسام الأولى من هذا الكتاب "أي: فيما يتعلق بالسلاسل الفونولوجية التي هي أيضا وحدات نحوية - تحت الافتراضات الموضحة في 2 - 6" إلا أننا أشرنا مرارا وتكرارا إلى موضع الفونيمات في أول الكلمة وفي أوسطها وفي آخرها ... إلخ، والكلمات تكون بمثابة الأصناف الفرعية للصيغ. والاعتماد المتبادل بين النحو والفونولوجيا أشمل بكثير -على كل حال- من أي شيء نكون قد عرضناه من قبل، وهناك ظواهر الاتصال وذلك مثل ما يشار إليه تقليديا في اللغة الفرنسية بالوصل "Liaison" ومن الضروري لوصفها ألا نشير إلى حدود الكلمات فحسب ولكن أيضا إلى العلاقات النحوية -إن وجدت- التي تربط بينها عبر حدود الكلمة وذلك مثل وجود "z" في Lezem] hommes Les] ؛1 وفي "gelezevy" j les 2ai vu في مقابل غيابها في [denleamari] ؛donne - les 3aMarie وكثير   1 الرجال. 2 رأيتهم. 3 أعطها لماري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 من الظواهر في الجزء غير الكلامي من اللغات المنطوقة الذي تشير إليه بالجزء التطريزي "انظر 1 - 5" ويكون فيه النبر والتنغيم على قدر كبير من الأهمية لا يمكن تفسيرها تفسيرا مناسبا ما لم يكن مجالها محددا على المستوى النحوي، وتعد هذه الظواهر ظواهر فونولوجية أيضا حيث تشتمل الظواهر الفونولوجية على المكونات التطريزية والمكونات القطعية في النظام اللغوي، وكما رأينا وإلى الحد الذي لا ترتبط فيه المكونات التطريزية باللغة المكتوبة يكون عدم تطابق اللغتين المكتوبة والمنطوقة، ومن الواضح الآن أنه بقدر وجود مميزات فونولوجية ذات ارتباط بالدلالة والنحو لا يمكن تحويلها إلى وسيلة مكتوبة تختلف بالضرورة اللغة المنطوقة عن الكتابة المناظرة لها على المستويين الدلالي والنحوي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الفصل الرابع: النحو أولا: النحو، والتصريف، والصرف أول ما يجب قوله في هذا الفصل إن مصطلح نحو1 "grammar" سوف يستخدم هنا وخلال هذا الكتاب "باستثناء عبارتين: "النحو التقليدي"، "والنحو التوليدي" بمعنى ضيق إلى حد ما يقابل "الفونولوجيا" من ناحية و"الدلالة" من ناحية أخرى، وهو أحد معانيه التقليدية وأوثقها صلة بالمعنى المعتاد للوصف منه "نحوي" "grammatical" ويدرج كثير من اللغويين مصطلح "فونولوجيا" وحتى مصطلح "دلالة" تحت مصطلح "نحو" "grammar" وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الالتباس.   1 النحو "grammar" أحد المصطلحات الأساسية في علم اللغة ويغطي مجالا واسعا من الظواهر اللغوية، ويمكن أن نميز أنواعا عديدة من النحو فهناك النحو الوصفي "descriptiv grammar"، والنحو النظري "theortical grammar" والنحو السطحي "surface grammar"، والنحو العميق "deep grammar"، والنحو الشكلي "formal grammar"، والنحو الفكري "notional grammar" والنحو المقارن "comparative grammar"، والنحو التقليد "traditional grammar" ويشير مصطلح نحو "grammar" في معنى ضيق له إلى مستوى من التنظيم البنيوي يمكن دراسته بصورة مستقلة عن الفونولوجيا "Phonology" وعن الدلالة "semantica" ويتقدم بشكل عام إلى نظم الجملة "syntax" والصرف "morphology". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وحتى الآن كان تعاملنا مع الافتراض الذي يذهب إلى أن اللغات لها مستويان للبنية: الفونولوجيا ونظم الجملة، وهذا الافتراض سنتخلى عنه فيما بعد، لكن ذلك في حاجة إلى تعديل ما لم نكن على استعداد لأن نوسع تصورنا عن الفونولوجيا وأن نمد مصطلح "نظم الجملة" وراء التفسير التقليدي له، وما رأيناه من قبل من أنه في بعض اللغات الطبيعية -ومن المفترض أن يكون فيها جميعا- اعتماد متبادل فيما بين المستويات يجعل من المستحيل الفصل الصارم بين البنية الفونولوجية والبنية النظمية، وسنرى الآن أنه في لغات معينة على الأقل توجد فجوة بين نظم الجملة "بما هو مفهوم من المصطلح "syntex" بشكل تقليدي" والفونولوجيا، وهذه الفجوة يسدها في النحو التقليدي مصطلح التصريف"1. وتفترض كل المعاجم الأوروبية المعيارية القديمة منها والحديثة سلفا اختلافا بين نظم الجملة3 "syntax" والتصريف "inflection" وهو ما تفعله   1 على عكس ما تتضمنه كثير من الكتب الأساسية في علم اللغة فإن التصريف "inflection" وليس الصرف "morphology" هو المقابل لنظم الجملة في النحو التقليدي، ومصطلح صرف "morphology" ليس حديث النشأة نسبيا فحسب ولكنه عندما يوضع في مقابل نظم الجملة "ayntax" خصوصا إذا عرفناه من خلال المصطلح الأحدث "الوحدة الصوتية" "morpheme" فإن استخدامه يتضمن وجهة نظر تقليدية إلى حد بعيد في البنية النحوية للغات، والنحو التقليدي -على الرغم من عيوبه القاطعة- ليس مخطئا بالضرورة في هذه النقطة بعينها، وتعد وجهة النظر التقليدية المصوغة صياغة واضحة والمشروحة شرحا مناسبا اختيارا مرضيا مطروحا من قبل اللغويين، "المؤلف". 2 نظم الجملة "syntax" مصطلح تقليدي يستخدم للإشارة إلى دراسة القواعد التي تحكم طريقة تركيب الكلمات لتكوين الجمل في لغة من اللغات، ويقابل هذا المصطلح بهذا المعنى الصرف أو المورفولوجيا "morphology وهي دراسة بنية الكلمة، ويمكن تعريف هذا المصطلح كذلك بأنه دراسة العلاقات الداخلية بين عناصر بنية الجملة، ودراسة القواعد التي تحكم ترتيب الجمل في تتابعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 أيضا الطريقة التي تعلمنا جميعا أن نتكلم بها عن اللغة في المدرسة، ومهما كان مصطلحا "نظم الجملة" و"التصريف" جديدين بالنسبة لنا فإن فيهما معنى نعرف جميعا من خلاله ماذا يعنيان، وقد اعتدنا على التعامل مع مصطلح "كلمة واستخدامها -كما هو الواقع في النحو التقليدي- للدلالة على معنيين مختلفين تماما يعتمدان في النهاية على فهمنا العملي لما يقع في إطار مصطلح "التصريف" ولنبدأ إذن بمصطلح "كلمة". كم كلمة في اللغة الإنجليزية؟ هذا السؤال ملبس، وتبعا لأحد تفسيرين تعد sing، و sings، و singing، و sang، و sung كلمات مختلفة، وتبعا للفسير الثاني تعتبر صيغا مختلفة لكلمة واحدة هي "sing" وعندما نتكلم بشكل عام إذا ما أثير السؤال عن عدد الكلمات الموجودة في معجم معين فإننا نأخذ مصطلح "كلمة" بالمعنى الثاني, أما إذا طلب منا كتابة مقال من ألفي كلمة في موضوع ما فإننا نأخذ المصطلح بالمعنى الأول وأكثر من ذلك تحسب الكلمة إذا تكررت مواضعها بعدد مرات تكرارها. ولندخل الآن بعض المصطلحات التي يمكننا استخدامها عند الضرورة حتى نحافظ على الحدود الفاصلة بين دلالتي مصطلح "كلمة" وسنقول إن sing، وsings، و sang ... إلخ صيغ كلمات "أي: إنها صيغ وهي أيضا كلمات"، وقد استخدمنا مصطلح "صيغة كلمة" في الأقسام السابقة، وستقول إن sing لاحظ أنها تكتب بالحروف العمودية لا المائلة" هي المفردة، ولهذا المفردة صيغ عديدة هي: sing، وsings، وsang الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 .. إلخ وهي في الحقيقة ما يمكن أن نصفه تقليديا بالصيغ التصريفية، لكن Sing تشغل موضعًا متميزًا بين الصيغ الأخرى فهي الصيغة الاستشهادية المعيارية وهي أيضًا ما يعده كثير من اللغويين الصيغة الأساسية والتمييز بين الصيغة الاستشهادية والصيغة الأساسية لا يقل أهمية عن التمييز بين إحداهما والمفردة نفسها، والصيغة الاستشهادية للمفردة هي الصيغة المستخدمة للإشارة إلى المفردة، وهي أيضًا الصيغة المستخدمة في وضع القائمة الألفبائية للمفردات في معجم تقليدي، والصيغة الأساسية هي الصيغة التي يمكن أن تؤخذ منها كل الصيغ الأخرى الخاصة بالمفردة وفق القوانين الصرفية في اللغة، وهي الصيغة المميزة للصيغة الأساسية -بقدر ما تلقى الأفعال من اهتمام- في اللغات الفرنسية، والألمانية، والروسية، ومعظم اللغات الأوروبية الحديثة، ولجميع الأفعال ومعظم الأسماء والصفات في اللغتين اللاتينية والإغريقية. ونستطيع أن نشير إلي المفردات مثلما نستطيع أن نشير إلى أي صيغة من صيغها، ونحن -في الواقع- نفعل ذلك، وسنواصل عملنا هذا عادة بالحروف المائلة "بدون الأقواس < >، انظر 3 - 2"، وأحيانًا بالرموز الصوتية أو الفونيمية خلال هذا الكتاب، ويمكن أن تختلف الصيغ نفسها في جوانب معينة تبعًا للسياق الذي تذكر فيه، وتحدد القوانين الفونولوجية درجة اختلافها الصوتي يستخدمها اللغويوين بصورة متكررة وعلى الأخص علماء الأصوات فيما يتصل بالصيغ الاستشهادية الخاصة بالصيغ المتغيرة من الناحية الصوتية، فعلى سبيل المثال الكلمتان: Come و Came كلتاهما "صيغتان للمفردة Come" تنطق بصوت شفوي أنفي [m] في الموضع الأخير من صيغتهما الاستشهاديتين على الرغم من أن هذا الصوت قد يكون شفويا أسنانيا أنفيا [m]-في الاستخدام العادي- إذا وقع مباشرة قبل صامت شفوي أسناني آخر مثل [f] أو [v] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ويعد هذا النوع من التغير دون الفونيمي حيث إن الشفوية في مقابل الشفوية الأسنانية لا تعد من التقابلات المميزة من الناحية الفونولوجية في اللغة الإنجليزية لكن هناك أيضًا قدرًا معينًا من التغير المحدد سياقيا الواقع في إطار علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي يقال إنه يشمل إبدال فونيم بآخر، وفي كلتا الحالتين من الشائع هذه الأيام خصوصًا في الفونولوجيا التوليدية الحديث على اشتقاق أو توليد كل الصيغ المتغيرة من الناحية الصوتية من الصيغة العميقة المشتركة التي إما تتطابق مع الصيغة الاستشهادية للصيغة المتغيرة من الناحية الصوتية موضع البحث أو تكون أكثر شبها بها من أي تنوعات صوتية أخرى. وعلى أساس التمييز بين المفردة "الكلمة المفردة بشكل أكثر وضوحًا" وصيغها نستطيع الآن أن نصوغ المميز التقليدي بين نظم الجملة والتصريف1، فالنحو والتصريف متكاملان ويشكلان معًا الجانب الرئيسي مما يسمى بالنحو "Grammar" إن لم يكن النحو بأكمله، كما أنهما يحددان معًا الصواب النحوي "صحة البنية النحوية" للجمل، فنظم الجملة يوضح كيفية ارتباط المفردات الواحدة بالأخرى في أبنية معينة، والقوانين التصريفية "بقدر ما يكون النحو التقليدي من قوانين أكثر من جداول تصريفية" توضع أي صيغ المفردة ينبغي أن ترد في تركيب دون آخر، ويتوسط النحو والتصريف مستوى "أو دون المستوى" يستخدم المرء في الوصف الموجود فيه عبارات   1 التصريف "Inflection"، مصطلح يستخدم في المورفولوجيا يشير إلى عملية الاشقاق التي تتعلق بصياغة الكلمة أو الفصيلة النحوية، وهو ما يشير إليه مصطلح "Accidence" في الدراسات النحوية التقليدية ويعني التغير في الصيغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 مثل "المفرد الغائب"، وصيغة الزمن المضارع للمفردة Sing، والملكية بصيغة الإفراد للمفردة "Boy" وقد أدخلت عن عمد في هذه النقطة كتابة رمزية متاحة للمفردات "أي: الكتابة بالحروف الكبيرة العمودية" وهذه الكتابة الرمزية مستخدمة في أعمال حديثة عديدة أي: إن Sing، SING "الكتابة بالحروف الكبيرة العمودية" شكلان رمزيان مختلفان لكيان واحد1. والفارق الحديث "وبالأخص في البلومفيلدية المتأخرة" بين نظم الجملة والصرف أن نظم الجملة يتناول توزيع الكلمات "أي: صيغ الكلمات" ويتنازل الصرف البنية النحوية الداخلية لها، ويبدو هذا الفارق من الوهلة الأولى شبيها إلى حد بعيد بالفارق التقليدي بين نظم الجملة والتصريف لكنه يختلف عنه من ناحيتين أولاهما أن الصرف لا يشمل التصريف وحده ولكنه يشمل الاشتقاق أيضًا، وثانيهما أن الصرف يتناول التصريف والاشتقاق كليهما عن طريق قوانين تجري على الوحدات الأساسية نفسها -الوحدات الصرفية "المورفيمات"- فعلى سبيل المثال مثلما تتركب الصيغة التصريفية Singing من وحدتين أساسيتين "من المورفيمات" Sing، Ing فإن الصيغة الاشتقاقية Singer تتركب أيضًا من وحدتين أساسيتين Sing وer وأكثر من ذلك فإنها العملية الإلحاقية نفسها أي: إضافة اللاحقة إلى الصيغة الأساسية في كلتا   1 والكلام على نحو دقيق أنها ليست الكلمات التي هي بمعنى المفردات ولا الكلمات التي بمعنى صيغ الكلمات ولها توزيع تفسره القوانين النظمية في النحو التقليدي ولكن الكلمات بمعنى الكيانات الوسيطة أي: الكلمات التنظيمية الصرفية، غير أننا لسنا بحاجة إلى الاهتمام في هذا الكتاب بتهذيب إضافي كهذا "انظر: 1974 matthewe، المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الحالتين وتعد الوحدات الصرفية "المورفيمات" من وجهة النظر هذه الصيغ الأدني وتعد وحدات أساسية للبنية النحوية، ويمكن أن يقع قدر كبير من الصرف في مجال نظم الجملة عن طريق زحزحة الكلمة من مكانها التقليدي محور النظرية النحوية. وهناك جدل حول تفضيل النحو المؤسس على المورفيمات فهناك من يؤيد وهناك من يعارض، وينطبق الكلام نفسه على النحو الأكثر تقليدية للمؤسس على الكلمة، والمشكلة في الجمع بين إيجابياتهما داخل نظرية متماسكة وأكثر حركية من نواح أخرى تتعلق بالبنية النحوية للغات الإنسانية، ويسير في هذا الاتجاه التقدم العظيم الذي تم إنجازه في العشرين سنة الماضية الذي لا يقارن به ما حدث في التاريخ الطويل لعلم اللغة، ومعظم هذا التقدم يمكن أن يعزى بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر إلى تشكيل نظرية معينة في نظم الجملة في إطار النحو التوليدي الذي أخرجه تشومسكي، وسيقال الكثير عن هذا الأخير، ويكفي هنا أن نذكر أنه على الرغم من أن نظرية تشومسكي في نظم الجملة مبنية على المورفيم أكثر من أن تكون مبنية على الكلمة إلا أنها تبنت في تطورها الأحدث وجهة نظر أكثر تقليدية في تكامل نظم الجملة والتصريف مما تبنته في صورها الأولى، وتعالج الآن -على الأخص- الصرف الاشتقاقي كشيء لا يعالجه الجزء النظمي الرئيسي من النحو لكنه يرتبط ببنية المفردات "أو المعجم"1، ومهما كانت نظرية النحو التي تتعامل   1 المعجم، "Iexicon" ويترادف هذا المصطلح مع مصطلح المفردات "Vocabulary"، ولهذا المصطلح مكانه خاصة في النحو التوليدي حيث يشير إلى المكون الذي يشمل كل المعلومات عن الخصائص البنوية للألفاظ المعجمية في لغة ما أي: خصائصها الدلالية والنحوية والفونولوجية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 معها الآن فإنه من الواضح أننا لا نستطيع القول ببساطة -كما قلنا في شرحنا السابق لمبدأ الازدواجية- إن وحدات المستوى الرئيسي تتركب من عناصر المستوى الثانوي "1 - 5"، والعلاقة بين المستويين أكثر تعقيدًا مما يوحي به هذا الشرح، ومع ذلك فإن هذا التعقيد محكوم بقانون، وأكثر من ذلك فإنه على الرغم من الاختلافات الجديرة بالاعتبار إلى حد بعيد في البنية الفونولوجية والنحوية في اللغات الإنسانية فإن هناك تشابهات واضحة فيها على حد سواء توحي على الأقل ببعض القوانين التي تحدد كلا المستويين وتدمجهما معا، وهذه القوانين التي يستطيع الأطفال السيطرة عليها في فترة قصيرة نسبيا أثناء اكتساب اللغة تعد قاسما مشتركا بين اللغات الإنسانية كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ثانيًا: الصواب النحوي والإنتاجية والاعتباطية الجمل حسب التعريف صحيحة نحويا "أي: صحيحة البنية النحوية"1، ويمكن أن نعتبرها -لأغراضنا الحالية- سلاسل من الكلمات صحيحة البنية "أي: تتابعات" وذلك مثل: 1- this morning he got up late. 2- He got up late this morning. فيما تبعا للتعريف جملتان مختلفتان في اللغة الإنجليزية، ومن جهة نظر أهم وأكثر تقليدية من الناحية النظرية يمكن أن نعرف الجمل كأصناف من سلاسل صيغ الكلمات كل عضو في صنف له البنية النظمية نفسها، ويسمح لنا هذا التعريف -لكنه لا يجبرنا- بأن نتعامل مع "1"، و"2" كصورتين لجملة واحدة وليستا جملتين مختلفتين. ويجب أن نتذكر أن لكل جملة في اللغة المنطوقة منحنى تطريزي متميز مركب على سلسلة صيغ الكلمات "وبصفة خاصة نمط تنغيمي معين"، وبدون هذا المنحنى التطريزي لا تكون جملة، وثمة خلاف في علم اللغة حول المدى الذي تنتسب فيه البنية التطريزية للأقوال المنطوقة إلى بنية الجمل، ويذهب معظم اللغويين إلى أن جانب البنية التطريزية الذي يميز -على الأقل- الأخبار عن الأسئلة والأوامر يجب أن ينتسب إلى بنية الجملة، وهي وجهة نظر سنقبل بها ضمنيا، وتؤدي إلى فتح باب الاحتمالات أمام تناظر "1"، و"2" ليس مع جمل مفردة، ولكن مع مجموعات من الجمل المختلفة في اللغة الإنجليزية المنطوقة، ويتبع ذلك أنه -من وجهة النظر التي ذكرتها   1 الصحة النحوية grammatieality مصطلح يشير في علم اللغة إلى توافق جملة ما "أو جزء من جملة ما" مع قوانين نظام نحوي خاص بلغة معينة، والعلامة النجمية التي تقع قبل الجملة تشير بشكل عام إلى أن هذه الجملة غير متوافقة مع قوانين النظام النحوي الخاص باللغة التي تقع فيها، بيد أن الحكم بتوافق جملة ما أو عدم توافقها مع النظام النحوي للغة لا يكون سهلًا دائمًا فقد يختلف المتكلمون الأصليون في أحكامهم، والمصطلح البديل للصحة النحوية grammatical هو صحة الصياغة "well - formed" ويقابل اختلال الصياغة "ill formed" ولا تتعلق هذه الأحكام بمعني الجملة أو بقبولها أو عدم قبولها في المجتمع فقد تكون الجملة صحيحة من الناحية النحوية "أو متوافقة مع النظام النحوي للغة أو صحيحة الصياغة" لكنها غير ذات معنى وذلك كما في مثال تشومسكي الشهير: Colourless green idess aleep furioualy. وقد تكون الجملة الصحيحة من الناحية النحوية لكنها لا تلقى القبول لسبب أو لآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 في الفقرة السابقة- إذا أعطينا الاختلاف في رتبة الكلمة1 والاختلاف في المنحنى التطريزي الأهمية نفسها باعتبارهما مؤشرين كامنين للبنية النحوية فإن الاختلاف بين صورتين متميزتين من حيث التنغيم للجملة "1" أو "2" يؤخذ في الاعتبار من حيث المبدأ بقدر الاختلاف بين "1"، أو "2"، ويجب أن تتولد هذه النقطة في الذهن حتى لو كنا نتحدث في أكثر هذا الكتاب كما لو أن الجمل في اللغات المنطوقة تصور بشكل مرض على أنها سلاسل من الكلمات. ما الفرق بين سلسلة من الكلمات صحيحة نحويا وأخرى غير صحيحة نحويا؟ الإجابة بسيطة لكنها غير واضحة في حد ذاتها، فسلسلة الكلمات غير الصحيحة نحويا تركيب لم تراع فيه القوانين النحوية للنظام اللغوي، ولا ينطبق هذا الكلام على الجمل وحدها وإنما ينطبق أيضا على أجزائها فعلى سبيل المثال: morning this،*late got up* غير صحيحتين من الناحية النحوية "ومن هنا كانت العلامة النجمية انظر 2 - 6"، ولنرى ما يتضمنه هذا الكلام، وأيضا -بما لا يقل أهمية- ما لا يتضمنه بقدر ما تلقى الجمل اهتمام. إنه لا يتضمن بطبيعة الحال موقفا معياريا تجاه اللغة أي: إننا نعني بالقوانين الداخلية التي يطبقها المتكلمون الأصليون بلا وعي مع إهمالنا لأي مانع   1 رتبة الكلمات "order - word" مصطلح يستخدم في التحليل النحوي ليشير إلى الترتيب التتابعي للكلمات في وحدات لغوية أوسع، وتعتمد بعض اللغات "مثل اللغة الإنجليزية" على رتبة الكلمة كوسيلة للتعبير عن العلاقات النحوية داخل الأبنية، وفي لغات أخرى مثل اللغة اللاتينية واللغة العربية نجد ترتيب الكلمات أكثر مرونة إذ إن العلاقات النحوية يشار إليها في اللغة اللاتينية عن طريق التصريفات وفي اللغة العربية عن طريق علامات الإعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 لا يتصل باللغة، ولأي عامل من عوامل التشويه، ولا يتضمن أي ارتباط مباشر بين الصحة النحوية الأخرى وإمكانية الحدوث1، وأخيرا لا يتضمن أي تطابق بين الصواب النحوي للجمل وإفادة المعنى، ويسمح لنا من الناحية الأخرى بإمكانية وجود ارتباط وثيق وجوهري على الأقل بين بعض جوانب الصواب النحوي للجمل وإفادة المعنى للأقوال الموجودة بالفعل أو الموجودة بالقوة. والطريقة التي تحمل اللغات الطبيعية بها المعنى بأنواعه المختلفة ستشغلنا تماما في الفصل الخامس، والنقطة التي نثيرها ببساطة أنه مهما كانت العلاقة التي تربط بين الصواب النحوي وإفادة المعنى فإن هاتين الصفتين يجب أن نميز بينها، ومثال تشومسكي المشهور الآن:   1 أو إمكانية القبول "acceptability" هو ذلك المجال الذي يحكم عليه المتكلمون الأصليون باحتماليته في لغتهم، والقول الممكن قبوله هو ذلك القول الجائز أو المعتاد، وقد يكون الحكم بإمكانية قول ما محفوف بالمصاعب فمن المعتاد ألا يتفق المتكلمون الأصليون حول ما إذا كان قول ما معتادا أو حتى محتملا وأحد الأسباب التي تكون وراء ذلك أن الحدس "intuition" يختلف من متكلم إلى آخر بسبب التباين في الخلفيات الاجتماعية، والإقليمية، والسن، والاستحسان الشخصي وهلم جرا، وقد يكون قول ما معتادا في لهجة لكنه غير مقبول في لهجة أخرى، وكثير منها يعتمد على ما شب الناس على اعتقاد صحته أو خطئه، وقد يكون قول ما في لهجة واحدة مقبولا في سياق معين وغير مقبول في سياق آخر، ويخترع علم اللغة وسائل فنية عديدة لقياس إمكانية قبول المعلومات اللغوية وتأخذ عادة شكل التجارب التي يسأل من خلالها المتكلم الوطني أن يقيم مجموعات من الأقوال يحوم الشك حول قبولها ومن الأهمية أن يكون لدينا وسائل فنية متفق عليها نحكم بها على إمكانية القبول، ويميز القول غير المقبول بالعلامة، النجمية* أو علامة الاستفهام اللتين تتصدران القول وهو ما يميز الجملة غير الصحيحة نحويا كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 3- 1 Colourless green ideas sleep furiously. جملة إنجليزية صحيحة التركيب على الرغم من أنها لا تستطيع أن تقدم تفسيرا موضوعيا متماسكا وبالعكس: 4- *2late got tjis moruing he up. مثال -بلا شك- عغير نحوي على الرغم من إمكانية إثبات أنه لا يقل سهولة في إمكانية التفسير من "1"، و"2"،وقد تسامحنا هذه المرة في تحطيم القوانين الخاصة باللغة الإنجليزية التي تحكم مواضع الكلمات بأصنافها المختلفة في صلاتها الواحدة منها بالأخرى في الجمل، وهنا حيل كثيرة غير محدودة خلاف تلك التي مثلنا لها بـ"3"، و"4"، وهناك -بلا شك- مناطق اعتماد متبادلة بين الصحة النحوية وإفادة المعنى وهي مناطق واسعة إلى حد بعيد وممتعة نظريا، غير أن هاتين الصفتين غير متطابقتين في الجمل. ولا يعطي النحو التقليدي سوى تفسير جزئي إلى حد بعيد وغالبا ما يكون غير واضح للصواب النحوي، وقد نجح في تأسيس كثير من المبادئ الأكثر دقة التي لا يزال اللغويون يتعاملون معها، وفيما يتصل بلغات معينة مدروسة جيدا صنف عددا ضخما من التراكيب النحوية المختلفة بالإضافة إلى ذكره عددا ضخما مماثلا من الحقائق المتباينة التي تقع خارج مجال قوانين النظام اللغوي هذه على الرغم من أنه يجب أن يقرها الاستخدام ومن ثم تكون بمعنى من المعاني نحوية، وقد بدت النظرية النحوية الحديثة أوضح وأشمل -على الأخص فيما يتصل بصياغة القوانين النظمية للنظم اللغوية- مما كان يطمح   1 الأفكار الخضراء عديمة اللون تنام بشكل هائج. 2 هذه الكلمات غير مرتبة الترتيب الصحيح والمفروض أنها تعني أنه استيقظ هذا الصباح متأخرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 إليه النحو التقليدي، وأحد أسباب ذلك أنه نظرا لأن اللغة اللاتينية واللغة الإغريقية لغتان تصريفيتان بدرجة عالية، وأن معظم ما بعد بوضوح صوابا نحويا يمكن أن يعرض بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الفصائل التصريفية "الجنس "من حيث التذكير والتأنيث"، والعدد "في النحو" والحالة "في النحو"، والزمن، وصيغة "الأفعال" ... إلخ"، وأن النحو كما يفسر تقليديا منحاز انحيازا شديدا إلى دراسة التصريفات، فمن ثم لم يكن غريبا الاعتقاد بأن اللغات غير التصريفية مثل اللغة الصينية الكلاسيكية ليس لها نحو، وأن اللغة الإنجليزية التي لها صرف تصريفي قليل نسبيا لها نحو أقل مما للغتين اللاتينية والإغريقية أو حتى اللغتين الفرنسية والألمانية، النظرية النحوية الحديثة تتعامل مع مفهوم "النحو" الذي لا ينحاز إلى اللغات التصريفية. والسبب الآخر وراء فشل النحو التقليدي بل حتى عدم محاولته تقديم تفسير شامل وواضح تماما لنظم الجملة في اللغات التي تناولها كانت فكرة أن الكثير من نظم الجملة يلزم أن يحدده صراحة أو ضمنا الإدراك العام أو -باستخدام مصطلح أكثر فخامة- قواعد التفكير، فحقيقة أن المرء يقول في اللغة الإنجليزية: this morning he got up late أو He got up late this morning ولا يقول late got this morning he up * لا تحتاج إلى تفسير آخر سوى أن ترتيب الكلمات يعكس ترتيب الفكر، وهذه الفكرة تصبح صعبة أكثر فأكثر عندما تبحث بجدية عينة واسعة -بما فيه الكفاية- تمثل لغات العالم، فرتبة الكلمة- في إطار القيود - مجال واسع إلى حد بعيد للتنوع الأسلوبي في اللغتين اللاتينية والإغريقية، وتوجد لغات كثيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 من بينها اللغة الإنجليزية يكون فيها الدور الأسلوبي لرتبة الكلمة أقل أهمية بينما تكون وظيفتها النظمية أكثر أهمية بشكل تناسبي. ويمكن أن نضرب مثالا جيدا بشكل واضح لوجهة النظر التي تذهب إلى أن التنوع الأسلوبي الخاص بترتيب الكلمات كما مثلنا في "1، و"2" تحدده العوامل السيكولوجية والأسس المنطقية التي يمكن أن يشار إليها بشكل فضفاض باعتبارها قواعد للتفكير، لكن كيف نفسر حقيقة تقدم المسند إليه على المسند "الفعل" في الجمل الخبرية المحايدة من الناحية الأسلوبية في اللغة الإنجليزية بينما يأتي الفعل في المقدمة في الجمل المشابهة في اللغة الأيرلندية؟ أو مرة أخرى كيف نفسر حقيقة أنه في التعبيرة الاسمية تسبق الصفات عادة الأسماء في اللغة الإنجليزية "red coat" لكن في اللغة الفرنسية تأتي معظم الصفات عادة بعد الأسماء "manieau rouge". ولم تصمد طويلا التفسيرات الشوفينية التي ترى أن ترتيبا معينا للكلمات أكثر اتفاقا مع قواعد التفكير من غيره، وبالتالي فإن لغة أمة من الأمم أكثر منطقية من غيرها، ولم تصدم كذلك طويلا الافتراضات الأكثر إفراطا التي تذهب إلى أن كل أمة لها منطقها الخاص الذي قد يختلف عن منطق الأمم الأخرى وأن منطق أمة معينة تحدده أسس رتبة الكلمة الموظفة من الناحية النظمية في لغة قومية معينة، وإذا طلب من رجل إنجليزي ورجل فرنسي أن يصف معطفا أحمر هل يفكر الأول أولا أن هذا الشيء أحمر ثم يفكر في أن هذا الشيء الأحمر معطف، وهل يجري الرجل للفرنسي هاتين العمليتين العقليتين بطريقة معاكسة؟ هذا أمر يبدو بعيد الاحتمال. ورتبة الكلمة ذات الوظيفة النظمية جانب من جوانب عديدة من البنية النحوية الاعتباطية إلى حد ما أي لا يمكن تفسيرها من خلال مبادئ سيكولوجية ومنطقية أعم "انظر 1 - 5". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وأكثر من ذلك فإن الطفل الصغير في السياق المعتاد لاكتساب اللغة ينجح في تعلم -دون تعليم- القوانين النحوية للغته الأم، والأكثر إثارة أن اللغات الطبيعية تتصف كذلك -بفضل بنيتها النحوية- بخاصة الإنتاجية "انظر 1 - 5"، والمهمة التي تواجه الطفل أثناء فترة اكتاسب اللغة هي استنتاج تلك الأسس النحوية الاعتباطية من عينة ضخمة -لكنها محدودة- من الأقوال، وتكون مجموعة غير محدودة- وربما كانت لا نهائية- من سلاسل الكلمات بفضل هذه الأسس جملا صحيحة التركيب، وتكون مجموعة أخرى حتى لو كانت أكثر اتساعا عليلة التركيب. ويعد تشومسكي أول من قدر أهمية سيطرة الطفل على المحددات النظمية للصواب النحوي وكان ذلك في منتصف الخمسينات، وهو الذي قدم أيضا ما يمكن إثبات أنه أكثر النظريات تأثيرا في نظم الجملة في كل مراحل تطور علم اللغة قديما وحديثا حتى الآن، وقد صيغ نظم لجملة التشومسكي في إطار النحو التوليدي وبصفة خاصة في أحدث صوره، ويدمج نظم الجملة التشومسكي نظم الجملة مع الفونولوجيا والدلالة في نظرية شاملة لبنية اللغة، ولا نستطيع في كتاب بهذه الطبيعة أن نتعمق في تفصيلات فنية أكثر في النحو التوليدي، وعلى كل حال سوف نكرث أحد الأقسام في هذا الفصل لتفسير المبادئ الأساسية للنحو التوليدي التشومسكي تفسيرا غير تقي "انظر 4 - 6"، وفي فصل تال سنلقي نظرة على ما سأطلق عليه اسم "التوليدية" في سياقها التاريخي "انظر 7 - 4". والتوليدية في مقابل البنائية، والوظيفية، والتاريخية تتوارد إلى ذهن معظم الناس بصورة مباشرة عندم يشيرون إلى الثورة التشومسكية، ومثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 كل الثورات سبق نقطة بزوغها فترة أخذت فيها صورتها التامة قبل أن يدركها أصحاب الثورة أنفسهم أو معاصروها، والفلسفة الأرسطوطاليسية أيضا لا يمكن أن تفهم إلا في سياق الفلسفة الأفلاطونية، ولا يمكن أيضا أن يفهم ديكارت دون الرجوع إلى التقليدية المدرسية التي كان رد فعله ضدها وإلى ما سلم بقبوله منها بنفس درجة الرجوع إلى ما رفضه منها، وكذلك الأمر فيما يتعلق بأفكار تشومسكي التي حاز بها شهرة عظيمة بفضل دربته الخاصة في علم اللغة وعلم النفس والفلسفة التوليدية التشومسكية إذن يحددها السياق الثقافي والعقلي -الخاص إلى حد بعيد- الذي تطورت فيه، وهذه القضايا الأعم سوف نمسك الآن بأحد جوانبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ثالثا: أجزاء الكلام وأصناف الصيغ والفصائل النحوية يلعب ما يشار إليه بصورة تقليدية وغامضة إلى حد ما باعتباره أجزاء الكلم -الأسماء، والأفعال، والصفات، وحروف الجر ... إلخ- دورا حاسما في صياغة القوانين النحوية للغات، ومن الأهمية أن ندرك مع ذلك أن القائمة التقليدية التي تتكون من عشرة أجزاء أو نحو ذلك غير متجانسة إلى حد بعيد فيما تتركب منه وفيما تعبر عنه في كثير من تفصيلات التعريفات التي تصاحبها، كما أنها تختص بالملامح المميزة للغتين الإغريقية واللاتينية التي هي أبعد من أن تكون عالمية، وأكثر من ذلك فالتعريفات نفسها معيبة عادة من الناحية المنطقية، وبعضها دائري، ويضم أغلبها معايير تصريفية، ونظمية، ودلالية ينتج عنها -إذا ما طبقت على إطار واسع من أمثلة معينة في لغات عديدة- نتائج متضاربة، وفي الواقع إذا ما أخذنا القيمة الحقيقية لهذه التعريفات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 التقليدية فإنها لا تعمل بشكل مطلق حتى في اللغتين الإغريقية واللاتينية، وهي مثل معظم التعريفات في النحو التقليدي تعتمد اعتمادا كبيرا على الفهم الجيد والتساهل من قِبَل أولئك الذين يطبقونها والذين يفسرونها. ومن السهولة -بما فيه الكفاية- أن نتصيد الأخطاء للتعريفات التقليدية: "فالاسم ما يطلق على شخص أو مكان أو شيء" و"الفعل كلمة تدل على حدث"، و"الصفة تغير الاسم"، و"الضمير يقف إزاء الاسم .... إلخ"، وبرغم ذلك لا يزال معظم اللغويين يتعاملون مع مصطلح "اسم"، و"فعل"، و"صفة" .... إلخ، ويفسرونها -صراحة أو ضمنا- بطريقة تقليدية إلى حد ما، وهم على صواب فيما يفعلونه، ومن الحقائق الهامة حول بنية اللغات الطبيعية أن اللغويين قادرون على إصدار أحكام يمكن تأكيد صحتها تجريبيا عن حقيقة أن بعض اللغات تتميز فيها الصفات عن الأفعال من الناحية النطقية "الإنجليزيةن الفرنسية، الروسية ... إلخ" بينما هناك لغات أخرى "اللغة الصينية، والمالايوية، واليابانية ... إلخ" يمكن إثبات أن الصفات لا تتميز عن الأفعال فيها، وأن معظم اللغات ذات مميز نظمي بين الأسماء والأفعال "الإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والصينية، والملايوية، واليابانية، والتركية ... إلخ"، غير أن هناك قليلا من اللغات "وبالذات اللغة الأمريكية الهندية نوتكا، Nootka، كما وصفها سابير" يمكن إثبات أن الأسماء فيها لا تتميز عن الأفعال، وأنه في بعض اللغات "اللاتينية، والتركية .... إلخ" تكون الصفات أكثر شبها من الناحية النحوية بالأسماء وأقل شبها بالأفعال مما هو موجود في لغات أخرى "الإنجليزية، والصينية واليابانية ... إلخ". غير أن هناك جانب آخر من النظرية التقليدية لأجزاء الكلام يجب توضيحه في هذه النقطة، فالمصطلحات "اسم"، و"فعل" ... إلخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 تستخدم في النحو التقليدي مقترنة باللبس الذي نجده في مصطلح "كلمة" وهذا اللبس موجود بشكل أو بآخر في المعالجات الحديثة غير التقليدية لنظم الجملة التي تفضل الحديث عن أصناف الكلمات أكثر من الحديث عن أقسام الكلام، وإذا قررنا أن نحصر مصطلح "أجزاء الكلام" في أصناف المفردات بقولنا إن "boy" اسم، وإن "come" فعل وهلم جرا فإننا نستطيع أن نقول إن "boy"، و"boys"، و"boys"، صيغ الاسم، وأن "come""، و"comes"، و"coming"، و"came" صيغ الفعل وهلم جرا. وفيما يتصل بهذه القضية فإن هناك ما هو أكثر من الرغبة في المطابقة الاصطلاحية، ومن المشكلات المتصلة بالنظرية التقليدية لأقسام الكلام أن الفشل في رسم مميز بينها يجبرها على اعتبار كلمات معينة "وقد راوغت هنا عن عمد باستخدام مصطلح كلمة" تنتسب في وقت واحد إلى نوعين من أقسام الكلام، وهذه هي الحالة الأكثر شهرة مع اسم الفاعل أو اسم المفعول به "حيث إن مسماهما التقليدي "participle" يشير إلى كلا الحالين"، فبالنظر من زاوية الصرف التصريفي فإنها صيغ للفعل، وبالنظر من زاوية أخرى من خلال وظيفتها النظمية فإنها صفات "انظر "dancing" في "the dancing girls" وتأويلها "the girls who dance are dancing"، وبالمثل ما يطلق عليها بصورة تقليدية المصدر "أو بشكل أكثر إيحاء "الاسم الفعلي"" تكون صيفا للفعل لها الوظيفة النظمية المميزة للأسماء "انظر: dancing في "shoes for dancing" وفي نقلة أخرى يكون اسما مستخدما استخداما وصفيا في "dancing shoes". والأكثر إثارة -إذا كان ذلك لا يعود إلا إلى أنه ليس مسلما به على نطق واسع سواء في النحو التقليدي أو في النظرية النحوية الحديثة- حقيقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 أن صيغ اسمية معينة تكون من وجهة نظر نظمية وصفية أو ظرفية على نحو مميز، فعل سبيل المثال الملكية "bishops" في "bishops mitre"؛1 "تأويلها: "the metre of the kind that bishops wear"" ولا نستطيع أن نصدر تقريرات متماسكة حول حقائق كهذه ما لم نرسم حدا فاصلا بين تخصيص مفردة من المفردات لنوع معين من أقسام الكلام ومطابقة الوظائف النظمية لصيغها في السياقات المختلفة. وتتكلم أعمال حديثة عديدة عن أصناف الصيغ أكثر مما تتكلم عن أقسام الكلام، وتخصص مصطلح "أقسام الكلام" لأصناف المفردات، ونستطيع أن نخصص بشكل تقليدي مصطلح "صنف الصيغة" بمعنى من المعاني التي يحدد بها" لأصناف الصيغ التي لها وظيفة نظمية واحدة، ونستطيع أن نطرح آنذاك مايطلق عليه التفسير التوزيعي للوظيف النظمية فالصيغتان لا يكون لهما وظيفة نظمية واحدة ما لم يكن لهما توزيع واحد "أي: إذا اتصفتا بإمكانية الاستبدال الداخلي: "انظر 3 - 4"، في كل الجمل الصحيحة نحويا "وليست بالضرورة ذات المعنى" في اللغة، والتعريفات التوزيعية من هذا النوع لعبت دورا حاسما في المحرلة الأخيرة لعلم اللغة البلومفيدي المتقدم ومهدت الطريق لتطوير النحو التقليدي التشومسكي. ويتضح لنا بشكل مباشر أن الصيغ المختلفة من الناحية التصريفية لمفردة واحدة ليس لها -بصفة عامة- توزيع واحد، وهو السبب في أن نظم الجملة والتصريف جزءان متكاملان للنحو، فعلى سبيل المثال boy، وpoys تختلفان من الناحية التوزيعية من وجوه مختلفة لكن أكثر هذه الوجوه وضوحا أن الأول -لا الثاني- يمكن أن يذكر في مجموعة من السياقات تشمل:   1 تاج الأسقف. 2 التاج الأسقفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 1- The----is here وأن الثاني -لا الأول- في مجموعة من السياقات تشمل: 2- The----are here وبفضل الوظيفة الدلالية التي تميز boy عن boys في معظم السياقات نشير إلى boy باعتبارها صيغة مفرد، وإلى boys باعتبارها صيغة جمع لـ "bey"، وإذا كان ما يميز بينهما لا يرتبط باختلاف التوزيع "أي: إذا كانت صيغة المفرد وصيغة الجمع للمفردات يمكن استبدالهما استبدالا داخليا في كل الجمل الإنجليزية دون تغييرات من أي نوع تنشأ عن ذلك في المعاني نفسها"، فلن يكون هناك قانون نظمي يعتمد على ذلك في اللغة الإنجليزية، وعلى الرغم من وجود علاقة جوهرية بين معنى الصيغ وتوزيعاتها فإن النحو لا يعنى عناية مباشرة إلا بتوزيعاتها، ومن يرغب في فهم النظرية النحوية الحديثة في أكثر تطوراتها تميزا وإثارة يجب أن يكون قادرا على الاعتقاد بأن توزيع الصيغ مستقل عن معناها. وحيث إن مصطلح "صيغة" أكثر اتساعا ويشمل مصطلح "صيغة الكلمة"، فإن مصطلح "صنف الصيغة" بالمثل أكثر اتساعا من مصطلح "صنف الكلمة" أو "قسم الكلام" والمورفيمات "أي: الصيغ الدنيا" يمكن أن تصنف إلى أصناف صيغ على أساس معيار إمكانية الاستبدال الداخلي ولهذا يمكن أيضا أن تتركب التعبيرات من كلمات عديدة، وفي النحو المؤسس على الوحدة الصرفية "المورفيم" يجب أن ينسب بالدرجة الأولى مسمى قسم الكلام الذي تخصصه للمفردات إلى ما يشار إليه بشكل تقليدي باعتباره جذوع الكلمات أو حتى جذورها، "والاختلاف بين الجذوع والجذور أن الجذور لا يمكن تحليلها تحليلا صرفيا بينما الجذوع قد تشتمل بالإضافة إلى جذورها على لاصقة اشتقاقية أو أكثر" فعلى سبيل المثال تصنف الصيغة boy على أنها اسم بفضل كونها جذعا لمجموعة كاملة من صيغ الكلمات المتصرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وتشمل boy، و boys، و boys ومع ذلك فثمة حقيقة محتملة تماما في البنية النحوية الإنجليزية إذ إن جذوع الأسماء وجذوع الأفعال، وجذوع الصفات ... إلخ تكون عادة صيغ كلمات "وصيغ استشهادية انظر 4 - 1"، وثمة حقيقة محتملة تماما أيضا إذ إنه في اللغة الإنجليزية "كما في اللغة الصينية وليس في اللغة التركية" صيغ كثيرة إلى حد بعيد يمكن أن تستخدم جذورا للأسماء أو جذورا للأفعال "انظر man، و turn، و walk, و table.. إلخ" وفيما يتصل بهاتين الناحيتين فإن اللغة الإنجليزية أبعد من أن تكون نموذجا للغات العالم، والصور الشائعة للنحو التوليدي الذي يعتمد على الوحدة الصرفية "المورفيم" تتعامل مع تعريفات "الاسم" و"الفعل"، و"الصفة" ... إلخ التي تنطبق بالدرجة الأولى على جذوع المفردات وتنطبق بشكل ثانوي على صيغ أكثر اتساعا تشملها أو تكافئها من الناحية النظمية. وكما يتكامل التصريف مع نظم الجملة في النحو التقليدي المؤسس على الكلمة تتكامل أيضا الفصائل النحوية والتصريفية مع أقسام الكلام، فعلى سبيل المثال "المفرد" و"الجمع" مصطلحان في فصيلة العدد، والحاضر، والماضي، والمستقبل مصطلحات في فصيلة الزمن، والأخبار، والشرط أو التمني أو الدعاء والطلب .... إلخ مصطلحات في فصيلة صيغة الفعل، والفاعلية، والمفعولية، والديتيف "مثل المفعول غير المباشر"، والإضافة ... إلخ مصطلحات في فصيلة الحالة وهلم جرا، ومسميات تقليدية مثل المتكلم المفرد الخبري المضارع لفعل الكينونة "Be" تمثل الطريقة التي تكون فيها "مع استخدام المصطلحات التقليدية" أقسام معينة من الكلام متصرفة لمجموعة معينة من الفصائل النحوية. وثمة نقطتان يمكن إثارتهما فيما يتصل بالفصائل التصريفية في النحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 التقليدي، النقطة الأولى أنه لا شيء منها عالمي بحق بمعنى أن يكون موجودا في جميع اللغات، فهناك لغات بدون الزمن، ولغات بدون الحالة، ولغات بدون الجنس، وهناك لغات ليس فيها أي فصيلة من هذه الفصائل التقليدية جميعا بلا استثناء، ومن الناحية الأخرى هناك فصائل تصريفية كثيرة لم تعرف في النحو التقليدي، موجودة في اللغات التي بحثها اللغويون مؤخرا. والنقطة الثانية أن ما توصف بصورة تقليدية باعتبارها فصائل نحوية يرجى معالجتها بصفة عامة في النحو المؤسس على المورفيم باعتبارها مجموعات من المورفيمات النحوية "وفي مقابل المورفيمات المعجمية تدرج في قائمة باعتبارها جذوع أسماء، وجذوع أفعال ... إلخ في المفردات"، وتضبط القوانين النظمية توزيعها بصورة مباشرة، وهو ما يعد -في جوهره- المعالجة المتبناة في الصور الشائعة للنحو التوليدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 رابعا: بعض التصورات النحوية الإضافية وظيفة القوانين النحوية للغة ما أن تذكر بالتفصيل محددات الصواب النحوي لهذه اللغة "انظر 4 - 2"، ويفعل ذلك النحو التوليدي عن طريق توليد "بمعنى تفسير" جميع الجمل "فحسب في لغة ما، وتخصيص وصف بنيوي لك جملة منها في جميع خطوات توليدها وذلك كما سنرى فيما بعد، وفي هذا القسم سندرج عددا من المفايهم النحوية وسنشرحها شرحا مختصار وقد أسهب اللغويون فيها وهم بصدد صياغة محددات الصواب النحوي وأنواع المعلومات التي يجب أن يتضمنها الوصف البنيوي للجمل الخاصة بلغات معينة، والخاصة باللغة عموما. ولا يمكن أيضا التوكيد بقوة على أن اللغوي -على الأقل في هذه الأيام- لا يعنى بالتصنيف ويغمض عينيه على غرضه الخاص، فهو يعنى كما رأينا في البداية بالسؤال: "ما اللغة؟ " ويعنى كذلك -بشكل مباشر أو غير مباشر- بمقدرة المتكلم الأصلي على إنتاج عدد هائل غير محدود من الأقوال -واللانهائي من حيث الإمكانيات- وفهمها، وهذه الأقوال يختلف الواحد منها عن الآخر في الشكل والمعنى، وشرح تصور الصواب النحوي محور مهمة تفسير مقدرة المتكلم الأصلي على القيام بالإنتاج والفهم، "وتفسير اكتساب الطفل لهذه المقدرة"، وتعد أحد الموضوعات الرئيسية التي تتضمنها أي إجابة عقلانية مرضية يمكن أن تكون للسؤال: "ما اللغة؟ ". والقائمة التالية من التصورات النحوية ليست شاملة على الرغم من طولها الواضح، وقد نشأ كثير منها في النحو التقليدي وبعضها طور حديثا، ولم ترد جميعها في الأقسام الأخيرة من هذا الكتاب، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن التفسير الذي سيقدم هنا للبنية اللغوية وللنحو التوليدي لا مفر من أن يكون تفسيرا أوليا إلى حد بعيد وانتقائيا بدرجة عالية، لكن هناك سببا أكثر أهمية، ففي الحالة الراهنة للنظرية النحوية ليس من الواضح تماما كم عدد المفاهيم المستقلة منطقيا أو الأولية التي تتطلبها مواصفات محددات الصواب النحوي في أي لغة معينة ناهيك عن أن تكون في اللغات جميعها، وإذا كانت مجموعة من المفاهيم مختارة على أنها أولية -بالمعنى المنطقي للمصطلح- فإن مجموعة أخرى يمكن أن تعين من خلالها، لكن هناك احتمالات كثيرة أمام اللغوي في حكمه على ما هو أولى وما هو مأخوذ من غيره، والصورة الشائعة للنحو التوليدي- لأسباب تاريخية بحتة- صاغت مجموعة مختارة من الأوليات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 دون غيرها، وربما لم يقم الدليل على أنها المجموعة المختارة الصحيحة، وفي الحقيقة يجب أن يطرح السؤال عما إذا كانت هناك مجموعة مختارة صحيحة أي صحيحة لجميع اللغات الإنسانية. ولا يعد ذا أهمية كبيرة إذا ما فشل القارئ في تذكر معظم هذه القائمة التالية من الأفكار النحوية غير المألوفة له، وأي فرد يباشر دراسة علم اللغة على مستوى متخصص عليه بطبيعة الحال ألا يفهم تلك القائمة فحسب, ولكن عليه أيضا أن يكون قادرا على التمثيل لها وأن يكون قادرا -بما لا يقل أهمية- على الإضافة إلى هذه القائمة وعلى أن يوضح كيف تتحول فكرة تدريجيا إلى فكرة أخرى أو كيف يمكن توضيحها من خلال فكرة أخرى، ويرجع السبب في تقديمي هذه القائمة الطويلة إلى حد مناسب من التصورات النحوية فيما أردت له أن يكون كتابا أساسيا وعاما إلى حد بعيد في اللغة وعلم اللغة أن معظم الأعمال المشابهة فشلت في أن تجعل من هذه النقطة التي أثرناها في الفقرة السابقة شيئا أساسيا، وحتى الكتاب الأساسي يجب أن يقدم لقراءه فكرة عن إطار الموضوع الذي يتناوله وكذلك عن تعقيداته، ولم تقصر معالجة للنظرية النحوية في إيضاح أنه على الرغم من التقدم العظيم الذي أحرزناه حديثا فإننا لم نزل بعيدين عن حيازة نظرية عامة مرضية للبنية النحوية. ويمكن أن تصنف الجمل "وقد صنفت هكذا في النحو التقليدي" وفق بعدين هامين: "أ" البنية "ب" الوظيفة، فالجمل تنقسم من حيث البنية إلى جمل بسيطة تقابل جملا غير بسيطة، والجمل غير البسيطة تنقسم إلى جمل معقدة تقابل جملا مركبة، ومن ناحية الوظيفة تنقسم الجمل إلى خبرية، واستفهامية، وطلبية ... إلخ، وتتكون الجملة البسيطة من عبارة مفردة "مع منحنى تطريزي مناسب"، والجملة المعقدة الصغرى تتكون من عبارتين تتبع إحداهما الأخرى، والجملة المركبة الصغرى تتكون من عبارتين أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 أكثر تكافئ الواحدة منها الأخرى، "وقد أدخلت مصطلح جملة مؤلفة ليغطي كلتا الجملتين المركبة والمعقدة وهو ما يتلائم مع الشرح" وفكرة التبعية، وفكرة التكافؤ اللتان توسلنا بهما هنا -كما سنرى بعد- فكرتان عامتان إلى حد بعيد لا يصح تطبيقهما على تصنيف الجمل ولكن يصح تطبيقهما داخل الجمل. ويمكن أن تثار نقطتان تتصلان بالتصنيف الوظيفي للجمل، النقطة الأولى أننا لو ميزنا بين الجمل الإخبارية والتصريحات، وبين الجمل الاستفهامية والأسئلة، وبين الجمل الطلبية والأوامر والطلبات ... إلخ فإننا نستطيع القول بأن الجملة الخبرية هي الجملة ذات البنية النحيوة التي تستخدمها الجمل استخداما مميزا لصياغة الأخبار وهلم جرا، وهو ما يمكننا من المحافظة على التمييز بين البنية النحوية للجمل والوظيفة الاتصالية للأقوال مع أنهما مترابطان "انظر 5 - 5"، وسوف نتوقف عند هذا المميز في الفصل الخاص بالدلالة، والنقطة الثانية أن الطلبي -بخلاف الإخباري والاستفهامي- يستخدم تقليديا مع الصيغة الإخبارية وصيغة الشرط أو التمني أو الدعاء ... إلخ لتميز أحد المصطلحات في الفصيلة النحوية الخاصة بصيغة الفعل، وهذا الاستخدام المزدوج يجب أن يلاحظ إذا كان بسبب قدرا من اللبس في النظرية النحوية الحديثة. وفي إطار الجمل البسيطة منها وغير البسيطة أنواع مختلفة من علاقات الجزء - الكل أي: علاقات الاحتواء، فعلى سبيل المثال كل العبارات في الجمل المعقدة أو المركبة مكونات للجمل ككل، وفي الجملة البسيطة تكون كل صيغ الكلمات "دعنا نفترض" مكونات لها، ومجموعات الكلمات يمكن أن تشكل تعبيرات تكون أيضا مكونات للجملة، "والكلمات بدورها مكونات للتعبيرات, ومن ثم فهي مكونات بصورة غير مباشرة فقط للجمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 التي تكون فيها التعبيرات مكونات لها"، وفكرة الاحتواء هذه كما سنرى في الأقسام التالية مقترنة مع رؤية أعم إلى حد ما للمفهوم التقليدي للتعبيرة في القلب من صياغة البنية النحوية في النحو التوليدي التشومسكي. والتبعية نوع آخر من العلاقة النظمية يقيم لها النحو التقليدي أهمية خاصة، وهي علاقة غير متناسقة تربط "ولنستخدم مصطلحا حديثا" بين المتحكم أو الموجه وتابع أو أكثر، فعلى سبيل المثال يقال إن الفعل يحكم مفعوله "إذا كان له مفعول واحد" في صيغة دون أخرى فالفعل "see" مثل كل الأفعال المتعدية في اللغة الإنجليزية تحكم مفعولها فيما يوصف تقليديا بحالة المفعولية "انظر l saw him في مقابل I saw he* ففصيلة الحالة he في مقابل him ... إلخ فصيلة تصريفية للضمائر وليس للأسماء في اللغة الإنجليزية"، وبصورة أعم نستطيع أن نقيم علاقة تبعية داخل بنية معينة كلما كان ذكر وحدة واحدة "المتحكم" شرط مسبق لذكر وحدة أو أكثر "توابعها" في صيغة مناسبة، وما يشار إليه بشكل تقليدي على أنه حكم نحوي وقد مثلنا له من قبل -يمكن وضعه في إطار تصور أعم للتبعية لا يفترض مسبقا وجود تنوع تصريفي، وبقدر ما تشكل مجموعة المتحكم والتوابع ضمنيا علاقة جزء- كل بين كل وحدة من ناحية والمجموعة نفسها من ناحية أخرى فإن علاقة الاحتواء وعلاقة التبعية ليستا مختلفتين إلى درجة الاستقلال التام، وقد آثر النحو التوليدي التشومسكي علاقة الاحتواء متبعا في ذلك بلومفيلد وأتباعه، وجعل النحو التقليدي لعلاقة التبعية أهمية خاصة. وقد أشرنا في الفقرة السابقة إلى الأفعال المتعدية، والمميز التقليدي بين الأفعال المتعدية، والأفعال اللازمة يمكن أن يعمم في اتجاهين الأول بحصر الأفعال في إطار أصناف أكثر اتساعا من المسانيد، وبعد ذلك تصنيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 المسانيد إلى أصناف فرعية من خلال التكافؤ الخاص بها أي: من حيث عدد الوحدات التابعة ومن حيث طبيعة هذه الوحدات، ولا نحسب المفعول المباشر وغير المباشر فحسب بل نحسب كذلك المسند إليه فيما يتعلق بالفعل بين توابعه، ويمكن أن نقول إن فعلا لازما مثل "die" له تكافؤ1، وفعل متعدى مثل "eat" له تكافؤ2، وأفعال مثل "give", و "put" لها تكافؤ3 وهلم جرا. ويجب أن نتذكر أن فكرة التكافؤ لا تفترض سلفا أن توابع المسانيد تعبيرات اسمية بالضرورة، وما يعرف بصورة تقليدية بالمكملات الظرفية للزمن أو المكان ... إلخ تقع أيضا في إطار تعريف التكافؤ، ويجب أن نسمح كذلك بوجود المسانيد مع التكافؤ zero فعلى سبيل المثال الفعلان "rain"، و "snow" في اللغة الإنجليزية يمكن إثبات أنهما من هذا النوع، والصيغة it في lt is raning/ snowing ... إلخ ليست أكثر من مسند إليه وهمي. ومصطلح "تكافؤ" "مستعار من الكمياء" غير مستخدم حتى الآن استخداما شائعا في الأعمال البريطانية والأمريكية في علم اللغة، لكن الفكرة كامنة في قدر كبير من النظرية النحوية التي لا تستخدم بالفعل هذا المصطلح، والجانب الأكثر إثارة للجدل والأكثر انتفاء للتقليدية من فكرة التكافؤ كما طرحناها الآن هو تقليلها للفوارق التقليدية بين المسند إليه والخبر "في العبارة" من ناحية والمسند إليه والمفعول "للفعل" من جهة أخرى، ويجب أن نلاحظ أن وجهي الخلاف مستقلان من الناحية المنطقية، ويعتمد الأول على تقسيم العبارة "طبقا للافتراضات التقليدية" إلى قسمين متكاملين والثاني ليس كذلك، والمسند إليه الخاص بالفعل هو الوحدة التي تحدد صيغة الفعل فيما يطلق عليه بصفة عامة "المطابقة النحوية بين المسند إليه والفعل" على الرغم من أنه يعتمد على الفعل بنفس الدرجة التي يعتمد فيها على المفعول "انظر: The boy is runniag في مقابل The boy are running*" و "The poys are running في مقابل The boys are running" ويمكن أن تقترح معايير أخرى لتحديد مفهوم أعم للمسند إليه النظمي الذي يمكن تطبيقه على اللغات جميعها، لكن القضية الخاصة بعالمية أي نوع من نوعي المسند إليه النظمي "أو بعض المفاهيم الأعم للمسند إليه الذي يندرج تحتهما"، مثار جدل هذه الأيام كما كانت تبدو عندما تجادل حولها باندفاع وحماسة اللغويون في أواخر القرن التاسع عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 خامسا: مكونات للبنية سوف نركز في هذا القسم على ذلك الجانب من البنية النحوية الذي يمكن تناوله من خلال مفهوم الاحتواء، وسنفعل ذلك في إطار النحو المؤسس على المورفيم ومن وجهة نظر التوزيعيين التي تميز الفترة الأخيرة من علم اللغة البلومفيلدي المتقدم "انظر 7 - 4"، وبتبني وجهة النظر هذه نستطيع أن نضرب عصفورين بحجر واحد أي: نستطيع أن نوضح بالإضافة إلى ذلك تطبيق الأفكار الهامة التي أدخلناها من قبل, وترتبط هذه الأفكار بالمصطلحات: "وحدة صرفية"، و"صرف"، و"تصريف"، و"الاشتقاق"، و"صنف الصيغة"، و"التوزيع"، ولا نذكر "الاحتواء" نفسه، ونستطيع أن نمهد الطريق لمعالجة النحو التوليدي في القسم التالي. على الرغم من أن تصور البلومفيلدي لمكونات البنية تصور نظمي بصفة أساسية فإننا سنبدأ ببيان كيف ينطبق على أصناف الصيغ، ولنتذكر أن النحو في علم اللغة البلومفيلدي ينقسم إلى الصرف ونظم الجملة "انظر 4 - 1"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 يتناول الصرف البنية الداخلية لصيغ الكلمة، وبتناول نظم الجملة توزيع صيغ الكلمات خلال الجمل صحيحة البنية في لغة ما، غير أن الصرف البلومفيلدي المتقدم -في حد ذاته- نوع من صرف نظم الجملة، فهو يطبق المبادئ نفسها في التحليل النحوي لصيغ الكلمات مثلما يفعل فيما يتصل بالتحليل النظمي لوحدات أكثر اتساعا مثل التعبيرات والجمل، ولغويو البلومفيلدية المتقدمة من حيث المبدأ -إن لم يكن ذلك مطردا في الممارسة- اتجهوا مؤخرا إلى التخلي عن الفارق المميز بين الصرف ونظم الجملة مع توسيع ناتج عن ذلك لتعريف "نظم الجملة، وأصبح نظم الجملة دراسة توزيع الوحدات الصرفية "المورفيمات" أكثر من صيغ الكلمات، ولم تعد صيغ الكلمات وحدات نحوية بحتة بل وحدات يمكن "مع نمط تنغيمي مناسب" أن تكون أصغر الأقوال، كما أنها في لغات معينة يمكن أن تعد مجالا لملامح فونولوجية تطريزية معينة "انظر: 3 - 6" وهو ما يعد -في جوهره- وجهة النظر التي يتبناها النحو التوليدي التشومسكي باعتبارها جانبا من ميراثه البلومفيلدي المتقدم. وفي هذا القسم وفي القسم التالي سنتعامل مع مصطلح "كلمة" على أنها تشير إلى صيغ الكلمات، والكلمات بهذا المعنى يمكن أن تمثل سلاسل من مورفيم واحد أو أكثر أي: إن المورفيمات أصغر الصيغ، والكلمة في التعريف الكلاسيكي البلومفيلدي "على الرغم من أنه ليس مرضيا إلا بشكل جزئي" أصغر الصيغ الحرة "أي: الصيغ التي لا تتكون كلية من صيغ حرة أصغر"، والصيغة الحرة في مقابل الصيغة المقيدة هي تلك الصيغة التي يمكن أن تكون مع منحنى تطريزي مناسب قولا "وليس بالضرورة جملة تامة" في بعض السياقات المعتادة الاستعمال، ولا تعد كل الصيغ في اللغة الإنجليزية بصورة تقليدية كلمات، وكون المسافات تفصل بينها في الوسيلة المكتوبة يرضى هذا التعريف، ولن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 نستخدم من الأمثلة إلا ما يكون كذلك، ومن ثم فإن cat مورفيم "أصغر صيغة" وكلمة "صيغة حرة" و cats ليست مورفيما حيث تتركب من صيغتين صغريين cat و S لكنها كلمة "مع أن cat صيغة حرة، و"S" ليست كذلك"، وتعد: unfriendlincs كلمة مركبة من أربع وحدات صرفية "مورفيمات" un - frind - ly - nessكلها فيما عدا friend صيغ مقيدة، والصيغ المقيدة التي هي مكونات للكلمات تكون سوابق إذا سبقت الصيغة الأساسية التي تلحق بها، وتكون لواحق إذا تلتها. غير أن هناك مما يتصل بمكونات بنية الكلمات أكثر من التفسير التام لها من جهة المورفيمات المكونة لها، فكثير من الكلمات في اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى لها بنية متسلسلة داخلية يمكن تمثيلها صوريا عن طريق فكرة التقويس الرياضية "لتجزئة الجملة"، فعلى سبيل المثال مكونات البنية للكلمة: unfriendlinss يمكن تمثيلها كما يلي: 1- [un - friend - ly - ness] . أو ما يكافئه بواسطة الرسم الشجري الآتي: ومن الأهمية أن ندرك أن1، 2 متكافئان من الناحية الشكلية، فكلاهما يخبرنا بما لا يزيد ولا ينقص عما يلي: إن المكونات المباشرة1   1 الوحدات النحوية المباشرة "immediate constitselt" مصطلح يستخدم في التحليل النحوي ليشير إلى التقسيمات الرئيسية التي تكون في إطار بنية= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 "lCs" لكلمة unfrindliness هي: "unfriendly" و"ness"، وأن المكونات المباشرة لـ unfriendly هي un و friendly وأن المكونات المباشرة لـ freindly هي friend و Ly وليس هناك تحليل إضافي ممكن على المستوى النحوي للوصف، فالمكونات الصغرى للوحدة النظمية بأكملها هي: un، وfriend، و ly، و ness ويمكن أن تخبرنا بدلا من ذلك أن friend، و ly يمكن أن يتركبا معا "مع الاحتفاظ بالترتيب" ليشكلا المكون friendly ويمكن أن تكون un سابقة لها لتشكل مكونا وسيطا أكبر unfrindly، ويمكن أن تكون ness لاحقة لها لتشكل صيغة الكلمة بأكملها، لكن طريقتي التمثيل 1، 2 كلتيهما محايدة بين تحليل الوحدات النظمية وتركيبها. ولم أعرض لأبرر -بالتفصيل- التقويس المعين لـ unfriendlinesالمخصص لها في 1، 2 ومن حيث المبدأ يعتمد "وفقا لافتراضات الاتجاه التوزيعي للبلومفيلدية المتقدمة" على معياري إمكانية الاستبدال والعمومية، وتتعلق صيغة "unfriendliness" بصنف الصيغة "أي: مجموعة الصيغ التي يمكن استبدالها داخليا" الذي سنطلق عليه -مستخدمين مصطلحا تقليديا- الأسماء المجردة، ونرمز إليها بـ Na، والكثير منها يصاغ في اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة، ness، إلى ما يطلق عليه تقليديا الصفات "أو بشكل أكثر إيضاحا الصيغ الأساسية للصفات"، وبالمثل فإن إضافة السابقة un على صيغة الصفة "A" عملية صرفية عالية الإنتاج في اللغة الإنجليزية،   = نحوية على أي مستوى، فالوحدات المباشرة على سبيل المثال في الجملة The boy is walking هي: is walking و The boy وهذه الوحدات المباشرة تحلل بدورها إلى وحدات نحوي مباشرة هي: is + walking the + boy، وتستمر هذه العملية حتى نصل إلى ما لا يمكن تحليله من الوحدات، وتعرف هذه العملية ككل بتحليل المكونات الأساسية، وبعد ذلك سعة أساسية في علم اللغة البنيوي البلومفيلدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وفي المقابل فإن إضافة السابقة un إلى صيغ الأسماء "للأصناف الفرعية Na" ليست عملية إنتاجية، ويتبع ذلك أنه حتى لو كانت هناك كلمة "friendliness" في الإنجليزية فلن نرغب في اعتبار [friend - Ly]- ness]-ولا نذكر [[friend -[Ly - ness] مكونا لكلمة "unfriendliness"، وبالمثل ما يتعلق بالتقويس الأعمق [friend - ly] ، وهو ما نبرره عملية صرفية إنتاجية محدودة تتشكل بواسطتها الصفات من الأسماء لنقل التي من الصنف الفرعي Nc بإضافة لاحقة ly "انظر: m&n; - ly .... إلخ". والتفسير التوزيعي لمكونات البنية المخصص لصيغة الكلمة "unfriendliness" تفسير مباشر بشكل واضح، وهذا أبعد من أن يكون الحالة التي تتعلق بكل صيغ الكلمات في اللغة الإنجليزية خصوصا إذا تحولت المعايير التوزيعية إلى إجراءات كشفية آليه "انظر 7 - 4"، وعلى كل حال فإننا لا نعنى بإثبات المذهب التوزيعي ولكننا نعنى فقط بتوضيح ما نعنيه بمكون البنية، والقضية ما إذا كان تحليل معين تقر بشرعيته معايير توزيعية بحتة أم لا، واستخدام مصطلح أو رمز معين مثل "اسم" أو Nc كإشارة إلى صنف الصيغة يعني ضمنا أن كل أفراد صنف الصيغة يمكن استبدالها استبدالا داخليا في كل السياقات التي يغطيها أي قانون يستخدم هذه الإشارة التي نحن بصددها، فعلى سبيل المثال دعنا نخصص بشكل عشوائي الإشارة Ax لمجموعة معينة من الصيغ الناتجة عن إضافة اللاحقة Ly لأفراد صنف الصيغة Nc ويمكننا الآن توضيح منطوق القانون التالي: 3- Nc + Ly Ax فهو يخبرنا في الواقع بأن كل الصيغ الخاصة بالصنف الفرعي Nc يمكن استبدالها داخليا على الأقل في إطار السياقات التي يغطيها القانون3، ويتضمن أيضا أن كل أفراد الصنف الفرعي Ax يمكن استبدالها داخليا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 السياقات التي تغطيها قوانين أخرى مثل4، و5. 4- Ax + ness__Na 5- un + Ax__ Ax وحقيقة أن الاتجاه التوزيعي بالشكل الذي طوره أتباع البلومفيلدية المتقدمة قد أصبح مشكوكا فيه لا يعني فكرة التوزيع في حد ذاتها لم تعد مناسبة في التحليل النحوي، بل على العكس تعد الفكرة الحاسمة في صياغة النحو. وقبل أن نتابع كلامنا يمكن أن نذكر نقطة، فالقانون "5" في مقابل القانوني "3"، و"4" تكراري بصورة كامنة أي: إنه إذا سمح بتطبيقه على النتاج الخاص به "Ax" فسوف ينتج عنه عدد غير محدود من الوحدات النظمية ذات التعقيد المتزايد -[un - friendly] ؛ [friendly" "friendly- un" un" .... إلخ، ومن المفترض ألا نرغب في اعتبار ununfriendly- ودعنا من ununufriedly صيغة صحيحة من الناحية النحوية، لذا فإن القانون "5" معيب من الناحية الفنية فالصيغتان friendly، و unfriendly ليستا من أفراد صنف الصيغة ذاته، ومن الناحية الأخرى يوجد كثير من الأبنية النظمية إن لم تكن الصرفية في اللغة الإنجليزية تكرارية تماما، ومن المحتمل أن يكون في كل اللغات الطبيعية مثل ذلك، ولهذا السبب فإن جمل لغة ما مع أن كل جملة منها محدودة في طولها إلا أن هذه الجمل قد تكون غير محدودة في عددها "انظر تعريف تشومسكي للغة الذي اقتبسناه في 1 - 2، 3 - 6". وتنطبق فكرة مكونات البنية ذاتها انطباقا تاما على تتابعات الكلمات -"التعبيرات" بمعنييها التقليدي والدارج- كما تنطبق هذه الفكرة "تبعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 لتصور أتباع البلومفيلدية وما بعدها عن الصرف" في إطار الكلمات، فعلى سبيل المثال "on the wooden table" هو ما يطلق عليه بشكل تقليدي شبه جملة "تعبيرة الجر" التي تتركب من حرف الجر "on" وما يطلق عليه بصورة تقليدية التعبيرة الاسمية "the wooden table" التي تتكون من أداة التعريف "the"، والتعبيرة "wooden toble" التي تتركب من الصفة "wooden" والاسم "table"، ويمكن توضيح التحليل الذي أوردناه آنفا بدون الإشارات التقليدية المستخدمة عن طريق "6"، "7": 6- on the wooden table. أو الرسم الشجري وكل من 6، و7، مثل 1، 2 ممثلات بلا إشارات1 لمكونات البنية. ومن المعتاد مع ذلك أن نتعامل مع فكرة الممثلات ذات الإشارات، والإشارات تستخدم كما سبق للإشارة إلى أفراد صنف الصيغة، ودعنا نحول لهذا السبب 6، و7 إلى التقويس ذي الإشارات والرسم الشجري ذي الإشارات 8، و 9 على الترتيب ونجعل رموز الحروف الأولى للإشارات أي: NP للتعبيرة الاسمية "noun phrase"، وp لحروف الجر "prepesition"، pp لتعبيرة الجر "prepositienal phrase"، وA للصفة   1 الإشارة أو العنوان "Label" مصطلح في التحليل النحوي للعلامة المحددة للأجزاء أو المراحل الموجودة في التحليل البنيوي لجملة ما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 "adjctive"، وArt لأداة التعريف ""artcle "definete",وسنذكر أن "8": """"N table" A wooden "N "Art the" Np "Np" Pon pp8 و9 متكافئان من الناحية الشكلية، وما دام التقويس ذو الإشارات -على الرغم من أنه أكثر تعقيدا- صعب القراءة فإن اللغويين يتعاملون عموما مع الرسوم الشجرية ذات الإشارات. ويمكن أن نتناول نقطتين تتعلقان بـ 8، و9 النقطة الأولى أنهما يمثلان التعبيرة wooden table كما لو كانت من صنف صيغة الكلمة table "N" ذاته، وهو ما يمكن تبريره بشكل توزيعي، وعلى الرغم من وجود مبادئ معينة تحدد تتابع الصفات التي تسبق الأسماء في إطار التعبيرة الواحدة في اللغة الإنجليزية، وليس هناك نهاية لعدد من الصفات التي قد تذكر في ذلك الموضع، فهناك على كل حال مجال للشك حول البنية الداخلية لسلاسل الصفات في تلك المواضع. والنقطة الثانية تتعلق بالمصطلحين: "التعبيرة الاسمية"، و"تعبيرة الجر" وقد اقتبس هذان المصطلحان من النحو التقليدي، وقد وجد هذان المصطلحان تفسيرهما هما ليس في فكرة الاحتواء ولكن في فكرة التبعية "انظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 4 - 4 " فتعبيرة الاسم في النحو التقليدي عبارة ذات مركز هو الاسم، وتعبيرة الجر عبارة ذات مركز هو حرف الجر، وتمثيل مكونات البنية في 8 و9 لا تقول شيئا عن التبعية، والمصطلحان "تعبيرة الاسم"، و"تعبيرة الجر" ليسا مشجعين هن، وإذا فهم منهما بدلا من ذلك أن "تعبيرة الاسم" و"تعبيرة الجر" لهما توزيع واحد باعتبارهما أسماء وحروف جر على الترتيب فإن ذلك بوضوح ليس كذلك بقدر ما تلقى تعبيرات الجر من اهتمام، ويبدو من الوهلة الأولى أن مصطلح "تعبيرة اسمية" أكثر ملائمة من وجهة النظر هذه، وفيما يتعلق ببعض اللغات -من ضمنها اللغتين اللاتينية والروسية- التي لا تحتوي على أداة تعريف "بخلاف اللغة الإنجليزية" يمكن أن تستخدم ما يعرف بالاسم "بمعناه العام" في المفرد بدون أداة تعريف أو تنكير أو أي نوع آخر من أصناف الصيغ التي يشار إليها في هذه الأيام كمحددات، لكن قليلا من التأمل سوف يظهر أنه على الرغم من أن "the wooden tabl"، و"the table" لهما توزيع واحد كأسماء أعلام وضمائر فليس لهما توزيع واحد كأسماء "بالمعنى العام" مثل table. والأمثلة التي استخدمت هنا لإيضاح فكرة مكون البنية سهلة بما فيه الكفاية وهي بعيدا عن نقطتين تفصيليتين ليست موضع خلاف، وعندما نأتي إلى تحليل مجموعة نموذجية من جمل اللغة الإنجيزية واللغات الأخرى من وجهة النظر التي تبنيناها في هذا الفصل تنشأ كل أنواع المشكلات، ومن الصعوبة بصفة خاصة أن ندمج مكون البنية الخاص بصيغ الكلمات مع مكون البنية الخاص بسلسلة من الوحدات الأكثر اتساعا والتي تكون فيها صيغ الكلمات نفسها مكونات، والقليل من اللغويين -إن وجدوا- في هذه الأيام يعتقدون أنه من الممكن أو من المرغوب فيه أن نصف نظم الجملة في لغة ما داخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الإطار الذي عرضنا له هنا عرضا عاما دون أن نتوسل بأفكار تقليدية، وفي الوقت نفسه من الواضح أن هناك شيئا مثل مكون البنية في بعض اللغات الطبيعية، ومن المفترض أن يكون فيها جميعا، وعلى المستوى النظري تقدم البحث في نظم الجملة تقدما ملحوظا بفضل محاولة البلومفيلدية المتقدمة صياغة فكرة مكون البنية بعبارات توزيعية. وفي الختام يجب أن نتناول من ناحية ما يعرف بصفة عامة "على الرغم من أن ذلك قد لا يكون مناسبا" بالمكونات المنفصلة، ومن ناحية أخرى قضية الترتيب التسلسلي، وتقدم لغات كثيرة أمثلة للمكونات النهائية أو الوسيطة ذات المكونات التي يفصل بينها سلسلة من صيغة أو أكثر، فعلى سبيل المثال التصريف الثالث في معظم الأفعال الألمانية تصاغ عن طريق إضافة السابقة -ge واللاحقة، -أو on- لصيغة أساسية مناسبة مثل t - job - ge " ممدوح"، en - sproch - ge "منطوق أو متكلم به"، والانفصالية في إطار الكلمة ليس أمرا غير شائع في اللغات التصريفية وهو من الشائع إلى حد بعيد في الواقع في سلاسل الوحدات الأكثر اتساعا على سبيل المثال up .... oooked في: he desnt like bananas He looked the wore up in dietionary في be ing, has en ,He evidently doesnt like banssn has bean sining. ومبدأ الانفصال ينتقض مبدأ التجاور أي: مبدأ أن الوحدات "أو مكونات الوحدات" المتصلة من الناحية النظمية ينبغي أن توضع الواحدة منها بعد الأخرى في الجمل، وفي بعض اللغات لا يكون هذا المبدأ أكثر من اتجاه أسلوبي، وفي بعض اللغات الأخرى تستخدم المجاورة نفسها كطريقة لإظهار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الصلات النظمية فعلى سبيل المثال walking down the road توضح المجاورة أو التقاربية اتفاقها مع john أكثر من mary في كل من: 1- walking down the road john met Mary. 2- john walking down the road met Mary. "عندما تنطق كلتاهما بنبر وتنغيم عاديين" ومن الأهمية أن ندرك أن فكرة مكونات البنية لا تتضمن في حد ذاتها مجاورة المكونات المتشاركة. كما لا تتضمن الفكرة أن المكونات المتشاركة يجب أن تظهر في ترتيب تسلسلي ثابت، ويحدث كذلك أن كثيرا من الترتيب التسلسلي للصيغ -وليس جميعه على الإطلاق- في اللغة الإنجليزية يكون موضوع قانون نحوي أكثر منه اتجاه أسلوبي فليست صيغ الكلمات التي مثل: *friend - un - ness - ly وness - frind - un - ly* إلخ ... ولا التعبيرات مثل: *on table the wooden wooden table on ... إلخ. صحيحة البنية، وليس من شك في أن الحالة النحوية في معظم الكلمات في كل اللغات الطبيعية يحكم الترتيب التسلسلي للمورفيمات المكونة لها قانون معين، لكن هناك اختلافا ملحوظا فيما بين اللغات فيما يتصل باستخدامها للترتيب التسلسلي في إطار سلاسل الوحدات الأكثر اتساعا، وصياغة تشومسكي لمكونات البنية وللبنية النحوية بصفة عامة جعلت من التجاور والترتيب التسلسلي -بالضرورة- مجالا للقانون. سادسا: النحو التوليدي. مصطلح النحو التوليدي الذي أدخله تشومسكي في علم اللغة في منتصف الخمسينات يستخدم اليوم لمعنيين مختلفين إلى حد ما. المعنى الأصلي الأضيق والأكثر تقنية يشير إلى القوانين التي تحدد أنواعا مختلفة من النظم اللغوية، وهو ما نعنيه بالنحو التوليدي في هذا القسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 والمعنى الثاني الأكثر اتساعا الذي سنستخدم له مصطلح "التوليدية" يشير إلى الهيكل الكلي للافتراضات المنهجية والنظرية حول بنية اللغة وسنرجئ، مناقشته حتى الفصل السابع، ولا يعد تشومسكي مؤسس النحو التوليدي في شكله المستخدم بصورة أكثر اتساعا في علم اللغة فحسب ولكنه يعد أيضا المتحدث الرسمي باسم التوليدية، ولم يقتصر دوره المؤثر على علم اللغة وإنما تعداه إلى تخصصات أخرى، وجدير بالذكر أنه من الصعوبة أن تكون من أتباع التوليدية دون أن تهتم بالنحو التوليدي لكن من الممكن تماما أن تكون مهتما بالنحو التوليدي دون أن تقر بمبادئ النظرية اللغوية والمنهج اللذان يعدان أهم ما يميز التوليدية. والنحو التوليدي مجموعة من القوانين التي تجري على مفردات محدودة من الوحدات تولد مجموعة "محدودة أو غير محدودة" من سلاسل الوحدات "كل سلسلة تتركب من عدد محدود من الوحدات" ومن ثم تعين كل سلسلة من الوحدات تكون صحيحة التركيب في اللغة التي يميزها هذا النحو، ونظم النحو التوليدي موضع اهتمام اللغويين سوف تخصص أيضا لكل سلسلة من الوحدات صحيحة البنية "وبصفة أخص لكل جملة" تولدها هذه النظم وصفا بنيويا مناسبا، وتعريف "النحو التوليدي" الذي عرضناه هنا أعم في جانب من جوانبه إذ ما قورن بتعريف تشومسكي، فهو يستخدم مصطلح "سلسلة وحدات "syntagm" بينما يستخدم تشومسكي مصطلح "سلسلة" "string" أو تسلسل "sequence"، وسلسلة الوحدات تركيب من الوحدات النحوية "أو من العناصر في الفونولوجيا" وليس من الضروري أن تكون مرتبة ترتيبا تسلسليا، وبرغم ذلك عرف تشومسكي الجمل والتعبيرات بأنها سلاسل ذات بنية وهو منطقي تماما ويتطابق في الواقع مع التصورات التقليدية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الجمل تعد كما لو كانت سلاسل من الوحدات أي: مجموعات من الوحدات جمعت معا في بنية معينة، وما يسميه النحو التقليدي اختلافا في البنية يحدده في النحو التوليدي الاختلاف الموجود في الوصف البنيوي المرتبط به. ومصطلح يولد "generate" يستخدم هنا بمعناه المطابق لاستخدامه في الرياضيات، ولكي نوضح ذلك هب أن × يمكن أن تأخذ قيمة أي عدد من الأعداد الطبيعية "1، 2، 3 ..... "، فإن وظيفة *+*+1 "التي يمكن أن نعتبرها مجموعة من القوانين أو العمليات" تولد المجموعة "3، 7، 13 ... "1، وهذا بالمعنى التجريدي، أو الثابت للمصطلح الوارد في "إن قوانين نحو توليدي ما تولد جمل لغة ما، ولسنا في حاجة إلى التعمق في الرياضيات، والنقطة الهامة أن "يولد" بهذا المعنى لا يرتبط بأي خطوة من خطوات إنتاج الجملة في وقت حقيقي من قبل المتكلم "أو الماكينات"، فالنحو التوليدي هو المواصفات الواضحة وضوح الرياضيات للبنية النحوية الخاصة بالجمل التي يولدها. ولا يحصر التعريف السابق إمكانية تطبيق النحو التوليدي على اللغات الطبيعية، فهذا التعريف في الواقع لا يعني ضمنا أن النحو التوليدي له أي ارتباط وثيق على الإطلاق بوصف اللغات الطبيعية، ومجموعات سلاسل الوحدات التي يصورها النحو التوليدي على أنها لغات هي ما يدعوها المناطقة باللغات الشكلية، وكل سلسلة ممكنة إما تكون صحيحة التركيب أو غير صحيحة التركيب، وليس هناك سلاسل من الوحدات ذات حالة وسطى، وأكثر من   1 فعندما تكون × = 1 فإن × 2 + × + 1 = 2 1 + 1 + 1 = 3، وعندما تكون × = 2 فإن × 2 + × + 1 = 2 2 + 2 + 1 = 7، وعندما تكون × = 3 فإن × 2 + × + 1 = 2 3 + 3 + 1 = 13 وهكذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ذلك فإن كان سلسلة من الوحدات صحيحة البنية لها بنية محددة بشكل تام يحددها الوصف البنيوي الذي يخصصه لها النحو، وليس من الواضح أن اللغات الطبيعية لغات شكلية بهذا المعنى، وكثير من اللغويين يقولون إنها ليست كذلك. ولا يعني هذا أن اللغات الشكلية لا يمكن أن تكون نماذج للغات الطبيعية، ويكفي أن خاصة الصحة النحوية إن لم تكن محددة تماما فإنها من الممكن أن تحدد بطريقة استقرائية داخل حدود مقبولة، ومثل هذه الخصائص البنيوية تعد أيضا مبنى لنموذج يجب أن يميز في أي لغة طبيعية تكون اللغة الشكلية موضع البحث نموذجا لها، وكلمة نموذج هنا تستخدم بالمعنى الذي يمكن أن يتحدث به خبير الاقتصاد عن نموذج ما لنقل نموذج المنافسة غير السليمة أو الذي يمكن أن يتحدث به كيميائي عن نموذج البنية الذرية، وفي كلتا الحالتين يتضمن النموذج تجريدا، ومثالية، وكذلك الأمر في علم اللغة، وعلم اللغة البحت التزامني النظري الذي يهتم بالخصائص الأساسية للنظم اللغوية يمكن أن يتحمل إهمال الكثير من التفصيلات وما يتصل بالفروع الأخرى لعلم اللغة "انظر 2 - 1"، ولذلك فإن حقيقة أن اللغات الطبيعية قد لا تكون لغات شكلية لا تقف حائلا دون تطبيق النحو التوليدي في علم اللغة. وثمة نقطة هامة نذكرها عن تعريف النحو التوليدي المذكور سلفا, فهو يسمح بوجود أنواع كثيرة من النظم النحوية وقضية علم اللغة النظري: أي نوع من تلك الأنواع الكثيرة بغير حدود من نظم النحو التوليدي يعد أفضل نموذج للبنية النحوية في اللغات الطبيعية؟ وطرح مثل هذه القضية يفترض ضمنا أن اللغات الطبيعية كلها يمكن أن يكون لها نموذج واحد من نوع واحد من النظم النحوية، وهذا الافتراض يثار بشكل عام هذه الأيام في علم اللغة النظري، وهو أحد الأسباب التي جعلت التوليد بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 يذهبون إلى أن جميع الكائنات الإنسانية قادرة من حيث الظاهر على اكتساب أي لغة طبيعية، لكن من المحتمل من حيث المبدأ أن تناسب أنواع مختلفة تماما من النحو التوليدي وصف أنواع مختلفة من اللغات الطبيعية لكن إلى الآن ليس هناك سبب يدعونا للاعتقاد بأن ذلك كذلك. وقد برهن تشومسكي في عمله الأول على أن بعض أنواع النحو التوليدي أقوى في الحقيقة من غيرها أي: إنها تستطيع توليد كل اللغات الشكلية التي يستطيع النحو الأقل فعالية أن يولدها وكذلك التي لا يستطيع توليدها، وقد برهن بشكل خاص على أن نظم النحو "ذات الإنتاج المحدود" أقل فعالية من نظم "النحو التحويلي"1، والاختلاف بين تلك الأنماط الثلاثة لنظم   1 التحويل "transformation" عملية لغوية شكلية تمكن مستويين من التمثيل البنيوي من أن يكونا في موضع تناظر، ويتكون القانون التحويلي "Transformational rule" من سلسلة من الرموز التي أعيد كتابتها باعتبارها سلسلة أخرى وفقا لتقاليد وأعراف معينة، والطرف الأيمن للقانون يعد وصفا بنيويا أو تحليلا بنيويا، والنحو الذي يعمل مستخدما هذه القوانين هو النحو التحويلي التوليدي، ويرمز له بـ "T. G. G" وناقشه لأول مرة تشومسكي في كتابه "Syntactic Struetures" الصادر عام 1957 باعتباره صورة توضيحية للأداة التوليدية وهو أكثر فعالية من النوعين phrase structure grammars Finite - state grammars" وقد قدمت نماذج عديدة من النحو التحويلي منذ أول تخطيط رئيسي له بيد أن النموذج القياسي قدمه تشومسكي في كتابه "Aspects of the theory of syntax" ويتكون من ثلاثة مكونات: 1- المكون النحوي ويتضمن مجموعة أساسية من قوانين البنية النظمية أو قواعد تركيب أركان الجملة "phrase structrue grammar", وتقدم مع المعلومات المعجمية المعلومات الخاصة بالبنية التحتية للجمل ومجموعة القوانين لتوليد الأبنية السطحية.= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 النحو التوليدي "التي عدها تشومسكي ثلاثة نماذج -ومعنى نموذج هنا مختلف إلى حد- للوصف اللغوي" لن نتعمق فيه هنا فهناك تفسيرات سهلة المنال في مستويات تقنية مختلفة، وكل ما نحتاج قوله في النحو "ذي الإنتاج المحدود" أنه في ظل افتراضات معينة معقولة عن البنية النظمية للغة الإنجليزية واللغات الطبيعية الأخرى أوضح تشومسكي أن اللغات الشكلية التي يولدها هذا النحو من غير الملائم أن تكون نماذج لبعض اللغات الطبيعية على الأقل، ونظم النحو "ذي الإنتاج المحدود" ليس فعالا من حيث المبدأ بما فيه الكفاية ويرجع ذلك على نطاق واسع إلى أن نماذج الإنتاج المحدود التي أسسها علماء النفس السلوكيين في الخمسينات من هذا القرن قد عني تشومسكي بإثبات أنه من غير المناسب أن تعد نماذج للبنية النحوية للغة. والنحو التحويلي -على الجانب الآخر- فعال بشكل مؤكد من حيث المبدأ بما فيه الكفاية لأن يكون نماذج للوصف النحوي في نظم اللغات الطبيعية، لكن هناك كل أنواع النحو التحويلي، والمفارقة التي يمكن أن تبدو من الوهلة الأولى أن بعضها -وربما كلها- ذات فعالية كبيرة، وهي تسمح بصياغة قوانين لا تستخدم أبدا -حسب علمنا- في وصف أي لغة من اللغات الطبيعية، وما يعد مثاليا -وهو محور التوليدية- أن المرء يرغب في نمط النحو التوليدي الذي هو من القوة الكافية لأن يعكس بصورة مباشرة وواضحة خصائص البنية النحوية للغات الطبيعية المتفق بشكل عام على أنها جوهرية   = 2- المكون الفونولوجي ويحول تتابعات العناصر النحوية إلى قول يمكن النطق به. 3- المكون الدلالي ويقدم تمثيلا لمعنى المفردات المعجمية كيما تستخدم في الجملة. والطرق التي تترابط بها هذه المكونات ترابطا داخليا موضع جدل منذ ظهور كتاب تشومسكي وقد طورت نماذج تحليلية بديلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 بالنسبة لها، ورغم أن نمطا معينا من النحو التحويلي قد صاغه تشومسكي في منتصف الخمسينات وعدل مرات عديدة منذ ذلك الوقت وما زال مهيمنا على نظم الجملة النظري لعشرين عاما فإن دور القوانين النحوية كانت دائما محدودة، ومستقبل النحو التحويلي في حد ذاته "وليس النحو التوليدي" موضع شك في الوقت الراهن. وقد وجه تشومسكي اهتماما معينا منذ البداية إلى خاصتين في اللغة الإنجليزية واللغات الطبيعية الأخرى يجب وضعهما في الاعتبار عند البحث عن النوع الصحيح للنحو التوليدي، وهاتان الخاصتان هما: التكرار ومكون البنية "انظر 4 - 5" وكلتاهما تنعكس بشكل واضح ومباشر في نحو البنية النظمية، "وتنعكسان كذلك في النحو التحويلي التشومسكي الذي يمكن وصفه بشكل تقريبي بأنه نحو البنية النظمية مع إضافة تحويلية، وفي الواقع إن القانونين "3"، و"5" في "4-5" إضافة في تصميم قوانين البنية النظمية، ووظيفتهما، توليد سلاسل الرموز ويخصص لكل واحد منهما تقويس ذو إشارات من النوع الذي أوضحناه من قبل انظر "6"، "8" في "4-5"، ومثل هذه التقويسات ذات الإشارات يشار إليها باعتبارها علامات التعبيرة، وحيث إن نظم نحو البنية النظمية صيغت في إطار أعم من نظم "نحو السلاسل" "أي: نظم النحو التي تولد سلاسل من الوحدات" فإن علامة التعبيرة لا تمثل فقط مكون البنية في سلسلة الوحدات وصنف الصيغة في كل مكون لكنها تمثل أيضا ترتيبها المتسلسل الذي يربط الواحد منها مع الآخر. وما دمنا بصدد كتاب أساسي بهذه الطبيعة فلن نتعمق في الاختلافات الفنية بين نوع وآخر من النحو التوليدي، ومن ثم لن نطور صياغة النحو المعروف باسم نحو "البنية النظمية" أو طريقة عمله، وما نحتاج التأكيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 عليه هنا أنه ربما كانت هناك فوائد لنوع من النحو التوليدي لا تكون للآخر، وأنه ليس من الواضح -حتى الآن على الأقل- أي: نوع من أنواع النحو التوليدي التي تم تصميمها وبحثها يعد أفضل نموذج للوصف النحوي في اللغات الطبيعية، وعلى الرغم من وجود وجهة نظر شاعت لسنوات عديدة مؤداها أن بعض أشكال النحو التحويلي تؤدي هذ الغرض بأفضل ما يكون الأداء "حتى إن المصطلحين: "النحو التوليدي"، و"النحو التحويلي" اعتبرا -على نحو متكرر- مترادفين" فإن العمل الحديث يبدي تشككه في صحة المناقشات التي قادت تشومسكي وغيره إلى هذه النتيجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الفصل الخامس الدلالة. أولا: اختلاف المعنى علم الدلالة هو دراسة المعنى، لكن ما المعنى؟ ناقش الفلاسفة هذا السؤال خاصة فيما يتعلق باللغة لفترة تزيد على ألفي عام، ولم يقدم واحد منهم إجابة مرضية عليه، وقد يكون أحد أسباب ذلك أن هذا السؤال بالصيغة التي طرح بها لا يمكن الإجابة عنه، فهو يضع افتراضين سمبقين أقل ما يقال عنهما أنهما مشكلان، الافتراض الأول أن لما نشير إليه في اللغة الإنجليزية بكلمة "meaning" "معنى" نوع ما من الوجود أو الواقع، والافتراض الثاني أن ما يشار إليه باعتباره معنى يتشابه -إن لم يتطابق- في طبيعته، ويمكن أن نطلق عليهما حسب ترتيبهما: الافتراض المسبق للوجود، والافتراض المسبق للتجانس. ولا أقول إن هذين الافتراضين المسبقين غير حقيقيين لكنهما ببساطة موضع جدال فلسفي، وكثير من الدراسات التمهيدية لعلم الدلالة تعامل هذه الحقيقة معاملة خشنة، وسنحرص فيما بعد على ألا نلزم أنفسنا بأي من هذين الافتراضين المسبقين، وسوف نتجنب -بصفة خاصة- القول بما تذهب إليه كتب أساسية عديدة في علم اللغة من أن اللغة تقيم جسرا بين الصوت والمعنى، وتقريرات مثل هذه يمكن -وهذا صحيح- أن تأخذ تفسيرا معقدا إلى حد ما يجعلها أكثر قبولا عما تبدو عليه من الوهلة الأولى، وهي على كل حال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 -بمراعاة قيمتها الظاهرية -مضللة وذات نزعة فلسفية، وتشجعنا على الاعتقاد بأن المعنى مثل الصوت يوجد بشكل مستقل في اللغة وأنه متجانس في الطبيعة. والتفكير في المعنى بهذه الطريقة تقليدي -بطبيعة الحال- بما فيه الكفاية، والمعاني تبعا للنظرية التي حازت القبول الأكثر اتساعا في علم الدلالة أفكار أو تصورات يمكن أن تنتقل من عقل المتكلم إلى عقل المستمع بتجسيدها -إن جاز التعبير- في صيغ لغة أو أخرى. وتحديد المعنى بالتصورات لن يساعدنا في الإجابة على السؤال: "ما المعنى؟ " ما لم يحدد مصطلح "تصور" تحديدا واضحا، وهذا المصطلح -كما هو مستخدم بشكل عام- غير واضح أو عام أكثر مما ينبغي لأن ندعم الثقل الذي يقتضيه دوره كحجر الزاوية في النظرية التصورية التقليدية للمعنى، ما القاسم المشترك الموجود فيما بين التصورات المرتبطة بالكلمات الآتية: "ال" و"ل"، و"أنا"، و"أول" و"سنة"، و"قليل"، و"يكتب"، و"ثلاثة"، و"مدرسة"، و"ولد"، و"تطور"، و"اسم"، و"كل شيء" "everything"؟ ويمكن في بعض الحالات -بشكل معقول- أن نقول إن التصور المرتبط بالكلمة خيال مرئي من نوع ما لكننا لا نستطيع -بكل تأكيد- أن نحتفظ بهذه الرؤية فيما يتصل بكلمات مثل: "ال"، و"ل"، و"كل شيء"، أو حتى "اسم"، وحتى في الحالات التي يكون من المقبول أن نعد التصور خيالا مرئيا فإن ذلك يخلق من المشكلات أكثر مما يحل، والتخيلات العقلية التي يربطها أناس مختلفون بكلمة مثل مدرسة" متنوعة، ومليئة بالتفاصيل، ويوجد عادة قاسم مشترك ضئيل، وقد لا يوجد قاسم مشترك بين هذه التفصيلات والتخيلات العقلية الشخصية إلى حد بعيد، ومع ذلك ما نزال نرغب في القول بأن الناس -بشكل عام- يستخدمون الكلمات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بنفس معانيها إلى حد ما، ولا يوجد ما يدعونا إلى افتراض أن التخيلات المرئية التي ترتبط بكلمات معينة جزء أساسي من معنى تلك الكلمات أو أنها ضرورية للاستخدام اليومي لهذه الكلمات. ولا يوجد -في الحقيقة- ما يدعونا إلى افتراض أن تلك التصورات -بأي معنى محدد بوضوح لمصطلح تصور- وثيقة الصلة ببنية نظرية دلالية لغوية من الممكن تبريرها من الناحية التجريبية، ومن الواضح أننا لن نكسب شيئا من وراء استخدامنا لمصطلح "تصور" المغرق في غموضه حسبما يفسر عادة ونحن بصدد المحافظة على نظرية دلالية تعتمد على هذا المصطلح من التنفيذ والدحض، ولن نلجأ إلى التصورات عند مناقشتنا للمعنى. وبدلا من أن نسأل: "ما المعنى؟ " نطرح سؤال مختلفا إلى حد ما: "ما معنى "المعنى"؟ " يغير محور الاهتمام من الحديث عن المعنى إلى الحديث عن مصطلح "المعنى"، ولهذا التحول فوائد عديدة، أولها أنه لن يلزمنا بالافتراض المسبق للوجود فيما يتعلق بالكلمة الإنجليزية "meaning" "معنى", بيد أن ذلك خال من السلبيات بما فيه الكفاية، فالفائدة الإضافية لهذا التحول من الحديث عن الأشياء إلى الحديث عن الكلمات "إذا أمكن أن أصوغ مميزا -صياغة فجة إلى حد ما- بين عبارة الكلمات وعبارة الأشياء" أنه يجعلنا بصورة حاسمة ضد احتمال أن تكون الكلمة الإنجليزية "meaning" "معنى" مختلفة من حيث التطبيق عن أي كلمة مفردة أخرى في اللغات الأخرى، والأمر كذلك، فهناك سياقات يمكن أن تترجم فيها كلمة "meaning" إلى كلمة "signtication" أو "sens" في اللغة الفرنسة، وهناك سياقات لا يمكن فيها ذلك، وبالمثل فإن الفارق بين الكلمتين الألمانيتين "Bedeutung" و"sinn" في اللغة الألمانية في الاستخدام المعتاد لا يتناظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 مع الفارق بين الكلمتين الفرنسيتين "signif ication" و "sens" أو الفارق بين الكلمتين الإنجليزيتين "meaning" و"snec"، ومن الممكن أن ندرك على الأقل أنه بصياغة سؤالنا: ما معنى "المعنى"؟ في اللغة الإنجليزية أكثر منه في لغة أخرى نؤثر مهما كان تأثيرنا ضئيلا في بناء النظرية الدلالية، وفيما يخص علم الدلالة فقد ذكرنا أنه دراسة المعنى أي: كل ما تغطيه كلمة "معنى"، وليس لدينا سبب يجعلنا نفترض أن كلمة مستخدمة استخداما يوميا مثل "معنى" تختلف عن كلمة مستخدمة استخداما يوميا مثل قوة أو طاقة يمكن اقتباسها دون تهذيب أو إعادة تعريف للأغراض العلمية. وقد ذكرت أن السؤال: "ما معنى" "المعنى"؟ " لا يلزمنا بالافتراض المسبق للتجانس، وثمة حقيقة هامة عن معظم الكلمات اليومية فهي ليس لها معنى مفرد واضح المعالم أو حتى مجموعة من المعاني يمكن تمييز كل معنى منها عن غيره تمييزا قاطعا، وكلمة معنى نفسها ليست مستثناة من هذه الحقيقة، ولذلك فليس مفاجئا أن نجد قدرا ضئيلا من الاتفاق بين اللغويين والفلاسفة فيما يتعلق بحدود الدلالة، وهناك من يتخذ وجهة نظر واسعة في الدلالة كما سأفعل هنا، وهناك آخرون يجعلون مجال الدلالة أكثر ضيقا. وليس الأمر ببساطة مسألة اختيار سواء أكان اختيارا عشوائيا أم غير عشوائي فيما يتعلق بالتفسير المتسع نسبيا، والتفسير الضيق نسبيا للمعنى، وكما قلت منذ لحظات فإن المعاني التي يمكن تمييزها لكلمة "معنى" يمكن أن يتحول الواحد منها إلى الآخر، وسيتفق الجميع على أن استخدامات معينة لمصطلح "معنى" تقع في بؤرة اهتمام علم الدلالة اللغوية أكثر من استخدامات أخرى فعلى سبيل المثال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 1 "1what is the meaning of "life. يوضح استخداما لكلمة "معنى" أقرب إلى الاستخدام الرئيسي من: 2 2what is the meaing of life. واستخدام الفعل "mean" "يعني" من وجهة النظر الدلالية اللغوية -من ناحية أخرى- في 3، 4 أكثر مركزية منه في "5" 3 "3The french word "fenetre" neans "window. 4 The french word "fenetre" means the same "4as the English word "window. 5 5He is clumey buy he means well. والمشكلة أن هناك استخدامات وسيطة لكل من "meaning" "معنى"، وmean "يعني" تعد مجالا لعدم الاتفاق، وقد أثبت بعض الفلاسفة أن الاستخدامات اللغوية الأكثر وضوحا التي تتعلق بمعنى الكلمات، والجمل، والأقوال لا يمكن تفسيرها تفسيرا مرضيا بطريقة أخرى تختلف عن اشتقاق هذه الاستخدامات أو المعاني اللغوية الواضحة من الاستخدامات الوثيقة التي لا يبدو أنها تنطبق على اللغة وحدها بل تنطبق أيضا على أنواع أخرى من السلوك السيميولوجي "انظر 1 - 5".   1 ما معنى "الحياة"؟ 2 ما معنى الحياة؟ 3 كلمة "fenetre" الفرنسية تعني: window" في اللغة الإنجليزية. 4 الكلمة الفرنسية "fenetre" لها معنى الكلمة الإنجليزية "window" ذاته. 5 هو ثقيل لكنه يعبر بطريقة جيدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 ولا أستطيع أن أتعمق في هذه القضية في هذه الدراسة التمهيدية المختصرة المختارة للدلالة اللغوية، ومع ذلك فمما يهم أي فرد يعنى على أية حل ببنية اللغة ووظائفها أن يعرف أن هناك تقليدا فلسفيا غنيا ومعقدا يتكئ في نقاط عديدة على قضايا أساسية في دراسة اللغويين للمعنى، وسأستمر في استخدام مصطلح "معنى" "meaning" خلال هذا الكتاب دون تعريف على أنها كلمة غير اصطلاحية في اللغة الإنجليزية اليومية، بيد أني سأركز على أنواع معينة من المعنى أو على جوانب معينة منه ذات أهمية خاصة في علم اللغة، وسندخل بعض المصطلحات الأكثر تقنية لنشير إليها عند الاقتضاء. ومن المميزات الواضحة المرسومة تلك التي تميز بين معنى الكلمات أو المفردات بصورة أكثر وضوحا ومعنى الجمل أي: بين المعنى المعجمي ومعنى الجملة، وإلى عهد قريب كان اللغويون يوجهون اهتماما للمعنى المعجمي أكبر بكثير مما يوجهونه لمعنى الجملة، ولم يدم ذلك طويلا فقد أصبح من المسلم به الآن -بشكل عام- أن المرء لا يستطيع أن يفسر الواحد منهما دون أن يفسر الآخر، ويعتمد معنى جملة ما على معنى مفرداتها المكونة لها "بما فيها المفردات التعبيرية إن وجدت انظر 5 - 2"، ويعتمد معنى بعض المفردات -إن لم يكن كلها- على معنى الجمل التي تذكر فيها، بيد أن البنية النحوية للجمل -كما هو واضح بداهة وكما سنبرهن على ذلك فيما بعد- وثيقة الصلة أيضا بتحديد معانيها أي: يجب أن نأخذ أيضا في حسابنا المعنى النحوي باعتباره مكونا إضافيا لمعنى الجملة " انظر 5 - 3"، وبقدر ما يهتم علم اللغة اهتماما أساسيا بوصفه النظم اللغوية "انظر 2 - 6" يقع المعنى النحوي والمعنى المعجمي ومعنى الجملة بشكل واضح في مجال الدلالة اللغوية. ومكانة معنى القول مثار جدل كبير إلى حد ما، ولم نحدد إلى هذه اللحظة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الفارق المميز بين الجمل والأقوال رغم ذكره في الفصل السابق "انظر 4 - 4"، فمعنى قول ما يشتمل على معنى الجملة المنطوقة إلا أن معناها لا يستنفد معناه، ويرجع بقية معناه إلى عوامل متنوعة يمكن أن نعرفها بشكل تقريبي بالعوامل السياقية، ويذهب كثير من الباحثين إلى أن معنى القول يقع خارج نطاق الدلالة اللغوية في حد ذاته وداخل ما يصلق عليه البراكماتية أو دراسة الأقوال الفعلية "انظر 5 - 6"، وهو مثار جدل كما رأينا من قبل وذلك لأن مفهوم معنى الجملة يمكن إثبات أنه يعتمد على مفهوم معنى القول من الناحيتين المنطقية والمنهجية لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يقدم تفسيرا كاملا لمعنى الجملة دون ربط الجملة -من حيث المبدأ- بسياقات القول المحتملة. وثمة مجموعة أخرى تتعلق بتنوع الوظائف الاتصالية والسيميولوجية التي تستخدم اللغات من أجلها، ولا يتعلق كل الناس مع الاقتراح الذي قدمه وتجنستين witgensteine "واحد من أعظم فلاسفة اللغة تأثيرا في عصره" من أن معنى كلمة ما أو قول ما يمكن بشكل مألوف أن يتحدد باستخدامه، غير أن هناك -بشكل واضح- أنواعا من العلاقة بين المعنى والاستخدام وكان لتأكيد وتجنستين على هذه العلاقة وعلى تعدد الأغراض التي تفي بها اللغات الأثر المفيد في تشجيع الفلاسفة واللغويين في الخمسينات والستينات على مناقشة -أو التخلي التام عن- الافتراض التقليدي الذي يذهب إلى أن دور اللغة أو وظيفتها الأساسية توصيل المعلومات الافتراضية أو الحقيقية، ولا يمكن بطبيعة الحال أن ننكر أن اللغات لها ما سوف أشير إليه باعتباره وظيفة وصفية، ويمكن أيضا أن يكون الأمر أنه لا يمكن استخدام نظام سيميولوجي آخر بهذه الطريقة لصياغة الأخبار التي إما أن تكون حقيقية أو زائقة تبعا لما إذا كان الوضع الذي يفهم من الوصف موجودا أم لا، ومع ذلك فللغات وظائف سيميولوجية أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وترتبط بعض هذه الوظائف ارتباطا نظميا بالوظيفة الوصفية أو وظيفة الإدلاء بالتصريحات، وترتبط بعلاقة متبادلة -وفقا لما سبق- مع الاختلافات البنيوية فيما بين الجمل، فعلى سبيل المثال- كما ذكرنا من قبل- الاختلافات الوظيفية بين التصريحات "أو الأخبار"، والأسئلة، والأوامر ترتبط بعلاقة متبادلة في لغات كثيرة مع الاختلاف البنيوي بين الجمل الخبرية، والاستفهامية، والطلبية، وقد أدرك ذلك الفلاسفة والنحاة منذ عهد طويل، وعلى كل حال نالت طبيعة هذه العلاقة المتبادلة اهتماما كبيرا منذ فترة قريبة، وأكثر من ذلك فمن المعروف أن الأخبار، والأسئلة، والأوامر ليست سوى قليل من كثير من الأحداث الكلامية التي يمكن تمييزها من الناحية الوظيفية التي تتبادل الارتباط معا بطريقة نظامية بطرق مختلفة، وواحدة من أكثر المناقشات حيوية في السنوات الأخيرة في الدلالة اللغوية والفلسفية تركزت على قضية ما إذا كانت الأخبار ليست سوى نوع من الأنشطة الكلامية ضمن أصناف كثيرة، وليس لها أي نوع من الصدارة المنطقية أم أنها تؤلف الصنف الخاص والأساسي من الناحية المنطقية الذي يمكن أن تشتق منه -بمعنى أو بآخر- الأحداث الكلامية الأخرى، وما زالت هذه النقطة الخلافية بلا حل، وسنلقي نظرة عليها فيما بعد "5 - 4، 5 - 6". نستطيع إذن أن نرسم فاصلا بين المعنى الوصفي للأخبار، والمعنى غير الوصفي للأنواع الأخرى من الأحداث الكلامية، ونستطيع أيضا أن نحدد -مؤقتا على الأقل- المعنى الوصفي لقول ما بالخبر المؤكد عليه في التصريحات، ويمكن أن يكون في أحداث كلامية أخرى لا سيما الأسئلة إلا أنه لا يكون مؤكدا، فعلى سبيل المثال القولان التاليان 6، 7، وهما خبر وسؤال على الترتيب حسب المقصود والمفهوم منهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 6- 1 John gets up late. 7- 2 Dees John get up late. يمكن أن يقال بوجود أو استمرار خبر واحد فيهما مع أن 6 وحدها هي التي تؤكده، ومن ثم تصف -أو يفهم منها من حيث الظاهر أنها تصف- وضعا معينا، فهي تحدد خاصة الإخبار من حيث إنها ذات قيم صدق محددة أي: إنها إما أن تكون حقيقية أو زائفة، ولذلك يوجد ارتباط جوهري بين المعنى الوصفي والصدق، وهذا الارتباط -كما سترى فيما بعد- يعد في بؤرة علم الدلالة المتصفة بشروط الصدق3، وهو -كما سترى فيما بعد- يحصر مجال مصطلح "الدلالة" بحيث لا يغطي سوى المعنى الوصفي "انظر 5 - 6". ومما سبق يتضح أن بعض الأقوال -على الأقل- لها كلا المعنيين الوصفي وغير الوصفي، وفي الحقيقة يمكن إثبات أن الأغلبية العظمى للأقوال اليومية إما تصريحات أو غير تصريحات، فإن كانت غير تصريحات سواء أكانت ذات معنى وصفي أم لا فإنها تحمل ذلك المعنى غير الوصفي المعروف -بشكل عام- بالمعنى التعبيري، والاختلاف بين المعنى التعبيري والمعنى الوصفي أن الأخير بخلاف الأول ليس خبريا ولا يمكن شرحه بواسطة الصدق، فعلى سبيل المثال   1 استيقظ جون متأخرا. 2 هل استيقظ جون متأخرا؟ 3 علم الدلالة المتصفة بشروط الصدق conditional - th semattics مدخل إلى علم الدلالة يؤكد على أن المعنى يمكن أن يحدد من خلال الشروط الموجودة في العالم الحقيقي التي يمكن أن تستخدم في ظلها الجملة لتصنع تصريحا حقيقيا، ويمكن تمييزها عن مداخل تحدد المعنى من خلال الشروط الموجودة في استخدام الجمل في عملية الاتصال وذلك مثل وظيفة الجملة من خلالا الأحداث الكلامية أو ما يعتقده المتكلم في الجملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 إذا هتف شخص ما "يا للسماء! " بنبر وتنغيم يعبران عن الدهشة فإننا من الممكن أن نقول إنه مندهش "أو غير مندهش"، وبناء عليه فإن: "جون مندهش" "على فرض أن جون اسمه" تصريح حقيقي "أو زائف"، بيد أنه من السخف أن نقرر أن "يا للسماء" تصف مشاعر المتكلم أو حالته الذهنية كما تفعل "جون مندهش"، وإذا ما فعلنا ذلك نكون قد ارتكبنا ما يعده بعض الفلاسفة مغالطة وصفية أو طبيعية و"يا للسماء" "Good heavens" -بطبيعة الحال- مثال واضح لما يعد في النحو التقليدي تعجبا، ويعالج بشكل متكرر على أنه صنف من الأقوال التي تتميز عن التصريحات والأسئلة، والأوامر، وأكثر من ذلك فهو التعجب الذي لا يمكن ربطه مع تصريح مناظر بالمعنى الوصفي ويختلف لنقل عن: 1oh Granny what big teeth yuo ve got. لكن من الممكن أن توجد تصريحات تعجبية، وأسئلة تعجبية، وأوامر تعجبية وهلم جرا، وفي الحقيقة لا يتعدى التعجب طريقا واحدا يعبر "أو يكشف" فيه متكلم "أو كاتب" عن انفعالاته، ومواقفه، ومعتقداته، وشخصيته، وبقدر ما لا نستطيع -في الملاذ الأخير- أن نرسم مميزا بين شخص ما وشخصيته أو مشاعره يكون من المنطقي أن نفسر مصطلح "التعبير عن الذات" تفسيرا أدبيا، ويرتبط المعنى التعبيري بكل الأشياء التي تقع في مجال "التعبير عن الذات" ويمكن أن ينقسم إلى أنواع أصغر بطرق متنوعة لأغراض معينة، ومن هذه الأنواع المعنى الانفعالي "أو العاطفي"2 ويوليه   1 جراني ما هذه السنة الكبيرة. 2 المعنى الانفعالي للتعبير يشير إلى الأثر الانفعالي على المستمع كما في المحتوى الانفعالي للكلام الدعائي "Propaganda speech " ولغة الإعلام "advertising language" ... ... إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 نقاد الأدب والفلاسفة العقلانيون اهتماما خاصا. ويختلف المعنى الاجتماعي إلى حد ما عن المعنى التعبيري مع أن الواحد منهما -كما سنرى فيما بعد- يندمج مع الآخر، ويمكن أن يعد كل منهما معتمدا على الآخر، وهو ما يتعلق باستخدام اللغة في تأسيس الأدوار والعلاقات الاجتماعية وتدعيمها، وكثير من أحاديثنا اليومية لها هذا الدور باعتباره الغرض الرئيسي لها، ويمكن أن تندرج تحت مصطلح المشاركة الانتباهية "أي: "المشاركة عن طريق الكلام""، وهذا التعبير الموفق صاغه مالينوفسكي "Malinowski" العالم الأنثروبولوجي في العشرينات من هذا القرن واستخدمه اللغويون استخداما واسعا منذ ذلك الوقت، ويؤكد على فكرة المشاركة والممارسة في الطقوس الاجتماعية التي تشترك فيها مجموعة، ومن ثم كانت "المشاركة" "communion" أفضل من "الاتصال" "communication". وأكثر الأقوال الطقسية وضوحا -التحايا والاعتذارات والأنخاب .... إلخ وهي تلك التي تنحصر وظيفتها في تزييت عجلات التعامل الاجتماعي، وهذه الأقوال ثانوية إذا ما نظرنا إليها من وجهة النظر التي يمكن أن تميز -على نحو صحيح- أكثر الوظائف أساسية للغة بالمقارنة مع الوظائف الأخرى بما فيها وظيفتها الوصفية، وفي العادة يكون السلوك اللغوي ذا هدف، حتى التصريحات العلمية الهادئة الخالية من العاطفة والحماس والتي يكون المعنى التعبيري المرتبط بها في حده الأدنى يكون من أهدافها -عادة- كسب الأصدقاء والتأثير على الناس، وعموما فإن ما يقال والطريقة التي يقال بها تحددها -في أي سياق تستخدم فيه اللغة وبصورة أوضح في المحادثات اليومية- العلاقات الاجتماعية التي تسود فيها بين المشتركين والأغراض الاجتماعية الخاصة بهم، وسوف نلقى نظرة على المعنى الاجتماعي بصورة أكثر تحديدا في الفصلين التاسع والعاشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بيد أن النقطة التي تتولد مباشرة في أذهاننا من خلال هذا الفصل أن اللغات تختلف من حيث الدرجة التي يجوز -أو يجب- فيها أن ينتقل المعنى الاجتماعي في الجمل باختلاف أنواعها، وبناء يجب يجب ألا نعتقد أن المعنى الاجتماعي يمكن أن يترك لعالم الاجتماع اللغوي ولا يكون موضع اهتمام اللغوي البحت الذي تحدد آفاقه العقلية التعريف الضيق عن عمد للنظام اللغوي باعتباره مجموعة من الجمل "2 - 6". ويمكن أن نتعرف على أنواع أخرى للمعنى، وسنذكر بعض هذه الأنواع فيما بعد في هذا الفصل، ويفي بغرضنا الآن أن نقول إن المعنى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: وصفي وتعبيري واجتماعي، وتبقى ملاحظتان تتصلان به، الملاحظة الأولى أنه ما دام الإنسان كائنا اجتماعيا، وما دامت بنية اللغة يحددها ويدعمها استخدامها في المجتمع فإن التعبير عن الذات بشكل عام، والتعبير عن الذات بواسطة اللغة بصفة خاصة يحكمه على نطاق واسع إلى حد كبير القواعد السلوكية والطبقية المفروضة المتعارف عليها من الناحية الاجتماعية، ومعظم مواقفنا ومشاعرنا ومعتقداتنا -معظم ما نعتقد أنه شخصي أو ذاتي- نتاج مشاركتنا الاجتماعية، وإلى هذا الحد يعتمد المعنى التعبيري على العلاقات والأدوار الاجتماعية، وفي نفس الوقت يساهم ما يمكن أن نعده تعبيرا عن الذت في تأسيس أو تدعيم أو تغيير هذه العلاقات والأدوار الاجتماعية، وهو ما قصدته عندما قلت من قبل إن المعنيين التعبيري والاجتماعي يعتمد كل منهم على الآخر. والملاحظة الثانية أنه بينما يختص المعنى الوصفي باللغة فإن المعنى الاجتماعي، والمعنى التعبيري -بلا ريب- لا يختصان بها، فهما موجودان في النظم السيميولوجية الطبيعية الأخرى الإنسانية وغير الإنسانية، ومن المثير -في هذه القضية- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أن نعود إلى مناقشتنا لبنية اللغة من وجهة النظر السيميولوجية "انظر 1 - 5" وقد رأينا هناك أن المكون الشفهي لإشارات اللغة هو الذي يميزها بشكل أكثر وضوحا عن أنواع أخرى من الإشارات الإنسانية والإشارات غير الإنسانية، ويمكن الآن أن نشير إلى أن المعنيين التعبيري والاجتماعي محمولان في العنصر غير الشفهي للغة على نحو مميز على الرغم من عدم اقتصارهما عليه بينما يقتصر المعنى الوصفي على المكون الشفهي، ومع هذا فوظائف اللغات ليست أقل اندماجا بصورة وثيقة من مكوناتها البنيوية التي يمكن تمييزها الأمر الذي يعزز ما قلناه عن العلاقة بين اللغة واللا لغة سواء أكد المرء على أوجه الشبه أو أوجه الخلاف وسواء اعتمد على وجهة نظر شخصية أو متخصصة، وسنعني في هذا الفصل بالدلالة اللغوية أي: دراسة المعنى في اللغات الطبيعية ويخضع لقيد إضافي تقتضيه ضمنا الأشياء المسلم بها في النظام اللغوي "انظر 2 - 6" ومن الممكن تبني وجهة نظر أكثر اتساعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ثانيا: المعنى المعجمي "التجانس وتعدد المعنى والترادف" كل لغة تحتوي على مجموعة المفردات "أو المعجم" التي تتكامل مع النحو حيث إن مجموعة المفردات لا تسجل مفردات اللغة فحسب "وتفهرس هذه المفردات بواسطة صيغها الاستشهادية أو جذوع الصيغ أو من حيث المبدأ بأي طريقة أخرى تميز المفردات الواحدة منها عن الأخرى" لكنها تربط بكل مفردة جميع المعلومات التي تقضي بها قوانين النحو، وهذه المعلومات النحوية نوعان: معلومات نظمية، ومعلومات صرفية فعلى سبيل المثال المفردة الإنجليزية "go" ينبغي أن يرتبط بها في مدخلها المعجمي معلومات تفيد أنها تنتسب إلى صنف فرعي واحد أو أكثر من الأفعال اللازمة، وكل المعلومات الضرورية، بما فيها الجذع أو الجذوع لاختيار صيغها أو بنائها "go, goes, going, went, gone" والمفردات ليست جميعها مفردات كلمات "أي: مفردات صيغها صيغ كلمات"، فكثير منها مفردات تعبيرة "أي: المفردات التي صيغها تعبيرات بالمعنى التقليدي لهذا المصطلح" فعلى سبيل المثال فيما بين مفردات التعبيرة في اللغة الإنجليزية التي نتوقع أن نجدها مدرجة في أي قاموس لها: 1put up with 2pig in a Poke 3red herring 4draw a bow at a venture 5go for a song وتميل مفردات التعبيرة لأن تكون اصطلاحية6 من الناحية النحوية أو الدلالية   1 يعاني دون شكوى أو ضجر. 2 يشتري شيئا دون أن يراه أو يعرف قيمته. 3 رنجة. 4 يتهور "يبالغ في المخاطرة". 5 يخرج من أجل الغناء. 6 مصطلح يستخدم في النحو والدلالة يشير إلى سلسلة كلمات مقيدة على المستويين النحوي والدلالي ومن ثم توظف باعتبارها وحدة مفردة، ومن وجهة النظر الدلالية لا تستطيع معاني الكلمات المفردة أن تحصل أو تجمع لإنتاج معنى التعبيرة الاصطلاحية، ومن وجهة النظر النحوية لا يسمح للكلمات في التعبيرة الاصطلاحية بالتنوعات الموجودة في السياقات الأخرى، فعلى سبيل المثال لا تسمح التعبيرة الاصطلاحية: its raining cats and dogs بما يلي: its raining a cat and a dog dogs and eats الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أو من كلتا الناحيتين أي: إن توزيعها خلال جمل اللغة أو معناها لا يمكن التنبؤ به من الخصائص النظمية والدلالية لمكوناتها، ومفردات التعبيرة -كما يتضح من "red herring" وربما اتضح في "pig in a poke"، و"draw a pow at a venture" يمكن بصفة عامة أن تناظر تعبيرات غير اصطلاحية "بعض صيغها أو جميعها تتطابق مع مفردات التعبيرة المناظرة"، ومثل هذه التعبيرات غير الاصطلاحية ليست مفردات أي: ليست جزءا من مفردات اللغة، وعندما يمكن أن توضع مفردة تعبيرة اصطلاحية من الناحية الدلالية مع تعبيرة غير اصطلاحية فمن التقليدي أن نقول إن الأخيرة ذات معنى حرفي في مقابل المعنى الاصطلاحي أو الاستعاري أو المجازي للأولى. ولن نضيف شيئا إلى ما قلنا عن المفردات التعبيرية في حد ذاتها أو عن الأنواع والدرجات المختلفة للاصطلاحية التي توجد في اللغة، لكننا سوف نرجع إلى الفارق المميز بين المعنى الحرفي والمعنى المجازي الذي يرسم أحيانا فيما يتعلق بالمعاني التي يمكن تمييزها في كلمات المفردات وأيضا فيما يتعلق بمعاني التعبيرات المعجمية، والتعبيرات غير المعجمية المناطرة، ويجب أن نؤكد هنا أنه على الرغم من أننا نتكلم بشكل غير دقيق عن معجم لغة ما باعتباره يتألف من الكلمات "أي: مفردات الكلمات" في تلك اللغة فإن مفردات الكلمات لا تشكل سوى جانب من مجموع المفردات في أي لغة طبيعية، ومصطلح "معنى معجمي" الذي استخدم عنوانا لهذا القسم يفسر على أنه "معنى المفردات" ويمكن أيضا أن نذكر هنا أنه على الرغم من وجود قدر كبير من الحالات الواضحة لمفردات التعبيرة في أي لغة فمن المحتمل أن تكون هناك تعبيرات كثيرة يمكن أن يدور جدل حول كونها مفرداتية أو غير مفرداتية، وليس هناك بصفة عامة معيار مقبول يمكننا من رسم فارق مميز بين مفردات التعبيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 من ناحية والمسكوكات أو التراكيب الثابتة من ناحية أخرى، وما هو إلا سبب واحد وراء كون مجموع مفردات أي لغة طبيعية على الرغم من أنها محدودة العدد إلا أنها غير محدودة الشكل. وهناك سبب آخر يتعلق بصعوبة التمييز بين التجانس، وتعدد المعنى، ويطلق التجانس بشكل تقليدي على الكلمات "أي: المفردات" المختلفة ذات الصيغة الواحدة، وحيث إن المفردات يمكن أن يكون لها أكثر من صيغة واحدة، وليس من غير الشائع أن تشترك مفردة أو أكثر -لكن ليس جميع المفردات- في صيغها "ولا تشتمل الصيغ المشتركة -بالضرورة- على الصيغة الاستشهادية أو الصيغة الأساسية" ويحتاج التعريف التقليدي للتجانس -بصورة واضحة- إلى تحسين يسمح بأنواع مختلفة من التجانس الجزئي، وأي تحسين يتطلب أن نأخذ في اعتبارنا احتمال عدم التطابق بين وحدات اللغة المنطوقة ووحدات اللغة المكتوبة أي: إمكانية وجود مشتركات صوتية ليست مشتركات هجائية والعكس بالعكس "انظر 3 - 2"، وعلى كل حال فليس من الصعوبة أن نصنع أدوات ضبط ضرورية للتعريف التقليدي للمشترك اللفظي "التجانس" على أساس ما قيل في الفصول الأولى، وسأفترض أن القارئ يستطيع أن يفعل ذلك وأن يقدم من اللغة الإنجليزية أمثلة مناسبة توضح أنماطا فرعية مختلفة من التجانس التام والتجانس الجزئي، ولا يعنينا هذا الجانب من مشكلة التمييز بين الاشتراك اللفظي "التجانس"، وتعدد المعنى. وتعدد المعنى صفة للمفردات الأحادية وهو ما يفرق -من حيث المبدأ- بينه وبين التجانس فعلى سبيل المثال "bankl"، و"bank2" "وتعنيان على الترتيب "جانب النهر"، و"مؤسسة مالية""، تعدان عادة كلمتين متجانستين، بينما يعالج الاسم "meek" في المعاجم النموذجية للغة الإنجليزية كمفردة أحادية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 مع معان عديدة يمكن التمييز بينها أي: باعتبارها متعددة المعنى، وتضبط رموزنا الفارق بين التجانس وتعدد المعنى انظر "bankl": "bank2" وكل منهما يمكن أن تكون في الواقع متعددة المعنى لكن "neck" لها -على وجه التقريب- المعاني الآتية: "neckl"= الرقبة، "neck2"= ياقة القميص أو الثوب، و"neck3"= عنق الزجاجة، و"neck4"= شريط ضيق من الأرض ... إلخ، وتحترم كل المعاجم القياسية الفاصل المميز بين التجانس وتعدد المعنى لكن كيف تفرق بينهما؟. والتأثيلية أحد المعايير، فعلى سبيل المثال "meall" "وتعني وجبة أو وليمة" و"meal2" "وتعني دقيق أو طحين" تعدان مفردتين مختلفتين في معظم المعاجم ويرجع السبب الأساسي -إن لم يكن الوحيد- إلى أنهما مشتقان من الناحية التاريخية من مفردتين غير متجانستين في اللغة الإنجليزية القديمة، ولا يتصل المعيار التأثيلي -كما رأينا من قبل- بعلم اللغة الوصفي "انظر 2 - 5"، ولا يعتبر الاختلاف في أي حالة -على الرغم من أن المعجميين قد يتمسكون بأنه يشكل شرطا كافيا للتجانس- الشرط الضروري أو حتى الأكثر أهمية في تمييز التجانس عن تعدد المعنى. والاعتبار الرئيسي قرابة المعنى، فالمعاني العديدة للمفردة الواحدة المتعددة المعنى "على سبيل المثال. "neck1"، "neck2" "neck3".. إلخ" تعتبر معان ذات قرابة، وإذا لم يتحقق هذا الشرط فإن صانع المعجم يفضل أن يجعله من قبيل التجانس أكثر من أن يكون من قبيل تعدد المعنى، ويضع مداخل معجمية مختلفة عديدة في المعجم ""neck1"، و"neck2"، و"neck3" .... إلخ"، وهناك بعد تاريخي لقرابة المعنى وهو ما يعقد هذه المسألة، فعلى سبيل المثال يمكن أن يتضح أن معنى "pupill"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 "تلميذ"، ومعنى "pupil2" "بؤبؤ العين أو إنسانها" ذوا قرابة تاريخية مع أنهما قد افترقا عبر الزمن إلى الدرجة التي لا يعتقد متكلم بالإنجليزية في قرابتهما التزامنية، وهي القرابة التزامنية التي سنكون بصددها فيما بعد. ومن السهولة أن نرى أنه بينما تكون مسألة التطابق في الصيغة مسألة قاطعة "هناك تطابق أو ليس هناك تطابق" فإن قرابة المعنى مسألة تقريبية، ولهذا السبب فإن التفرقة بين التجانس وتعدد المعنى -على الرغم من سهولة صياغتها- صعبة التطبيق بثبات وثقة. واقترحت بعض المعالجات الحديثة للدلالة أن يحسم المرء المعضلة ويفترض التجانس -مفضلا إياه على تعدد المعنى- في كل الأمثلة، وعلى الرغم من جاذبية هذا الاقتراح التي تبدو من الوهلة الأولى فإنه لا يحل المشكلات اليومية التي تواجه مؤلف المعجم حلا عمليا، كما أنه -وهو الأكثر أهمية- يغفل الجانب النظري، فالمفردات ليس لها عدد محدد من المعاني المميزة، وخاصة التمايز في اللغة تختص بالصيغة ولا تختص بالمعنى "انظر 1 - 5"، وجوهر اللغات الطبيعية أن تتحول المعاني المعجمية فيها من معنى إلى آخر، وأن تقبل الاتساع بغير حدود، والطريق الوحيد لحل المشكلة التقليدية الخاصة بالتجانس وتعدد المعنى -أو ربما التغلب عليها- يكون بالتخلي التام عن المعيار الدلالي عند تحديد المفردة ولا نعتمد إلا على المعيارين النظمي والصرفي وهو ما يكون له الأثر في تقسيم "bankl"، و"bank2" إلى معنيين "يمكن تمييزهما بسهولة" لمفردة واحدة متعددة المعنى من الناحية التزامنية، ومعظم اللغويين لا يفضلون مثل هذا الحل الراديكالي، وحتى الآن فإن إمكانية الدفاع -نظريا وعمليا- عن هذا الحل أكبر من إمكانية استبداله له، وربما ظللنا قانعين بحقيقة أن مشكلة التمييز بين ظاهرتي التجانس وتعدد المعنى غير قابلة للحل من حيث المبدأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 والمعنى -كما رأينا في القسم السابق- يمكن أن يكون وصفيا، ويمكن أن يكون تعبيريا، ويمكن أن يكون اجتماعيا، وكثير من المفردات تجمع بين نوعين للمعنى أو بين الأنواع الثلاثة له، وإذا عرف الترادف بتطابق المعنى فإن المفردات لا يمكن أن نقول إنها مترادفات تامة "في إطار محدد من السياقات" إلا إذا كانت لها المعاني الوصفية، والتعبيرية، والاجتماعية ذاتها "في إطار السياقات التي نحن بصددها"، ولا يمكن القول بأنها مترادفات مطلقة إلا إذا كان لها التوزيع ذاته وكانت مترادفات تامة في كل معانيها وفي كل سياقات ذكرها، ومن المعروف بصفة عامة أن الترادف التام للمفردات نادر نسبيا في اللغات الطبيعية وأن الترادف المطلق -كما عرفناه هنا- غير موجود تقريبا، وفي الحقيقة من المحتمل أن ينحصر الترادف المطلق في مفردات خاصة إلى حد بعيد تكون وصفية بحتة، والمثال النموذجي له "typhlitis": "caecitis" "وتعني التهاب المصران الأعور"، لكن كم من متكلمي اللغة الإنجليزية الأصليين على معرفة بهاتين الكلمتين؟ وما يلاحظ حدوثه في حالات كهذه أنه على الرغم من أن زوجا أو مجموعة من المصطلحات قد تتواجد معا فيما بين المتخصصين لفترة قصيرة فإن أحد هذه المصطلحات يجوز القبول باعتباره المصطلح النموذجي للمعنى المقصود، والتحدي الذي تلقاه سائر المصطلحات إما الاختفاء أو التطور إلى معنى جديد، ويمكن أن نلاحظ الخطوات ذاتها في اللغة اليومية فيما يتصل بالمفردات التي تخلق لمخترعات أو مؤسسات جديدة فكلمة "radio" أزاحت تقريبا كلمة "wireless" رغم أنهما اشتركتا في الوجود لفترة كانتا فيها بديلين لكثير من متكلمي اللغة الإنجليزية البريطانية، وعلى الجانب الآخر تختلف الكلمات: "aerdro ne" و"airfield"، و"airport" الآن في معانيها الوصفية. وسيلاحظ أنني "بخلاف معظم من كتب في الدلالة" وضعت فارقا مميزا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بين الترادف المطلق، والترادف التام، وهو أمر هام من وجهة نظري، فالترادف المقيد بالسياق قد يكون نادرا نسبيا لكنه موجود بالتأكيد، فعلى سبيل المثال كلمة "broad" وكلمة "wide" ليستا مترادفتين ترادفا مطلقا ما دامت هناك سياقات لا تستخدم فيها عادة سوى إحداهما، واستبدال الواحدة منهما بالأخرى -إذا كان مقبولا- قد يحدث اختلافا ما في المعنى "انظر: He has brord Shoulders" عريض المنكبين، و"she has a lovely broad smile" ذات ابتسامة عريضة فاتنة، و"The door was three feet wide" الباب ثلاث أقدام عرضا"، لكن هناك سياقات تظهران فيها مترادافتين ترادفا تاما "انظر: They painted a wide/ broad stripe right across the wall". والقارئ مدعو لأن يفكر في أمثلة مشابهة في اللغة الإنجليزية وفي اللغات الأخرى وأن يلحقها بها، واعتقد أنه سيجد أنه حتى عندما توجد بعض الاختلافات في المعنى بصورة محددة فمن الصعوبة أن نتأكد من ماهية هذا الاختلاف، وسيجد أيضا أنه لا يتضح دائما متى يوجد اختلاف في المعنى ومتى لا يوجد هذا الاختلاف، وقد يغويه -مثل الدلاليين والكتاب المعياريين في مجال الاستخدام الصحيح الذي لا يشوبه شك- أن يفترض وجود فروق دقيقة تميز كلمة عن أخرى. وهذه الاكتشافات مفيدة فهي تدعم ما أثرناه من قبل حول الغموض الجزئي للمعنى المعجمي، وتبين في الوقت نفسه أن كثيرا من معلومات الفرد عن اللغة -بقدر ما يكون النظام اللغوي محددا- خارج مجال الاستيطان الذي يمكن الاعتماد عليه، وكذلك الأمر مع القوانين النحوية للغة ما، وبالمثل مع القوانين والمبادئ التي تحدد معنى الكلمات والتعبيرات إلى المدى الذي يتحدد فيه المعنى المعجمي، وقد أثبتنا -بمعنى من المعاني- أننا نعرفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 باستخدامنا اللغة أي: إنها تظهر في السلوك اللغوي ونستطيع بدرجة يمكن الاعتماد عليها أن نلاحظ إخلالا بها وبمعنى آخر نحن لا نعرف بوضوح ما هي هذه القوانين والمبادئ فعندما يطلب منا تحديدها فمن الصعوبة أن نفعل ذلك وعادة ما نخطأ. وتكتمل المشكلة بالوجود الذي لا يشوبه شك لما يشار إليه -بصورة شائعة- بالظلال الدلالية للمفردات، "وهناك أيضا استخدام أكثر تقنية لمصطلح "ظلال دلالية" في علم الدلالة، وهو ما لا يعنينا هنا" والاستخدام المتكرر لكلمة ما أو تعبيرة ما في إطار سياقات دون أخرى يميل إلى خلق مجموعة من الضمائم بين هذه الكلمة أو هذه التعبيرة وما يمكن أن يميز سياقاتها النموذجية، فعلى سبيل المثال هناك اختلافات في الظلال الدلالية -فضلا عن الاختلافات في المعنى الوصفي- بين كلمتي church" "كنيسة" و"chapel" "كنيسة صغيرة" في إنجلترا وويلز، وعندما يكون الاختلاف واضحا مثل هذا الوضوح فإن سؤالا مثل: "Are they church or chapel له تفسير واضح تماما، ومع ذلك فإن الظلال الدلالية يكون تحديدها عادة أقل سهولة، وعلى كل حال فهي حقيقة بما فيه الكفاية على الأقل بالنسبة لمجموعات معينة من المتكلمين، ويسترشد بها -بصورة واضحة- الخطباء والشعراء بل يسترشد بها كل منا في أوقات ملاحقة أغراضنا اليومية، وما إذا كنا نرى أن الظلال الدلالية المحددة سياقيا لمفردة ما جزء من معناها أم لا يعتمد على نطاق واسع على مدى اتساع التفسير الذي نحن على استعداد لتخصيصه للمعنى، وكثيرا -وليس دائما- ما يقع ما نشير إليه بالظلال الدلالية لمفردة ما في إطار المعنى التعبيري أو الاجتماعي. والترادف غير التام ليس نادرا بأية حال وهو موجود في مفردات معينة قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 تترادف من الناحية الوصفية دون أن يكون لها المعنى التعبيري أو الاجتماعي ذاته، وقد تكون هذه هي الحالة الوحيدة التي يتطابق فيها أحد أنواع المعنى ولا تتطابق الأنواع الأخرى التي يمكن تمييزها بشكل واضح ومفيد في حد ذاته، والترادف الوصفي "ومن الشائع أن يطلق عليه اسم الترادف الإدراكي أو العام" هو ما يعتبره كثير من الدلاليين المراد بالترادف على نحو لائق، ومن أمثلة المترادفات الوصفية في اللغة الإنجليزية ما يلي: "father"، و"dad"، و"daddy"، و"pop" .... إلخ، فكل من هاتين المجموعتين مترادفان وصفية توضح حقيقة أنه ليس من الضروري أن يستخدم كل المتكلمين هذه الكلمات المترادفة رغم أنهم قد يكونون على معرفة بها، ويوضح المثال الثاني -بصورة أوضح من المثال الأول- حقيقة إضافية إذ قد توجد تابوهات "كلمات معينة تكشف الانتماء إلى مجموعات معينة في الجماعة، ومنذ سنوات كان الفارق بين مفردات الطبقة الراقية "U- vocabulary" ومفردات الطبقات الأخرى "non- U vocabulary" موضع حوار يومي في بريطانيا، وقد أصبح هذا الفارق في متناول الجماهير على يد نانسي متفورد "Nancy Mitferd" على الرغم من أنه لم يخترعه، ولقد كان وما زال موضوعا حساسا على الأخص بالنسبة لأفراد الطبقات الوسطى المتشبهين بأفراد الطبقة العليا "على الرغم من أن المصطلحين: "U" و"U - non" أصبحا الآن عتيقين". والدور الذي تلعبه التابوهات الاجتماعية في السلوك اللغوي شيء ما يقع في مجال علم اللغة الاجتماعي، وقد ذكرناه هنا؛ لأنه ذو تأثير على المعنيين التعبيري والاجتماعي للمفردات، وقد لا يستبعد المرء أن يجازف بإقامة الدعوى القانونية إذا ما استخدم فرد كلمة من الكلمات التي يطلق عليها اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الكلمات ذات الأربعة حروف1 بيد أنه ما زالت هناك اختلافات في المعنيين الاجتماعي والتعبيري تميز لنقل "2prick" أو "3ceck" عن "penis"4 أو "5breast" أو "6tit" أو "7bosem" أو "8bosom" والبحث التاريخي للمفردات يوضح مدى أهمية عامل لطف التعبير "عن شيء بغيض" -تجنب كلمات التابوه- في تغيير المعنى الوصفي للكلمات، وهو ما يتضمن اعتمادا تزامنيا متبادلا بين كل من المعنى الوصفي والمعنى غير الوصفي. وأخيرا فإن كلمة ما يجب أن تقال عن الترادف بين مفردات تتعلق بلغات مختلفة، فحتى الترادف الوصفي عبر اللغات أقل شيوعا إلى حد بعيد مما تشجعنا على الاعتقاد به المعاجم الثنائية باستثناء الجوانب الفرعية المتخصصة إلى حد ما من مفرداتها، ومن السخف أن نؤكد أنه لا يوجد شيء يعد ترادفا داخل اللغة "أو في الحقيقة داخل اللهجة" وعلى الجانب الآخر يجب أن ندرك أن الترجمة الحرفية غير ممكنة بشكل عام بين أي لغتين طبيعيتين، والأهمية النظرية لهذه الحقيقة ستشغلنا فيما بعد.   1 الكلمات ذات الأربعة حروف كلمات تتصل بالجنس. 2 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8 ألفاظ تتصل بالأعضاء الجنسية لدى المرأة والرجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 ثالثا: المعنى المعجمي "المعنى والدلالة الذاتية" سنعنى في هذا القسم بالمعنى الوصفي وحده، ويشتمل -على الأقل- على مكونين يمكن التمييز بينهما: المعنى "sense" والدلالة الذاتية "1denotation" والمصطلحان مؤخوذان من الفلسفة أكثر من علم اللغة، وحتى وقت قريب كان اللغويون يميلون إلى عدم الاهتمام بالقضايا الفلسفية التي تؤدي إلى معرفة الفوارق التي ستوضح هنا، والفلاسفة فيما يتصل بما يخصهم لم يعنوا دائما -كما يجب على اللغويين- بالإطار الكلي للغات الإنسانية وبالاختلافات البنيوية فيما بينها التي تتصل بالفوارق التي نحن بصددها، ويجب أن يسلم أيضا بأن مصطلحي "معنى"، و"دلالة ذاتية" قد استخدمهما لغويون وفلاسفة آخرون استخداما مختلفا، ولن أتعمق في هذه الاختلافات لكنني سأقدم ببساطة وجهة نظري الخاصة في القضايا التي تتضمنها، وهي مثيرة للجدل من   1 المعنى الحقيقي أو الدلالة الذاتية "denotation" مصطلح يستخدم في علم الدلالة كجانب من تصنيف أنواع المعنى ويقابل المعاني الضمنية أو الظلال الدلالية "connotation" والمعنى الحقيقي يشتمل على العلاقة بين الوحدة اللغوية -وعلى الأخص اللفظ المعجمي- والكينونات غير اللغوية "non - Linguistic entities" التي نشير إليها, ومن ثم يكافئ المعنى العام المقصود أو المعنى المرجعي "refeentiag meaning" فعلى سبيل المثال المعنى الحقيقي أو الدلالة الذاتية لكلمة "dog" في اللغة الإنجليزية هو ما يعرفها به المعجم "ذلك الحيوان ذو الأربع" وتشمل معانيها الضمنية أو ظلالها الدلالية معاني مثل الصديق، والمعين .... إلخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 بعض الجوانب، وهي أيضا متاحة تماما وهناك الكثير ما يمثلها في التاريخ الطويل للدراسات الدلالية الفلسفية. ومن الواضح أن بعض المفردات -إن لم يكن المفردات كلها- ترتبط بالمفردات الأخرى في اللغة ذاتها "فعلى سبيل المثال ترتبط "بقرة" بـ "حيوان" و"ثور"، و"عجل""، وترتبط بالكينونات، والخصائص، والموقف، والعلاقات.. إلخ في العالم الخارجي "فعلى سبيل المثال ترتبط "بقرة" بصنف معين من الحيوانات"، وسنقول إن المفردة التي ترتبط "بطريقة وثيقة الصلة" بمفردات أخرى ترتبط بها من جهة المعنى، وإن المفردة التي ترتبط "بطريقة وثيقة الصلة" بالعالم الخارجي ترتبط به عن طريق الدلالة الذاتية، فعلى سبيل المثال "بقرة"، و"حيوان" و"ثور"، و"عجل" .... إلخ، "أحمر"، و"أخضر"، و"أزرق" ... إلخ، و"يحصل"، و"يحرز"، و"يستعير"، و"يشتري"، و"يسلب" ... إلخ تشكل مجموعات من المفردات يوجد فيما بينها علاقات دلالية بمختلف أنواعها، وتشير "بقرة" إلى صنف من الكينونات وهو صنف فرعي مناسب لصنف من الكينونات التي تشير إليها "حيوان" وتختلف عن صنف الكينونات التي يشير إليها "ثور" أو ""حصان" أو "شجرة" أو "بوابة"" التي تتشابك مع صنف آخر تشير إليه "عجل" وهلم جرا. ومن الواضح أن المعنى والدلالة الذاتية يعتمد كل منهما على الآخر، وإذا كانت العلاقة بين الكلمات والأشياء -أو بين اللغة والعالم- علاقة مباشرة وثابتة كما يفترض أن تكون عادة فسيكون متاحا لنا أن نتخذ من المعنى أو الدلالة الذاتية أساسا أو قاعدة ثم نعرف الثاني من خلاله، فعلى سبيل المثال يمكن أن نأخذ بوجهة النظر التي تجعل من الدلالة الذاتية أساسا أي: إن الكلمات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 أسماء أو عناوين لأصناف الكينونات "مثل بقر أو حيوان" الموجودة في العالم خارج اللغة ومستقلة عنها، وأن تعلم المعنى الوصفي للمفردات يعد -ببساطة- تعرفا على ما تعزي المسميات إليه من أصناف الكينونات، وتتضح وجهة النظر هذه في المذهب الواقعي التقليدي للأنواع الطبيعية "أي: الأصناف الطبيعية والمواد الطبيعية" وتكمن خلف كثير من الدراسات الدلالية الفلسفية الحديثة ذات المسحة التجريبية، ومن المتاح أيضا أن نأخذ بوجهة النظر التي تجعل المعنى أساسا أي: من الممكن إثبات أنه سواء أكانت أنواع طبيعية موجودة أم لا "أي: تصنيف الأشياء اعتمادا على اللغة" فإن الدلالة الذاتية للمفردة تحددها معنى هذه المفردة، ومن الممكن -من حيث المبدأ- أن نعرف معنى المفردة دون معرفة دلالتها الذاتية، وقد تروق وجهة النظر هذه في حد ذاتها للعقلاني أي: ذلك الشخص الذي يختلف عن التجريبي فيتمسك بأن العقل أكثر من الخبرة الحسية- مصدر المعرفة "انظر 2 - 2"، ويمكن أن يبرر ذلك من الناحية الفلسفية عن طريق المطابقة التقليدية لمعنى الكلمة مع الفكرة أو التصور الذهني المتربط بها "انظر 5 - 1". وكل ما نحتاج إلى قوله هنا أن البدائل البسيطة الواضحة المعالم الواردة في الفقرة السابقة تصطدم بصعوبات فلسفية لا يمكن التغلب عليها، وهناك وسائل أكثر تعقيدا للدفاع عن الأولوية السيكولوجية أو المنطقية للمعنى أو للمدلول غير أننا لسنا بحاجة إلى الاهتمام بها، وما يجب أن يؤكد عليه اللغوي الحقيقتان التاليتان: الحقيقة الأولى أن معظم المفردات في اللغات الإنسانية كلها لا تشير إلى أنواع طبيعية، والحقيقة الثانية أن اللغات الإنسانية لا تتماثل -إلى حد بعيد- من الناحية المعجمية "أي: إنها تختلف في البنية المعجمية" فيما يتعلق بالمعنى والدلالة الذاتية، ولنتناول تباعا كل نقطة على حدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 فبعض المفردات في اللغة الإنجليزية وفي لغات أخرى تشير في الواقع إلى أنوع طبيعية "وذلك مثل أصناف الكائنات الحية، والمواد الطبيعية" مثل "بقرة"، و"رجل" و"ذهب"، و"شجرة ليمون" ... إلخ، ولا تشير الأغلبية العظمى من الكلمات إلى مثل ذلك، وأكثر من ذلك -وهي نقطة حاسمة- فإن المفردات التي تشير إلى الأنواع الطبيعية تفعل ذلك بصورة عرضية غير مباشرة إن جاز التعبير، ويعد ذلك بصفة عامة فوارق هامة من الناحية الثقافية فيما بين أصناف الكينونات، وكتلة المادة المتجانسة إلى حد ما وذلك مثل الماء، والصخر، والذهب التي تحدد البنية المعجمية للغات، وهي فوارق قد تتوافق أو لا تتوافق مع الحدود الطبيعية، فعلى سبيل المثال -تبعا لبلومفيلد ذي الاتجاه التجريبي القوي- الكلمة الإنجليزية salt تشير بصورة مألوفة إلى كلوريد الصوديم "NaCl"، ومن المسلم به أن هذه هي دلالتها الذاتية وإن لم تكن كامل معناها، وأن كلوريد الصوديوم مادة توجد بصورة طبيعية، ولا يرجع ذلك إلا إلى الدور المميز الذي يلعبه الملح في ثقافتنا "وبسبب أنه لدينا دائما مناسبة لأن نشير إليه" إذ إن لكلمة "ملح" الدلالة الذاتية التي لها، وحقيقة أن "ملح" يشير إلى مادة طبيعية نظرة لا تتصل باللغة. وفيما يتعلق بعدم التماثل المعجمي فإن أكثر اختبارات مفردات اللغات الإنسانية اتصافا بالسطحية تكشف سريعا عن أن المفردات في لغة ما لا تميل إلى أن يكون لها نفس الدلالة الذاتية للمفردات في لغة أخرى فعلى سبيل المثال الكلمة اللاتينية "mus" تشير إلى كل من الفئران والعِرس "ولا نذكر بعض الأصناف الأخرى من الحيوانات القارضة" والكلمة الفرنسية "sing" تشير إلى كل من الغوريلا والقردة وهلم جرا، ويوجد بطبيعة الحال أمثلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 كثيرة من التكافؤ الدلالي الذاتي بين اللغات، وبعض هذه الأمثلة نشأت نتيجة الانتشار الثقافي من الناحية التاريخية، وبعضها الآخر يفسره ثبات احتياجات واهتمامات إنسانية معينة عبر الثقافات، ويمكن أن تعزى أمثلة قليلة نسبيا إلى بنية العالم المادي كذلك، وسيكون لدينا الكثير مما نقوله في هذا الموضوع في الفصل العاشر. وقد افتتن كثير من اللغويين في السنوات الأخيرة بما يطلق عليه التحليل العناصري للمعنى، وبصفة خاصة بوجهة النظر التي تذهب إلى أن معاني كل المفردات في كل اللغات مركبة من تصورات عامة متناهية الصغر يمكن تشبيهها بالملامح العامة المزعومة في الفونولوجيا "انظر 3 - 5"، ومن الواضح الآن مع ذلك أن عددا قليلا للغاية من مكونات المعنى التي يستشهد بها عادة في هذا الموضوع عامة حقا، وأكثر من ذلك فإن عددا قليلا نسبيا من المفردات مرشحة بصورة مقبولة للتحليل العناصري، ونستطيع في معظمها أن نمثل بعض المعاني لخاصة ببعض المفردات من خلال ما يمكن أن يكون مكونات دلالية عامة، فعلى سبيل المثال حسب الافتراض المعقول الذي يذهب إلى أن [إنسان] ، و [مؤنث] ، وربما [بالغ] مكونات عامة للمعنى يمكن أن تحلل "امرأة" إلى المجموعة: [إنسان] [أنثى] ، [بالغ] ، و [رجل] إلى المجموعة. [إنسان] [غير أنثى] [بالغ] وبنت إلى المجموعة: [إنسان] ، [أنثى] ، [غير بالغ] ، و"ولد" إلى المجموعة: [إنسان] [غير أنثى] ، [غير بالغ] وقليل من التدبر يظهر أن هذا التحليل ترك بلا تفسير حقيقة أن العلاقة بين "بنت" و"امرأة" في معظم السياقات تختلف عن العلاقة التي تربط بين "ولد" و"رجل". وقد تبين من قبل أثناء مناقشة تعدد المعنى أن ارتباط المعنى شيء نسبي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وهو ما ينطبق في الواقع على جانب المعنى الوصفي "sense"، لكننا لا نستطيع أن نتعرف بصورة مفيدة على مختلف أنواع علاقات المعنى في مفردات اللغات الإنسانية كلها، ويمكن بصفة خاصة أن نتعرف على ما يعرف بشكل تقليدي بالتضاد "الضد في المعنى"، وما يشار إليه في هذه الأيام عموما بالعموم والخصوص، ويوجد في الواقع أنواع عديدة للتضاد في المعنى يمكن التمييز بينها "انظر: أعزب/ متزوج، وحسن/ سيئ، وبعل/ زوج، وفوق/ تحت ... إلخ"، ومصطلح "التضاد" يمكن ن يأخذ تفسيرا أوسع أو أضيق، وبعض المؤلفين يوسعون هذا المصطلح ليغطي كل أنواع عدم التكافؤ في المعنى فيذهبون على سبيل المثال إلى أن أحمر، وأزرق، وأبيض .... إلخ متضادان، ومهما كانت المصطلحات التي نستخدمها، ومهما كان تحديدنا لمصطلح تضاد، ومهما كانت المصطلحات التي نستخدمها، ومهما كان تحديدنا لمصطلح تضاد، واسعا أو ضيقا فإن النقطة الهامة من الناحية النظرية أن عدم التكافؤ وعلى الأخص التضاد في المعنى من العلاقات البنيوية الأساسية في مفردات اللغات الإنسانية، وتستوي معها علاقة العموم والخصوص "والمصطلح حديث لكن ما يشير إليه يعرفه منذ فترة طويلة المعجميون والمناطقة واللغويون" أي: تلك العلاقة التي تربط بين مفردة أكثر عمومية وأخرى أكثر خصوصية "تربط بين التوليب والورد.. إلخ والزهور، وتربط بين الصدق والنقاء .... إلخ والفضيلة وهلم جرا. والتضاد، والعموم والخصوص علاقتان استبداليتان للمعنى، والعلاقات الأفقية التي تربط بين المفردات ليست أقل أهمية "انظر 3 - 6" كتلك العلاقة التي تربط بين "يأكل"، و"الطعام"، وبين "أشقر"، و"شعر" وبين "يركل"، و"قدم" وهلم جرا، وعلاقات المعنى الاستبدالية والأفقية "بمختلف أنواعها" تقدم لمجالات معجمية معينة بنيتها الدلالية الخاصة، ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الممكن عادة تحدد مجالات دلالية عبر اللغات "وذلك مثل مجال الألوان، ومجال القرابة، ومجال الأثاث، ومجال الطعام" وأن نثبت أن المجالات ليس متماثلة، وفي السنوات الأخيرة استرشدت بحوث دلالية كثيرة بالمبدأ الذي يذهب إلى أن معنى المفردة تحددها شبكة العلاقات الاستبدالية والأفقية التي تربط المفردة موضع البحث بجيرانها في المجال المعجمى الواحد، والآراء النظرية لمن أطلق عليهم أصحاب نظرية المجال "مثل أولئك الذين يقومون بعملية التحليل العناصري" عادة ما تكون موضع خلاف فلسفي أو غير قابلة التصديق إلى درجة كبيرة، لكن النتائج التجريبية التي حصلوا عليها وهم ومن تابعهم طورت فهمنا للبنية المعجمية بغير حدود. وكان لتأكيدهم على الأولوية المنطقية للعلاقات البنيوية في تحديد معنى المفردة أهمية خاصة، فبدلا من القول بأن مفردتين مترادفتان من الناحية الوصفية؛ لأن كل منهما له معنى كذا وكذا وأن المعنيين متطابقان فإنهم سيقولون إن ترادف المفردتين جزء من معناهما، وبالمثل فيما يتصل بالتضاد، والعموم والخصوص، وفيما يتصل بسائر علاقات المعنى الاستبدالية والأفقية ذات الصلة، فنحن لكي نعرف المفردة يجب أن نعرف علاقات المعنى العديدة التي تربطها بغيرها. وهذا العرض كما سنرى فيما بعد في الأقسام التالية يتطلب تكملة، فليست المفردات وحدها هي التي يكون لها معنى وصفي "sense" بل إن التعبيرات التي تتركب من أكثر من مفردة واحدة قد يكون لها معنى وصفي أيضا، والعلاقات الأفقية والاستبدالية الواحدة تربط المفردة والتعبيرة غير المفردة "الأكثر تعقيدا" أو بين تعبيرتين أكثر تعقيدا كما تربط مفردتين، ويبدو أنه من المعقول أن نقول إن معرفة معنى مفردة يتضمن أيضا معرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 كيفية ارتباطها بالتعبيرات غير المعجمية، فعلى سبيل المثال معرفة أن apinster "آلة" معناها "unmarried" woman" "المرأة غير المتزوجة" أو ربما كانت بمعنى "woman who has never been married" "المرأة التي لم تتزوج من قبل"، ومن الواضح أن المرء لا يستطيع أن تكون لديه تلك المعرف الإضافية دون أن يعرف أيضا القوانين النحوية للغة وما تسهم به -إن كان هناك ما تسهم به- في صياغة معنى التعبيرات المعقدة من الناحية النظمية، ومن أوجه القصور التي تعانيها كثير من الأعمال المبكرة في الدراسات الدلالية أنها لم تحصر نفسها فحسب في البنية المعجمية لكنها فشلت في إدراك أن معنى المفردات لا يمكن وصفه وصفا مناسبا إذا لم نضع في حسابنا كذلك علاقات المعنى التي تربط بين المفردات والتعبيرات الأكثر تعقيدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 رابعا: الدلالة والنحو معنى جملة ما حاصل كلا المعنيين المعجمي والنحوي أي: معنى المفردات المكونة للجملة، ومعنى الأبنية النحوية التي تربط مفردة بأخرى من الناحية الأفقية "انظر 5 - 1" ومصطلح "نحو"، ومصطلح "نحوي" يذكرانا بأنهما مستخدمان بالمعنى الضيق خلال هذا الكتاب "انظر 4 - 1". ويتضح المعنى النحوي بمقارنة أزواج الجمل التي تشبه ما يلي: الكلب أمسك بساعي البريد 1- The dog bit the postmam ساعي البريد أمسك بالكلب. 2- The postman bit the dog فهاتان الجملتان تختلفان في المعنى لكن هذا الاختلاف لا يمكن أن يعزى إلى أي مفردة من المفردات المكونة للجملتين كما هو الأمر في الاختلاف بين 1، 3 الكلب أمسك بالصحفي 3- The dog bit the journalist أو بين 2، 4. ساعي البريد ربت على الكلب 4- The postman pacified the dog والاختلاف الدلالي بين1، و2 يفسره تقليديا القول بأنه في 1 تكون "The dog" فاعل، و"postman" مفعول به، بينما في 2 تكون الأدوار النحوية منعكسة. والاختلاف الدلالي بين 1، و2 اختلاف في المعنى الوصفي أي: يمكن تفسيره -كما سنرى فيما بعد- من خلال شرط الصدق الخاص بها "انظر 5 - 6"، ومع ذلك فإن المعنى النحوي ليس بالضرورة معنى وصفيا، فالجملتان الخبرية والاستفهامية المتناظرتان 1، 5. 5- Did the dog pite the postman يمكن أن يقال بشكل معقول إن لهما معنى وصفيا واحدا لكنهما تختلفان في بعد آخر، وهذا البعد الآخر هو ما سنناقشه في القسم الذي خصصناه للعلاقة التي تربط بين الجمل والأقوال "5 - 5"، ويمكن أن تندرج الحالة تحت المعنيين التعبيري والاجتماعي وتوجد اختلافات نحوية أخرى بين الجمل التي ترتبط بعلاقة متبادلة مع اختلافات المعنى غير الوصفي. فعلى سبيل المثال تؤدي رتبة الكلمة وظيفة تعبيرية في لغات كثيرة، وتحدد أيضا -في حالات معينة- اختيار "صيغة من صيغ الأفعال" دون أخرى "وذلك على سبيل المثال صيغة الشرط أو التمني أو الدعاء بخلاف الصيغة الخبرية في أبنية معينة في اللغة الفرنسية، واللغة الألمانية، واللغة الأسبانية" وفيما يتصل بالمعنى الاجتماعي فمن المعروف جيدا أن معظم اللغات الأوروبية -رغم أن اللغة الإنجليزية النموذجية ليست كذلك- تفرض على مستخدميها أن يميزوا بين ضميري الخطاب "في اللغة الفرنسية "voug"و "tu"، وفي اللغة الألمانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 "sie"، و"du" وفي اللغة الأسبانية "usid" و"tu" وفي اللغة الروسية "vy" و"ty" .... إلخ"، وأن استخدام أحدهما دون الآخر تحدده -جزئيا- الأدوار والعلاقات الاجتماعية "انظر 10 - 4"، واستخدام ضمير دون آخر يرتبط في كل حالة بعلاقة متبادلة مع اختلاف العدد "الإفراد" في مقابل الجمع" أو الشخص "المخاطب في مقابل الغائب"، وهذا الاختلاف النحوي يمكن أن يكون الاختلاف الوحيد بين جملتين لهما معنى وصفي واحد، ويوجد كذلك في لغات كثيرة ما يطلق عليه اسم ضمير الجمع للمتكلم المعظم وهو ما تمثله في اللغة الإنجليزية الجملة رقم6. 6- we have enjoyed ourselves التي تختلف في المعنى الوصفي عن رقم 7. 7- we have enjoyed ourselrve وتختلف كما تطعلنا على ذلك الملكة فيكتوريا - "انظر: 8 عن we are not amused 8- we heve enjoyed myself في كل من المعنيين التعبيري والاجتماعي، وسيقال المزيد عن وسيلة نقل المعنيين التعبيري والاجتماعي في الفصول الأخيرة، وما يهمني هنا أن أؤكد على الاختلاف بين المعنى المعجمي والمعنى النحوي لا يتطابق مع الاختلاف بين المعنى الوصفي والمعنى اللا وصفي. ويعتمد الاختلاف بين المعنى المعجمي والمعنى النحوي -من حيث المبدأ- على الاختلاف بين المفردات "أو المعجم" والنحو، وحتى الآن كنا نتعامل وفق الافتراض الذي يذهب إلى أن هذا الاختلاف واضح المعالم، لكن الأمر ليس كذلك، ويرسم اللغويون أحيانا فارقا بين كلمات تامة تنتمي إلى معظم أقسام الكلام "الأسماء، والأفعال، والصفات، والأحوال"، وكلمات معروفة بالكلمات الوظيفية بمختلف أنواعها تشمل أداة التعريف "the"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وحروف الجر "for، at، of ... إلخ" وأدوات الربط "but، and ... إلخ"، وأداة النفي "not" ليبينوا الفارق المميز بينهما من اللغة الإنجليزية، وتتميز مثل هذه الكلمات الوظيفية بأنها تنتسب إلى أصناف تتكون من مجموعة أفراد قليلة العدد، ويميل توزيعها إلى أن تحدده القوانين النظمية للغة تحديدا قويا إلى حد بعيد، وتلعب عادة الدور الذي يؤديه التنوع التصريفي في لغات أخرى، فعلى سبيل المثال "for" في "for three days" في مقابل "in" في "in three days" يمكن مقارنته من الناحية الدلالية مع استخدام حالة المفعولية دون حالة الأبلتية1 في اللغة اللاتينية "ress diss: tribus diebus" ومما هو مقبول -بصفة عامة- أن الكلمات الوظيفية أقل اتصافا بالمعجمية التامة من الأسماء والأفعال، والصفات، والظروف، وأكثر من ذلك فإن بعض الكلمات الوظيفية أكثر اتصافا بالمعجمية من بعضها الآخر، وفي حالات محدودة لا يمكن للكلمة الوظيفية إلا أن ترد في تركيب نظمي معين دون أن يكون لها معنى معجمي على الإطلاق: لاحظ "to" في "He wants to go" أو "of" في "three pounds of butter" لكن بين الحالات المحدودة للكلمات النحوية البحتة غير ذات المعنى المعجمي من ناحية والمفردات التامة من الناحية الأخرى توجد كثير من الأنواع الفرعية للكلمات الوظيفية التي تسهم -دون أن تكون مفردات تامة- إلى حد ما في المعنى المعجمي للجمل   1 الأبلتية "Ablative" مصطلح يوجد في اللغات التي تعبر عن علاقاتها النحوية عن طريق التصريف، ويشير هذا المصطلح إلى الصيغة التي تأخذها الكلمة "تكون عادة اسما أو ضميرا" التي تستخدم للتعبير عن المكان، ولا توجد هذه الحالة التصريفية في اللغة العربية ولا في اللغة الإنجليزية بينما توجد في اللغة اللاتينية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 التي تذكر فيها، وما يشار إليه هنا باعتباره اختلاف بين الكلمات التامة والكلمات الوظيفية يناظره في النحو المؤسس على المورفيم الاختلاف بين المورفيمات النحوية والمورفيمات المعجمية "انظر 4 - 3". وبناء على ما قيل الآن حول صعوبة وضع فارق حاسم بين نحو لغة ما ومفرداتها فما يمكن أن نؤكد عليه باعتباره قضية نظرية هامة أن ما يكون في إطار مفرداتي في لغة يمكن أن يكون في إطار نحوي في لغة أخرى فعلى سبيل المثال الفارق المعجمي بين "kill" و"die" في اللغة الإنجليزية "الذي يرتبط أيضا بعلاقة متبادلة مع الاختلاف النحوي الخاص بالتكافؤ "انظر 4 - 4" يناظره في لغات كثيرة أخرى الفارق النحوي بين الفعل المتعدي والفعل غير المتعدي المناظر له، أو مرة أخرى فإن ما يمكن أن تنقله بعض اللغات عن طريق الفصيلة النحوية الخاصة بالزمن "وذلك مثل الماضي في مقابل المضارع" يجب ن تنقله لغات أخرى بدون زمن عن طريق مفردات معناها لنقل "في الماضي" في مقابل "الآن"، وهذان المثالان -مع ذلك- يكشفان عن نقطة إضافية يجب أن تثار عند وصف الأساس الذي يكون الفارق الدلالي الواحد وفقا له إما معجميا أو نحويا. ومعنى المفردات كما رأينا من قبل يتجه إلى أن يكون غير محدد بدرجة أو بأخرى "انظر 5 - 2"، لكن حتى المعنى المرتبط بالمميزات التي تقع في إطار فصائل نحوية مثل السببية، والزمن، وصيغة الفع.. إلخ أكثر اتصافا بعدم التحديد، ونتيجة لذلك فمن المعتاد أن يكون من الصعوبة البالغة أن نقرر ما إذا كان فارق معجمي في لغة ما مكافئا دلاليا دقيقا لفارق نحوي في لغة أخرى، والصيغ السببية للفعل التركي "olmek" "يموت" تستخدم بشكل عام لترجمة الفعل الإنجليزي "kill" لكن المرء يمكن أن يثبت أنهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ليسا بمعنى واحد على نحو دقيق كما يمكن أن يثبت المرء أن التعبير الإنجليزي المعقد من الناحية المعجمية "caue to die" يختلف عن المفردة "kill"، وفيما يتصل بالمعنى فمما له مغزاه أن أحدًا لم ينجح في تقديم تفسير مرض عن معنى الأزمنة1 "التي تحدد تحديدا تقليديا من خلال مصطلحات مثل "الماضي"، و"الحاضر"، و"المستقبل"" في اللغة الإنجليزية أو أي لغة مدروسة دراسة جيدة، والزمن -من بين الفصائل النحوية التقليدية- يبدو من الوهلة الأولى أكثرها سهولة من حيث إمكانية تحديده من وجهة نظر دلالية، وقد ذكر من قبل أن هناك بلا شك أساس دلالي للتمييز بين أقسام الكلام، والفصال النحوية "انظر 4 - 3". وإذا سلمنا بذلك فيجب أن نسلم أيضا بأن طبيعة العلاقة المتبادلة بين البنية النحوية والبنية الدلالية من الصعسوبة البالغة أن نوضحها فيما يتصل بهذه الناحية، وعلى وجه العموم كلما درست لغة ما أكثر كلما ظهر تعقيد هذه العلاقة أكثر، ومن الأفضل أن يضع المرء هذه النقطة في الاعتبار عندما يقرأ تفسيرات لمعنى الفصائل النحوية في لغات غير مدروسة دراسة جيدة، وكل المسميات التقليدية للفصائل النحوية في اللغات الأوروبية المشهورة -تقريبا- ملبسة، فالزمن الماضي لا يشير بالضرورة إلى الوقت الماضي، والمفرد يستخدم على نطاق أوسع مما يوحي به المصطلح، وصيغة الطلب   1 شكلت مسألة الزمن على الدوام قضية محورية أثارت قدرا كبيرا من الجدل بين الفلاسفة حيث ذهب بعضهم إلى أن الزمن أمر حقيقي بينما ذهب آخرون إلى أن الواقع يخلو من الزمن وأن الزمن مضاف من فهمنا على الواقع، ولا يشكل الزمن برأي العلم جزءا من العالم المادي بل هو فكرة يفترضها الفهم كعلاقة بين الأشياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 تستخدم في أبنية كثيرة لا علاقة لها بالأوامر وهلم جرا، وليس هناك سبب للاعتقاد في أن الموقف يختلف بأي شكل من الأشكال فيما يتعلق بالمسميات التي يتسخدمها اللغويون في الوصف النحوي للغات أخرى. ولنتناول الآن باختصار جانبا آخر من العلاقة بين الدلالة والنحو: قضية إفادة المعنى والصواب النحوي، وقد ذكرنا من قبل أن هاتين الخاصتين للجمل لا يجب أن تكونا متطابقتين "انظر 4 - 2"، وفي أحوال كثيرة لا يكون الإعلان عن مبدأ عام أسهل من تطبيقه، وتوجد عوامل عديدة معقدة، فليس كل شيء موضع قانون نحوي يبدو هكذا من الوهلة الأولى، فعلى سبيل المثال اللغة الإنجليزية بخلاف ما يكون عادة لا تشتمل على فصيلة نحوية خاصة بالجنس، وما يوصف بشكل عام على أنه موافقة جنسية في اللغة الإنجليزية لا يعتمد -بقدر ما يلقى الرجوع إلى الكائنات الإنسانية البالغة من اهتمام- إلا على الجنس الذي يعزى إليه المقصود بالكلمة "أي: إلى الكيان المشار إليه انظر 5 - 5" في وقت النطق بواسطة المتكلم، "والجنس الفعلي في الحياة الواقعية الخاصة بالمقصود بالكلمة غير ذي صلة من حيث المبدأ، وإذا أخطأت رجلا فجعلته امرأة أو أخطأت امرأة فجعلتها رجلا، واستخدمت ضميرا خطأ للإشارة إليه أو إليها فلن أنتهك نتيجة ذلك أي قانون في اللغة الإنجليزية" فجملة مثل: 9- My brother had a pain in stomach يمكن أن تبدو على نحو معاكس ما ذكرناه منذ لحظات حول ما يعرف بالتوافق في النوع، لكن "9" ليست شاذة من الناحية النظمية، ولا من الناحية الدلالية فعلى سبيل المثال إذا عرف "أو باستخدام الكلام على نحو دقيق إذا ظن" من أن ص فتاة، وأنها تلعب دور الزميل له في مرحلة فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 9 تكون جملة يمكن أن يكون من المقبول تماما أن ينطق بها س، ومما يقبل المناقشة أن هذه الجملة يمكن أن تختلف في المعنى عن: My brother had a pin in his stomach إذا ما قيلت في ظروف مماثلة، ولكن ذلك وضع آخر، ويمكن أيضا أن يكون من المناسب لـ س أن ينطق الجملة 9 إذا كان ص متغير من الناحية الجنسية: الارتياب في الحقائق، قبول س للموقف .... إلخ يفترض أن يحدد بشكل مسبق ملائمة 9 أو عدم ملائمتها، واختلافها فيما يتعلق بأناس مختلفين، وعلى الجانب الآخر فإن: 10 He had a pain in her stomach شاذة شذوذا لا شك فيه، لكنها لا تنتهك أي قانون من القوانين النظمية البحتة في اللغة الإنجليزية، وفي الواقع يمكن للمرء أن يثبت على نحو معقول أنها أيضا جملة صحيحة التركيب من الناحية الدلالية، والغرابة في 10 أن القول فيها يتضمن -بافتراض أن he و her تشير إلى شخص واحد- أن القول فيها يتضمن تناقضا "أو تغييرا ذهنيا في سياق القول" لدى المتكلم، وثمة قضية أخرى هامة تنشأ هنا, الاختلاف بين صحة التركيب الدلالي والملائمة السياقية، وسوف نعود إلى هذه القضية عند مناقشتنا للعلاقة بين معنى الجملة، ومعنى القول، وقد قدمنا مثالا واحدا لتوضيح قضية أن سلاسل الكلمات التي يقال عموما إنها تنتهك قوانين نحوية للغة من اللغات يمكن في الحقيقة أن تكون جملا صحيحة التركيب من الناحيتين النحوية والدلالية، ويمكن تقديم أمثلة أخرى كثيرة بلا حدود تشتمل على أمثلة عديدة مأخوذة من أعمال حديثة في الدلالة والنحو تبدو عجلة مؤلفيها إلى حد ما في نعتهم لسلاسل الكلمات التي استشهدوا بها بعدم الصحة النحوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وهناك عامل معقد يتصل بقضية الفصل فيما إذا كانت مصاحبة معينة شاذة "أي مجموعة مفردات مترابطة من الناحية النحوية"، يرجع شذوذها إلى معنى المفردات المكونة والأبنية النحوية التي تجمع هذه المفردات الواحدة بالأخرى أو إلى أسباب أخرى، فعلى سبيل المثال: "haired" the blond 1 boy 2 borse "coured" haird" من المصاحبات المعتادة بينما the bay "haired colored" the blond hors ليستا كذلك، هل يرجع ذلك إلى معنى أو بالأخص المعنى الوصفي والدلالة الذاتية لكلمتي "boy"، و"blond"، فحتى لو كان شعر شخص ما باللون البني المائل إلى الحمرة مثله في ذلك مثل جلد فرس كميت اللون "bay" فإننا بكل تأكيد لن تستخدم المفردة "bay" في وصفه أو وصف شعره، وبالعكس إذا كان شعر رأس حصان ما أو جلده يكافئ تماما لون شعر شخص أشقر "blond" فإننا سنظل نمانع في أن ننسب إليه الصفة "blond" موضع المناقشة التي في الفرس، والقصد أن هناك مفردات كثيرة للغاية في كل اللغات لها معان لا يمكن أن تعد مستقلة تماما عن المصاحبات التي ترد فيها بشكل أكثر تمييزا. والملاذ الأخير أن يكون الفارق بين اتجاه المصاحبة والقانون النحوي من المستحيل أن يظهر شيئا سوى العشوائية. وفي النهاية هناك مشكلة عامة عاناها لغويون كثيرون، واحتار بها فلاسفة فترة طويلة تتعلق برسم الحدود بين المحددات اللغوية والمحددات غير اللغوية للصواب النحوي، ويصوغ القضية عادة أولئك الذين يؤيدون الأفكار   1 الولد الأشقر الشعر. 2 الحصان كميت اللون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 التوليدية عن طريق وضع فارق مميز بين معرفة اللغة ومعرفة العالم أو فيما يمكن إثبات أنه إساءة لاستعمال فارق تقني مفيد بين القدرة والأداء "انظر 7 - 4"، فعلى سبيل المثال يمكن أن نفترض أن سلسلة الكلمات التالية "مع منحنى تطريزي مناسب مركب عليها". 1 The president of the united states has just elapsed يحكم عليها معظم متكلمي اللغة الإنجليزية بأن لا معنى لها، لكن هل هي عليلة التركيب من الناحية النحوية؟ وإذا كان الأمر كذلك فإن عدم صوابها النحوي يتضح بسهولة من خلال تكافؤ "1elapse" والفعل "elapse" يمكن أن نقول إنه واحد من صنف معين من الأفعال اللازمة التي يجب أن يكون المسند إليه معها متعلقا بالزمن مثل سنة، شهر، يوم، قرن ... إلخ. وإذا كانت 11 ننتهك هذا القانون المفترض ومن ثم لا تكون جملة إنجليزية متفقة مع القواعد النحوية فإن الجملة 12. 12- Three presidents have elapsed and nothing and nothing has changed يجب ألا تكون جملة كذلك، غير أن 12 لا يمكن تفسيرها بشكل مؤكد، وبطبيعة الحال يمكن إثبات أنه لكي نفسرها -أو نقدم معنى لها- علينا أن نأخذ كلمة "president" أو كلمة "elapse" بمعناها غير الحرفي أو المجازي، وربما كانت أكثر التفسيرات وضوحا أن نأخذ كلمة "2president"   1 انقضى. 2 رئيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 بمعنى "presidency"1 "انظر: thee president .... إلخ"، الأمر الذي يعده النحاة ذوو الاتجاه التقليدي إما مجازا مرسلا أو كناية، والمصطلحان قليلا الاستعمال في هذه الأيام، والإطار المعقد لما يعرف بالصور البيانية "مثل التصنيف التقليدي لأجزاء الكلام" يكشف عن كل أنواع النقد المفصل، والقضية إذن هي حقيقة أننا نستطيع بسهولة أن نفسر 12 اعتمادا على فهمنا للاعتماد المتبادل لمعنى elapse وتكافؤها النحوي، وما إذا كانت 11، 12 مطابقتين للقواعد النحوية أم لا يتعدى كونه حكما نظريا أو منهجيا، ونستطيع إذا قررنا أن نعدهما جملتين مطابقتين للقواعد النحوية أن نستمر في توضيح حالتيهما الشاذتين، وإمكانية تفسير 12 أكثر سهولة من تفسير 11 على الأساس الدلالي. والطريقة التي ترتبط بها البنية النحوية للغات معينة وللغة عموما بالعالم قضية فلسفية شاقة في الواقع، وسنعود إليها في الفصل العاشر، ولقد ذكرنا هذه القضية هنا بسبب ما تتضمنه فيما يتصل بالعلاقة بين الدلالة والنحو، وعموما فإن اللغويين يميلون إلى الحديث بثقة كبيرة إلى حد ما عن الفارق بين المعرفة اللغوية، والمعرفة غير اللغوية، وأقل ما يقال عن كثير من سلاسل الكلمات التي تصنف باعتبارها غير صحيحة نحويا أن عدم صحتها يقبل الأخذ والرد، وثمة سلاسل أخرى مثل 11، 12 يقال إن معناها غير حرفي وربما قيل أيضا إنها غير مطابقة للقواعد النحوية وهي أمثلة مثيرة للاهتمام من الناحية النظرية، لكن كثير من سلاسل الكلمات التي استشهدت بها المقالات والكتب الأساسية لا يحوم شك حول صحتها النحوية والدلالية رغم ما قاله عنه مؤلفو تلك المقالات والكتب. وقد بدأنا هذا القسم بقولنا إن معنى جملة ما محصلة المعنيين المعجمي والنحوي، ونرى الآن أنه على الرغم من وجود فارق مميز بين هذين النوعين من المعنى في حالات واضحة فإن الحدود بينهما ليس من السهل دائما تحديدها كما نريد أن تكون، وقد رأينا أيضا أن التمييز بين صفة إفادة المعنى والصواب النحوي للجمل بعيدة -لأسباب عديدة- عن القطع والحسم، ولننظر الآن عن قرب فكرة معنى الجملة.   1 رئاسة "فترة الرئاسة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 خامسا: معنى الجملة ومعنى القول أول ما يجب عمله أن نضع فارقا مميزا بين معنى الجمل ومعنى الأقوال، وكثير من اللغويين والمناطقة الذين يتعاملون مع مصطلح دلالة بتفسير أضيق مما هو متعارف عليه في علم اللغة ومما نأخذ به في هذا الكتاب يذهبون إلى أنه بينما يقع معنى الجملة في مجال علم الدلالة فإن بحث معنى القول يعد جزءا من البراكماتية1 "دراسة الأقوال الفعلية" "انظر 5 - 6"، ويميل التوليديون التشومسكيون إلى المطابقة بين كل من الفارق المميز بين الجملة والقول، والفارق   1 البراكماتية: أحد أقسام ثلاث في السيميوتية "علم الرموز" مع الدلالة، ونظم الكلام. وينطبق المصطلح في علم اللغة على دراسة اللغة من وجهة نظر مستخدميها وعلى الأخص الاختيارات التي يقومون بها والقيود التي يواجهون بها عند استخدامهم لها في صلاتهم الاجتماعية، وتأثير استخدامهم للغة فيمن يشاركهم عملية الاتصال، ويرى بعض الدلاليين الآن أن البراكماتية تقابل علم الدلالة المتصفة بشروط الصدق ويفترض أن الصعوبات التي تنشأ فيما يتعلق بالثاني "مثل كيفية معالجة مفهوم الافتراض المقدم سلفا" تكون أكثر سهولة من حيث قابلية الشرح والتفسير إذا ما رجعنا إلى الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 المميز بين الدلالة ودراسة الأقوال الفعلية من ناحية، والقدرة والأداء من ناحية أخرى "انظر 7 - 4". ويتفق الذين يميزون بين الجمل والأقوال -بشكل عام- على أن الأولى بخلاف الثانية كيانات تجريدية مستقلة عن السياق أي: إنها لا ترتبط بزمان معين أو بمكان معين فهي وحدات في النظام اللغوي الذي تنتمي إليه، ولا يكون مثيرا للاعتراض بقدر ما يتسع ذلك، ومصطلح قول "utterancs" لسوء الحظ "مثل كلمات إنجليزية أخرى كثيرة مشابهة لها من الناحية النحوية" ملبس فهو قد يستخدم ليشير إلى النشاط ذاته أو إلى إنتاج هذا النشاط أي لجانب من السلوك اللغوي أو للعلامة التي يمكن تفسيرها والتي أنتجها الجانب السلوكي موضع الملاحظة، وتمر من المرسل إلى المستقبل عبر قناة الاتصال "انظر 1 - 5"، وليس هناك من يخلط الجمل بأنشطة القول، لكن من السهولة التامة أن تتطابق الجمل سواء أكان ذلك بغير قصد أم لا مع ما ننطقه، وفي الواقع هناك معنى معتاد تماما لمصطلح "جملة" نجعل فيه ذلك مطردا في علاقتنا اليومية باللغة، فعلى سبيل المثال يمكن أن نقول إن الفقرة الأولى في هذا القسم تتركب من ثلاث جمل1 وبهذا المعنى تكون الجمل إما أقوالا "ويتجه مصطلح قول إلى أن يغطي كلا من اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة" أو أجزاء متصلة لقول مفرد، وبهذا المعنى أي كون جملة ما هو ما ننطقه تكون الجمل -بشكل واضح إلى درجة ما- معتمدة على السياق، لكن من الممكن أيضا تكرارها في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة، والاعتماد على السياق لا يتضمن -بناء على ما سبق- تفردا زمانيا مكانيا أو تجريدا أي: إنه لا يرتبط بزمان ومكان معنين، ولا يتضمن استقلالا سياقيا تاما.   1 حسب النص الإنجليزي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وهناك نقطة إضافية فكثير من أقوال "أي: الأقوال المنتجة" الحديث اليومي وربما معظمها ليست جملا تامة لكنها بشكل أو بآخر جمل موجزة، فعلى سبيل المثال: 1- Next Friday if l can manage it. 2- How about peters. 3- Youll just have to wont you. نماذج لما يصفه معظم اللغويين "مثل النحوي التقليدي" باعتبارها جملا ناقصة أو موجزة، ومعاني هذه الجمل هي نفس معاني الجمل التامة التي يمكن أن يقال إنها قد اشتقت منها في مناسبات معينة من القول. ولن نتعمق في مشكلات ارتباط جمل نظام لغوي ما بالأقوال الفعلية والكامنة ونستطيع إذا ما تسامحنا بشأن التعقيدات التي ذكرناها آنفا أن نقول إن معنى القول محصلة معنى الجملة والسياق، وعموما فإن معنى قول ما أكثر ثراء من معنى الجملة "أو الجمل" التي اشتقت منه. وفي الوقت ذاته يجب أن ندرك تماما أن المتكلمين الأصليين للغة ما ليس لديهم وسيلة للاقتراب -قدر علمنا- من معنى الوحدات التجريدية غير ذات الصلة بالسياق الموجودة في النظام اللغوي والتي يسميها اللغويون جملا، والجمل بهذا المعنى -في الواقع- يمكن ألا يكون لها شرعية سيكولوجية على الإطلاق، فهي أبنية نظرية في علم اللغة وبصورة أدق في النظرية النحوية العامة، وعندما نضع أمام المتكلمين الأصليين ما نسميه جملا ونختبر ردود أفعالهم "هل هذه الجملة مقبولة؟ "، و"هل هذه الجملة لها معنى تلك الجملة نفسه" فإن ما نفعله في الواقع أننا نطلب منهم أن يدلوا بحكم بدعي أو مسبب على أقوال كامنة، ونستطيع -نحن اللغويين- أن نرسم فارقا مميزا بين معنى الجملة؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ومعنى القول بأن نجرد الأول "معنى الجملة" وأن ننسب إلى الثاني "معنى القول" الجانب الذي لا يتعلق بالجملة، وهو كل شيء يتعلق بالسياقات الخاصة بالقول مثل معتقدات أشخاص معينين، ومواقفهم، والإشارة إلى كيانات معينة في المجتمع، وتقاليد التعامل المهذب بين جماعات معينة وهلم جرا، لكن لا يوجد سبب يجعلنا نفترض أن متكلمي لغة ما يستطيعون فعل ذلك بفضل قدرتهم اللغوية، فالقدرة اللغوية بمعنييها: "القدرة في لغة ما"، و"القدرة على اللغة" يحددها دائما الأداء. وقد رأينا أن أنواعا معينة من الجمل ترتبط بأنواع معينة من الأقوال فالجمل الخبرية ترتبط بالتصريحات والجمل الاستفهامية ترتبط بالأسئلة ... إلخ، وطبيعة هذه العلاقة يوضحها الاستشهاد بفكرة الاستخدام المميز، ومن المسلم به -ومن الواجب أن يكون الأمر كذلك- أنه في أي مناسبة مفترضة يمكن أن يستخدم المتكلم جملة على نحو غير مميز ليعني شيئا ما يختلف -أو يزيد- عن معنى ما يستخدم استخداما مميزا، وهناك مع ذلك ارتباط جوهري بين معنى جملة ما واستخدامها المميز, فعلى سبيل المثلال يمكن أن تستخدم الجمل الخبرية استخداما غير مباشر لتوجيه الأسئلة، ولإصدار الأوامر، ولمنح الوعود، ولبيان مشاعر المتكلم .... إلخ، بيد أنه إذا كانت الجمل ذات البنية النحوية المعينة التي نسميها خبرية لا تشعر بأن المتكلمين للغة يربطون بينها وبين الحدث الكلامي الخاص بصياغة الأخبار -وهذه العلاقة الرابطة بين الشكل النحوي والوظيفة الاتصالية يؤسسها ويدعمها الاستخدام الدائم- فإن هذه الجمل المعينة لا تسمى جملا خبرية، وأكثر من ذلك فإن الاستخدام غير المميز لجملة ما يمكن توضيحه بشكل عام على أساس الاستخدام المميز، ولنأخذ مثالا مشهورا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 4- 1 its cold in here. فلهذه الجملة الشكل النحوي الخاص بالجملة الخبرية لكن قد يحسن استخدامها في ظروف مناسبة استخداما غير مميز وغير مباشر بدلا من: 5- "2Close the window "please وذلك لحمل المخاطب على عمل شيء ما أي: على أنها توجيه، وذلك لأن4 تستخدم استخداما مميزا لصياغة خبر ما، وهذا الخبر يستطيع المخاطب أن يفسره وأن يستنتج منه على ضوء العوامل السياقية المصاحبة له أنه من الممكن أن يستخدم كذلك عند الاقتضاء استخداما غير مميز وغير مباشر. ويجب أن نؤكد أن الاستخدام المميز لا يعني الاستخدام الأكثر تكرارا كما أن فكرة الاستخدام المميز لا ترتبط -من حيث المبدأ- بالجمل الفردية بل بجميع أصناف الجمل ذات البنية النحوية الواحدة، وتستخدم جمل كثيرة جدا استخداما غير مميز وغير مباشر بصورة عظيمة التكرار في السلوك اللغوي اليومي فعلى سبيل المثال: 6- 3 Can you tell me the time. تذكر على الأرجح كطلب أكثر من أن تكون سؤالا، وإذا استجاب المخاطب بقوله: نعم دون أن يشرع في الاستجابة للطلب فهو حينئذ يحاول أن يدفع عن نفسه تهمة الخشونة أو السلوك الفعلي الغريب عن طريق محاولة إثبات أن لديه إجابة على السؤال، ويمكن أن يكون بشكل معقول متهما بالحرفية، ويمكن أن يكون قد تلقى القول بصورة غير مناسبة بمعناه الحرفي أي: بالمعنى الذي يحدده   1 الجو بارد هنا. 2 أغلق الشباك من فضلك. 3 هل يمكنك أن تخبرني ما الوقت؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الاستخدام المميز لجمل ذات بنية نحوية معينة "وبذلك يبدو بشكل واضح أنها استفهامية". والحقيقة الفعلية أن الحرفية موجودة كظاهرة يمكن تعيينها "وتستحق التوبيخ من الناحية الاجتماعية" وينزع الفلاسفة واللغويون إليها على المستوى المهني وتعد مبررا لافتراض أفكار محددة نظريا عن الاستخدام المميز والاستخدام غير المميز من ناحية، والأحداث الكلامية المباشرة وغير المباشرة من ناحية أخرى، لكن توجد أفكار نظرية، ولا تفترض هذه الأفكار النظرية أنه في كل مناسبة وفي جميع المناسبات الخاصة بالاستخدام المميز -بمعناه الخاص هذا- لجملة ما يجب أن يقوم المخاطب بالاستنتاج التدريجي للمعنى المقصود قصدا غير مباشر أو المعنى غير الحرفي على أساس معناه الحرفي أو المباشر، وتوجد درجات من عدم المباشرة فعلى سبيل المثال تتصف 4 بهذه الصفة أكثر من 6 من ناحية كونها طلبا وهي في حاجة إلى دعم سياقي أكثر حتى يؤخذ في الاعتبار أنها كذلك، وكثير من الجمل -جزئيا أو كليا- متعارف على معانيها التي يقصد إليها بصورة غير مباشرة فعلى سبيل المثال: would you mind? Can you? خلافا لما يرادفها إلى حد ما: would it trouble you to? Are you abble to? متعارف عليها بدرجة عالية فيما يتصل باستخدامها في الطلب. والنقطة التي أثيرت حول العلاقة الجوهرية بين معنى جملة ما واستخدامها المميز في الأقوال يمكن تعميمها، ويرسم بشكل عام فارق مميز بين المعنى والمتأصل لتعبير ما، وما يعنيه المتكلم باستخدامه هذا التعبير "وفي الواقع هناك فوارق عديدة متصلة بهذه المسألة تشمل المعاني المترابطة للمصطلح "معنى" التي ناقشها الفلاسفة لكن هذا الفارق يكفي لغرضنا الحالي"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 ويمكن للمتكلم في أي مناسبة أن يستخدم تعبيرا ما ليعني به شيئا يختلف عن معناه الذي يدل عليه بفضل المعنى المعجمي والنحوي، بيد أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك دائما، كما أنه ليس حرا في استخدام تعبير ما مع أي معنى يختار أن يعطيه إياه، وإذا لم يصل إلى اتفاق مسبق إلى حد ما مع المخاطب حول التفسير المقصود للتعبير، وما يعنيه به يجب أن يكون مرتبطا بصورة نظامية بمعناه المتأصل، ومعناه المتأصل يحدده استخدامه المميز، ورغم أننا قد نرفض المطابق المباشرة بين المعنى والاستخدام، ولنفس السبب الذي جعلنا نرفض المطابقة بين معنى الجملة ومعنى القول قد نرغب في التأكيد على أن معنى التعبيرات والجملة يثبته استخدامها المميز، وعلم الدلالة -على النحو المشار إليه- بمعناه الضيق ليس سابقا من الناحية المنطقية على علم دراسة الأقوال الفعلية فكلاهما يعتمد على الآخر. وحتى نختتم هذا القسم يجب أن يقال شيء ما عن العلاقة بين الكلمة ومقصودها "refernce" والحدوثية "deixis"، وما يسهمان به في معنى القول، فالعلاقة بين الكلمة ومقصودها مثل الدلالة الذاتية "denotation" علاقة تربط بين التعبيرات والكيانات أو الصفات المميزة، أو الأوضاع الموجودة في العالم الخارجي "انظر 5 - 3"، لكن هناك اختلاف هام بين الدلالة الذاتية والعلاقة بين الكلمة ومقصودها فالأخيرة بخلاف الأولى مقيدة بسياق القول، فعلى سبيل المثال التعبير "تلك البقرة" يمكن أن يستخدم في سياق مناسب ليشير إلى بقرة معينة -وهو المقصود بالكلمة- ويمكن أن يستخدم في سياقات مختلفة ليشير إلى بقر متنوع، والعلاقة بين الكلمة ومقصودها في أي سياق معين يحددها جزئيا المعنى الأصلي للكلمة "ويشمل الدلالة الذاتية لكلمة "بقرة"" ويحدده أيضا جزئيا السياق الذي تنطق فيه، والأغلبية العظمى من التعبيرات الإشارية في اللغات الطبيعية معتمدة على السياق بطريقة أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 بأخرى، وحتى أسماء الأعلام ليست ذات مدلول متفرد مستقل عن السياق، وهذه الحقيقة منسية عادة. والاعتماد على السياق في معظم التعبيرات الإشارية له نتيجة دلالية هامة إذ إن الخبر الذي يجعله قول ما يميل إلى التنوع وفق سياق القول فعلى سبيل المثال: صديقي وصل لتوه 7- My friend has just arrived. يمكن أن تستخدم لصياغة خبر عن أفراد مختلفين كثيرين بلا حدود تبعا لما تشير إليه "My friend" في سياقات معينة للقول، وعندما نتكلم عن العلاقات الدلالية التي تربط بين الجمل بفضل محتواها الخبري فنحن نفعل ذلك وفق الافتراض الصريح أو الضمني الذي يذهب إلى أن مدلول كل التعبيرات الإشارية ثابت لا يتغير. والتعبير الواحد لا يمكن أن يشير إلى كيانات مختلفة في مناسبات مختلفة فحسب بل قد تشير التعبيرات المختلفة إلى كيان واحد، فعلى سبيل المثال الضمير "He" والعلم "جون" وأي عبارة وصفية من العبارات الكثيرة بلا حدود مثل "الرجل الذي يشرب المارتيني"، و"بائع اللبن"، و"بعل ماري" ... إلخ، يمكن أن يكون لها مدلول واحد، أو كما هو الحال في "my friend" في ظروف مناسبة، وهذه الحقيقة يجب أيضا أن تؤخذ في الاعتبار. وبناء على ما تقدم فإن المدلول الكامن للتعبيرات لا يحدده معناها المتأصل والعوامل السياقية مثل الافتراضات التي يتقاسمها كل من المتكلم والمخاطب فحسب ولكن تحدده كذلك القوانين النحوية من ناحية، والأعراف أو الاتجاهات الأسلوبية من ناحية أخرى، وتمارس تلك القواعد والأعراف أو الاتجاهات الأسلوبية فعاليتها في إطار الجمل، وعلى امتداد النص أو الكلام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وهذه القواعد والأعراف أو الاتجاهات بصفة خاصة "وليس من الواضح دائما ما إذا كان ذلك وضعا نحويا أو أسلوبيا" تضبط ما أصبح يطلق عليه المدلول المشترك أي: الإشارة إلى كيان واحد "أو مجموعة من الكيانات" بواسطة تعبيرات مختلفة أو الحدوث المختلف للتعبير الواحد فعلى سبيل المثال8، 9 8- My friend missed the train and he has just arrived. 9- Since he missed the train my friend has just arrived. فكل من "my friend"، و"he" يمكن لكن ليس من الضروري أن تكون ذات مدلول مشترك1، إلا أنه ليس من المعتاد أن تكون كل منهما ذات مدلول مشترك "بدون ملامح تطريزية وإيمائية إضافية خاصة" في10 10- He missed the train and my frind has just arrived. ومن المعتاد -وربما كان من الصواب- القول بأن وضع القانون النحوي يرتبط بالاختلاف بين الربط المتناسق2   1 المدلول المشترك co - refer - tial أو الاشتراك في المدلول الإشاري "co - referentiality" مصطلح يستخدم في علم اللغة وبصفة خاصة في النحو التوليدي ليشير إلى الوحدات النحوية الموجودة في جملة ما وتحمل مدلولا واحدا ففي الجملة "l said l would leave" تشترك الأولى والثانية في المدلول الإشاري، وفي الجملة: "he said he would come" ليس من الواضح ما إذا كان هناك اشتراك في المدلول الإشاري إذ إن "hei said hei would come "اشتراك في المدلول الإشاري "في مقابل: hei said hej would come عدم اشتراك في المدلول الإشاري". 2 الربط المتناسق "co - ordination" مصطلح في التحليل النحوي يشير إلى العملية أو النتيجة الخاصة بربط الوحدات اللغوية المتكافئة من حيث الحالة اللغوية مثل العبارات الاسمية، والعبارات الفعلية، والكلمات وتتميز في= الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 والتبعية1، ومن الجهة الأخرى لا يوجد قانون نحوي في اللغة الإنجليزية "على الرغم من أن بعض اللغويين يذهبون إلى غير ذلك" يمنع بناء جمل مثل11. 11- John love John. ويوجد في الأغلب اتجاه أسلوبي يفضل12 أو 13. 12- John loes himslf. 13- John loves him. تبعا لما إذا كان المسند إليه "subject"، والمفعول "object" ذوي مدلول مشترك أم لا، وظاهرة المدلولية المشتركة الكامنة درست دراسة شاملة في إطار النحو التوليدي في السنوات الأخيرة.   = هذا الشأن عادة عن علاقة التبعية "subordination" حيث لا تتكافأ الوحدات، وتتضح العبارات الاسمية ذات الربط المتناسق في الجملة: "John came and Mary left" وعلامة الربط هي: and وهي أداة الربط المتناسق ويمكن أن تحلل الأبنية أيضا باعتبارها ذات ربط متناسق بدون علامة واضحة كما في: there was an awkward depressing silence حيث يمكن أن تختبر دور النسق المترابط للصفتين بإدخال and" بينهما. 1 التبعية "subordination" مصطلح يستخدم في التحليل النحوي ليشير إلى العملية أو النتيجة الخاصة بربط الوحدات اللغوية التي تختلف أوضاعها اللغوية أو التي تعتمد الواحدة منهما على الأخرى وهو ما يميزها عن علاقة الربط المتناسق وتتضح علاقة التبعية في الجملة: John came when Mary left. وعلامة الربط هي when وهي أداة الربط في علاقة التبعية وثمة أدوات أخرى في اللغة الإنجليزية مثل: aftre, while, because, since،although. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 والحدوثية1 تشبه العلاقة بين الكلمة ومقصودها reference من حيث ارتباطها -مع ما تتطابق جزئيا معه- بسياقات ورودها إلا أن الحدوثية "deixis" أكثر وضوحا وأكثر تحديدا من العلاقة بين الكلمة ومقصودها "referencs" فالدلالة قد تكون حدوثية "deictic" أو غير حدوثية "non" "deictic" والحدوثية لا تتضمن بالضرورة العلاقة بين الكلمة ومقصودها، والصفة الأساسية للحدوثية "والمصطلح جاء من كلمة إغريقية معناها "التحديد" أو "البيان"" أنها تحدد بنية الأقوال وتفسرها فيما يتصل بزمان حدوثها ومكانه، وهوية المتكلم والمخاطب، والأشياء، والأحداث في السياق الفعلي للقول، فعلى سبيل المثال المقصود بالتعبير "ذلك الرجل في هذه الناحية" لا يمكن تحديده إلا فيما يتعلق باستخدام شخص ما لهذا التعبير في مكان معين وفي مناسبة معينة، وكذلك الأمر بخصوص "أمس"، وتعبيرات حدوثية كثيرة أخرى، والحدوثية مقننة نحويا في لغات كثيرة في فصيلتي الشخص2 والزمن3 ففي اللغة الإنجليزية على سبيل المثال يكون تحديد اختيار الضمير "l" أنا" أو "you" "أنت" وتفسيره "في هذه الحالة التي تتصل بالعلاقة بين الكلمة ومقصودها" وفق الدور الذي يتخذه المتكلم، وما يخصصه من دور للمخاطب، واستخدام زمن معين يحدده "ولنفترض أنه أكثر صعوبة من ذلك" ما يتصل بلحظة النطق، وأسماء الإشارة: "هذا"، و"ذاك"، وأداة التعريف: "ال" في بعض استخداماتها حدوثية أيضا، وكذلك الظروف المكانية والزمانية مثل "الآن"، و"حينئذ"، و"غدا"، و"هنا"، و"هناك"، وهناك أمثلة أكثر جلاء بصورة مباشرة من الفصائل والمفردات الحدوثية، والحدوثية -في الواقع- تميل إلى الانتشار التام في نحو اللغات الطبيعية ومفرداتها.   1 الحدوثية deixis والوصف منها deictic مصطلح يستخدم في النظرية النحوية ليصنف الملامح اللغوية التي تشير مباشرة إلى الخصائص الزمنية والمكانية للسياق الذي يحدث فيه القول، ومن ثم يرتبط معناها بهذا السياق وذلك مثل then،here، thera، now، that، this، ,I, you وكذلك الكملات التي تشير إلى الخلف أو الأمام .... إلخ. 2 في الضمائر مثل المتكلم والمخاطب. 3 مثل الماضي، والحاضر، والمستقبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 سادسا: علم الدلالة الشكلي مع أن مصطلح "علم الدلالة الشكلي" يمكن أن يستخدم -بمعنى عام إلى حد بعيد- ليشير إلى مجموعة كاملة من المداخل المتنوعة لدراسة المعنى فهو يستخدم بصفة عامة -في هذه الأيام- بدلالة خاصة لرؤية معينة لعلم الدلالة المشروط الحقيقة التي ترجع أصولها إلى بحث لغات شكلية بناها المناطقة على نحو خاص، وطبقت حديثا في بحث لغات طبيعية، وهو ما يعنينا هنا، علم الدلالة الشكلي -وفق هذا المعنى- يعد بصفة عامة متمما للبراكماتية "دارسة الأقوال الفعلية" أي: دراسة الاستخدام أكثر من المعنى، دراسة جانب المعنى غير المتصف بشروط الصدق بصورة بحتة، دراسة الأداء أكثر من القدرة ... إلخ. ولنبدأ بتمييز قيم الصدق الخاصة بالخبر من شروط الصدق الخاصة بالجملة، وكل ما نحتاج إلى قوله عن الأخبار أنه من الممكن تأييدها أو إنكارها، وأنه من الممكن معرفتها على نحو مشكوك فيه أو معتقد به، وأنه من الممكن أن تظل ثابتة مع إعادة الصياغة والترجمة، وأن كل خبر إما أن يكون حقيقيا أو زائفا، وحقيقة الخبر أو زيفه هي قيم الصدق فيه وهي لا تتغير، وقد نغير رأينا في صدق خبر ما فعلى سبيل المثال كان الاعتقاد في وقت ما أن الأرض منبسطة ثم أصبح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الاعتقاد -سواء أكان ذلك صوابا أم خطأ- أن الأرض ليست كذلك، لكن هذا لا يعني ضمنا أن خبرا حقيقيا ذات مرة قد يصبح زائفا، ومن الأهمية أن ندرك هذه المسألة1. ومعظم الجمل -في حد ذاتها- ليست ذات قيم صدق، وكما رأينا في القسم السابق فإن الخبر الذي تحمله سيعتمد بصفة عامة على دلالة التعبيرات الإشارية الحدوثية وغير الحدوثية التي تحتوي عليها فعلى سبيل المثال الجملة: 1- 2 My friend has Just arrived. يمكن أن تستخدم لتوكيد أخبار كثيرة بلا حدود حقيقية أو زائفة بفضل الدلالة المتغيرة لـ "my friend" "التي تحتوي على التعبير الحدوثي my""، وصفة الحدوثية في "just" وفي "الزمن الماضي" لكن الجمل قد تكون ذات شروط صدق أي: تفسير يمكن تحديده بوضوح للشروط التي تحدد قيم صدق الأخبار التي تحملها الجمل عندما تستخدم في صياغة التصريحات، ولنستخدم مثالا كلاسيكيا نموذجيا "يرجع إلى عالم المنطق البولوني الأصل تارسكي "Tarsky"": 2- Snow is white" is true if and only if snow is" white ففي2 لدينا تصريح صيغ باللغة الإنجليزية عن اللغة الإنجليزية لكننا نستطيع من حيث المبدأ أن نستخدم أي لغة "ما وراء اللغة" للحديث عن هذه اللغة ذاتها أو أي لغة أخرى "اللغة المدروسة" بشرط أن يشتمل ما وراء اللغة على   1 ما قيل هنا عن الأخبار يعتمد -في جانب منه- على وجهة نظر معينة والتعريفات البديلة للخبر لا تؤثر على كل حال في جوهر النقاط المطروحة في هذا القسم "المؤلف". 2 صديقي وصل لتوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 المفردات النظرية الضرورية التي تضم مصطلحات مثل "حقيقي"، و"معنى" ... إلخ، وما وضعناه في علامات تنصيص في2 جملة خبرية في اللغة الإنجليزية، وتخبرنا2 وفق الشروط التي قد تستخدمها الجملة "في اللغة المدروسة" لصياغة خبر حقيقي عن العالم عن الشروط التي يجب أن يتلائم معها العالم -إن جاز التعبير- فيما يتعلق بالخبر الذي تحمله "Snow is white" ليكون صحيحا، وما تقوم به 2 أو أي مثال مشابه هو تحديد العلاقة الواضحة وضوحا بدهيا بين الصدق "truth" والواقع "reality" ويسلم علم الدلالة الشكلي بوجود هذه العلاقة، ويسلم كذلك بمبدأ آخر يذهب إلى أنه لكي نعرف معنى جملة ما علينا أن نعرف شروط صدقها. بيد أن ذلك لن يأخذنا بعيدا، فنحن لا نتعلم شروط صدق الجمل بمزاوجة كل جملة بحالة ما في العالم، وبعيدا عن أي شيء آخر فإن كل من الجمل في اللغات الطبيعية وأحوال العالم يكونان مجموعات ضخمة إلى حد كبير وقد تكون غير محدودة، ووظيفة علم الدلالة الشكلي تحديد معنى المفردات من خلال ما تسهم به في صياغة شروط صدق الجمل وتقديم نهج واضح الصياغة لتقدير شروط صدق أي جملة اعتباطية على أساس معنى مفرداتها المكونة لها، وبنيتها النحوية، وسيتضح أن علم الدلالة الشكلي أكثر ارتباطا من حيث طبيعته بصورة أو بأخرى من صور النحو التوليدي "انظر 7 - 4". وثمة علاقة جوهرية -لا ريب فيها- بين المعنى الوصفي والصدق، ويمكن أن يسلم أيضا بأنه إذا كان لجملة ما شروط صدق فيجب أن نعرف الحالة الموجودة في العالم التي تهدف الجملة إلى وصفها حتى نعرف معنى هذه الجملة "على فرض أن الجملة تستخدم لصياغة خبر"، بيد أن ذلك ناتج بأية حال عن كون الجمل كلها ذات شروط صدق وأن كل معانيها متصفة بشروط الصدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ويجب أن نفرق -كما رأينا في القسم الأخير- بين معنى الجملة، ومعنى القول، فالأول يحدده -تحديدا نهائيا- الثاني من جهة مفهوم الاستخدام المميز، ويبدو -من النظرة الأولى على الأقل- أن الجمل الخبرية وحدها ذات شروط صدق "وذلك بفضل استخدامها المميز في صياغة الأحكام الوصفية"، والجمل غير الخبرية بمختلف أنواعها -وبصفة خاصة الجمل الطلبية، والاستفهامية- لا تستخدم في صياغة الأخبار حسب استخدامها المميز، وفوق ذلك فإننا ما لم نكن مهيئين لتقبل مفهوم للمعنى محصور على نحو مناف للعقل فيجب أن نقول إنها لا تقل دلالة عن الجمل الخبرية، وأكثر من ذلك فإن الاختلاف في المعنى بين الجمل المتناظرة الخبرية وغير الخبرية -حيث يوجد تناظر كهذا- "على سبيل المثال بين "My friend has arrived" و"Has my friend just arrived" نظامي ومطرد، وقد اقترحت حلول متنوعة لهذه المشكلة في إطار علم الدلالة الشكلي. ومن هذه الحلول ما يتضمن معالجة اللاخبرية كمكافئ منطقي للخبرية من النوع الخاص إلى حد ما الذي أطلق عليه الفيلسوف أوستن "J. L. Austin" اسم التعبيرات الأدائية "performative" الواضحة فعلى سبيل المثال الجملتان: 3- l promise to pay you 5 pounds. 4- l name this ship the mary jane. ليست وظيفتهما الأساسية وصف حدث ظاهر ومستقل بل إن يكونا مكونين مؤثرين ومؤلفين للحدث الذي يتضمنهما، ومفهوم أوستن عن التعبيرات الأدائية نقطة بدء لنظرية الأحداث الكلامية "وقد ذكرت وإن لم تشرح في 5 - 5" وبتبني الافتراض الذي يذهب إلى أن الجمل غير الخبرية تأخذ الوضع المنطقي نفسه باعتبارها عبارات أدائية واضحة يمكن أن نقول إن "is the door open?". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مكافئ منطقي "أي: له شروط الصدق ذاتها" لـ 5 5- l ask whether the door is open. وإن "Open the door" مكافئ منطقي لـ 6 6- l order you to open the door. وهلم جرا، غير أن أوستن ذكر أن جملا مثل 3، و4 ليس لها شروط صدق عندما تستخدم كعبارات أدائية "ويمكن كذلك بشكل واضح أن تستخدم في صياغة أحكام وصفية مباشرة" ووجهة نظر أوستن عارضها عدد من علماء الدلالة الشكليين، وعلى كل حال سواء أذهبنا إلى أنهما ذوا شروط صدق أم لا فإن وضعهما يظل مميزا لهم عما يمكن أن نشير إليه -بشكل فضفاض- باعتباره جملا خبرية عادية، وقد حاول كثير من اللغويين والفلاسفة إثبات فساد محاولة التعامل مع 5، و6 باعتبارهما أكثر أساسية من "Open the door" و"ls the door open". وتطرح التعبيرات الحدوثية قضايا أخرى" تعرف عادة بالمؤشرات indexicals"؛1 وكل الجمل الخبرية في اللغة الإنجليزية "بالإضافة إلى جمل كثيرة غير خبرية" ذات زمن، ومعظمها يحتوي على تعبيرات معتمدة على السياق مختلفة أنواعها تحدد الحدوثية دلالتها وحتى مثال تارسكي2 بسيط بصورة مخلة في هذه الناحية بالإضافة إلى أنه لا يمثل الجمل الخبرية في اللغة الإنجليزية بدرجة كبيرة، ويستثمر افتراضاتنا عن التفسير المقصود لكل من جملة اللغة المدروسة "Snow is white"، وعبارة ما وراء اللغة "if and only if snow is white" لكن كل منهما يمكن أن يكون ذا تفسير   1 المؤشرات "indexicals" مصطلح استخدمه بعض اللغويين ليشير إلى ملامح الكلام أو الكتابة التي تكشف من الخصائص الشخصية "البيولوجية أو الاجتماعية" لمستخدم اللغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 حدوثي ""الثلج "بشكل عارض" أبيض في زمان القول ومكانه"" بالإضافة إلى التفسير اللاحدوثي أو العام ""الثلج "حسب طبيعته" أبيض دائما وفي كل مكان"" الذي يفترض أن يكون ما قصد تارسكي إليه، ووجود الحدوثية -وتفشيها في اللغة الطبيعية- لا يبطل تطبيق نظرية شروط الصدق لعلم الدلالة في علم اللغة، لكنها تدخل بالتأكيد مكملات فنية جديرة بالاعتبار إلى حد بعيد. وثمة حقيقة أخرى تتمخض عن ذلك فالكثير من مفردات اللغات الطبيعية يكون معناها -بدرجة تزيد أو تنقص- غامض أو غير محدد، فعلى سبيل المثال يمكن أن نتمسك في سياق قولي محدد بأن "l" تحمل خبرا حقيقيا أو زائفا لكن ما المعيار الزمني الذي يمكننا الحكم على أساسه بصدق ما نشير إليه بـ "just" حين نقول "My friend has just arrived" وليست كلمة "just" غير نموذجية. وهناك بعض المشكلات تعقد -إن لم تعطل تماما- تطبيق نظرية الدلالة الشكلية في تحليل المعنى في اللغات الطبيعية، ونحن نميل إلى تفضيل المفهوم الأكثر شمولا عن المعنى، والمفهوم الذي لا يجعل المعنى الوصفي أكثر أساسية من الناحية النظرية من المعنى غير الوصفي معروف الآن "انظر 5 - 1"، ويجب أن أؤكد على أن محاولة حقيقية لبسط مفاهيم علم الدلالة الشكلي على معطيات اللغة الطبيعية فيما يتصل بما لا يبدو متهيئا لها -سواء أنجحت هذه المحاولة أم فشلت- تشخذ فهمنا للمعطيات، وقد ثبت هذا مرة، ومرة في السنوات الأخيرة. وأكثر من ذلك حتى لو أمكن أن نقرر وجود ما هو أكثر مما يقع في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 إطار علم الدلالة المشروطة الحقيقة ويخص المعنى فإن ذلك لا يغير بطبيعة الحال حقيقة أن المعنى والدلالة الذاتية للتعبيرات المفرد ذاتية، والتعبيرات غير المفرد ذاتية يمكن أن تصاغ من خلال شروط الصدق، ويجب أن يسلم بإبهام مفردات كثيرة "انظر 5 - 3"، وإذا كان لجلمتين شروط صدق واحدة "في العالم بكل احتمالاته" فإن لهما معنى وصفي واحد انظر: "The door was opened by John" و "John opened the door" وإذا أمكن استبدال تعبيرين استبدالا داخليا في الجمل التي لها شروط صدق واحدة فإن هذين التعبيرين مترادفان من الناحية الوصفية أي أنهم ذوا معنى واحد، وعلم الدلالة الشكلي جعل ما لم يكن متصفا بالدقة دقيقا أو ببساطة أصبح مسلما به في أكثر المناهج تقليدية في دراسة المعنى، وهو -بما لا يقل أهمية- يقوم بمحاولة جادة لتفسير ما عرض في مستهل القسم الأسبق "5 - 4" عرضا تصويريا إلى حد ما: معنى جملة ما محصلة معنييها المعجمي والنحوي، وهو يقوم بهذه المهمة بمحاولة صياغة الطريقة التي يتفاعل بها هذان المعنيان بشكل واضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 الفهارس قائمة المصطلحات ... الفهارس: قائمة مصطلحات: المجاورة ... adjaeency الاعتباطية/ العشوائية/ العرفية ... arbitrariness الأولوية البيولوجية ... biologically priority لغة الجسد ... body language علامات تحديد ... boundary signals التقويس ... bracketing قناة الاتصال ... channel الاستخدام المميز ... characteristic use الصيغة الاستشهادية ... citation - form علم الفونيمات الأمريكي الكلاسيكي ... classical American phonemics النقطة التي تختتم الجملة ... closing full - stop إمكانية الرمز اللغوي ... codable علاقات التضام والتضاد ... combinatorial and contrastive relation الجملة المؤلفة "المعقدة والمركبة" ... composite علاقات الاحتواء ... eonstituency relationt عملية التوليد "للغة ما" ... creolization فك الشفرة ... decode التبعية ... dependency العلامات الصوتية المميزة ... diacritics الانفصالية ... discontinuity التمايز ... discreteness الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 العلامات الفارقة ... distinctions النظام الرمزي الموسع ... elaborated code موجز/ مختصر ... elliptical يرمز/ يحول إلى رمز ... emcode كينونة ... entity لطف التعبير عن الشيء ... euphemism معنى موسع/ مجازي ... exended sense ممدودية ... extensibility المعنى المجازي ... figurative meaning الصور البيانية ... figures of speech المرونة وتعدد الاستعمالات ... flexibility and versatility مجتمع جامع الغذاء ... food - gathering society علم الدلالة الشكلية "الصورية" ... formal semantics متحررة من تحكم المثير ... free frem stimulus - control البدائل الحرة ... free variants الأولوية الوظيفية ... functional priority الرسم المنظوري الوظيفي للجملة ... functional sentence perspective الوظيفية ... functionalism الارتباط التطوري ... genetically related الإشارات الإيمائية ... gestural signals المتحكم ... governor في إطار نحوي ... grammaticalized بنية متسلسلة ... hiearchial structure الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الأولوية التاريخية ... historical prierity الملكة اللغوية عند الإنسان ... hnmam language - faculty لهجة شخصية ... idielect قوانين داخلية/ فعلية ... immanent rules الفهم المتبادل ... intercomoprehensibility التشاكل أو التماثل في الشكل ... isomorphic اللغة "عموما" ... language اللغة من اللغات ... a language النقص اللغوي ... language - deficit الإعالة اللغوية ... langnage - maintenanee وسيلة لغوية ... language - medium الرمز الحرف ... letter - symbol عدم التماثل المعجمي ... lexical non - isomophism في إطار مفرداتي ... lexicalized التحديدية اللغوية ... linguististic determinism العالميات اللغوية "ما تشترك فيه جميع اللغات" ... linguistic universals علم اللغة الموسع ... macroliugnistics قابلية التحول في الوسيلة ... medium - transferability علم اللغة البحت ... microlinguistics القدرة على التحوير ... modifiabiliy محايد/ غير مميز ... neutral "unmarked" اللاعتباطية ... non - arbitrariness اللاتمايز ... non - discreteness الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 لا لغة ... non - language غير مفرداتي ... non - lexemic ملامح إيمائية مصاحبة للغة ... paralinguistic features عبارات أدائية ... performatives المشاركة الانتباهية ... phatic communion مشروطا صوتيا ... phonetically اللغات الهجينة ... pidgins عملية التهجين "للغة ما" ... pidginization البراكماتية/ علم دراسة الأقوال الفعلية ... pragmatics الاطراد التناسبي ... preportional regularity النظام الرمزي المحدود ... restricted code قطع من الكلام ... segments of speech العملية الاجتماعية ... socialization نوعي "خاص بالبشر" ... species - specific الوسيلة المنطوقة ... spoken medium الأولوية البنيوية ... structural priority تبعية البنية ... structure - dependency التنوع الأسلوبي ... stylistic incongruity مميزة أسلوبيا ... stylistically marked تابعة ... subordinate التبعية ... subordination دون الفونيمي ... subphonemic الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 العلاقات الإحلالية أو الاستبدالية "الرأسية" ... substitutional relations مجاز مرسل ... synecdoche منظومة "مصوغة في صورة نظام" ... systematic الظروف الزمانية والمكانية ... temporal locative adverbs المعنى الجذري ... thematic meaning قوانين خارجية "دخيلة"/ صورية ... transcendent rules علم الدلالة المتصفة بشروط الصدق ... truth - conditions semantics الاستخدام المميز ... uncharaeteristicuse الاسم الفعلي/ المصدر ... verbal noun مبدأ التحقيق والإثبات ... verification principle الاتصال المسموع المنطوق ... vocal - auditory communication الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 المحتوى : صفحة الموضوع 1-43 الفصل الأول: اللغة 1 1- ما اللغة؟ 4 2- بعض تعريفات اللغة 11 3- السلوك اللغوي والنظم اللغوية 15 4- اللغة والكلام 23 5- وجهة نظر سيميولوجية 34 6- تصور التجانس 38 7- لا توجد لغات بدائية 44-87 الفصل الثاني: علم اللغة 44 1- فروع علم اللغة 49 2- هل "علم اللغة" علم 62 3- المصطلحات والرموز 65 4- علم اللغة وصفي وليس معياريا 74 5- أولوية الوصف التزامني 80 6- البنية والنظام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 صفحة الموضوع 88-138 الفصل الثالث: أصوات اللغة 88 1 - الوسيلة الصوتية 93 2- التمثيل الصوتي والهجائي 98 3- علم الأصوات النطقي 118 4- الوحدات الصوتية والصور الصوتية 124 5- الملامح المميزة والفونولوجية التطريزية 134 6- البنية الفونولوجية 139-183 الفصل الرابع: النحو 139 1- النحو والتصريف والصرف 146 2- الصواب النحوي والإنتاجية والاعتباطية 154 3- أجزاء الكلام وأصناف الصيغ والفصائل النحوية 160 4- بعض التصورات النحوية الإضافية 166 5- مكونات البنية 176 6- النحو التوليدي 184- 242 الفصل الخامس: الدلالة 184 1- اختلاف المعنى 196 2- المعنى المعجمي: التجانس وتعدد المعنى والترادف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 صفحة الموضوع 207 3- المعنى المعجمي: المعنى والدلالة الذاتية 214 4- الدلالة والنحو 225 5- معنى الجملة ومعنى القول 236 6- علم الدلالة الشكلي 243 قائمة المصطلحات 249 المحتوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251